مكتبة برج المراقبة الإلكترونية
برج المراقبة
المكتبة الإلكترونية
العربية
  • الكتاب المقدس
  • المطبوعات
  • الاجتماعات
  • ‏«حاجَّهم منطقيا من الاسفار المقدسة»‏
    اشهدوا كاملا عن ملكوت اللّٰه
    • الفصل ١٧

      ‏«حَاجَّهُمْ مَنْطِقِيًّا مِنَ ٱلْأَسْفَارِ ٱلْمُقَدَّسَةِ»‏

      أَسَاسُ ٱلتَّعْلِيمِ ٱلْفَعَّالِ وَمِثَالُ أَهْلِ بِيرِيَةَ ٱلْحَسَنُ

      مُؤَسَّسٌ عَلَى ٱلْأَعْمَال ١٧:‏١-‏١٥

      ١،‏ ٢ مَنْ يُسَافِرُ مِنْ فِيلِبِّي إِلَى تَسَالُونِيكِي،‏ وَأَيُّ تَسَاؤُلَاتٍ رُبَّمَا تَخْطُرُ عَلَى بَالِهِمْ؟‏

      يَخُوضُ ٱلرِّجَالُ ٱلثَّلَاثَةُ،‏ بُولُسُ وَسِيلَا وَتِيمُوثَاوُسُ،‏ غِمَارَ سَفْرَةٍ جَدِيدَةٍ.‏ يَسِيرُونَ عَلَى طَرِيقٍ رُومَانِيَّةٍ مُتْقَنَةٍ تَمْتَدُّ مَعَ ٱمْتِدَادِ ٱلْجِبَالِ ٱلْوَعِرَةِ.‏ تَتَنَاهَى إِلَى مَسَامِعِهِمْ أَصْوَاتُ ٱلدَّوَالِيبِ مُقَرْقِعَةً عَلَى ٱلْحِجَارَةِ ٱلْمُتَرَاصِفَةِ،‏ نَهِيقُ ٱلْحَمِيرِ تَنُوءُ بِأَثْقَالِهَا،‏ وَجَلَبَةُ ٱلْمُسَافِرِينَ عَلَى أَجْنَاسِهِمْ مِنْ جُنُودٍ وَتُجَّارٍ وَحِرَفِيِّينَ.‏ رِحْلَتُهُمْ طَوِيلَةٌ.‏ هِيَ أَكْثَرُ مِنْ ١٣٠ كلم تَفْصِلُ بَيْنَ فِيلِبِّي وَتَسَالُونِيكِي.‏ فَيَتَقَدَّمُونَ بِشِقِّ ٱلنَّفْسِ،‏ وَلَا سِيَّمَا بُولُسُ وَسِيلَا ٱللَّذَانِ ذَاقَا طَعْمَ عِصِيِّ فِيلِبِّي.‏ فَكَيْفَ لِلسَّفَرِ أَنْ يَهُونَ عَلَيْهِمَا وَجِرَاحَاتُهُمَا لَمْ تَلْتَئِمْ بَعْدُ؟‏!‏ —‏ اع ١٦:‏٢٢،‏ ٢٣‏.‏

      ٢ لَا بُدَّ أَنَّ ٱلْأَحَادِيثَ ٱلْمُشَجِّعَةَ تَشْغَلُهُمَا عَنِ ٱلتَّفْكِيرِ فِي ٱلطَّرِيقِ ٱلطَّوِيلَةِ أَمَامَهُمَا.‏ فَهَلْ يُنْسَى ٱلسَّجَّانُ ٱلَّذِي ٱعْتَنَقَ ٱلْحَقَّ هُوَ وَأَهْلُ بَيْتِهِ فِي فِيلِبِّي؟‏!‏ لَا شَكَّ أَنَّ هٰذِهِ ٱلذِّكْرَى لَا تَزَالُ حَيَّةً فِي أَذْهَانِ ٱلْمُسَافِرِينَ ٱلثَّلَاثَةِ،‏ فَتُشَدِّدُ عَزْمَهُمْ أَكْثَرَ فَأَكْثَرَ عَلَى ٱلْمُنَادَاةِ بِكَلِمَةِ ٱللّٰهِ.‏ وَلٰكِنْ إِذْ تَلُوحُ مَدِينَةُ تَسَالُونِيكِي ٱلسَّاحِلِيَّةُ فِي ٱلْأُفُقِ ٱلْبَعِيدِ،‏ لَعَلَّهُمْ يَتَسَاءَلُونَ فِي قُلُوبِهِمْ:‏ ‹تُرَى كَيْفَ يُعَامِلُنَا ٱلْيَهُودُ هُنَاكَ؟‏ هَلْ يُهَاجِمُونَنَا أَوْ يَضْرِبُونَنَا كَمَا أَهْلُ فِيلِبِّي؟‏›.‏

      ٣ كَيْفَ يُفِيدُنَا مِثَالُ بُولُسَ فِي ٱسْتِجْمَاعِ ٱلْجُرْأَةِ ٱللَّازِمَةِ لِلْكِرَازَةِ؟‏

      ٣ كَشَفَ لَنَا بُولُسُ عَنْ مَشَاعِرِهِ فِي رِسَالَةٍ كَتَبَهَا لَاحِقًا إِلَى مَسِيحِيِّي تَسَالُونِيكِي.‏ ذَكَرَ:‏ «بَعْدَمَا تَأَلَّمْنَا أَوَّلًا وَلَقِينَا ٱلْإِهَانَةَ وَٱلْإِسَاءَةَ فِي فِيلِبِّي (‏كَمَا تَعْرِفُونَ)‏،‏ ٱسْتَجْمَعْنَا ٱلْجُرْأَةَ بِإِلٰهِنَا لِنُكَلِّمَكُمْ بِبِشَارَةِ ٱللّٰهِ بِجِهَادٍ كَثِيرٍ».‏ (‏١ تس ٢:‏٢‏)‏ تَدُلُّ هٰذِهِ ٱلْكَلِمَاتُ أَنَّ ٱلرَّسُولَ كَانَ مُتَوَجِّسًا نَوْعًا مَا مِنْ دُخُولِ ٱلْمَدِينَةِ،‏ لَا سِيَّمَا بَعْدَ مَا حَدَثَ فِي فِيلِبِّي.‏ فَهَلْ سَبَقَ أَنْ مَرَرْتَ بِحَالَةٍ مُمَاثِلَةٍ؟‏ هَلْ شَعَرْتَ أَحْيَانًا أَنَّكَ تُجَاهِدُ لِتُنَادِيَ بِٱلْبِشَارَةِ؟‏ بُولُسُ مِنْ جِهَتِهِ ٱتَّكَلَ عَلَى يَهْوَهَ لِيُقَوِّيَهُ وَيُسَاعِدَهُ عَلَى ٱسْتِجْمَاعِ ٱلْجُرْأَةِ.‏ وَإِذَا تَفَحَّصْتَ تَجْرِبَتَهُ،‏ يُمْكِنُكَ أَنْتَ أَيْضًا أَنْ تَحْذُوَ حَذْوَهُ فَتَخْتَبِرُ ٱلْمُسَاعَدَةَ ٱلْإِلٰهِيَّةَ.‏ —‏ ١ كو ٤:‏١٦‏.‏

      ‏«حَاجَّهُمْ مَنْطِقِيًّا مِنَ ٱلْأَسْفَارِ ٱلْمُقَدَّسَةِ» (‏اعمال ١٧:‏١-‏٣‏)‏

      ٤ لِمَ يُرَجَّحُ أَنَّ إِقَامَةَ بُولُسَ فِي تَسَالُونِيكِي دَامَتْ أَكْثَرَ مِنْ ثَلَاثَةِ أَسَابِيعَ؟‏

      ٤ تُخْبِرُنَا ٱلرِّوَايَةُ أَنَّ بُولُسَ كَرَزَ فِي ٱلْمَجْمَعِ ثَلَاثَةَ سُبُوتٍ أَثْنَاءَ إِقَامَتِهِ فِي تَسَالُونِيكِي.‏ فَهَلْ يَعْنِي ذٰلِكَ أَنَّ زِيَارَتَهُ دَامَتْ ثَلَاثَةَ أَسَابِيعَ فَقَطْ؟‏ لَيْسَ بِٱلضَّرُورَةِ.‏ فَنَحْنُ لَا نَعْرِفُ كَمِ ٱنْقَضَى مِنَ ٱلْوَقْتِ بَيْنَ وُصُولِهِ إِلَى ٱلْمَدِينَةِ وَذَهَابِهِ إِلَى ٱلْمَجْمَعِ لِأَوَّلِ مَرَّةٍ.‏ أَضِفْ إِلَى ذٰلِكَ أَنَّ رِسَالَتَيْهِ إِلَى أَهْلِ تَسَالُونِيكِي تَكْشِفَانِ أَنَّهُ عَمِلَ هُوَ وَرَفِيقَاهُ لِإِعَالَةِ أَنْفُسِهِمْ أَثْنَاءَ إِقَامَتِهِمْ فِي ٱلْمَدِينَةِ.‏ (‏١ تس ٢:‏٩؛‏ ٢ تس ٣:‏٧،‏ ٨‏)‏ وَفِي تِلْكَ ٱلْمُدَّةِ أَيْضًا،‏ ٱسْتَلَمَ بُولُسُ مَرَّتَيْنِ مَعُونَةً مِنَ ٱلْإِخْوَةِ فِي فِيلِبِّي.‏ (‏في ٤:‏١٦‏)‏ لِذَا مِنَ ٱلْمُرَجَّحِ أَنَّهُ مَكَثَ هُنَاكَ أَكْثَرَ مِنْ ثَلَاثَةِ أَسَابِيعَ.‏

      ٥ كَيْفَ سَعَى بُولُسُ إِلَى جَذْبِ ٱنْتِبَاهِ ٱلنَّاسِ؟‏

      ٥ بَعْدَمَا ٱسْتَجْمَعَ ٱلرَّسُولُ ٱلْجُرْأَةَ لِلْكِرَازَةِ،‏ تَحَدَّثَ إِلَى ٱلْحُضُورِ فِي ٱلْمَجْمَعِ.‏ وَحَسَبَ عَادَتِهِ،‏ «حَاجَّهُمْ مَنْطِقِيًّا مِنَ ٱلْأَسْفَارِ ٱلْمُقَدَّسَةِ .‏ .‏ .‏ شَارِحًا وَمُبَرْهِنًا بِشَوَاهِدَ أَنَّ ٱلْمَسِيحَ كَانَ يَجِبُ أَنْ يَتَأَلَّمَ وَيَقُومَ مِنَ ٱلْأَمْوَاتِ،‏ وَقَائِلًا:‏ ‹هٰذَا هُوَ ٱلْمَسِيحُ،‏ إِنَّهُ يَسُوعُ ٱلَّذِي أَنَا أُنَادِي لَكُمْ بِهِ›».‏ (‏اع ١٧:‏٢،‏ ٣‏)‏ لَاحِظْ أَنَّ بُولُسَ لَمْ يَهْدِفْ إِلَى تَهْيِيجِ مَشَاعِرِ سَامِعِيهِ،‏ بَلْ عَمَدَ إِلَى مُخَاطَبَةِ عُقُولِهِمْ.‏ فَقَدْ عَرَفَ أَنَّهُمْ مُطَّلِعُونَ عَلَى ٱلْأَسْفَارِ ٱلْمُقَدَّسَةِ وَيُكِنُّونَ لَهَا ٱلِٱحْتِرَامَ،‏ لٰكِنَّهُمْ لَا يَفْهَمُونَهَا كَامِلًا.‏ لِذٰلِكَ حَاجَّهُمْ مَنْطِقِيًّا شَارِحًا وَمُبَرْهِنًا مِنْ هٰذِهِ ٱلْأَسْفَارِ أَنَّ يَسُوعَ ٱلنَّاصِرِيَّ هُوَ ٱلْمَسِيَّا أَوِ ٱلْمَسِيحُ ٱلْمَوْعُودُ بِهِ.‏

      ٦ كَيْفَ حَاجَّ يَسُوعُ مَنْطِقِيًّا مِنَ ٱلْأَسْفَارِ ٱلْمُقَدَّسَةِ،‏ وَبِأَيِّ نَتِيجَةٍ؟‏

      ٦ اِتَّبَعَ بُولُسُ مِثَالَ ٱلْمَسِيحِ ٱلَّذِي ٱعْتَمَدَ ٱلْأَسْفَارَ ٱلْمُقَدَّسَةَ أَسَاسًا لِتَعْلِيمِهِ.‏ عَلَى سَبِيلِ ٱلْمِثَالِ،‏ أَخْبَرَ يَسُوعُ أَتْبَاعَهُ خِلَالَ خِدْمَتِهِ ٱلْعَلَنِيَّةِ أَنَّ ٱلْأَسْفَارَ ٱلْمُقَدَّسَةَ تُنْبِئُ بِمُعَانَاةِ ٱبْنِ ٱلْإِنْسَانِ وَمَوْتِهِ وَقِيَامَتِهِ.‏ (‏مت ١٦:‏٢١‏)‏ وَلَا شَكَّ أَنَّ مُجَرَّدَ ظُهُورِهِ عَلَى تَلَامِيذِهِ بَعْدَ قِيَامَتِهِ كَانَ كَافِيًا لِيُبَرْهِنَ صِدْقَ كَلِمَاتِهِ.‏ غَيْرَ أَنَّهُ لَمْ يَقِفْ عِنْدَ هٰذَا ٱلْحَدِّ.‏ فَٱلْكِتَابُ ٱلْمُقَدَّسُ يُطْلِعُنَا أَنَّهُ ظَهَرَ لِٱثْنَيْنِ مِنْ تَلَامِيذِهِ «وَفَسَّرَ لَهُمَا،‏ مُبْتَدِئًا مِنْ مُوسَى وَكُلِّ ٱلْأَنْبِيَاءِ،‏ مَا يَخْتَصُّ بِهِ فِي ٱلْأَسْفَارِ ٱلْمُقَدَّسَةِ كُلِّهَا».‏ وَمِنَ ٱلْوَاضِحِ أَنَّهُ تَرَكَ أَبْلَغَ ٱلْأَثَرِ فِيهِمَا.‏ فَقَدْ قَالَا:‏ «أَلَمْ تَكُنْ قُلُوبُنَا مُتَّقِدَةً إِذْ كَانَ يُكَلِّمُنَا فِي ٱلطَّرِيقِ وَيَشْرَحُ لَنَا ٱلْأَسْفَارَ ٱلْمُقَدَّسَةَ؟‏».‏ —‏ لو ٢٤:‏١٣،‏ ٢٧،‏ ٣٢‏.‏

      ٧ مَا أَهَمِّيَّةُ ٱلِٱسْتِنَادِ إِلَى ٱلْأَسْفَارِ ٱلْمُقَدَّسَةِ فِي تَعْلِيمِنَا؟‏

      ٧ تَحْمِلُ كَلِمَةُ ٱللّٰهِ فِي طَيَّاتِهَا رِسَالَةً فَعَّالَةً.‏ (‏عب ٤:‏١٢‏)‏ لِذٰلِكَ نَبْنِي نَحْنُ ٱلْمَسِيحِيِّينَ ٱلْيَوْمَ تَعَالِيمَنَا عَلَيْهَا أُسْوَةً بِيَسُوعَ وَبُولُسَ وَبَاقِي ٱلرُّسُلِ.‏ فَنَحْنُ نُحَاجُّ ٱلنَّاسَ مَنْطِقِيًّا،‏ شَارِحِينَ لَهُمُ ٱلْأَسْفَارَ ٱلْمُقَدَّسَةَ وَمُبَرْهِنِينَ تَعَالِيمَنَا بِقِرَاءَةِ ٱلْآيَاتِ مُبَاشَرَةً مِنَ ٱلْكِتَابِ ٱلْمُقَدَّسِ.‏ فَفِي ٱلنِّهَايَةِ إِنَّ ٱلرِّسَالَةَ ٱلَّتِي نَحْمِلُهَا لَيْسَتْ مِنَّا،‏ بَلْ مِنَ ٱللّٰهِ.‏ وَحِينَ نَفْتَحُ ٱلْكِتَابَ ٱلْمُقَدَّسَ مِرَارًا،‏ نُسَاعِدُ سَامِعِينَا عَلَى ٱلتَّمْيِيزِ أَنَّنَا نُنَادِي بِتَعَالِيمَ إِلٰهِيَّةٍ،‏ لَا بِأَفْكَارِنَا ٱلْخَاصَّةِ.‏ وَلْنُبْقِ فِي بَالِنَا أَيْضًا أَنَّ ٱلرِّسَالَةَ ٱلَّتِي نَكْرِزُ بِهَا جَدِيرَةٌ بِٱلثِّقَةِ مِئَةً فِي ٱلْمِئَةِ لِأَنَّ لَهَا أَسَاسًا مَتِينًا مِنْ كَلِمَةِ ٱللّٰهِ.‏ وَهٰكَذَا نَتَشَجَّعُ عَلَى ٱلْمُنَادَاةِ بِٱلْبِشَارَةِ بِجُرْأَةٍ مِثْلَمَا فَعَلَ بُولُسُ.‏

      ‏«صَارَ بَعْضٌ مِنْهُمْ مُؤْمِنِينَ» (‏اعمال ١٧:‏٤-‏٩‏)‏

      ٨-‏١٠ (‏أ)‏ أَيُّ أَثَرٍ تَرَكَتْهُ ٱلْبِشَارَةُ فِي أَهْلِ تَسَالُونِيكِي؟‏ (‏ب)‏ لِمَ غَارَ بَعْضُ ٱلْيَهُودِ مِنْ بُولُسَ؟‏ (‏ج)‏ مَاذَا فَعَلَ ٱلْمُقَاوِمُونَ ٱلْيَهُودُ؟‏

      ٨ سَبَقَ لِبُولُسَ أَنْ لَمَسَ صِحَّةَ كَلِمَاتِ يَسُوعَ ٱلتَّالِيَةِ:‏ «لَيْسَ عَبْدٌ أَعْظَمَ مِنْ سَيِّدِهِ.‏ إِنْ كَانُوا قَدِ ٱضْطَهَدُونِي فَسَيَضْطَهِدُونَكُمْ أَيْضًا،‏ وَإِنْ كَانُوا قَدْ حَفِظُوا كَلِمَتِي فَسَيَحْفَظُونَ كَلِمَتَكُمْ أَيْضًا».‏ (‏يو ١٥:‏٢٠‏)‏ وَمَدِينَةُ تَسَالُونِيكِي لَا تَشِذُّ عَنْ هٰذِهِ ٱلْقَاعِدَةِ.‏ فَقَدِ ٱنْقَسَمَ مُسْتَمِعُو بُولُسَ إِلَى فَرِيقَيْنِ.‏ فَمِنْهُمْ مَنْ حَفِظُوا ٱلْكَلِمَةَ بِرَغْبَةٍ شَدِيدَةٍ؛‏ وَمِنْهُمْ مَنْ قَاوَمُوهَا.‏ يَصِفُ لُوقَا ٱلْفَرِيقَ ٱلْأَوَّلَ قَائِلًا:‏ «صَارَ بَعْضٌ مِنَ [ٱلْيَهُودِ] مُؤْمِنِينَ [مَسِيحِيِّينَ] وَٱنْضَمُّوا إِلَى بُولُسَ وَسِيلَا،‏ وَكَذٰلِكَ جُمْهُورٌ كَثِيرٌ مِنَ ٱلْيُونَانِيِّينَ ٱلْعَابِدِينَ ٱللّٰهَ وَعَدَدٌ غَيْرُ قَلِيلٍ مِنَ ٱلنِّسَاءِ ٱلْأَعْيَانِ».‏ (‏اع ١٧:‏٤‏)‏ وَلَا رَيْبَ أَنَّ هٰؤُلَاءِ ٱلتَّلَامِيذَ ٱلْجُدُدَ فَرِحُوا لِأَنَّهُمْ نَالُوا ٱلْمُسَاعَدَةَ عَلَى فَهْمِ ٱلْأَسْفَارِ ٱلْمُقَدَّسَةِ.‏

      ٩ فِي ٱلْمَقْلَبِ ٱلْآخَرِ،‏ ٱغْتَاظَ بَعْضُ ٱلْيَهُودِ مِنْ بُولُسَ وَصَرُّوا بِأَسْنَانِهِمْ عَلَيْهِ.‏ فَقَدْ غَارُوا مِنْهُ لِأَنَّهُ ٱسْتَمَالَ قُلُوبَ «جُمْهُورٍ كَثِيرٍ مِنَ ٱلْيُونَانِيِّينَ».‏ فَهُمْ كَانُوا يَصُبُّونَ جُهُودَهُمْ عَلَى تَهْوِيدِ ٱلْيُونَانِيِّينَ ٱلْأُمَمِيِّينَ،‏ وَرَاحُوا يُعَلِّمُونَهُمُ ٱلْأَسْفَارَ ٱلْعِبْرَانِيَّةَ.‏ فَبَاتُوا يَنْظُرُونَ إِلَيْهِمْ نَظْرَةً تَمَلُّكِيَّةً.‏ وَإِذَا بِبُولُسَ «يَسْرِقُ» مِنْهُمْ هٰؤُلَاءِ ٱلْيُونَانِيِّينَ وَفِي عُقْرِ دَارِهِمْ أَيْضًا!‏

      بولس وسيلا يهربان من حشد هائج الی ساحة لها بوابة

      ‏«طلبوا إحضارهما الى الحشد الهائج».‏ —‏ اعمال ١٧:‏٥

      ١٠ فَمَاذَا فَعَلَ ٱلْمُقَاوِمُونَ ٱلْيَهُودُ؟‏ يَكْشِفُ لُوقَا رَدَّةَ فِعْلِهِمْ،‏ قَائِلًا:‏ «وَغَارَ ٱلْيَهُودُ،‏ فَٱتَّخَذُوا رِجَالًا أَشْرَارًا بَطَّالِينَ مِنْ سَاحَةِ ٱلسُّوقِ،‏ وَأَلَّفُوا جَمْعًا مِنَ ٱلرَّعَاعِ،‏ وَأَثَارُوا ٱلشَّغَبَ فِي ٱلْمَدِينَةِ.‏ ثُمَّ هَجَمُوا عَلَى بَيْتِ يَاسُونَ وَطَلَبُوا إِحْضَارَهُمَا [بُولُسَ وَسِيلَا] إِلَى ٱلْحَشْدِ ٱلْهَائِجِ.‏ وَلَمَّا لَمْ يَجِدُوهُمَا جَرُّوا يَاسُونَ وَبَعْضَ ٱلْإِخْوَةِ إِلَى حُكَّامِ ٱلْمَدِينَةِ،‏ صَارِخِينَ:‏ ‹إِنَّ هٰؤُلَاءِ ٱلَّذِينَ قَلَبُوا ٱلْمَسْكُونَةَ هُمْ حَاضِرُونَ هُنَا أَيْضًا،‏ وَقَدْ أَضَافَهُمْ يَاسُونُ.‏ وَهٰؤُلَاءِ كُلُّهُمْ يَعْمَلُونَ ضِدَّ مَرَاسِيمِ قَيْصَرَ،‏ قَائِلِينَ إِنَّهُ يُوجَدُ مَلِكٌ آخَرُ هُوَ يَسُوعُ›».‏ (‏اع ١٧:‏٥-‏٧‏)‏ فَكَيْفَ أَثَّرَ جَمْعُ ٱلرَّعَاعِ هٰذَا فِي بُولُسَ وَمَنْ مَعَهُ؟‏

      ١١ بِمَ ٱتُّهِمَ بُولُسُ وَمَنْ مَعَهُ،‏ وَإِلَى أَيِّ مَرْسُومٍ رُبَّمَا لَمَّحَ ٱلْمُتَّهِمُونَ؟‏ (‏اُنْظُرِ ٱلْحَاشِيَةَ.‏)‏

      ١١ تَخَيَّلْ هُجُومَ ٱلرَّعَاعِ ٱلْبَشِعَ عَلَى بَيْتِ يَاسُونَ.‏ نَهْرٌ عَنِيفٌ هَائِجٌ يَجْتَاحُ كُلَّ مَا يَقِفُ فِي طَرِيقِهِ.‏ هٰكَذَا هُمُ ٱلرَّعَاعُ،‏ وَهٰكَذَا ٱخْتَارَ ٱلْيَهُودُ ٱلتَّخَلُّصَ مِنْ بُولُسَ وَسِيلَا!‏ ثُمَّ بَعْدَ أَنْ «أَثَارُوا ٱلشَّغَبَ» فِي ٱلْمَدِينَةِ،‏ حَاوَلُوا إِقْنَاعَ ٱلْحُكَّامِ بِخُطُورَةِ جُرْمِ ٱلرَّسُولِ وَمَنْ مَعَهُ.‏ فَٱتَّهَمُوهُمْ أَوَّلًا بِأَنَّهُمْ «قَلَبُوا ٱلْمَسْكُونَةَ» مَعَ أَنَّهُمْ لَيْسُوا مَنْ أَغْرَقَ ٱلْمَدِينَةَ فِي ٱلْفَوْضَى.‏ أَمَّا ٱلتُّهْمَةُ ٱلثَّانِيَةُ فَكَانَتْ أَخْطَرَ بِكَثِيرٍ.‏ فَقَدْ زَعَمُوا أَنَّهُمْ يُنَادُونَ بِمَلِكٍ آخَرَ هُوَ يَسُوعُ،‏ مُنْتَهِكِينَ بِذٰلِكَ مَرَاسِيمَ ٱلْإِمْبَرَاطُورِ.‏a

      ١٢ مَا مَدَى خُطُورَةِ وَضْعِ ٱلْمَسِيحِيِّينَ فِي تَسَالُونِيكِي؟‏

      ١٢ تَذَكَّرْ أَنَّ ٱلْقَادَةَ ٱلدِّينِيِّينَ وَجَّهُوا تُهْمَةً مُمَاثِلَةً إِلَى يَسُوعَ.‏ فَقَدْ قَالُوا لِلْحَاكِمِ بِيلَاطُسَ:‏ «وَجَدْنَا هٰذَا يُفْسِدُ أُمَّتَنَا .‏ .‏ .‏ وَيَقُولُ إِنَّهُ هُوَ مَسِيحٌ مَلِكٌ».‏ (‏لو ٢٣:‏٢‏)‏ فَحَكَمَ عَلَيْهِ بِيلَاطُسُ بِٱلْمَوْتِ،‏ إِذْ رُبَّمَا خَافَ أَنْ يَظُنَّ ٱلْإِمْبَرَاطُورُ أَنَّهُ غَضَّ ٱلطَّرْفَ عَنْ خِيَانَةٍ عُظْمَى.‏ وَٱلْمَسِيحِيُّونَ فِي تَسَالُونِيكِي لَمْ يَكُونُوا أَفْضَلَ حَالًا مِنْ مُعَلِّمِهِمْ.‏ يَذْكُرُ أَحَدُ ٱلْمَرَاجِعِ:‏ «أَحْدَقَ بِهِمْ خَطَرٌ عَظِيمٌ جِدًّا.‏ ‹فَمُجَرَّدُ ٱلتَّلْمِيحِ إِلَى خِيَانَةِ ٱلْأَبَاطِرَةِ أَوْدَى فِي أَغْلَبِ ٱلْأَحْيَانِ بِحَيَاةِ ٱلْمُتَّهَمِينَ›».‏ فَهَلْ يُؤَدِّي هٰذَا ٱلْهُجُومُ ٱلضَّارِي ٱلْغَرَضَ مِنْهُ وَيَقْضِي عَلَى ٱلْمَسِيحِيِّينَ؟‏

      ١٣،‏ ١٤ (‏أ)‏ لِمَ فَشِلَ ٱلرَّعَاعُ فِي هُجُومِهِمْ؟‏ (‏ب)‏ كَيْفَ تَصَرَّفَ بُولُسُ بِحَذَرٍ عَمَلًا بِمَشُورَةِ ٱلْمَسِيحِ،‏ وَكَيْفَ نَقْتَدِي بِمِثَالِهِ؟‏

      ١٣ فَشِلَ ٱلرَّعَاعُ فِي وَضْعِ حَدٍّ لِعَمَلِ ٱلْكِرَازَةِ فِي تَسَالُونِيكِي.‏ لِمَاذَا؟‏ مِنْ جِهَةٍ،‏ لَمْ يَعْثُرُوا عَلَى بُولُسَ وَسِيلَا.‏ وَمِنْ جِهَةٍ أُخْرَى،‏ لَمْ يَقْتَنِعْ حُكَّامُ ٱلْمَدِينَةِ بِصِحَّةِ ٱلتُّهْمَتَيْنِ عَلَى مَا يَبْدُو.‏ لِذٰلِكَ طَلَبُوا «كَفَالَةً» ثُمَّ أَطْلَقُوا سَرَاحَ يَاسُونَ وَسَائِرِ ٱلْإِخْوَةِ ٱلَّذِينَ ٱقْتِيدُوا إِلَيْهِمْ.‏ (‏اع ١٧:‏٨،‏ ٩‏)‏ فِي هٰذِهِ ٱلْحَادِثَةِ،‏ عَمِلَ ٱلرَّسُولُ بِمَشُورَةِ يَسُوعَ أَنْ يَكُونَ ٱلْمَسِيحِيُّونَ «حَذِرِينَ كَٱلْحَيَّاتِ،‏ وَأَبْرِيَاءَ كَٱلْحَمَامِ»،‏ فَتَفَادَى بِحِكْمَةٍ ٱلْخَطَرَ لِيُوَاصِلَ ٱلْبِشَارَةَ فِي مَنَاطِقَ أُخْرَى.‏ (‏مت ١٠:‏١٦‏)‏ مِنَ ٱلْوَاضِحِ إِذًا أَنَّهُ رَسَمَ خَطًّا فَاصِلًا بَيْنَ ٱلْجُرْأَةِ وَٱلتَّهَوُّرِ.‏ فَكَيْفَ يَقْتَدِي ٱلْمَسِيحِيُّونَ ٱلْيَوْمَ بِمِثَالِهِ؟‏

      ١٤ غَالِبًا مَا يُهَيِّجُ رِجَالُ دِينِ ٱلْعَالَمِ ٱلْمَسِيحِيِّ ٱلرَّعَاعَ ضِدَّ شُهُودِ يَهْوَهَ.‏ وَهُمْ أَيْضًا يَلْعَبُونَ بِعُقُولِ ٱلْحُكَّامِ مُحَرِّضِينَهُمْ عَلَى ٱلشُّهُودِ بِتُهْمَةِ إِثَارَةِ ٱلْفِتَنِ وَٱلْخِيَانَةِ.‏ وَعَلَى غِرَارِ ٱلْمُقَاوِمِينَ فِي ٱلْقَرْنِ ٱلْأَوَّلِ،‏ تَغْلِي ٱلْغَيْرَةُ فِي قُلُوبِهِمْ.‏ وَلٰكِنْ تَحْتَ أَيِّ ظَرْفٍ كَانَ،‏ لَا يُعَرِّضُ ٱلْمَسِيحِيُّونَ ٱلْحَقِيقِيُّونَ أَنْفُسَهُمْ لِلْخَطَرِ عَمْدًا.‏ لِذٰلِكَ نَتَجَنَّبُ قَدْرَ ٱلْإِمْكَانِ مُوَاجَهَةَ مَنْ يَفْقِدُونَ أَعْصَابَهُمْ وَيَتَصَرَّفُونَ بِغَيْرِ عَقْلَانِيَّةٍ.‏ وَنَسْعَى إِلَى مُوَاصَلَةِ عَمَلِنَا بِسَلَامٍ،‏ فَنَخْتَارُ رُبَّمَا ٱلْعَوْدَةَ فِي وَقْتٍ لَاحِقٍ حِينَ يَهْدَأُ ٱلْجَوُّ.‏

      اَلْقَيَاصِرَةُ فِي حِقْبَةِ أَعْمَالِ ٱلرُّسُلِ

      تَقَعُ أَحْدَاثُ سِفْرِ ٱلْأَعْمَالِ،‏ بَلِ ٱلْأَسْفَارِ ٱلْيُونَانِيَّةِ كُلِّهَا،‏ ضِمْنَ حُدُودِ ٱلْإِمْبَرَاطُورِيَّةِ ٱلرُّومَانِيَّةِ.‏ لِذَا مَثَّلَ ٱلْإِمْبَرَاطُورُ ٱلرُّومَانِيُّ فِي هٰذِهِ ٱلْكِتَابَاتِ أَعْلَى مَرْجِعِيَّةٍ دُنْيَوِيَّةٍ.‏ عَلَى سَبِيلِ ٱلْمِثَالِ،‏ حِينَ تَحَدَّثَ يَهُودُ تَسَالُونِيكِي عَنْ «مَرَاسِيمِ قَيْصَرَ»،‏ كَانُوا يُشِيرُونَ إِلَى إِمْبَرَاطُورِ رُومَا.‏ (‏اع ١٧:‏٧‏)‏ وَقَدْ تَوَالَى أَرْبَعَةُ أَبَاطِرَةٍ عَلَى ٱلْعَرْشِ خِلَالَ ٱلْحِقْبَةِ ٱلَّتِي يُغَطِّيهَا سِفْرُ ٱلْأَعْمَالِ،‏ هُمْ:‏ طِيبَارِيُوسُ،‏ غَايُسُ،‏ كُلُودِيُوسُ ٱلْأَوَّلُ،‏ وَنَيْرُونُ.‏ إِلَيْكَ فِي مَا يَلِي نُبْذَةً عَنْ كُلٍّ مِنْهُمْ.‏

      • طِيبَارِيُوسُ.‏ (‏١٤-‏٣٧ ب‌م)‏ حَكَمَ إِمْبَرَاطُورًا طِيلَةَ خِدْمَةِ يَسُوعَ وَفِي ٱلسَّنَوَاتِ ٱلْأُولَى بُعَيْدَ تَأْسِيسِ ٱلْجَمَاعَةِ ٱلْمَسِيحِيَّةِ.‏ وَإِلَيْهِ هُوَ أَشَارَ ٱلْيَهُودُ حِينَ صَرَخُوا إِلَى بِيلَاطُسَ فِي مُحَاكَمَةِ يَسُوعَ،‏ قَائِلِينَ:‏ «إِنْ أَطْلَقْتَ هٰذَا ٱلرَّجُلَ،‏ فَلَسْتَ صَدِيقًا لِقَيْصَرَ .‏ .‏ .‏ لَيْسَ لَنَا مَلِكٌ إِلَّا قَيْصَرُ».‏ —‏ يو ١٩:‏١٢،‏ ١٥‏.‏

      • غَايُسُ.‏ (‏٣٧-‏٤١ ب‌م)‏ يُعْرَفُ أَيْضًا بِٱلِٱسْمِ كَالِيغُولَا.‏ وَلَا تَأْتِي ٱلْأَسْفَارُ ٱلْيُونَانِيَّةُ ٱلْمَسِيحِيَّةُ عَلَى ذِكْرِهِ.‏

      • كُلُودِيُوسُ ٱلْأَوَّلُ.‏ (‏٤١-‏٥٤ ب‌م)‏ يَذْكُرُهُ سِفْرُ ٱلْأَعْمَالِ بِٱلِٱسْمِ مَرَّتَيْنِ.‏ فَٱلْإِصْحَاحُ ١١ ٱلْعَدَدُ ٢٨ يُخْبِرُ عَنْ «مَجَاعَةٍ عَظِيمَةٍ» أَتَتْ «عَلَى ٱلْمَسْكُونَةِ كُلِّهَا .‏ .‏ .‏ فِي زَمَنِ كُلُودِيُوسَ»،‏ إِتْمَامًا لِكَلِمَاتِ ٱلنَّبِيِّ ٱلْمَسِيحِيِّ أَغَابُوسَ.‏ كَمَا نَقْرَأُ فِي ٱلْأَعْمَال ١٨:‏١،‏ ٢ أَنَّ «كُلُودِيُوسَ كَانَ قَدْ أَمَرَ كُلَّ ٱلْيَهُودِ أَنْ يَرْحَلُوا عَنْ رُومَا» وَفْقًا لِمَرْسُومٍ أَصْدَرَهُ عَامَ ٤٩ أَوْ أَوَائِلَ ٱلْعَامِ ٥٠ ب‌م.‏ نَتِيجَةً لِذٰلِكَ،‏ ٱنْتَقَلَ أَكِيلَا وَبِرِيسْكِلَّا إِلَى كُورِنْثُوسَ حَيْثُ ٱلْتَقَيَا ٱلرَّسُولَ بُولُسَ.‏

      • نَيْرُونُ.‏ (‏٥٤-‏٦٨ ب‌م)‏ هُوَ ٱلْقَيْصَرُ ٱلَّذِي رَفَعَ بُولُسُ دَعْوَاهُ إِلَيْهِ.‏ (‏اع ٢٥:‏١١‏)‏ يُقَالُ إِنَّهُ ٱتَّهَمَ ٱلْمَسِيحِيِّينَ فِي وَقْتٍ لَاحِقٍ بِٱلْحَرِيقِ ٱلَّذِي دَمَّرَ جُزْءًا كَبِيرًا مِنْ رُومَا نَحْوَ ٱلْعَامِ ٦٤ ب‌م.‏ بُعَيْدَ ذٰلِكَ،‏ أَيْ قُرَابَةَ ٱلسَّنَةِ ٦٥،‏ سُجِنَ بُولُسُ لِلْمَرَّةِ ٱلثَّانِيَةِ فِي رُومَا ثُمَّ أُعْدِمَ.‏

      ‏«كَانَ هٰؤُلَاءِ أَشْرَفَ خُلُقًا» (‏اعمال ١٧:‏١٠-‏١٥‏)‏

      ١٥ كَيْفَ تَجَاوَبَ أَهْلُ بِيرِيَةَ مَعَ ٱلْبِشَارَةِ؟‏

      ١٥ حِرْصًا عَلَى سَلَامَةِ بُولُسَ وَسِيلَا،‏ أَرْسَلَهُمَا ٱلْإِخْوَةُ إِلَى بِيرِيَةَ ٱلَّتِي تَبْعُدُ ٦٥ كلم تَقْرِيبًا.‏ وَعِنْدَ وُصُولِهِمَا،‏ ذَهَبَ بُولُسُ إِلَى ٱلْمَجْمَعِ وَخَاطَبَ ٱلْحَاضِرِينَ هُنَاكَ.‏ وَكَمْ سَرَّهُ دُونَ شَكٍّ أَنْ يَخْطُبَ فِي حُضُورٍ مُتَعَطِّشٍ لِلْحَقِّ!‏ فَقَدْ ذَكَرَ لُوقَا أَنَّ يَهُودَ بِيرِيَةَ كَانُوا «أَشْرَفَ خُلُقًا مِنَ ٱلَّذِينَ فِي تَسَالُونِيكِي،‏ لِأَنَّهُمْ قَبِلُوا ٱلْكَلِمَةَ بِرَغْبَةٍ شَدِيدَةٍ،‏ فَاحِصِينَ بِٱعْتِنَاءٍ ٱلْأَسْفَارَ ٱلْمُقَدَّسَةَ يَوْمِيًّا هَلْ هٰذِهِ ٱلْأُمُورُ هٰكَذَا».‏ (‏اع ١٧:‏١٠،‏ ١١‏)‏ وَلٰكِنْ هَلْ تَحُطُّ كَلِمَاتُهُ هٰذِهِ مِنْ شَأْنِ يَهُودِ تَسَالُونِيكِي ٱلَّذِينَ ٱعْتَنَقُوا ٱلْحَقَّ؟‏ إِطْلَاقًا!‏ فَقَدْ رَاسَلَهُمْ بُولُسُ فِي وَقْتٍ لَاحِقٍ،‏ قَائِلًا:‏ «نَحْنُ أَيْضًا نَشْكُرُ ٱللّٰهَ بِلَا ٱنْقِطَاعٍ،‏ لِأَنَّكُمْ لَمَّا تَسَلَّمْتُمْ كَلِمَةَ ٱللّٰهِ ٱلَّتِي سَمِعْتُمُوهَا مِنَّا،‏ قَبِلْتُمُوهَا لَا كَكَلِمَةِ أُنَاسٍ،‏ بَلْ كَمَا هِيَ حَقًّا كَكَلِمَةِ ٱللّٰهِ ٱلَّتِي تَعْمَلُ أَيْضًا فِيكُمْ أَنْتُمُ ٱلْمُؤْمِنِينَ».‏ (‏١ تس ٢:‏١٣‏)‏ فَلِمَ ٱلْقَوْلُ إِذًا إِنَّ يَهُودَ بِيرِيَةَ كَانُوا «أَشْرَفَ خُلُقًا»؟‏

      ١٦ لِمَ ٱسْتَحَقَّ أَهْلُ بِيرِيَةَ ٱلْمَدْحَ مِنْ لُوقَا؟‏

      ١٦ رَغْمَ أَنَّ أَهْلَ بِيرِيَةَ كَانُوا يَسْمَعُونَ مَعْلُومَاتٍ جَدِيدَةً،‏ لَمْ يَرْتَابُوا فِيهَا وَلَا بَالَغُوا فِي ٱنْتِقَادِهَا.‏ لٰكِنَّهُمْ فِي ٱلْوَقْتِ نَفْسِهِ لَمْ يُقَابِلُوهَا بِسَذَاجَةٍ.‏ فَقَدْ أَصْغَوْا أَوَّلًا بِٱنْتِبَاهٍ إِلَى بُولُسَ،‏ ثُمَّ تَحَقَّقُوا مِمَّا تَعَلَّمُوهُ بِٱلرُّجُوعِ إِلَى ٱلْأَسْفَارِ ٱلْمُقَدَّسَةِ ٱلَّتِي شَرَحَهَا لَهُمْ.‏ أَضِفْ إِلَى ذٰلِكَ أَنَّهُمُ ٱجْتَهَدُوا فِي دَرْسِ كَلِمَةِ ٱللّٰهِ كُلَّ يَوْمٍ،‏ لَا يَوْمَ ٱلسَّبْتِ فَقَطْ.‏ وَقَدِ ٱتَّخَذُوا كُلَّ هٰذِهِ ٱلْخُطُوَاتِ «بِرَغْبَةٍ شَدِيدَةٍ» بَاذِلِينَ غَايَةَ جُهْدِهِمْ فِي ٱلتَّنْقِيبِ عَنِ ٱلْحَقَائِقِ ٱلْمُخَبَّأَةِ فِي ٱلْأَسْفَارِ ٱلْمُقَدَّسَةِ عَلَى ضَوْءِ مَا تَعَلَّمُوهُ حَدِيثًا.‏ وَفَوْقَ هٰذَا كُلِّهِ تَحَلَّوْا بِٱلتَّوَاضُعِ ٱللَّازِمِ لِصُنْعِ ٱلتَّغْيِيرَاتِ،‏ «فَصَارَ كَثِيرُونَ مِنْهُمْ مُؤْمِنِينَ».‏ (‏اع ١٧:‏١٢‏)‏ فَهَلْ مِنْ عَجَبٍ أَنْ يُشِيدَ لُوقَا بِذِكْرِهِمْ؟‏!‏

      ١٧ لِمَ مِثَالُ أَهْلِ بِيرِيَةَ جَدِيرٌ بِٱلِٱقْتِدَاءِ،‏ وَكَيْفَ نُوَاصِلَ ٱلتَّمَثُّلَ بِهِمْ بِصَرْفِ ٱلنَّظَرِ عَنْ عَدَدِ ٱلسِّنِينَ ٱلَّتِي قَضَيْنَاهَا فِي ٱلْحَقِّ؟‏

      ١٧ لَمْ يَعْرِفْ أَهْلُ بِيرِيَةَ أَنَّ تَجَاوُبَهُمْ مَعَ ٱلْبِشَارَةِ سَيُحْفَظُ فِي كَلِمَةِ ٱللّٰهِ وَيَتَرَدَّدُ صَدَاهُ حَتَّى يَوْمِنَا هٰذَا.‏ غَيْرَ أَنَّهُمْ حَقَّقُوا آمَالَ بُولُسَ وَفَعَلُوا بِٱلضَّبْطِ مَا يَطْلُبُهُ يَهْوَهُ ٱللّٰهُ.‏ وَبِشَكْلٍ مُمَاثِلٍ،‏ نُشَجِّعُ نَحْنُ أَيْضًا ٱلنَّاسَ عَلَى تَفَحُّصِ ٱلْكِتَابِ ٱلْمُقَدَّسِ بِدِقَّةٍ،‏ فَيُبْنَى إِيمَانُهُمْ بِشَكْلٍ مَتِينٍ عَلَيْهِ.‏ وَلٰكِنْ هَلِ ٱلِٱقْتِدَاءُ بِأَهْلِ بِيرِيَةَ ضَرُورِيٌّ فَقَطْ لِمَنْ يَدْرُسُونَ ٱلْحَقَّ؟‏ قَطْعًا لَا!‏ بَلْ عَلَى ٱلْعَكْسِ،‏ تَتَضَاعَفُ بِمُرُورِ ٱلْوَقْتِ حَاجَتُنَا أَنْ نَتَعَلَّمَ مِنْ يَهْوَهَ بِرَغْبَةٍ شَدِيدَةٍ وَنُطَبِّقَ مَا نَتَعَلَّمُهُ دُونَمَا تَأْخِيرٍ.‏ وَهٰكَذَا نُتِيحُ لِأَنْفُسِنَا ٱلْفُرْصَةَ أَنْ يَصُوغَنَا يَهْوَهُ وَيُدَرِّبَنَا وَفْقَ مَشِيئَتِهِ.‏ (‏اش ٦٤:‏٨‏)‏ فَنَظَلُّ نَافِعِينَ لِأَبِينَا ٱلسَّمَاوِيِّ وَمَرْضِيِّينَ جِدًّا أَمَامَهُ.‏

      ١٨،‏ ١٩ (‏أ)‏ لِمَ غَادَرَ بُولُسُ بِيرِيَةَ،‏ وَكَيْفَ أَعْرَبَ عَنْ مُثَابَرَةٍ جَدِيرَةٍ بِٱلِٱقْتِدَاءِ؟‏ (‏ب)‏ أَيْنَ كَرَزَ بُولُسُ تَالِيًا،‏ وَمِمَّنْ تَأَلَّفَ حُضُورُهُ؟‏

      ١٨ لَمْ يُطِلْ بُولُسُ ٱلْمُكُوثَ فِي بِيرِيَةَ.‏ نَقْرَأُ:‏ «حِينَ عَلِمَ ٱلْيَهُودُ ٱلَّذِينَ مِنْ تَسَالُونِيكِي أَنَّ بُولُسَ يُنَادِي بِكَلِمَةِ ٱللّٰهِ فِي بِيرِيَةَ أَيْضًا،‏ جَاءُوا إِلَى هُنَاكَ لِيُحَرِّضُوا ٱلْحُشُودَ وَيُهِيجُوهُمْ.‏ حِينَئِذٍ أَرْسَلَ ٱلْإِخْوَةُ بُولُسَ حَالًا لِيَذْهَبَ إِلَى ٱلْبَحْرِ،‏ أَمَّا سِيلَا وَتِيمُوثَاوُسُ فَبَقِيَا هُنَاكَ.‏ وَٱلَّذِينَ رَافَقُوا بُولُسَ أَتَوْا بِهِ إِلَى أَثِينَا،‏ ثُمَّ رَحَلُوا بَعْدَمَا أَخَذُوا وَصِيَّةً إِلَى سِيلَا وَتِيمُوثَاوُسَ بِأَنْ يَأْتِيَا إِلَيْهِ بِأَسْرَعِ مَا يُمْكِنُ».‏ (‏اع ١٧:‏١٣-‏١٥‏)‏ لَمْ يَكْتَفِ يَهُودُ تَسَالُونِيكِي بِطَرْدِ بُولُسَ مِنْ مَدِينَتِهِمْ،‏ بَلْ سَافَرُوا إِلَى بِيرِيَةَ وَحَاوَلُوا أَنْ يُعِيدُوا ٱلْكَرَّةَ هُنَاكَ أَيْضًا.‏ حَقًّا،‏ عِنَادٌ مَا بَعْدَهُ عِنَادٌ!‏ لٰكِنَّ جُهُودَهُمْ كُلَّهَا ذَهَبَتْ هَبَاءً.‏ فَقَدْ عَرَفَ بُولُسُ أَنَّ مُقَاطَعَتَهُ شَاسِعَةٌ،‏ فَٱنْتَقَلَ بِكُلِّ بَسَاطَةٍ لِلْكِرَازَةِ فِي بُقْعَةٍ أُخْرَى.‏ وَفِي ذٰلِكَ مِثَالٌ لَنَا.‏ فَلْنَعْقِدِ ٱلْعَزْمَ عَلَى إِحْبَاطِ أَيِّ مَسْعًى يَهْدِفُ إِلَى إِيقَافِ عَمَلِ ٱلْكِرَازَةِ!‏

      ١٩ لَا شَكَّ أَنَّ بُولُسَ تَعَلَّمَ ٱلْكَثِيرَ عَنْ أَهَمِّيَّةِ ٱلْكِرَازَةِ بِجُرْأَةٍ وَٱلْمُحَاجَّةِ مَنْطِقِيًّا مِنَ ٱلْأَسْفَارِ ٱلْمُقَدَّسَةِ بَعْدَمَا أَدَّى شَهَادَةً كَامِلَةً لِيَهُودِ تَسَالُونِيكِي وَبِيرِيَةَ.‏ وَنَحْنُ بِدَوْرِنَا ٱسْتَقَيْنَا دُرُوسًا قَيِّمَةً مِنْ تَفَحُّصِ هٰذِهِ ٱلْحَوَادِثِ.‏ لٰكِنَّ ٱلرَّسُولَ كَانَ سَيُوَاجِهُ فِي مُقَاطَعَتِهِ ٱلتَّالِيَةِ حُضُورًا مُخْتَلِفًا كُلِّيًّا،‏ أَلَا وَهُوَ أُمَمِيُّو أَثِينَا.‏ فَمَاذَا جَرَى فِي تِلْكَ ٱلْمَدِينَةِ؟‏ هٰذَا مَا يُنَاقِشُهُ ٱلْفَصْلُ ٱلتَّالِي.‏

      a وَفْقًا لِأَحَدِ ٱلْعُلَمَاءِ،‏ كَانَ هُنَاكَ فِي تِلْكَ ٱلْفَتْرَةِ مَرْسُومٌ أَصْدَرَهُ قَيْصَرُ يَمْنَعُ ٱلتَّنَبُّؤَ «بِقِيَامِ مَمْلَكَةٍ جَدِيدَةٍ أَوْ مَلِكٍ جَدِيدٍ،‏ وَخُصُوصًا فِي حَالِ قِيلَ إِنَّ هٰذَا ٱلْمَلِكَ سَيُحَاسِبُ ٱلْإِمْبَرَاطُورَ ٱلْحَالِيَّ أَوْ يَحِلُّ مَحَلَّهُ».‏ وَمِنَ ٱلْمُرَجَّحِ أَنَّ أَعْدَاءَ بُولُسَ شَوَّهُوا رِسَالَتَهُ وَصَوَّرُوهَا عَلَى أَنَّهَا ٱنْتِهَاكٌ لِهٰذَا ٱلْمَرْسُومِ.‏ اُنْظُرِ ٱلْإِطَارَ «‏اَلْقَيَاصِرَةُ فِي حِقْبَةِ أَعْمَالِ ٱلرُّسُلِ‏».‏

  • ‏‹اطلبوا اللّٰه فتجدوه›‏
    اشهدوا كاملا عن ملكوت اللّٰه
    • الفصل ١٨

      ‏‹اُطْلُبُوا ٱللّٰهَ فَتَجِدُوهُ›‏

      بُولُسُ يَتَكَيَّفُ مَعَ سَامِعِيهِ وَيَبْنِي عَلَى نِقَاطٍ مُشْتَرَكَةٍ

      مُؤَسَّسٌ عَلَى ٱلْأَعْمَال ١٧:‏١٦-‏٣٤

      ١-‏٣ (‏أ)‏ لِمَ ٱضْطَرَبَ ٱلرَّسُولُ بُولُسُ فِي أَثِينَا؟‏ (‏ب)‏ مَاذَا نَتَعَلَّمُ مِنَ ٱلتَّأَمُّلِ فِي مِثَالِ بُولُسَ؟‏

      يَغْلِي ٱلدَّمُ فِي عُرُوقِ بُولُسَ.‏ إِنَّهُ ٱلْآنَ فِي مَدِينَةِ أَثِينَا ٱلْيُونَانِيَّةِ،‏ عَاصِمَةِ ٱلثَّقَافَةِ حَيْثُ حَاضَرَ قَبْلَ قُرُونٍ سُقْرَاطُ وَأَفْلَاطُونُ وَأَرِسْطُو.‏ لٰكِنَّ أَهْلَ أَثِينَا ٱلْمُتَدَيِّنِينَ أَغْرَقُوا ٱلْمَدِينَةَ بِتَمَاثِيلَ لآِلِهَةٍ لَا تُعَدُّ وَلَا تُحْصَى.‏ أَصْنَامٌ عَلَى أَصْنَامٍ تَمْلَأُ ٱلْهَيَاكِلَ وَٱلسَّاحَاتِ وَٱلشَّوَارِعَ!‏ يَعْرِفُ هٰذَا ٱلرَّسُولُ ٱلْأَمِينُ رَأْيَ يَهْوَهَ ٱلْإِلٰهِ ٱلْحَقِّ فِي ٱلصَّنَمِيَّةِ،‏ فَكَيْفَ لَهُ أَنْ يُطِيقَ رُؤْيَتَهَا؟‏!‏ —‏ خر ٢٠:‏٤،‏ ٥‏.‏

      ٢ وَفَوْرَ دُخُولِ بُولُسَ سَاحَةَ ٱلسُّوقِ ٱلْمَلْأَى بِٱلْمَزَارَاتِ،‏ يَقَعُ بَصَرُهُ عَلَى مَنْظَرٍ تَقْشَعِرُّ لَهُ ٱلْأَبْدَانُ:‏ عَدَدٍ هَائِلٍ مِنْ تَمَاثِيلِ ٱلْإِلٰهِ هِرْمِسَ ٱلَّتِي تُبْرِزُ أَعْضَاءَهُ ٱلتَّنَاسُلِيَّةَ تَشْغَلُ ٱلنَّاحِيَةَ ٱلشَّمَالِيَّةَ ٱلْغَرْبِيَّةَ قُرْبَ ٱلْمَدْخَلِ ٱلرَّئِيسِيِّ!‏ فَكَيْفَ سَيُنَادِي ٱلرَّسُولُ ٱلْغَيُورُ بِٱلْبِشَارَةِ فِي جَوٍّ مُشْبَعٍ بِٱلصَّنَمِيَّةِ؟‏ هَلْ يَتَمَالَكُ نَفْسَهُ وَيَجِدُ قَوَاسِمَ مُشْتَرَكَةً مَعَ حُضُورِهِ؟‏ وَهَلْ يُوَفَّقُ فِي مُسَاعَدَةِ أَيٍّ مِنْهُمْ عَلَى طَلَبِ وَإِيجَادِ ٱلْإِلٰهِ ٱلْحَقِّ؟‏

      ٣ إِنَّ خِطَابَ بُولُسَ أَمَامَ رِجَالِ أَثِينَا ٱلْمُثَقَّفِينَ كَمَا هُوَ مُدَوَّنٌ فِي ٱلْأَعْمَال ١٧:‏٢٢-‏٣١ لَمِثَالٌ فِي ٱللَّبَاقَةِ وَٱلْفَصَاحَةِ وَحُسْنِ ٱلتَّمْيِيزِ.‏ وَبِٱلتَّمَعُّنِ فِيهِ نَسْتَقِي ٱلْكَثِيرَ مِنَ ٱلدُّرُوسِ عَنْ إِيجَادِ أَرْضِيَّةٍ مُشْتَرَكَةٍ مَعَ سَامِعِينَا وَمُسَاعَدَتِهِمْ عَلَى ٱلتَّحْلِيلِ مَنْطِقِيًّا.‏

      يُعَلِّمُ «فِي سَاحَةِ ٱلسُّوقِ» (‏اعمال ١٧:‏١٦-‏٢١‏)‏

      ٤،‏ ٥ أَيْنَ بَشَّرَ بُولُسُ فِي أَثِينَا،‏ وَمَنْ ضَمَّ حُضُورُهُ؟‏

      ٤ زَارَ بُولُسُ أَثِينَا نَحْوَ ٱلْعَامِ ٥٠ ب‌م خِلَالَ رِحْلَتِهِ ٱلْإِرْسَالِيَّةِ ٱلثَّانِيَةِ.‏a وَفِيمَا كَانَ مُنْتَظِرًا وُصُولَ سِيلَا وَتِيمُوثَاوُسَ مِنْ بِيرِيَةَ،‏ أَخَذَ ٱلرَّسُولُ كَعَادَتِهِ «يُحَاجُّ مَنْطِقِيًّا ٱلْيَهُودَ» فِي ٱلْمَجْمَعِ.‏ غَيْرَ أَنَّهُ حَاوَلَ أَيْضًا بُلُوغَ سُكَّانِ أَثِينَا غَيْرِ ٱلْيَهُودِ،‏ فَقَصَدَ «سَاحَةَ ٱلسُّوقِ» أَوِ ٱلْأَغُورَا.‏ (‏اع ١٧:‏١٧‏)‏ كَانَتِ ٱلْأَغُورَا تَقَعُ شَمَالَ غَرْبِ ٱلْأَكْرُوبُول،‏ وَقَدْ بَلَغَتْ مِسَاحَتُهَا حَوَالَيْ خَمْسِينَ أَلْفَ مِتْرٍ مُرَبَّعٍ.‏ وَلَمْ تَكُنْ هٰذِهِ مُجَرَّدَ رُقْعَةٍ مِنَ ٱلْأَرْضِ مُخَصَّصَةٍ لِعَمَلِيَّاتِ ٱلْبَيْعِ وَٱلشِّرَاءِ.‏ فَقَدْ كَانَتِ ٱلسَّاحَةَ ٱلْعَامَّةَ فِي ٱلْمَدِينَةِ.‏ يَصِفُهَا أَحَدُ ٱلْمَرَاجِعِ بِأَنَّهَا «قَلْبُ ٱلْمَدِينَةِ ٱلِٱقْتِصَادِيُّ وَٱلسِّيَاسِيُّ وَٱلثَّقَافِيُّ».‏ وَقَدْ سُرَّ ٱلْأَثِينِيُّونَ بِٱلِٱلْتِقَاءِ هُنَاكَ لِيَخُوضُوا فِي نِقَاشَاتٍ فِكْرِيَّةٍ.‏

      ٥ وَفِي هٰذِهِ ٱلسَّاحَةِ،‏ وَاجَهَ بُولُسُ حُضُورًا صَعْبًا.‏ فَمِنْ جُمْلَةِ سَامِعِيهِ كَانَ هُنَاكَ ٱلْأَبِيقُورِيُّونَ وَٱلرِّوَاقِيُّونَ ٱلَّذِينَ ٱنْتَمَوْا إِلَى مَدْرَسَتَيْنِ فَلْسَفِيَّتَيْنِ مُتَنَافِسَتَيْنِ.‏b اِعْتَقَدَ ٱلْأَبِيقُورِيُّونَ مِنْ جِهَتِهِمْ أَنَّ ٱلْحَيَاةَ وُجِدَتْ بِٱلصُّدْفَةِ.‏ وَعُصَارَةُ فِكْرِهِمْ تُلَخَّصُ بِٱلْآتِي:‏ «لَا خَوْفَ مِنَ ٱللّٰهِ؛‏ لَا عَذَابَ بَعْدَ ٱلْمَوْتِ؛‏ اَلْخَيْرُ يُمْكِنُ إِدْرَاكُهُ؛‏ اَلشَّرُّ يُمْكِنُ تَحَمُّلُهُ».‏ أَمَّا ٱلرِّوَاقِيُّونَ فَشَدَّدُوا عَلَى ٱلْعَقْلِ وَٱلْمَنْطِقِ وَلَمْ يُؤْمِنُوا أَنَّ ٱللّٰهَ كَائِنٌ لَهُ شَخْصِيَّةٌ.‏ وَلٰكِنْ لَا ٱلْأَبِيقُورِيُّونَ وَلَا ٱلرِّوَاقِيُّونَ آمَنُوا بِٱلْقِيَامَةِ كَمَا عَلَّمَهَا تَلَامِيذُ ٱلْمَسِيحِ.‏ مِنَ ٱلْوَاضِحِ إِذًا أَنَّ مَفَاهِيمَهُمُ ٱلْفَلْسَفِيَّةَ لَمْ تَتَوَافَقْ مَعَ ٱلْحَقَائِقِ ٱلسَّامِيَةِ ٱلَّتِي حَمَلَتْهَا ٱلْمَسِيحِيَّةُ ٱلْحَقَّةُ وَنَادَى بِهَا ٱلرَّسُولُ بُولُسُ.‏

      أَثِينَا:‏ عَاصِمَةُ ٱلثَّقَافَةِ فِي ٱلْعَالَمِ ٱلْقَدِيمِ

      كَانَ أَكْرُوبُول أَثِينَا فِي ٱلْأَصْلِ قَلْعَةً حَصِينَةً قَبْلَ وَقْتٍ طَوِيلٍ مِنْ بِدَايَةِ تَسْجِيلِ تَارِيخِ ٱلْمَدِينَةِ فِي ٱلْقَرْنِ ٱلسَّابِعِ قَبْلَ ٱلْمِيلَادِ.‏ وَقَدْ أَصْبَحَتْ أَثِينَا ٱلْمَدِينَةَ ٱلرَّئِيسِيَّةَ فِي إِقْلِيمِ أَتِيكَا،‏ فَهَيْمَنَتْ عَلَى مِسَاحَةٍ تُقَارِبُ ٥٠٠‏,٢ كِيلُومِتْرٍ مُرَبَّعٍ يُحِيطُ بِهَا ٱلْبَحْرُ وَٱلْجِبَالُ.‏ أَمَّا ٱسْمُهَا فَيَبْدُو مُرْتَبِطًا بِٱلْإِلَاهَةِ أَثِينَا،‏ حَامِيَةِ ٱلْمَدِينَةِ.‏

      فِي ٱلْقَرْنِ ٱلسَّادِسِ قَبْلَ ٱلْمِيلَادِ،‏ أَدْخَلَ مُشْتَرِعٌ أَثْينَوِيٌّ يُدْعَى صُولُون إِصْلَاحَاتٍ ٱجْتِمَاعِيَّةً وَسِيَاسِيَّةً وَقَضَائِيَّةً وَٱقْتِصَادِيَّةً فِي ٱلْمَدِينَةِ.‏ فَحَسَّنَ مُسْتَوَى مَعِيشَةِ ٱلْفُقَرَاءِ وَأَرْسَى حَجَرَ ٱلْأَسَاسِ لِنِظَامِ حُكْمٍ دِيمُوقْرَاطِيٍّ.‏ غَيْرَ أَنَّ هٰذِهِ ٱلدِّيمُوقْرَاطِيَّةَ لَمْ تَشْمُلْ سِوَى ٱلْأَحْرَارِ فَقَطْ،‏ فِيمَا رَزَحَ قِسْمٌ كَبِيرٌ مِنَ ٱلسُّكَّانِ تَحْتَ نِيرِ ٱلْعُبُودِيَّةِ.‏

      عَقِبَ ٱلِٱنْتِصَارَاتِ ٱلْيُونَانِيَّةِ عَلَى ٱلْفُرْسِ فِي ٱلْقَرْنِ ٱلْخَامِسِ قَبْلَ ٱلْمِيلَادِ،‏ بَاتَتْ أَثِينَا عَاصِمَةَ إِمْبَرَاطُورِيَّةٍ صَغِيرَةٍ ٱمْتَدَّتْ تِجَارَتُهَا ٱلْبَحْرِيَّةُ مِنْ إِيطَالِيَا وَصِقِلِّيَةَ غَرْبًا حَتَّى قُبْرُصَ وَسُورِيَّةَ شَرْقًا.‏ وَفِي عَصْرِهَا ٱلذَّهَبِيِّ،‏ كَانَتِ ٱلْمَدِينَةُ ٱلْعَاصِمَةَ ٱلثَّقَافِيَّةَ فِي ٱلْعَالَمِ ٱلْقَدِيمِ وَلَمَعَ نَجْمُهَا فِي ٱلْفُنُونِ وَٱلْمَسْرَحِ وَٱلْفَلْسَفَةِ وَٱلْخِطَابَةِ وَٱلْعُلُومِ وَٱلْكِتَابَةِ.‏ كَمَا زُيِّنَتْ بِٱلْعَدِيدِ مِنَ ٱلْهَيَاكِلِ وَٱلْمَبَانِي ٱلْعَامَّةِ.‏ أَمَّا أَوَّلُ مَا ٱسْتَأْثَرَ بِٱنْتِبَاهِ ٱلْقَادِمِينَ إِلَيْهَا فَكَانَ ٱلْأَكْرُوبُول،‏ تَلٌّ مَهِيبٌ ٱنْتَصَبُ فَوْقَهُ ٱلْبَارْثِينُونُ ٱلَّذِي ٱحْتَوَى تِمْثَالًا مِنَ ٱلذَّهَبِ وَٱلْعَاجِ لِلْإِلَاهَةِ أَثِينَا طُولُهُ ١٢ م.‏

      سَقَطَتْ أَثِينَا فِي يَدِ ٱلْإِسْبَارْطِيِّينَ ثُمَّ ٱلْمَقْدُونِيِّينَ وَأَخِيرًا ٱلرُّومَانِ ٱلَّذِينَ نَهَبُوا ثَرَوَاتِهَا.‏ مَعَ ذٰلِكَ،‏ كَانَتِ ٱلْمَدِينَةُ أَيَّامَ ٱلرَّسُولِ بُولُسَ لَا تَزَالُ تَتَمَتَّعُ بِمَكَانَةٍ خَاصَّةٍ بِفَضْلِ تَارِيخِهَا ٱلْعَرِيقِ.‏ حَتَّى إِنَّ رُومَا لَمْ تَضُمَّهَا قَطُّ إِلَى أَيٍّ مِنْ وِلَايَاتِهَا،‏ بَلْ أَعْفَتْهَا مِنَ ٱلضَّرَائِبِ وَأَعْطَتْهَا حَقَّ ٱلتَّشْرِيعِ.‏ وَمَعَ أَنَّ نَجْمَهَا كَانَ قَدْ خَبَا بِحُلُولِ ذٰلِكَ ٱلْوَقْتِ،‏ ظَلَّتْ أَثِينَا مَدِينَةً جَامِعِيَّةً يَقْصِدُهَا أَبْنَاءُ ٱلْأَثْرِيَاءِ طَلَبًا لِلْعِلْمِ.‏

      ٦،‏ ٧ كَيْفَ قَابَلَ بَعْضُ ٱلْمُثَقَّفِينَ ٱلْيُونَانِيِّينَ تَعْلِيمَ بُولُسَ،‏ وَكَيْفَ نُوَاجِهُ نَحْنُ ٱلْيَوْمَ حَالَةً مُمَاثِلَةً؟‏

      ٦ فَكَيْفَ قَابَلَ ٱلْمُثَقَّفُونَ ٱلْيُونَانِيُّونَ تَعْلِيمَ بُولُسَ؟‏ لَقَدْ وَصَفَهُ ٱلْبَعْضُ بِأَنَّهُ «مِهْذَارٌ»،‏ مُسْتَعْمِلِينَ كَلِمَةً يُونَانِيَّةً تَعْنِي حَرْفِيًّا «مُلْتَقِطَ ٱلْحَبِّ».‏ (‏اع ١٧:‏١٨‏)‏ يُعَلِّقُ أَحَدُ ٱلْعُلَمَاءِ عَلَى هٰذِهِ ٱلْكَلِمَةِ كَمَا يَلِي:‏ «قِيلَتْ مِنْ حَيْثُ ٱلْأَسَاسُ فِي وَصْفِ طَائِرٍ صَغِيرٍ يَتَنَقَّلُ مُلْتَقِطًا ٱلْحَبَّ.‏ ثُمَّ ٱسْتُخْدِمَتْ فِي وَصْفِ مَنْ يَلْتَقِطُونَ بَقَايَا ٱلطَّعَامِ وَٱلْفَضَلَاتِ مِنْ كُلِّ مَا هَبَّ وَدَبَّ فِي سَاحَةِ ٱلسُّوقِ.‏ بَعْدَئِذٍ بَاتَتْ تُطْلَقُ مَجَازًا عَلَى مَنْ يُجَمِّعُ ٱلْمَعْلُومَاتِ مِنْ هُنَا وَهُنَاكَ،‏ لَا سِيَّمَا إِنْ كَانَ عَاجِزًا عَنِ ٱلرَّبْطِ بَيْنَهَا مَنْطِقِيًّا».‏ بِكَلِمَاتٍ أُخْرَى،‏ زَعَمَ هٰؤُلَاءِ ٱلْمُثَقَّفُونَ أَنَّ بُولُسَ جَاهِلٌ مُتَّهِمِينَهُ بِسَرِقَةِ أَفْكَارِ ٱلْآخَرِينَ.‏ لٰكِنَّ ٱلرَّسُولَ لَمْ يَأْبَهْ بِهٰذِهِ ٱلْإِهَانَاتِ كَمَا سَنَرَى تَالِيًا.‏

      ٧ أَلَا يُذَكِّرُنَا هٰذَا ٱلِٱخْتِبَارُ بِمَا يُوَاجِهُهُ شُهُودُ يَهْوَهَ ٱلْيَوْمَ؟‏ فَغَالِبًا مَا يُقَالُ بِحَقِّنَا كَلَامٌ جَارِحٌ بِسَبَبِ مُعْتَقَدَاتِنَا ٱلْمُؤَسَّسَةِ عَلَى ٱلْكِتَابِ ٱلْمُقَدَّسِ.‏ عَلَى سَبِيلِ ٱلْمِثَالِ،‏ يُعَلِّمُ بَعْضُ ٱلْأَسَاتِذَةِ أَنَّ ٱلتَّطَوُّرَ وَاقِعٌ أَكِيدٌ.‏ فَيَفْرِضُونَ عَلَى كُلِّ «عَاقِلٍ» ٱلتَّسْلِيمَ بِهِ،‏ وَكَأَنَّهُمْ بِذٰلِكَ يَنْعَتُونَ بِٱلْجَهْلِ كُلَّ مَنْ يَرْفُضُ هٰذِهِ ٱلنَّظَرِيَّةَ.‏ وَيُحَاوِلُ هٰؤُلَاءِ ٱلْمُثَقَّفُونَ أَنْ يَغْرِسُوا فِي عُقُولِ ٱلنَّاسِ أَنَّنَا ‹نَهْذِرُ› فِي كَلَامِنَا كُلَّمَا أَوْضَحْنَا مَاذَا يُعَلِّمُ ٱلْكِتَابُ ٱلْمُقَدَّسُ وَأَشَرْنَا إِلَى ٱلْأَدِلَّةِ ٱلطَّبِيعِيَّةِ عَلَى وُجُودِ مُصَمِّمٍ.‏ أَمَّا نَحْنُ فَلَا نَأْبَهُ بِذٰلِكَ أَلْبَتَّةَ!‏ بَلْ عَلَى ٱلْعَكْسِ،‏ نُدَافِعُ بِٱلْفَمِ ٱلْمَلْآنِ عَنْ إِيمَانِنَا بِأَنَّ ٱلْحَيَاةَ عَلَى ٱلْأَرْضِ مِنْ تَصْمِيمِ خَالِقٍ ذَكِيٍّ،‏ هُوَ يَهْوَهُ ٱللّٰهُ.‏ —‏ رؤ ٤:‏١١‏.‏

      ٨ (‏أ)‏ كَيْفَ نَظَرَ ٱلْبَعْضُ فِي سَاحَةِ ٱلسُّوقِ إِلَى كِرَازَةِ بُولُسَ؟‏ (‏ب)‏ مَاذَا رُبَّمَا عَنَى ٱقْتِيَادُ بُولُسَ إِلَى أَرِيُوسَ بَاغُوسَ؟‏ (‏اُنْظُرِ ٱلْحَاشِيَةَ.‏)‏

      ٨ بِٱلْعَوْدَةِ إِلَى بُولُسَ،‏ نَجِدُ ٱلْبَعْضَ ٱلْآخَرَ فِي سَاحَةِ ٱلسُّوقِ يَنْظُرُونَ إِلَى كِرَازَتِهِ نَظْرَةً مُخْتَلِفَةً.‏ قَالُوا:‏ «يَبْدُو مُنَادِيًا بِمَعْبُودَاتٍ أَجْنَبِيَّةٍ».‏ (‏اع ١٧:‏١٨‏)‏ فَهَلْ نَادَى بُولُسُ حَقًّا لِلْأَثِينِيِّينَ بِآ‌لِهَةٍ جَدِيدَةٍ؟‏ مَا كَانَتْ هٰذِهِ ٱلْمَسْأَلَةُ لِتَمُرَّ مُرُورَ ٱلْكِرَامِ.‏ فَكَلِمَاتُهُمْ تُذَكِّرُ بِإِحْدَى ٱلتُّهَمِ ٱلَّتِي حُوكِمَ سُقْرَاط بِسَبَبِهَا قَبْلَ قُرُونٍ وَأُدِينَ بِٱلْمَوْتِ.‏ فَلَا عَجَبَ إِذًا أَنِ ٱقْتِيدَ ٱلرَّسُولُ إِلَى أَرِيُوسَ بَاغُوسَ حَيْثُ وَجَبَ عَلَيْهِ أَنْ يُفَسِّرَ ٱلتَّعَالِيمَ ٱلْغَرِيبَةَ فِي نَظَرِ أَهْلِ أَثِينَا.‏c فَكَيْفَ سَيُدَافِعُ عَنْ رِسَالَتِهِ أَمَامَ أَشْخَاصٍ لَا يَعْرِفُونَ شَيْئًا عَنِ ٱلْأَسْفَارِ ٱلْمُقَدَّسَةِ؟‏

      اَلْأَبِيقُورِيُّونَ وَٱلرِّوَاقِيُّونَ

      اِتَّبَعَ ٱلْأَبِيقُورِيُّونَ وَٱلرِّوَاقِيُّونَ مَدْرَسَتَيْنِ فَلْسَفِيَّتَيْنِ مُخْتَلِفَتَيْنِ.‏ إِلَّا أَنَّ ٱلْفَرِيقَيْنِ كِلَيْهِمَا لَمْ يَكُونَا يُؤْمِنَانِ بِٱلْقِيَامَةِ.‏

      آمَنَ ٱلْأَبِيقُورِيُّونَ بِوُجُودِ آلِهَةٍ،‏ لٰكِنَّهُمُ ٱعْتَقَدُوا أَنَّهَا لَا تَحْفِلُ بِٱلْبَشَرِ؛‏ لَا تُكَافِئُهُمْ وَلَا تُعَاقِبُهُمْ.‏ وَعَلَيْهِ،‏ لَمْ يَرَوْا دَاعِيًا إِلَى تَقْدِيمِ ٱلصَّلَوَاتِ وَٱلذَّبَائِحِ.‏ وَقَدِ ٱعْتَقَدَتْ هٰذِهِ ٱلْمَدْرَسَةُ أَنَّ ٱللَّذَّةَ هِيَ ٱلْخَيْرُ ٱلْأَسْمَى فِي ٱلْحَيَاةِ.‏ غَيْرَ أَنَّهُمْ شَجَّعُوا عَلَى ٱلِٱعْتِدَالِ لِمُجَرَّدِ أَنَّهُ يُجَنِّبُ ٱلْمَرْءَ مَسَاوِئَ ٱلْإِسْرَافِ.‏ كَمَا أَنَّهُمْ طَلَبُوا ٱلْمَعْرِفَةَ عَلَى ٱعْتِبَارِ أَنَّهَا تُحَرِّرُ ٱلْإِنْسَانَ مِنَ ٱلْمُخَاوِفِ ٱلدِّينِيَّةِ وَٱلْخُرَافَاتِ.‏

      بِٱلْمُقَابِلِ،‏ آمَنَ ٱلرِّوَاقِيُّونَ أَنَّ كُلَّ ٱلْأَشْيَاءِ جُزْءٌ مِنْ إِلٰهٍ مُجَرَّدٍ غَيْرِ مُجَسَّدٍ تَنْبَثِقُ مِنْهُ ٱلنَّفْسُ ٱلْبَشَرِيَّةُ.‏ وَٱعْتَقَدَ بَعْضُهُمْ أَنَّ ٱلنَّفْسَ وَٱلْكَوْنَ يَنْحَلَّانِ فِي نِهَايَةِ ٱلْمَطَافِ.‏ أَمَّا ٱلْبَعْضُ ٱلْآخَرُ فَظَنُّوا أَنَّ ٱلنَّفْسَ تَذُوبُ فِي ٱلذَّاتِ ٱلْإِلٰهِيَّةِ.‏ وَوَفْقًا لِفَلَاسِفَتِهِمْ،‏ يُحَقِّقُ ٱلْبَشَرُ ٱلسَّعَادَةَ بِٱتِّبَاعِ ٱلطَّبِيعَةِ.‏

      ‏«يَا رِجَالَ أَثِينَا،‏ أَرَى أَنَّكُمْ .‏ .‏ .‏» (‏اعمال ١٧:‏٢٢،‏ ٢٣‏)‏

      ٩-‏١١ (‏أ)‏ كَيْفَ سَعَى بُولُسُ إِلَى إِيجَادِ قَوَاسِمَ مُشْتَرَكَةٍ مَعَ سَامِعِيهِ؟‏ (‏ب)‏ كَيْفَ نَقْتَدِي بِبُولُسَ فِي كِرَازَتِنَا؟‏

      ٩ تَذَكَّرْ كَمِ ٱنْفَعَلَ بُولُسُ لِرُؤْيَةِ ٱلصَّنَمِيَّةِ ٱلْمُسْتَشْرِيَةِ فِي ٱلْمَدِينَةِ.‏ لٰكِنَّ ٱلرَّسُولَ لَمْ يَفْقِدْ أَعْصَابَهُ،‏ مُطْلِقًا حَمْلَةً شَعْوَاءَ عَلَى عِبَادَةِ ٱلْأَوْثَانِ،‏ بَلْ حَافَظَ عَلَى رِبَاطَةِ جَأْشِهِ.‏ فَحَاوَلَ بِمُنْتَهَى ٱللَّبَاقَةِ ٱسْتِمَالَةَ حُضُورِهِ بِإِيجَادِ قَوَاسِمَ مُشْتَرَكَةٍ تَجْمَعُهُ وَإِيَّاهُمْ.‏ فَٱسْتَهَلَّ خِطَابَهُ بِٱلْقَوْلِ:‏ «يَا رِجَالَ أَثِينَا،‏ أَرَى أَنَّكُمْ،‏ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ،‏ تَخَافُونَ ٱلْمَعْبُودَاتِ أَكْثَرَ مِنْ غَيْرِكُمْ».‏ (‏اع ١٧:‏٢٢‏)‏ فَكَمَا لَوْ أَنَّهُ يَقُولُ:‏ ‹مِنَ ٱلْوَاضِحِ أَنَّكُمْ أَشْخَاصٌ مُتَدَيِّنُونَ›.‏ وَقَدْ أَصَابَ بُولُسُ فِي مَدْحِ سَامِعِيهِ عَلَى ٱهْتِمَامِهِمِ ٱلدِّينِيِّ.‏ فَهُوَ أَدْرَكَ أَنَّ بَعْضًا مِمَّنْ تُعْمِي ٱلْمُعْتَقَدَاتُ ٱلْبَاطِلَةُ بَصِيرَتَهُمْ يَمِيلُونَ فِي ٱلْوَاقِعِ إِلَى قُبُولِ ٱلْحَقِّ.‏ أَوَلَمْ يَكُنْ هُوَ نَفْسُهُ ذَاتَ يَوْمٍ «جَاهِلًا وَبِعَدَمِ إِيمَانٍ عَمِلَ»؟‏!‏ —‏ ١ تي ١:‏١٣‏.‏

      ١٠ وَلِيَبْنِيَ عَلَى أَرْضِيَّةٍ مُشْتَرَكَةٍ،‏ قَالَ بُولُسُ إِنَّهُ شَاهَدَ دَلِيلًا مَلْمُوسًا عَلَى تَعَبُّدِ أَهْلِ أَثِينَا:‏ مَذْبَحًا مُكَرَّسًا «لِإِلٰهٍ مَجْهُولٍ».‏ بِحَسَبِ أَحَدِ ٱلْمَرَاجِعِ،‏ «كَانَ مِنْ عَادَةِ ٱلْيُونَانِيِّينَ وَغَيْرِهِمْ تَكْرِيسُ مَذَابِحَ ‹لآِلِهَةٍ مَجْهُولَةٍ› خَشْيَةَ أَنْ يَغْفُلُوا عَنْ أَحَدِهَا،‏ فَيُثِيرُوا بِٱلتَّالِي غَضَبَهُ».‏ لِذٰلِكَ دَلَّ مَذْبَحٌ كَهٰذَا أَنَّ ٱلْأَثِينِيِّينَ يُقِرُّونَ بِوُجُودِ إِلٰهٍ يَجْهَلُونَهُ.‏ فَٱسْتَغَلَّ ٱلرَّسُولُ هٰذَا ٱلْمَذْبَحَ تَمْهِيدًا لِلْبِشَارَةِ ٱلَّتِي يَكْرِزُ بِهَا.‏ قَالَ:‏ «اَلَّذِي تَتَعَبَّدُونَ لَهُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْرِفُونَهُ،‏ هٰذَا أَنَا أُنَادِي لَكُمْ بِهِ».‏ (‏اع ١٧:‏٢٣‏)‏ لَقَدْ حَلَّلَ بُولُسُ ٱلْمَوْضُوعَ بِأُسْلُوبٍ دِبْلُومَاسِيٍّ مُقَدِّمًا فِي ٱلْوَقْتِ عَيْنِهِ حُجَجًا مُقْنِعَةً.‏ فَهُوَ لَمْ يُنَادِ بِإِلٰهٍ جَدِيدٍ أَوْ غَرِيبٍ كَمَا زَعَمَ ٱلْبَعْضُ،‏ بَلْ كَشَفَ لَهُمْ عَنِ ٱلْإِلٰهِ ٱلْحَقِّ ٱلَّذِي لَا يَعْرِفُونَهُ.‏

      ١١ وَكَيْفَ نَقْتَدِي بِبُولُسَ فِي كِرَازَتِنَا؟‏ حِينَ نَكُونُ دَقِيقِي ٱلْمُلَاحَظَةِ،‏ قَدْ نَنْتَبِهُ إِلَى تَفَاصِيلَ مُعَيَّنَةٍ فِي هِنْدَامِ سَامِعِنَا أَوْ مَنْزِلِهِ تَكْشِفُ لَنَا أَنَّهُ مُتَدَيِّنٌ.‏ إِذَّاكَ بِإِمْكَانِنَا أَنْ نَسْتَهِلَّ ٱلْحَدِيثَ بِٱلْكَلِمَاتِ ٱلتَّالِيَةِ:‏ ‹مِنَ ٱلْوَاضِحِ أَنَّكَ شَخْصٌ مُتَدَيِّنٌ.‏ وَأَنَا أَرْغَبُ فِي ٱلتَّحَدُّثِ مَعَ أَشْخَاصٍ يَهْتَمُّونَ بِٱلدِّينِ مِثْلَكَ›.‏ فَعِنْدَمَا نَمْدَحُ سَامِعَنَا بِلَبَاقَةٍ عَلَى تَدَيُّنِهِ،‏ قَدْ نَجِدُ أَرْضِيَّةً مُشْتَرَكَةً يُمْكِنُنَا ٱلْبِنَاءُ عَلَيْهَا.‏ وَلٰكِنْ لِنُبْقِ فِي بَالِنَا أَنَّ هَدَفَنَا لَيْسَ ٱلْحُكْمَ عَلَى ٱلنَّاسِ بِنَاءً عَلَى مُعْتَقَدَاتِهِمِ ٱلدِّينِيَّةِ.‏ فَمَا أَكْثَرَ مَنْ آمَنُوا ذَاتَ يَوْمٍ مِنْ كُلِّ قَلْبِهِمْ بِعَقَائِدَ دِينِيَّةٍ بَاطِلَةٍ،‏ لٰكِنَّهُمْ أَصْبَحُوا فِي مَا بَعْدُ إِخْوَةً لَنَا!‏

      شاب يدافع عن ايمانه بالخالق في الصف

      ابحث عن ارضية مشتركة وابنِ حديثك عليها

      اَللّٰهُ «لَيْسَ بَعِيدًا عَنْ كُلِّ وَاحِدٍ مِنَّا» (‏اعمال ١٧:‏٢٤-‏٢٨‏)‏

      ١٢ بِأَيَّةِ طَرَائِقَ كَيَّفَ بُولُسُ أُسْلُوبَهُ مِنْ أَجْلِ سَامِعِيهِ؟‏

      ١٢ وَجَدَ بُولُسُ قَاسِمًا مُشْتَرَكًا.‏ وَلٰكِنْ هَلْ يَنْجَحُ فِي إِبْقَاءِ ٱلْحَدِيثِ دَائِرًا فِي فَلَكِهِ؟‏ لَقَدْ أَدْرَكَ ٱلرَّسُولُ أَنَّ سَامِعِيهِ مُثَقَّفُونَ فِي ٱلْفَلْسَفَةِ ٱلْيُونَانِيَّةِ وَغَيْرُ مُطَّلِعِينَ عَلَى ٱلْأَسْفَارِ ٱلْمُقَدَّسَةِ،‏ فَكَيَّفَ أُسْلُوبَهُ عَلَى هٰذَا ٱلْأَسَاسِ.‏ أَوَّلًا،‏ قَدَّمَ حَقَائِقَ مِنَ ٱلْكِتَابِ ٱلْمُقَدَّسِ دُونَ ٱلِٱقْتِبَاسِ مِنْهُ مُبَاشَرَةً.‏ ثَانِيًا،‏ ٱسْتَعْمَلَ ضَمِيرَ ٱلْمُتَكَلِّمِ ٱلْجَمْعَ لِلْإِيحَاءِ أَنَّهُ يَتَفَهَّمُ سَامِعِيهِ وَهُوَ وَاحِدٌ مِنْهُمْ.‏ ثَالِثًا،‏ ضَمَّنَ كَلَامَهُ ٱقْتِبَاسَاتٍ مِنَ ٱلْأَدَبِ ٱلْيُونَانِيِّ لِيُرِيَهُمْ أَنَّ كِتَابَاتِهِمْ تَأْتِي عَلَى ذِكْرِ بَعْضِ ٱلْأَفْكَارِ ٱلَّتِي يُنَادِي بِهَا.‏ فَلْنُفَنِّدْ فِي مَا يَلِي خِطَابَ بُولُسَ ٱلْمُقْنِعَ وَلْنَتَأَمَّلْ فِي مَا كَشَفَهُ مِنْ حَقَائِقَ مُهِمَّةٍ عَنِ ٱلْإِلٰهِ ٱلَّذِي لَمْ يَعْرِفْهُ أَهْلُ أَثِينَا.‏

      ١٣ مَاذَا قَالَ بُولُسُ عَنْ نَشْأَةِ ٱلْكَوْنِ،‏ وَمَا فَحْوَى كَلِمَاتِهِ؟‏

      ١٣ اَللّٰهُ خَلَقَ ٱلْكَوْنَ.‏ قَالَ بُولُسُ:‏ «إِنَّ هٰذَا ٱلْإِلٰهَ ٱلَّذِي صَنَعَ ٱلْعَالَمَ وَكُلَّ مَا فِيهِ،‏ إِذْ هُوَ رَبُّ ٱلسَّمَاءِ وَٱلْأَرْضِ،‏ لَا يَسْكُنُ فِي هَيَاكِلَ مِنْ صُنْعِ ٱلْأَيْدِي».‏d (‏اع ١٧:‏٢٤‏)‏ فَٱلْكَوْنُ إِذًا لَيْسَ وَلِيدَ ٱلصُّدْفَةِ؛‏ اَلْإِلٰهُ ٱلْحَقُّ هُوَ خَالِقُ كُلِّ ٱلْأَشْيَاءِ.‏ (‏مز ١٤٦:‏٦‏)‏ وَخِلَافًا لِلْإِلَاهَةِ أَثِينَا وَسَائِرِ ٱلْمَعْبُودَاتِ ٱلَّتِي يَعْتَمِدُ مَجْدُهَا عَلَى ٱلْهَيَاكِلِ وَٱلْمَزَارَاتِ وَٱلْمَذَابِحِ،‏ فَإِنَّ ٱلرَّبَّ ٱلْمُتَسَلِّطَ عَلَى ٱلسَّمَاءِ وَٱلْأَرْضِ لَا تَسَعُهُ هَيَاكِلُ مِنْ صُنْعِ ٱلْبَشَرِ.‏ (‏١ مل ٨:‏٢٧‏)‏ وَعَلَيْهِ،‏ يَكُونُ فَحْوَى ٱلْكَلِمَاتِ وَاضِحًا لَا لُبْسَ فِيهِ:‏ اَلْإِلٰهُ ٱلْحَقُّ أَعْظَمُ مِنْ أَيَّةِ أَصْنَامٍ أَوْجَدَهَا ٱلْبَشَرُ وَأَسْكَنُوهَا هَيَاكِلَ مِنْ صُنْعِهِمْ.‏ —‏ اش ٤٠:‏١٨-‏٢٦‏.‏

      ١٤ كَيْفَ بَيَّنَ بُولُسُ أَنَّ ٱللّٰهَ لَا يَعْتَمِدُ عَلَى ٱلْبَشَرِ؟‏

      ١٤ اَللّٰهُ لَا يَعْتَمِدُ عَلَى ٱلْبَشَرِ.‏ اِعْتَادَ ٱلْوَثَنِيُّونَ أَنْ يُلْبِسُوا ٱلْأَصْنَامَ أَثْوَابًا غَالِيَةً أَوْ يُمْطِرُوهَا بِهَدَايَا نَفِيسَةٍ أَوْ يُقَدِّمُوا ٱلطَّعَامَ وَٱلشَّرَابَ إِلَيْهَا؛‏ كَمَا لَوْ أَنَّ أَوْثَانًا لَا حَيَاةَ فِيهَا بِحَاجَةٍ أَسَاسًا إِلَى عَطَايَا كَهٰذِهِ!‏ وَلٰكِنْ يُحْتَمَلُ أَنَّ فِئَةً مِنَ ٱلْفَلَاسِفَةِ ٱلْيُونَانِيِّينَ بَيْنَ سَامِعِي بُولُسَ آمَنَتْ أَنَّ ٱلْآلِهَةَ لَا تَحْتَاجُ إِلَى شَيْءٍ مِنَ ٱلْبَشَرِ.‏ وَهٰؤُلَاءِ وَافَقُوا دُونَ شَكٍّ عَلَى قَوْلِهِ إِنَّ ٱللّٰهَ «لَا يُخْدَمُ بِأَيْدٍ بَشَرِيَّةٍ كَمَا لَوْ كَانَ يَحْتَاجُ إِلَى شَيْءٍ».‏ فِعْلًا،‏ كَيْفَ لِلْبَشَرِ أَنْ يُقَدِّمُوا أَيَّ عَطِيَّةٍ مَادِّيَّةٍ لِخَالِقِ ٱلْكَوْنِ؟‏!‏ فَهُوَ مَنْ يَهَبُهُمْ كُلَّ حَاجَاتِهِمْ وَيُعْطِيهِمْ «حَيَاةً وَنَسَمَةً وَكُلَّ شَيْءٍ»،‏ بِمَا فِي ذٰلِكَ ٱلشَّمْسُ وَٱلْمَطَرُ وَٱلتُّرْبَةُ ٱلْخِصْبَةُ.‏ —‏ اع ١٧:‏٢٥؛‏ تك ٢:‏٧‏.‏

      ١٥ كَيْفَ قَارَبَ بُولُسُ ٱعْتِقَادَ ٱلْأَثِينِيِّينَ أَنَّهُمْ مُتَفَوِّقُونَ عَلَى غَيْرِ ٱلْيُونَانِيِّينَ،‏ وَأَيُّ دَرْسٍ قَيِّمٍ نَتَعَلَّمُهُ؟‏

      ١٥ اَللّٰهُ صَنَعَ ٱلْإِنْسَانَ.‏ اِعْتَقَدَ ٱلْأَثِينِيُّونَ أَنَّهُمْ مُتَفَوِّقُونَ عَلَى غَيْرِ ٱلْيُونَانِيِّينَ.‏ لٰكِنَّ ٱلْعَصَبِيَّةَ ٱلْوَطَنِيَّةَ أَوِ ٱلْعِرْقِيَّةَ فِي وَادٍ وَحَقُّ ٱلْكِتَابِ ٱلْمُقَدَّسِ فِي وَادٍ!‏ (‏تث ١٠:‏١٧‏)‏ لِذٰلِكَ قَارَبَ بُولُسُ هٰذِهِ ٱلنُّقْطَةَ ٱلْحَسَّاسَةَ بِلَبَاقَةٍ وَحَذَاقَةٍ.‏ فَقَالَ إِنَّ ٱللّٰهَ «صَنَعَ مِنْ إِنْسَانٍ وَاحِدٍ كُلَّ أُمَّةٍ مِنَ ٱلنَّاسِ»،‏ مُشِيرًا إِلَى رِوَايَةِ ٱلتَّكْوِينِ عَنْ آدَمَ أَبِي ٱلْبَشَرِ.‏ (‏اع ١٧:‏٢٦؛‏ تك ١:‏٢٦-‏٢٨‏)‏ وَلَا شَكَّ أَنَّ كَلِمَاتِهِ حَمَلَتْ مُسْتَمِعِيهِ عَلَى ٱلتَّفْكِيرِ.‏ فَإِذَا كَانَ ٱلْبَشَرُ جَمِيعًا مُتَحَدِّرِينَ مِنْ سَلَفٍ وَاحِدٍ،‏ فَهَلْ يُعْقَلُ أَنْ تَتَفَوَّقَ عُرُوقٌ أَوْ جِنْسِيَّاتٌ عَلَى أُخْرَى؟‏!‏ كَانَ كَلَامُ بُولُسَ أَوْضَحَ مِنْ أَنْ يُوَضَّحَ.‏ وَفِي مِثَالِهِ دَرْسٌ قَيِّمٌ لَنَا.‏ فَنَحْنُ نَسْعَى أَنْ نَتَّصِفَ بِٱللَّبَاقَةِ أَثْنَاءَ كِرَازَتِنَا وَنُنَاقِشَ ٱلنَّاسَ مَنْطِقِيًّا،‏ لٰكِنَّنَا فِي ٱلْوَقْتِ عَيْنِهِ لَا نُلَطِّفُ حَقَّ ٱلْكِتَابِ ٱلْمُقَدَّسِ حَتَّى يَسْهُلَ عَلَيْهِمْ قُبُولُهُ.‏

      ١٦ مَا قَصْدُ ٱلْخَالِقِ لِلْبَشَرِ؟‏

      ١٦ اَللّٰهُ قَصَدَ أَنْ يَتَقَرَّبَ مِنْهُ ٱلْبَشَرُ.‏ لَطَالَمَا جَادَلَ ٱلْفَلَاسِفَةُ بَيْنَ حُضُورِ بُولُسَ حَوْلَ ٱلْهَدَفِ مِنَ ٱلْحَيَاةِ،‏ لٰكِنَّهُمْ بَقُوا عَاجِزِينَ عَنْ إِيجَادِ ٱلْجَوَابِ ٱلشَّافِي.‏ أَمَّا هُوَ فَكَشَفَ بِوُضُوحٍ قَصْدَ ٱلْخَالِقِ لِلْبَشَرِ،‏ قَائِلًا إِنَّهُمْ صُنِعُوا «لِكَيْ يَطْلُبُوا ٱللّٰهَ لَعَلَّهُمْ يَتَلَمَّسُونَهُ فَيَجِدُونَهُ،‏ مَعَ أَنَّهُ لَيْسَ بَعِيدًا عَنْ كُلِّ وَاحِدٍ مِنَّا».‏ (‏اع ١٧:‏٢٧‏)‏ فَمَعْرِفَةُ ٱلْإِلٰهِ ٱلَّذِي يَجْهَلُهُ ٱلْأَثِينِيُّونَ لَيْسَتْ مُسْتَحِيلَةً.‏ فَهُوَ فِي ٱلْوَاقِعِ غَيْرُ بَعِيدٍ عَمَّنْ يَرْغَبُونَ حَقًّا فِي إِيجَادِهِ وَٱلتَّعَلُّمِ عَنْهُ.‏ (‏مز ١٤٥:‏١٨‏)‏ وَمِنَ ٱلْجَدِيرِ بِٱلذِّكْرِ أَنَّ بُولُسَ ٱسْتَخْدَمَ ضَمِيرَ ٱلْمُتَكَلِّمِ ٱلْجَمْعَ لِيُبَيِّنَ أَنَّهُ هُوَ أَيْضًا وَاحِدٌ مِمَّنْ عَلَيْهِمْ أَنْ «يَطْلُبُوا» ٱللّٰهَ ‹وَيَتَلَمَّسُوهُ›.‏

      ١٧،‏ ١٨ لِمَ مِنَ ٱلطَّبِيعِيِّ أَنْ يَنْجَذِبَ ٱلْبَشَرُ إِلَى ٱللّٰهِ،‏ وَمَاذَا نَتَعَلَّمُ مِنْ أُسْلُوبِ بُولُسَ فِي مُخَاطَبَةِ مُسْتَمِعِيهِ؟‏

      ١٧ مِنَ ٱلطَّبِيعِيِّ أَنْ يَنْجَذِبَ ٱلْبَشَرُ إِلَى ٱللّٰهِ.‏ ذَكَرَ بُولُسُ أَحَدَ ٱلْأَسْبَابِ لِذٰلِكَ،‏ قَائِلًا إِنَّنَا «نَحْيَا وَنَتَحَرَّكُ وَنُوجَدُ» بِفَضْلِ ٱلْخَالِقِ.‏ وَوَفْقًا لِبَعْضِ ٱلْعُلَمَاءِ،‏ يَتَكَلَّمُ ٱلرَّسُولُ هُنَا تَلْمِيحًا عَنْ أَقْوَالِ إِبِيمِنِيدِيس،‏ شَاعِرٍ كِرِيتِيٍّ عَاشَ فِي ٱلْقَرْنِ ٱلسَّادِسِ قَبْلَ ٱلْمِيلَادِ ٱعْتُبِرَ «شَخْصِيَّةً لَهَا مَكَانَتُهَا فِي ٱلتَّقْلِيدِ ٱلدِّينِيِّ ٱلْأَثِينَوِيِّ».‏ هٰذَا وَقَدْ أَوْرَدَ بُولُسُ سَبَبًا إِضَافِيًّا يَدْفَعُ ٱلْبَشَرَ إِلَى ٱلِٱقْتِرَابِ مِنَ ٱللّٰهِ.‏ ذَكَرَ:‏ «قَالَ بَعْضُ ٱلشُّعَرَاءِ بَيْنَكُمْ:‏ ‹لِأَنَّنَا نَحْنُ أَيْضًا ذُرِّيَّتُهُ›».‏ (‏اع ١٧:‏٢٨‏)‏ عَلَى ضَوْءِ هٰذِهِ ٱلْكَلِمَاتِ،‏ لَا عَجَبَ أَنْ نَشْعُرَ أَنَّنَا شَدِيدُو ٱلْقُرْبِ مِنَ ٱللّٰهِ.‏ فَهُوَ مَنْ خَلَقَ ٱلْإِنْسَانَ ٱلَّذِي تَتَحَدَّرُ مِنْهُ ٱلْبَشَرِيَّةُ جَمْعَاءُ.‏ وَمَرَّةً جَدِيدَةً،‏ ٱقْتَبَسَ ٱلرَّسُولُ كِتَابَاتٍ يُونَانِيَّةً لَا بُدَّ أَنَّ مُسْتَمِعِيهِ أَقَامُوا لَهَا وَزْنًا.‏e وَنَحْنُ ٱلْيَوْمَ نَتَشَبَّهُ بِبُولُسَ.‏ فَفِي بَعْضِ ٱلْأَحْيَانِ،‏ نَقْتَبِسُ إِلَى ٱلْحَدِّ ٱلْمَعْقُولِ مِنَ ٱلتَّارِيخِ ٱلدُّنْيَوِيِّ وَٱلْمَوْسُوعَاتِ وَغَيْرِهَا مِنَ ٱلْمَرَاجِعِ ٱلْمُحْتَرَمَةِ.‏ عَلَى سَبِيلِ ٱلْمِثَالِ،‏ قَدْ يُسَاهِمُ ٱقْتِبَاسٌ مُنَاسِبٌ مِنْ مَرْجِعٍ مَقْبُولٍ فِي إِقْنَاعِ ٱلنَّاسِ بِأَصْلِ بَعْضِ ٱلْمُمَارَسَاتِ أَوِ ٱلِٱحْتِفَالَاتِ ٱلدِّينِيَّةِ ٱلْبَاطِلَةِ.‏

      ١٨ نَقَلَ بُولُسُ حَتَّى ٱلْآنَ حَقَائِقَ أَسَاسِيَّةً عَنِ ٱللّٰهِ،‏ مُكَيِّفًا كَلِمَاتِهِ بِمَهَارَةٍ لِتُلَائِمَ حُضُورَهُ.‏ وَلٰكِنْ مَا ٱلْمَطْلُوبُ مِنَ ٱلْأَثِينِيِّينَ بَعْدَ أَنْ سَمِعُوا هٰذِهِ ٱلْمَعْلُومَاتِ ٱلْمُهِمَّةَ؟‏ لِنَنْتَقِلْ إِلَى ٱلْجُزْءِ ٱلتَّالِي مِنَ ٱلْخِطَابِ وَنَكْتَشِفِ ٱلْجَوَابَ.‏

      ‏‹تُوبُوا جَمِيعًا› (‏اعمال ١٧:‏٢٩-‏٣١‏)‏

      ١٩،‏ ٢٠ (‏أ)‏ كَيْفَ فَضَحَ بُولُسُ بِلَبَاقَةٍ حَمَاقَةَ تَقْدِيمِ ٱلْعِبَادَةِ لِأَوْثَانٍ مِنْ صُنْعِ ٱلْبَشَرِ؟‏ (‏ب)‏ أَيُّ إِجْرَاءٍ وَجَبَ عَلَى ٱلْحَاضِرِينَ ٱتِّخَاذُهُ؟‏

      ١٩ حَانَ ٱلْوَقْتُ ٱلْآنَ لِيَحُثَّ بُولُسُ سَامِعِيهِ عَلَى ٱتِّخَاذِ مَوْقِفٍ مُحَدَّدٍ.‏ فَنَجِدُهُ يَبْنِي عَلَى مَا ٱقْتَبَسَهُ مِنَ ٱلْكِتَابَاتِ ٱلْيُونَانِيَّةِ وَيَقُولُ:‏ «فَإِذْ نَحْنُ ذُرِّيَّةُ ٱللّٰهِ،‏ لَا يَجِبُ أَنْ نَظُنَّ أَنَّ ٱلذَّاتَ ٱلْإِلٰهِيَّةَ شَبِيهَةٌ بِذَهَبٍ أَوْ فِضَّةٍ أَوْ حَجَرٍ،‏ بِمَنْحُوتَةٍ مِنْ فَنِّ ٱلْإِنْسَانِ وَٱخْتِرَاعِهِ».‏ (‏اع ١٧:‏٢٩‏)‏ وَبِٱلْفِعْلِ،‏ إِذَا كَانَ ٱلْبَشَرُ مِنْ صُنْعِ ٱللّٰهِ،‏ فَكَيْفَ يَتَّخِذُ ٱللّٰهُ شَكْلَ صَنَمٍ مِنْ صُنْعِ ٱلْبَشَرِ؟‏!‏ هٰكَذَا فَضَحَ بُولُسُ بِتَحْلِيلِهِ ٱلْمَنْطِقِيِّ وَٱللَّبِقِ حَمَاقَةَ تَقْدِيمِ ٱلْعِبَادَةِ لِأَوْثَانٍ صَنَعَتْهَا أَيْدٍ بَشَرِيَّةٌ.‏ (‏مز ١١٥:‏٤-‏٨؛‏ اش ٤٤:‏٩-‏٢٠‏)‏ وَلَا شَكَّ أَنَّهُ خَفَّفَ مِنْ وَطْأَةِ ٱنْتِقَادِهِ لَهُمْ حِينَ شَمَلَ نَفْسَهُ مَعَهُمْ بِٱلْقَوْلِ:‏ «لَا يَجِبُ أَنْ نَظُنَّ .‏ .‏ .‏».‏

      ٢٠ بَعْدَئِذٍ سَلَّطَ ٱلرَّسُولُ ٱلضَّوْءَ عَلَى ضَرُورَةِ ٱتِّخَاذِ إِجْرَاءٍ مُعَيَّنٍ.‏ شَرَحَ:‏ «قَدْ تَغَاضَى ٱللّٰهُ عَنْ أَزْمِنَةِ هٰذَا ٱلْجَهْلِ [اَلِٱعْتِقَادِ بِأَنَّ ٱللّٰهَ يَرْضَى عَمَّنْ يَعْبُدُونَ ٱلْأَصْنَامَ]،‏ لٰكِنَّهُ يَقُولُ ٱلْآنَ لِلنَّاسِ فِي كُلِّ مَكَانٍ أَنْ يَتُوبُوا جَمِيعًا».‏ (‏اع ١٧:‏٣٠‏)‏ لَرُبَّمَا نَزَلَ نِدَاءُ ٱلتَّوْبَةِ هٰذَا نُزُولَ ٱلصَّاعِقَةِ عَلَى بَعْضِ ٱلْحَاضِرِينَ.‏ غَيْرَ أَنَّ خِطَابَ بُولُسَ ٱلْمُفْحِمَ بَرْهَنَ أَنَّهُمْ يَدِينُونَ بِحَيَاتِهِمْ لِلّٰهِ،‏ وَهُمْ بِٱلتَّالِي مَسْؤُولُونَ أَمَامَهُ.‏ لِذٰلِكَ لَزِمَ أَنْ يَطْلُبُوا ٱللّٰهَ،‏ يَتَعَلَّمُوا ٱلْحَقِيقَةَ عَنْهُ،‏ وَيُغَيِّرُوا حَيَاتَهُمْ بِرُمَّتِهَا وَفْقًا لَهَا.‏ وَبِٱلنِّسْبَةِ إِلَى ٱلْأَثِينِيِّينَ،‏ عَنَى ذٰلِكَ أَنْ يُدْرِكُوا أَنَّ ٱلصَّنَمِيَّةَ مُمَارَسَةٌ خَاطِئَةٌ وَيَرْجِعُوا عَنْهَا.‏

      ٢١،‏ ٢٢ بِمَ خَتَمَ بُولُسُ خِطَابَهُ،‏ وَأَيَّ مَعَانٍ تَحْمِلُ كَلِمَاتُهُ لَنَا ٱلْيَوْمَ؟‏

      ٢١ خَتَمَ بُولُسُ خِطَابَهُ بِكَلِمَاتٍ مُدَوِّيَةٍ:‏ «حَدَّدَ [ٱللّٰهُ] يَوْمًا هُوَ فِيهِ مُزْمِعٌ أَنْ يَدِينَ ٱلْمَسْكُونَةَ بِٱلْبِرِّ بِرَجُلٍ قَدْ عَيَّنَهُ،‏ وَزَوَّدَ ضَمَانَةً لِلْجَمِيعِ إِذْ أَقَامَهُ مِنَ ٱلْأَمْوَاتِ».‏ (‏اع ١٧:‏٣١‏)‏ وَهَلْ مِنْ سَبَبٍ أَقْوَى مِنْ تَرَقُّبِ يَوْمٍ لِلدَّيْنُونَةِ حَتَّى يَنْدَفِعَ ٱلنَّاسُ إِلَى طَلَبِ ٱلْإِلٰهِ ٱلْحَقِّ وَإِيجَادِهِ؟‏!‏ ثُمَّ إِنَّ بُولُسَ لَمْ يُسَمِّ ٱلدَّيَّانَ ٱلْمُعَيَّنَ،‏ بَلْ قَدَّمَ مَعْلُومَاتٍ تَدْعُو إِلَى ٱلْعَجَبِ:‏ إِنَّهُ رَجُلٌ عَاشَ وَمَاتَ ثُمَّ أَقَامَهُ ٱللّٰهُ مِنَ ٱلْأَمْوَاتِ!‏

      ٢٢ تَحْمِلُ لَنَا هٰذِهِ ٱلْخَاتِمَةُ ٱلْمُؤَثِّرَةُ ٱلْكَثِيرَ مِنَ ٱلْمَعَانِي.‏ فَنَحْنُ نَعْرِفُ أَنَّ ٱلدَّيَّانَ ٱلْمُعَيَّنَ مِنَ ٱللّٰهِ هُوَ يَسُوعُ ٱلْمَسِيحُ ٱلْمُقَامُ.‏ (‏يو ٥:‏٢٢‏)‏ كَمَا نُدْرِكُ أَنَّ يَوْمَ ٱلدَّيْنُونَةِ طُولُهُ أَلْفُ سَنَةٍ،‏ وَقَدْ بَاتَ قَرِيبًا عَلَى ٱلْأَبْوَابِ.‏ (‏رؤ ٢٠:‏٤،‏ ٦‏)‏ مَعَ ذٰلِكَ نَحْنُ لَا نَخَافُهُ،‏ إِذْ نُدْرِكُ مَا يُخَبِّئُ مِنْ بَرَكَاتٍ جَزِيلَةٍ لِمَنْ يُدَانُونَ دَيْنُونَةً مُؤَاتِيَةً.‏ وَأَمَلُنَا بِهٰذَا ٱلْمُسْتَقْبَلِ ٱلْمَجِيدِ مَدْعُومٌ بِضَمَانَةٍ.‏ أَيُّ ضَمَانَةٍ؟‏ إِنَّهَا أَعْظَمُ ٱلْعَجَائِبِ قَاطِبَةً:‏ قِيَامَةُ يَسُوعَ ٱلْمَسِيحِ!‏

      ‏«أُنَاسٌ .‏ .‏ .‏ صَارُوا مُؤْمِنِينَ» (‏اعمال ١٧:‏٣٢-‏٣٤‏)‏

      ٢٣ أَيُّ رُدُودِ فِعْلٍ مُتَفَاوِتَةٍ أَثَارَهَا خِطَابُ بُولُسَ؟‏

      ٢٣ أَثَارَ خِطَابُ بُولُسَ رُدُودَ فِعْلٍ مُتَفَاوِتَةً.‏ فَقَدِ «ٱبْتَدَأَ ٱلْبَعْضُ يَسْخَرُونَ» لَمَّا سَمِعُوا بِقِيَامَةِ ٱلْأَمْوَاتِ.‏ أَمَّا ٱلْبَعْضُ ٱلْآخَرُ فَلَمْ يَتَصَرَّفُوا بِفَظَاظَةٍ،‏ وَلٰكِنَّهُمْ فِي ٱلْوَقْتِ نَفْسِهِ لَمْ يُحَرِّكُوا سَاكِنًا،‏ إِذْ قَالُوا:‏ «سَنَسْمَعُ مِنْكَ عَنْ هٰذَا مَرَّةً أُخْرَى».‏ (‏اع ١٧:‏٣٢‏)‏ «غَيْرَ أَنَّ أُنَاسًا ٱنْضَمُّوا إِلَيْهِ وَصَارُوا مُؤْمِنِينَ،‏ وَمِنْهُمْ دِيُونِيسِيُوسُ،‏ قَاضٍ فِي مَحْكَمَةِ أَرِيُوسَ بَاغُوسَ،‏ وَٱمْرَأَةٌ ٱسْمُهَا دَامَرِسُ،‏ وَآخَرُونَ مَعَهُمَا».‏ (‏اع ١٧:‏٣٤‏)‏ وَهٰذَا بِٱلضَّبْطِ مَا نُوَاجِهُهُ فِي كِرَازَتِنَا.‏ فَٱلْبَعْضُ يَهْزَأُونَ بِنَا،‏ فِيمَا يَتَبَنَّى ٱلْبَعْضُ ٱلْآخَرُ مَوْقِفًا دِبْلُومَاسِيًّا.‏ وَلٰكِنْ كَمْ نُسَرُّ حِينَ يَقْبَلُ ٱلْبَعْضُ رِسَالَةَ ٱلْمَلَكُوتِ وَيَصِيرُونَ مُؤْمِنِينَ!‏

      ٢٤ مَاذَا نَتَعَلَّمُ مِنْ خِطَابِ بُولُسَ ٱلَّذِي أَلْقَاهُ وَسَطَ أَرِيُوسَ بَاغُوسَ؟‏

      ٢٤ يَزْخَرُ خِطَابُ بُولُسَ بِٱلدُّرُوسِ ٱلْقَيِّمَةِ.‏ فَهُوَ يُعَلِّمُنَا ٱلْكَثِيرَ عَنِ ٱلتَّحْلِيلِ ٱلْمَنْطِقِيِّ وَٱلْمُنَاقَشَةِ ٱلْمُقْنِعَةِ وَٱلتَّكَيُّفِ مَعَ سَامِعِينَا.‏ وَيُسَاعِدُنَا أَيْضًا أَنْ نُدْرِكَ أَهَمِّيَّةَ ٱلتَّحَلِّي بِٱلصَّبْرِ وَٱللَّبَاقَةِ مَعَ أَشْخَاصٍ تُعْمِي بَصِيرَتَهُمُ ٱلْمُعْتَقَدَاتُ ٱلدِّينِيَّةُ ٱلْبَاطِلَةُ.‏ كَمَا أَنَّهُ يُبْرِزُ دَرْسًا بَالِغَ ٱلْأَهَمِّيَّةِ،‏ إِذْ يَحُثُّنَا أَلَّا نُلَطِّفَ أَبَدًا حَقَّ ٱلْكِتَابِ ٱلْمُقَدَّسِ لِمُجَرَّدِ إِرْضَاءِ مُسْتَمِعِينَا.‏ وَحِينَ نَقْتَدِي بِٱلرَّسُولِ بُولُسَ،‏ تَزْدَادُ فَعَّالِيَّتُنَا كَمُعَلِّمِينَ فِي خِدْمَةِ ٱلْحَقْلِ.‏ أَمَّا ٱلنُّظَّارُ فَيُصْبِحُونَ مُعَلِّمِينَ أَكْثَرَ كَفَاءَةً فِي ٱلْجَمَاعَةِ.‏ بِٱلنَّتِيجَةِ،‏ نَصِيرُ جَمِيعُنَا مُجَهَّزِينَ بِشَكْلٍ أَفْضَلَ لِنُسَاعِدَ ٱلْآخَرِينَ أَنْ ‹يَطْلُبُوا ٱللّٰهَ فَيَجِدُوهُ›.‏ —‏ اع ١٧:‏٢٧‏.‏

      a اُنْظُرِ ٱلْإِطَارَ «‏أَثِينَا:‏ عَاصِمَةُ ٱلثَّقَافَةِ فِي ٱلْعَالَمِ ٱلْقَدِيمِ‏».‏

      b اُنْظُرِ ٱلْإِطَارَ «‏اَلْأَبِيقُورِيُّونَ وَٱلرِّوَاقِيُّونَ‏».‏

      c كَانَ أَرِيُوسُ بَاغُوسُ،‏ تَلٌّ وَاقِعٌ شَمَالَ غَرْبِ ٱلْأَكْرُوبُولَ،‏ ٱلْمُلْتَقَى ٱلتَّقْلِيدِيَّ لِلْمَجْلِسِ ٱلْأَعْلَى فِي أَثِينَا.‏ لٰكِنَّ عِبَارَةَ «أَرِيُوسَ بَاغُوسَ» كَانَتْ تُشِيرُ إِمَّا إِلَى ٱلْمَجْلِسِ أَوْ إِلَى ٱلتَّلِّ نَفْسِهِ.‏ لِذٰلِكَ يَعْتَقِدُ بَعْضُ ٱلْعُلَمَاءِ أَنَّ بُولُسَ ٱقْتِيدَ إِلَى هٰذَا ٱلتَّلِّ أَوْ جِوَارِهِ،‏ فِيمَا يَظُنُّ غَيْرُهُمْ أَنَّهُ سِيقَ إِلَى مَكَانِ ٱنْعِقَادِ ٱلْمَجْلِسِ فِي مَوْقِعٍ آخَرَ،‏ كَٱلْأَغُورَا مَثَلًا.‏

      d إِنَّ ٱلْكَلِمَةَ ٱلْيُونَانِيَّةَ ٱلْمَنْقُولَةَ إِلَى «عَالَمٍ» هِيَ كوسموس ٱلَّتِي ٱسْتَخْدَمَهَا ٱلْيُونَانُ لِلْإِشَارَةِ إِلَى ٱلْكَوْنِ ٱلْمَادِّيِّ.‏ وَيُحْتَمَلُ أَنَّ بُولُسَ ٱسْتَعْمَلَهَا بِهٰذَا ٱلْمَعْنَى فِي مُحَاوَلَةٍ لِلتَّرْكِيزِ عَلَى ٱلنِّقَاطِ ٱلْمُشْتَرَكَةِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ حُضُورِهِ ٱلْيُونَانِيِّ.‏

      e اِقْتَبَسَ بُولُسُ مِنَ ٱلْقَصِيدَةِ ٱلْفَلَكِيَّةِ فِينُومِينَا لِلشَّاعِرِ ٱلرِّوَاقِيِّ أَرَاتُوس.‏ وَقَدْ وَرَدَتْ كَلِمَاتٌ مُشَابِهَةٌ فِي مُؤَلَّفَاتٍ يُونَانِيَّةٍ أُخْرَى مِثْلِ نَشِيدٌ لِزِيُوس لِلْكَاتِبِ ٱلرِّوَاقِيِّ كِلِيَانْتِيس.‏

المطبوعات باللغة العربية (‏١٩٧٩-‏٢٠٢٥)‏
الخروج
الدخول
  • العربية
  • مشاركة
  • التفضيلات
  • Copyright © 2025 Watch Tower Bible and Tract Society of Pennsylvania
  • شروط الاستخدام
  • سياسة الخصوصية
  • إعدادات الخصوصية
  • JW.ORG
  • الدخول
مشاركة