-
هل كانت عدن الموطن الاصلي للانسان؟برج المراقبة ٢٠١١ | ١ كانون الثاني (يناير)
-
-
هل كانت عدن الموطن الاصلي للانسان؟
تخيل نفسك في حديقة جميلة غنّاء يجللها الهدوء ويعمّ السلام ارجاءها الفسيحة. لا كدر يشوب ذهنك، ولا هموم تجثم على صدرك. وجسدك خلوٌ من اي مرض او ألم. بدائع الحديقة من حولك تدغدغ كل حواسك.
فها انت تسرِّح طرفك في الورود الزاهية الالوان، ثم تنقِّله من جدول صاف رقراق الى اشجار ونباتات وفيرة التنوع تكتسي اردية متفاوتة الاخضرار — هذه يبسط عليها الظل عباءته، وتلك تسكب عليها الشمس نورها. وهوذا النسيم العليل يلامس وجهك، والعطور الذكية التي يحملها تداعب انفك. وإلى سمعك تتهادى ألحان ونغمات منبعثة من حفيف اوراق الشجر المتراقصة في الهواء، وهدير المياه المتدفقة على الصخور، وتغاريد العصافير المرفرفة على الاغصان، وطنين الحشرات المنكبة على العمل. . . . والآن بعد ان تناثرت في مخيلتك روائع هذه الحديقة، ألا تتوق الى العيش فيها؟
يؤمن الناس في مختلف ارجاء العالم ان بداية الانسان كانت في مكان كهذا. فطوال قرون، تعلَّم المنتمون الى اليهودية والمسيحية والاسلام عن جنة عدن التي جعلها اللّٰه مسكنا لآدم وحواء. وبحسب الكتاب المقدس، نعِم هذان الزوجان بحياة سعيدة وهادئة. فقد كانا في سلام واحدهما مع الآخر ومع الحيوانات ومع اللّٰه الذي منحهما رجاء العيش الى الابد في هذا المحيط الرائع. — تكوين ٢:١٥-٢٤.
وللهندوس ايضا مفاهيم خاصة تتعلق بفردوس يعود الى الازمنة الغابرة. اما البوذيون فيؤمنون بقيام قادة روحيين عظماء — سلسلة اشخاص يحمل كل منهم الاسم بوذا — في عصور ذهبيةٍ العالمُ فيها اشبه بفردوس. علاوة على ذلك، تعلِّم اديان كثيرة في افريقيا قصصا تتشابه بشكل لافت مع قصة آدم وحواء.
في الواقع، تشيع فكرة الفردوس الباكر بين مختلف ديانات وتقاليد البشر. فعلى حد قول احد المؤلفين: «ساد في حضارات كثيرة الايمان بفردوس اصلي يتميز بالكمال والحرية والسلام والسعادة والوفرة، فردوس لا مكان فيه للخوف والتوتر والنزاع. . . . وهذا الايمان بعث في النفوس شعورا جماعيا بالحنين الشديد الى فردوس مفقود انما غير منسي، ورغبة قوية في استرداده».
فهل يُحتمل ان يكون لجميع هذه الروايات والتقاليد اصل واحد؟ هل من الممكن ان يكون هذا ‹الشعور الجماعي› لدى البشر وليد ذكرى شيء حقيقي؟ وهل فعلا وُجدت في الماضي السحيق جنة في عدن يسكنها آدم وحواء حقيقيان؟
تثير هذه الفكرة سخرية المشككين. ففي هذا العصر العلمي، يعتبر كثيرون هذه الروايات مجرد اساطير وخرافات. وما يدعو الى العجب ان هؤلاء المشككين ليسوا جميعا علمانيين! فالعديد من القادة الدينيين يدفعون الناس الى انكار وجود جنة عدن، زاعمين ان الرواية مجاز او خرافة او تلفيق او مثلٌ ذو مغزى.
صحيح ان الكتاب المقدس يحوي في طياته امثالا ذات مغزى، اشهرها تكلم به يسوع نفسه، لكنه لا يروي قصة جنة عدن على انها مثل بل تاريخ بحت. وإذا لم تكن احداث القصة حقيقية، فكيف يمكننا الوثوق بباقي الكتاب المقدس؟ سنناقش الآن لماذا يشكك البعض في الرواية عن جنة عدن، وهل لديهم اسباب وجيهة. وبعد ذلك سنرى لمَ يجب ان تهم هذه الرواية كل واحد منا.
-
-
هل كانت جنة عدن موجودة حقا؟برج المراقبة ٢٠١١ | ١ كانون الثاني (يناير)
-
-
هل كانت جنة عدن موجودة حقا؟
هل تعرف القصة عن آدم وحواء وجنة عدن؟ انها مألوفة لدى الناس حول العالم. فلمَ لا تقرأها انت بنفسك؟ يمكنك ايجادها في تكوين ١:٢٦–٣:٢٤. وإليك خلاصتها:
خلق يهوه اللّٰهa من التراب رجلا دعاه آدم، ووضعه في جنة غرسها هو نفسه في منطقة اسمها عدن. كانت هذه الجنة ريَّانة ومليئة بالاشجار المثمرة الجميلة، وفي وسطها «شجرة معرفة الخير والشر». وقد حظّر اللّٰه على البشر الاكل من هذه الشجرة تحت طائلة عقاب الموت. وبعد فترة، خلق المرأة حواء لتكون رفيقة لآدم، مكوِّنا اياها من احدى اضلاعه. ثم اوكل اليهما مهمة العناية بالجنة، وأوصاهما ان يكثرا ويملأا الارض.
اثناء وجود حواء بمفردها، تكلمت حية اليها وأغوتها ان تأكل من الثمر المحرَّم، مدعية ان اللّٰه يكذب عليها ويمنع عنها امرا جيدا، امرا يجعلها كاللّٰه. فانقادت حواء لها وأكلت من الثمر المحرَّم. ثم انضم اليها آدم في عصيانها على اللّٰه. فأصدر يهوه حكما عليهما وعلى الحية. وبعد طرد الزوجين البشريين من الجنة الفردوسية، أُقيم ملائكة لحراسة مدخلها.
في ما مضى، شهد الكثير من العلماء والمفكرين والمؤرخين لصحة وتاريخية حوادث سفر التكوين في الكتاب المقدس. اما اليوم، فالميل السائد هو التشكيك في كل هذه المسائل. ولكن ما اساس الشكوك التي تحيط برواية التكوين عن آدم وحواء وجنة عدن؟ لنتأمل في اربعة اعتراضات شائعة.
١- هل كانت جنة عدن مكانا حقيقيا؟
ما سبب الارتياب حول هذا الموضوع؟ لربما لعبت الفلسفة دورا في ذلك. فطوال قرون، ظن اللاهوتيون ان جنة اللّٰه لا تزال موجودة في مكان ما. إلا ان الكنيسة كانت خاضعة لتأثير الفلاسفة اليونان، امثال أفلاطون وأرسطو، الذين اعتقدوا ان لا كمال على الارض؛ فالكمال للسماء فقط. وهكذا، خلص اللاهوتيون الى الاستنتاج ان الفردوس الاصلي لا بد انه كان اقرب الى السماء.b فقال البعض ان الجنة كانت تقع في اعالي جبل شامخ جدا يتجاوز ارتفاعه حيِّز كوكبنا الفاسد، في حين اعتقد آخرون انها في القطب الشمالي او الجنوبي؛ وهنالك ايضا مَن ظنها على القمر او قربه. فلا عجب ان يبدو مفهوم عدن برمته من نسج الخيال. ومن جهة اخرى، ينكر بعض العلماء العصريين كل الآراء المتعلقة بجغرافية عدن، مؤكدين ان مكانا كهذا لم يكن له وجود على الاطلاق.
غير ان هذا الرأي لا ينسجم مع الكتاب المقدس. ففي التكوين ٢:٨-١٤، تُذكر بعض مواصفات الجنة. فقد غُرست في الجزء الشرقي من منطقة اسمها عدن. وكان يسقيها نهر تفرعت منه اربعة انهار يرد اسم كل منها مع وصف مختصر لمجراه. اضنت هذه التفاصيل العلماء فترة طويلة، وراح كثيرون منهم يتفحصون بدقة هذا المقطع من الكتاب القدس بحثا عما يدلهم الى الموقع العصري لهذه البقعة القديمة. لكنهم توصلوا الى فيض من الآراء المتناقضة. فهل هذا يعني ان الوصف الجغرافي لعدن وجنتها وأنهارها خرافي او غير صحيح؟
تأمل في ما يلي: وقعت احداث جنة عدن قبل حوالي ٠٠٠,٦ سنة. وعلى ما يتضح، كتبها موسى الذي ربما استخدم لهذه الغاية روايات متناقَلة شفهيا او حتى وثائق مدونة مسبقا. لكن موسى سجل كتاباته بعد نحو ٥٠٠,٢ سنة من وقوع الاحداث الموصوفة، حين كانت عدن قد اصبحت تاريخا قديما. فهل من الممكن ان تكون قد حدثت بمرور مئات السنين تغييرات في المعالم الطبيعية كالانهار مثلا؟ تخضع القشرة الارضية لتغييرات مستمرة، فهي في حركة دائمة. والمنطقة التي كانت عدن على الارجح جزءا منها هي حزام زلازل يُعزى اليه اليوم نحو ١٧ في المئة من زلازل العالم الكبرى. فمن الطبيعي ان تطرأ على مناطق كهذه تغييرات جمة. اضِف الى ذلك ان الطوفان ايام نوح ربما غيَّر معالم سطح الارض بطرائق لا نستطيع معرفتها اليوم.c
مع ذلك، اليك بعض الحقائق التي نعرفها: تتحدث رواية التكوين عن الجنة باعتبارها مكانا حقيقيا. فاثنان من الانهر الاربعة المذكورة في الرواية — الفرات ودجلة — موجودان اليوم، وبعض منابعهما متقاربة جدا. حتى ان الرواية تذكر اسماء البلدان التي جرت فيها هذه الانهار وتحدد الموارد الطبيعية التي اشتهرت بها المنطقة. وهذه التفاصيل كانت بمثابة معلومات قيِّمة بالنسبة الى شعب اسرائيل القديمة، اوّل قراء سجل التكوين.
فهل تورد الاساطير والقصص الخيالية تفاصيل كهذه؟ ام انها تحذف ما يسهل اثباته او انكاره؟ تُستهل القصة الخيالية عادة بالعبارة التالية: «كان في قديم الزمان، وسالف العصر والاوان، في ارض بعيدة . . .». اما السجل التاريخي فيشمل عموما تفاصيل مهمة على غرار رواية عدن.
٢- هل يُعقل ان اللّٰه صنع آدم من التراب وحواء من احدى اضلاعه؟
اثبت العلم الحديث ان الجسم البشري مكوّن من عناصر مختلفة — كالهيدروجين والاكسجين والكربون — جميعها موجودة في قشرة الارض. ولكن كيف اجتمعت كل هذه العناصر في المخلوق الحي؟
يفترض علماء كثيرون ان الحياة نشأت من تلقاء ذاتها، بدءا بأشكال بسيطة اصبحت تدريجيا معقدة اكثر فأكثر بمرور ملايين السنين. بيد ان الكلمة «بسيطة» يمكن ان تكون مضلِّلة، لأن كل الكائنات الحية، حتى العضويات المجهرية الوحيدة الخلية، هي في منتهى التعقيد. ولا دليل على ان ايًّا من اشكال الحياة نشأ او يمكن ان ينشأ بالصدفة. على العكس، تقدِّم كل الكائنات الحية دليلا قاطعا على ان لها مصمما اذكى منا بكثير.d — روما ١:٢٠.
هل تتخيل شخصا يستمع الى سمفونية رائعة او يمتع ناظريه بلوحة خلابة او يُعجَب بابتكار تكنولوجي عظيم، ثم ينكر وبإصرار وجود مبدعٍ لها؟ طبعا لا! ولكن اين هذه الروائع من تصميم الجسم البشري الفائق الجمال والتعقيد والاتقان؟! فكيف نخال ان لا خالق له؟ علاوة على ذلك، تبيِّن رواية التكوين ان الانسان وحده صُنع على صورة اللّٰه بين كل المخلوقات الحية على الارض. (تكوين ١:٢٦) وانسجاما مع ذلك، وحدهم البشر على الارض قادرون ان يعكسوا رغبة اللّٰه في الخلق، بابتداعهم احيانا تحفا موسيقية او فنية او تكنولوجية. أوليس من الطبيعي ان يفوقنا اللّٰه ابداعا وخلقا؟
وبخصوص حواء، لماذا استخدم اللّٰه احدى اضلاع الرجل ليخلقها؟e كان بمقدوره استخدام وسيلة اخرى، لكن طريقته في خلق المرأة حملت مغزى عميقا. فقد اراد ان يتزوج الرجل والمرأة وينشأ بينهما رباط قوي كما لو انهما ‹جسد واحد›. (تكوين ٢:٢٤) أوليست الطريقة التي بها يكمِّل الرجل والمرأة احدهما الآخر، بحيث يتشكل بينهما رباط ثابت يمدهما كليهما بالقوة، دليلا دامغا على وجود خالق محب وحكيم؟
اضافة الى ذلك، يعترف علماء الوراثة العصريون ان جميع البشر تحدروا على الارجح من رجل واحد وامرأة واحدة. وعليه، هل تجد رواية التكوين بعيدة الاحتمال؟
٣- تبدو شجرة المعرفة وشجرة الحياة من نسج الخيال.
في الواقع، لا تعلِّم رواية التكوين ان هاتين الشجرتين لديهما قوى خصوصية او خارقة للطبيعة. فقد كانتا شجرتين حقيقيتين اضفى عليهما يهوه معنى رمزيا.
أوَلا يفعل البشر احيانا امرا مماثلا؟ على سبيل المثال، قد يأمر القاضي شخصا بإظهار الاحترام للمحكمة. طبعا، لا يقصد بذلك احترام الاثاث والجدران، بل النظام القضائي الذي تمثله المحكمة. ايضا، يستخدم العديد من الملوك الصولجان والتاج رمزا الى سلطتهم العليا.
ولكن إلامَ رمزت الشجرتان؟ ثمة نظريات معقدة كثيرة في هذا الصدد. والجواب الشافي بسيط وفي الوقت نفسه عميق جدا. فشجرة معرفة الخير والشر مثَّلت امرا ينفرد اللّٰه بامتلاكه: الحق في تقرير ما هو خير وما هو شر. (ارميا ١٠:٢٣) فلا عجب ان تُعتبر السرقة من تلك الشجرة جريمة يعاقَب عليها! اما شجرة الحياة فمثَّلت هبة وحده اللّٰه قادر على منحها، ألا وهي الحياة الابدية. — روما ٦:٢٣.
٤- الحية التي تتكلم تبدو وكأنها احدى شخصيات قصة خيالية.
لا شك ان هذا الوجه من قصة التكوين محير جدا، وخصوصا اذا لم نأخذ في الاعتبار باقي الكتاب المقدس، حيث ينجلي هذا اللغز تدريجيا.
في البداية، مَن جعل الحية تبدو وكأنها تتكلم؟ كان شعب اسرائيل القديمة على علم بعوامل اخرى ألقت الضوء على دور هذه الحية. مثلا، لقد عرفوا ان الكائنات الروحانية يمكن ان تجعل الحيوانات العاجزة عن النطق تظهر وكأنها تتكلم. فموسى كتب الرواية عن بلعام التي تذكر كيف ارسل اللّٰه ملاكا ليجعل اتان بلعام تتكلم. — عدد ٢٢:٢٦-٣١؛ ٢ بطرس ٢:١٥، ١٦.
وهل تستطيع الارواح الاخرى، بما فيها تلك المعادية للّٰه، ان تصنع العجائب؟ كان موسى قد رأى كهنة مصر الذين تعاطوا السحر يقلدون بعض العجائب التي صنعها اللّٰه، كجعل العصا تبدو وكأنها تحولت الى حية. ومن الواضح ان القدرة على انجاز مثل هذا العمل مصدرها اعداء اللّٰه في الحيِّز الروحي. — خروج ٧:٨-١٢.
كان موسى ايضا الكاتب الملهم لسفر ايوب، حسبما يتبيَّن. وهذا السفر يعلِّم امورا كثيرة عن عدو اللّٰه الرئيسي، الشيطان، الذي شكك في استقامة جميع خدام يهوه متكلما عليهم بالكذب. (ايوب ١:٦-١١؛ ٢:٤، ٥) اذًا، بناء على ما تقدَّم، هل استنتج الاسرائيليون قديما ان الشيطان كان وراء الحية في عدن، وأنه هو مَن جعلها تبدو وكأنها تنطق، مضللة حواء وحاملة اياها على كسر استقامتها امام اللّٰه؟ نعم، على الارجح.
وهل حقا كان الشيطان وراء الحية؟ اشار يسوع لاحقا الى الشيطان بأنه «كذاب وأبو الكذب». (يوحنا ٨:٤٤) أفَلا يكون «ابو الكذب» هو مَن لفَّق اول كذبة؟ تجلت هذه الكذبة في كلام الحية الى حواء. فقد ناقضت تحذير اللّٰه ان الاكل من الثمر المحرَّم يؤدي الى الموت، قائلة: «لن تموتا». (تكوين ٣:٤) لذا، من الواضح ان يسوع علِم ان الشيطان كان وراء الحية. والرؤيا التي اعطاها للرسول يوحنا تحسم المسألة اذ تدعو الشيطان «الحية الاولى». — رؤيا ١:١؛ ١٢:٩.
وهل من غير المحتمل ان يستخدم كائن روحاني قوي حية، جاعلا اياها تبدو وكأنها تتكلم؟ حتى البشر الذين لا يضاهون الارواح في القوة يمكن ان يبرعوا في التكلم البطني — فن إطلاق الصوت بطريقة يبدو فيها وكأنه يأتي من مصدر غير مصدره الحقيقي. كما انه بمقدورهم ان يبتكروا مؤثرات خاصة مدهشة.
الدليل الاكثر اقناعا
بناء على ما تقدَّم، ألا توافق ان الشكوك حول رواية التكوين ليست مبنية على حجج قوية؟ من ناحية اخرى، ثمة دليل دامغ على ان الرواية تاريخ حقيقي.
مثلا، يدعى يسوع المسيح «الشاهد الامين والحق». (رؤيا ٣:١٤) فهو لم يكذب البتة ولا حرَّف الحق بطريقة او بأخرى، لأنه كان رجلا كاملا. فضلا عن ذلك، علّم انه كان موجودا قبل وقت طويل من ولادته كإنسان على الارض، اذ عاش مع ابيه يهوه «قبل ان يكون العالم». (يوحنا ١٧:٥) وبالتالي كان موجودا عندما بدأت الحياة على الارض. فما الشهادة التي قدّمها هذا الرجل الذي هو اصدق الشهود جميعا؟
تحدث يسوع عن آدم وحواء بصفتهما شخصين حقيقيين. فقد أشار الى زواجهما حين شرح مقياس الزواج الاحادي الذي وضعه اللّٰه. (متى ١٩:٣-٦) ولو لم يوجدا قط ولم تكن الجنة التي عاشا فيها حقيقية، لعنى ذلك ان يسوع كان إما مخدوعا او كاذبا. وحاشا له ان يكون كذلك. فعندما كان في السماء، شهد المأساة التي دارت احداثها في الجنة. وهل من دليل اكثر اقناعا؟
في الحقيقة، يقوِّض انكار رواية التكوين ايماننا بيسوع. كما يجعل فهمنا لبعض اهم مواضيع الكتاب المقدس ووعوده المعزية امرا متعذرا. كيف؟ لنناقش ذلك في المقالة التالية.
[الحواشي]
a يهوه هو اسم اللّٰه الشخصي حسبما يرد في الكتاب المقدس.
b هذه الفكرة غير مؤسسة على الاسفار المقدسة. فكلمة اللّٰه تعلِّم ان جميع اعمال اللّٰه كاملة، وأن الفساد ينشأ من مصدر آخر. (تثنية ٣٢:٤، ٥) وعندما انتهى يهوه من خلق الارض، اعلن ان كل ما صنعه «حسن جدا». — تكوين ١:٣١.
c على ما يتضح، محا الطوفان، الذي جلبه اللّٰه، كل اثر لجنة عدن. تشير حزقيال ٣١:١٨ ان «اشجار عدن» زالت من الوجود قبل زمن طويل من حلول القرن السابع قبل الميلاد. لذا فإن جميع الذين بحثوا لاحقا عن جنة اعتقدوا انها لا تزال موجودة مُنوا بالفشل.
d انظر كراسة خمسة اسئلة وجيهة عن اصل الحياة (بالانكليزية)، اصدار شهود يهوه.
e من المثير للاهتمام ان الطب الحديث وجد ان الضلع لها قدرة فريدة على التعافي. فبالتباين مع العظام الاخرى، يمكنها ان تنمو مجددا اذا لم يتضرر غشاء نسيجها الضامّ.
-
-
لمَ قصة عدن مهمة لك؟برج المراقبة ٢٠١١ | ١ كانون الثاني (يناير)
-
-
لمَ قصة عدن مهمة لك؟
احد الاعتراضات الاكثر غرابة التي يثيرها بعض العلماء بشأن قصة عدن هو انها لا تحظى بتأييد باقي الكتاب المقدس. على سبيل المثال، كتب البروفسور في الدراسات الدينية پول موريس: «لا يتضمن الكتاب المقدس اية اشارات مباشرة الى قصة عدن في اجزائه اللاحقة». ولعل عددا من الخبراء المزعومين يوافقون معه، لكن هذا الرأي يتنافى مع الوقائع.
فالكتاب المقدس يشير مرارا الى جنة عدن وآدم وحواء والحية.a لكن خطأ علماء قلائل يكاد لا يُذكر امام خطإ آخر اكثر فداحة وشيوعا. فتشكيك القادة الدينيين ونقاد الكتاب المقدس في سجل التكوين عن جنة عدن انما هو في الواقع هجوم على كامل الكتاب المقدس. كيف؟
من الضروري ان نفهم ما حصل في عدن لكي نفهم باقي الكتاب المقدس. على سبيل المثال، أُعدت كلمة اللّٰه لمساعدتنا على ايجاد اجوبة عن اهم وأعمق الاسئلة التي يطرحها البشر. ومرارا وتكرارا، ترتبط اجوبة الكتاب المقدس عن هذه الاسئلة بحوادث جرت في جنة عدن. اليك بعض الامثلة.
● لماذا نكبر ونموت؟ كان آدم وحواء سيعيشان الى الابد لو انهما بقيا مذعنَين ليهوه. فما كانا ليموتا إلا اذا تمردا. ويوم تمردهما، ابتدأ جسداهما بالتدهور حتى وصلا الى الموت. (تكوين ٢:١٦، ١٧؛ ٣:١٩) لقد خسرا الكمال، وما عاد باستطاعتهما توريث ذريتهما سوى الخطية والنقص. فالكتاب المقدس يوضح: «بإنسان واحد دخلت الخطية الى العالم وبالخطية الموت، وهكذا اجتاز الموت الى جميع الناس لأنهم جميعا اخطأوا». — روما ٥:١٢.
● لماذا يسمح اللّٰه بالشر؟ في جنة عدن، نعت الشيطان اللّٰه بالكذب وزعم انه يمنع الخير عن خلائقه. (تكوين ٣:٣-٥) وبالتالي شكك في صواب حكم يهوه. وإذ اختار آدم وحواء اتِّباع الشيطان، رفضا هما ايضا سلطان يهوه مؤكدَين ان الانسان قادر ان يقرر هو بنفسه ما هو خير وما هو شر. وقد عرف يهوه، بكمال عدله وحكمته، ان هنالك طريقة واحدة فقط لدحض ادعاء الشيطان — ان يسمح بمرور فترة من الزمن تتيح للبشر ان يحكموا انفسهم كما يحلو لهم. والشر الناجم عن ذلك تُعزى بعض اسبابه الى تأثير الشيطان المستمر، كما يكشف حقيقة بالغة الاهمية: ليس في مستطاع الانسان ان يحكم نفسه بمعزل عن اللّٰه. — ارميا ١٠:٢٣.
● ما هو قصد اللّٰه نحو الارض؟ طبق يهوه في جنة عدن مقياس الجمال الذي رسمه للارض. وأوكل الى آدم وحواء ان يملأا الارض بذريتهما ‹ويُخضعاها› لكي يبلغ كامل كوكبنا مقياس الجمال والانسجام هذا. (تكوين ١:٢٨) اذًا، قصَدَ اللّٰه ان تكون الارض فردوسا تسكنه عائلة كاملة متحدة متحدرة من آدم وحواء. والكتاب المقدس يتطرق في معظمه الى الوسيلة التي بها سيتمم اللّٰه قصده الاصلي هذا.
● لماذا جاء يسوع المسيح الى الارض؟ نتيجة التمرد في جنة عدن، حُكم على آدم وحواء وكل ذريتهما بالموت. لكن اللّٰه بدافع محبته منح الرجاء للبشر. فأرسل ابنه الى الارض ليقدِّم ما يدعوه الكتاب المقدس فدية. (متى ٢٠:٢٨) وماذا عنى ذلك؟ نجح يسوع حيث اخفق آدم، وأصبح «آدم الاخير». فقد حافظ على حياته البشرية الكاملة ببقائه طائعا ليهوه. ثم بذل طوعا حياته كذبيحة، او فدية، مزودا الوسيلة التي بها يتاح لجميع البشر الامناء ان ينالوا مغفرة الخطايا، وينعموا في النهاية بالحياة التي تمتع بها آدم وحواء في عدن قبل وقوعهما في الخطية. (١ كورنثوس ١٥:٢٢، ٤٥؛ يوحنا ٣:١٦) وهكذا، ضمن يسوع تحقيق قصد يهوه المتعلق بتحويل الارض الى فردوس شبيه بعدن.b
ليس قصد اللّٰه مبهما، ولا هو فكرة لاهوتية مجردة، بل حقيقة واقعية. فكما كانت جنة عدن مكانا حقيقيا على هذه الارض يعيش فيه شخصان حقيقيان وحيوانات حقيقية، كذلك قصْد اللّٰه للمستقبل هو ايضا امر يقين، واقع سيتحقق قريبا. فهل ستنعم انت بهذا المستقبل؟ الامر منوط بك. فاللّٰه يرغب ان ينعم به اكبر عدد ممكن من الناس، حتى الذين لا يحيون حياة تنسجم مع مقاييس اللّٰه. — ١ تيموثاوس ٢:٣، ٤.
حين كان يسوع مشرفا على الموت، تكلم الى رجل خاطئ. كان هذا الرجل مجرما، وقد عرف انه يستحق الاعدام. لكنه التفت الى يسوع لنيل التعزية والرجاء. وماذا كان رد يسوع؟ قال له: «ستكون معي في الفردوس». (لوقا ٢٣:٤٣) لقد اراد ان يكون ذلك المجرم السابق هناك، اي ان يقوم من الاموات ويحظى بفرصة العيش الى الابد في فردوس شبيه بعدن، أفلا يريد بالاحرى ان تتمتع انت ايضا بالبركات نفسها؟ بالتأكيد يريد، وكذلك ابوه. فإن كنت ترغب في مستقبل كهذا، فابذل وسعك لتتعلم عن اللّٰه الذي اعدّ جنة عدن.
[الحاشيتان]
a انظر مثلا تكوين ١٣:١٠؛ تثنية ٣٢:٨؛ ٢ صموئيل ٧:١٤؛ ١ اخبار الايام ١:١؛ اشعيا ٥١:٣؛ حزقيال ٢٨:١٣؛ ٣١:٨، ٩؛ لوقا ٣:٣٨؛ روما ٥:١٢-١٤؛ ١ كورنثوس ١٥:٢٢، ٤٥؛ ٢ كورنثوس ١١:٣؛ ١ تيموثاوس ٢:١٣، ١٤؛ يهوذا ١٤؛ ورؤيا ١٢:٩.
b لتعلُّم المزيد عن ذبيحة المسيح الفدائية، انظر الفصل الخامس من كتاب ماذا يعلّم الكتاب المقدس حقا؟، اصدار شهود يهوه.
[الاطار/الصور في الصفحة ١٠]
نبوة تربط ما بين اجزاء الكتاب المقدس
«اضع عداوة بينكِ [الحية] وبين المرأة وبين نسلك ونسلها. هو يسحق رأسك وأنت تسحقين عقبه». — تكوين ٣:١٥.
هذه اول نبوة ترد في الكتاب المقدس، وقد تفوه بها اللّٰه في عدن. فمَن هم الشخصيات الاربع: المرأة، نسل المرأة، الحية، ونسل الحية؟ وبأي معنى هنالك «عداوة» بينهم؟
الحية
الشيطان ابليس. — رؤيا ١٢:٩.
المرأة
المخلوقات الروحانية التي تؤلف الجزء السماوي من هيئة يهوه. (غلاطية ٤:٢٦، ٢٧) وقد تحدث اشعيا عن هذه «المرأة»، منبئا انها ستلد امة روحية في المستقبل. — اشعيا ٥٤:١؛ ٦٦:٨.
نسل الحية
الذين يفعلون مشيئة الشيطان باختيارهم. — يوحنا ٨:٤٤.
نسل المرأة
هو بشكل رئيسي يسوع المسيح الذي اتى من الجزء السماوي لهيئة يهوه. ويشمل ايضا اخوة المسيح الروحيين الذين يحكمون معه في السماء. وهؤلاء المسيحيون الممسوحون يؤلفون امة روحية هي «اسرائيل اللّٰه». — غلاطية ٣:١٦، ٢٩؛ ٦:١٦؛ تكوين ٢٢:١٨.
اصابة العقب
ضربة مؤلمة موجَّهة الى المسيا انما غير دائمة الاثر. فقد تسبب الشيطان بمقتل يسوع على الارض. لكن يسوع أُقيم من الاموات.
اصابة الرأس
ضربة قاضية موجَّهة الى الشيطان. فيسوع سيزيله من الوجود الى الابد. وقبل ذلك، سيضع حدا للشر الذي ابدأه الشيطان في عدن. — ١ يوحنا ٣:٨؛ رؤيا ٢٠:١٠.
لنيل لمحة موجزة عن محور الكتاب المقدس، انظر كراسة الكتاب المقدس — اية رسالة يحملها اليك؟، اصدار شهود يهوه.
[الصورة في الصفحة ١١]
حصد آدم وحواء العواقب الوخيمة للخطية
-