-
الابحاث الحيوانية — بركة ام لعنة؟استيقظ! ١٩٩٠ | تموز (يوليو) ٨
-
-
الابحاث الحيوانية — بركة ام لعنة؟
اذا كنتم بين الملايين الكثيرة من الاشخاص الذين تنفَّسوا نسمة الحياة لأول مرة نحو بداية هذا القرن فلعلَّكم تعرفون جيدا ان طول عمركم قد تجاوز كثيرا توقُّعات والديكم والدكتور او القابلة الذي تولَّى ولادتكم. وإذا كنتم مولودين في الولايات المتحدة، كندا، او اوروپا، فإن معدَّل عمركم المتوقَّع في السنة ١٩٠٠ كان حوالي ٤٧ سنة. وفي بلدان اخرى كانت امكانية الحياة اقل ايضا. أمّا اليوم فإن معدَّل العمر المتوقَّع في بلدان كثيرة هو اكثر من ٧٠ سنة.
ومهما يكن عمركم فإنكم تعيشون في زمن مفارقة. فأجدادكم او آباء اجدادكم شهدوا التأثيرات التي لا يمكن ضبطها للامراض العديدة التي اهلكت القسم الاعظم من جيلهم. الجدَريّ، على سبيل المثال، اخذ حياة آلاف لا تُحصى سنويا وترك ندوبا في ملايين آخرين مدى الحياة. وأخذت الإنفلونزا ضريبتها — وباء واحد فقط أدّى الى موت ٢٠ مليون شخص في سنة واحدة (١٩١٨-١٩١٩). وعقب الحرب العالمية الاولى قتل التَّيفوس الوبائي ثلاثة ملايين شخص في روسيا. وظهرت اوبئة التيفوس في بلدان اخرى كثيرة خلال الحرب العالمية الثانية. ويقدَّر انه قد مات ٢٥ من كل ١٠٠ شخص أُصيبوا بالخمج خلال اوبئة التيفوس.
والمرض المفزع شلل الاطفال، المعروف في ما بعد بالتهاب سنجابية النخاع، أنقص سكان العالم نحو ٠٠٠,٣٠ شخص سنويا وأقعد آلافا آخرين، وخصوصا الاولاد. وهنالك اولئك الذين كانوا في سنّ غضَّة ممَّن لم ينجوا من نوبتهم الاولى لحمى التيفوئيد او الخُناق، الحمى القرمزية او الحصبة، الشاهوق او ذات الرئة. ويبدو ان القائمة لا نهاية لها. ومن كل ٠٠٠,١٠٠ طفل وُلدوا في سنة ١٩١٥ مات ٠٠٠,١٠ تقريبا قبل يوم ميلادهم الاول. كانت اورام الدماغ غير قابلة للعملية. والقدرة على فتح الشرايين المسدودة لم تكن معروفة. كان الاطباء عاجزين عن انقاذ ضحايا النوبة القلبية، وكان السرطان يؤدِّي الى موت محتوم.
وعلى الرغم من البلايا المميتة التي تجتاح العالم منذ حوالي السنة ١٩٠٠ وقبل ذلك فقد ازداد معدَّل العمر المتوقَّع للانسان اليوم ٢٥ سنة تقريبا. وهكذا، في انحاء كثيرة من العالم، لدى الطفل المولود اليوم معدَّل عمر متوقَّع يبلغ حوالي ٧٠ سنة.
الثمن المدفوع لإنقاذ الحياة
ومن حسن التوفيق ان معظم الاحداث الاحياء اليوم قد نجوا من الامراض المهلكة الكثيرة التي كانت مسؤولة عن الوفاة المبكرة لكثيرين من اسلافهم. لكنهم ربَّما لا يسرّون بالمعرفة ان الكثير من اصدقاء الانسان من ذوات الفرو — الكلاب، القططة، الارانب، القرود، وغيرها — جرت التضحية بها في سبيل العلم الطبي ‹لكي يتمكَّن الناس من العيش حياة اطول وصحّية اكثر،› كما يميل العلماء الى التعبير عن ذلك.
وبالإجمال، ان كل الامراض التي أُزيلت او جرت السيطرة عليها في هذا القرن — التهاب سنجابية النخاع، الخُناق، النُّكاف، الحصبة، الحصبة الالمانية، الجدَريّ، وغيرها — جرى التغلُّب عليها بواسطة الابحاث الحيوانية. والمُبنِّجات والمُسكِّنات، الاطعام والمداواة عبر الوريد، المعالجة الشعاعية والمعالجة الكيميائية للسرطان، كلها اختُبرت وأُثبتت فعاليتها اولا على الحيوانات. وتلك هي مجرد القليل.
«ليست هنالك إجمالا معالجة رئيسية او إجراءات جراحية في الطب الحديث كان يمكن ان تتطوَّر دون الابحاث الحيوانية،» قال الدكتور روبرت ج. هوايت، طبيب اعصاب مشهور. «لقد قاد العمل على الكلاب والحيوانات الاخرى الى اكتشاف الأنسولين وضبط الداء السكَّري، الى جراحة القلب المفتوح، الناظمة القلبية وكامل مجال غرس الاعضاء. والتهاب سنجابية النخاع . . . جرى استئصاله كلّيا تقريبا في الولايات المتحدة باللقاحات الواقية التي حُسِّنت باستعمال القرود. وبالعمل على الحيوانات رفع الباحثون معدَّل شفاء الاولاد المبتلين بالابيضاض اللمفاوي الحادّ lymphocytic leukemia acute من اربعة في المئة في سنة ١٩٦٥ الى ٧٠ في المئة حاليا،» قال الدكتور نفسه.
ودور الابحاث الحيوانية يؤكِّده هارولد پيرسن، مساعد مختبَرٍ سابق، الذي عمل تحت اشراف الدكتور ف. س. روبنز في جامعة وسترن ريزرڤ، كليڤلند، أوهايو، الولايات المتحدة الاميركية. فقد أخبر استيقظ! بأن برنامجهم لاكتشاف لقاح فموي لالتهاب سنجابية النخاع اشتمل على استعمال كُلى القرود. والنسيج من كلْية واحدة يمكن استعماله لآلاف الاختبارات. شرح: «حُفظت القرود في أحوال تتَّسم بالرفق وكانت دائما تحت تأثير البنج عند إجراء العملية عليها. وبالتأكيد لم تكن هنالك وحشية متعمَّدة. ولكن، بسبب عملياتها، كانت ضحايا لاطَوْعية للوحشية العلمية.»
جراحة القلب ومرض الزهيمر
كنتيجة مباشرة للابحاث الحيوانية طُوِّرت مهارات جراحية جديدة لفتح الشرايين المسدودة برواسب كولستيرولية، وبالتالي منع حدوث نوبات قلبية كثيرة — المسبِّب الرئيسي للوفاة في العالم الغربي. وبإجراء التجارب اولا على الحيوانات تعلَّم الاطباء كيف يزيلون بنجاح الاورام الكتلية من الدماغ البشري ويعيدون غرز الاطراف المبتورة — الاذرع، السيقان، الايدي، والأصابع. والدكتور مايكل دبغي، الذي اجرى اول مَجَازة bypass ناجحة للشريان الإكليلي، قال: «في حقلي الخاص للاستقصاء السريري، كل تطوُّر رائد بالإجمال في الجراحة القلبية الوعائية كان مؤسَّسا على إجراء التجارب الحيوانية.»
وعن مرض الزهيمر Alzheimer قال الدكتور زاڤين خاتشاتوريان من المعهد القومي للشيخوخة في الولايات المتحدة: «قبل ثماني سنوات كنا في مستوى الصفر. وهنالك تقدُّم لا يصدَّق في ابحاث الزهيمر بسبب استثمارنا الابحاث الاساسية المتعلقة بوظيفة الدماغ العائدة الى ثلاثينات الـ ١٩٠٠.» ومعظم العمل تضمَّن الحيوانات، ولاحظ الدكتور انها تمسك بمفتاح التقدُّم المستمر.
الأيدز وداء پَرْكِنْسُون
ان البحث الاكثر اهمية الآن، والذي يجعل العلماء والاختصاصيين في المناعة يعملون وقتا اضافيا، هو من اجل لقاح لمقاومة مرض الأيدز المفزع، الذي يقدِّر بعض الخبراء انه بحلول عام ١٩٩١ سيقتل حوالي ٠٠٠,٢٠٠ شخص في الولايات المتحدة وحدها. في سنة ١٩٨٥ نجح العلماء في مركز نيو إنڠلند الاقليمي لرتبة الرئيسيات في عزل الڤيروس 3-STLV (SAIDS، النوع النسناسي للأيدز) من قرود مَاكَاك macaque وإدخاله في اخرى. وقال الدكتور نورمان لِتڤين، اختصاصي في المناعة في مركز نيو إنڠلند الاقليمي لرتبة الرئيسيات: «الآن وقد عُزل الڤيروس، لدينا نموذج حيواني نطوِّر فيه لقاحات من اجل القرود ومن اجل البشر. وبالإمكان تعلُّم قدر كبير من عدد صغير جدا من الحيوانات في دراسةٍ مراقَبة اكثر ممّا تتعلَّمون من معاينة مئات مرضى الأيدز البشر.»
ان الاطباء في مركز يرْكيز الاقليمي لابحاث الرئيسات التابع لجامعة إموري في أتلانتا كانوا اول مَن اثبتوا، بواسطة دراساتهم على قرود الريزوس، امكانية إجراء غرس نسيج منتج للدوپامين في الدماغ كمعالجة لداء پَرْكِنْسُون. ومنذ ١٩٨٥ يُجري جرّاحو الاعصاب الجراحة على البشر في مستشفى جامعة إموري. ويشعر الاطباء بأن ذلك يمكن ان يقود الى تقدُّم مفاجئ في ايجاد علاج للداء.
لقد التفت الانسان الى الحيوانات في سعيه وراء اجوبة للاسئلة المحيِّرة عن كيفية تحسين ودعم حياته الناقصة، حتى وقتيا. لكنّ استعمال الحيوانات في الابحاث الطبية ينشئ قضايا ادبية وأخلاقية هامة ليست سهلة الحل.
[الاطار في الصفحة ٥]
الابحاث الحيوانية — ممارسة قديمة
ان الاستعمال الواسع الانتشار للحيوانات من قِبل الاطباء والعلماء لفهم فيزيولوجيا البشر ليس صفة مميِّزة لهذا القرن الـ ٢٠. فقد استُعملت الحيوانات في الابحاث الطبية طوال ٠٠٠,٢ سنة على الاقل. في القرن الثالث قم، في الإسكندرية، مصر، تدلّ السجلات على ان الفيلسوف والعالِم إرسستراتوس استعمل الحيوانات لدراسة وظائف الجسم ووجدها قابلة للتطبيق على البشر. وفي القرن الرابع جمع العالِم اليوناني المشهور أرسْطو بواسطة دراسته للحيوانات معلومات قيِّمة تتعلَّق ببنية ووظيفة الجسم البشري. وبعد ذلك بخمسة قرون استعمل الطبيب اليوناني جالينوس القرود والخنازير ليبرهن نظريته بأن الاوردة لا تنقل الهواء بل بالأحرى الدم.
-
-
الابحاث الحيوانية — ردود الفعل العنيفةاستيقظ! ١٩٩٠ | تموز (يوليو) ٨
-
-
الابحاث الحيوانية — ردود الفعل العنيفة
لو أمكنت جدولة العدد الصحيح للمخلوقات ذوات الأربع قوائم التي تُستعمل في تجارب المختبَر وكنماذج من اجل الابحاث الطبية لكان المجموع الكلّي السنوي في كل العالم مذهلا. ويقدَّر انه على الاقل ١٧ مليون حيوان — كلاب، قططة، حيوانات رتبة الرئيسيات primates، خنازير ماء guinea pigs، وأرانب — تُستعمل كل سنة في الولايات المتحدة وحدها. وتمثِّل الجرذان والفئران ٨٥ في المئة من هذا العدد. وبما انه ليست هنالك سجلات دقيقة عن مكان استعمال هذه الحيوانات او كميتها فإن هذه الاعداد يعتبرها بعض الخبراء تقديرات متواضعة في احسن الاحوال. ويضع بعض المصادر المجموع بالنسبة الى الولايات المتحدة اقرب الى مئة مليون. فهل تجدون هذه الارقام مروِّعة؟
على الرغم من ان التضحية بتلك المخلوقات ذوات الفرو لم تكن دون قصد، هل تنفرون من مجرد التفكير في ذلك؟ هل تعتبرون هذا القتل غير ادبي؟ يشمئز ملايين الناس من استعمال الحيوانات في الابحاث. ويحتج البعض بأن اساءة استعمال الحيوانات هي تعصُّب للنوع Speciesism. فالمتعصِّب للنوع هو الشخص «المتحيِّز الى مصالح نوعه الخاص وضد مصالح الانواع الاخرى.» (اجوبة النقاط/النقاط المضادة للحجج النموذجية لمؤيِّدي تشريح الاحياء) ووفقا لمؤيِّدي تحرير الحيوان، فإن المتعصِّبين للنوع «يعتقدون ان الغاية تبرِّر الوسيلة، وأن الشر لا بدّ من انزاله [بالحيوانات] لتحقيق الخير [للبشر].»
من ناحية ثانية، تُلخَّص وجهة النظر العلمية في الاسئلة التالية: هل تستاؤون من نظام يؤيِّد قتل الحيوانات لكي يتمكَّن الاطباء من تعلُّم تقنيات جديدة في إجراء العمليات على البشر او منع انتشار الامراض المهلكة؟ هل انتم مستعدون للتخلي عن الدواء والعقاقير الجديدة المنقذة للحياة لأنكم تعرفون انها اختبرت على الحيوانات اولا؟ وهل تكونون راغبين، نعم تفضِّلون، ان يُستخدم ولدكم او والدكم الحي ولكن الميت الدماغ في إجراء التجارب الجراحية بدلا من حيوان؟ وأخيرا، هنالك هذا: اذا كان إجراء البحث على حيوان يستطيع انقاذكم او انقاذ شخص عزيز من مرض معذِّب جدا او من الموت، فهل ترفضونه نظرا الى ان التضحية بحيوان من اجل انقاذ انسان هي امر غير ادبي؟ سيقول البعض ان حلّ المعضلة ليس بمثل هذه السهولة.
حركة تحرير الحيوان
ومع ذلك، خلال عقد ثمانينات الـ ١٩٠٠، كان هنالك ميل عاطفي متزايد ضد استعمال الحيوانات في الابحاث. وفي الوقت الحاضر تُرجم ذلك الميل العاطفي الى شبكة عالمية من منظمات ناشطة ما انفكَّت تزداد قوة وعددا. وهي تجاهر جدا بالمطالبة بالالغاء التام لاستعمال كل الحيوانات لإجراء التجارب الطبية او المختبرية.
ان انصار قضية حقوق الحيوان يجعلون اصواتهم مسموعة بواسطة التظاهرات في زوايا الشوارع، مناورات الأروقة السياسية، المجلات والصحف، الاذاعة والتلفزيون، والجديرة بالذكر اكثر، الوسائل الحربية والعنيفة. قال نصير كندي بارز في ما يتعلَّق بحركة التحرير: «انها تنتشر بسرعة عبر اوروپا، اوستراليا ونيوزيلندا. الولايات (المتحدة) تصير اقوى. وثمة نمو غير اعتيادي في كندا. وهنالك مجموعة من الشبكات منتشرة في كل العالم والاتجاه عالميا هو الى دعم حركات حقوق الحيوان الاشد عدوانية.»
ان بعض تلك ‹الشبكات العدوانية› مستعدة لاستعمال العنف في دعم قضيتها. فخلال السنوات القليلة الاخيرة خُرِّب عمدا ٢٥ مختبر ابحاث على الاقل في الولايات المتحدة من قِبل جماعات حقوق الحيوان. ومختبرات الجامعات هوجمت بالقنابل. وسبَّبت هذه الغارات ضررا بقيمة ملايين الدولارات. وأُتلفت سجلات هامة وبيانات قيِّمة. وسُرقت حيوانات الابحاث وأُطلق سراحها. وفي عمل واحد كهذا أُتلف بحث قيِّم في عمى الاطفال. وهُشِّم جهاز غالي الثمن قُدِّرت قيمته بمئات آلاف الدولارات.
في رسالة مفتوحة الى رسميي الجامعات ووسائل الإعلام تفاخرت جماعة محاربة بأن تدمير مجهر قيمته ٠٠٠,١٠ دولار في ١٢ ثانية تقريبا بقضيب فولاذي قيمته ٥ دولارات كان «عائدا جيدا جدا على استثمارنا.» وفي اماكن اخرى للابحاث وجد الاطباء والعلماء الدم مسكوبا على الملفّات ومواد الابحاث وشعارات مؤيِّدي التحرير مرسومة بالمرذاذ على الجدران. ويتحدث احد التقارير عن «المضايقة، بما في ذلك التهديدات بالموت، للعلماء وعائلاتهم.» وفي الولايات المتحدة اصدر مؤيِّدو تحرير الحيوان عددا كبيرا من التهديدات بالموت او العنف للعلماء الافراد. وفي برنامج اذاعي لهيئة الاذاعة البريطانية في لندن سنة ١٩٨٦ قال احد المعلِّقين: «ما يوحِّد الانصار هو الاقتناع بأن الاجراء المباشر — تدمير الممتلكات، وحتى الحياة — مبرَّر ادبيا في حرب لتحرير الحيوانات.»
قالت واحدة من قادة تحرير الحيوان: «لم يتأَذَّ احد ولكنّ ذلك تهديد خطير . . . فعاجلا او آجلا سوف يرد الضربة شخص ما وعندئذ قد تحدث اضرار للبشر.» وفي ١٩٨٦، في المقابلة نفسها، تكهَّنت قائدة التحرير بالعنف في بريطانيا والمانيا الغربية. والاحداث في شكل إلقاء قنابل محرقة والعنف أكَّدت تكهُّنها. وفي الولايات المتحدة، سبق وجرى القيام بمحاولات لقتل رجل تُجري شركته التجارب على الحيوانات. والإجراء السريع من جهة الشرطة انقذه من ان يهاجَم بالقنابل. ومن ناحية اخرى، لا يوافق كل مؤيِّدي تحرير الحيوان على تلك الوسائل العنيفة غير الشرعية.
لماذا مقاومتهم؟
بحسب مجلة الجمعية الطبية الاميركية، «معظم الافراد الذين يهمّهم استعمال الحيوانات في الابحاث الطبية الاحيائية يمكن تقسيمهم الى فئتين عامتين: (١) اولئك المهتمون بخير الحيوان الذين ليسوا مقاومين للابحاث الطبية الاحيائية بل يريدون تأكيدا بأن الحيوانات تُعامَل برفق قدر الامكان، ان عدد الحيوانات المستعملة هو الحدّ الادنى المطلق المطلوب، وأن الحيوانات تُستعمل فقط عند الضرورة.» هذا الفريق، وفقا للدراسات الاستطلاعية الحديثة، يؤلِّف الاكثرية الاقل مجاهرة.
والفريق الثاني، وفقا للمصدر نفسه، هو «اولئك المهتمون بحقوق الحيوان الذين يتخذون موقفا اكثر تطرُّفا ويقاومون بشكل تام استعمال الحيوانات في الابحاث الطبية الاحيائية.» «للحيوانات حقوق اساسية غير قابلة للتصرُّف فيها،» قال المدير المساعد لواحدة من مثل هذه الفرق. «اذا كانت للحيوان المقدرة على الاحساس بالألم او الشعور بالخوف فحينئذ له الحق في عدم إنزال هذين الامرين به.» «ليس هنالك اي اساس عقلاني للقول ان للكائن البشري حقوقا خصوصية،» قال ناطق آخر. «الجرذ هو خنزير هو كلب هو صبي. انهم جميعا ثدْييَّات.»
ان كثيرين من مؤيِّدي تحرير الحيوان ذوي الاقتناع الشديد يقاومون استعمال الحيوانات من اجل الطعام، اللباس، الالعاب الرياضية، وحتى كحيوانات مدلَّلة. فقد دُفع صيادو السمك الى الماء من قِبل اولئك المقاومين لصيد السمك وأكله. والناس اللابسون معاطف من فرو وزينة مصنوعة من جلد الحيوان جرت الاساءة اليهم شفهيا في الشوارع. واقتُحمت المتاجر عنوة وأُتلفت معاطف الفرو الغالية الثمن بواسطة ذوي الرأي الاكثر تطرُّفا في استعمال وإساءة استعمال الحيوان. «لن آكل بيضا من اجل الفطور او البس امتعة جلدية،» جاهر شخص. «إجمالا وراء كل شريحة من لحم الخنزير المملَّح او المقدَّد وكل بيضة تبدو غير مؤذية،» حذَّرت نشرة إخبارية دورية لجمعية الرفق في الولايات المتحدة، «تتوارى حكاية طويلة مكتومة عن معاناة لا تُطاق.» وإذ كُمِّلت بصور فوتوغرافية لخنازير وفراريج محصورة في زرائب وأقفاص صغيرة وجَّهت النشرة الإخبارية الدورية التهمة بأن هذه الاحوال، الواسعة الانتشار في صناعة لحم الخنزير والدجاج، تجعل «طبق لحم الخنزير المملَّح او المقدَّد والبيض ليس اقل من ‹فطور الوحشية.›» ومن الواضح ان هنالك مشاعر قوية ومخلصة مشمولة في الدفاع عن حقوق الحيوان.
قصص مروِّعة
يعتقد اناس كثيرون ان مقاومة الابحاث الحيوانية مبرَّرة تماما. وإحدى القضايا السيئة السمعة اكثر شملت مختبَر اصابات الرأس لجامعة اميركية لها مكانتها. فشُرُط الڤيديو المسروقة التي أُخذت خلال غارة لتحرير الحيوان اظهرت «قرودا تُخبط رؤوسها في آلة ضاربة بعنف، والباحثين يضحكون من السلوك التشنُّجي للمخلوقات المتضرِّرة الدماغ،» اخبرت مجلة كِوانيس عدد ايلول ١٩٨٨. وقاد ذلك الى إلغاء التمويل الحكومي للمختبر.
هنالك ايضا اختبار دريز السيِّئ السمعة، المألوف كثيرا جدا لصناعات مستحضرات التجميل، الشامپو، المنظِّفات، والغَسُول القلويّ lye. ويُستعمل هذا الاختبار لقياس درجة تسبيب التهيُّج للمنتَجات التي قد تدخل في عيني الشخص. ونموذجيا، يوضع من ستة الى تسعة ارانب مُهْقٍ albino في مِقْطَرة تسمح فقط لرؤوسها وأعناقها بأن تبرز. وهذا يمنعها من حكّ عيونها بعد سكب المادة الكيميائية فيها. ويجري الإخبار ان الارانب تصرخ بألم. حتى ان باحثين كثيرين يقاومون بمرارة هذا الشكل من الاختبار ويحاولون إيقاف استعماله. وقد دعمت حركات حقوق الحيوان بالوثائق قصصا مروِّعة كثيرة وُلدت في مختبرات الابحاث الحيوانية.
ان مؤيِّدي تحرير الحيوان لا يحسنون الظن بالدكتور روبرت هوايت المستشهَد به سابقا. والجمعية الاميركية لمقاومة تشريح الاحياء كتبت «انه مشرِّح الاحياء السيِّئ السمعة من كليڤلند الذي غرس رؤوس القرود وأبقى ادمغة القرود حية في سائل، خارج الجسم.»
وكما في مجادلات كثيرة هنالك طرفان، ثم هنالك طريق وسط يحاول اخذ الافضل وإقصاء الاسوإ من النتائج. على سبيل المثال، هل هنالك اية بدائل عملية لإجراء التجارب على الحيوانات؟ وهل الرفض الكلي للابحاث الحيوانية هو الحل المتزن الوحيد القابل للتطبيق؟ ان مقالتنا التالية ستتأمَّل في هذين السؤالين.
[الاطار في الصفحة ٩]
وجهات نظر متباينة
«اعتقد ان للحيوانات حقوقا هي، على الرغم من اختلافها عن حقوقنا، غير قابلة للتصرُّف فيها بالمقدار نفسه تماما. اعتقد ان للحيوانات الحق في ان لا نُنزل بها الالم، الخوف او الحرمان الجسدي. . . . ولها الحق في ان لا تُعامل بوحشية بأية طريقة كمصادر للطعام، للتسلية او لأي قصد آخر.» — روجر كارَس العالِم بالتاريخ الطبيعي، اخبار تلفزيون المؤسسة الاميركية للارسال، الولايات المتحدة الاميركية. (نيوزويك، ٢٦ كانون الاول ١٩٨٨).
«اذ انظر الى الصورة العامة لا يمكنني ان اتجاهل المقدار الكبير من الخير الذي نتج من الابحاث. ان اللقاحات، العلاجات، التقنيات الجراحية، والإجراءات التي طُوِّرت في المختبرات قد زادت معدَّلات العمر المتوقَّعة على نحو مثير في القرن الماضي . . . وبهذا المفهوم، ان عدم استعمال الحيوانات من اجل الابحاث يمكن ان يُنظر اليه بصفته الاختيار غير الانساني: كانت لدينا الطريقة لتعلُّم كيفية تخفيف المرض لكننا لم نستعملها.» — مارسيا كيلي، علوم الصحة، خريف ١٩٨٩، جامعة مينيسوتا.
«اقول ‹لا› لإجراء التجارب الحيوانية. ليس فقط لأسباب اخلاقية بل بشكل رئيسي لأسباب علمية. لقد جرى الاثبات ان النتائج من التجارب الحيوانية ليست بأية طريقة قابلة للتطبيق على الكائنات البشرية. فهنالك قانون طبيعي له صلة بالاستقلاب metabolism . . . يكون بموجبه التفاعل الكيميائي الحيوي، الذي جرى تثبيته لنوع واحد، فعّالا فقط بالنسبة الى ذلك النوع عينه دون سواه. . . . ان إجراء التجارب الحيوانية ينطوي على مغالطة، عديم الجدوى، كثير الكلفة وفضلا عن ذلك وحشيّ.» — جاني تامينو، باحث في جامعة پادووا، المدرسة الطبية الرئيسية في ايطاليا.
[الصورة في الصفحة ٧]
أرانب في مِقْطَرة تُستعمل من اجل اختبارات دريز على العيون
[مصدر الصورة]
PETA
[مصدر الصورة في الصفحة ٨]
UPI/Bettmann Newsphotos
-
-
الابحاث الحيوانية — نظرة متزنةاستيقظ! ١٩٩٠ | تموز (يوليو) ٨
-
-
الابحاث الحيوانية — نظرة متزنة
مع ان الثمن المدفوع يمكن ان يكون مثيرا للجدل يعتقد معظم الناس ان الابحاث الحيوانية قد اسفرت عن خير عظيم للجنس البشري. وحتى اولئك الذين يؤيِّدون العنف ضد استعمال الاختبارات الحيوانية كانوا المستفيدين من المعرفة الطبية وإجراءات العمليات الجديدة بالاضافة الى العقاقير المكافحة للامراض.
قال مارتن ستيڤنز من جمعية الرفق في الولايات المتحدة: «يلزم ان نكون مستقيمين ونقرّ بأنه قد كانت هنالك بعض الفوائد من الابحاث الحيوانية. لكنّ هدفنا النهائي هو الاستبدال الكامل للحيوانات.» (پَراد ماڠازين، ٩ تشرين الاول ١٩٨٨) «انني اعترف،» قالت ڤيكي ميلر، رئيسة جمعية الرفق في تورونتو، «بأنه قد جرت بعض الاستفادة الجيدة من الحيوانات حوالي السنة ١٩٠٠. فالسيطرة على الداء السكَّري استُمدَّت على نحو حقيقي من الابحاث الحيوانية. إنَّما لا ضرورة لها الآن ونحن نملك كل انواع الطرائق العلمية البديلة.» — ذا صنداي ستار، تورونتو، كندا.
وقد سُئلت الناقدة نفسها كيف تجيب اولئك الذين يقدِّمون الحجة: اذا كان يلزم موت جرذ لإنقاذ حياة طفل فإن الامر يستحق ذلك. وإذا أُبعدت الحيوانات عن الابحاث يموت الاطفال لإنقاذ الجرذان. فكان جوابها لِـ ڠلوب آند ميل تورونتو: «انها قضية مثيرة للانفعال الى هذا الحدّ، ومن وجهة النظر تلك يكاد يكون من المستحيل التغلُّب عليها . . . فهنالك مسألة الجرذ او الطفل وتخسرون كل مرة.»
لقد طُرِح السؤال في المقالة السابقة: «اذا كان إجراء البحث على حيوان يستطيع انقاذكم او انقاذ شخص عزيز من مرض معذِّب جدا او من الموت، فهل ترفضونه؟» وجون كاپلن، پروفسور القانون في جامعة ستانفورد، كاليفورنيا، كتب جوابا في عدد تشرين الثاني ١٩٨٨ من مجلة العلم: «ان اولئك المقاومين للابحاث على الحيوانات نادرا ما يصرُّون على المبدإ ويوصون اطباءهم بأن لا يستعملوا نتائج الابحاث الطبية الاحيائية على الحيوانات عندما يمكن ان تفيد احباءهم او تفيدهم. ولم يكونوا راغبين في ان يحرِّموا على انفسهم فوائد اية تقدُّمات مستقبلية نتيجة الابحاث الحيوانية. فيمكننا ان نُعجَب بالمبادئ التي تدفع شهود يهوه الى رفض عمليات نقل الدم . . . وأولئك الذين يعترضون على صيد الحيوانات ذوات الفرو الى عدم لبس الفراء. ولكننا يجب ان نعارض بقوة الايديولوجية التي تقود اولئك الذين يقاومون الابحاث الحيوانية الى السعي وراء قضيتهم لا بالمثال بل بالاحرى بالمحاربة بحجج مضلِّلة لحرمان كل شخص من الفوائد.»
«يجب اعلام الجمهور،» كتب محرِّر مجلة العلم عدد ١٠ آذار ١٩٨٩، «بأن إجراء البحث على الحيوانات يفيد ايضا حيوانات اخرى. وفي الواقع، ان لقاحا لطاعون المواشي rinderpest، ڤيروس يقتل ملايين المواشي ببطء وعلى نحو مؤلم، جرى تطويره بواسطة التجارب الحيوانية؛ ويطبَّق اللقاح الآن من قِبل منظمة الصحة العالمية على ملايين المواشي في افريقيا.»
وجهة نظر الكتاب المقدس
عقب الطوفان العالمي في ايام نوح اصدر يهوه اللّٰه هذا المرسوم لنوح ولذريته، التي تشمل جيلنا: «كل دابّة حية تكون لكم طعاما. كالعشب الاخضر دفعت اليكم الجميع. غير ان لحما بحياته دمه لا تأكلوه.» (تكوين ٩:١، ٣، ٤) وكان يمكن ايضا استعمال الجلود الحيوانية للبس. ولم يكن ذلك يخالف السيادة المعطاة إلهيا للانسان على مملكة الحيوان. — تكوين ٣:٢١.
«اذا أمكن استعمال الحيوانات كطعام لدعم حياة الناس،» كتبت مجلة استيقظ! عدد ٢٢ حزيران ١٩٨٠ بالانكليزية، «يبدو معقولا استعمالها في التجارب الطبية لإنقاذ الحياة. ومن ناحية اخرى، ليست هذه إجازة للتجارب غير المقيَّدة، وفي الغالب العديمة القيمة الحافلة بالتكرار والتي تشتمل على معاناة شديدة.» فبالتأكيد، من وجهة نظر الكتاب المقدس، لا يمكن تبرير الوحشية العديمة الرأفة تجاه الحيوانات. — خروج ٢٣:٤، ٥، ١٢؛ تثنية ٢٥:٤؛ امثال ١٢:١٠.
يعترف اطباء وعلماء كثيرون بأن بعض الخير قد اتى من الحركة المتطرِّفة لأولئك المقاومين للابحاث الحيوانية. «ان مقدارا هائلا من النقاط التي اثبتتها حركة خير الحيوان متطرِّف ولكنه صحيح،» اعترف احد العلماء. «ان حياة ومعاناة الحيوانات لا بدّ حتما ان تساوي شيئا،» صرَّح العالِم الاميركي جيرمي ج. ستون. «بعض المعرفة يمكن الحصول عليه بثمن غالٍ جدا،» وافق الدكتور البريطاني د. ه. سميث الاختصاصي في الفيزيولوجيا. «اننا نتَّفق مع الرغبة في جعل الابحاث اقل إيلاما، الاعتناء جيدا بالحيوانات وإنقاص عددها في التجارب،» قال الدكتور ج. ب. وينڠاردِن من معاهد الصحة القومية في الولايات المتحدة. واعترف احد انصار قضية الحيوان: «لقد كان نعرة رجولة تقريبا استعمال الحيوانات وعدم التفكير في شيء بشأنه. في الوقت الحاضر، يُعتبر التفكير في بدائل الامر الواجب فعله.»
ان «بدائل» هي الكلمة الاساسية. ويعترف العلماء بأنهم ربَّما لا يَصِلون ابدا الى حدّ الإقصاء التام للحيوانات عن الابحاث، ولكنْ حيثما يكون ممكنا فإنهم يفتشون باستمرار عن البدائل. على سبيل المثال، لم تعد الارانب تُستعمل لتأكيد الحمْل البشري لأن إجراء كيميائيا متوافر الآن. ولم تعد خنازير الماء تُستعمل لعزل عُصَيَّة السل tubercle bacillus. وأساليب الزرع culture تنقذ الآن حياة تلك الحيوانات التي كانت ستموت لولاها. وقد حلَّت إجراءات المزارع النسيجية الاخرى محلّ الاختبار على بعض الفئران. ويمكن الاستغناء عن ارانب كثيرة مختارة من اجل اختبار دريز المؤلم بسبب الاستعمال البديل لغشاء بيض الدجاج كسطح اختبار. وبالتأكيد، يأمل الناس الحسّاسون لمعاناة الحيوانات ان يُعثر على بدائل اكثر بكثير، وقريبا.
لكنّ البديل الأعظم للاختبار الحيواني سيكون ذلك الفردوس الارضي المنتظَر طويلا الذي لأجله يصلِّي المسيحيون الحقيقيون. فقد وعد يهوه اللّٰه، الخالق المحب، بأن تُبطل كل الامراض والموت نفسه الى الابد. وفي عالم اللّٰه الجديد الموعود به سيكون الانسان والحيوانات في سلام واحدهم مع الآخر الى الابد، ولا شيء سيجعلهم خائفين. ولن تكون هنالك امراض في ما بعد وبالتالي حاجة الى إجراء التجارب الحيوانية. وستكون الوحشية شيئا من الماضي. — اشعياء ٢٥:٨؛ ٣٣:٢٤؛ ٦٥:٢٥؛ متى ٦:٩، ١٠.
-