المحافظة على كرامة المريض
قبل يومين من اخذ سالي زوجها ليعاينه طبيب اعصاب عُيِّن رئيس وزراء جديد في جنوب افريقيا. وعندما سأل طبيب الاعصاب ألفي عن نتيجة الانتخابات، بدا وجهه خاليا من التعابير ولم يستطع الاجابة. وبعد اجراء مسح دماغي اوضح طبيب الاعصاب دون ان يظهر اعتبارا لمشاعره: «هذا الرجل لا يقدر ان يجمع اثنين مع اثنين. فقد انطفأت شعلة ذهنه!». ومن ثم نصح سالي قائلا: «عليك اعالة نفسك ماديا. فهذا الرجل قد ينقلب عليك ويصبح عنيفا».
«غير ممكن ابدا!»، اجابت سالي، «ليس زوجي!». وقد تبرهن ان اعتراض سالي كان في محله، فألفي لم يصبح عنيفا قط، رغم ان بعض الذين يصابون بداء ألزهايمر يصيرون عدائيين. (غالبا ما يحدث ذلك بسبب مشاعر التثبُّط التي يمكن تخفيفها في بعض الحالات بحسب طريقة معاملة المصاب بداء ألزهايمر.) رغم ان طبيب الاعصاب نجح في تشخيص مشكلة ألفي، لم يكن على علم كما يبدو بالحاجة الى المحافظة على كرامة المريض. ولو كان على علم بذلك لشرح لسالي بلطف حالة ألفي على انفراد.
يذكر كتاب عندما اصبح هرما اكثر من ان احلم (بالانكليزية): «ان الحاجة الاساسية للمصابين بالخَرَف على انواعه، هي التمكن من المحافظة على كرامتهم، احترامهم، واعتبارهم للذات». ويشرح منشور ارشادي بعنوان الاتصال (بالانكليزية)، اصدار جمعية داء ألزهايمر في لندن، احدى اهم الطرائق للمحافظة على كرامة المريض: «لا تتكلموا ابدا امام الآخرين عن المرضى كما لو انهم غير موجودين. فحتى ان لم يفهموا، قد يشعرون انه يجري استثناؤهم بطريقة ما وينتابهم احساس بالاذلال».
في الواقع، ان بعض المصابين بداء ألزهايمر يفهمون ما يقوله الآخرون عنهم. على سبيل المثال، رافق مريض في أوستراليا زوجته الى اجتماع لجمعية ألزهايمر. وعلَّق لاحقا: «كانوا يعلِّمون المعتنين بنا ما يجب فعله وكيفية القيام بذلك. لم استطع تحمل فكرة وجودي هناك دون ان يتطرَّق احد الى ذكر المريض. . . . انه امر مزعج للغاية. فبسبب مرضي بداء ألزهايمر يكون كل ما اقوله خارجا عن الموضوع: لا احد يسمع لي».
كونوا ايجابيين
هنالك عدة طرائق ايجابية لمساعدة المرضى على المحافظة على كرامتهم. فقد يحتاجون الى المساعدة على القيام بالمهام اليومية التي كانت ذات مرة سهلة بالنسبة اليهم. مثلا، اذا كانوا سابقا هواة مراسلة، فربما يمكنكم ان تجلسوا وتساعدوهم على الرد على رسائل اصدقائهم المهتمين. وتزوِّد شارون فيش في كتابها ألزهايمر — الاعتناء بأحبائكم، الاعتناء بأنفسكم (بالانكليزية) طرائق عملية اخرى لمساعدة المصابين بداء ألزهايمر: «جدوا اعمالا سهلة ذات معنى ومنتجة للقيام بها معا: غسل وتجفيف الصحون، مسح الارض، طي الغسيل، اعداد الطعام». وتضيف قائلة: «قد لا يتمكن المصاب بداء ألزهايمر من تنظيف البيت كله او اعداد وجبة طعام كاملة، ولكن فقدان هذه المقدرات هو عادة تدريجي. فبإمكانكم الاعتماد على الامكانيات التي لا تزال موجودة والمساعدة على المحافظة عليها قدر المستطاع. واذ تفعلون ذلك تساعدون ايضا مَن تحبون ان يحافظ على اعتباره لنفسه».
قد لا تكون كل الاعمال التي يقوم بها المصابون بداء ألزهايمر على المستوى المطلوب، فقد تضطرون الى مسح الارض او غسل الصحون من جديد. ولكن بسماحكم للمريض ان يشعر بأنه نافع، تفسحون له المجال ان ينال الاكتفاء في الحياة. امدحوا المريض على عمله حتى ان لم يكن على المستوى المطلوب. وتذكروا انه قدَّم افضل ما عنده ضمن امكانياته المحدودة. يحتاج مرضى داء ألزهايمر الى الطمأنة والمدح بشكل مستمر — وبالاكثر فيما تقلّ مقدرتهم على القيام بنشاطاتهم جيدا. تذكر كاثي التي يعاني زوجها، البالغ من العمر ٨٤ سنة، من داء ألزهايمر قائلة: «يمكن في اية لحظة وبشكل لا يمكن توقعه ان تبتلعهم مشاعر عدم الجدارة. فعلى الذين يعتنون بالمريض ان يسرعوا الى طمأنته انه يقوم بالعمل بشكل جيد». ويوافق الكتاب نشاطات دون اخفاق للمصابين بداء ألزهايمر (بالانكليزية): «كلنا بحاجة الى سماع اننا نقوم بعملنا بشكل جيد، والمصابون بالخَرَف يحتاجون الى ذلك بشكل خصوصي».
كيفية معالجة الاوضاع المحرجة
يجب ان يتعلم الذين يزوِّدون العناية كيف يعالجون الاوضاع المحرجة التي يواجهها احباؤهم. وأكبر المخاوف هي السَّلَس علانية. يوضح الدكتور ڠيري بِنّيت في كتابه داء ألزهايمر وحالات التشويش الاخرى (بالانكليزية) قائلا: «ان هذه الاوضاع قلَّما تحدث ويمكن عادة تفاديها او التقليل منها. ويجب امتلاك نظرة واقعية الى الامور المهمة والاقل اهمية، فالامر الذي حدث لا يهم بحد ذاته ولا الاشخاص الحاضرون بقدر الحط من كرامة الفرد».
فإذا حدثت اوضاع محرجة كهذه لا تعنِّفوا المريض. وبدلا من ذلك حاولوا اتباع هذه النصيحة: «ابقوا هادئين وواقعيين وتذكروا ان الشخص لا يفعل ذلك عمدا. وعلاوة على ذلك، من المرجح ان يتعاونوا اكثر اذا كنتم لطفاء وثابتين عوض ان تغتاظوا وتكونوا قليلي الاحتمال. افعلوا كل ما في وسعكم كي لا تدعوا المشكلة تقف في طريق علاقتكم». — منشور ارشادي بعنوان السَّلَس (بالانكليزية)، اصدار جمعية داء ألزهايمر في لندن.
هل تصحيح الخطإ ضروري دائما؟
غالبا ما يقول المصابون بداء ألزهايمر اشياء غير صحيحة. مثلا، قد يقولون انهم ينتظرون زيارة قريب مات في الواقع منذ فترة طويلة، او قد يصابون بالهلوسة مشاهدين اشياء لا وجود لها الّا في عقلهم. فهل من الضروري دائما ان نصحح وجهة نظر المريض لأنه تفوَّه بأشياء غير دقيقة؟
يشرح روبرت ت. وودز في كتابه داء ألزهايمر — مواجهة حياة اشبه بالموت (بالانكليزية) قائلا: «هنالك والدون لا يكفّون عن التصحيح لأولادهم كلما اخطأوا في اللفظ او في قواعد اللغة. . . . وغالبا ما تكون النتيجة ولدا مستاء او منطويا على ذاته يجد ان جهوده للتعبير عن نفسه لا تكافَأ بل تُخنق. وقد يحدث الامر نفسه مع المصابين بداء ألزهايمر الذين يُصحح لهم ما يقولونه دائما». ينصح الكتاب المقدس في ما يتعلق بمعاملة الاولاد: «ايها الآباء لا تغيظوا اولادكم لئلا يفشلوا». (كولوسي ٣:٢١) وإذا كان الاولاد يغتاظون من التصحيح المستمر فكم بالحري الكبار! تحذر رسالة اخبارية في جنوب افريقيا صادرة عن جمعية ألزهايمر والأمراض ذات العلاقة: «تذكروا ان المريض هو راشد تمتع بالحرية والانجاز». والتصحيح الدائم قد لا يُغيظ ضحايا داء ألزهايمر فحسب بل يسبِّب لهم الكآبة وحتى يجعلهم عدائيين.
يمكننا تعلم درس مساعد من يسوع المسيح في تعاملاتنا مع الامكانيات المحدودة للمصاب بداء ألزهايمر. فيسوع لم يكن يصحح على الفور كل وجهة نظر خاطئة عند رسله. وفي الواقع، اخفى بعض الاحيان معلومات عنهم لأنهم لم يكونوا بعد في وضع يؤهلهم لاستيعابها. (يوحنا ١٦:١٢، ١٣) وإذا كان يسوع قد اخذ بعين الاعتبار الامكانيات المحدودة للبشر الاصحاء، فكم بالحري يجب علينا ان نكون مستعدين لنتكيَّف مع وجهات النظر الغريبة ولكن غير المؤذية لراشد مريض جدا! ان محاولة جعل المريض يرى حقيقة امر معين قد تكون اكثر مما يمكنه القيام به. وبدلا من حصول مشاجرة، لمَ لا تلزمون الصمت او تغيرون الموضوع بلباقة؟ — فيلبي ٤:٥.
وفي بعض الاوقات، نظهر محبة اكبر عندما نجاري هلوسة المريض بدلا من محاولة اقناعه انها ليست واقعا. مثلا، قد يضطرب المصاب بداء ألزهايمر بسبب «رؤيته» حيوانا غير اليف او تخيُّله وجود دخيل وراء الستار. فالآن ليس الوقت للتحليل المنطقي. وتذكروا ان ما «يراه» في ذهنه انما هو حقيقة بالنسبة اليه، ويجب تهدئة مخاوفه الحقيقية. فقد يلزم ان تتأكدوا انه لا يوجد شيء وراء الستار، ثم تقولون: «من فضلك اذا ‹رأيته› مرة اخرى اعلمني كي اتمكن من المساعدة». وتوضح الدكتورتان اوليڤر وبوك في كتابهما مواجهة داء ألزهايمر: دليل المعتنين بالمرضى لتخطّي المحنة العاطفية (بالانكليزية) انكم عندما تتصرفون بحسب وجهة نظر المريض، تمنحونه «امكانية السيطرة على التخيلات المخيفة والمرعبة التي يكوِّنها في ذهنه . . . وهو يعرف ان بإمكانه الاعتماد عليكم».
«في اشياء كثيرة نعثر جميعنا»
قد يكون تطبيق كل الاقتراحات السابقة صعبا، وخصوصا للذين يرزحون تحت وطأة العمل ومسؤوليات عائلية اخرى. وغالبا ما لا يتمالك المعتني المحبَط نفسه ويفشل في معاملة المصاب بداء ألزهايمر بكرامة. وعند حدوث ذلك من المهم ان لا تدعوا مشاعر الذنب تثقلكم. وتذكروا انه بسبب نوع المرض قد ينسى المريض الحادثة بسرعة.
ويذكر ايضا يعقوب، كاتب في الكتاب المقدس: «في اشياء كثيرة نعثر جميعنا. إن كان احد لا يعثر في الكلام فذاك رجل كامل». (يعقوب ٣:٢) وبما ان لا احد كامل، يمكن توقُّع الاخطاء في القيام بالدور الصعب للاعتناء بالمصابين بداء ألزهايمر. وستناقش المقالة التالية امورا اخرى تساعد المعتنين بمرضى داء ألزهايمر على مواجهة الوضع وإيجاد الفرح في ذلك.
[النبذة في الصفحة ٩]
يحتاج المرضى الى الطمأنة والمدح بشكل مستمر
[النبذة في الصفحة ٩]
‹قد يفهم المريض ما يُقال. لذلك لا تناقشوا حالته او تذكروا اية تعابير مريعة عن المرض وأنتم بالقرب من سريره›
[الاطار في الصفحة ٦]
هل يجب اخبار المريض؟
يتساءل العديد ممن يعتنون بمريض يحبونه هل يجب اخباره انه مصاب بداء ألزهايمر. اذا قررتم فعل ذلك، كيف ومتى عليكم القيام بذلك؟ تضمنت رسالة اخبارية في جنوب افريقيا صادرة عن جمعية ألزهايمر والأمراض ذات العلاقة هذه التعليقات المثيرة للاهتمام من احدى القارئات:
«زوجي مصاب بداء ألزهايمر منذ نحو سبع سنوات. عمره الآن ٨١ سنة، والحمد للّٰه ان تدهور صحته بطيء جدا . . . ولفترة طويلة من الوقت بدا لي من القساوة ان اخبره انه مصاب بداء ألزهايمر ولذلك كنا نستعمل عبارته التي يقولها ‹للتغطية›: ‹ماذا تنتظرون من عجوز عمره ٨٠ سنة!›».
ثم راجعت القارئة كتابا ينصح بإخبار المريض بطريقة لطيفة وبسيطة عن مرضه. ولكنها امتنعت عن اتباع النصيحة خوفا من ان تسحق زوجها.
«وذات يوم»، تابعت «عبَّر زوجي عن خوف من التصرف بحماقة امام الاصدقاء. وهذه كانت فرصتي! فركعت بجانبه (وأنا اتصبب عرقا) وقلت له انه مصاب بداء ألزهايمر. طبعا لم يفهم معنى ذلك، ولكني شرحت له ان المرض يُصعِّب عليه القيام بالأمور التي طالما وجدها سهلة، ويسبِّب ايضا النسيان. فأريته جملتين في كراسة ألزهايمر: لا يمكننا تجاهله بعد الآن: ‹ان داء ألزهايمر هو اضطراب في الدماغ يسبِّب فقدان الذاكرة وتلفا دماغيا خطيرا . . . فهو مرض وليس جزءا طبيعيا من التقدم في السن›. وأخبرته ايضا ان اصدقاءه على علم بمرضه وتفهَّموا الوضع. ففكر في الامر للحظات، ثم قال: ‹من المهم ان اعرف ذلك. انه مساعد حقا!›. يمكنكم ان تتصوروا شعوري عند رؤية الارتياح الكبير الذي بدا عليه لدى معرفة ذلك!
«وهكذا عندما يغتاظ الآن من امر ما، يمكنني ان اضمه بين ذراعيّ وأقول له ‹تذكَّر ان الذنب ليس ذنبك. انه داء ألزهايمر المريع الذي يعيق امورك›، فيهدأ بسرعة».
طبعا، تختلف كل حالة لداء ألزهايمر عن الاخرى، وكذلك العلاقة بين المرضى والذين يعتنون بهم. فإذا قررتم ان تخبروا مَن تحبون انه مصاب بداء ألزهايمر ام لا فذلك مسألة شخصية.
[الاطار في الصفحة ٨]
هل هو حقا داء ألزهايمر؟
عندما يعاني المتقدم في السن تشويشا حادا لا تستنتجوا بسرعة انه مريض بداء ألزهايمر. هنالك عدة اسباب تجعل الكبار في السن مشوَّشين ومنها: فاجعة الموت، الانتقال العاجل الى بيت جديد، او الخمج. وفي العديد من هذه الحالات لا يستمر هذا التشويش الحاد بشكل دائم.
وحتى بالنسبة الى مرضى داء ألزهايمر ليس من الضروري ان يكون التدهور المفاجئ في حالة الفرد، كبداية السَّلَس، بسبب خَرَف داء ألزهايمر. فداء ألزهايمر يتطوَّر ببطء. يذكر كتاب داء ألزهايمر وحالات التشويش الاخرى قائلا: «غالبا ما يشير التدهور المفاجئ الى نشوء حالة حادة (كالخمج الصدري او البولي). فقليلون من المصابين [بداء ألزهايمر] تتدهور حالتهم بشكل سريع . . . ولكن بالنسبة الى الاكثرية فالتدهور بطيء، وخصوصا عند الاعتناء جيدا بالفرد ومعالجة المشاكل الطبية الاخرى من بداياتها وبشكل فعَّال». وقد يكون السَّلَس في حالة المصاب بداء ألزهايمر نتيجة مشاكل صحية اخرى يمكن معالجتها. يشرح منشور ارشادي بعنوان السَّلَس، اصدار جمعية داء ألزهايمر في لندن، قائلا: «ان الخطوة الأولى هي دائما استشارة [الطبيب]».
[الصورتان في الصفحة ٧]
ان مساعدة مرضى داء ألزهايمر على القيام بالمهام اليومية تساهم في المحافظة على كرامتهم