هل ينبغي ان يذهب ولدكم الى مدرسة داخلية؟
تخيَّلوا انكم تعيشون في بلدة صغيرة في احد البلدان النامية. ولديكم عدة اولاد في المدرسة الابتدائية، ولكنهم سيتقدَّمون لاحقا الى مدرسة اعلى. وفي منطقتكم، المدارس مكتظة، مجهَّزة على نحو سيئ، ومعلِّموها غير مؤهلين. وفي بعض الاحيان تغلق الاضرابات ابواب المدارس لأسابيع وأشهر كل مرة.
ويسلِّمكم شخص ما كراسة جذابة تصف مدرسة داخلية في المدينة. وترون صورا لتلاميذ سعداء، يرتدون بأناقة، يدرسون في صفوف، مختبرات، ومكتبات مجهَّزة بشكل جيد. ويستخدم التلاميذ اجهزة الكمپيوتر ويستريحون في غرف نوم نظيفة وجذابة. وتقرأون ان احد اهداف المدرسة هو مساعدة التلاميذ على «تحصيل اعلى مستوى اكاديمي يمكنهم بلوغه.» وتقرأون ايضا: «يُطلب من كل التلاميذ ان يلتزموا بمجموعة من التصرفات مشابهة لتلك المتوقَّعة عادة داخل العائلة حيث يُشدَّد على المجاملة، التهذيب، احترام الوالدين والمسنّين، التعاون، التسامح، اللطف، الصدق والاستقامة.»
ويُقتبس من شاب بشوش قوله: «لقد منحني اهلي امتيازا رائعا هو ان انتسب الى المدرسة الافضل.» وتقول فتاة: «المدرسة شيِّقة ومثيرة. يمكن للمرء هنا ان يتعلم بسهولة.» فهل ترسلون ابنكم او ابنتكم الى مدرسة داخلية كهذه؟
التعليم الدراسي والروحيات
ان جميع الوالدين المهتمين يريدون اعطاء اولادهم بداية جيدة في الحياة، والتعليم الدراسي الشامل والمتَّزن مهم لتحقيق هذه الغاية. وغالبا ما يفتح التعليم الدراسي الدنيوي الباب لفرص توظيف مستقبلية ويساعد الاحداث على النمو ليصبحوا راشدين قادرين على الاعتناء بأنفسهم وبعائلاتهم المستقبلية.
وقد تتساءلون، ‹اذا كانت المدرسة الداخلية تقدم تعليما دراسيا جيدا بالاضافة الى بعض الارشاد الادبي، فلمَ لا نستفيد منها؟› عند الاجابة عن هذا السؤال، ينبغي ان يتأمل الوالدون المسيحيون بروح الصلاة في عامل بالغ الاهمية — خير اولادهم الروحي. سأل يسوع المسيح: «ماذا ينتفع الانسان لو ربح العالم كله وخسر نفسه.» (مرقس ٨:٣٦) طبعا، لا منفعة من ذلك على الاطلاق. لذلك، قبل ان يقرِّر الوالدون المسيحيون ارسال اولادهم الى مدرسة داخلية، ينبغي ان يتأملوا في الاثر الذي يمكن ان يتركه ذلك في آمال اولادهم للحياة الابدية.
تأثير التلاميذ الآخرين
لدى بعض المدارس الداخلية مستوى اكاديمي رفيع. ولكن ماذا عن المقاييس الادبية للمنتسبين الى مدارس كهذه او حتى بعض الذين يعلِّمون فيها؟ كتب الرسول بولس في ما يتعلق بنوع الاشخاص السائد في هذه «الايام الاخيرة» قائلا: «في الايام الاخيرة ستأتي ازمنة صعبة. لأن الناس يكونون محبين لأنفسهم محبين للمال متعظمين مستكبرين مجدّفين غير طائعين لوالديهم غير شاكرين دنسين بلا حنو بلا رضى ثالبين عديمي النزاهة شرسين غير محبين للصلاح خائنين مقتحمين متصلّفين محبين للَّذات دون محبة للّٰه لهم صورة التقوى ولكنهم منكرون قوتها. فأعرض عن هؤلاء.» — ٢ تيموثاوس ٣:١-٥.
ان هذا الانحطاط الادبي والروحي متفشٍّ مما يشكل تحديا لشهود يهوه في العيش بموجب مبادئ الكتاب المقدس. والتلاميذ الذين يعودون الى المنزل كل يوم يجدون انه حتى معاشرتهم المحدودة لرفقاء المدرسة العالميين يمكن ان تمارس تأثيرا سلبيا قويا على روحياتهم. ومقاومة هذا التأثير يمكن ان تشكِّل صراعا مريرا بالنسبة الى اولاد الشهود، حتى مع الدعم، النصح، والتشجيع اليومي من والديهم.
ما هو اذًا وضع الاولاد الذين أُبعدوا عن بيوتهم وأُرسلوا الى المدارس الداخلية؟ انهم معزولون، محرومون من دعم والديهم المحبين الروحي القانوني. وبما انهم يعيشون مع رفقاء صفهم ٢٤ ساعة في اليوم، فإن الضغط للتكيُّف مع المجموعة يمارس تأثيرا على اذهانهم وقلوبهم الفتيّة اقوى من التأثير المرجَّح على التلاميذ الذين يعيشون في البيت. قال احد التلاميذ: «ادبيا، يعيش تلميذ المدرسة الداخلية في خطر من الصباح حتى المساء.»
كتب بولس: «لا تضلوا. فإن المعاشرات الردية تُفسد الاخلاق الجيدة.» (١ كورنثوس ١٥:٣٣) ينبغي ألّا يضلّ الوالدون المسيحيون معتقدين ان اولادهم لن يعانوا اذًى روحيا اذا كانوا في معاشرة دائمة مع الذين لا يخدمون اللّٰه. فخلال فترة من الوقت، يمكن ان يصبح الاولاد الاتقياء غير حساسين تجاه القيَم المسيحية ويمكن ان يخسروا كل تقدير للأمور الروحية. وأحيانا لا يتّضح هذا للوالدين إلا بعد ان يترك اولادهم المدرسة الداخلية. وعند ذلك غالبا ما يكون الاوان قد فات لتصحيح الامور.
ان اختبار كليمنت نموذجي. يروي قائلا: «قبل الذهاب الى المدرسة الداخلية، كنت احب الحق وأشترك مع الاخوة في خدمة الحقل. وتمتعت خصوصا بالاشتراك في درسنا العائلي للكتاب المقدس ودرس الكتاب الجَماعي. ولكن، حين دخلت المدرسة الداخلية بعمر ١٤ سنة، تركت الحق كليا. وخلال السنوات الخمس التي قضيتها في المدرسة الداخلية، لم احضر الاجتماعات قط. ونتيجة المعاشرة الرديئة، تورطت في المخدِّرات، التدخين، والافراط في الشرب.»
تأثير المعلِّمين
يمكن ان يوجد في اية مدرسة معلِّمون فاسدون اخلاقيا يسيئون استعمال مركز سلطتهم. وبعضهم عنفاء وقساة، فيما يستغل آخرون تلاميذهم جنسيا. وفي المدارس الداخلية هنالك احتمال اكبر ألّا يُخبَر بأعمال معلِّمين كهؤلاء.
ولكنَّ معظم المعلِّمين يحاولون بإخلاص ان يدرِّبوا الاولاد ليصبحوا اعضاء مثمرين في المجتمع، لينسجموا مع العالم حولهم، وليتكيَّفوا. ولكن تكمن هنا مشكلة اخرى بالنسبة الى اولاد الشهود. فقِيَم العالم لا تتلاءم دائما مع المبادئ المسيحية. وبينما يشجِّع المعلِّمون التلاميذ على الانسجام مع هذا العالم، قال يسوع ان أتباعه «ليسوا جزءا من العالم.» — يوحنا ١٧:١٦، عج.
وماذا اذا نشأت المشاكل عندما يتبع الاولاد مبادئ الكتاب المقدس؟ اذا كان الاولاد منتسبين الى مدرسة محلية ويعيشون في البيت، يمكنهم مناقشة مسائل كهذه مع والديهم. ويمكن للوالدين بدورهم ان يرشدوا اولادهم ومن المحتمل ان يتكلموا مع المعلِّم. ونتيجة لذلك، تُحل عادةً المشاكل وسوء الفهم بسرعة.
اما في المدارس الداخلية فالأمر مختلف. وتلاميذ كهؤلاء هم تحت اشراف معلِّميهم الدائم. وإذا اتخذ الاولاد موقفا مؤيدا للمبادئ المسيحية، يجب ان يفعلوا ذلك دون دعم والديهم اليومي. وأحيانا، ينجح الاولاد في البقاء امناء للّٰه في ظروف كهذه. ولكن في معظم الاحيان لا ينجحون. فالولد يخضع على الارجح لإرادة المعلِّم.
التحرُّكات مقيَّدة
خلافًا للجامعات، حيث يتمتع التلاميذ عادة بحرِّية التنقل كما يحلو لهم، تقيِّد المدارس الداخلية تحرُّكات الاولاد. وكثير من هذه المدارس لا يسمح للتلاميذ بمغادرة مجمَّع المدرسة إلّا يوم الاحد، وبعضها لا يسمح حتى بهذا. تقول تلميذة مدرسة داخلية عمرها ١١ سنة واسمها إرو: «لا تسمح لنا سلطات المدرسة مطلقا بالخروج الى الاجتماعات، ولا الى خدمة الحقل بالطبع. وداخل المدرسة هنالك خدمات دينية للكاثوليك والمسلمين فقط. وعلى كل تلميذ ان يختار دينا من الاثنين او يواجه عداء شديدا من المعلِّمين والتلاميذ على السواء. ويُجبَر التلاميذ ايضا على انشاد النشيد الوطني وتراتيل الكنيسة.»
وعندما يسجل الوالدون اولادهم في مدرسة كهذه، ايّ انطباع يعطونه لصغارهم؟ يمكن ان يكون الانطباع فعلا ان التعليم الدراسي الدنيوي اهم من الاجتماع للعبادة والاشتراك في عمل التلمذة — وأهم ايضا من الاستقامة امام اللّٰه. — متى ٢٤:١٤؛ ٢٨:١٩، ٢٠؛ ٢ كورنثوس ٦:١٤-١٨؛ عبرانيين ١٠:٢٤، ٢٥.
وفي بعض المدارس الداخلية، يتمكن التلاميذ الشهود من درس الكتاب المقدس معا، ولكن حتى هذا غالبا ما يكون صعبا. تقول حدثة اسمها بلسينڠ وعمرها ١٦ سنة عن المدرسة الداخلية المنتسبة اليها: «كل يوم يجتمع المدعوون مسيحيين للصلاة. ونحاول نحن الشهود ان نتوسل اليهم حتى نتمكن من عقد درسنا، لكنَّ الطلاب في السنة الاخيرة يقولون لنا ان هيئتنا غير معترَف بها. ثم يحاولون اجبارنا على الصلاة معهم. وإذا رفضنا، يعاقبوننا. والالتجاء الى المعلِّمين يجعل الامور اسوأ. فهم يهينوننا ويطلبون من طلاب السنة الاخيرة ان يعاقبونا.»
البروز كأشخاص مختلفين
عندما يُعرف بوضوح ان تلاميذ في المدرسة الداخلية هم شهود ليهوه، يمكن ان يعمل هذا لفائدتهم. فقد تعفيهم سلطات المدرسة من الاشتراك في النشاطات الدينية الباطلة الالزامية التي تخالف ايمان الشهود. وقد يحجم التلاميذ الرفقاء عن محاولة توريطهم في نشاطات ومحادثات فاسدة. وقد تتاح فرص الشهادة للتلاميذ الرفقاء والمعلِّمين. وعلاوة على ذلك، ان الذين يعيشون حسب المبادئ المسيحية لا يُتَّهمون على الارجح بارتكاب الاخطاء الفادحة، ويربحون احيانا احترام المعلِّمين والتلاميذ الرفقاء.
ولكنَّ الامور لا تجري دائما على هذا النحو. فالبروز كشخص مختلف غالبا ما يجعل الحدث هدفا للاضطهاد والسخرية من التلاميذ والمعلِّمين على السواء. يقول ينكا، فتى عمره ١٥ عاما منتسب الى مدرسة داخلية: «في المدرسة، اذا عُرفتم كأحد افراد شهود يهوه، تصبحون هدفا. وبما انهم يعرفون موقفنا الروحي والادبي، ينصبون فخاخا ليوقعونا.»
مسؤولية الوالدين
لا يمكن بالصواب لأيّ معلِّم، مدرسة، او كلّية ان يحاول ان يأخذ على عاتقه مهمة صوغ الاولاد ليصبحوا خداما ليهوه منتذرين. فذلك ليس وظيفتهم ولا مسؤوليتهم. وتقضي كلمة اللّٰه بأن الوالدين انفسهم هم مَن يجب ان يهتموا بحاجات اولادهم الروحية. كتب بولس: «انتم ايها الآباء لا تغيظوا اولادكم بل ربّوهم بتأديب الرب وإنذاره.» (افسس ٦:٤) وكيف يمكن ان يطبق الوالدون هذه المشورة الالهية اذا كان اولادهم بعيدين في مدرسة داخلية حيث قد تكون الزيارة محدَّدة بمرة او اثنتين في الشهر؟
وكثيرا ما تتغير الظروف، إلّا ان الوالدين المسيحيين يجاهدون ليعملوا بانسجام مع هذه العبارة الموحى بها: «ان كان احد لا يعتني بخاصته ولا سيما اهل بيته فقد انكر الايمان وهو شر من غير المؤمن.» — ١ تيموثاوس ٥:٨.
هل هنالك بدائل؟
ماذا يمكن ان يفعل الوالدون اذا بدا ان لديهم خيارين فقط — مدرسة داخلية او مدرسة محلية مجهَّزة على نحو سيئ؟ ان بعض الذين وجدوا انفسهم في هذا الوضع رتَّبوا لدروس خصوصية كي يدعموا تعليم اولادهم الدراسي في مدرسة محلية. وخصَّص والدون آخرون وقتا لتدريس اولادهم شخصيا.
يتجنب الوالدون المشاكل في بعض الاحيان بالتخطيط مسبقا للوقت الذي يصبح فيه اولادهم كبارا كفاية ليتقدَّموا الى مدرسة اعلى. فإذا كان لديكم اولاد صغار او اذا كنتم تخططون لتكوين عائلة، يحسن بكم ان تتحققوا لتروا هل هنالك مدرسة ثانوية ملائمة في منطقتكم. ان لم تكن هنالك واحدة، فقد يكون ممكنا ان تنتقلوا الى مكان قريب من مدرسة.
كما يعلم الوالدون جيدا يتطلب غرس محبة يهوه في الولد المهارة، الصبر، والكثير من الوقت. وإذا كان من الصعب فعل ذلك والولد يعيش في المنزل، فكم بالحري وهو يعيش بعيدا! وبما ان حياة الولد الابدية هي ذات علاقة، يجب ان يقرر الوالدون بجدية وبروح الصلاة هل ادخال صغيرهم الى مدرسة داخلية يستحق المجازفة. وكم يكون امرا متّسما بقصر النظر ان نضحّي باهتمامات الولد الروحية للاستفادة من التعليم الدراسي في مدرسة داخلية! فذلك يشبه الاندفاع الى منزل يحترق لإنقاذ شيء تافه — فقط لتلتهمنا النيران.
تقول كلمة اللّٰه: «الذكي يبصر الشر فيتوارى والحمقى يعبرون فيعاقَبون.» (امثال ٢٢:٣) وتجنب الوضع السيئ افضل من اصلاحه لاحقا. فمن الحكمة ان تفكروا في هذا الامر اذا سألتم انفسكم، ‹هل ينبغي ان يذهب ولدي الى مدرسة داخلية؟›
[الاطار في الصفحة ٢٨]
تعليقات الشهود الاحداث على المدارس الداخلية
«ان اولاد الشهود معزولون عن المعاشرة الروحية في المدرسة الداخلية. انها محيط عدائي جدا وفيه ضغط كبير لفعل الخطإ.» — روتيمي، الذي انتسب الى مدرسة داخلية بين الـ ١١ والـ ١٤ من العمر.
«كان حضور الاجتماعات المسيحية صعبا جدا. كنت اتمكن من الحضور يوم الاحد فقط، ولفعل ذلك كان عليَّ ان اتسلل فيما كان التلاميذ يصطفون للذهاب الى الكنيسة. لم اكن سعيدة قط، لأنني عندما كنت في المنزل كنت احضر كل اجتماعات الجماعة، وأشترك في خدمة الحقل ايام السبوت والآحاد. لم تكن المدرسة اختبارا بنّاء. لقد فاتني الكثير.» — استر، التي كان المعلِّمون يضربونها باستمرار لأنها لم تكن تشترك في خدمات كنيسة المدرسة.
«لم تكن الشهادة للتلاميذ الرفقاء سهلة في المدرسة الداخلية. فليس من السهل البروز كشخص مختلف. اردت ان احذو حذو المجموعة. ربما كنت اقوى لو كنت استطيع الذهاب الى الاجتماعات والانهماك في خدمة الحقل. ولكنني لم اكن استطيع ذلك إلا في اوقات العطلة، وقد كنت احصل عليها ثلاث مرات فقط في السنة. وإذا لم تعيدوا ملء مصباحكم بالزيت، فسيخفت الضوء تدريجيا. حدث الامر نفسه في المدرسة.» — لارا، التي انتسبت الى المدرسة الداخلية من عمر ١١ الى ١٦ سنة.
«الآن وقد تركت المدرسة الداخلية، انا سعيدة انني استطيع حضور كل الاجتماعات، الاشتراك في خدمة الحقل، والتمتع بالآية اليومية مع باقي العائلة. ورغم ان البقاء في المدرسة كانت له بعض الفوائد، فلا شيء اهم من علاقتي بيهوه.» — ناوومي، التي اقنعت اباها بإخراجها من المدرسة الداخلية.