الكرازة لاناس من كل الامم
١ قبل ان يصعد يسوع الى السماء ويترك تلاميذه قال لهم: «تكونون لي شهودا في اورشليم وفي كل اليهودية والسامرة والى اقصى الارض.» (اعمال ١:٨) وبعد سنوات قليلة بدأت الكرازة لغير اليهود، لاناس من كل الامم.
٢ كانت عادة اليهود ان يمتنعوا عن دخول بيوت الامم. (يوحنا ١٨:٢٨) ولذلك أُعطي بطرس رؤيا دلَّت انه يستطيع زيارتهم ليكرز لهم. (اعمال ١٠:٢٨) وكان يلزم كل المسيحيين من اصل يهودي ان يتكيَّفوا وفق الرؤيا الالهية. (اعمال ١١:١-٣، ١٨) وهكذا صار المسيحيون يبادرون الى الذهاب الى الامم ليكرزوا لهم ببشارة الملكوت.
٣ اعتاد المسيحيون من اصل يهودي ان يستعملوا الناموس والمزامير والانبياء لاقناع اليهود بأن يسوع هو المسيح وباتمام مواعيد اللّٰه. ولكن كيف سيكرزون الآن لاناس من امم لا تعترف بالناموس؟ كيف سيتعاملون مع اناس يختلفون عنهم في العادات والتقاليد؟ وكيف سيتصرفون عندما يجابهون معتقدات وثنية وتعاليم باطلة؟
٤ دخل بولس الى اريوس باغوس للكرازة للاثينويين. فرأى معبودات كثيرة. ومع انه عرف انها باطلة، إلا انه لم يحتقرها. وعندما وجد مذبحا مكرَّسا لاله مجهول استعمله كأساس مشترَك ليستهلّ خطابه: «[الاله] الذي تتقونه وأنتم تجهلونه هذا انا انادي لكم به.» (اعمال ١٧:٢٣) ثم اقتبس من مراجع يعرفونها ليجعل حججه تروقهم. (اعمال ١٧:٢٨) وهكذا نجد ان الرسول بولس حافظ على الاساس المشترَك الى ان بلَغ الذروة في اعمال ١٧:٢٩-٣١.
٥ اظهر الرسول بولس الاحترام لمشاعر ومعتقدات الآخرين. ولم يحتقر الناس الذين يختلف ايمانهم عن ايمانه. وكان مستعدا لان يستعبد نفسه لهم ليربحهم؛ وأن يجاريهم في الامور التي لا تتناقض مع شرائع اللّٰه ليخلِّصهم. — ١ كورنثوس ٩:١٩-٢٢.
٦ رسم المسيحيون الاوائل مثالا لنا. فعندما نلتقي اناسا تختلف خلفيتهم الدينية عن خلفيتنا نظهر الاحترام لهم ولخلفيتهم. ونحترم ايضا عاداتهم وتقاليدهم وخصوصا عندما نزورهم. ونبذل كل جهد للتقليل من الفوارق الفاصلة بيننا وبينهم، دون ان نكسر شرائع اللّٰه. — ١ كورنثوس ١١:١.
٧ ان اهتمامنا الرئيسي هو اهتمام ايجابي: مساعدة الناس على معرفة الحق. وللتمثل بالرسول بولس: (١) فتشوا عن اساس مشترَك وضعوه في مستهل حديثكم، (٢) حافظوا عليه بلباقة خلال كامل حديثكم، و (٣) استمروا في التعبير عن نقاطكم بطريقة تروق ذهن سامعيكم.
٨ والمعرفة الدقيقة للحق تكون عادةً كافية للكرازة للناس ذوي الخلفية الدينية المختلفة. فيمكننا ان نظهر جمال الحق دون قضاء الوقت الكثير في دراسة اديان اخرى. والشاعرون بحاجتهم الروحية سيرون رغبتنا القلبية في مساعدتهم، اخلاصنا واهتمامنا بهم، وسيدركون رنة الحق.
٩ نحن كارزون «ببشارة الملكوت.» وكتابنا الالهي هو الكتاب المقدس. ونريد ان نكرز به لا بغيره. صحيح ان الاستشهاد بكتب دينية اخرى قد يردم الهوَّة بيننا وبين مستمعينا. ولكنَّ الاكثار من الاستشهاد بها قد يعطي الانطباع اننا نعترف بها كمراجع موثوق بها وأننا نقبلها وسوف نلتزم بكل ما تقوله.
١٠ مثلا، ربما تكون كرازتنا لمسلمين. وربما نعرف بعض الآيات القرآنية التي نجدها مناسبة في حديثنا. ولكنَّ الاكثار من الاقتباس من القرآن سيجعل مناقشتنا قرآنية، مبنية على القرآن وتفاسيره. فهل هذا هدفنا؟ ولذلك من المستحسن ان تكون المناقشات بغالبيتها مبنية على آيات الكتاب المقدس.
١١ ولكن، ما القول اذا سئلنا: «هل تؤمنون بالقرآن ككتاب اللّٰه؟» اذا كانت اقتباساتنا منه قليلة فسيكون سهلا علينا ان نجيب بصراحة: «انا شخص مسيحي درست الكتاب المقدس بدقة وأستطيع ان اعلِّق على ما فيه بشكل جازم. أما القرآن فأنا اعرف انه كتاب عظيم له تأثير على مئات الملايين من الناس لكنني لم ادرسه كما درست الكتاب المقدس ولا اعرف رأيه في كثير من الامور. ولكن لا مانع عندي ابدا ان اسمع منكم عنه.»
١٢ ومثل الرسول بولس نريد ان نبتدئ بوضع اساس مشترَك. فأية مواضيع فيها نقاط مشترَكة مع المسلمين؟ ان المواضيع التي تتعلق بأحوال العالم المتدهورة والآداب المنحطة تهم كل الناس، لان الجميع يتمنون ان تتحسن. فبعد سؤالهم عن رأيهم في احوال العالم وآدابه يمكننا ان نقول لهم: «اعطانا اللّٰه كتبا مقدسة فيها نبوات عما نراه اليوم. لاحظوا معي ما هو مكتوب هنا. [اقرأوا ٢ تيموثاوس ٣:١-٥.]»
١٣ يؤمن المسلمون بالانبياء وبرجال الايمان. ولذلك يمكننا ان نشير الى نوح والطوفان قائلين: «هل تعرفون لماذا جلب اللّٰه طوفانا ايام نوح؟ [اسمحوا بالجواب.] لقد كان الناس اشرارا فأبادهم اللّٰه ولم يترك سوى الصالحين. [يؤمن المسلمون بأنه كان لنوح ولد مات في الطوفان. فيستحسن ان لا نذكر شيئا يجعل نقطة الاختلاف هذه تبرز.] ماذا في رأيكم يمكننا ان نتعلم من هذه الحادثة؟» وهذا سيؤدي الى نقاط بحث رائعة.
١٤ ومن الاسئلة المثيرة للاهتمام: هل تؤمنون بالجنة؟ هل فكرتم مرة لماذا خلق اللّٰه الانسان في الجنة؟ لو لم يأكل آدم من الشجرة هل كان سيبقى في الجنة؟ هل كان سيموت هناك لو لم يأكل؟ ألَم يخسر آدم لانه أُخرِج من الجنة؟ الهدف من هذه الاسئلة جعل المسلم يرى ان الانسان خُلِق بهدف العيش في الجنة ولذلك فهو موعود بها اخيرا. وأن الحياة التي كان سيتمتع بها آدم لو بقي في الجنة تختلف عما عاناه خارج الجنة.
١٥ وللتمهيد لزيارة لاحقة، او اذا سئلنا عن الهدف من زيارتنا، يمكننا ان نقول: «من خلال محادثاتي مع المسلمين عرفت ان القرآن يشجع على الايمان بالتوراة والانجيل. (مثلا، في سورة البقرة ٢:١٣٦؛ سورة آل عمران ٣:٨٤؛ سورة النساء ٤:١٣٦) ولكنني وجدت ان الغالبية يعرفون القليل عنهما. لقد قضيت وقتا طويلا في درس هذه الكتب الالهية ووجدت فيها نبوات وارشادات هي لخير الانسان احب ان اخبركم عنها.»
١٦ ولكن، قد يعترض البعض قائلين: «ان كتابكم مزوَّر!» للاجابة عن هذا الاعتراض يمكننا ان نقول لهم: «هل هذا معقول؟ هل تستطيعون ان تصدقوا ان اللّٰه يعطي كتابا منزلا فيه كلامه ويكون ممكنا تزويره؟ هل تعتقدون ان اللّٰه يقبل ان يُزوَّر كلامه؟»
١٧ ان الهدف من الكرازة للناس هو الوصول الى قلوبهم. والحديث الى الناس فرديا ينجح اكثر من الحديث الى مجموعة من الناس يتدخل بعضهم في ايّ وقت عارضين افكارا من هنا وهناك. ليس هدفنا صنع جلسات فيها تجمعات كبيرة يغلب عليها طابع التحدي.
١٨ كان الرسول بولس مهتما بالكرازة في مقاطعات لم تسمع شيئا عن اللّٰه وعن المسيح وعن شرائع اللّٰه. (رومية ١٥:٢٠) وقد مارس الصبر وكان لبقا وتعامل مع الآخرين باحترام. بذل نفسه لاجلهم واهتم ان يعطيهم لا ان يأخذ منهم. واليوم يبارك يهوه كل الذين يتمثلون به في هذا النوع من الخدمة. — اعمال ٢٠:٣١-٣٥.