لماذا انقاذ الغابات المَطِيرة؟
الجمع يشاهد مباراة في كرة القدم ويهتف متحمِّسا. وهم يتمنَّون ان تدوم اللعبة الى الابد. ولكنهم يستمرون في اطلاق النار على اللاعبين. ويُحمل الموتى واحدا واحدا من الملعب. فيستشيط الجمع غضبا عندما تبطُؤ اللعبة.
ان ازالة الأحراج هي تقريبا الامر نفسه. فالبشر يتمتَّعون بالغابات ويعتمدون عليها في الواقع. ولكنهم يستمرون في القضاء على ما يقابل اللاعبين: الانواع الفردية من النباتات والحيوانات، التي يكون تفاعلها المعقَّد ما يبقي الغابةَ حية. ولكنّ ذلك اكثر من لعبة. فإزالة الأحراج تؤثِّر فيكم. وهي تمسّ نوعية حياتكم حتى لو كنتم لم تروا قط غابة مَطِيرة.
ان التنوُّع الهائل للاشياء الحية، ما يدعوه العلماء التنوُّع الحيوي، هو ما يحاجّ البعض انه المقتنى الاعظم للغابات المَطِيرة. ان خُمس الميل المربَّع من الغابة المَطِيرة الماليزية يمكن ان يُنبت نحو ٨٥٣ نوعا من الاشجار، اكثر ممّا في الولايات المتحدة وكندا مجتمعتين.
ولكنّ هذا التعقيد الوافر من الحياة إنَّما هو هشّ. وأحد العلماء قارن الانواع الفردية بالبراشم rivets التي على الطائرة. فكلما انحلّ نافرا الى الخارج عددٌ اكبر من البراشم بدأ عدد اكبر آخر بالانهيار تحت وطأة الاجهاد المتزايد. وإذا كانت هذه المقارنة صحيحة يكون كوكبنا «طائرة» تواجه المتاعب. وإذ تتقلَّص الغابات المَطِيرة يقدِّر البعض ان عشرة آلاف نوع من النباتات والحيوانات يُفقد كل سنة، وأن سرعة الانقراض هي الآن نحو ٤٠٠ مرة اسرع منه في ايّ وقت في تاريخ الكوكب.
وينوح العلماء على الخسارة الصِّرف للمعرفة، التي تأتي من هذا الانخفاض في التنوُّع الحيوي. وهم يقولون انه كإحراق مكتبة قبل قراءة كتبها. ولكنْ هنالك خسائر ملموسة اكثر ايضا. مثلا، ان نحو ٢٥ في المئة من الادوية الموصوفة في الولايات المتحدة يرتكز على نباتات الغابات المدارية. وأحد هذه الادوية زاد معدَّل هَدْأة remission ابيضاض دم (لوكيميا) الاطفال من ٢٠ في المئة في ستينات الـ ١٩٠٠ الى ٨٠ في المئة في سنة ١٩٨٥. ولذلك، استنادا الى «صندوق الحياة البرية العالمي،» فإن الغابات المَطِيرة «تمثِّل صيدلية واسعة.» وثمة عدد لا يُحصى من النباتات لم يجرِ اكتشافه بعد، فضلا عن فحصه من اجل استعمالات طبية ممكنة.
وإضافة الى ذلك، قليلون منا يدركون كم من محاصيلنا الغذائية مأخوذ من نباتات وُجدت اصلا في الغابات المَطِيرة. (انظروا الاطار في الصفحة ١١.) وإلى هذا اليوم يجمع العلماء المورِّثات من اصناف هذه النباتات الشديدة التحمُّل التي تعيش في الغابات ويستعملونها لدعم مقاومة المرض في ذريتها الاكثر هشاشة، المحاصيل البستانية. ويوفِّر العلماء مئات الملايين من الدولارات في خسائر المحاصيل بهذه الطريقة.
وإضافة الى ذلك، فإننا لا نعرف ما يمكن ان يبرز بعدُ من اطعمة الغابات المَطِيرة كأطعمة مفضَّلة عالميا. ومعظم الاميركيين الشماليين لا يعرفون ان اسلافهم، قبل مئة سنة فقط، نظروا الى الموز كثمرة غريبة دخيلة ودفعوا دولارين لقاء موزة واحدة مغلَّفة على انفراد.
الصورة العالمية
ان الانسان نفسه هو الضحية النهائية لإزالة الأحراج. فالتأثيرات في البيئة العالمية تتَّسع الى الخارج حتى انها تطوِّق العالم. كيف؟ لنلقِ نظرة اخرى على الغابة المَطِيرة المدارية. وكما يدلّ الاسم، المطر هو وجهها البارز. فيمكن ان يهطل اكثر من ٨ إنشات في اليوم، اكثر من ٣٠ قدما في السنة! والغابة المَطِيرة مصمَّمة على نحو كامل لمواجهة هذا الانهمار الغزير.
ان الظُلّة تُضعف قوة القطرات بحيث لا تتمكَّن من جرف التربة بعيدا. فالكثير من الاوراق مجهَّز بأطراف طويلة، او نهايات مُستدقّة مقطِّرة، تحطِّم القطرات الضخمة. وهكذا يتحوَّل المطر الوابل الى وَكْف ثابت يسقط الى الارض في الاسفل بوقع انعم. والنهايات المُستدقّة ايضا تتيح للاوراق إراقة الماء بسرعة بحيث تتمكَّن من العودة الى العَرَق transpiration، معيدة الرطوبة الى الجو. وتتشرَّب اجهزة الجذور ٩٥ في المئة من الماء الذي يصل الى ارض الغابة. وككل تمتصّ الغابة المطرَ الهاطل كإسفنجة ضخمة وبعدئذ تطلقه ببطء.
ولكن باختفاء الغابة يهطل المطر مباشرة وبقسوة على التربة المكشوفة ويجرفها بالاطنان. مثلا، في ساحل العاج، افريقيا الغربية، ان اكرين ونصف الاكر من الغابة المَطِيرة المدارية القليلة الانحدار تخسر فقط نحو ثلاثة اجزاء من مئة من الطن من التربة سنويا. والاكران ونصف الاكر عينهما، كقطعة ارض أُزيلت أحراجها وزُرعت، تخسر ٩٠ طنا من التربة سنويا؛ وكأرض جرداء ١٣٨ طنا.
ان هذا النوع من خسارة التربة يفعل اكثر من تخريب الارض للزرع او الرعي. وما يبعث على السخرية هو ان السدود، التي تسبِّب مقادير ضخمة من ازالة الأحراج، هي نفسها تخرب من جرّائها. فإذ يغمرها الطمي الذي تحمله الانهار من المناطق التي أُزيلت أحراجها تنسدّ بسرعة وتصير غير نافعة. والاقاليم الساحلية وأماكن التسرئة (وضع البيوض للحيوانات المائية) يوسِّخها ايضا الطمي المفرط.
والتأثيرات في انماط المطر والطقس وخيمة اكثر ايضا. فالانهار الخارجة من الغابات المَطِيرة المدارية هي عموما ملآنة على مدار السنة. أمّا بدون الغابة لتنظِّم تدفُّق الماء الى الانهار فإنها تفيض مع الامطار الفجائية ثم تجفّ. فتنشأ دورة من الفيضانات والجفاف. وأنماط المطر يمكن ان تتأثَّر في محيط آلاف الاميال لأن الغابة المَطِيرة تساهم بواسطة العَرَق في ما يعادل نصف الرطوبة في الجو المحلي. وهكذا فإن ازالة الأحراج ربما ساهمت في فيضانات بنڠلادِش وجفاف اثيوپيا على السواء التي قتلت كثيرين جدا في هذا العقد الماضي.
ولكنّ ازالة الأحراج يمكن ان تؤثِّر ايضا في طقس الكوكب كله. لقد دُعيت الغابات المَطِيرة رئةَ الارضِ الخضراءَ لأنها تسحب ثاني اكسيد الكربون من الهواء وتستعمل الكربون لبناء الجذوع والأفنان والقِلْف. وعندما تُحرَق الغابة يجري تفريغ كل هذا الكربون في الجو. والمشكلة هي ان الانسان يفرِّغ الكثير جدا من ثاني اكسيد الكربون في الجو (بحرق الوقود الأُحفوري وبإزالة الأحراج على السواء) بحيث يمكن ان يكون قد احدث اتجاه دفء عالمي يُدعى مفعول الجُنَّة greenhouse effect، الذي يهدِّد بإذابة قلانس الكوكب الجليدية القطبية ورفع مستويات البحار، فتنغمر الاقاليم الساحلية.a
فلا عجب، اذًا، ان يصير الناس في كل انحاء العالم مهتمين بالازمة. فهل يساعدون؟ هل يجري تقديم ايّ حل؟ وأي رجاء هنالك في هذا الوضع الكئيب؟
[الحاشية]
a انظروا استيقظ! ٨ ايلول ١٩٨٩ بالانكليزية.
[الاطار في الصفحة ١١]
غلال من الغابات المَطِيرة
هل هنالك رقعة من الغابة المَطِيرة المدارية قربكم الآن؟ تأملوا في بعض الاطعمة التي وُجدت اصلا في الغابات المَطِيرة حول العالم: الرز، الذرة، البطاطا الحلوة، المنيهوت (الكسَّافة، او التبيوكا)، قصب السكر، الموز، البرتقال، البن، البندورة، الشوكولاته، الاناناس، الاڤوكادو، الڤانيليا، الكريب فروت، تنوُّع من البندق، التوابل، والشاي. ونصف محاصيل العالم الغذائية على الاقل يرتكز على نباتات اتت من الغابات المَطِيرة! وما هذه إلاّ بعض الاطعمة.
وتأملوا في الادوية: فالقلوانيات alkaloids من النباتات المعْتَرِشة تُستعمل كمُرْخيات عضلية قبل الجراحة؛ ومكوِّنات الهيدروكورتيزون الفعّالة لمحاربة الالتهاب، الكينين لمحاربة الملاريا، الديجيتاليس لمعالجة قصور القلب، الدَيوسْجِنِن diosgenin في حبوب تحديد النسل، وعِرق الذهب ipecac لتسبيب التقيُّؤ كلها تأتي من نباتات الغابة المَطِيرة. وتَعِدُ نباتات اخرى بالنجاح في محاربة الأيدز والسرطان، اضافة الى الاسهال، الحمَّى، لدغ الحيات، والتهاب المُلتحِمة واضطرابات العين الاخرى. أمّا اية علاجات اخرى قد تكون مخفية بعدُ فغير معروف. فأقل من ١ في المئة من انواع نباتات الغابة المَطِيرة قد فحصه العلماء. وأحد علماء النبات ناح: «نحن ندمِّر اشياء لا نعرف حتى بوجودها.»
ولكنّ المزيد من المنتوجات يأتي من الغابات المتلاشية: اللثى latex، الراتنجات، الشموع، الحموض، الكحولات، الأفاوِيه، المُحلِّيات، الاصبغة، الالياف كتلك المستعملة في صُدَر النجاة، الصمغ المستعمل لصنع العِلك، الخيزران، وأسل الهند rattan — وهي بحدّ ذاتها الاساس لصناعة عالمية واسعة.
[الرسم/الصورة في الصفحة ٩]
(اطلب النص في شكله المنسَّق في المطبوعة)
دور الغابة
الظُلَّة تحمي التربة من الامطار الوابلة
الغابات تضيف الرطوبة والاكسجين الى الجو
النبات يمتصّ الكربون ويخزنه
اجهزة الجذور تساعد على تنظيم تدفُّق الرطوبة الى الانهار
[الصورة في الصفحة ١٠]
تأثيرات ازالة الأحراج
الانخفاض في الرطوبة المضافة الى الجو يعني المزيد من الجفاف
المطر يحتّ التربة غير المحميّة. الفيضانات تزداد
إحراق الشجر يُطلق الكربون ويزيد في مفعول الجُنَّة