-
المحافل برهان علی اخوَّتناشهود يهوه — منادون بملكوت اللّٰه
-
-
والاخوات. وقُدِّم البرنامج بـ ١٧ لغة في آن واحد. وبلغ عدد الحضور ١٢٨,١٢١ واعتمد ٧٧٥,٣ شاهدا جديدا. وجرى تمثيل فرق قَبَلية متعددة، وكثيرون من اولئك الحاضرين كانوا اشخاصا يحاربون بعضهم بعضا. أما الآن، فما ابهج رؤيتهم متحدين بربط الاخوَّة المسيحية الاصيلة!
وبعد المحفل سافر بعض المندوبين الاجانب بالباص الى ايڠبولَند لرؤية المنطقة الاكثر تضرُّرا بالحرب الاهلية الاخيرة. وقد أُثيرت ضجة كبيرة في بلدة بعد اخرى اذ كان الشهود المحليون يسلِّمون على الزائرين ويعانقونهم. فاندفع الناس الى الشوارع ليراقبوا. ومثل هذا الاعراب عن المحبة والوحدة بين السود والبيض كان شيئا لم يروه من قبل قط.
في بعض البلدان يجعل عدد شهود يهوه غير ممكن لهم ان يجتمعوا كلهم في مكان واحد. ولكن، في بعض الاحيان، كانت عدة محافل كبيرة تُعقد في الوقت نفسه، يتبعها المزيد، اسبوعا بعد اسبوع. وفي السنة ١٩٦٩ عزَّز الوحدة، التي لُمست في المحافل المرتَّبة بهذه الطريقة، واقع ان بعض الخطباء الرئيسيين تنقلوا ذهابا وإيابا بالطائرة بين المحافل، خادمينها بالتالي جميعا. وفي السنتين ١٩٨٣ و ١٩٨٨ لُمست وحدة مماثلة عندما وُصِل معا عدد من المحافل الكبيرة التي تستخدم اللغة نفسها، وحتى امميا، عن طريق الارسال الهاتفي للخطابات الرئيسية التي ألقاها اعضاء في الهيئة الحاكمة. لكنَّ الاساس الحقيقي للوحدة بين شهود يهوه هو واقع انهم يعبدون جميعا يهوه بصفته الاله الحقيقي الوحيد، يتخذون جميعا الكتاب المقدس دليلا لهم، يستفيدون جميعا من برنامج الطعام الروحي نفسه، يتطلعون جميعا الى يسوع المسيح كقائد لهم، يسعون جميعا الى الاعراب عن ثمر روح اللّٰه في حياتهم، يضعون جميعا ثقتهم في ملكوت اللّٰه، ويشتركون جميعا في حمل بشارة هذا الملكوت الى الآخرين.
منظمون من اجل تسبيح اممي ليهوه
لقد ازداد شهود يهوه عددا حتى انهم تجاوزوا عدد سكان عشرات الامم الفردية. ولكي تنجز محافلهم الخير الاعظم، يلزم كثير من التخطيط الدقيق. إلا ان كل ما يلزم عادةً هو طلبات موزَّعة تتعلق بالمكان الذي سيحضره الشهود من مختلف المناطق من اجل التأكد انه سيكون هنالك مجال كافٍ لكل شخص. وعندما يخطَّط للمحافل الاممية، غالبا ما يصير ضروريا ان تأخذ الهيئة الحاكمة بعين الاعتبار ليس فقط عدد الشهود من البلدان الاخرى الذين يودّون الذهاب ويكونون قادرين على ذلك بل ايضا حجم تسهيلات المحفل المتوافرة، عدد الشهود المحليين الذين سيحضرون، ومجموع المساكن المتوافرة للمندوبين؛ وبعدئذ يمكن تخصيص عدد اقصى لكل بلد. وقد صحَّ ذلك في ما يتعلق بمحافل «التعبد التقوي» الثلاثة التي عُقدت في پولندا في السنة ١٩٨٩.
وبالنسبة الى هذه المحافل جرى توقع نحو ٠٠٠,٩٠ شاهد ليهوه من پولندا، بالاضافة الى آلاف الاشخاص المهتمين حديثا. ودُعي كثيرون ايضا الى الحضور من بريطانيا، كندا، والولايات المتحدة الاميركية. ورُحِّب بوفود كبيرة من ايطاليا، فرنسا، واليابان. وأتى آخرون من إسكنديناڤيا واليونان. وجرى تمثيل ٣٧ بلدا على الاقل. وفي ما يتعلق بأجزاء معيَّنة من البرنامج كان من الضروري ترجمة الخطابات الپولندية او الانكليزية بـ ١٦ لغة اخرى. وكان مجموع عدد الحضور ٥١٨,١٦٦.
كانت فرق كبيرة من الشهود في هذه المحافل قد اتت مما كان آنذاك الاتحاد السوڤياتي ومن تشيكوسلوڤاكيا؛ وحضرت ايضا فرق ضخمة نوعا ما من بلدان اوروپا الشرقية الاخرى. ولم يكن ممكنا للفنادق ومهاجع المدارس ان تؤوي الجميع. ففتح الشهود الپولنديون قلوبهم وبيوتهم بحسن ضيافة، مشتركين معهم بسرور في ما يمتلكونه. واحدى الجماعات المؤلَّفة من ١٤٦ زوَّدت المنامة لاكثر من ٢٠٠,١ مندوب. وبالنسبة الى بعض الذين حضروا هذه المحافل، كانت المرة الاولى التي يحضرون فيها تجمعا كبيرا يتجاوز الـ ١٥ او الـ ٢٠ من شعب يهوه. ففاضت قلوبهم بالتقدير اذ نظروا الى عشرات الآلاف في المدرّجات، اشتركوا معهم في الصلاة، وضمّوا اصواتهم في ترانيم التسبيح ليهوه. وعندما اختلطوا معا بين الفترات، كانت هنالك معانقات دافئة، بالرغم من ان اختلاف اللغة كثيرا ما حال دون تعبيرهم بالكلام عما كان في قلوبهم.
واذ انتهى المحفل، امتلأت قلوبهم بالشكر ليهوه، الذي جعل كل ذلك ممكنا. وفي وارسو، بعد التعليقات الوداعية من العريف، اندفع الحضور الى تصفيق لم يخفّ طوال عشر دقائق على الاقل. وبعد الترنيمة والصلاة الختاميتين بدأ التصفيق من جديد، وبقي الحضور في اماكنهم لوقت طويل. فقد انتظروا سنين كثيرة هذه المناسبة، ولم يريدوا ان تنتهي.
وفي السنة التالية، ١٩٩٠، بعد مرور اقل من خمسة اشهر على رفع الحظر الذي دام ٤٠ سنة على شهود يهوه في ما كان آنذاك المانيا الشرقية، انعقد محفل اممي مثير آخر، وهذه المرة في برلين. وبين الـ ٥٣٢,٤٤ الحاضرين كان هنالك مندوبون من ٦٥ بلدا مختلفا. من بعض البلدان اتى عدد قليل فقط؛ ومن پولندا، نحو ٥٠٠,٤. لم تستطع الكلمات ان تعبِّر عن المشاعر العميقة لاولئك الذين لم تكن لديهم من قبلُ قط الحرية لحضور محفل كهذا، وعندما اشترك كامل الحضور في ترانيم التسبيح ليهوه، لم يتمكنوا من حبس دموع فرحهم.
وفي وقت لاحق من تلك السنة، عندما عُقد محفل مماثل في سان پاولو، البرازيل، لزم مدرّجان كبيران لاستيعاب الحضور الاممي البالغ ٤٠٦,١٣٤. وتبع ذلك محفل في الارجنتين، حيث استُخدم ثانية مدرّجان في آن واحد لاستيعاب الحضور الاممي. واذ بدأت السنة ١٩٩١ كانت تجري محافل اممية اضافية في الفيليپين، تايوان، وتايلند. وكان حضور كبير من امم كثيرة موجودين ايضا في تلك السنة من اجل المحافل في اوروپا الشرقية — في هنڠاريا، تشيكوسلوڤاكيا، وما هو الآن كرواتيا. وفي السنة ١٩٩٢، اعتبره المندوبون من ٢٨ بلدا امتيازا خصوصيا ان يكونوا بين الـ ٢١٤,٤٦ في سانت پيترسبرڠ في اول محفل اممي حقيقي لشهود يهوه في روسيا.
فرص للانتعاش الروحي القانوني
ليست كل المحافل التي يعقدها شهود يهوه تجمعات اممية. لكنَّ الهيئة الحاكمة ترتِّب لمحافل رئيسية مرة كل سنة، ويجري التمتع بالبرنامج نفسه حول العالم بلغات عديدة. وهذه المحافل قد تكون كبيرة تماما، مزوِّدة الفرصة لمعاشرة شهود آخرين من اماكن عديدة، او قد تكون اصغر حجما وتُعقد في مدن عديدة، مسهِّلة على الجدد ان يحضروا وممكِّنة العامة في مئات المدن الاصغر من نيل نظرة جيدة عن كثب الى عيِّنة كبيرة من شهود يهوه.
وبالاضافة الى ذلك، مرة في السنة تجتمع كل دائرة (مؤلَّفة ربما من ٢٠ جماعة) من اجل برنامج للمشورة والتشجيع الروحيين لمدة يومين.b وكذلك، منذ ايلول ١٩٨٧، يجري الترتيب ليوم محفل خصوصي، برنامج بنّاء ليوم واحد، لكل دائرة مرة في السنة. وحيثما امكن، يجري ارسال عضو من مستخدَمي المركز الرئيسي للجمعية او شخص من مكتب الفرع المحلي للاشتراك في البرنامج. وهذه البرامج يقدِّرها شهود يهوه كثيرا. وفي مناطق عديدة لا تكون مواقع المحافل بعيدة او صعبة البلوغ. لكنَّ ذلك ليس دائما الحالة. يتذكَّر ناظر جائل زوجين مسنّين سارا ٤٧ ميلا (٧٦ كلم) مع حقائب ودُثُر لحضور محفل دائري في زمبابوي.
وخدمة الحقل خلال المحفل لم تعد وجها في كل هذه المحافل، لكنَّ ذلك ليس لأن الشهود يعتبرونها اقل اهمية على الاطلاق. ففي معظم الحالات، يزور الشهود المحليون الآن الناس الذين يسكنون قرب مواقع المحافل قانونيا — وفي بعض الحالات، كل عدة اسابيع. ومندوبو المحافل يبقون متيقظين لفرص الشهادة غير الرسمية، وسلوكهم المسيحي يعطي شهادة قوية بطريقة اخرى.
الدليل على الاخوَّة الحقيقية
والاخوَّة التي يجري الاعراب عنها بين الشهود في محافلهم سرعان ما تتَّضح للمراقبين. فيمكنهم ان يروا انه لا توجد اية محاباة بينهم وأن المودة الاصيلة ظاهرة حتى بين اولئك الذين قد يلتقون للمرة الاولى. ففي وقت انعقاد محفل المشيئة الالهية الاممي في نيويورك في السنة ١٩٥٨، ذكرت انباء امستردام النيويوركية: «في كل مكان كان الزنوج، البيض والشرقيون، من كل المستويات في الحياة وكل انحاء العالم، يمتزجون بفرح وحرية. . . . والشهود العابدون من ١٢٠ بلدا عاشوا وعبدوا معا بسلام، مظهرين للاميركيين كيف يمكن فعل ذلك بسهولة. . . . والمحفل مثال ساطع يظهر كيف يمكن للناس ان يعملوا ويحيوا معا.»
ومنذ عهد اقرب، عندما عقد شهود يهوه محافل متزامنة في دوربان وفي جوهانسبورڠ، جنوب افريقيا، في السنة ١٩٨٥، شمل المندوبون جميع الفرق العرقية واللغوية الرئيسية في جنوب افريقيا، فضلا عن ممثلين من ٢٣ بلدا آخر. وسرعان ما اتَّضحت الرفقة الدافئة بين الـ ٨٣٠,٧٧ الحاضرين. «هذا جميل،» قالت شابة هندية. «ان رؤية الملوَّنين، الهنود، البيض، والسود يختلطون جميعهم معا غيَّرت كامل نظرتي الى الحياة.»
وهذا الشعور بالاخوَّة يتجاوز الابتسامات، المصافحات، ودعوة احدهم الآخر «اخا» و «اختا.» مثلا، عندما صُنعت الترتيبات لمحفل «البشارة الابدية» حول العالم في السنة ١٩٦٣، أُعلم شهود يهوه بأنهم اذا ارادوا ان يساعدوا الآخرين ماليا على حضور احد المحافل، يسعد الجمعية ان تتأكد ان الاموال تفيد الاخوة في كل انحاء الارض. لم يكن هنالك استجداء، ولم يؤخَذ شيء للنفقات الادارية. والاموال ذهبت كلها للقصد المذكور. وبهذه الطريقة جرت مساعدة ١٧٩,٨ على حضور المحفل. ومُنحت المساعدة لمندوبين من كل بلد في اميركا الوسطى والجنوبية، كما مُنحت لآلاف من افريقيا وكثيرين في الشرق الاوسط والشرق الاقصى. ونسبة كبيرة من الذين جرت مساعدتهم كانوا اخوة وأخوات خصَّصوا سنين عديدة للخدمة كامل الوقت.
ونحو نهاية السنة ١٩٧٨ خُطِّط لعقد محفل في أوكلَنْد، نيوزيلندا. فعلم الشهود في جزر كوك بذلك وكانوا تواقين الى الحضور. لكنَّ الحالة الاقتصادية في الجزر كانت رديئة بحيث ان القيام بالرحلة سيكلِّف كل فرد ثروة صغيرة. غير ان اخوة وأخوات روحيين محبين في نيوزيلندا تبرعوا بأجرة السفر ذهابا وإيابا لنحو ٦٠ من سكان الجزر هؤلاء. وكم كانوا سعداء بأن يحضروا ليشتركوا في الوليمة الروحية مع اخوتهم من موريشيوس، سامْوا، نييووي، والقوقاز!
ونموذج الروح الموجودة بين شهود يهوه هو ما جرى عند اختتام محفل «العدل الالهي» الكوري في مونتريال، كندا، في السنة ١٩٨٨. فطوال اربعة ايام تمتع المندوبون الاسپان، الانكليز، الايطاليون، الپرتغاليون، العرب، الفرنسيون، اليونان بالبرنامج نفسه وانما بلغاتهم. ولكن، عند نهاية الفترة الاخيرة انضم جميع الـ ٠٠٠,٤٥ معا في الملعب الاولمپي في عرض مثير للاخوَّة ووحدة القصد. فرنَّموا معا، كل فريق بلغته الخاصة، «قوموا نرنِّم: ‹ساد يهوه ربّ العلاء؛ غنِّي يا ارض يا سماء.›»
-
-
‹طلب الملكوت اولا›شهود يهوه — منادون بملكوت اللّٰه
-
-
الفصل ١٨
‹طلب الملكوت اولا›
ان المحور الرئيسي للكتاب المقدس هو تقديس اسم يهوه بواسطة الملكوت. وقد علَّم يسوع المسيح أتباعه ان يطلبوا الملكوت اولا، واضعينه قبل الاهتمامات الاخرى في الحياة. ولماذا؟
اوضحت برج المراقبة تكرارا ان يهوه، بسبب واقع كونه الخالق، هو المتسلط الكوني. وهو يستحق ان ينال الاعتبار الارفع من قبل خلائقه. (رؤيا ٤:١١) ولكن، في وقت باكر جدا من التاريخ البشري، جعل ابن روحي للّٰه نفسَه الشيطان ابليس اذ تحدى سلطان يهوه بتمرد. (تكوين ٣:١-٥) وفضلا عن ذلك، نسب الشيطان دوافع انانية الى جميع الذين يخدمون يهوه. (ايوب ١:٩-١١؛ ٢:٤، ٥؛ رؤيا ١٢:١٠) وهكذا عَكِر سلام الكون.
اوضحت مطبوعات برج المراقبة طوال عقود ان يهوه صنع تدبيرا لبتّ هذه القضايا بطريقة تمجد ليس فقط قدرته الكلية بل ايضا عظمة حكمته، عدله، ومحبته. والجزء الرئيسي من هذا التدبير هو ملكوت اللّٰه المسيَّاني. فبواسطة هذا الملكوت يُمنَح الجنس البشري فرصة كافية لتعلُّم سبل البر. وبواسطته سيُهلَك الاشرار، يبرَّأ سلطان يهوه، ويُنجَز قصده ان يجعل الارض فردوسا يسكنه اناس يحبون اللّٰه حقا وبعضهم بعضا ويبارَكون بكمال الحياة.
وبسبب اهميته نصح يسوع أتباعه: ‹داوموا اذًا على طلب الملكوت اولا.› (متى ٦:١٠، ٣٣، عج) وشهود يهوه في الازمنة العصرية اعطوا الدليل الوافر على اجتهادهم في الاصغاء الى هذه المشورة.
التخلي عن كل شيء لاجل الملكوت
في تاريخ باكر، تأمل تلاميذ الكتاب المقدس في ما يعنيه طلب الملكوت اولا. فناقشوا مثل يسوع الذي شبَّه فيه الملكوت بلؤلؤة كثيرة الثمن حتى ان انسانا «باع كل ما كان له واشتراها.» (متى ١٣:٤٥، ٤٦) وتأملوا في مغزى مشورة يسوع لرئيس شاب غني ان يبيع كل شيء، يعطي الفقراء، ويتبعه. (مرقس ١٠:١٧-٣٠)a وأدركوا انهم اذا ارادوا ان يبرهنوا عن اهليتهم للاشتراك في ملكوت اللّٰه يجب ان يجعلوا الملكوت اهتمامهم الاول، مستخدمين بسرور حياتهم، قدراتهم، مواردهم، في خدمته. وكل شيء آخر في الحياة يجب ان ينال المرتبة الثانية.
عمل تشارلز تاز رصل شخصيا بموجب هذه المشورة. فباع مؤسسته التجارية المزدهرة للألبسة الرجالية، قلَّل تدريجيا من المصالح التجارية الاخرى، ثم استخدم كل ممتلكاته الارضية لمساعدة الناس بطريقة روحية. (قارنوا متى ٦:١٩-٢١.) ولم يكن ذلك شيئا فعله لمجرد سنين قليلة. فحتى موته استخدم كل موارده — مقدرته العقلية، صحته الجسدية، ممتلكاته المادية — لتعليم الآخرين الرسالة العظيمة لملكوت المسيَّا. وفي جنازة رصل قال احد العشراء، جوزيف ف. رذرفورد: «كان تشارلز تاز رصل وليا للّٰه، وليا للمسيح يسوع، وليا لقضية ملكوت المسيَّا.»
في نيسان ١٨٨١ (حين كان عدة مئات من الاشخاص فقط يحضرون اجتماعات تلاميذ الكتاب المقدس)، نشرت برج المراقبة مقالة بعنوان «مطلوب ٠٠٠,١ كارز.» وشمل ذلك دعوة للرجال والنساء الذين لم تكن لديهم عائلات تعتمد عليهم الى الشروع في العمل كمبشرين جائلين لتوزيع المطبوعات. واذ استعملت لغة مثَل يسوع في متى ٢٠:١-١٦، سألت برج المراقبة: «مَن يملك رغبة متقدة في الذهاب والعمل في الكرم، ويصلّي ليفتح الرب الطريق»؟ وأولئك الذين كان بامكانهم ان يعطوا على الاقل نصف وقتهم كليا لعمل الرب جرى تشجيعهم على تقديم طلب. ولمساعدتهم في نفقات السفر، الطعام، اللباس، والمأوى، زوَّدت جمعية برج مراقبة زيون للكراريس موزعي المطبوعات الجائلين الاولين بمطبوعات الكتاب المقدس للتوزيع، ذكرت التبرع الزهيد الذي يمكن طلبه لقاء المطبوعات، ودعت موزعي المطبوعات الجائلين الى الاحتفاظ بجزء من المال المتسلَّم بهذه الطريقة. فمَن تجاوبوا مع هذه الترتيبات وشرعوا في الخدمة كموزعين جائلين للمطبوعات؟
بحلول السنة ١٨٨٥ كان هنالك نحو ٣٠٠ موزع جائل للمطبوعات مقترن بالجمعية. وفي السنة ١٩١٤ تجاوز العدد اخيرا الـ ٠٠٠,١. لم يكن ذلك عملا سهلا. فبعد ان زار البيوت في اربع بلدات صغيرة ووجد ثلاثة او اربعة اشخاص فقط مهتمين الى حد ما، كتب احد موزعي المطبوعات الجائلين: «لا بد لي ان اقول انني شعرت بالوحدة نوعا ما وأنا اسافر مسافة بعيدة جدا، اقابل اشخاصا كثيرين جدا، وأجد اهتماما قليلا جدا معبَّرا عنه بقصد اللّٰه والكنيسة. فساعدوني بصلواتكم حتى اتمكن من تقديم الحق بلياقة وبدون خوف ولا اكلّ في عمل الخير.»
قدَّموا انفسهم طوعا
كان موزعو المطبوعات الجائلون روَّادا حقيقيين. فقد اخترقوا زوايا الارض المتعذر بلوغها الى حد بعيد في وقت كانت فيه وسائل النقل بدائية جدا والطرقات، على العموم، مجرد مسالك عربات. وكانت الاخت ارلي، في نيوزيلندا، واحدة من الذين فعلوا ذلك. واذ باشرت العمل قبل الحرب العالمية الاولى بكثير، خصَّصت ٣٤ سنة لمثل هذه الخدمة كامل الوقت قبل موتها في السنة ١٩٤٣. وقد غطَّت جزءا كبيرا من البلد على دراجة. وحتى عندما اصبحت معاقة بسبب التهاب المفاصل ولا تستطيع الركوب، كانت تستعمل الدراجة للاستناد اليها وحمل كتبها في كل انحاء المقاطعة التجارية لكنيسة المسيح. وكان باستطاعتها ارتقاء السلالم، ولكن كان يجب ان تنزلها بطريقة عكسية بسبب اعاقتها. إلا انها، طالما امتلكت شيئا من القوة، كانت تستعمله في خدمة يهوه.
وهؤلاء الناس لم يتبنَّوا هذا العمل بسبب شعورهم بالثقة بأنفسهم. فكان البعض خجولين جدا بطبيعتهم، لكنهم كانوا يحبون يهوه. وقبل الشهادة في المقاطعة التجارية كانت اخت من هذا النوع تطلب من كلٍّ من تلاميذ الكتاب المقدس في منطقتها ان يصلّي لاجلها. وعلى مر الوقت، اذ اكتسبت خبرة، صارت حماسية جدا في العمل.
عندما تحدثت ماليندا كيفر الى الاخ رصل في السنة ١٩٠٧ عن رغبتها في الانخراط في الخدمة كامل الوقت، قالت انها تشعر بالحاجة الى نيل مزيد من المعرفة اولا. وفي الواقع، كان في السنة السابقة انها اطَّلعت للمرة الاولى على مطبوعات تلاميذ الكتاب المقدس. فكان جواب الاخ رصل: «اذا اردتِ الانتظار حتى تعرفي كل شيء فلن تبتدئي ابدا، لكنك ستتعلَّمين وأنت تقومين بذلك.» وبدون تردد، سرعان ما ابتدأت في اوهايو، في الولايات المتحدة. وكثيرا ما كانت تتذكَّر المزمور ١١٠:٣، الذي يقول: «شعبك (يقدِّمون انفسهم طوعا).» وطوال الـ ٧٦ سنة التالية، داومت على ذلك.b وقد بدأت الخدمة كامل الوقت عازبة. ولمدة ١٥ سنة تمتعت بالخدمة وهي متزوجة. ولكن بعد ان مات زوجها استمرت في المضي قُدُما بمساعدة يهوه. واذ تطلعت الى الوراء عبر السنين قالت: «كم انا شاكرة على انني قدَّمت نفسي طوعا كفاتحة عندما كنت شابة ووضعت دائما مصالح الملكوت اولا!»
عندما كانت المحافل العامة تُعقَد في الايام الباكرة، غالبا ما كانت تُصنَع الترتيبات لجلسات خصوصية مع موزعي المطبوعات الجائلين. فأُجيبَ عن الاسئلة، زُوِّد التدريب للجدد، ومُنِح التشجيع.
ومن السنة ١٩١٩ فصاعدا كان هنالك عدد اكبر من خدام يهوه يقدِّرون ملكوت اللّٰه على نحو رفيع حتى انهم هم ايضا بنوا حياتهم حقا حوله. واستطاع بعضهم ان يضعوا جانبا المساعي الدنيوية ويقفوا انفسهم كاملا للخدمة.
الاعتناء بالحاجات المادية
وكيف كانوا يعتنون بحاجاتهم المادية؟ تذكَّرت آنا پيترسن (لاحقا رومر)، مبشرة كامل الوقت في الدنمارك: «نلنا المساعدة للنفقات اليومية من توزيع المطبوعات، وحاجاتنا لم تكن كثيرة. واذا كانت هنالك نفقات اكبر، كانت هذه تغطَّى دائما بطريقة او بأخرى. فكانت الاخوات يهبننا بعض الملابس، الفساتين او الاردية، وكان بامكاننا استعمالها وارتداؤها حالا، ولذلك كنا حسنات اللباس. وفي بعض الاشتية كنت اتخذ عملا مكتبيا لشهر او اثنين. . . . وبالشراء في موسم التنزيلات كان بامكاني ان اشتري ما يلزمني من الملابس لسنة كاملة. سارت الامور حسنا. ولم نكن قط في حاجة.» لم تكن الامور المادية اهتمامهم الرئيسي. ومحبتهم ليهوه وطرقه كانت فيهم كنار محرقة، وكان لا بد لهم ان يعبِّروا عنها.
وبالنسبة الى المأوى كان بامكانهم ان يستأجروا غرفة متواضعة فيما كانوا يزورون الناس في المنطقة. وكان بعضهم يستعملون مقطورة — كل شيء فيها بسيط، مجرد مكان للنوم والاكل. وكان آخرون ينامون في خيام وهم ينتقلون من مكان الى آخر. وفي بعض الاماكن رتب الاخوة لـ «مخيمات فاتحين.» والشهود في المنطقة كان يمكن ان يزوِّدوا بيتا، ويعيَّن شخص للاشراف عليه. والفاتحون الذين يخدمون في تلك المنطقة كان بامكانهم استعمال التسهيلات، وكانوا يشتركون في النفقات المشمولة.
لم يسمح الفعلة كامل الوقت هؤلاء للنقص في المال بأن يمنع الناس المشبهين بالخراف من الحصول على مطبوعات الكتاب المقدس. فغالبا ما كان الفاتحون يقايضون بنتاج كالبطاطا، الزبدة، البيض، الفاكهة الطازجة والمعلَّبة، الدجاج، الصابون، وأيّ شيء آخر تقريبا. وهم لم يكونوا ليستغنوا؛ وانما كان ذلك وسيلة لمساعدة الناس المخلصين على نيل رسالة الملكوت، حاصلين في الوقت نفسه على ضرورات الحياة المادية مما يمكِّن الفاتحين من مواصلة خدمتهم. وكانوا يثقون بوعد يسوع انهم اذا ‹داوموا على طلب الملكوت وبر اللّٰه اولا،› فحينئذ يزوَّد الطعام والكساء الضروريان. — متى ٦:٣٣، عج.
الطوعية للخدمة حيثما كانت هنالك حاجة
ان الرغبة المتقدة في القيام بالعمل الذي عيَّنه يسوع لتلاميذه قادت الفعلة كامل الوقت الى مقاطعات جديدة، وحتى الى بلدان جديدة. فعندما دُعي فرانك رايس الى مغادرة اوستراليا لافتتاح الكرازة بالبشارة في جاوا (الآن جزء من إندونيسيا) في السنة ١٩٣١، كانت له وراءه عشر سنين من الخبرة في الخدمة كامل الوقت. أما الآن فكانت هنالك عادات جديدة وكذلك لغات جديدة لتعلُّمها. كان بامكانه استعمال الانكليزية للشهادة للبعض في المتاجر والمكاتب، ولكنه اراد ان يشهد للآخرين ايضا. فدرس باجتهاد، وفي غضون ثلاثة اشهر كان يعرف ما يكفي من الهولندية للابتداء بالذهاب من بيت الى بيت. ثم درس المالَيالَمية.
كان عمر فرانك ٢٦ سنة فقط عندما ذهب الى جاوا، ومعظم السنوات الست التي قضاها هناك وفي سومطرة كان يعمل وحده. (نحو نهاية السنة ١٩٣١، اتى كْلِم دَيْشان وبيل هانتر من اوستراليا لمساعدته في العمل. وكفريق، قاما بجولة كرازية داخل البلد فيما عمل فرانك في عاصمة جاوا وحولها. وفي ما بعد تسلَّم كْلِم وبيل ايضا تعيينات اخذتهما الى مناطق منفصلة.) ولم تكن هنالك اية اجتماعات جماعية يمكن لفرانك ان يحضرها. فكان يشعر احيانا بالوحدة، واكثر من مرة قاوم افكار الاستسلام والعودة الى اوستراليا. لكنه استمر في المضي قُدُما. كيف؟ ان الطعام الروحي الذي تحتويه برج المراقبة ساعد على تقويته. وفي السنة ١٩٣٧ انتقل الى تعيين في الهند الصينية، حيث نجا بحياته بصعوبة خلال الاضطرابات العنيفة التي عقبت الحرب العالمية الثانية. وهذه الروح الطوعية للخدمة كانت لا تزال حية في سبعينات الـ ١٩٠٠ عندما كتب ليعبِّر عن فرحه بواقع ان عائلته بكاملها تخدم يهوه وليقول انه وزوجته يستعدان من جديد للانتقال الى مكان في اوستراليا حيث توجد حاجة اعظم.
‹التوكل على يهوه بكل قلبهم›
قرَّر كلود ڠودمان ان ‹يتوكل على يهوه بكل قلبه ولا يعتمد على فهمه،› ولذلك اختار الخدمة كمبشر مسيحي جائل لتوزيع المطبوعات، عوضا عن فرصة عمل دنيوي. (امثال ٣:٥، ٦) وبرفقة رونالد تيپين، الذي ساعده على تعلُّم الحق، خدم كموزع جائل للمطبوعات في انكلترا لاكثر من سنة. ثم، في السنة ١٩٢٩، جعل الاثنان انفسهما متوافرين للذهاب الى الهند.c فيا للتحدي الذي قدَّمه ذلك!
وفي السنين التي تلت، سافرا ليس فقط سيرا على الاقدام وبواسطة قطار المسافرين والباص بل ايضا بواسطة قطار الشحن، العربة التي يجرّها ثوران، الجمل، الزورق الصيني، العربة بدولابين التي يجرّها رجل، وحتى بالطائرة والقطار الخاص. وأحيانا كانا يبسطان فراشيهما الملفوفين في غرف الانتظار التابعة للسكة الحديدية، في حظيرة للماشية، على عشب الغاب، او على ارضية من روث البقر في كوخ، ولكن كانت هنالك ايضا اوقات ناما فيها في فنادق فخمة وفي قصر راجا. وكالرسول بولس تعلَّما سر القناعة سواء كانا في عوز او في بحبوحة. (فيلبي ٤:١٢، ١٣) وعادةً كان لديهما القليل جدا مما له قيمة مادية، لكنهما لم يكونا قط محرومَين مما يحتاجان اليه حقا. واختبرا شخصيا اتمام وعد يسوع انهما اذا طلبا الملكوت وبر اللّٰه اولا، فان ضرورات الحياة المادية سيجري تزويدها.
كانت هنالك نوبات خطيرة من حمَّى الضَّنْك، الملاريا، والتيفوئيد، لكنَّ الرفقاء الشهود زوَّدوا العناية الحبية. فكان يجب انجاز الخدمة وسط قذارة مدن مثل كَلْكُتّا، وكان يجب القيام بالشهادة في مزارع الشاي في جبال سيلان (المعروفة الآن بـ سْري لانكا). ولسدّ حاجات الناس الروحية، قُدِّمت المطبوعات، أُديرت التسجيلات باللغات المحلية، وأُلقيت الخطابات. واذ نما العمل، تعلَّم كلود ايضا كيف يشغِّل مطبعة ويعتني بالعمل في مكاتب فروع الجمعية.
وفي عامه الـ ٨٧، استطاع ان يعود بذاكرته الى حياة غنية بالاختبارات في خدمة يهوه في انكلترا، الهند، پاكستان، سيلان، بورما (الآن ميانمار)، ملايو، تايلند، وأوستراليا. وكرجل عازب وأيضا كزوج وأب، أبقى الملكوت اولا في حياته. وكان بعد اقل من سنتين من معموديته انه انخرط في الخدمة كامل الوقت، واعتبر ذلك مهنته باقي حياته.
قوة اللّٰه في الضعف تُكمَل
كان بن بريكل مثالا آخر لاولئك الشهود الغيورين — وكالناس الآخرين كانت له حاجاته وضعفاته. لقد كان بارزا في الايمان. ففي السنة ١٩٣٠ انخرط في العمل كموزع جائل للمطبوعات في نيوزيلندا، حيث كان يشهد في مقاطعات لم تغطَّ ثانية طوال عقود. وبعد سنتين، في اوستراليا، شرع في رحلة كرازية لخمسة اشهر عبر الريف الصحراوي الذي لم تقدَّم فيه الشهادة من قبل. وكانت دراجته مثقلة بالدُّثُر، الثياب، الطعام، والكتب المجلَّدة للتوزيع. وعلى الرغم من ان رجالا آخرين هلكوا عند محاولتهم السفر عبر هذه المنطقة، فقد شقّ طريقه، واثقا بيهوه. ثم خدم في ماليزيا، حيث تطورت مشاكل خطيرة تتعلق بالقلب. إلا انه لم يتخلَّ عن العمل. فبعد فترة نقاهة استأنف نشاط الكرازة كامل الوقت في اوستراليا. وبعد عشر سنين تقريبا، اضطره مرض خطير الى دخول المستشفى، وعند السماح له بالخروج اخبره الطبيب انه «غير مؤهل للعمل بنسبة ٨٥ في المئة.» وكان لا يستطيع حتى السير في الشارع للتسوق دون ان يستريح بين وقت وآخر.
لكنَّ بن بريكل كان مصمِّما على الانطلاق من جديد، وهكذا فعل، متوقفا للاستراحة حسب الضرورة. وسرعان ما كان يشهد ثانية في المناطق النائية الاوسترالية الوعرة. وقد فعل ما في وسعه للاعتناء بصحته، لكنَّ خدمته ليهوه كانت الشيء الرئيسي في حياته حتى موته بعد ٣٠ سنة في اواسط ستيناته.d وأدرك ان النقص الموجود نتيجة لضعفه يمكن التعويض عنه بقوة يهوه. وفي محفل في مَلْبورن في السنة ١٩٦٩، خدم في مكتب للفاتحين وعلى ثنية صدر سترته شارة تقول: «اذا اردت ان تعرف عن الفتح فاسألني.» — قارنوا ٢ كورنثوس ١٢:٧-١٠.
بلوغ قرى الادغال ومخيمات التعدين الجبلية
دفعت الغيرة لخدمة يهوه ليس فقط الرجال بل ايضا النساء الى قبول العمل في الحقول غير المخدومة من قبل. فْريدا جونسون كانت واحدة من الممسوحين، صغيرة الجسم الى حدّ ما، وفي خمسيناتها عندما عملت وحدها في اجزاء من اميركا الوسطى، مغطية مناطق مثل الساحل الشمالي في الهُندوراس على صهوة جواد. وقد تطلَّب الايمان ان تعمل وحدها في هذه المنطقة، زائرة مزارع الموز المتفرقة، البلدات لا سيبا، تيلا، وتروجيلو، وحتى القرى الكاريبية المنعزلة الابعد. وقد شهدت هناك في السنتين ١٩٣٠ و ١٩٣١، ومرة اخرى في السنة ١٩٣٤، وفي السنتين ١٩٤٠ و ١٩٤١، موزِّعة آلاف المطبوعات المحتوية على حق الكتاب المقدس.
خلال تلك السنين بدأت عاملة غيورة اخرى مهنتها في الخدمة كامل الوقت. كانت هذه كاتي پالم، المولودة في المانيا. وما دفعها الى العمل هو حضور المحفل في كولومبس، اوهايو، في السنة ١٩٣١، الذي اعتنق فيه تلاميذ الكتاب المقدس الاسم شهود يهوه. وكان آنذاك انها قرَّرت ان تطلب الملكوت اولا، وفي السنة ١٩٩٢، بعمر ٨٩ سنة، كانت لا تزال تفعل ذلك.
بدأت خدمتها كفاتحة في مدينة نيويورك. وفي ما بعد، في داكوتا الجنوبية، عملت معها رفيقة لأشهر قليلة لكنها بعد ذلك تابعت وحدها، مسافرة على صهوة جواد. وعند دعوتها الى الخدمة في كولومبيا، اميركا الجنوبية، قبلت في الحال، واصلة الى هناك في اواخر السنة ١٩٣٤. ومرة اخرى عملت معها رفيقة لفترة من الوقت لكنها بعدئذ كانت وحدها. فلم يجعلها ذلك تشعر بوجوب الكفّ عن العمل.
ثم دعاها زوجان الى الانضمام اليهما في تشيلي. وهنا مقاطعة واسعة اخرى، مقاطعة تمتد ٦٥٠,٢ ميلا (٢٦٥,٤ كلم)
-