التبنّي — لماذا وكيف؟
لماذا انخفض بشدة عدد الاولاد الذين جرى تبنّيهم في بريطانيا خلال الـ ٢٠ سنة الماضية؟ جرت الاشارة الى سببَين — سهولة الاجهاض الشرعي والتقبُّل المتزايد لأمّ تربي ولدها دون زوج. والآن تُعتبر العائلة ذات الوالد الواحد تحدِّيا يمكن مواجهته بنجاح في المجتمع العصري.
ولكن قبل اكثر من ١٠٠ سنة بقليل كانت الامور مختلفة. فعندما صارت پولي، امّ إدڠار والاس، الكاتب الانكليزي للروايات الاجرامية، حبلى بابن مستخدِمها، ذهبت الى مكان آخر وولدت سرًّا. وكان إدڠار بعمر تسعة ايام عندما رتَّبت القابلة ان تعتني به زوجة جورج فريمان، حَمَّال في سوق بيلينڠزڠايت للسمك في لندن. وكانت لدى عائلة فريمان آنذاك عشرة اولاد، وكبر إدڠار معروفا باسم ديك فريمان. وكانت پولي تدفع قانونيا مبلغا من المال للمساعدة على اعالة ولدها، ولم يعلم الاب قط بوجود ابنه.
واليوم عندما لا يكون الاولاد مرغوبا فيهم، غالبا ما تتولَّى سلطات الدولة مسؤوليتهم. فيُلحَق كثيرون بمؤسسات لرعاية الاولاد إما لأنهم بحاجة الى الحماية من الاساءة او لأنهم عاجزون جسديا او عقليا. والذين يتَّمتهم اهوال الحرب والاطفال المولودون نتيجة الاغتصاب يزيدون دائما اعداد الاولاد الذين يصرخون طلبا للمودة والحماية الابويين — وبكلمة واحدة، التبنّي.
التبنّي او عدم التبنّي؟
ان تبنّي ولد ليس سهلا على الاطلاق، وليس من الحكمة ابدا ان تتسرَّعوا في اتِّخاذ قرار عندما تفكِّرون فيه. وإذا كنتم قد فقدتم ولدا في الموت، فقد يكون من الافضل ان تنتظروا حتى تجتازوا الصدمة او الحزن قبل ان تتَّخذوا قرارا نهائيا بشأن التبنّي. وقد يصحّ الامر نفسه في الزوجين اللذين يُقال لهما انهما عاقران.
يرث كل ولد خصائص جينية فريدة. وغالبا ما تفاجئ الوالدين ميول اولادهم الطبيعيين، ولكن من الصعب تقييم مقدرة الطفل العقلية والعاطفية المحتملة اذا لم يكن نَسَبه معروفا.
هل تقدِّرون كثيرا الانجاز الاكاديمي؟ اذا كان الامر كذلك، فكيف ستشعرون اذا لم يبلغ ابنكم المتبنَّى توقُّعاتكم؟ هل تجدون الولد المعاق عقليا او العاجز جسديا تحدِّيا يمكنكم مواجهته؟
ان هيئة عاملين مدرَّبة في وكالات التبنّي او عمّالا حكوميين في الحقل الاجتماعي سيطرحون عليكم اسئلة تتعلق بهذه المسائل قبل ان تتَّخذوا قراركم النهائي. فهمّهم الاول يلزم ان يكون امن وسعادة الولد.
اذا قرَّرتم ان تتبنّوا . . .
لكل بلد قوانين وأنظمة تبنٍّ خاصة يلزم ان تُدرس. ففي بريطانيا هنالك مئات من جمعيات التبنّي، وهي تتعاون عادة مع السلطات الحكومية المحلية. وكل الجمعيات لديها قواعدها الخاصة.
ان حفلات التبنّي امر شائع بشكل بارز في بريطانيا، حيث يمكن لعدد من الآباء المحتملين ان يخالطوا اولادا موجودين للتبنّي، دون التوتر العاطفي الذي يمكن ان يرافق مقابلة شخص لشخص. والجو الهادئ يسهِّل على الأبوين المحتمَلين ان يقولا لا ويجعل من المحتمل اقل ان يخيب امل الاولاد، لأن تركيز الانتباه لا يقتصر على ولد واحد فقط.
وتُفرض عادة حدود قصوى للعمر على المتبنّين، على الارجح حوالي ٣٥ او ٤٠ سنة من العمر — لكنّ ذلك ينطبق غالبا على تبنّي الاطفال، وليس بالضرورة على تبنّي الاولاد الاكبر سنا. تقول جمعيات التبنّي ان الحدود القصوى للعمر تأخذ في الاعتبار معدل العمر المتوقع للأبوين المحتملين. ومع ذلك فهي تدرك ان الخبرة القيِّمة تأتي مع العمر.
قبل سنوات كان يمكن اجراء ترتيبات التبنّي مع رفيقَين متزوِّجين فقط. أما اليوم فيمكن لغير المتزوِّجين ان يتقدَّموا بطلب لتبنّي اولاد معيَّنين ويلقى طلبهم القبول. بالاضافة الى ذلك، لم تعد البطالة والعجز سببَين يُرفض لاجلهما تلقائيا الآباء المحتمَلون. والسؤال الاساسي هو، ماذا يمكن ان يقدِّم هذا الترتيب للولد؟
وحتى عندما يُنجز التبنّي بشكل نهائي اخيرا، قد تستمر مراقبة الابوَين للتأكد ان الامور تسير على ما يرام.
من عرق آخر؟
قبل ثلاثين سنة كان من الصعب في بريطانيا ان تتبنّى عائلات من السود اولادا سودا، ونتيجة لذلك، تبنّت عائلات من البيض كثيرين منهم. ومنذ سنة ١٩٨٩ صارت السياسة الوطنية في بريطانيا ان يتبنّى الاولادَ آباءٌ من العرق نفسه. ويُعتقد ان الولد بهذه الطريقة سيندمج بسرعة اكبر في عرقه ومجتمعه. لكنَّ ذلك ادَّى الى بعض المفارقات.
اخبرت مؤخرا ذا صنداي تايمز ان بعض الآباء البيض «أُعيد تصنيفهم بأنهم ‹سود›» ليتمكَّنوا من تبنّي ولد اسود. وليس غريبا ان يحضن ابوان من البيض ولدا اسود، الامر الذي يعني ان يعتنيا به بشكل مؤقت. ولكن اذا رُفض لاحقا ان يُمنحا الحق في تبنّي ذلك الولد دائما، تكون النتيجة جرحا عاطفيا للولد والابوين على السواء.
ثمة زوجان اسكتلنديان حضنا ولدَين هنديَّين طوال ست سنوات واجها مؤخرا مشكلةً نموذجية، مشكلة التبنّي المختلِط العرق. وتخبر ذا تايمز ان المحكمة اذنت بالتبنّي شرط ان «يسعى [الابوان] جاهدَين ليضمنا ان يُعرَّف الولدان بهويتهما [العرقية] ويكبرا مدركَين اصلهما وتقاليدهما العرقية.» وفي هذه الحالة، كان الابوان المتبنِّيان يفعلان ذلك من قبل. فقد كان الولدان يُعلَّمان اللغة البَنجابية ويُلبسان احيانا زيّ بلدهما.
سيوافق كثيرون على تعليقات الناطقة بلسان الخدمات الاجتماعية البريطانية التي قالت انه يجب ان تُقلَّل القيود التي توضع على التبنّي المختلِط العرق. «نحن نعيش في مجتمع متعدِّد الحضارات،» قالت، «والحضانة والتبنّي يجب ان يعكسا ذلك.»
من الخارج؟
ان تبنّي الاولاد من بلدان اجنبية هو بحسب صحيفة The Independent ‹تجارة مزدهرة.› ومع ان التقارير تشير الى ان بعض المعاملات قد لا تكون شرعية، فأوروپا الشرقية هي مصدر رئيسي لامداد بريطانيا.
مثلا، جرى هجر بعض الاطفال الذين وُلدوا نتيجة الاغتصاب خلال انهيار يوڠوسلاڤيا السابقة. ويُقال ان آخرين كان سيجري اجهاضهم لولا تدخُّل «سمسار الاطفال،» الذي وعد بالتبنّي اذا وُلد الطفل في اوانه الطبيعي. لكنَّ حكومات البلدان الغربية قلقة بشأن المبالغ التي تُدفع لقاء انجاز بعض حالات التبنّي هذه.
وما يدعو اكثر الى القلق هو تزييف الاطباء المزعوم للوثائق وقت الولادة. فقد اوردت صحيفة الاوروپية تقارير عن ادِّعاءات بأن بعض الامهات في اوكرانيا قيل لهنَّ ان اطفالهنَّ وُلدوا امواتا. وزُعم ايضا ان هؤلاء الاطفال بيعوا في ما بعد. وأمهات اخريات ربما أُعلمن بأن اولادهنَّ معاقون عقليا. فتحْت ضغط كهذا، يكون من الاسهل اقناع الامهات المرتبكات بأن يوقِّعن على منح اولادهنَّ للتبنّي. ومع ذلك فإن اولادا آخرين قد لا يصلون ابدا الى دور الايتام التي أُرسلوا اليها انما قد يُرسلون الى بلدان اجنبية.
يَظهر الاستياء في البلدان النامية. فهي تدَّعي ان الغرب الغني يجب ان يفعل المزيد لمساعدة العائلات الاصلية على الاعتناء بذريتها في بيئتهم الأمّ بدلا من اخذهم بعيدا للتبنّي في مجتمع غريب.
ويلزم ان يفهم الغرب ايضا التقليد القديم للعائلات الممتدة، العمود الفقري للمجتمع في حضارات كثيرة. فالولد عادة لا يُحرم من العناية عندما يكون عائشا في جماعات قبلية، حتى لو مات الوالدان. ففضلا عن اعضاء العائلة الأقربين، كالاجداد، تعتبر العائلة الممتدة من الاعمام والاخوال والعمَّات والخالات ان الولد ولدهم، وأيّ عرض للتبنّي من الغرباء يمكن ان يُساء فهمه ويُعتبر تطفُّلا مرفوضا.a
ان اجراء الترتيبات للتبنّي ليس سهلا، وحتى عندما يُنجز التبنّي نهائيا، يلزم عمل شاق لجعله ناجحا. ولكن كما سنرى، هنالك ايضا افراح عظيمة.
[الحاشية]
a من اجل مناقشة شاملة لممارسة اعارة الاولاد لاعضاء العائلة الآخرين، انظروا عدد ١ ايلول ١٩٨٨ من برج المراقبة، الصفحات ٢٨-٣٠، اصدار جمعية برج المراقبة للكتاب المقدس والكراريس في نيويورك.
[الاطار في الصفحة ٥]
هل سيبحث ابني عني؟
حصل والداي على الطلاق عندما كان عمري ١١ سنة. وكنت في امسّ الحاجة الى المحبة. وعندما صرت في الكلية، تورَّطت في علاقة رومنطيقية؛ لقد كانت طريقتي لنيل المودة. ويا للحسرة، فقد اكتشفت لاحقا انني حبلى. كان ذلك مثيرا جدا للسخرية. فرفيقي التلميذ وأنا لم نكن ناضجين البتة. انا لم اتعاطَ قط المخدِّرات، الكحول، او التبغ، لكنَّ صديقي كان يتعاطى في ما مضى الـ LSD، مما اضعف كثيرا قدراته.
نصحوني ان اجهض، لكنَّ ابي اقنعني ان لا افعل ذلك. لم اكن اريد ان اصير حبلى، لكنني لم اكن اريد ايضا ان اقضي على حياة. وعندما وُلد ابني في سنة ١٩٧٨، قرَّرت ان لا اضع اسم ابيه في شهادة الولادة لأضمن ان لا يتمكن الاب من الوصول اليه. وفي الواقع، وافقت ان يجري تبنّي الطفل من الولادة؛ لذلك أُخذ مني فورا ووُضع مؤقتا في مؤسسة للخدمات الاجتماعية. حتى انني لم ارَه. لكنني بعد ذلك غيَّرت رأيي. فأخرجته من مؤسسة الخدمات الاجتماعية وحاولت يائسةً ان اربّيه وحدي. لكنني فشلت، وكدت أُصاب بانهيار عصبي.
كان عمر ابني ستة اشهر تقريبا عندما جرت الموافقة على طلب للتبنّي وكان عليَّ ان اتخلّى عنه. اتذكر انني شعرت كما لو ان احدا طعنني بسكين. فقد متّ عاطفيا. ولم اتمكَّن من اقامة علاقات ذات مغزى إلا بعدما حصلت على ارشاد نفسي من اختصاصي خلال السنتين الماضيتين. لم استطع ان احزن — فابني لم يمت. لكنني لم استطع ان افكر فيه ايضا — لقد رفضت ان اسمح لنفسي بذلك. كان الوضع رهيبا.
وأكثر ما آلمني هو سماع الناس يقولون: «اذا تخلَّيتِ عن ولدك للتبنّي، فأنتِ لا تحبّينه.» لكنَّ ذلك لم يكن صحيحا في حالتي! فلأنني احب ابني تخلَّيت عنه! ولآخر لحظة بقيت اسأل نفسي: ‹ماذا افعل؟ ماذا يمكنني ان افعل؟› لم يكن هنالك خيار. فقد عرفت انه لا يمكنني ان اتدبَّر امري وأن طفلي سيتألم اذا حاولت الاحتفاظ به.
في انكلترا، يقبل المجتمع الآن العائلات ذات الوالد الواحد — لكنَّ الامر لم يكن كذلك عندما ولدت ابني. اتمنى لو انني تمكَّنت من الاعتناء به كما يجب. اعتقد ان الارشاد النفسي الذي تلقَّيته مؤخرا ساعدني، ولكن فات الاوان الآن. هل ابني ما زال حيًّا؟ ايّ نوع من الشبان صار الآن؟ بعمر ١٨ سنة، يحق شرعيا للاولاد المتبنّين ان يبحثوا عن والديهم. وأنا اتساءل دائما عما اذا كان ابني سيبحث عني. — مقدَّمة للنشر.
[الاطار/الصورة في الصفحة ٨]
لقد نجح الامر معنا
كنا عائلة انكليزية مكتفية ومتَّحدة لها صبيّان مراهقان. وفكرة حيازة ابنة — ومن عرق مختلف — لم تخطر قط ببالنا. ثم دخلت كاثي حياتنا. وُلدت كاثي في لندن، انكلترا. ترعرعت ككاثوليكية رومانية، لكنها حضرت مع امها اجتماعات قليلة في قاعة الملكوت لشهود يهوه عندما كانت صغيرة. ولكن بعمر ١٠ سنوات وُضعت في دار للاولاد.
ومع ان الامور كانت اصعب عليها هناك، استمرت تتدبَّر وحدها امر حضور الاجتماعات في قاعة الملكوت حيث التقيناها. كانت كاثي فتاة عميقة التفكير. وعندما قمنا زوجتي وأنا بزيارتها في دار الاولاد، لاحظنا ان الحائط بجانب سريرها ملآن صور حيوانات ومناظر طبيعية ريفية، بخلاف صور النجوم الشعبيين التي علَّقتها الفتيات الاخريات.
ولاحقا كان على كاثي ان تمثل امام لجنة تقييم سألتها اذا كانت ترغب في مغادرة الدار والعيش بدل ذلك مع عائلة. فأجابت: «مع عائلة من شهود يهوه فقط!» وعندما اخبرتنا كاثي بذلك وبما قالته، جعلتنا نفكر في الامر. نحن لدينا غرفة اضافية. فهل يمكننا ان نتولى هذا النوع من المسؤولية؟ تداولنا في الامر كعائلة وصلَّينا. ولم نكتشف إلا بعد وقت طويل ان هذا الاقتراب — سؤال رأي الولد — كان مغامرة جديدة من جهة الخدمات الاجتماعية، تجربة كانت تُدعم آنذاك بالوثائق.
استعلمت الخدمات الاجتماعية عنا لدى الشرطة وطبيبنا وحصلتْ على شهادة مؤهِّلات شخصية. وبسرعة جرت الموافقة. قيل لنا انه بإمكاننا اخذ كاثي على اساس التجربة وإعادتها اذا لم تعجبنا! فأراعنا ذلك، وكنا حازمين جدا في القول اننا لن نفعل ذلك ابدا. كان عمر كاثي ١٣ سنة عندما اخذناها رسميا الى بيتنا.
استمر رباط المحبة الفريد بيننا جميعا يزداد قوة. وكاثي الآن تخدم كفاتحة (مبشِّرة كامل الوقت) في جماعة فرنسية لشهود يهوه في شمالي لندن. وفي السنة التي تركت فيها البيت لتخدم كفاتحة، كتبت لنا ملاحظة مؤثِّرة: «هنالك قول مأثور يقول ‹لا يمكنكم ان تختاروا عائلتكم.› ولكنني اودّ ان اشكركم من قلبي على اختياركم اياي.» نحن شاكرون جدا ان كاثي انضمت الى عائلتنا! فجعلها جزءا من عائلتنا اغنى حياتنا. لقد نجح الامر معنا! — مقدَّمة للنشر.
[الصورة]
كاثي مع ابويها وأخويها بالتبنّي
[الصورة في الصفحة ٧]
يصرخ اولاد كثيرون طلبا للمودة والحماية الابويين