-
مَن يصير مدمنا، ولماذا؟استيقظ! ١٩٩٤ | نيسان (ابريل) ٢٢
-
-
مَن يصير مدمنا، ولماذا؟
فيما تقودون سيارتكم على طريق رئيسي، تسمعون قعقعة غريبة تأتي من المحرِّك. فكيف تتجاوبون؟ هل ترفعون غطاء المحرِّك لتتفحَّصوا عن المشكلة؟ ام ترفعون صوت الراديو ليغلب على الضجيج؟
يبدو الجواب واضحا، ومع ذلك يختار المدمنون الامر الخاطئ باستمرار — لا في ما يختصّ بسياراتهم، انما بحياتهم. فمن خلال ادمان مواد كالمخدِّرات، الكحول، وحتى الطعام، يحاول كثيرون ان يغطُّوا مشاكلهم الشخصية لا ان يتعاملوا معها بنجاح.
وكيف يمكن للشخص ان يعرف ما اذا كان مدمنا ام لا؟ يصف احد الاطباء ذلك على هذا النحو: «من حيث الاساس، يكون استعمال مخدِّر ما او ممارسة نشاط ما ادمانا اذا كان يتسبَّب بمشاكل في حياتكم ومع ذلك تستمرون في القيام به.»
عندما تكون هذه هي الحال، غالبا ما تكون هنالك تحت غطاء المحرِّك، اذا جاز التعبير، مشكلة اخطر بكثير يلزم التفحُّص عنها قبل التمكن من تغيير مسلك الادمان.
المخدِّرات والكحول
ما الذي يضع الشخص في طريق ادمان المخدِّرات والكحول؟ غالبا ما يلعب ضغط النظير والفضول دورا بارزا، وخصوصا عند الاحداث. والسبب الذي من اجله يصير اناس كثيرون مدمنين انما هو معاشرتهم الردية للذين يسيئون استعمال الكحول والمخدِّرات. (١ كورنثوس ١٥:٣٣) وقد يفسِّر ذلك استطلاعا اميركيا كشف ان ٤١ في المئة من طلاب السنة الاخيرة في المدارس الثانوية ينغمسون بإفراط في الشرب كل اسبوعين.
ولكن هنالك فرق بين اساءة الاستعمال والادمان. فكثيرون ممَّن يسيئون استعمال المواد ليسوا مدمنين.a فيمكن لهؤلاء ان يتوقفوا عن اساءة استعمالها ولا يتملكهم دافع قسري الى العودة اليها. لكنَّ المدمنين يجدون انه ليس في مقدورهم التوقف. وعلاوة على ذلك، يفوق الكرب اية متعة تتَّسم بنشوة وقتية استمدوها قبلا. يوضح كتاب الادمانات: «ان المسلك التقليدي لدى المدمنين هو انهم، في وقت ما، يبدأون بكره انفسهم، ويصيرون معذَّبين بشدة بسبب السيطرة التي احرزها ادمانهم.»
ان كثيرين ممَّن يعتمدون على الكحول او المخدِّرات يستعملونها كطرق للهروب من ازمات عاطفية. وهذه الازمات شائعة كثيرا جدا اليوم. ويجب الا يدهشنا ذلك فعلا، لأن الكتاب المقدس يحدِّد هوية هذه الايام بصفتها «الايام الاخيرة» لنظام الاشياء هذا، الوقت الذي ستكون فيه «ازمنة صعبة.» وقد انبأ الكتاب المقدس مسبقا ان الناس سيكونون «محبين للمال،» «مستكبرين،» «شرسين،» «خائنين،» و«متصلفين.» (٢ تيموثاوس ٣:١-٤) وقد خلقت هذه السِّمات محيطا يشكِّل تربة خصبة للادمان.
نتجت ازمة سوزن العاطفية من المعاملة السيئة خلال ماضيها. وهكذا، تحولت الى استعمال الكوكائين. تقول: «لقد منحني شعورا زائفا بالسيطرة واحترام الذات.» وتضيف: «ومنحني شعورا بالسلطة لم اكن اشعر به من ذي قبل.»
وكشفت دراسة لمدمنين مراهقين ذكور ان اكثر من الثلث أُسيء اليهم جسديا. ووجدت دراسة اخرى لـ ١٧٨ امرأة كحولية راشدة ان ٨٨ في المئة تعرَّضن لسوء المعاملة الشديدة بطريقة او بأخرى. ويقول الكتاب المقدس في جامعة ٧:٧: «الظلم يحمِّق الحكيم.» فالشخص الذي يتألم عاطفيا بسبب بعض الاختبارات المريعة في حياته قد يتحول لاحقا بدون تفكير منطقي الى المخدِّرات او الكحول من اجل الراحة.
لكنَّ ادمان المخدِّرات والكحول ليس الادمان الوحيد.
اضطرابات الاكل
تخدم احيانا اضطرابات الاكل (التي يدعوها بعض الخبراء ادمانات) كتلهية عن المشاعر الكريهة. على سبيل المثال، يستخدم البعض الوزنَ الزائد كشيء يلومونه على خيبات الامل الشخصية. تقول جِني: «اعتقد احيانا اني ابقى سمينة لأن كل ما هو خطأ في حياتي يمكن ان يُنسب الى ذلك.» وتضيف: «وهكذا، إن لم يُعجب بي احد، يمكنني دائما ان ألوم وزني.»
وبالنسبة الى آخرين، يزوِّد الطعام شعورا باطلا بالسيطرة.b فقد يكون الطعام المجالَ الوحيد الذي فيه يشعر الفرد بأنه يملك سلطة. وكثيرون من المصابين باضطرابات الاكل يعتقدون ان فيهم عيبا ما. وليبنوا مشاعر القيمة الذاتية، يسعون الى قمع توق جسمهم الى الطعام. قالت احدى النساء: «انت تجعل من جسمك مملكتك الخاصة حيث تكون انت الطاغية، الحاكم المطلق.»
ان الاختبارات المذكورة اعلاه ليست ابدا تعليلا شاملا لإدمان المخدِّرات، الكحول، والطعام. فقد يشمل الامر عوامل شتّى. حتى ان بعض الخبراء يلمِّحون الى صلة وراثية تجعل البعض عرضة للادمان اكثر من غيرهم. يقول جاك هانِنڠْفيلد من المعهد القومي لإساءة استعمال المخدِّرات: «ما نراه هو تفاعل للشخصية مع المحيط، علم الاحياء والمقبولية الاجتماعية.» ويضيف: «نحن لا نريد ان نُخدع بالنظر الى عامل واحد فقط.»
مهما كانت الحال، فليس هنالك مدمن — ايًّا كان سبب ادمانه — محكوم عليه جسديا او عاطفيا. فالمساعدة متوافرة.
[الحاشيتان]
a ان اساءة استعمال الكحول او المخدِّرات الاخرى — سواء أكانت تؤدي الى الادمان ام لا — هي طبعا امرٌ مدنِّس ويجب ان يتجنبه المسيحيون. — ٢ كورنثوس ٧:١.
b يمكن ايجاد معلومات اضافية حول اضطرابات الاكل في عددَي ٢٢ كانون الاول ١٩٩٠ و ٢٢ شباط ١٩٩٢ من استيقظ!
[الاطار في الصفحة ٥]
آفة الادمان العالمية النطاق
▪ كشف استطلاع في المكسيك ان ١ من كل ٨ اشخاص بين الـ ١٤ والـ ٦٥ من العمر هو كحولي.
▪ تخبر المشرفة الاجتماعية سَريتا برودِن بتكاثر اضطرابات الاكل في اليابان. تقول: «بين السنتين ١٩٤٠ و ١٩٦٥، ازداد انتشار اضطرابات الاكل باطِّراد مع قفزة لاحقة في عدد المرضى الذين يتلقون العلاج ملازمين المستشفيات والذين يعالَجون وإنما ينصرفون ليلا الى بيوتهم على السواء، وذلك بين السنتين ١٩٦٥ و ١٩٨١. ولكن، منذ السنة ١٩٨١، كان ازدياد القَهَم anorexia والنُّهام bulimia مذهلا.»
▪ في الصين يبدو ان عدد الذين يتعاطون الهيروئين يرتفع بسرعة. يقول الدكتور لي جِييَنْهْوا الذي يعمل في مركز ابحاث كُونْمينْڠ لإساءة استعمال المخدِّرات: «امتد الهيروئين من الحدود الى الداخل، من الريف الى المدن، وإلى اشخاص اصغر فأصغر.»
▪ في زوريخ، سويسرا، انتهت سوق مخدِّرات اختبارية بخيبة امل. «اعتقدنا اننا سنتمكن من ايجاد المروِّجين، ولكننا فشلنا،» قال الدكتور ألبرت ڤايتْسْتاين معربا عن اسفه لأنهم كانوا يجذبون فقط مروِّجي المخدِّرات ومستعمليها من اماكن بعيدة.
-
-
التغلُّب على ادمان المواداستيقظ! ١٩٩٤ | نيسان (ابريل) ٢٢
-
-
التغلُّب على ادمان المواد
ان الانقطاع عن ادمان شيء هو مثل الانتقال من بيت تربيتم فيه. فحتى لو كان البيت قديما ومتهدما، يبقى من الصعب تركه. فقد كان بيتكم.
وإذا كنتم شخصا مدمنا، فإدمانكم على الارجح هو بيتكم العاطفي. وعلى الرغم من انه دون شك في حالة من الفوضى، فقد اعتدتم ذلك. يقول تشارلز، كحولي متعافٍ: «الثَّمَل امر طبيعي بالنسبة اليَّ. أما الصحو فليس كذلك.» فالابتعاد عن الادمان سيكون صعبا، لكنَّ الامر يستحق المحاولة.
الخطوة الاولى هي الامتناع عن المواد المسبِّبة الادمان.a لا تؤجلوا ذلك او تَعِدوا بالتوقف تدريجيا. تخلصوا فورا من كل الكميات الموجودة والادوات المتعلقة بها. وستتبع ذلك مرحلة قصيرة تعانون فيها اعراض الانقطاع. وقد يكون من الافضل احيانا اجتيازها تحت اشراف طبي. تلك هي بداية امتناع مدى العمر. ولا تعتقدوا ان الامر مستحيل. ابدأوا برسم هدف يمكنكم تحقيقه: الامتناع مدة شهر، اسبوع، او حتى يوم. وفي نهاية كل فترة، وبدون الرجوع الى تعاطيها، جدِّدوا تصميمكم.
هذه هي البداية فقط في تغيُّر السلوك الادماني. ويحضنا الكتاب المقدس على ‹تطهير ذواتنا من كل دنس الجسد والروح.› (٢ كورنثوس ٧:١) والادمان هو اكثر من دنس للجسد. فالروح، او الميل العقلي، تتأثر ايضا. فماذا يمكن فعله للشفاء، جسدا وروحا على السواء؟
الجهد المستمر ضروري
يقول الدكتور روبرت ل. دوپونْت: «الادمان هو اضطراب لكامل الذات.» لذلك يجب ان ينصبَّ الاهتمام بالتغلُّب على الادمان الى الشخص ككل. ويجب ان يغيِّر كامل نظام قِيَمكم. ويتطلب ذلك وقتا. وليست هنالك طريق مختصرة الى الشفاء. وأيّ وعد بالشفاء العاجل لن يؤدي الا الى انتكاس عاجل.
والصراع لفعل ما هو صواب هو صراع متواصل. كتب الرسول المسيحي بولس: «ارى ناموسا آخر في اعضائي يحارب [«في صراع مستمر مع،» فيلپس] ناموس ذهني.» (رومية ٧:٢٣) وكتب ايضا انه يجب ان يكون المسيحيون «مكمِّلين القداسة.» (٢ كورنثوس ٧:١) ويذكر كتاب صوَر الكلام في العهد الجديد ان الكلمة «مكمِّلين» لا تعني هنا «احرازا مفاجئا للقداسة التامة، بل عملية مستمرة.» لذلك فإن التغلب على الادمان هو امر تدريجي.
البحث عن السبب
بالنسبة الى كثيرين، الادمان هو محاولة لدفن الحوادث المؤلمة التي وقعت في الماضي. تقول جانِس: «كان النُّهام يلهيني عن الذكريات،» مضيفةً انه «صار طريقتي للبقاء حية.» وبالنسبة الى جانِس، كان تجاهل الماضي يديم ادمانها. وتفهُّم اسباب سلوكها ساعد جانِس على تغيير مسلكها الادماني.
يغيِّر البعض العادات السابقة ويتمكنون من التغلُّب عليها بنجاح دون فحص الماضي. ويجد آخرون ان المشاعر المتأصلة في محيطهم السابق تستمر في تأجيج التوق الادماني. وقد يشعرون كما شعر المرنم الملهم داود الذي كتب: «اختبرني يا اللّٰه واعرف قلبي امتحنِّي واعرف افكاري [«همومي،» الترجمة اليسوعية الجديدة]. وانظر إن كان فيَّ طريق باطل واهدني طريقا ابديا.» — مزمور ١٣٩:٢٣، ٢٤.
الاهتمام بأمر المشاعر
هل خرجتم يوما ما من بناء مظلم الى ضوء الشمس مباشرة؟ فأنتم ترتدُّون الى الوراء عندما يفاجئكم سطوع الضوء. وبشكل مشابه، عندما تبدأون بمكافحة الادمانات بنجاح، قد تجدون ان فيضا من المشاعر المتنوعة يجيش فيكم بشكل مفاجئ ومؤلم. فالانفعالات التي كانت مستَترة لوقت طويل، كالمحبة، الغضب، الكبرياء، الغيرة، الخوف، الاستياء، وغيرها تبرز الآن بكل قوتها.
قد تحدِّثكم مشاعر القلق في نفسكم بالتراجع والعودة الى الظلمة المألوفة لإساءة استعمال المواد. ولكن لا يلزم ان تهربوا من مشاعركم. فقد تكون لكم مصدرا مساعدا للمعلومات. وغالبا ما تكون المشاعر مجرد اشارة الى امر يحتاج الى الانتباه. لذلك، اذا لزم الامر، أمعنوا النظر في مشاعركم طويلا. فبماذا تحدِّثكم؟ اذا لم تكن الرسالة واضحة او بدت مشاعركم ساحقة، فأَسِرُّوا بها الى صديق ناضج. (ايوب ٧:١١) فلستم مضطرين الى مواجهة مشاعركم وحدكم. — قارنوا امثال ١٢:٢٥.
تذكروا ان المشاعر ليست بالضرورة اعداءكم. فيهوه اللّٰه نفسه لديه مشاعر قوية، والانسان — المخلوق على صورة اللّٰه — يختبر الامر عينه. (تكوين ١:٢٦؛ مزمور ٧٨:٢١، ٤٠، ٤١؛ ١ يوحنا ٤:٨) ومثل الوهج المفاجئ لضوء الشمس، قد تكون المشاعر مؤلمة في البداية. لكنها ستصير على مر الايام مصدرا للتوجيه والدفء، مثل ضوء الشمس.
حل المشكلة
ان السير على حبل البهلوان يشل من الخوف الشخص الذي يخشى الاماكن العالية. وبالنسبة الى المدمن الذي يتماثل للشفاء، قد تبدو الحياة كالسير المرعب على حبل البهلوان. فقد تُحدث مسؤوليات الصحو الرفيعة خوفا من الاماكن العالية، اذا جاز التعبير. وقد يجعلكم توقُّع الفشل تفكِّرون: ‹انا سأسقط على اية حال. فلماذا لا يكون ذلك الآن؟›
ولكن تذكروا ان المشاكل ليست اعتداءات عليكم كشخص. انها مجرد اوضاع تلزم معالجتها. فلا تهلعوا. واجهوا مشاكلكم، واحدة فواحدة. فسيساعدكم ذلك على وضعها في نصابها. — ١ كورنثوس ١٠:١٣.
القيمة الذاتية
كان على ماريون، كحولية متعافية، ان تعالج الشعور بالنقص في قيمتها الذاتية. تقول: «كنت دائما اشعر في قرارة نفسي بأنه اذا رآني [الناس] على حقيقتي، فلن اعجبهم.»
يتطلب التحرر من قبضة الادمان ان تعرفوا — ربما لاول مرة — قيمتكم كشخص. وهذا امر صعب اذا كان الادمان يمزِّق حياتكم. فماذا يمكن ان يساعد؟
الكتاب المقدس هو كتاب يزوِّد التعزية للمكتئبين. فيمكنه ان يساعدكم على بناء احترام سليم للذات. (مزمور ٩٤:١٩) مثلا، كتب المرنم الملهم داود ان البشر مكلَّلون «بمجد وبهاء.» وقال ايضا: «بطريقة توحي بالرهبة انا مصنوع على نحو عجيب.» (مزمور ٨:٥؛ ١٣٩:١٤، عج) فيا لها من كلمات جميلة تعبِّر عن قيمة ذاتية سليمة!
أعزُّوا جسدكم، وإذا فعلتم ذلك فستهتمون به بروح الآية: «لم يبغض احد جسده قط بل يقوته ويربيه.» (افسس ٥:٢٩) نعم، يمكنكم ان تواجهوا تحدّي الشفاء من الادمان.b
ولكن يمكن ان يشمل الادمان امرا آخر. فيمكن ان تمارَس نشاطات بالتعلُّق الشديد نفسه وللهدف نفسه كما هي الحال مع المخدِّرات، الكحول، والطعام. وسيجري التأمل الآن في بعض هذه النشاطات.
[الحاشيتان]
a لا يمكن طبعا للذين يعانون اضطرابات الاكل ان يمتنعوا عن الطعام. ولكن بإمكانهم التوقف عن استعمال الطعام كمغيِّر للمزاج. فيمكن استبدال حالات الافراط في الاكل، عدم الاكل، التقيؤ العمدي، والتفكير الاستحواذي في الطعام بنظام غذائي معقول.
b للمداومة على امتناعهم وللتقدم في عملية الشفاء، ينشد البعض برنامجا للتأهيل. وهنالك مراكز كثيرة للمعالجة، مستشفيات، ومصادر اخرى تقدم برنامجا كهذا. ولا تؤيد استيقظ! اية معالجة محددة. ويُنصح الراغبون في العيش حسب مبادئ الكتاب المقدس ان ينتبهوا لئلا يتورطوا في نشاطات تحمل على المسايرة على حساب المبادئ المؤسسة على الاسفار المقدسة.
[النبذة في الصفحة ٦]
«الشفاء هو بالاكثر قضية تغيير لكامل نظام قِيَم [المرء].» — الدكتور روبرت ل. دوپونْت.
[الصورة في الصفحة ٧]
الخطوة الاولى هي الامتناع عن المواد المسبِّبة الادمان
[الصورة في الصفحة ٨]
عندما تسحقكم المشاعر، حدِّثوا بها شخصا آخر
-
-
عندما تصير النشاطات ادمانيةاستيقظ! ١٩٩٤ | نيسان (ابريل) ٢٢
-
-
عندما تصير النشاطات ادمانية
ادمان المواد وإدمان النشاطات هما قطاران يسيران في الاتجاه نفسه وعلى سكة مشتركة.a فلكليهما الوجهة نفسها او الهدف نفسه: تغيير الامزجة وإخفاء المشاعر المؤلمة. فلنتأمل في بعض امثلة ادمان النشاطات.
الادمان على العمل
دعي الادمان على العمل ادمانا محترَما. فالمدمنون على العمل هم مستخدَمون ممتازون. ولكنهم قد يشعرون ضمنًا بعدم الاكتفاء. ويمكن ان يصير العمل إما تلهية عن مشاعر مؤلمة او سعيا استحواذيا لملاقاة الاستحسان.
يحمي الجليد المتزلج من الغرق في الماء؛ ويحمي النشاط المدمن على العمل من الغرق في بحر مشاعره. وكالمتزلج، يمكن للمدمن على العمل ان يؤدي عرضا رائعا ويثير الاعجاب. ولكن كل ذلك هو على السطح. فماذا يكمن تحت السطح؟ تكتب المرشدة في مجال الصحة العقلية ليندا ت. سانْفورد: «عندما لا يكون المدمن على العمل مستغرقا في عمله، قد تغمره مشاعر مريعة من الكآبة، القلق، الغضب، اليأس والفراغ.»
ان القَسْر المتأصل لدى مدمنين كثيرين على العمل يدلّ ضمنًا على انه ميزة طويلة الامد، وربما تمتد جذوره الى نشأة المرء. وقد صح ذلك في حالة امرأة سندعوها ماري. فمن سنها السادسة كانت تحاول ان تكسب محبة ابيها الكحولي من خلال الطبخ والعمل المنزلي. تقول: «صار ذلك قسريا. فقد شعرتُ بأنه اذا قمتُ بالمزيد او اذا تحسَّنت، فسيحبني. وكل ما كنت احصل عليه بالمقابل هو الانتقاد.»
وكراشدة لا تزال ماري تتصارع مع هذا التفكير الخاطئ. تعترف: «لا ازال اشعر ضمنًا بأنني عديمة القيمة. لا ازال اشعر بأنه عليَّ ان اكسب المحبة، بأنه لا قيمة لي ما لم انتج شيئا. وفي اللقاءات الاجتماعية أُتعب نفسي بالطبخ وخدمة الآخرين، كما لو انني احاول ان اكسب حقي في ان اكون هناك.»
من الضروري ان يحرز امثال ماري نظرة متزنة الى العمل. فالكتاب المقدس يمدح العمل بكد. (امثال ٦:٦-٨؛ ٢ تسالونيكي ٣:١٠، ١٢) ويهوه اللّٰه نفسه هو منتج. (مزمور ١٠٤:٢٤؛ يوحنا ٥:١٧) ولكنه لا يعمل ذلك قَسْرا ابدا. وقد رأى يهوه ان اعماله الخلقية حسنة ليس فقط عندما تمَّت بل حتى خلال عملية الخلق. — تكوين ١:٤، ١٢، ١٨، ٢١، ٢٥، ٣١؛ قارنوا جامعة ٥:١٨.
وبشكل مماثل، اظهر الصانع عند يهوه اللّٰه، يسوع، ابنه، رضاه الشخصي عن عمله. (امثال ٨:٣٠، ٣١) ووعد يسوع أتباعه بأنهم سيجدون انتعاشا في العمل معه. وقد اشتركوا معا في تعيين بالغ الاهمية. لكنَّ ذلك لم يمنعهم من الاستراحة. — متى ١١:٢٨-٣٠، عج؛ مرقس ٦:٣١؛ قارنوا جامعة ٤:٦.
ربما كان احد والديكم يلمِّح الى ان قيمتكم تعتمد على الانجاز الذي تقومون به او انه سيجري الامتناع عن اظهار المحبة الى ان تُستحَق. وسيريحكم ان تعرفوا ان ذلك ليس رأي يهوه في التنشئة اللائقة. تنصح كلمته: «ايها الآباء لا تغيظوا اولادكم لئلا يفشلوا [«يشعروا بأنهم ادنى،» الكتاب المقدس الموسَّع].» (كولوسي ٣:٢١) فيهوه لا يمتنع عن اظهار المحبة الى ان تُستحَق. فمحبته ليست امرا يمنحه فقط بعد ان يحبه المرء ويخدمه. والكتاب المقدس يخبرنا انه «احبَّنا اولا،» نعم، اخذ المبادرة وأحبَّنا «ونحن بعدُ خطاة.» (١ يوحنا ٤:١٩؛ رومية ٥:٦-٨) وعلاوة على ذلك، لا ينتقد يهوه جهودنا المخلصة لفعل مشيئته. لذلك تصير خدمتنا له تعبيرا صادقا عن محبتنا له.
الادمان على التلفزيون
يدعو البعض الافراط في مشاهدة التلفزيون ادمانا. «كما هي الحال مع المخدِّرات او الكحول،» تكتب ماري وِن في مؤلَّفها المخدِّر ذو القابس، «تسمح مشاهدة التلفزيون للمُشاهد بأن يمحو العالم الحقيقي ويدخل في حالة عقلية مُرضية وخاملة.»
ليس من الخطإ طبعا ان يلتهي المرء عن مسؤوليات الحياة — وقتيا. لكنَّ بعض المشاهدين لا يعودون ابدا الى الواقع. اعترف زوج لم يعد يتمكن فجأة من مشاهدة التلفزيون عندما تعطَّل الجهاز: «اشعر بأن عقلي كان محنَّطا كليا طوال كل هذه السنوات. كنتُ ملتصقا بتلك الآلة كما بالغراء ولم اتمكن من التحرر بطريقة او بأخرى.» ويصف حدث يُدعى كاي دافعا قسريا مشابها: «انا لا اريد ان اشاهد التلفزيون بقدر ما افعل، لكن لا حيلة لي في ذلك. فهو يجعلني اشاهده.»
يعيق الافراط في مشاهدة التلفزيون المقدرة التفكيرية. ويوصي الكتاب المقدس بالتأمل، الامر الذي يتطلَّب مقدارا من العزلة. (يشوع ١:٨؛ مزمور ١:٢، ٣؛ ١٤٥:٥؛ متى ١٤:٢٣؛ لوقا ٤:٤٢؛ ٥:١٦؛ ١ تيموثاوس ٤:١٥، الترجمة اليسوعية) وهذا ما يخيف اناسا كثيرين. فأعصابهم تتوتر بشدة عندما يكتنفهم الصمت. ويخشون ان يبقوا وحدهم مع افكارهم الخاصة. فيبحثون بجنون عن ايّ شيء يملأون به الفراغ، فيزوِّد التلفزيون العلاج السريع. ولكن، حتى في افضل حالاته، ليس التلفزيون الا مجرد بديل للحياة الحقيقية.
المقامرة القسرية
تتأصل المقامرة في الجشع. ولكن غالبا ما تكون المقامرة القسرية اكثر بكثير من قضية مال.b يقول نايْجل: «كنتُ بحاجة الى الإثارة لأهرب من الواقع. لقد كان الامر تماما كتناول مخدِّر.» فبالنسبة الى المقامر القسري، غالبا ما تكون عملية المقامرة بحد ذاتها مكافأة. لكنَّ النتائج لا تأتي بنفع. فقد خسر نايْجل اصدقاءه. ويخسر آخرون عائلاتهم. ويخسر كثيرون صحتهم. وفي النهاية يخسر الجميع اموالهم. لكنَّ قليلين يتوقفون، لأن القضية ليست قضية ربح او خسارة. فالانهماك في اللعبة — عملية اللعب — هو ما يغيِّر المزاج ويمنح شعورا بالإثارة كالذي تسبِّبه المخدِّرات.
قد تكون المقامرة تلهية عن مشاكل الحياة، لكنها لن تزيلها. فالشخص المصاب اصابة خطيرة يحتاج الى اكثر من مسكِّن. فيجب ان تعالَج جروحه. وإذا كانت هنالك جروح حملت الشخص على المقامرة، يجب ان يعرف ما هي ويعالجها. ويتطلب ذلك الشجاعة، لكنَّ ذلك يجلب المكافأة في النهاية.
تحرَّروا
للتحرُّر من ايّ ادمان، يجب عدم تجاهل الكرب الداخلي الذي غالبا ما يدعم الادمان. ويجب ان يحاول المدمن معالجة المشكلة من مصدرها. ويشكِّل ذلك تحديا. يقول مدمن سابق: «انت لا تتوقف بسهولة عن استعمال المخدِّرات والكحول بعد ٣٠ سنة، وخصوصا اذا كان ادمانك يموِّه مشكلة متأصلة.»
ومع ذلك، يستحق التحرُّر من الادمان المحاولة. وتُحسِن ماري، العاملة القسرية المذكورة سابقا، وصْف ذلك. تقول: «كنت لسنوات اهرب من الامور التي اخاف مواجهتها. أما الآن، بعد ان واجهتُ تلك الامور، فمن المدهش كم اصبحَت صغيرة الشأن.»
كان ذلك اختبار كثيرين من الذين نجحوا في التغلُّب على الادمان. وبدلا من ان يبقوا «عبيدا للعادات المدمِّرة،» صلَّوا طلبا ‹للقدرة فوق ما هو عادي› لكي يواجهوا بنجاح تحدّي التغلُّب على الادمان. — ٢ بطرس ٢:١٩، الترجمة الانكليزية الحديثة؛ ٢ كورنثوس ٤:٧، عج.
[الحاشيتان]
a يدور جدل كثير حول ما يمكن وما لا يمكن تسميته ادمانا. ويفضِّل البعض تسمية النشاطات الادمانية بـ «القَسْر.» وفي هذه المقالات كنا نستكشف دور الادمانات ‹كطرق عاطفية للهروب.› وبما انه من الممكن ان تمارَس النشاطات للهدف نفسه، سنشير اليها هنا بصفتها «ادمانات.»
b بالتباين مع العمل ومشاهدة التلفزيون، يتجنب المسيحيون المقامرة كليا، بكل اشكالها. (قارنوا اشعياء ٦٥:١١.) ومن اجل المزيد من المعلومات، انظروا استيقظ!، عدد ٨ حزيران ١٩٩٢، الصفحات ٣-١١.
[النبذة في الصفحة ٩]
‹يمكن ان تُطبَّق العبارة ادمانات على كل انواع السلوك القسري.› — الدكتور ج. پاتريك ڠانون.
[الصورة في الصفحة ١٠]
بالنسبة الى المدمن على العمل، يبدو العمل اهم من العائلة
[الصورة في الصفحة ١٠]
يمكن للمقامرة ان تغيِّر مزاج المرء وتسبِّب شعورا بالإثارة كالذي تسبِّبه المخدِّرات
-