-
الجزء ١ — شهود الی اقصی الارضشهود يهوه — منادون بملكوت اللّٰه
-
-
الفصل ٢٢
الجزء ١ — شهود الى اقصى الارض
هذا هو الجزء الاول من خمسة اجزاء في فصل واحد يخبر كيف بلغ نشاط شهود يهوه كل مكان في الارض. والجزء ١، الذي يغطي الحقبة من سبعينات الـ ١٨٠٠ حتى السنة ١٩١٤، هو في الصفحات ٤٠٤ الى ٤٢٢. والمجتمع البشري لم يشفَ قط من الاضطرابات التي سبَّبتها الحرب العالمية الاولى، التي بدأت سنة ١٩١٤. تلك كانت السنة التي طالما اثبت تلاميذ الكتاب المقدس انها تسم نهاية ازمنة الامم.
قبل صعوده الى السماء، فوَّض يسوع المسيح المهمة الى رسله، قائلا: «تكونون لي شهودا . . . الى اقصى الارض.» (اعمال ١:٨) وسبق فأنبأ ايضا بأنه «يُكرز ببشارة الملكوت هذه في كل المسكونة شهادة لجميع الامم.» (متى ٢٤:١٤) وهذا العمل لم يُكمَل في القرن الاول. والجزء الاعظم منه يجري في الازمنة العصرية. وسجل انجازه من سبعينات الـ ١٨٠٠ الى الوقت الحاضر مثير حقا.
مع ان تشارلز تاز رصل صار معروفا بشكل واسع بسبب محاضراته المعلَن عنها جيدا حول الكتاب المقدس، لم يكن اهتمامه بمجرد الحضور الكبير وانما بالناس. وهكذا، بُعيد ابتدائه بنشر برج المراقبة في السنة ١٨٧٩، شرع في رحلة واسعة النطاق لزيارة فرق صغيرة من قرَّاء المجلة كي يناقش معهم الاسفار المقدسة.
حثَّ ت. ت. رصل اولئك الذين آمنوا بوعود كلمة اللّٰه الثمينة ان يكون لهم دور في مشاركة الناس الآخرين في هذه الوعود. والذين تأثرت قلوبهم بعمق بما كانوا يتعلَّمونه اظهروا غيرة حقيقية في فعل ذلك. وللمساعدة في العمل، زُوِّدت مواد مطبوعة. فظهر عدد من النشرات في وقت باكر من السنة ١٨٨١. والمواد فيها جُمعت بعد ذلك مع معلومات اضافية لتشكّل المطبوعة الاكثر شمولا طعام للمسيحيين المفكرين، وأُعدّ ٠٠٠,٢٠٠,١ نسخة منها للتوزيع. فكيف كان ممكنا لفرقة تلاميذ الكتاب المقدس الصغيرة (ربما ١٠٠ في ذلك الوقت) ان توزع كل هذه؟
بلوغ روَّاد الكنائس
أُعطي بعضها للاقرباء والاصدقاء. ووافق عدد من الصحف على ارسال نسخة الى كلٍّ من مشتركيها. (وشُدِّد خصوصا على الصحف الاسبوعية والشهرية لكي تبلغ المطبوعة طعام للمسيحيين المفكرين اناسا كثيرين يسكنون في مناطق ريفية.) ولكنَّ مقدارا كبيرا من التوزيع أُنجز في ايام آحاد متعاقبة عديدة امام الكنائس في الولايات المتحدة وبريطانيا. ولم يكن هنالك ما يكفي من تلاميذ الكتاب المقدس لفعل كل ذلك شخصيا، فاستأجروا آخرين للمساعدة.
ارسل الاخ رصل اثنين من عشرائه، ج. سي. سانْدِرْلِن و ج. ج. بِندر، الى بريطانيا للإشراف على توزيع ٠٠٠,٣٠٠ نسخة هناك. فذهب الاخ سانْدِرْلِن الى لندن، فيما سافر الاخ بِندر شمالا الى أسكتلندا ثم تابع طريقه جنوبا. ومُنحت المدن الاكبر انتباها رئيسيا. وبواسطة اعلانات الصحف، حُدِّدت اماكن رجال مقتدرين، وصُنعت معهم عقود للترتيب من اجل ما يكفي من المساعدين كي يوزعوا حصتهم من النسخ. فجُنِّد نحو ٥٠٠ موزع في لندن وحدها. فجرى العمل بسرعة، في يومَي احد متعاقبين.
في تلك السنة عينها، صُنعت ترتيبات من اجل تلاميذ الكتاب المقدس الذين يستطيعون ان يصرفوا بشكل مطلق نصف وقتهم او اكثر في عمل الرب لكي يصيروا موزعين جائلين للمطبوعات المساعدة على درس الكتاب المقدس. وهؤلاء السابقون للمعروفين اليوم بالفاتحين حقَّقوا انتشارا رائعا حقا للبشارة.
خلال العقد التالي، اعدَّ الاخ رصل تنوُّعا من النشرات التي يمكن استعمالها بسهولة لنشر بعض حقائق الكتاب المقدس البارزة التي جرى تعلُّمها. وكتب ايضا عدة مجلدات من الفجر الالفي (المعروفة لاحقا بـ دروس في الاسفار المقدسة). ثم ابتدأ يقوم برحلات تبشيرية شخصية الى بلدان اخرى.
رصل يسافر الى الخارج
في السنة ١٨٩١ زار كندا، حيث كان قد تولَّد منذ السنة ١٨٨٠ ما يكفي من الاهتمام ليُعقد الآن محفل في تورونتو حضره ٧٠٠. وسافر ايضا الى اوروپا في السنة ١٨٩١ ليرى ما يمكن فعله لتعزيز انتشار الحق هناك. وهذه الرحلة اخذته الى ايرلندا، أسكتلندا، انكلترا، كثير من البلدان في القارة الاوروپية، روسيا (المنطقة المعروفة الآن بمولدوڤا)، والشرق الاوسط.
فماذا استنتج من احتكاكه بالناس في هذه الرحلة؟ «لم نرَ ايّ انفتاح او ميل الى الحق في روسيا . . . ولم نرَ ما يشجعنا على الرجاء بأيّ حصاد في ايطاليا او تركيا او النمسا او المانيا،» ذكر، «لكنَّ النَّروج، السويد، الدنمارك، سويسرا، وخصوصا انكلترا، ايرلندا، وأسكتلندا، هي حقول جاهزة وتنتظر الحصاد. وهذه الحقول يبدو انها تصرخ، تعالوا وساعدونا!» كان ذلك عصرا لا تزال فيه الكنيسة الكاثوليكية تحرّم قراءة الكتاب المقدس، فيما كان كثيرون من الپروتستانت يهجرون كنائسهم، وكان عدد ليس بقليل، اذ خيَّبتهم الكنائس، يرفضون الكتاب المقدس كليا.
ولمساعدة اولئك الناس الذين كانوا جياعا روحيا، بُذلت جهود مكثَّفة بعد رحلة الاخ رصل في السنة ١٨٩١ لترجمة المطبوعات بلغات اوروپا. وصُنعت الترتيبات ايضا لطبع وخزن مؤن المطبوعات في لندن لكي تصير متوافرة للاستعمال بسهولة اكثر في بريطانيا. وتبيَّن حقا ان الحقل البريطاني مستعد للحصاد. فبحلول السنة ١٩٠٠، كانت هنالك تسع جماعات ومجموع من ١٣٨ تلميذا للكتاب المقدس — بينهم بعض موزعي المطبوعات الجائلين الغيورين. وعندما زار الاخ رصل بريطانيا ثانية في السنة ١٩٠٣، اجتمع ألف في ڠلاسكو ليستمعوا اليه يتكلم عن «الآمال والتوقعات الالفية،» حضر ٨٠٠ في لندن، وحضر ٥٠٠ الى ٦٠٠ في البلدات الاخرى.
ومن ناحية اخرى، تأكيدا لملاحظات الاخ رصل، مرَّت ١٧ سنة بعد زيارته قبل ان تتشكل اول جماعة لتلاميذ الكتاب المقدس في ايطاليا، في پينيرولو. وماذا عن تركيا؟ في وقت متأخر من ثمانينات الـ ١٨٠٠، كرز بازِل سْتِفانوڤ في مقدونيا، في ما كان يُدعى آنذاك تركيا الاوروپية. ومع ان البعض بدوا مهتمين، قدَّم بعض الاشخاص الذين ادَّعوا انهم اخوة تقارير كاذبة، مما ادَّى الى سجنه. وليس حتى السنة ١٩٠٩ حدث ان وصلت رسالة من يوناني في سميرنا (الآن إزمير)، تركيا، تذكر ان فريقا هناك يدرس بتقدير مطبوعات برج المراقبة. أما بالنسبة الى النمسا، فقد رجع الاخ رصل نفسه في السنة ١٩١١ ليلقي خطابا في ڤيينا، ولكن لتقاطِع الاجتماع مجموعة من الرعاع. وفي المانيا ايضا، كان التجاوب المتسم بالتقدير بطيء البروز. ولكنَّ الإسكنديناڤيين اظهروا شعورا اقوى بحاجتهم الروحية.
الإسكنديناڤيون يشاركون احدهم الآخر
كان سويديون كثيرون يعيشون في اميركا. وفي السنة ١٨٨٣ توافرت نسخة نموذجية من برج المراقبة مترجمة بالسويدية للتوزيع بينهم. وسرعان ما وجدت هذه طريقها بالبريد الى الاصدقاء والاقرباء في السويد. ولم تكن قد أُنتجت بعدُ اية مطبوعات نَروجية. إلا انه، في السنة ١٨٩٢، السنة التي تلت رحلة الاخ رصل الى اوروپا، رجع كْنوت پايدَرْسن هامر، نَروجي تعلَّم الحق في اميركا، شخصيا الى النَّروج ليشهد لاقربائه.
ثم، في السنة ١٨٩٤، عندما ابتدأ نشر المطبوعات بالدنماركية والنَّروجية، أُرسل سوفوس ڤينتر، شاب دنماركي-اميركي في الـ ٢٥ من العمر، الى الدنمارك مع مخزون للتوزيع. وبحلول الربيع التالي، كان قد وزع ٥٠٠ مجلَّد من الفجر الالفي. وفي غضون وقت قصير، صار قليلون آخرون ممَّن قرأوا هذه المطبوعات يشتركون معه في العمل. ومن المؤسف انه لاحقا لم يعد يدرك قيمة الامتياز الثمين الذي كان لديه؛ لكنَّ آخرين استمروا في جعل النور يضيء.
ولكنَّ ڤينتر، قبل ان يترك الخدمة، قام بشيء من عمل موزعي المطبوعات الجائلين في السويد. وبُعيد ذلك، في بيت احد الاصدقاء في جزيرة ستوركو، رأى اوڠُست لُوندْبورڠ، نقيب شاب في جيش الخلاص، مجلَّدين من الفجر الالفي. فاستعارهما، قرأهما بتوق، استقال من الكنيسة، وابتدأ يخبر الآخرين بما تعلَّمه. وثمة شاب آخر، پ. ج. يوهانسن، تفتَّحت عيناه نتيجة لقراءة نشرة التقطها من على مقعد في منتزه.
واذ ابتدأ الفريق السويدي ينمو، ذهب البعض الى النَّروج لتوزيع مطبوعات الكتاب المقدس. وحتى قبل ذلك، وصلت المطبوعات الى النَّروج بالبريد من اقرباء في اميركا. وبهذه الطريقة حدث ان راسموس بلينتهايم بدأ بخدمة يهوه. وبين آخرين في النَّروج، تلقَّى تيودور سايمونسن، واعظ من «الارسالية الحرَّة،» الحق خلال تلك السنوات الباكرة. وشرع يدحض تعليم نار الهاوية في خطاباته في «الارسالية الحرَّة.» فقفز الحضور على اقدامهم من الاثارة بسبب هذه الانباء الرائعة؛ ولكن عندما عُلم انه يقرأ «الفجر الالفي،» صُرف من الكنيسة. إلا انه داوم على التكلم عن الامور الصالحة التي تعلَّمها. والشاب الآخر الذي تسلَّم بعض المطبوعات كان اندرياس آسِت. وحالما اقتنع بأنه وجد الحق، ترك مزرعة العائلة وباشر عمل موزعي المطبوعات الجائلين. ونظاميا، شقَّ طريقه شمالا، ثم جنوبا بمحاذاة الألسنة البحرية، دون ان يتجاهل ايّ مجتمع سكاني. وفي الشتاء كان يحمل مؤنه — الطعام، اللباس، والمطبوعات — على مزلج يُدفع بالقدم، وكان الناس المضيافون يزوِّدونه بأماكن للنوم. وفي رحلة دامت ثماني سنوات، غطى تقريبا كامل البلد بالبشارة.
وزوجة اوڠُست لُوندْبورڠ، إِبّا، ذهبت من السويد الى فنلندا لتقوم بعمل موزعي المطبوعات الجائلين في السنة ١٩٠٦. وفي الوقت نفسه تقريبا، جلب رجال عائدون من الولايات المتحدة بعض مطبوعات برج المراقبة معهم وشرعوا يخبرون بما كانوا يتعلَّمونه. وهكذا في غضون سنوات قليلة، حصل اميل اوسترمَن، الذي كان يتطلع الى شيء افضل مما تقدِّمه الكنائس، على نظام الدهور الالهي. واشترك فيه مع صديقه كارلو هارتِڤا، الذي كان يبحث ايضا. واذ ادرك هارتِڤا قيمة ما لديهما، ترجمه بالفنلندية، وبمساعدة اوسترمَن في التمويل، رتَّب ان يُنشر. ومعا شرعا يوزعانه. واذ اعربا عن روح التبشير الاصيلة، تحدثا الى الناس في الاماكن العامة، قاما بالزيارات من بيت الى بيت، وألقيا المحاضرات في قاعات استماع كبيرة كانت تمتلئ تماما من الحضور. وفي هلسنكي، بعد تشهير عقائد العالم المسيحي الباطلة، دعا الاخ هارتِڤا الحضور الى استخدام الكتاب المقدس للدفاع عن معتقد خلود النفس، اذا استطاعوا. فتحولت كل الانظار الى رجال الدين الحاضرين. فلم يتكلم احد؛ ولم يقدر احد ان يردَّ على العبارة الواضحة الموجودة في حزقيال ١٨:٤. وقال بعض الحاضرين انهم لن يتمكَّنوا من النوم في تلك الليلة بعد ان سمعوا ذلك.
بستاني متواضع يصير مبشرا في اوروپا
في هذه الاثناء، وبتشجيع من صديق مسنّ من مجدِّدي المعمودية، غادر ادولف وايبر سويسرا الى الولايات المتحدة بحثا عن فهم اكمل للاسفار المقدسة. وهناك، تجاوبا مع احد الاعلانات، صار بستانيا للاخ رصل. وبمساعدة نظام الدهور الالهي (المتوافر آنذاك بالالمانية) والاجتماعات التي كان يديرها الاخ رصل، نال ادولف معرفة الكتاب المقدس التي كان يبحث عنها، واعتمد في السنة ١٨٩٠. لقد ‹استنارت عينا قلبه› حتى انه قدَّر فعلا الفرصة الكبيرة التي انفتحت امامه. (افسس ١:١٨) وبعد الشهادة بغيرة مدة من الوقت في الولايات المتحدة، رجع الى مسقط رأسه ليباشر العمل «في كرم الرب» هناك. وهكذا، بحلول منتصف تسعينات الـ ١٨٠٠، عاد الى سويسرا ليشترك في حق الكتاب المقدس مع اولئك الذين قلوبهم متقبلة.
كان ادولف يحصِّل معيشته كبستاني ومراقب احراج، ولكنَّ اهتمامه الاول كان التبشير. فكان يشهد للذين يعمل معهم، وكذلك للناس في البلدات والقرى السويسرية المجاورة. وكان يعرف عدة لغات، فاستعمل هذه المعرفة ليترجم مطبوعات الجمعية بالفرنسية. وعندما يأتي الشتاء كان يملأ حقيبته التي تُحمل على الظهر بمطبوعات الكتاب المقدس ويمشي الى فرنسا، وأحيانا كان يسافر نحو الشمال الغربي الى بلجيكا وجنوبا الى ايطاليا.
ولبلوغ الناس الذين قد لا يتصل بهم شخصيا، نشر اعلانات في الصحف والمجلات، لافتا الانتباه الى المطبوعات المتوافرة لدرس الكتاب المقدس. فتجاوب ايلي تايرون، في فرنسا الوسطى، مع احد الاعلانات، ميَّز رنة الحق في ما قرأه، وسرعان ما بدأ هو نفسه بنشر الرسالة. وجان باتيست تيلمان، الاب، في بلجيكا، رأى ايضا احد الاعلانات في السنة ١٩٠١ وحصل على مجلَّدين من الفجر الالفي. ويا لبهجة رؤيته حق الكتاب المقدس معروضا بوضوح الى هذا الحد! فكيف يمكن ان يحجم عن إخبار اصدقائه! وبحلول السنة التالية، كان فريق درس يجتمع قانونيا في بيته. وبعد ذلك بوقت قصير صار نشاط هذا الفريق الصغير ينتج ثمرا حتى في شمالي فرنسا. أما الاخ وايبر فبقي على اتصال بهم، قائما دوريا بزيارة الفرق المختلفة التي تطوَّرت، بانيا اياهم روحيا ومانحا اياهم الارشادات حول كيفية الاشتراك في البشارة مع الآخرين.
عندما بلغت البشارة المانيا
بعد وقت قصير من ابتداء ظهور بعض المطبوعات بالالمانية، في منتصف ثمانينات الـ ١٨٠٠، ابتدأ الالمان-الاميركيون الذين قدَّروها يرسلون نسخا الى الاقرباء في مسقط رأسهم. ووزَّعت ممرضة تعمل في مستشفى في هامبورڠ على آخرين في المستشفى نسخا من الفجر الالفي. وفي السنة ١٨٩٦ كان ادولف وايبر، في سويسرا، ينشر اعلانات في الصحف التي تصدر باللغة الالمانية ويرسل النشرات بالبريد الى المانيا. وفي السنة التالية افتُتح في المانيا مستودع مطبوعات لتسهيل توزيع الطبعة الالمانية من برج المراقبة، لكنَّ النتائج كانت بطيئة. إلا انه في السنة ١٩٠٢ انتقلت مرڠريت دايموت، التي تعلَّمت الحق في سويسرا، الى تايلفينڠن، شرقي الغابة السوداء. فساعدت شهادتها الشخصية الغيورة على وضع الاساس لاحدى فرق تلاميذ الكتاب المقدس الباكرة في المانيا. وانتقل سامْويل لوپر، من سويسرا، الى برڠيشز لاند، شمال شرق كولون، لينشر البشارة في تلك المنطقة. وبحلول السنة ١٩٠٤، كانت الاجتماعات تُعقد هناك في ڤيرملسْكيرخِن. وكان بين الحاضرين رجل يبلغ الـ ٨٠ من العمر، ڠوتليپ پَس، الذي كان يبحث عن الحق. وعلى فراش موته، ليس طويلا بعد ابتداء تلك الاجتماعات، امسك پَس بمجلة برج المراقبة وقال: «هذا هو الحق؛ تمسكوا به.»
ازداد تدريجيا عدد المهتمين بحقائق الكتاب المقدس هذه. وعلى الرغم من الكلفة الكبيرة، صُنعت الترتيبات لادراج نسخ نموذجية مجانية من برج المراقبة في الصحف في المانيا. ونُشر تقرير في السنة ١٩٠٥ يقول ان اكثر من ٠٠٠,٥٠٠,١ نسخة من نماذج برج المراقبة هذه قد وُزِّع. فكان ذلك انجازا عظيما بالنسبة الى فريق صغير جدا.
لم يشعر جميع تلاميذ الكتاب المقدس انه ببلوغ الناس القريبين من بيوتهم ينجزون كل ما هو ضروري. فقديما في السنة ١٩٠٧ قام الاخ ايرلر، من المانيا، برحلات الى بوهيميا في ما كان آنذاك النمسا-المجر (لاحقا صارت جزءا من تشيكوسلوڤاكيا). فوزَّع مطبوعات تحذِّر من هرمجدون وتخبر بالبركات التي سينالها الجنس البشري بعد ذلك. وبحلول السنة ١٩١٢ وزَّع شخص آخر من تلاميذ الكتاب المقدس مطبوعات الكتاب المقدس في منطقة مَيْمل، في ما هو الآن ليثوانيا. فتجاوب كثيرون بحماسة مع الرسالة، وتشكَّلت هناك بسرعة عدة فرق كبيرة الى حد ما من تلاميذ الكتاب المقدس. ولكن، عندما علموا ان المسيحيين الحقيقيين يجب ان يكونوا ايضا شهودا، ابتدأت اعدادهم تتضاءل. إلا ان قليلين برهنوا انهم متمثلون حقيقيون بالمسيح، «الشاهد الامين الصادق.» — رؤيا ٣:١٤.
ونيكولاوس فون تورنُو، بارون الماني ذو املاك كثيرة في روسيا، عندما كان في سويسرا نحو السنة ١٩٠٧، تسلَّم احدى نشرات جمعية برج المراقبة. وبعد سنتين ظهر في جماعة برلين، في المانيا، مرتديا افضل لباس لديه ويرافقه خادمه الشخصي. ولزمه بعض الوقت ليقدِّر سبب استئمان اللّٰه شعبا متواضعا كهذا على حقائق لا تقدَّر بثمن، لكنَّ ما قرأه في ١ كورنثوس ١:٢٦-٢٩ كان مساعدا: «انظروا دعوتكم ايها الاخوة أن ليس كثيرون حكماء حسب الجسد ليس كثيرون اقوياء ليس كثيرون شرفاء . . . لكي لا يفتخر كل ذي جسد امامه [اللّٰه].» واذ اقتنع بأنه وجد الحق، باع فون تورنُو املاكه في روسيا ووقف نفسه وموارده لتعزيز مصالح العبادة النقية.
وفي السنة ١٩١١، عندما تزوج الفتى والفتاة الالمانيان، آل هِرْكِنْدِل، طلبت العروس من ابيها مالا، كهدية، لشهر عسل غير اعتيادي. فكانت هي وزوجها يفكِّران في القيام برحلة مضنية تستغرق اشهرا عديدة. وكان شهر عسلهما رحلة كرازية الى روسيا لبلوغ الناس الناطقين بالالمانية هناك. وهكذا بطرائق عديدة اشترك اناس من كل الانواع مع الآخرين في ما تعلَّموه عن قصد اللّٰه الحبي.
النمو في الحقل البريطاني
بعد توزيع كثيف للمطبوعات في بريطانيا في السنة ١٨٨١، رأى بعض روَّاد الكنائس الحاجة الى العمل وفق ما تعلَّموه. وكان توم هارت من إزْلينڠتُن، لندن، احد الذين تأثروا بمشورة برج المراقبة المؤسسة على الاسفار المقدسة، «اخرجوا منها يا شعبي» — اي اخرجوا من كنائس العالم المسيحي البابلية واتَّبعوا تعليم الكتاب المقدس. (رؤيا ١٨:٤) فاستقال من الكنيسة في السنة ١٨٨٤، وتبعه عدد من الآخرين.
وكثيرون ممَّن عاشروا فرق الدرس صاروا مبشرين فعَّالين. فكان البعض يقدِّمون مطبوعات الكتاب المقدس في منتزهات لندن والاماكن الاخرى حيث يطلب الناس الراحة. وكان آخرون يركِّزون على الاماكن التجارية. ولكنَّ الطريقة المعتادة اكثر كانت الزيارات من بيت الى بيت.
كتبت سارة فيرّي، مشتركة في برج المراقبة، الى الاخ رصل تقول انها هي وعدة اصدقاء في ڠلاسكو يرغبون في التطوع للاشتراك في توزيع النشرات. ويا لها من مفاجأة عندما توقفت شاحنة عند بابها تحمل ٠٠٠,٣٠ كراس، لتوزَّع جميعها مجانا! فبدأوا بالعمل. وميني ڠرينليز، مع ابنائها الاحداث الثلاثة، بواسطة عربة خفيفة يجرها حصان للتنقل، جاهدت من اجل توزيع مطبوعات الكتاب المقدس في الريف الأسكتلندي. ولاحقا، اذ سافر ألفرِد ڠرينليز وألكسندر ماڠيلِڤْراي على دراجتين، وزَّعا النشرات في معظم انحاء أسكتلندا. وبدلا من دفع المال الى الآخرين لتوزيع المطبوعات، كان هنالك الآن متطوعون منتذرون ينجزون العمل شخصيا.
قلوبهم دفعتهم
في احد امثاله، قال يسوع ان الناس الذين ‹يسمعون كلمة اللّٰه بقلب جيد صالح› يُثمرون. فالتقدير المخلص لتدابير اللّٰه الحبية يدفعهم الى الاشتراك مع الآخرين في البشارة عن ملكوت اللّٰه. (لوقا ٨:٨، ١١، ١٥) وبصرف النظر عن ظروفهم، يجدون وسيلة لفعل ذلك.
وهكذا من بحَّار ايطالي كان ان مسافرا ارجنتينيا حصل على كمية من الكراس طعام للمسيحيين المفكرين. وفيما هو في المرفإ في الپيرو، كتب المسافر من اجل المزيد، وباهتمام متزايد كتب ثانية، من الارجنتين في السنة ١٨٨٥، الى رئيس تحرير برج المراقبة ليطلب مطبوعات. وفي تلك السنة عينها، اخذ عضو في البحرية البريطانية، كان قد أُرسل مع سريته المدفعية الى سنڠافورة، برج المراقبة معه. فكان مسرورا بما تعلَّمه من المجلة واستخدمها بحرية هناك لاعلان نظرة الكتاب المقدس في ما يتعلق بالمواضيع التي كانت مسألة نقاش عام. وفي السنة ١٩١٠ رست سفينة في المرفإ في كولومبو، سيلان (الآن سْري لانكا)، وعلى متنها امرأتان مسيحيتان كانتا مسافرتين. فاغتنمتا الفرصة لتشهدا للسيد ڤان تْوِست، مدير الشحن في المرفإ. وتحدثتا اليه بحماس عن الامور الجيدة التي تعلَّمتاها من كتاب نظام الدهور الالهي. ونتيجة لذلك، صار السيد ڤان تْوِست تلميذا للكتاب المقدس، وأخذت الكرازة بالبشارة تتقدَّم في سْري لانكا.
وحتى اولئك الذين كانوا غير قادرين على السفر بحثوا عن طرائق لاخبار الناس في البلدان الاخرى بحقائق الكتاب المقدس المبهجة. وكما كُشف برسالة تقدير نُشرت في السنة ١٩٠٥، كان شخص ما في الولايات المتحدة قد ارسل نظام الدهور الالهي الى رجل في سانت توماس، في ما كان آنذاك جزر الهند الغربية الدنماركية. وبعد ان قرأه جثا المتسلِّم وعبَّر عن رغبته المخلصة ان يستخدمه اللّٰه في فعل مشيئته. وفي السنة ١٩١١، اشارت بِلونا فِرْڠَسُن في البرازيل الى حالتها بأنها «برهان ايجابي حي على انه ما من احد ابعد من الوصول اليه» بمياه الحق. فكما يتضح كانت تتسلَّم مطبوعات الجمعية بالبريد منذ السنة ١٨٩٩. وفي وقت ما قبل الحرب العالمية الاولى، وجد مهاجر الماني في پاراڠواي احدى نشرات الجمعية في صندوقه البريدي. فطلب المزيد من المطبوعات وسرعان ما قطع صلاته بكنائس العالم المسيحي. واذ لم يكن هنالك شخص آخر في البلد ليقوم بذلك، قرَّر هو وأخو زوجته ان يعمِّدا احدهما الآخر. حقا، أُعطيت الشهادة في اقصى الارض، وكانت مثمرة.
لكنَّ آخرين من تلاميذ الكتاب المقدس شعروا بالاندفاع الى السفر الى المكان الذي وُلدوا فيه هم او والدوهم كي يخبروا الاصدقاء والاقرباء عن قصد يهوه الرائع وكيفية الاشتراك فيه. وهكذا، في السنة ١٨٩٥، رجع الاخ اولِشْزاينْسكي الى پولندا ومعه البشارة عن «الفدية، الردّ والدعوة العليا»؛ لكنه، للاسف، لم يحتمل في تلك الخدمة. وفي السنة ١٨٩٨ غادر كندا پروفسور سابق، هنڠاري، لينشر رسالة الكتاب المقدس الملحة في موطنه. وفي السنة ١٩٠٥ رجع الى اليونان رجل كان قد صار تلميذا للكتاب المقدس في اميركا لكي يشهد. وفي السنة ١٩١٣ حمل شاب بزور حق الكتاب المقدس من نيويورك عائدا الى موطن عائلته، رام اللّٰه، ليس بعيدا عن اورشليم.
افتتاح منطقة البحر الكاريبي
فيما كان عدد المبشرين ينمو في الولايات المتحدة، كندا، وأوروپا، ابتدأ حق الكتاب المقدس ايضا يترسخ في پاناما، كوستاريكا، ڠِييانا الهولندية (الآن سورينام)، وڠِييانا البريطانية (الآن ڠَيانا). جوزيف بْراثْوايت، الذي كان في ڠِييانا البريطانية عندما جرت مساعدته على فهم قصد اللّٰه، غادر الى باربادوس في السنة ١٩٠٥ ليخصِّص وقته الكامل لتعليمه الناس هناك. لويس فايسي و ه. پ. كلارك، اللذان سمعا البشارة عندما كانا يعملان في كوستاريكا، عادا الى جامايكا في السنة ١٨٩٧ ليخبرا بايمانهما المكتشف حديثا بين شعبهما. وأولئك الذين اعتنقوا الحق هناك كانوا عاملين غيورين. وفي السنة ١٩٠٦ وحدها، وزَّع الفريق في جامايكا نحو ٠٠٠,٢٠٠,١ نشرة ومطبوعة اخرى. وعاد عامل مهاجر آخر، كان قد تعلَّم الحق في پاناما، الى ڠرانادا حاملا رسالة رجاء الكتاب المقدس.
والثورة في المكسيك في ١٩١٠-١٩١١ كانت عاملا آخر في جلب رسالة ملكوت اللّٰه الى الاشخاص الجياع الى الحق. فكثيرون من الناس هربوا شمالا الى الولايات المتحدة. وهناك اتصل بعضهم بتلاميذ الكتاب المقدس، تعلَّموا عن قصد يهوه ان يجلب سلاما دائما للجنس البشري، وأرسلوا مطبوعات الى المكسيك. ولكن، لم تكن هذه المرة الاولى التي تبلغ فيها هذه الرسالة المكسيك. فقديما في السنة ١٨٩٣، نشرت برج المراقبة رسالة من ف. دي پ. ستيڤنسُن، من المكسيك، الذي كان قد قرأ بعض مطبوعات جمعية برج المراقبة وأراد ان يحصل على المزيد لكي يخبر اصدقاءه في المكسيك وأوروپا على السواء.
ولافتتاح المزيد من بلدان البحر الكاريبي امام الكرازة بحق الكتاب المقدس ولتنظيم اجتماعات قانونية للدرس، ارسل الاخ رصل إ. ج. كاوارد الى پاناما في السنة ١٩١١ ثم الى الجزر. كان الاخ كاوارد خطيبا مشدِّدا في كلامه ومؤثرا، وكان الحضور يتدفقون بالمئات تكرارا لكي يسمعوا محاضراته التي تدحض عقيدتي نار الهاوية وخلود النفس البشرية، والتي تخبر ايضا بمستقبل مجيد للارض. وتنقَّل من بلدة الى بلدة، ومن جزيرة الى اخرى — سانت لوسيا، دومينيكا، سانت كيتس، باربادوس، ڠرانادا، وترينيداد — بالغا اكبر عدد ممكن من الناس. وخطب ايضا في ڠِييانا البريطانية. وفيما كان في پاناما التقى و. ر. براون، اخ شاب غيور من جامايكا، الذي خدم لاحقا مع الاخ كاوارد في عدد من جزر البحر الكاريبي. وفي ما بعد، ساعد الاخُ براون على افتتاح حقول اخرى ايضا.
في السنة ١٩١٣، خطب الاخ رصل نفسه في پاناما، كوبا، وجامايكا. وامتلأت قاعتا استماع من اجل محاضرة عامة ألقاها في كينڠزتون، جامايكا، ووجب ايضا منع نحو ٠٠٠,٢ شخص من الدخول لسبب ضيق المكان. وعندما لم يقل الخطيب شيئا عن المال وعندما لم تؤخذ اية لمَّة، لاحظت الصحافة ذلك.
نور الحق يبلغ افريقيا
وافريقيا ايضا اخترقها نور الحق خلال هذه الفترة. فقد كشفت رسالة مرسلة من لَيبيريا في السنة ١٨٨٤ ان قارئا للكتاب المقدس هناك حصل على نسخة من طعام للمسيحيين المفكرين وأراد المزيد لتوزيعه على الآخرين. وبعد ذلك بسنوات قليلة، أُخبر ان رجل دين في لَيبيريا ترك منبره لكي يكون حرا لتعليم حقائق الكتاب المقدس التي كان يتعلَّمها بمساعدة برج المراقبة وأن اجتماعات قانونية يعقدها هناك فريق من تلاميذ الكتاب المقدس.
وأخذ قَس من هولندا في الكنيسة المُصلَحة الهولندية بعض مطبوعات ت. ت. رصل معه عندما أُرسل الى جنوب افريقيا في السنة ١٩٠٢. ومع انه لم يستفد منها بشكل دائم، إلا ان فرانس آيْبِرْسُن و سْتوفِل فُوري، اللذين رأيا المطبوعات في مكتبته، استفادا منها. وبعد سنوات قليلة، تعزَّزت الصفوف في ذلك الجزء من الحقل عندما هاجر اثنان من تلاميذ الكتاب المقدس الغيورين من أسكتلندا الى دوربان، جنوب افريقيا.
من المؤسف انه بين اولئك الذين حصلوا على المطبوعات التي كتبها الاخ رصل ثم علَّموا آخرين شيئا منها، كان هنالك قليلون، مثل جوزيف بوث وإيليوت كَمْوانا، ممَّن ادخلوا افكارهم الخاصة، التي كانت مصمَّمة للتحريض على التغيير الاجتماعي. وبالنسبة الى بعض المراقبين في جنوب افريقيا ونياسالَنْد (لاحقا ملاوي)، مال ذلك الى تشويش هوية تلاميذ الكتاب المقدس الحقيقيين. ومع ذلك كان كثيرون يسمعون ويُظهرون التقدير للرسالة التي لفتت الانتباه الى ملكوت اللّٰه بصفته الحل لمشاكل الجنس البشري.
أما في ما يتعلق بالانتشار الواسع للكرازة في افريقيا، فكان ذلك لا يزال في المستقبل.
الى المشرق وجزر الپاسيفيك
بُعيد توزيع مطبوعات الكتاب المقدس التي اعدَّها ت. ت. رصل في بريطانيا اولا، وصلت ايضا الى المشرق. ففي السنة ١٨٨٣، تسلَّمت الآنسة سي. ب. داونينڠ، مرسلة مشيخية في جِفو (يَنْتاي)، الصين، نسخة من برج المراقبة. فقدَّرت ما تعلَّمته عن الردّ وأعطت المطبوعة لمرسلين آخرين، بمن فيهم هورِس راندِل، المقترن بمجلس الارسالية المعمدانية. ولاحقا اثار اهتمامَه اكثر اعلانٌ عن الفجر الالفي ظهر في تايمز اللندنية، وتبعت ذلك نسختان من الكتاب نفسه — واحدة من الآنسة داونينڠ وأخرى ارسلتها امه في انكلترا. في البداية، صدمه ما قرأه. ولكن حالما اقتنع بأن الثالوث ليس تعليما للكتاب المقدس، استقال من الكنيسة المعمدانية وشرع يخبر المرسلين الآخرين بما تعلَّمه. وفي السنة ١٩٠٠ أَخبر انه ارسل ٣٢٤,٢ رسالة ونحو ٠٠٠,٥ نشرة الى المرسلين في سَيام (تايلند)، الصين، كوريا، واليابان. وفي ذلك الحين كان ان الشهادة أُعطيت بشكل رئيسي لمرسلي العالم المسيحي في المشرق.
خلال فترة الوقت عينها هذه، زُرعت بزور الحق ايضا في اوستراليا ونيوزيلندا. وأول هذه «البزور» التي وصلت الى اوستراليا ربما اخذها الى هناك في السنة ١٨٨٤ او بُعيد ذلك رجل اقترب اليه اولا احد تلاميذ الكتاب المقدس في منتزه في انكلترا. وأتت «بزور» اخرى بالبريد من اصدقاء وأقرباء وراء البحار.
وفي غضون سنوات قليلة بعد تشكُّل الكومُنْولث الاوسترالي في السنة ١٩٠١، صار مئات الاشخاص هناك مشتركين في برج المراقبة. ونتيجة لنشاط اولئك الذين ادركوا امتياز اخبار الآخرين الحق، أُرسلت آلاف النشرات الى الناس الذين كانت اسماؤهم في اللوائح الانتخابية. ووُزِّع المزيد في الشوارع، وقُذفت حُزَم منها عبر نوافذ القطارات الى العمال وساكني الاكواخ المنعزلين في المناطق النائية على طول خطوط السكة الحديدية. وجرى اشعار الناس بالنهاية الوشيكة لازمنة الامم في السنة ١٩١٤. وآرثر وليمز، الاب، تحدث عن ذلك الى جميع الزبائن في متجره في اوستراليا الغربية ودعا المهتمين الى بيته من اجل مناقشات اضافية.
أما مَن وصل الى نيوزيلندا اولا ومعه حق الكتاب المقدس فليس معروفا الآن. ولكن بحلول السنة ١٨٩٨، كان أندرو أندرسون، احد سكان نيوزيلندا، قد قرأ ما يكفي من مطبوعات برج المراقبة ليندفع الى نشر الحق هناك كموزع جائل للمطبوعات. وعزَّز جهوده في السنة ١٩٠٤ موزعون جائلون للمطبوعات آخرون اتوا من اميركا ومن مكتب فرع الجمعية الذي كان قد تأسس في تلك السنة نفسها في اوستراليا. وقبلت السيدة توماس باري، في كنيسة المسيح، ستة مجلَّدات من دروس في الاسفار المقدسة من احد موزعي المطبوعات الجائلين. فقرأها ابنها بيل في السنة ١٩٠٩ في خلال رحلة بالمركب لستة اسابيع الى انكلترا وأدرك صدق ما تحتويه. وبعد سنوات صار ابنه لويد عضوا في الهيئة الحاكمة لشهود يهوه.
وكان بين العاملين الغيورين في تلك الايام الباكرة أد نلسون، الذي، مع انه لم يكن لبقا جدا، خصَّص وقته الكامل طوال ٥٠ سنة لنشر رسالة الملكوت من الطرف الشمالي في نيوزيلندا الى الجنوب. وبعد سنوات قليلة، انضم اليه فرانك ڠروڤ، الذي نمَّى ذاكرته للتعويض عن البصر الضعيف والذي خدم ايضا كفاتح طوال اكثر من ٥٠ سنة حتى موته.
جولة عالمية لتعزيز الكرازة بالبشارة
بُذل جهد كبير اضافي في ١٩١١-١٩١٢ لمساعدة الناس في المشرق. فقد ارسلت جمعية تلاميذ الكتاب المقدس من جميع الامم لجنة من سبعة رجال، برئاسة ت. ت. رصل، لتفحُّص الاحوال هناك مباشرة. وحيثما ذهبوا كانوا يتكلمون عن قصد اللّٰه ان يجلب البركات للجنس البشري بواسطة الملكوت المسيَّاني. وأحيانا كان مستمعوهم قليلي العدد، ولكن في الفيليپين وفي الهند كان هنالك الآلاف. وهم لم يوافقوا على الحملة الشائعة آنذاك في العالم المسيحي لجمع الاموال من اجل هداية العالم. وكان تعليقهم ان معظم جهود مرسلي العالم المسيحي تُبذل لترويج الثقافة الدنيوية. لكنَّ الاخ رصل كان مقتنعا بأن ما يلزم الناس هو «انجيل تدبير اللّٰه الحبي لملكوت المسيَّا القادم.» وبدلا من توقع هداية العالم، فهم تلاميذ الكتاب المقدس من الاسفار المقدسة ان ما كان يجب فعله آنذاك هو تقديم شهادة وأن ذلك كان سيعمل على تجميع «نخبة قليلة من جميع الامم، الشعوب، القبائل والالسنة من اجل العضوية في صف عروس [المسيح] — ليجلسوا معه في عرشه خلال الالف السنة، متعاونين في عمل تحسين حالة الجنس البشري ككل.»a — رؤيا ٥:٩، ١٠؛ ١٤:١-٥.
بعد قضاء وقت في اليابان، الصين، الفيليپين، وأمكنة اخرى، اجتاز اعضاء اللجنة ٠٠٠,٤ ميل (٤٠٠,٦ كلم) اضافي من السفر في الهند. وقديما في السنة ١٨٨٧ قرأ بعض الافراد الساكنين في الهند مطبوعات الجمعية وكتبوا رسائل تعبيرا عن تقديرهم لها. وجرى القيام بشهادة فعَّالة ايضا بين الناس الناطقين بالتاميلية منذ السنة ١٩٠٥ بواسطة شاب كان، كتلميذ في اميركا، قد التقى الاخ رصل وتعلَّم الحق. وهذا الشاب ساعد على تأسيس نحو ٤٠ فريقا لدرس الكتاب المقدس في جنوب الهند. ولكن، بعد ان كرز للآخرين، صار هو نفسه مرفوضا اذ هجر المقاييس المسيحية. — قارنوا ١ كورنثوس ٩:٢٦، ٢٧.
ومن جهة اخرى، وفي الوقت نفسه تقريبا، أُرسل الى أ. ج. جوزيف، من تراڤنكور (كيرالا)، ردا على سؤال بعثه بالبريد الى مجيئي بارز، مجلَّد من دروس في الاسفار المقدسة. هنا وجد اجوبة من الاسفار المقدسة مانحة الاكتفاء عن اسئلته المتعلقة بالثالوث. وسرعان ما خرج هو وآخرون من اعضاء العائلة الى حقول الارزّ ومزارع جوز الهند في جنوب الهند يخبرون بمعتقداتهم المكتشفة حديثا. وبعد زيارة الاخ رصل في السنة ١٩١٢، شرع الاخ جوزيف في الخدمة كامل الوقت. وسافر بالقطار، على عربة يجرها ثور، بالمركب، وسيرا على القدمين لتوزيع مطبوعات الكتاب المقدس. وعندما كان يلقي المحاضرات العامة، غالبا ما كان يقاطعها رجال الدين وأتباعهم. وفي كُندَرا، عندما كان رجل دين «مسيحي» يستخدم أتباعه لمقاطعة اجتماع كهذا ولقذف الاخ جوزيف بالروث، جاء سيد هندوسي ذو نفوذ ليرى ما سبب هذه الضجة. فسأل رجلَ الدين: ‹هل هذا هو المثال الذي رسمه المسيح للمسيحيين ليتبعوه، ام ان ما تفعله هو مثل سلوك الفريسيين في زمن يسوع؟› فانسحب رجل الدين.
وقبل انتهاء الجولة العالمية التي قامت بها لجنة جمعية تلاميذ الكتاب المقدس من جميع الامم طوال اربعة اشهر، رتَّب الاخ رصل ان يكون ر. ر. هوليستر ممثل الجمعية في المشرق وأن يتابع نشر رسالة تدبير اللّٰه الحبي للملكوت المسيَّاني بين الشعوب هناك. فأُعدَّت نشرات خصوصية بعشر لغات، وقام موزعون محليون بتوزيع ملايين منها في كل انحاء الهند، الصين، اليابان، وكوريا. ثم تُرجمت الكتب بأربع من هذه اللغات لتزويد مزيد من الطعام الروحي لاولئك الذين يظهرون الاهتمام. هنا حقل واسع، وبقي الكثير لانجازه. ومع ذلك، فان ما أُنجز حتى ذلك الحين كان مذهلا حقا.
تقديم شهادة مؤثرة
قبل الخراب الذي سبَّبته الحرب العالمية الاولى، قُدِّمت شهادة واسعة حول العالم. فقد قام الاخ رصل برحلات خطابية الى مئات المدن في الولايات المتحدة وكندا، وشرع في رحلات متكررة الى اوروپا، وقدَّم خطابات في پاناما، جامايكا، وكوبا، وكذلك في مدن المشرق الرئيسية. وعشرات الآلاف من الاشخاص استمعوا شخصيا الى محاضراته المثيرة المؤسسة على الكتاب المقدس وكانوا يراقبون فيما كان يجيب علنا من الاسفار المقدسة عن الاسئلة التي يطرحها الاصدقاء والاعداء على السواء. وهكذا أُثير اهتمام كبير، ونشرت آلاف الصحف في اميركا، اوروپا، جنوب افريقيا، وأوستراليا قانونيا مواعظ الاخ رصل. ووزَّع تلاميذ الكتاب المقدس ملايين الكتب، وكذلك مئات الملايين من النشرات والمطبوعات الاخرى بـ ٣٥ لغة.
ومع ان دوره كان بارزا، لم يكن الاخ رصل الشخص الوحيد الذي قام بالكرازة. فآخرون ايضا، اذ كانوا متشتتين حول الكرة الارضية، كانوا يوحِّدون اصواتهم كشهود ليهوه ولابنه، يسوع المسيح. وأولئك الذين شاركوا لم يكونوا جميعا خطباء عامين. فقد اتوا من كل مسالك الحياة، واستخدموا كل وسيلة ملائمة تحت تصرفهم لنشر البشارة.
وفي كانون الثاني ١٩١٤، قبل نهاية ازمنة الامم بأقل من سنة، شُنَّت حملة شهادة مكثَّفة اخرى ايضا. وهذه هي «رواية الخلق المصوَّرة،» التي شدَّدت بطريقة جديدة على قصد اللّٰه للارض. وقد فعلت ذلك بواسطة صور منزلقة ملوَّنة مرسومة باليد بشكل جميل وصور متحركة متزامنة مع الصوت. والصحافة العامة في الولايات المتحدة اخبرت ان حضورا يبلغ مجموعه مئات الآلاف كانوا يشاهدونها اسبوعيا عبر البلد. وبحلول نهاية السنة الاولى، بلغ مجموع الحضور في الولايات المتحدة وكندا ما يقارب الثمانية ملايين. وفي لندن، انكلترا، تدفقت الجموع الى دار الاوپرا وقاعة ألبرت الملكية لمشاهدة هذا العرض المؤلَّف من اربعة اجزاء كل جزء لمدة ساعتين. وفي غضون نصف سنة، كان اكثر من ٠٠٠,٢٢٦,١ في ٩٨ مدينة في الجزر البريطانية قد حضروا. والجموع في المانيا وسويسرا ملأوا القاعات المتوافرة. وشاهدها ايضا حضور كبير في إسكنديناڤيا وجنوب الپاسيفيك.
يا للشهادة العالمية المكثَّفة الرائعة التي قُدِّمت خلال تلك العقود الباكرة من التاريخ الحديث لشهود يهوه! ولكنَّ العمل كان حقا في مجرد البداية.
بضع مئات فقط اشتركوا بنشاط في نشر حق الكتاب المقدس في اوائل ثمانينات الـ ١٨٠٠. وبحلول السنة ١٩١٤، استنادا الى التقارير المتوافرة، كان هنالك نحو ١٠٠,٥ يساهمون في العمل. والآخرون ربما وزَّعوا بين حين وآخر بعض النشرات. وكان العاملون قليلين نسبيا.
وبحلول الجزء الاخير من السنة ١٩١٤، كان فريق المبشرين الصغير هذا قد نشروا، بطرائق متنوعة، مناداتهم بملكوت اللّٰه في ٦٨ بلدا. وعملهم ككارزين ومعلِّمين بكلمة اللّٰه كان مؤسسا بشكل ثابت تماما في ٣٠ بلدا منها.
ملايين الكتب ومئات الملايين من النشرات وُزِّعت قبل انتهاء ازمنة الامم. وبالاضافة الى ذلك، بحلول السنة ١٩١٣، كانت هنالك ٠٠٠,٢ صحيفة تنشر قانونيا المواعظ التي يُعدُّها ت. ت. رصل، وفي السنة ١٩١٤، شاهد حضور يبلغ مجموعه اكثر من ٠٠٠,٠٠٠,٩ شخص في ثلاث قارات «رواية الخلق المصوَّرة.»
حقا، قُدِّمت شهادة مذهلة! ولكن كان هنالك اكثر بكثير سيأتي بعد.
-
-
الجزء ٢ — شهود الی اقصی الارضشهود يهوه — منادون بملكوت اللّٰه
-
-
الفصل ٢٢
الجزء ٢ — شهود الى اقصى الارض
يُغطَّى عمل المناداة بالملكوت من السنة ١٩١٤ حتى السنة ١٩٣٥ في الصفحات ٤٢٣ الى ٤٤٣. وشهود يهوه يشيرون الى السنة ١٩١٤ بصفتها الوقت الذي تُوِّج فيه يسوع المسيح ملكا سماويا بسلطان على الامم. وعندما كان على الارض، سبق يسوع وأنبأ بأن الكرازة العالمية برسالة الملكوت في وجه الاضطهاد الشديد ستكون جزءا من علامة حضوره بسلطة الملكوت. فماذا حدث فعلا خلال السنوات التي تلت ١٩١٤؟
غمرت الحرب العالمية الاولى اوروپا سريعا في السنة ١٩١٤. ثم امتدت لتشمل بلدانا تشكِّل ما يُقدَّر بـ ٩٠ في المئة من سكان العالم. فكيف اثَّرت الحوادث المقترنة بتلك الحرب في النشاط الكرازي لخدام يهوه؟
السنوات المظلمة للحرب العالمية الاولى
خلال سنوات الحرب الباكرة، لم يكن هنالك عائق إلا في المانيا وفرنسا. فالنشرات كانت تُوزَّع بحرية في اماكن كثيرة، وكان هنالك استعمال مستمر لـ ‹الرواية المصوَّرة،› وإن كان ذلك على نطاق محدود اكثر بكثير بعد السنة ١٩١٤. واذ اشتدت حمَّى الحرب، اشاع رجال الدين في جزر الهند الغربية البريطانية ان إ. ج. كاوارد، الذي كان يمثِّل جمعية برج المراقبة، هو جاسوس الماني، ولذلك أُمر بالرحيل. وعندما كان توزيع كتاب السر المنتهي جاريا في السنة ١٩١٧، صارت المقاومة واسعة الانتشار.
كان الناس تواقين الى الحصول على هذا الكتاب. فلزم الجمعية ان تزيد طلبها الاولي في المطابع اكثر من عشرة اضعاف في مجرد اشهر قليلة. ولكنَّ رجال دين العالم المسيحي كانوا ساخطين بسبب تشهير عقائدهم الباطلة. فاستغلوا هستيريا زمن الحرب ليشكوا تلاميذ الكتاب المقدس الى الرسميين الحكوميين. وفي طول الولايات المتحدة وعرضها، تعرَّض لهجوم الرعاع الرجال والنساء المقترنون بتوزيع مطبوعات تلاميذ الكتاب المقدس، وأيضا جرى طليهم بالقار وتغطيتهم بالريش. وفي كندا، فُتِّشت البيوت، والاشخاص الذين توجد لديهم بعض مطبوعات جمعية تلاميذ الكتاب المقدس من جميع الامم كانوا عرضة لغرامة باهظة او للسجن. ولكن اخبر توماس ج. ساليڤان، الذي كان آنذاك في پورت آرثر، اونتاريو، انه في احدى المناسبات عندما كان مسجونا لليلة واحدة، اخذ رجال الشرطة في تلك المدينة الى بيوتهم نسخا من المطبوعات المحظورة لأنفسهم ولأصدقائهم، موزعين بالتالي المخزون المتوافر بكامله — نحو ٥٠٠ او ٦٠٠ نسخة.
والمركز الرئيسي لجمعية برج المراقبة نفسه تعرَّض للهجوم، وحُكم على اعضاء الهيئة الادارية بمدد سجن طويلة. فظهر لاعدائهم ان تلاميذ الكتاب المقدس تلقَّوا ضربة قاضية. وشهادتهم بالطريقة التي جذبت انتباها عاما واسعا توقفت فعليا.
إلا انه حتى تلاميذ الكتاب المقدس المحتجزون في السجن وجدوا فرصا للتحدث الى الرفقاء السجناء عن قصد اللّٰه. وعندما وصل رسميو الجمعية وعشراؤهم الاحمَّاء الى السجن في اتلانتا، جورجيا، مُنعوا في بادئ الامر من الكرازة. ولكنهم كانوا يناقشون الكتاب المقدس في ما بينهم، وكان الآخرون ينجذبون اليهم بسبب سلوكهم، طريقة حياتهم. وبعد اشهر قليلة عيَّنهم نائب آمر السجن لتقديم الارشاد الديني للسجناء الآخرين. وازداد العدد حتى كان نحو ٩٠ يحضرون الصفوف.
والمسيحيون الاولياء الآخرون وجدوا ايضا طرائق للشهادة خلال سنوات الحرب تلك. وكان ذلك يؤدي احيانا الى نشر رسالة الملكوت في بلدان لم تكن البشارة قد كُرز بها بعدُ. وهكذا، في السنة ١٩١٥ ارسل بالبريد احد تلاميذ الكتاب المقدس في نيويورك، وهو كولومبي، الطبعة الاسپانية لـ نظام الدهور الالهي الى رجل في بوڠوتا، كولومبيا. وبعد نحو ستة اشهر، وصل الرد من رامون سَلْڠَر. لقد درس الكتاب بعناية، كان مسرورا به، وأراد ٢٠٠ نسخة لتوزيعها على الآخرين. والاخ ج. ل. ماير، من بروكلين، نيويورك، ارسل بالبريد ايضا نسخا عديدة من شهرية تلاميذ الكتاب المقدس باللغة الاسپانية. وذهب عدد كبير منها الى اسپانيا. وعندما التزم ألفرِد جوزيف، الذي كان آنذاك في باربادوس، عقد عمل في سيراليون، افريقيا الغربية، انتهز الفرص ليشهد هناك عن حقائق الكتاب المقدس التي تعلَّمها مؤخرا.
أما بالنسبة الى موزعي المطبوعات الجائلين، الذين كانت خدمتهم تشمل زيارة البيوت وأماكن العمل، فغالبا ما كانت الحال اصعب. ولكنَّ بعض الذين ذهبوا الى السلڤادور، هُندوراس، وڠواتيمالا كانوا مشغولين هناك في السنة ١٩١٦ بإخبار الناس الحقائق المانحة الحياة. وخلال هذه الفترة قامت فاني ماكينزي، موزعة مطبوعات جائلة بريطانية الجنسية، برحلتين الى المشرق بالمركب، متوقفة في الصين، كوريا، واليابان لتوزيع مطبوعات الكتاب المقدس، وبعد ذلك لاحقت الاهتمام بكتابة الرسائل.
ولكنَّ عدد تلاميذ الكتاب المقدس، استنادا الى السجلات المتوافرة، الذين قدَّموا تقريرا عن اشتراكهم الى حد ما في الكرازة بالبشارة للآخرين خلال السنة ١٩١٨ نقص ٢٠ في المئة حول العالم بالمقارنة مع تقرير السنة ١٩١٤. فبعد المعاملة القاسية التي عانوها خلال سنوات الحرب، هل كانوا سيثابرون على خدمتهم؟
مشحونون حياة متجددة
في ٢٦ آذار ١٩١٩، أُطلق سراح رئيس جمعية برج المراقبة وعشرائه من سجنهم غير العادل. وسرعان ما وُضعت الخطط لدفع المناداة العالمية ببشارة ملكوت اللّٰه الى الامام.
وفي محفل عام في سيدر پوينت، اوهايو، في ايلول من تلك السنة، ألقى ج. ف. رذرفورد، رئيس الجمعية آنذاك، محاضرة تبرز اعلان القدوم المجيد لملكوت اللّٰه المسيَّاني بصفته العمل المهم حقا لخدام يهوه.
ولكنَّ العدد الفعلي للذين شاركوا آنذاك في هذا العمل كان صغيرا. وبعض الذين توقفوا بخوف خلال السنة ١٩١٨ صاروا نشاطى ثانية، وقليلون آخرون انضموا الى صفوفهم. لكنَّ السجلات المتوافرة تظهر انه في السنة ١٩١٩ كان هنالك نحو ٧٠٠,٥ فقط يشهدون بنشاط في ٤٣ بلدا. ومع ذلك تنبأ يسوع: «يُكرز ببشارة الملكوت هذه في كل المسكونة شهادة لجميع الامم.» (متى ٢٤:١٤) فكيف كان يمكن انجاز هذا الامر؟ لم يعرفوا ذلك، ولم يعرفوا ايضا كم من الوقت ستستمر الشهادة. إلا ان الذين كانوا خداما اولياء للّٰه كانوا مستعدين وتواقين الى المضي قُدُما في العمل. وكانوا واثقين بأن يهوه سيوجّه الامور بانسجام مع مشيئته.
واذ كانوا مشحونين غيرة لما رأوه مذكورا في كلمة اللّٰه، مضوا الى العمل. وفي غضون ثلاث سنوات تضاعف ثلاث مرات تقريبا عدد المشتركين في المناداة علنا بملكوت اللّٰه، وفقا للتقارير المتوافرة، وخلال السنة ١٩٢٢ كانوا مشغولين بالكرازة في ١٥ بلدا اكثر مما في السنة ١٩١٩.
موضوع مثير للاهتمام
يا للرسالة المثيرة التي نادوا بها — «ملايين من الاحياء الآن لن يموتوا ابدا!» لقد ألقى الاخ رذرفورد محاضرة حول هذا الموضوع في السنة ١٩١٨. وكانت ايضا عنوانا لكراس مؤلَّف من ١٢٨ صفحة صدر في السنة ١٩٢٠. ومن السنة ١٩٢٠ حتى السنة ١٩٢٥، أُبرز هذا الموضوع نفسه مرة بعد اخرى حول العالم في الاجتماعات العامة في كل المناطق التي كان الخطباء متوافرين فيها وبأكثر من ٣٠ لغة. وبدلا من القول، كما يفعل العالم المسيحي، ان كل الناس الصالحين يذهبون الى السماء، ركَّزت هذه المحاضرة الانتباه على الرجاء المؤسس على الكتاب المقدس بالحياة الابدية على ارض فردوسية للبشر الطائعين. (اشعياء ٤٥:١٨؛ رؤيا ٢١:١-٥) وعبَّرت عن الاقتناع بأن الوقت لتحقيق هذا الرجاء قريب جدا.
جرى استخدام اعلانات الصحف واللوحات الاعلانية لاعلان المحاضرات. فالموضوع كان مثيرا للاهتمام. وفي ٢٦ شباط ١٩٢٢، حضر اكثر من ٠٠٠,٧٠ في ١٢١ موقعا في المانيا وحدها. ولم يكن غير عادي ان يبلغ عدد الحضور في موقع واحد الآلاف. وفي كَيْپ تاون، جنوب افريقيا، مثلا، كان ٠٠٠,٢ حاضرين عندما أُلقيت المحاضرة في دار الاوپرا. وفي قاعة الجامعة في عاصمة النَّروج، لم تمتلئ جميع المقاعد فحسب ولكنَّ كثيرين مُنعوا من الدخول لسبب ضيق المكان حتى وجب تكرار البرنامج بعد ساعة ونصف — وثانية في قاعة مكتظة بالناس.
وفي كلاڠنفورت، النمسا، قال ريخارت هايد لأبيه: «سأذهب لسماع هذا الخطاب مهما قال الناس. اريد ان اعرف ما اذا كان ذلك مجرد خداع ام كان هنالك حق فيه!» لقد تأثر عميقا بما سمعه، وسرعان ما كان هو وأخته، وكذلك والداهما، يخبرون الآخرين عنه.
ولكنَّ رسالة الكتاب المقدس لم تكن فقط للناس الذين يحضرون محاضرة عامة. فالآخرون ايضا كان يلزم ان يصيروا عارفين بها. وليس عامة الشعب فقط بل كان يلزم القادة السياسيين والدينيين ان يسمعوها ايضا. فكيف كان ذلك سيُنجَز؟
توزيع الاعلانات القوية
استُعملت الصفحة المطبوعة لبلوغ ملايين الناس الذين سبق ان عرفوا عن طريق الشائعات فقط تلاميذ الكتاب المقدس والرسالة التي ينادون بها. ومن السنة ١٩٢٢ حتى السنة ١٩٢٨، أُعطيت شهادة فعَّالة بواسطة سبعة اعلانات قوية، قرارات جرى تبنّيها في محافل تلاميذ الكتاب المقدس السنوية. وعدد النسخ المطبوعة من معظم القرارات الافرادية التي وُزِّعت عقب تلك المحافل بلغ ٤٥ الى ٥٠ مليونا — انجاز مذهل حقا لفرقة المنادين بالملكوت الصغيرة التي كانت تخدم آنذاك!
وقرار السنة ١٩٢٢ كان بعنوان «تحدٍّ لقادة العالم» — نعم، تحدٍّ ان يبرِّروا ادّعاءهم القدرة على تحقيق السلام، الازدهار، والسعادة للجنس البشري او، اذا فشلوا في ذلك، ان يعترفوا بأن ملكوت اللّٰه وحده برئاسة مسيحه يمكن ان ينجز هذه الامور. وفي المانيا، أُرسل هذا القرار بالبريد المسجَّل الى القيصر الالماني المنفي، الى الرئيس، والى جميع اعضاء الپرلمان الالماني؛ وذهب نحو اربعة ملايين ونصف مليون نسخة الى عامة الشعب. وفي جنوب افريقيا، قام أدوين سكوت، حاملا المطبوعات في حقيبة على ظهره وبعصا في يده ليردّ عنه الكلاب الشرسة، بتغطية ٦٤ بلدة، موزِّعا شخصيا ٠٠٠,٥٠ نسخة. وبعد ذلك، عندما قام رجال الدين الهولنديون في جنوب افريقيا بزيارة بيوت روَّاد الابرشيات لجمع التبرعات، كان كثيرون من روَّاد الابرشيات يهزّون القرار في وجه رجل دينهم ويقولون: «يجب ان تقرأ هذا ولا تأتي ثانية لتجمع منا المال.»
وفي السنة ١٩٢٤ كشف القرار بعنوان «الاكليريكيون متَّهَمون» تعاليم وممارسات رجال الدين غير المؤسسة على الاسفار المقدسة، شهَّر دورهم خلال الحرب العالمية، وحثَّ الناس على درس الكتاب المقدس ليتعلَّموا شخصيا عن التدابير الرائعة التي صنعها اللّٰه لمباركة الجنس البشري. وفي ايطاليا في ذلك الوقت، كان يُطلَب ممَّن يطبعون ان يضعوا اسمهم على كل ما يطبعونه، وكانوا يُعتبرون مسؤولين عن المحتويات. فأرسل تلميذ الكتاب المقدس الذي يشرف على العمل في ايطاليا نسخة من القرار الى السلطات الحكومية، التي تحققت منه وأذنت على الفور في طباعته وتوزيعه. ووافق ايضا اولئك الذين يطبعون على نشره. فوزَّع الاخوة في ايطاليا ٠٠٠,١٠٠ نسخة. وتأكدوا خصوصا ان يتسلَّم البابا وكلٌّ من الرسميين ذوي المراتب العالية الآخرين في الڤاتيكان نسخة.
وفي فرنسا، احدث توزيع هذا القرار رد فعل شديدا وغالبا عنيفا من رجال الدين. وبدافع اليأس رفع رجل دين في پومرانيا، المانيا، دعوى على الجمعية ومديرها، لكنَّ رجل الدين خسر القضية عندما سمعت المحكمة محتويات القرار بكامله. ولكي يتجنبوا اعاقة عملهم من جهة اولئك الذين لا يريدون ان يعرف الناس الحق، وضع تلاميذ الكتاب المقدس في مقاطعة كْويبك، في كندا، القرارات في البيوت خلال ساعات الصباح الاولى، ابتداء من الساعة ٠٠:٣ صباحا. تلك كانت اوقاتا مثيرة!
اظهار الشكر على الاجوبة التي تمنح الاكتفاء
خلال الحرب العالمية الاولى، طُرد كثيرون من الارمن بلا رحمة من بيوتهم ومن مسقط رأسهم. وقبل ذلك بعقدين فقط، قُتل مئات الآلاف من الارمن، وهرب آخرون طلبا للنجاة من الموت. وقليلون من هذا الشعب قرأوا مطبوعات جمعية برج المراقبة في موطنهم. ولكنَّ كثيرين منهم قُدِّمت لهم الشهادة في البلدان التي سافروا اليها كلاجئين.
وبعد الاختبارات القاسية التي احتملوها، نشأت لدى كثيرين اسئلة جدية تتعلق بسبب سماح اللّٰه بالشر. فكم من الوقت سيستمر ذلك؟ ومتى سينتهي؟ كان بعضهم شاكرين على معرفة الاجوبة التي تمنح الاكتفاء الموجودة في الكتاب المقدس. فنمت بسرعة فرق من تلاميذ الكتاب المقدس الارمن في مدن مختلفة في الشرق الاوسط. وغيرتهم لحق الكتاب المقدس اثَّرت في حياة آخرين. وفي إثيوپيا، الارجنتين، والولايات المتحدة، اعتنق الرفقاء الارمن البشارة وقبلوا بفرح مسؤولية اخبار الآخرين بها. وأحد هؤلاء كان كريكور هاتْساكورتْسْيان، الذي نشر كفاتح منعزل رسالة الملكوت في إثيوپيا في اواسط ثلاثينات الـ ١٩٠٠. وفي احدى المناسبات، عندما اتهمه زورا المقاومون، سنحت له الفرصة ايضا ليشهد للامبراطور، هيلا سيلاسي.
اخْذ الحقائق الثمينة الى مواطنهم
ان الرغبة المتَّقدة في الإخبار بحقائق الكتاب المقدس الحيوية دفعت اناسا كثيرين الى العودة الى مسقط رأسهم لينهمكوا في التبشير. وتجاوبهم كان مماثلا لتجاوب الناس من بلدان عديدة الذين كانوا في اورشليم في السنة ٣٣ بم والذين صاروا مؤمنين عندما دفع الروح القدس الرسل وعشراءهم الى التكلم بألسنة عديدة «بعظائم اللّٰه.» (اعمال ٢:١-١١) وكما حمل اولئك المؤمنون في القرن الاول الحق معهم الى مواطنهم، كذلك فعل هؤلاء التلاميذ العصريون.
والرجال والنساء على السواء الذين تعلَّموا الحق في الخارج عادوا الى ايطاليا. فقد اتوا من اميركا، بلجيكا، وفرنسا ونادوا بغيرة برسالة الملكوت حيثما استقروا. وموزعو المطبوعات الجائلون من كانتون تيتشينو السويسري الناطق بالايطالية انتقلوا ايضا الى ايطاليا ليواصلوا عملهم. ومع ان أعدادهم كانت قليلة، سرعان ما بلغوا تقريبا جميع المدن الرئيسية والكثير من قرى ايطاليا نتيجة لنشاطهم المتحد. وكانوا لا يحصون الساعات التي يصرفونها في هذا العمل. واذ كانوا مقتنعين بأنهم يكرزون بالحقائق التي يريد اللّٰه ان يعرفها الناس، غالبا ما كانوا يعملون من الصباح حتى الليل كي يبلغوا اكبر عدد ممكن من الناس.
واليونان الذين صاروا تلاميذ للكتاب المقدس في ألبانيا المجاورة وبعيدا في اميركا منحوا الانتباه ايضا لموطنهم. فقد ابتهجوا عندما تعلَّموا أن عبادة الايقونات غير مؤسسة على الاسفار المقدسة (خروج ٢٠:٤، ٥؛ ١ يوحنا ٥:٢١)، أن الخطاة لا يُشوَوْن في نار الهاوية (جامعة ٩:٥، ١٠؛ حزقيال ١٨:٤؛ رؤيا ٢١:٨)، وأن ملكوت اللّٰه هو رجاء الجنس البشري الحقيقي والوحيد (دانيال ٢:٤٤؛ متى ٦:٩، ١٠). وكانوا توَّاقين الى اخبار اهل بلدهم بهذه الحقائق — شخصيا او بالبريد. ونتيجة لذلك، ابتدأت فرق من شهود يهوه تنمو في اليونان وفي الجزر اليونانية.
وبعد الحرب العالمية الاولى، انتقل آلاف الاشخاص من پولندا الى فرنسا للعمل في مناجم الفحم. والجماعات الفرنسية لم تتجاهلهم لأنهم يتكلمون لغة مختلفة. فوجدوا طرائق للاشتراك في حقائق الكتاب المقدس مع عمال المناجم هؤلاء وعائلاتهم، وسرعان ما فاق عدد المتجاوبين بشكل مؤاتٍ عدد الشهود الفرنسيين. وعندما وجب، نتيجة لامر حكومي بالرحيل، ان يرجع ٢٨٠ الى پولندا في السنة ١٩٣٥، لم يعمل ذلك إلا على تعزيز نشر رسالة الملكوت هناك. وهكذا، في السنة ١٩٣٥، كان هنالك ٠٩٠,١ مناديا بالملكوت يشتركون في تقديم الشهادة في پولندا.
وتجاوب آخرون مع الدعوات الى مغادرة موطنهم لمباشرة الخدمة في حقول اجنبية.
مبشرون اوروپيون غيورون يساعدون في حقول اجنبية
بتعاون اممي، سمعت دول البلطيق (استونيا، لاتڤيا، وليثوانيا) الحقائق المبهجة عن ملكوت اللّٰه. وخلال عشرينات وثلاثينات الـ ١٩٠٠، قام اخوة وأخوات غيورون من المانيا، انكلترا، الدنمارك، وفنلندا، بشهادة واسعة في هذه المنطقة. فوُضعت مطبوعات كثيرة، وسمع الآلاف محاضرات الكتاب المقدس التي أُلقيت. ومن استونيا وصل البث الاذاعي القانوني لبرامج الكتاب المقدس بلغات عدة حتى الى ما كان آنذاك الاتحاد السوڤياتي.
ومن المانيا باشر عاملون طوعيون خلال عشرينات وثلاثينات الـ ١٩٠٠ التعيينات في اماكن مثل اسپانيا، بلجيكا، بلغاريا، تشيكوسلوڤاكيا، فرنسا، لوكسمبورڠ، النَّذَرلند، النمسا، ويوڠوسلاڤيا. وكان ڤيلي أُنڠْلوب بينهم. وبعد الخدمة مدة من الوقت في بتل ماڠْدَبورڠ، في المانيا، واصل الاعتناء بالتعيينات كمبشر كامل الوقت في فرنسا، الجزائر، اسپانيا، سنڠافورة، ماليزيا، وتايلند.
وعندما خرجت الدعوة من فرنسا طلبا للمساعدة خلال ثلاثينات الـ ١٩٠٠، اعطى موزعو المطبوعات الجائلون من بريطانيا الدليل على انهم يدركون ان التفويض المسيحي للكرازة كان يتطلب التبشير ليس فقط في بلدهم بل ايضا في انحاء اخرى من الارض. (مرقس ١٣:١٠) وجون كوك كان واحدا من العاملين الغيورين الذين استجابوا للدعوة المكدونية. (قارنوا اعمال ١٦:٩، ١٠.) وخلال العقود الستة التي تلت، اعتنى بتعيينات الخدمة في فرنسا، اسپانيا، ايرلندا، الپرتغال، آنڠولا، موزَمبيق، وجنوب افريقيا. وترك اخوه ايريك عمله في بنك باركلي وانضم الى جون في الخدمة كامل الوقت في فرنسا؛ وبعد ذلك خدم هو ايضا في اسپانيا وايرلندا واشترك في العمل الارسالي في روديسيا الجنوبية (الآن زمبابوي) وجنوب افريقيا.
وفي ايار ١٩٢٦، قبِل جورج رايت وأدوين سكينر، في انكلترا، دعوة الى المساعدة في توسيع عمل الملكوت في الهند. وكان تعيينهما كبيرا! فقد شمل كلًّا من افغانستان، بورما (الآن ميانمار)، سيلان (الآن سْري لانكا)، فارس (الآن ايران)، والهند. وعند الوصول الى بومباي، استقبلتهما الامطار الموسمية. ومع ذلك، اذ كانا غير قلقَين بافراط ازاء الراحة الشخصية او وسائل الراحة، سرعان ما سافرا الى انحاء بعيدة من البلد ليجدا تلاميذ للكتاب المقدس معروفين كي يشجعاهم. ووزَّعا ايضا كميات كبيرة من المطبوعات لاثارة الاهتمام بين الآخرين. فأُنجز العمل بقوة. وهكذا، خلال السنة ١٩٢٨، رتَّب الـ ٥٤ مناديا بالملكوت في تراڤنكور (كيرالا)، في جنوبي الهند، ٥٥٠ اجتماعا عاما حضرها نحو ٠٠٠,٤٠ شخص. وفي السنة ١٩٢٩ انتقل الى الهند اربعة فاتحين آخرين من الحقل البريطاني للمساعدة في العمل. وفي السنة ١٩٣١ وصل ثلاثة آخرون من انكلترا الى بومباي. ومرة بعد اخرى وصلوا الى مختلف انحاء هذا البلد الواسع، موزعين المطبوعات ليس فقط بالانكليزية بل ايضا باللغات الهندية.
وفي هذه الاثناء، ماذا كان يحدث في اوروپا الشرقية؟
حصاد روحي
قبل الحرب العالمية الاولى، نُثرت بزور حق الكتاب المقدس في اوروپا الشرقية، فترسَّخ بعضها. ففي السنة ١٩٠٨، رجعت أَندرَشاني بِنِدِك، امرأة هنڠارية متواضعة، الى النمسا-المجر لتخبر الآخرين بالامور الجيدة التي تعلَّمتها. وبعد سنتين، رجع كارولي سابو ويوجِف كِس ايضا الى ذلك البلد وأخذا ينشران حق الكتاب المقدس وخصوصا في المناطق التي صارت معروفة لاحقا برومانيا وتشيكوسلوڤاكيا. وعلى الرغم من المقاومة العنيفة من رجال الدين الغِضاب، تشكلت فرق للدرس، وجرت شهادة واسعة. وانضم اليهم آخرون في اعلان ايمانهم جهرا، وبحلول السنة ١٩٣٥ نمت صفوف المنادين بالملكوت في هنڠاريا الى ٣٤٨.
تضاعف تقريبا حجم رومانيا عندما اعاد المنتصرون تحديد معالم خريطة اوروپا بعد الحرب العالمية الاولى. وأُخبر انه في هذا البلد الموسَّع، سنة ١٩٢٠، كان هنالك نحو ١٥٠ فريقا لتلاميذ الكتاب المقدس، يقترن بها ٧٠٠,١ شخص. وفي السنة التالية، عند الاحتفال بعشاء الرب، تناول ما يقارب الـ ٠٠٠,٢ من رمزَي الذكرى، دالّين على اعترافهم بأنهم اخوة ممسوحون بالروح للمسيح. وهذا العدد ازداد بشكل مثير خلال السنوات الاربع التالية. وفي السنة ١٩٢٥، حضر الذكرى ١٨٥,٤، وكما كانت العادة آنذاك، تناول معظمهم دون شك من الرمزين. ولكنَّ ايمان هؤلاء جميعا كان سيوضع تحت الامتحان. فهل يكونون «حنطة» اصيلة ام مجرد زائفة؟ (متى ١٣:٢٤-٣٠، ٣٦-٤٣) وهل يقومون حقا بعمل الشهادة الذي عيَّنه يسوع لأتباعه؟ هل يثابرون عليه في وجه المقاومة الشديدة؟ وهل يكونون امناء حتى عندما يعرب آخرون عن روح كتلك التي ليهوذا الاسخريوطي؟
يدل تقرير السنة ١٩٣٥ انه لم يكن للجميع نوع الايمان الذي يمكِّنهم من الاحتمال. ففي تلك السنة، كان هنالك ١٨٨,١ فقط ممَّن اشتركوا بعض الشيء في تقديم الشهادة في رومانيا، مع ان اكثر من ضعف هذا العدد كانوا في ذلك الحين يتناولون من رمزَي الذكرى. إلا ان الامناء بقوا مشغولين بخدمة السيد. واشتركوا مع الناس المتواضعين الآخرين في حقائق الكتاب المقدس التي جلبت لقلوبهم فرحا عظيما. واحدى الطرائق البارزة التي فعلوا بها ذلك كانت توزيع المطبوعات. وبين السنتين ١٩٢٤ و ١٩٣٥، وضعوا لدى الاشخاص المهتمين اكثر من ٠٠٠,٨٠٠ كتاب وكراس، بالاضافة الى النشرات.
وماذا عن تشيكوسلوڤاكيا، التي صارت دولة في السنة ١٩١٨ بعد انهيار امبراطورية النمسا-المجر؟ هنا كانت شهادة اقوى ايضا تساهم في الحصاد الروحي. وجرت كرازة ابكر بالهنڠارية، الروسية، الرومانية، والالمانية. ثم، في السنة ١٩٢٢، عاد عدد من تلاميذ الكتاب المقدس من اميركا لتوجيه الانتباه الى السكان الناطقين بالسلوڤاكية، وفي السنة التالية ابتدأ زوجان من المانيا يركِّزان على المقاطعة التشيكية. والمحافل القانونية، مع كونها صغيرة، ساعدت على تشجيع وتوحيد الاخوة. وبعد ان صارت الجماعات منظَّمة بشكل افضل للتبشير من بيت الى بيت سنة ١٩٢٧، صار النمو اكثر وضوحا. وفي السنة ١٩٣٢ أُعطي العمل زخما قويا بواسطة محفل اممي في پراڠ، حضره نحو ٥٠٠,١ من تشيكوسلوڤاكيا والبلدان المجاورة. وبالاضافة الى ذلك، شاهدت جموع كبيرة نسخة مدتها اربع ساعات من «رواية الخلق المصوَّرة» عُرضت من طرف البلد الى الطرف الآخر. وفي فترة عقد فقط، وُزِّع اكثر من ٠٠٠,٧٠٠,٢ نسخة من مطبوعات الكتاب المقدس على مختلف الفرق اللغوية في هذا البلد. كل هذا الغرس، الانماء، والسقي الروحي ساهم في حصاد اشترك فيه ١٩٨,١ مناديا بالملكوت سنة ١٩٣٥.
ويوڠوسلاڤيا (المعروفة اولا بمملكة الصرب، الكرواتيين، والسلوڤينيين) اتت الى الوجود نتيجة لاعادة تحديد معالم خريطة اوروپا بعد الحرب العالمية الاولى. وقديما في السنة ١٩٢٣، أُخبر ان فريقا من تلاميذ الكتاب المقدس كانوا يشهدون في بلڠراد. ولاحقا عُرضت «رواية الخلق المصوَّرة» على جموع كبيرة في كل انحاء البلد. وعندما تعرَّض شهود يهوه للاضطهاد العنيف في المانيا، تعزَّزت الصفوف في يوڠوسلاڤيا بالفاتحين الالمان. ودون اهتمام بالراحة الشخصية، وصلوا الى اقصى انحاء هذا البلد الجبلي ليكرزوا. وآخرون من هؤلاء الفاتحين ذهبوا الى بلغاريا. وبُذلت الجهود ايضا للكرازة بالبشارة في ألبانيا. في كل هذه الاماكن، زُرعت بزور حق الملكوت. وبعض البزور اثمر. ولكن لم يكن ليجري حصاد اكبر في هذه الاماكن إلا بعد سنوات.
والى ابعد جنوبا، في قارة افريقيا، كانت البشارة تنتشر ايضا بواسطة اولئك الذين قدَّروا بعمق امتياز كونهم شهودا للعلي.
نور روحي يضيء في افريقيا الغربية
بعد سبع سنوات تقريبا من ذهاب احد تلاميذ الكتاب المقدس من باربادوس اولا الى افريقيا الغربية بمقتضى عقد عمل، كتب الى مكتب جمعية برج المراقبة في نيويورك ليعلِمهم ان عددا ليس بقليل من الناس كانوا يُظهرون الاهتمام بالكتاب المقدس. وبعد اشهر قليلة، في ١٤ نيسان ١٩٢٣، وتلبية لدعوة الاخ رذرفورد، وصل و. ر. براون، الذي كان يخدم في ترينيداد، الى فريتاون، سيراليون، مع عائلته.
وعلى الفور، صُنعت الترتيبات ليلقي الاخ براون محاضرة في قاعة ويلبِرْفورْس التذكارية. وفي ١٩ نيسان حضر نحو ٥٠٠، بمن فيهم معظم رجال الدين في فريتاون. ويوم الاحد التالي خطب ثانية. وكان موضوعه ذاك الذي غالبا ما استعمله ت. ت. رصل — «الى الهاوية ومنها. مَن هم هناك؟» ومحاضرات الاخ براون كانت مزوَّدة قانونيا باقتباسات من الاسفار المقدسة تكون ظاهرة للحضور بصور منزلقة تُعرض بواسطة فانوس العرض. وفيما كان يتكلم، كان يقول تكرارا: «ليس براون مَن يقول، وانما الكتاب المقدس يقول.» وبسبب ذلك، صار معروفا بـ «بايبل براون.» ونتيجة لعرضه المنطقي المؤسس على الاسفار المقدسة، استقال بعض الاعضاء الكنسيين البارزين وتبنَّوا خدمة يهوه.
وكان يسافر بشكل واسع ليفتتح عمل الملكوت في مناطق اضافية. ولهذه الغاية ألقى محاضرات عديدة من الكتاب المقدس ووزَّع كميات كبيرة من المطبوعات، وشجع الآخرين على فعل الامر نفسه. وتبشيره اخذه الى ساحل الذهب (الآن غانا)، لَيبيريا، ڠامبيا، ونَيجيريا. ومن نَيجيريا حمل آخرون رسالة الملكوت الى بينين (المعروفة آنذاك بـ داهومي) والكَمَرون. وكان الاخ براون يعرف ان العامة لا تكنّ الاحترام لما تدعوه «دين الرجل الابيض،» ولذلك تكلم في قاعة ڠلوڤر التذكارية في لاڠوس عن فشل دين العالم المسيحي. وبعد الاجتماع حصل الحضور المتحمس على ٩٠٠,٣ كتاب لقراءتها وتوزيعها على الآخرين.
عندما ذهب الاخ براون اولا الى افريقيا الغربية، كان عدد قليل فقط من الاشخاص هناك قد سمعوا رسالة الملكوت. وعندما غادر بعد ٢٧ سنة، كان هنالك اكثر من ٠٠٠,١١ شاهد ليهوه نشيط في تلك المنطقة. فالاباطيل الدينية كانت تُفضح؛ والعبادة الحقة كانت تترسَّخ وتنتشر بسرعة.
باتجاه ساحل افريقيا الشرقي
في وقت باكر من القرن الـ ٢٠، كانت بعض مطبوعات ت. ت. رصل قد وُزِّعت في الجزء الجنوبي الشرقي من افريقيا بواسطة افراد تبنَّوا بعض الافكار الواردة في تلك الكتب ولكنهم بعد ذلك مزجوها بفلسفتهم الخاصة. وكانت النتيجة عددا من المدعوَّة حركات برج المراقبة التي لم تكن لها اية علاقة على الاطلاق بشهود يهوه. وبعضها كان ذا توجُّه سياسي، مثيرا الاضطراب بين المواطنين الافريقيين. والسمعة السيئة التي سبَّبتها هذه الفرق لسنوات عديدة شكلت عقبات امام عمل شهود يهوه.
إلا ان عددا من الافريقيين ميَّزوا الفرق بين الحق والباطل. وحمل عاملون متجولون بشارة ملكوت اللّٰه الى البلدان المجاورة واشتركوا فيها مع الناس الذين يتكلمون اللغات الافريقية. والسكان الناطقون بالانكليزية في جنوب شرق افريقيا تلقَّوا الرسالة، على الاغلب، من خلال الاحتكاك بجنوب افريقيا. ولكن في بعض البلدان كانت المقاومة الرسمية القوية، التي يهيِّجها رجال دين العالم المسيحي، تعيق الكرازة من جهة الشهود الاوروپيين بين الفرق اللغوية الافريقية. ومع ذلك انتشر الحق، رغم ان كثيرين من الناس الذين اظهروا الاهتمام برسالة الكتاب المقدس كانوا يحتاجون الى مزيد من العون كي يصنعوا التطبيق العملي السليم لما يتعلَّمونه.
وبعض الرسميين الحكوميين النزهاء لم يقبلوا دون تحقيق التهم الباطلة التي يوجِّهها رجال دين العالم المسيحي ضد الشهود. وصح ذلك في مفوَّض شرطة في نياسالَنْد (الآن ملاوي) تنكَّر وذهب الى اجتماعات الشهود المحليين ليكتشف شخصيا ايّ نوع من الناس هم. فتأثر بشكل مؤاتٍ. وعندما وافقت الحكومة على ان يكون لهم ممثل اوروپي يقيم في البلد، أُرسل الى هناك بيرت مَكْلَكِي ولاحقا اخوه بيل في منتصف ثلاثينات الـ ١٩٠٠. فبقيا على اتصال بالشرطة ومفوَّضي المنطقة لكي يكون لهؤلاء الرسميين فهم واضح لنشاطهما ولئلا يخلطوا بين شهود يهوه وأية حركات تُدعى باطلا برج المراقبة. وفي الوقت نفسه عملا بصبر، الى جانب جْرِشام كْوازيزيرا، شاهد محلي ناضج، لمساعدة المئات الذين ارادوا ان يعاشروا الجماعات على التقدير ان الفساد الادبي الجنسي، اساءة استعمال المشروبات الكحولية، والخرافات لا مكان لها في حياة شهود يهوه. — ١ كورنثوس ٥:٩-١٣؛ ٢ كورنثوس ٧:١؛ رؤيا ٢٢:١٥.
في السنة ١٩٣٠، كان هنالك فقط نحو مئة شاهد ليهوه في افريقيا الجنوبية بكاملها. ولكن كان لديهم تعيين يشمل تقريبا كل افريقيا جنوب خط الاستواء وبعض المقاطعات التي تمتد الى شماله. وتغطية مثل هذا المجال الواسع للمقاطعة برسالة الملكوت تطلَّب فاتحين حقيقيين. وكان فرانك وڠراي سميث هذا النوع من الاشخاص.
لقد ابحرا ٠٠٠,٣ ميل (٨٠٠,٤ كلم) شرقا وشمالا من كَيْپ تاون ثم تابعا بالسيارة طوال اربعة ايام في طرقات وعرة ليصلا الى نَيروبي، كينيا (في افريقيا الشرقية البريطانية). وفي اقل من شهر، وزَّعا ٤٠ صندوقا كرتونيا من مطبوعات الكتاب المقدس. ولكن من المحزن انه، في رحلة العودة، مات فرانك من الملاريا. ورغم ذلك، بعد وقت قصير، ابتدأ روبرت نيزبِت ودايڤيد نورمَن — وهذه المرة بـ ٢٠٠ صندوق كرتوني من المطبوعات — يكرزان في كينيا وأوغندا، وأيضا تنڠانيقا وزَنجبار (كلاهما الآن تَنزانيا)، بالغَين اكبر عدد ممكن من الناس. ونشرت بعثات مماثلة اخرى رسالة الملكوت في جزيرتَي موريشيوس ومدغشقر في المحيط الهندي وفي سانت هيلانة في المحيط الاطلسي. لقد زُرعت بزور الحق، ولكنها لم تنبت وتنمُ حالا في كل مكان.
ومن جنوب افريقيا انتشرت الكرازة بالبشارة ايضا، قديما في السنة ١٩٢٥، في باسوتولَنْد (الآن ليسوتو)، بتشْوانالَنْد (الآن بوتْسْوانا)، وسْوازيلند. وبعد نحو ثماني سنوات، عندما كان الفاتحون يكرزون ثانية في سْوازيلند، رحَّب بهم الملك سوبوزا الثاني ترحيبا ملكيا. وجمع حرسَه الشخصي المؤلَّف من مئة محارب، اصغى الى شهادة كاملة، ثم حصل على كل مطبوعات الجمعية التي كانت لدى الاخوة.
نما عدد شهود يهوه تدريجيا في هذا الجزء من الحقل العالمي. فانضم آخرون الى القليلين الذين افتتحوا العمل في افريقيا في وقت باكر من هذا القرن الـ ٢٠، وبحلول السنة ١٩٣٥ كان هنالك ٤٠٧,١ في قارة افريقيا اخبروا انهم اشتركوا في عمل الشهادة عن ملكوت اللّٰه. وكانت أعداد كبيرة من هؤلاء في جنوب افريقيا ونَيجيريا. والفِرَق الكبيرة الاخرى التي حدَّدت هويتها بصفتها من شهود يهوه كانت موجودة في نياسالَنْد (الآن ملاوي)، روديسيا الشمالية (الآن زامبيا)، وروديسيا الجنوبية (الآن زمبابوي).
وخلال هذه الفترة نفسها وُجِّه الانتباه ايضا الى البلدان الناطقة بالاسپانية والپرتغالية.
تنمية الحقلين الاسپاني والپرتغالي
بينما كانت الحرب العالمية الاولى لا تزال جارية، صدرت برج المراقبة اولا بالاسپانية. وكانت تحمل عنوان مكتب في لوس انجلوس، كاليفورنيا، كان قد أُنشئ لمنح انتباه خصوصي للحقل الناطق بالاسپانية. والاخوة من هذا المكتب قدَّموا الكثير من العون الشخصي للمهتمين في الولايات المتحدة وفي البلدان الى الجنوب على السواء.
خوان مونييز، الذي صار واحدا من خدام يهوه في السنة ١٩١٧، شجعه الاخ رذرفورد سنة ١٩٢٠ ان يترك الولايات المتحدة ويعود الى اسپانيا، بلده الاصلي، لينظِّم عمل الكرازة بالملكوت هناك. ولكنَّ النتائج كانت محدودة، لا لسبب ايّ نقص في الغيرة من جهته، بل لسبب ملاحقة الشرطة له باستمرار؛ ولذلك بعد سنوات قليلة نُقل الى الارجنتين.
وفي البرازيل كان عبَّاد ليهوه قليلون يكرزون من قبل. فكان ثمانية بحَّارة متواضعون قد تعلَّموا الحق عندما كانوا غائبين عن سفينتهم في اجازة في نيويورك. واذ عادوا الى البرازيل في وقت باكر من السنة ١٩٢٠، كانوا مشغولين بإخبار الآخرين رسالة الكتاب المقدس.
جورج يونڠ، كندي، أُرسل الى البرازيل سنة ١٩٢٣. ولا شك انه ساعد على ترويج العمل. واذ ألقى محاضرات عامة عديدة بواسطة مترجمين، اظهر ما يقوله الكتاب المقدس عن حالة الموتى، شهَّر الارواحية بصفتها ابليسية، وأوضح قصد اللّٰه ان يبارك جميع قبائل الارض. ومحاضراته كانت الاكثر اقناعا لأنه كان يعرض احيانا على شاشة آيات الكتاب المقدس التي تجري مناقشتها لكي يتمكن الحضور من رؤيتها بلغتهم الخاصة. وبينما كان في البرازيل، تمكَّنت بِلونا فِرْڠَسُن، من سان پاولو، اخيرا من الاعتماد مع اربعة من اولادها. فقد انتظرت هذه الفرصة ٢٥ سنة. وكان بين الذين اعتنقوا الحق بعض الذين جعلوا انفسهم آنذاك متوافرين للمساعدة في ترجمة المطبوعات بالپرتغالية. وسرعان ما كان هنالك مخزون جيد من المطبوعات بتلك اللغة.
ومن البرازيل ذهب الاخ يونڠ الى الارجنتين سنة ١٩٢٤ ورتَّب لتوزيع مجاني لـ ٠٠٠,٣٠٠ مطبوعة بالاسپانية في ٢٥ بلدة ومدينة رئيسية. وفي تلك السنة نفسها سافر ايضا شخصيا الى تشيلي، پيرو، وبوليڤيا لتوزيع النشرات.
وسرعان ما كان جورج يونڠ في طريقه للاعتناء بتعيين جديد. وهذه المرة كان اسپانيا والپرتغال. وبعد ان عرَّفه السفير البريطاني بالرسميين الحكوميين المحليين، تمكَّن ان يرتِّب ان يخطب الاخ رذرفورد في الحضور في برشلونة ومدريد، وكذلك في عاصمة الپرتغال. وبعد هذه المحاضرات، اعطى مجموع من اكثر من ٣٥٠,٢ شخصا اسماءهم وعناوينهم مع طلبات من اجل معلومات اضافية. وبعد ذلك نُشر الخطاب في احدى الصحف الاسپانية الكبيرة، وفي شكل نشرة أُرسل بالبريد الى الناس في كل انحاء البلد. وظهر ايضا في الصحافة الپرتغالية.
وبهذه الوسائل تجاوزت الرسالة حدود اسپانيا والپرتغال كثيرا. فبحلول نهاية السنة ١٩٢٥، كانت البشارة قد اخترقت جزر الرأس الاخضر (الآن جمهورية الرأس الاخضر)، ماديرا، افريقيا الشرقية الپرتغالية (الآن موزَمبيق)، افريقيا الغربية الپرتغالية (الآن آنڠولا)، والجزر في المحيط الهندي.
وفي السنة التالية صُنعت الترتيبات لطبع القرار القوي «شهادة لحكام العالم» في الصحيفة الاسپانية لا ليبِرتاد. وساعد البث الاذاعي وتوزيع الكتب، والكراريس، والنشرات، وكذلك عروض «رواية الخلق المصوَّرة» على تكثيف الشهادة. وفي السنة ١٩٣٢ تجاوب فاتحون انكليز عديدون مع الدعوة الى المساعدة في هذا الحقل، فغطَّوا نظاميا اجزاء كبيرة من البلد بمطبوعات الكتاب المقدس الى ان ألزمتهم الحرب الاهلية الاسپانية بالمغادرة.
في هذه الاثناء، عند وصوله الى الارجنتين، سرعان ما بدأ الاخ مونييز بالكرازة فيما كان يعيل نفسه باصلاح الساعات. وبالاضافة الى عمله في الارجنتين، منح الانتباه لاورڠواي، پاراڠواي، وتشيلي. وتلبية لطلبه اتى بعض الاخوة من اوروپا ليشهدوا للسكان الناطقين بالالمانية. وبعد سنوات عديدة اخبر كارلوس أُت انهم كانوا يبدأون خدمة يومهم عند الساعة ٠٠:٤ صباحا بوضع النشرات تحت كل باب في المقاطعة. وفي وقت لاحق من اليوم كانوا يعودون ليقدِّموا شهادة اضافية وليعرضوا مزيدا من مطبوعات الكتاب المقدس على اصحاب البيوت المهتمين. ومن بونس إيريس انتشر الذين اشتركوا في الخدمة كامل الوقت في كل انحاء البلد، متَّبعين اولا خطوط السكة الحديدية التي تتشعب مئات الاميال من العاصمة كالاصابع المفتوحة في يدكم، مستعملين بعد ذلك كل وسيلة نقل اخرى امكنهم ايجادها. لقد كان لديهم القليل جدا ماديا واحتملوا الكثير من المشقة، ولكنهم كانوا اغنياء روحيا.
وأحد اولئك العاملين الغيورين في الارجنتين كان نيكولاس أرخيروس، يوناني. وباكرا في السنة ١٩٣٠، عندما حصل على بعض المطبوعات التي اصدرتها جمعية برج المراقبة، اثَّر فيه خصوصا كراس بعنوان Hell (الهاوية)، بعناوين فرعية تسأل «ما هي؟ مَن هم هناك؟ هل يمكنهم ان يخرجوا؟» لقد اذهله ان يجد ان هذا الكراس لا يصوِّر الخطاة يُشوَوْن على مشواة. وكم ادهشه ان يعرف ان نار الهاوية هي كذبة دينية مبتكَرة لاخافة الناس، كما اخافته هو! فابتدأ فورا يخبر بالحق — اولا اليونان؛ ثم، اذ تحسنت اسپانيته، الآخرين. وكان كل شهر يخصِّص بين ٢٠٠ و ٣٠٠ ساعة لاخبار الآخرين بالبشارة. واذ استخدم قدميه وكل وسيلة نقل متوافرة اخرى، نشر حقائق الكتاب المقدس في ١٤ من الـ ٢٢ مقاطعة في الارجنتين. واذ انتقل من مكان الى مكان، نام في اسرَّة عندما كان يقدِّمها له اناس مضيافون، في العراء غالبا، وحتى في حظائر الماشية مع حمار كمنبِّه!
والآخر الذي كانت له روح الفاتح الحقيقي هو ريخارد تروپ، الذي تعلَّم الحق في بونس إيريس. لقد كان تواقا الى اخبار الناس بالبشارة عبر الأنديز، في تشيلي. وفي السنة ١٩٣٠، بعد خمس سنوات من معموديته، وصل الى تشيلي — الشاهد الوحيد في بلد من ٠٠٠,٠٠٠,٤ شخص. في البداية كان لديه الكتاب المقدس فقط ليعمل به، ولكنه ابتدأ يقوم بالزيارات من بيت الى بيت. لم تكن هنالك اجتماعات جماعية ليحضرها، ولذلك ايام الآحاد، في الوقت المعتاد للاجتماع، كان يسير الى جبل سان كريستوبال، يجلس في ظل شجرة، وينهمك في الدرس الشخصي والصلاة. وبعد ان استأجر شقة، ابتدأ يدعو الناس الى الاجتماعات هناك. والشخص الآخر الوحيد الذي اتى الى الاجتماع الاول كان خوان فلورِس، الذي سأل: «والآخرون، متى سيأتون؟» فردّ الاخ تروپ: «سيأتون.» وقد اتوا. ففي اقل من سنة، صار ١٣ شخصا خداما معتمدين ليهوه.
وبعد اربع سنوات، وحَّدت شاهدتان لم تلتقيا من قبل قط جهودهما للكرازة بالبشارة في كولومبيا. وبعد سنة مثمرة هناك، كان على هِلما شوبِر ان تعود الى الولايات المتحدة. أما كاتي پالم فركبت سفينة متوجِّهة الى تشيلي، مستخدمة الـ ١٧ يوما في البحر لتشهد للطاقم والركاب على السواء. وخلال العقد التالي عملت من ابعد مرفإ بحري لتشيلي في الشمال، أريكا، الى ابعد ممتلكاتها في الجنوب، تييرا دَل فووَيڠو. لقد زارت المؤسسات التجارية وشهدت للرسميين الحكوميين. واذ وضعت خُرْجا على كتفيها لحمل المطبوعات، وأخذت اشياء ضرورية مثل حِرام لتنام فيه وصلت الى مخيَّمات التعدين ومزارع الخراف الابعد. لقد كانت حياة فاتح حقيقي. وكان هنالك آخرون اشتركوا في الروح نفسها — البعض من العزّاب، البعض من المتزوجين، الصغار والكبار.
خلال السنة ١٩٣٢، بُذل جهد خصوصي لنشر رسالة الملكوت في بلدان اميركا اللاتينية حيث القليل من الكرازة كان قد جرى حتى ذلك الحين. وفي تلك السنة مُنح كراس الملكوت، رجاء العالم توزيعا غير عادي. وهذا الكراس احتوى على محاضرة كانت قد سُمعت عبر بث اذاعي اممي. والآن وُزِّعت نحو ٠٠٠,٤٠ نسخة من الخطاب في شكل مطبوع في تشيلي، ٠٠٠,٢٥ نسخة في بوليڤيا، ٠٠٠,٢٥ في پيرو، ٠٠٠,١٥ في إكوادور، ٠٠٠,٢٠ في كولومبيا، ٠٠٠,١٠ في سانتو دومينڠو (الآن جمهورية الدومينيكان)، و ٠٠٠,١٠ اخرى في پورتو ريكو. حقا، كان يُنادَى برسالة الملكوت، وبقوة كبيرة.
وبحلول السنة ١٩٣٥، كان هنالك في اميركا الجنوبية نفسها ٢٤٧ فقط ممَّن ضمُّوا اصواتهم للمناداة بأن ملكوت اللّٰه وحده سيجلب السعادة الحقيقية للجنس البشري. ولكن يا للشهادة التي قدَّموها!
بلوغ الناس في المناطق الابعد ايضا
لم يتَّخذ شهود يهوه على الاطلاق النظرة ان مسؤوليتهم امام اللّٰه تتم بمجرد التحدث الى القليلين الذين يحدث ان يكونوا جيرانهم. فقد سعوا الى بلوغ كل فرد بالبشارة.
ان الناس الذين يعيشون في اماكن لم يتمكن الشهود آنذاك من السفر اليها شخصيا كان يمكن بلوغهم بطرائق اخرى. وهكذا في اواخر عشرينات الـ ١٩٠٠، ارسل الشهود في كَيْپ تاون، جنوب افريقيا، بالبريد ٠٠٠,٥٠ كراس الى كل المزارعين، حافظي المنائر، حراس الغابات، والآخرين الذين يسكنون في المناطق المنعزلة. وجرى الحصول ايضا على دليل بريدي حديث لكل جنوب غرب افريقيا (المعروفة الآن بـ ناميبيا)، وأُرسلت بالبريد نسخة من كراس The Peoples Friend (صديق الشعوب) الى كل فرد ظهر اسمه في ذلك الدليل.
وفي السنة ١٩٢٩، جُعل ف. ج. فرانسكي مسؤولا عن المركب الشراعي لجمعية برج المراقبة مورتِن وعُيِّن مع جيمي جيمس لبلوغ الناس في لابرادور وجميع قرى الصيد في نيوفاوندلند. وفي الشتاء سافر الاخ فرانسكي الى الساحل مستخدما فريقا من الكلاب لجرّ المزلج. ولتغطية كلفة مطبوعات الكتاب المقدس التي كان يتركها لديهم، كان سكان الاسكيمو ونيوفاوندلند يعطونه اشياء مثل سِلع جلدية وسمك. وبعد سنوات قليلة، وصل الى عمَّال المناجم، الخشَّابين، صيادي الحيوانات، اصحاب المزارع، والهنود في منطقة كاريبو الوعرة في كولومبيا البريطانية. وفي اثناء سفره كان يصطاد لكي يحصل على اللحم، يلتقط التوت البري، ويخبز خبزه في مقلاة على نار مخيَّم في العراء. ثم، في وقت آخر، استخدم هو ورفيق له قاربا لصيد السَّلمون للتنقل اذ كانا يحملان رسالة الملكوت الى كل جزيرة، خليج، مخيَّم للخشَّابين، منارة، وقرية صغيرة على طول ساحل كندا الغربي. لقد كان واحدا فقط من كثيرين بذلوا جهودا خصوصية لبلوغ الناس الساكنين في مناطق الارض البعيدة.
وابتداء من اواخر عشرينات الـ ١٩٠٠، شق فرانك داي طريقه شمالا عبر قرى ألاسكا، كارزا، موزِّعا المطبوعات، وبائعا النظارات لكي يعتني بحاجاته الجسدية. ومع انه يعرج برجل اصطناعية، غطَّى منطقة تمتد من كِتْشيكَن الى نُوم، مسافة ٢٠٠,١ ميل (٩٠٠,١ كلم) تقريبا. وقديما في السنة ١٨٩٧، حصل عامل منجم ذهب على نسخ من الفجر الالفي وبرج المراقبة عندما كان في كاليفورنيا وكان يصنع الخطط لاخذها معه الى ألاسكا. وفي السنة ١٩١٠ كان القبطان بيمز، ربّان سفينة صيد للحيتان، قد وزَّع مطبوعات في المرافئ التي يتوقف فيها في ألاسكا. لكنَّ النشاط الكرازي ابتدأ يتوسع عندما قام الاخ داي برحلاته الصيفية الى ألاسكا مرة بعد اخرى طوال اكثر من ١٢ سنة.
واذ استخدم شاهدان آخران زورقا مزوَّدا بمحرِّك طوله ٤٠ قدما (١٢ م) يُدعى استير، شقَّا طريقهما نحو الساحل النَّروجي بعيدا في القطب الشمالي. فشهدا في الجزر، عند المنائر، في القرى الساحلية، وبعيدا في الاماكن المنعزلة في الجبال. فرحَّب بهما كثيرون من الناس، وفي غضون سنة تمكَّنا من توزيع ٠٠٠,١٠ الى ٠٠٠,١٥ كتاب وكراس توضح قصد اللّٰه للجنس البشري.
الجزر تسمع تسابيح يهوه
لم تكن تلك الجزر القريبة من شواطئ البر الرئيسي الوحيدة التي أُعطيت الشهادة. ففي وسط المحيط الپاسيفيكي، في وقت باكر من ثلاثينات الـ ١٩٠٠، قضى سيدني شِپرْد سنتين مسافرا بالقارب ليكرز في جزر كوك وتاهيتي. والى ابعد غربا، كان جورج وِنْتون يزور نيو هَبْريديز (الآن ڤانواتو) حاملا البشارة.
وفي الوقت نفسه تقريبا، كان جوزيف دوس سانتوس، پرتغالي-اميركي، يهدف ايضا الى بلوغ المقاطعة غير المخدومة. فشهد اولا في جزر هاوايي الخارجية؛ ثم شرع في جولة كرازية حول الارض. ولكنه عندما وصل الى الفيليپين تلقى رسالة من الاخ رذرفورد يطلب منه ان يبقى هناك ليبني وينظِّم نشاط الكرازة بالملكوت. ففعل ذلك طوال ١٥ سنة.
في هذا الوقت كان فرع الجمعية في اوستراليا يوجِّه الانتباه الى العمل في المحيط الپاسيفيكي الجنوبي وحوله. فقدَّم فاتحان مرسَلان من هناك شهادة واسعة في فيجي في ١٩٣٠-١٩٣١. وتلقَّت سامْوا شهادة في السنة ١٩٣١. وجرى بلوغ كاليدونيا الجديدة سنة ١٩٣٢. وباشر ايضا زوجان فاتحان من اوستراليا الخدمة في الصين سنة ١٩٣٣ وشهدا في ١٣ من مدنها الرئيسية خلال السنوات القليلة التالية.
ادرك الاخوة في اوستراليا انه يمكن انجاز المزيد اذا كان لديهم قارب تحت تصرفهم. وفي الوقت المعيَّن حصلوا على مركب شراعي طوله ٥٢ قدما (١٦ م) سمَّوه حامل النور وابتداء من وقت باكر من السنة ١٩٣٥ استخدموه طوال سنوات عديدة كقاعدة لعمليات فريق من الاخوة الغيورين فيما كانوا يشهدون في جزر الهند الشرقية الهولندية (الآن إندونيسيا)، سنڠافورة، وملايو. ووصول القارب كان دائما يلفت انتباها كثيرا، وهذا غالبا ما كان يمهِّد الطريق للاخوة ليكرزوا ويوزِّعوا مطبوعات كثيرة.
في هذه الاثناء، في الجانب الآخر من الارض، قرَّرت اختان فاتحتان من الدنمارك ان تقوما برحلة عطلة الى جزر فارو في المحيط الاطلسي الشمالي سنة ١٩٣٥. ولكنهما كانتا تفكِّران في اكثر من رحلة سياحية. فقد ذهبتا مجهَّزتين بآلاف المطبوعات، وقد استعملتاها جيدا. واذ تحدَّتا الريح والمطر وعداء رجال الدين، غطَّتا قدر ما استطاعتا من الجزر المسكونة خلال مدة بقائهما.
والى ابعد غربا، باشر جورج ليندَل، ايسلندي-كندي، تعيينا دام مدة اطول بكثير. فبناءً على اقتراح الاخ رذرفورد، انتقل الى ايسلندا ليخدم كفاتح في السنة ١٩٢٩. ويا للاحتمال الذي اظهره! فطوال معظم السنوات الـ ١٨ التالية خدم هناك وحده. فزار البلدات والقرى مرة بعد اخرى. ووُزِّعت عشرات الآلاف من المطبوعات، ولكن في ذلك الوقت لم ينضمَّ اليه ايّ ايسلندي في خدمة يهوه. وباستثناء سنة واحدة، لم يكن هنالك شهود يمكن ان يعاشرهم في ايسلندا حتى السنة ١٩٤٧، حين وصل مرسَلان مدرَّبان في جلعاد.
عندما يمنع الناس ما يوصي به اللّٰه
عند الاشتراك في خدمتهم العامة، لم يكن غير عادي على الاطلاق، وخصوصا من عشرينات الـ ١٩٠٠ الى اربعينات الـ ١٩٠٠، ان يواجه الشهود المقاومة التي يثيرها عادةً رجال الدين المحليون وأحيانا الرسميون الحكوميون.
ففي منطقة ريفية شمالي ڤيينا، النمسا، وجد الشهود انفسهم في مواجهة جمع عدائي من القرويين الذين حرَّضهم الكاهن المحلي، الذي كانت تدعمه شرطة المنطقة. وكان الكهنة مصمِّمين ان لا يكرز شهود يهوه في قراهم. لكنَّ الشهود، اذ كانوا مصمِّمين على اتمام تعيينهم المعطى من اللّٰه، غيَّروا اقترابهم وعادوا في يوم آخر، داخلين القرى بطرائق غير مباشرة.
وبصرف النظر عن التهديدات والطلبات من جهة الناس، ادرك شهود يهوه ان لديهم التزاما امام اللّٰه ان ينادوا بملكوته. فقد اختاروا ان يطيعوا اللّٰه كحاكم اكثر من الناس. (اعمال ٥:٢٩، عج) وحيث حاول الرسميون المحليون حرمان شهود يهوه حريتهم الدينية، اتى الشهود بأعداد اكبر.
بعد توقيفات متكررة في قطاع من باڤاريا، في المانيا، سنة ١٩٢٩، استأجروا قطارين خصوصيين — الاول لينطلق من برلين والآخر من دْرَسْدن. وهذان التقيا معا في رايخِنْباخ، وعند الساعة ٠٠:٢ صباحا دخل القطار الاول منطقة رايڠِنْزْبورڠ بـ ٢٠٠,١ راكب كانوا تواقين الى الاشتراك في تقديم شهادة. كان السفر مكلفا، وكل واحد كان قد دفع اجرة سفره. وعند كل محطة للسكة الحديدية جرى انزال البعض. وكان عدد منهم قد جلبوا دراجات لكي يتمكنوا من بلوغ الريف. فجرت تغطية المنطقة بكاملها في يوم واحد. وعندما رأوا نتائج جهودهم المتحدة، لم يسعهم إلا ان يتذكروا وعد اللّٰه لخدامه: «كل آلة صُوِّرت ضدك لا تنجح.» — اشعياء ٥٤:١٧.
كان الشهود في المانيا غيورين حتى انهم وزَّعوا بين السنتين ١٩١٩ و ١٩٣٣، كما يُقدَّر، على الاقل ٠٠٠,٠٠٠,١٢٥ كتاب، كراس، ومجلة، بالاضافة الى ملايين النشرات. ولكن كانت هنالك نحو ٠٠٠,٠٠٠,١٥ عائلة فقط في المانيا في ذلك الحين. فتلقَّت المانيا خلال تلك الفترة شهادة تامة كتلك المعطاة في ايّ بلد على الارض. وفي هذا الجزء من الارض وُجد احد اكبر الحشود من الاشخاص الذين يقرّون بأنهم أتباع المسيح الممسوحون بالروح. ولكن خلال السنوات التالية، اختبروا ايضا بعض امتحانات الاستقامة الاكثر ارهاقا. — رؤيا ١٤:١٢.
في السنة ١٩٣٣، اشتدت كثيرا المقاومة الرسمية لعمل شهود يهوه في المانيا. ففتَّش الڠستاپو تكرارا بيوت الشهود ومكتب فرع الجمعية. وفُرض الحظر على نشاط الشهود في معظم ولايات المانيا، وأُوقف البعض. وأُحرقت علنا اطنان عديدة من كتبهم المقدسة ومطبوعاتهم المؤسسة على الكتاب المقدس. وفي ١ نيسان ١٩٣٥، صدر قانون قومي يحظر الـ Ernste Bibelforscher (تلاميذ الكتاب المقدس الجدّيين، او شهود يهوه)، وبُذلت جهود نظامية لحرمانهم وسيلة عيشهم. وبدورهم، حوَّل الشهود كل اجتماعاتهم الى فرق صغيرة، رتَّبوا لاعادة انتاج موادهم لدرس الكتاب المقدس في اشكال لا يدركها الڠستاپو بسهولة، وتبنَّوا اساليب كرازية غير لافتة للنظر.
وحتى قبل ذلك، منذ السنة ١٩٢٥، كان الاخوة في ايطاليا يعيشون تحت سلطة دكتاتورية فاشية، وفي السنة ١٩٢٩ وُقِّعت اتفاقية بين الكنيسة الكاثوليكية والدولة الفاشية. فجرت مطاردة المسيحيين الحقيقيين دون رحمة. وكان البعض يجتمعون في حظائر الماشية ومخازن التبن لكي يتجنبوا اعتقالهم. وشهود يهوه في ايطاليا كانوا قليلي العدد جدا في ذلك الحين؛ لكنَّ جهودهم لنشر رسالة الملكوت تعزَّزت سنة ١٩٣٢ عندما عبر ٢٠ شاهدا من سويسرا الى ايطاليا وقاموا بتوزيع سريع جدا لـ ٠٠٠,٣٠٠ نسخة من كراس الملكوت، رجاء العالم.
وفي الشرق الاقصى ايضا كان الضغط يتزايد. فكانت هنالك توقيفات لشهود يهوه في اليابان. وأتلف الرسميون كميات كبيرة من مطبوعاتهم المؤسسة على الكتاب المقدس في سييول (في ما هو الآن جمهورية كوريا) وپيونڠيانڠ (في ما هو الآن جمهورية كوريا الديموقراطية الشعبية).
في وسط هذا الضغط المتعاظم، في السنة ١٩٣٥، احرز شهود يهوه فهما واضحا من الكتاب المقدس لهوية ‹الجمع الكثير› في الرؤيا ٧:٩-١٧. وهذا الفهم فتح لهم الفرصة ليدركوا عملا ملحا وغير متوقع. (اشعياء ٥٥:٥) فلم يعودوا يتمسكون بالنظرة ان كل الذين ليسوا من «القطيع الصغير» من ورثة الملكوت السماوي سيحصلون في وقت ما في المستقبل على فرصة جعل حياتهم على انسجام مع مطالب يهوه. (لوقا ١٢:٣٢) وأدركوا ان الوقت قد حان لتلمذة اناس كهؤلاء الآن بغية نجاتهم الى عالم اللّٰه الجديد. أما كم من الوقت سيستمر تجميع هذا الجمع الكثير من جميع الامم فلم يعرفوا، مع انهم شعروا بأن نهاية النظام الشرير لا بد ان تكون قريبة جدا. وتماما كيف سيُنجز العمل في وجه الاضطهاد الذي كان ينتشر ويصير اقسى، لم يكونوا متأكدين. ولكنهم كانوا على يقين من هذا — بما ان ‹يد يهوه لا تقصر،› فانه سيفتح الطريق امامهم ليتمِّموا مشيئته. — اشعياء ٥٩:١، عج.
في السنة ١٩٣٥، كان شهود يهوه قليلي العدد نسبيا — ١٥٣,٥٦ فقط في كل العالم.
كانوا يكرزون في ١١٥ بلدا خلال تلك السنة؛ ولكن في نصف هذه البلدان تقريبا كان هنالك اقل من عشرة شهود. وفقط بَلَدان كان فيهما ٠٠٠,١٠ شاهد نشيط ليهوه او اكثر (الولايات المتحدة، بـ ٨٠٨,٢٣؛ المانيا، بما يُقدَّر بـ ٠٠٠,١٠ من اصل ٢٦٨,١٩ ممَّن كانوا قادرين على تقديم تقريرهم قبل سنتين). وسبعة بلدان اخرى (اوستراليا، بريطانيا، پولندا، تشيكوسلوڤاكيا، رومانيا، فرنسا، وكندا) قدَّم كلٌّ منها تقريرا بأكثر من ٠٠٠,١ ولكن اقل من ٠٠٠,٦ شاهد. وسجل النشاط في ٢١ بلدا آخر يُظهِر بين ١٠٠ و ٠٠٠,١ شاهد في كلٍّ منها. ومع ذلك، خلال تلك السنة الواحدة، خصَّصت هذه الفرقة الغيورة من الشهود حول العالم ٤٢٤,١٦١,٨ ساعة للمناداة بملكوت اللّٰه بصفته الرجاء الوحيد للجنس البشري.
وبالاضافة الى البلدان التي كانوا مشغولين فيها خلال السنة ١٩٣٥، كانوا قد نشروا البشارة في اماكن اخرى، بحيث جرى بلوغ ١٤٩ بلدا ومجموعة جزر برسالة الملكوت حتى ذلك الحين.
-