-
الراحة من الاجهاد — علاج عمليبرج المراقبة ٢٠٠١ | ١٥ كانون الاول (ديسمبر)
-
-
تحت النير
٩، ١٠ إلامَ كان يرمز النير قديما، ولماذا دعا يسوع الناس الى حمل نيره عليهم؟
٩ هل لاحظتم ان يسوع قال في متى ١١:٢٨، ٢٩: «احملوا نيري عليكم وتعلّموا مني»؟ في تلك الايام، كان الرجل العادي يشعر وكأنه يعمل تحت نير. فقديما، كان النير يمثِّل الرِّق او العبودية. (تكوين ٢٧:٤٠؛ لاويين ٢٦:١٣؛ تثنية ٢٨:٤٨) ولكنَّ كثيرين من العمّال الذين يتقاضون اجرهم كل يوم بيومه والذين قابلهم يسوع كانوا يعملون والنير الحرفي على اكتافهم، حاملين احمالا ثقيلة. وكان يمكن ان يكون النير خفيفا على الرقبة والاكتاف او يحتك بها، وذلك حسب طريقة صنعه. وبما ان يسوع كان نجارا، فلربما صنع الانيار وعرف كيف يجعلها ‹لطيفة›. ولربما كان يغطي الاماكن التي تلامس الرقبة والكتفين بالجلد او القماش لجعل النير مريحا قدر الامكان.
١٠ لذلك عندما قال يسوع: «احملوا نيري عليكم»، لربما كان يشبِّه نفسه بشخص يزوِّد انيارا حسنة الصنع و ‹لطيفة› على رقبة العامل وكتفيه. وتابع قائلا: «حملي خفيف». ويشير ذلك ان النير الذي قدَّمه لم يكن مزعجا ولا العمل ظالما. صحيح ان يسوع لم يكن يقصد بدعوة مستمعيه الى قبول نيره ان الراحة من كل الظلم السائد آنذاك ستأتي فورا، لكنَّ وجهة النظر المختلفة التي قدَّمها كانت ستجلب انتعاشا كبيرا. كما ان التعديلات في طريقة حياتهم وفعلهم الامور كانت ستريحهم. والاهم، كان الرجاء الراسخ الحيّ سيساعدهم على جعل حياتهم اقل إجهادا.
يمكنكم نيل الانتعاش
١١ لماذا لم يكن يسوع يقصد بكلماته استبدال نير بآخر؟
١١ لاحظوا من فضلكم ان يسوع لم يقل للناس ان يستبدلوا نيرا بآخر. فروما كانت ستظل مسيطرة على ارضهم، تماما كما ان زمام السلطة حيث يعيش المسيحيون اليوم هو في يدَي الحكومات. ولم يكونوا ليُعفَوا من الضرائب التي فرضتها روما في القرن الاول. وكانت المشاكل الصحية والاقتصادية ستبقى والنقص والخطية سيظلان يؤثران في الناس. رغم ذلك، كان بإمكانهم نيل الانتعاش باتِّباع تعليم يسوع، تماما كما هو بإمكاننا نحن ايضا اليوم.
١٢، ١٣ ماذا قال يسوع انه يجلب الانتعاش، وكيف تجاوب البعض؟
١٢ انطبق مثَل يسوع عن النير بشكل واضح في مجال عمل التلمذة. فلا شك ان عمل يسوع الرئيسي كان تعليم الآخرين تعليما يتمحور حول ملكوت اللّٰه. (متى ٤:٢٣) لذلك فإن كلمات يسوع: «احملوا نيري عليكم» شملت بالتأكيد الاقتداء بالعمل الذي قام به. ويُظهِر سجل الاناجيل ان يسوع دفع اشخاصا مخلصين الى تغيير مهنتهم، احد الشؤون المهمة في حياة كثيرين. تذكروا دعوته لبطرس، اندراوس، يعقوب، ويوحنا: ‹هلمّ ورائي فأجعلكم تصيرون صيادي ناس›. (مرقس ١:١٦-٢٠) فقد اظهر لهؤلاء الصيادين كم سيحسون بالاكتفاء اذا قاموا، تحت اشرافه وبمساعدته، بالعمل الذي كان اهم اولوياته في الحياة.
١٣ فهِم بعض من مستمعيه اليهود تعليمه وطبَّقوه. تخيَّلوا المشهد على شاطئ البحر الذي نقرأ عنه في لوقا ٥:١-١١. كان اربعة صيادين قد تعبوا الليل كله ولم يصطادوا شيئا. وفجأة امتلأت شباكهم! ولم يكن ذلك صدفة بل نتيجة لتدخل يسوع. وإذ نظروا الى الشاطئ، رأوا جمعا من الناس مهتمين بتعاليم يسوع. وهذا ما ساعد على ايضاح كلمات يسوع لهؤلاء الاربعة: ‹من الآن تصطادون الناس احياء›. وكيف تجاوبوا؟ «اعادوا المركبَين الى البر، وتركوا كل شيء وتبعوه».
١٤ (أ) كيف يمكننا نيل الانتعاش اليوم؟ (ب) اية بشارة منعشة اعلنها يسوع؟
١٤ عامة، يمكن ان تتجاوبوا بالطريقة نفسها. فعمل تعليم الناس حق الكتاب المقدس لا يزال مستمرا. فقد لبى نحو ستة ملايين شاهد ليهوه حول العالم دعوة يسوع ان ‹يحملوا نيره عليهم› وصاروا «صيادي ناس». (متى ٤:١٩) وصار هذا العمل مهنة البعض كامل الوقت؛ أما الآخرون فيفعلون قدر المستطاع. انه عمل يجلب الانتعاش للجميع فتصير حياتهم اقل إجهادا. وهو يشمل امرا يتمتعون به: إخبار الآخرين بالبشارة، «بشارة الملكوت». (متى ٤:٢٣) فإذا كان من المسرّ التكلم عن اخبار مفرحة، فكم بالاحرى عن البشارة؟! ويحتوي الكتاب المقدس على الامور الاساسية التي نحتاج اليها لإقناع كثيرين ان بإمكانهم العيش حياة اقل إجهادا. — ٢ تيموثاوس ٣:١٦، ١٧.
١٥ كيف يمكن ان تستفيدوا من تعاليم يسوع عن المبادئ التي ينبغي اتِّباعها في الحياة؟
١٥ الى حدّ ما، حتى الذين ابتدأوا منذ وقت قصير بالتعلم عن ملكوت اللّٰه يستفيدون مما علَّمه يسوع عن طريقة التصرف في الحياة. ويمكن لكثيرين ان يقولوا بالصواب ان تعاليم يسوع انعشتهم وساعدت على قلب حياتهم رأسا على عقب. وهذا ما يمكن ان تتثبتوا منه بفحص بعض المبادئ التي ينبغي اتِّباعها في الحياة والمذكورة في روايات حياة يسوع وخدمته، وخصوصا في الاناجيل التي كتبها متى ومرقس ولوقا.
طريقة لإيجاد الانتعاش
١٦، ١٧ (أ) اين يمكنكم ايجاد بعض تعاليم يسوع الرئيسية؟ (ب) ماذا يلزم لإيجاد الانتعاش من خلال تطبيق تعاليم يسوع؟
١٦ في ربيع سنة ٣١ بم، القى يسوع خطبة ذاع صيتها حتى يومنا هذا. وتُدعى عادة الموعظة على الجبل. وهي مسجلة في متى الاصحاحات ٥ الى ٧ ولوقا الاصحاح ٦، وفيها نجد موجزا للكثير من تعاليمه. ويمكنكم ان تجدوا تعاليم اخرى ليسوع في اماكن اخرى من الاناجيل. والكثير مما قاله يسوع يفسر نفسه بنفسه، رغم ان تطبيقه يمكن ان يكون صعبا. فلمَ لا تقرأون هذه الاصحاحات بروية وتمعن؟ ودعوا افكار يسوع تؤثر في تفكيركم وموقفكم.
١٧ يمكن ترتيب تعاليم يسوع بطرائق مختلفة. فلنضع التعاليم الرئيسية في مجموعات بحيث تكون هنالك مجموعة لكل يوم في الشهر، وذلك بهدف وضعها موضع العمل في حياتنا. كيف؟ لا تمرّوا عليها مرور الكرام. تذكروا الرئيس الغني الذي سأل يسوع المسيح: «ماذا اعمل لأرث الحياة الابدية؟». وعندما كرَّر يسوع المتطلبات الرئيسية لشريعة اللّٰه، قال الرجل انه قد بلغ هذه المتطلبات. لكنه ادرك ان هنالك المزيد لفعله. فدعاه يسوع ان يبذل جهدا اكبر ليطبِّق المبادئ الالهية بطرائق عملية، ليكون تلميذا فعّالا. ولكن من الواضح ان الرجل لم يكن مستعدا ان يفعل ذلك. (لوقا ١٨:١٨-٢٣) لذلك يجب ان يتذكر مَن يريد تعلم تعاليم يسوع ان هنالك فرقا بين الموافقة عليها وبين اعتناقها فعليا، الامر الذي يخفِّف من الاجهاد.
١٨ أوضحوا كيف يمكنكم ان تستفيدوا من استعمال الاطار المرفق.
١٨ كبداية لفحص وتطبيق تعاليم يسوع، اقرأوا النقطة الاولى في الاطار المرفق. انها تشير الى متى ٥:٣-٩. كلٌّ منا بإمكانه ان يقضي الكثير من الوقت في التأمل في المشورة الرائعة التي تقدِّمها هذه الاعداد. ولكن عند النظر اليها ككل، ماذا تستنتجون عن قضية الموقف؟ ماذا سيساعدكم اذا كنتم تريدون حقا ان تتغلبوا على آثار الاجهاد المفرط في حياتكم؟ كيف يمكن ان تحسنوا وضعكم اذا انتبهتم اكثر للامور الروحية، مفكرين فيها اكثر؟ هل هنالك امر في حياتكم يجب ان تعلِّقوا عليه اهمية اقل، مما يتيح لكم الانتباه اكثر للمسائل الروحية؟ ان فعلكم ذلك سيزيد من سعادتكم الآن.
١٩ ماذا يمكن ان تفعلوا لنيل المزيد من البصيرة والفهم؟
١٩ خذوا الآن خطوة اضافية. فلمَ لا تناقشون هذه الاعداد مع خادم آخر للّٰه، ربما مع رفيق زواجكم او قريب لصيق او صديق؟ (امثال ١٨:٢٤، عج؛ ٢٠:٥) تذكروا ان الرئيس الغني طرح سؤالا عن قضية تهمه على شخص آخر — يسوع. وكان يمكن ان يزيد الجواب المُعطى له من سعادته وإمكانية نيله الحياة الابدية. لا شك ان الرفيق العابد الذي تناقشون معه هذه الاعداد لن يضاهي يسوع، لكنَّ الحديث عن تعاليم يسوع سيفيدكما كليكما. فحاولوا ان تطبِّقوا هذا الامر فورا.
٢٠، ٢١ ايّ برنامج يمكنكم اتِّباعه للتعلم عن تعاليم يسوع، وكيف يمكنكم تقييم تقدُّمكم؟
٢٠ انظروا ثانية الى الاطار المرفق، «تعاليم لمساعدتكم». لقد وُضعَت هذه التعاليم في مجموعات بحيث يكون لديكم على الاقل تعليم واحد لتتأملوا فيه يوميا. يمكنكم اولا ان تقرأوا ما قاله يسوع في الاعداد المشار اليها ثم ان تفكروا في كلماته. تأملوا كيف يمكنكم تطبيق هذا التعليم الالهي في حياتكم. وإذا شعرتم انكم سبق ان طبَّقتموه، فتأملوا لتروا هل يمكنكم فعل المزيد للعيش وفقه. حاولوا تطبيقه خلال ذلك اليوم. وإذا استصعبتم فهمه او معرفة كيفية تطبيقه، فخذوا يوما آخر لتطبيقه. ولكن تذكروا انه لا يجب ان تطبِّقوه او تفهموه كاملا لكي تنتقلوا الى النقطة التالية. وفي اليوم التالي، يمكنكم التأمل في تعليم آخر. وفي نهاية الاسبوع، يمكنكم مراجعة مدى نجاحكم في تطبيق اربعة او خمسة من تعاليم يسوع. وفي الاسبوع الثاني، اضيفوا المزيد، يوما فيوما. وإذا وجدتم انكم لم تتمكنوا من تطبيق تعليم ما، فلا تتثبطوا. فكل مسيحي يحدث معه الامر نفسه. (٢ أخبار الايام ٦:٣٦؛ مزمور ١٣٠:٣؛ جامعة ٧:٢٠؛ يعقوب ٣:٨) تابعوا العملية نفسها في الاسبوع الثالث والرابع.
٢١ بعد شهر تقريبا، ربما تكونون قد انهيتم النقاط الـ ٣١ جميعها. فكيف ستشعرون عندئذ؟ أولن تحسوا بسعادة اكبر، وربما براحة اكبر؟ حتى لو كان تقدمكم قليلا، فستشعرون على الارجح ان الاجهاد قد خفّ، او ستصيرون على الاقل قادرين على التأقلم معه بشكل افضل وتتمكنون من الاستمرار. لا تنسوا ان هنالك نقاطا رائعة كثيرة اخرى في تعاليم يسوع ليست مُدرَجة في اللائحة. فلمَ لا تبحثون عن بعضها وتحاولون تطبيقه؟ — فيلبي ٣:١٦.
٢٢ ماذا قد ينتج من اتِّباع تعاليم يسوع، ولكن اية ناحية اخرى تستحق البحث؟
٢٢ ترَون ان نير يسوع لطيف رغم انه ليس بلا وزن. فحمل تعاليمه والكينونة تلميذا له امر خفيف. هذا كان اختبار الرسول يوحنا، صديق يسوع الحميم، طوال اكثر من ٦٠ سنة. فقد قال: «هذا ما تعنيه محبة اللّٰه، ان نحفظ وصاياه؛ ووصاياه لا تشكل عبئا». (١ يوحنا ٥:٣) ويمكن ان تكون لكم الثقة نفسها. فكلما طبَّقتم تعاليم يسوع، وجدتم ان ما يجعل الحياة مُجهِدة جدا لكثيرين اليوم لن يسبِّب لكم الشقاء بالدرجة نفسها. وسترَون انكم نلتم الراحة نوعا ما. (مزمور ٣٤:٨) ولكن هنالك ناحية اخرى من نير يسوع يجب ان تفكروا فيها. فقد ذكر يسوع ايضا انه «وديع ومتضع القلب». فكيف ينسجم ذلك مع تعلُّمنا من يسوع والاقتداء به؟ هذا ما ستعالجه المقالة التالية. — متى ١١:٢٩.
-
-
«تعلَّموا مني»برج المراقبة ٢٠٠١ | ١٥ كانون الاول (ديسمبر)
-
-
«تعلَّموا مني»
«احملوا نيري عليكم وتعلَّموا مني، لأني وديع ومتضع القلب، فتجدوا انتعاشا لنفوسكم». — متى ١١:٢٩.
١ لماذا يمكن ان يكون التعلم من يسوع مُسِرّا ويغني حياتنا؟
كان يسوع المسيح يفكِّر، يعلِّم، ويتصرف دائما كما يجب. ورغم ان وقته على الارض كان قصيرا، فقد تمتع بعمله الممتع والمكافئ، مما جعله سعيدا. فكان يجمع تلاميذه ويعلِّمهم كيف يعبدون اللّٰه، يحبون الناس، ويغلبون العالم. (يوحنا ١٦:٣٣) وقد ملأ قلوبهم بالامل و «انار الحياة وعدم الفساد بواسطة البشارة». (٢ تيموثاوس ١:١٠) فإذا كنتم تعتبرون نفسكم بين تلاميذه، فماذا يعني ان يكون المرء تلميذا في رأيكم؟ بالتأمل في ما يقوله يسوع عن تلاميذه، يمكن ان نتعلم كيف نُغني حياتنا. ويشمل ذلك تبني وجهة نظره وتطبيق بعض المبادئ الاساسية. — متى ١٠:٢٤، ٢٥؛ لوقا ١٤:٢٦، ٢٧؛ يوحنا ٨:٣١، ٣٢؛ ١٣:٣٥؛ ١٥:٨.
٢، ٣ (أ) ماذا يعني ان يكون المرء تلميذا ليسوع؟ (ب) لماذا من المهم ان نسأل انفسنا: ‹تلميذ مَن انا›؟
٢ في الاسفار اليونانية المسيحية، تعني الكلمة المترجمة «تلميذ» من حيث الاساس شخصا يوجِّه عقله الى شيء، او شخصا يتعلم. وترد كلمة لها علاقة بها في آيتنا الرئيسية، متى ١١:٢٩: «احملوا نيري عليكم وتعلَّموا مني، لأني وديع ومتضع القلب، فتجدوا انتعاشا لنفوسكم». نعم، ان التلميذ هو شخص يتعلم. وتطبِّق الاناجيل عادة كلمة «تلميذ» على أتباع يسوع المقرَّبين منه، الذين سافروا معه وهو يكرز والذين تلقّوا التعليم منه. لكنَّ بعض الاشخاص قبلوا تعاليم يسوع وصاروا تلاميذ له في السر فقط. (لوقا ٦:١٧؛ يوحنا ١٩:٣٨) كما اشار كتبة الاناجيل الى «تلاميذ يوحنا [المعمِّد] وتلاميذ الفريسيين». (مرقس ٢:١٨) وبما ان يسوع قال لأتباعه ان «يحذروا . . . تعليم الفريسيين»، يمكن ان نسأل انفسنا: ‹تلميذ مَن انا؟›. — متى ١٦:١٢.
٣ فإذا كنا تلاميذ يسوع، اذا تعلَّمنا منه، ينبغي ان يشعر الآخرون بالانتعاش في حضورنا. ويجب ان يحسوا اننا اصبحنا ودعاء ومتضعي القلب. وإذا كانت لدينا مسؤوليات ادارية في عملنا، اذا كنا والدين، او اذا كانت لدينا مسؤوليات رعائية في الجماعة المسيحية، فهل يشعر الذين هم في عنايتنا اننا نعاملهم كما عامل يسوع الذين هم في عنايته؟
كيف عامل يسوع الناس
٤، ٥ (أ) لماذا ليس صعبا ان نعرف كيف عامل يسوع الاشخاص الذين لديهم مشاكل؟ (ب) ماذا حدث مع يسوع عندما كان يتغدى في بيت احد الفريسيين؟
٤ يلزم ان نعرف كيف عامل يسوع الناس، وخصوصا الذين لديهم مشاكل خطيرة. وهذا ليس صعبا؛ فالكتاب المقدس يحتوي على روايات عديدة عن لقاءات ليسوع مع اشخاص آخرين، كان البعض منهم يكابدون المشقات. وبالمقابل، لنلاحظ كيف عامل القادة الدينيون، وخصوصا الفريسيين، الاشخاص الذين يعانون مشاكل مماثلة. فهذا التباين سيعمِّق معرفتنا.
٥ سنة ٣١ بم، فيما كان يسوع في رحلة كرازية في الجليل، «ظل واحد من الفريسيين يسأل [يسوع] ان يتغدى معه». فلم يتردد يسوع في تلبية الدعوة. «فدخل بيت الفريسي واتكأ الى المائدة. وإذا امرأة معروف في المدينة انها خاطئة، علمت انه متكئ للطعام في بيت الفريسي، فجاءت بقارورة من المرمر فيها زيت عطر، وإذ وقفت من الوراء عند قدميه، بكت وابتدأت تبلّ قدميه بدموعها، وكانت تمسحهما بشعر رأسها. وايضا قبَّلت قدمَيه برقة ودهنتهما بالزيت العطر». — لوقا ٧:٣٦-٣٨.
٦ لماذا ربما كانت المرأة ‹الخاطئة› في بيت الفريسي؟
٦ هل يمكنكم تخيّل ذلك؟ يقول احد المراجع: «استفادت المرأة (العدد ٣٧) من التقاليد الاجتماعية التي تجيز للمحتاجين المجيء الى وليمة كهذه لالتقاط بعض الفضلات». وهذا ما قد يشرح كيف يمكن ان يدخل الشخص دون دعوة. وقد يكون هنالك اشخاص آخرون املوا ان يلتقطوا الفضلات عند نهاية الوجبة. لكنَّ تصرف هذه المرأة لم يكن عاديا. فلم تقف مكتوفة اليدَين، منتظرة حتى انتهاء الغداء. وقد كانت سمعتها رديئة، اذ كانت «خاطئة» ذائعة الصيت، حتى ان يسوع قال انه يعرف عن «خطاياها الكثيرة». — لوقا ٧:٤٧.
٧، ٨ (أ) كيف كنا سنتجاوب في ظروف كتلك التي تتحدث عنها لوقا ٧:٣٦-٣٨؟ (ب) كيف تجاوب سمعان؟
٧ تخيَّلوا نفسكم مكان يسوع آنذاك. فكيف كنتم ستتصرفون؟ هل كنتم ستشعرون بالاحراج عندما تقترب منكم هذه المرأة؟ كيف كانت حادثة كهذه ستؤثر فيكم؟ (لوقا ٧:٤٥) هل كنتم سترتعبون وتخافون؟
٨ وإذا كنتم بين الضيوف الآخرين، فهل كنتم ستفكرون مثل سمعان الفريسي؟ «فلما رأى الفريسي الذي دعاه ذلك، قال في نفسه: ‹لو كان هذا الانسان نبيا، لَعرف من هي المرأة التي تلمسه وما هي، انها خاطئة›». (لوقا ٧:٣٩) بالتباين، كان يسوع رجلا يتحلى برأفة كبيرة. فقد تفهَّم الحرج الذي تشعر به هذه المرأة وشعر باضطرابها. نحن لا نعرف ماذا دفعها الى العيش حياة خطية. وإذا كانت بغيًّا حقا، فمن الواضح ان الرجال في البلدة، اليهود المتدينين، لم يساعدوها.
٩ ماذا فعل يسوع، وماذا ربما كانت النتيجة؟
٩ لكنَّ يسوع اراد مساعدتها. فقال لها: «مغفورة خطاياك». ثم اضاف: «ايمانك قد خلصك؛ اذهبي بسلام». (لوقا ٧:٤٨-٥٠) وهنا تنتهي الرواية. ربَّ معترض يقول ان يسوع لم يفعل الكثير من اجلها. فقد ارسلها بعدما باركها. ولكن هل تعتقدون انها ربما عادت الى طريقة حياتها الرديئة؟ في حين انه لا يمكننا الجزم، لاحظوا ما قاله لوقا بعدئذ. فقد روى ان يسوع سافر «من مدينة الى مدينة ومن قرية الى قرية، يكرز ويبشر بملكوت اللّٰه». كما ذكر ان «نساء» كنّ مع يسوع وتلاميذه، «يخدمنهم من ممتلكاتهن». فلربما كانت هذه المرأة التائبة والشاكرة بين هؤلاء النساء، اذ ابتدأت بحياة تقوى بضمير طاهر، قصد جديد لحياتها، ومحبة اعمق بكثير للّٰه. — لوقا ٨:١-٣.
الفرق بين يسوع والفريسيين
١٠ لماذا من المفيد التأمل في رواية يسوع والمرأة في بيت سمعان؟
١٠ ماذا يمكن ان نتعلم من هذه الرواية المؤثرة؟ ألا تثير مشاعرنا؟ تخيَّلوا انكم كنتم في بيت سمعان. فكيف كنتم ستشعرون؟ هل كنتم ستتجاوبون مع ما فعله يسوع ام تشعرون كما شعر مضيفه الفريسي؟ لقد كان يسوع ابن اللّٰه، لذلك لا يمكننا ان نشعر ونتصرف مثله تماما. من ناحية ثانية، قد لا نحب ان نفكر اننا كسمعان الفريسي. فقليلون هم الذين يفتخرون بكونهم فريسيين.
١١ لماذا لا نريد ان نُصنَّف بين الفريسيين؟
١١ نستنتج من البحث في الكتاب المقدس والادلة الدنيوية ان الفريسيين اعتبروا انفسهم بفخر حُمَاة المصلحة العامة وخير الامة. ولم يعجبهم ان تكون شريعة اللّٰه واضحة وسهلة الفهم. وحيثما رأوا ان الشريعة غير محدَّدة، سعوا الى سد الثغرات الظاهرية بتطبيقات محدَّدة لإزالة اية حاجة الى استخدام الضمير. فقد حاول القادة الدينيون اختراع مبدإ يملي على المرء كيف يجب ان يتصرف في كل القضايا، حتى التافهة منها.a
١٢ كيف كان الفريسيون يعتبرون انفسهم؟
١٢ يوضح المؤرخ اليهودي في القرن الاول يوسيفوس ان الفريسيين اعتبروا انفسهم لطفاء، رقيقين، غير متحيزين، ومؤهلين تماما لمهمتهم. ولا شك ان بعضا منهم كان كذلك. ولربما يخطر نيقوديموس على بالكم. (يوحنا ٣:١، ٢؛ ٧:٥٠، ٥١) وبعد فترة، اعتنق بعض منهم المسيحية. (اعمال ١٥:٥) كتب الرسول المسيحي بولس عن بعض اليهود، بمَن فيهم الفريسيون: «لهم غيرة للّٰه؛ ولكن ليس حسب المعرفة الدقيقة». (روما ١٠:٢) لكنَّ الاناجيل تصوِّرهم كما كانت عامة الشعب تراهم: متكبرين، متغطرسين، ذوي برّ ذاتي، انتقاديين، ميالين الى الادانة، ويحطّون من قدر الآخرين.
نظرة يسوع
١٣ ماذا قال يسوع عن الفريسيين؟
١٣ انتقد يسوع الكتبة والفريسيين واصفا اياهم انهم ريائيون. «يربطون احمالا ثقيلة ويضعونها على اكتاف الناس، ولا يريدون هم ان يحركوها بإصبعهم». نعم، كان الحمل ثقيلا، والنير المفروض على الناس قاسيا. حتى ان يسوع دعا الكتبة والفريسيين «حمقى». والاحمق يشكِّل تهديدا للمجتمع. ودعاهم ايضا ‹قادة عميانا› وقال انهم ‹تجاهلوا اثقل ما في الشريعة، اي العدل والرحمة والامانة›. فمَن يريد ان يعتبره يسوع فريسيا؟ — متى ٢٣:١-٤، ١٦، ١٧، ٢٣.
١٤، ١٥ (أ) ماذا تكشف تعاملات يسوع مع متى لاوي عن صفات الفريسيين؟ (ب) اية دروس مهمة نتعلمها من هذه الرواية؟
١٤ يمكن لكل مَن يقرأ روايات الاناجيل تقريبا ان يرى طبع معظم الفريسيين الانتقادي. بعدما دعا يسوع متى لاوي، جابي الضرائب، ان يصير تلميذا، صنع له لاوي وليمة استقبال كبيرة. تقول الرواية: «عندئذ شرع الفريسيون وكتبتهم يتذمرون قائلين لتلاميذه: ‹لماذا تأكلون وتشربون مع جباة ضرائب وخطاة؟›. فأجاب يسوع وقال لهم: ‹ . . . ما جئت لأدعو ابرارا، بل خطاة الى التوبة›». — لوقا ٥:٢٧-٣٢.
١٥ فهم لاوي امرا آخر قاله يسوع في تلك المناسبة: «فاذهبوا وتعلَّموا ما معنى: ‹اريد رحمة لا ذبيحة›». (متى ٩:١٣) فرغم ان الفريسيين ادَّعوا الايمان بكتابات الانبياء العبرانيين، لم يقبلوا هذه العبارة في هوشع ٦:٦. فقد كانوا يحرصون ان يتقيدوا بالتقليد حتى لو كان ذلك على حساب تقصيرهم في اظهار الرحمة. ويمكن لكلٍّ منا ان يسأل نفسه: ‹هل انا معروف بأني شديد التمسك ببعض القواعد، مثل القواعد التي تعكس آراء شخصية او طرائق شائعة لمعالجة مسألة معيَّنة؟ ام هل يعتبر الآخرون ان الرحمة واللطف هما من ابرز صفاتي؟›.
١٦ كيف كان طبع الفريسيين، وكيف يمكن ان نتجنب التصرف مثلهم؟
١٦ الانتقاد، ثم الانتقاد، ثم الانتقاد. هذا كان طبع الفريسيين. فقد بحثوا عن كل عيب — سواء كان حقيقيا ام خياليا. وأبقوا الشعب في موقع الاتهام وذكَّروهم بضعفاتهم. كما افتخروا بتقديم عشور الاعشاب الصغيرة جدا، كالنعنع والشِّبِث والكمون. وأظهروا تقواهم بلباسهم وحاولوا السيطرة على الامة. دون شك، يجب ان نتجنب الميل الى البحث المستمر عن عيوب الآخرين وإبرازها اذا كنا نريد ان تكون تصرفاتنا على غرار المسيح.
كيف حلّ يسوع المشاكل؟
١٧-١٩ (أ) أوضحوا كيف تصرف يسوع في وضع كان يمكن ان تكون له عواقب خطيرة؟ (ب) ماذا جعل الوضع مُجهِدا ومزعجا؟ (ج) كيف كنتم ستتصرفون لو كنتم هناك عندما اقتربت المرأة من يسوع؟
١٧ كانت طريقة يسوع في حلّ المشاكل مختلفة كل الاختلاف عن طريقة الفريسيين. تأملوا كيف تصرف يسوع في وضع كان يمكن ان يكون حرجا جدا. كان الامر يتعلق بامرأة بها سيل دم منذ ١٢ سنة. ويمكنكم قراءة هذه الرواية في لوقا ٨:٤٢-٤٨.
١٨ تقول رواية مرقس ان المرأة كانت «مرتاعة ومرتعدة». (مرقس ٥:٣٣) ولماذا؟ دون شك، لأنها عرفت انها خالفت شريعة اللّٰه. فبحسب اللاويين ١٥:٢٥-٢٨، كانت المرأة التي بها سيل دم غير عادي نجسة طوال مدة هذا السيل، إضافة الى اسبوع السيل العادي. وكان كل ما او مَن تمسه يصير نجسا. ولتقترب هذه المرأة من يسوع، كان عليها ان تشق طريقها عبر الجموع. وعندما نقرأ هذه الرواية بعد ٠٠٠,٢ سنة، نتعاطف مع هذه المرأة في الوضع الحرج الذي مرت به.
١٩ فلو كنتم هناك آنذاك، فكيف كنتم ستنظرون الى هذا الوضع؟ ماذا كنتم ستقولون؟ لاحظوا ان يسوع كان لطيفا ومحبا ومراعيا لمشاعر هذه المرأة، حتى انه لم يلمِّح الى اية مشاكل ربما تسبَّبت بها له. — مرقس ٥:٣٤.
٢٠ ايّ تحدٍّ كنا سنواجهه لو كانت اللاويين ١٥:٢٥-٢٨ مطلبا اليوم؟
٢٠ هل يمكن ان نتعلم شيئا من هذه الحادثة؟ افترضوا انكم شيخ في الجماعة المسيحية اليوم. وافترضوا ايضا ان اللاويين ١٥:٢٥-٢٨ مطلب مسيحي اليوم وأن امرأة مسيحية خالفت هذه الشريعة وهي مضطربة وتحس انها منبوذة. فكيف تتصرفون؟ هل تذلونها علنا بمشورة انتقادية؟ قد تقولون: «كلا، لن افعل ذلك ابدا! اقتداء بمثال يسوع، ابذل كل جهدي لأكون لطيفا، محبا، مراعيا لمشاعرها وحاجاتها». حسنا! ولكنَّ التحدي هو العمل بهذا الكلام، الاقتداء بمثال يسوع.
٢١ ماذا علَّم يسوع الناس عن الشريعة؟
٢١ عموما، جلب يسوع الانتعاش للناس، رفع معنوياتهم، وشجَّعهم. فعندما كانت شريعة اللّٰه محدَّدة كانت تعني ما تقوله. أما عندما بدت عمومية فكان يجب على المرء استخدام ضميره بحيث يُظهِر محبته للّٰه بواسطة القرارات التي يتَّخذها. فقد كانت الشريعة مرنة. (مرقس ٢:٢٧، ٢٨) واللّٰه احب شعبه، عمل باستمرار من اجل خيرهم، وكان مستعدا ان يُظهِر لهم الرحمة عندما يزلون. وهذا ما فعله يسوع ايضا. — يوحنا ١٤:٩.
-