-
ما مدى جسامة الخطر؟استيقظ! ٢٠٠٣ | تشرين الاول (اكتوبر) ٢٢
-
-
ما مدى جسامة الخطر؟
في تشرين الاول (اكتوبر) ١٩٩٧، أُصيبت هولي ميلين، طفلة في اسبوعها الثالث، بالتهاب في الاذن. مرت عدة ايام دون ان تتحسن حالتها، فوصف لها الطبيب احدث نوع من المضادات الحيوية. كان من المفترض ان يشفيها الدواء لكنها لم تُشفَ. فقد عاودها الالتهاب واستمر يظهر بعد كل دورة علاجية من المضادات الحيوية.
خضعت هولي في سنتها الاولى لـ ١٧ دورة علاجية من مختلف المضادات الحيوية. وعندما بلغت شهرها الـ ٢١، أُصيبت بالتهاب شديد جدا. فلجأ الطبيب كمحاولة اخيرة الى اعطائها مضادا حيويا عبر الوريد مدة ١٤ يوما، فزال الالتهاب اخيرا.
يتكرر مثل هذا المشهد مرارا وتكرارا، وليس فقط بين الاطفال والمسنين. فالناس من كل الاعمار يمرضون ويموتون ايضا بسبب اخماج كانت في ما مضى تقضي عليها المضادات الحيوية بسهولة. لقد اعتُبرت الجراثيم التي لم تقضِ عليها المضادات الحيوية تماما مشكلة خطيرة في بعض المستشفيات منذ خمسينات الـ ١٩٠٠. لكن خلال ستينات وسبعينات الـ ١٩٠٠، انتشرت الجراثيم المقاوِمة للمضادات الحيوية خارج المستشفيات ايضا.
ومع مرور الوقت، بدأ الباحثون في الحقل الطبي يعتبرون الافراط في اعطاء المضادات الحيوية للبشر والحيوانات السبب الرئيسي لازدياد الجراثيم المقاوِمة. وفي سنة ١٩٧٨، ذكر احد هؤلاء الباحثين ان الاستعمال المفرط للمضادات الحيوية «خرج تماما عن السيطرة». وهكذا بحلول تسعينات الـ ١٩٠٠، برزت عناوين رئيسية حول العالم، مثل: «هجوم الميكروبات المقاوِمة للعقاقير»، «تفشي الميكروبات المقاوِمة للعقاقير»، «عقاقير خطرة: الافراط في استعمال المضادات الحيوية هو وراء الميكروبات المقاوِمة للعقاقير».
فهل كانت هذه مجرد ضجة اعلامية؟ ليس بحسب المنظمات الطبية المهمة. ففي تقرير عن الامراض الخمجية صادر سنة ٢٠٠٠، ذكرت المديرة العامة لمنظمة الصحة العالمية: «عند فجر الالفية الجديدة، تواجه البشرية ازمة جديدة. فالامراض التي كان تُشفى سابقا . . . تحتمي وراء درع منيع تتزايد مقاومته لمضادات الميكروبات».
وما مدى جسامة هذه الازمة؟ تذكر منظمة الصحة العالمية: «هذا الازدياد المقلق [للجراثيم المقاوِمة للعقاقير] يقضي على فرص معالجة الامراض الخمجية». كما تتحدث سلطات عديدة اليوم عن عودة البشرية الى «عصر ما قبل المضادات الحيوية»، حين لم تكن هنالك مضادات حيوية لمعالجة الاخماج.
فكيف استطاعت العضويات المجهرية المقاوِمة للعقاقير ان تستعمر العالم وتهزم التقدم العلمي المتطور جدا؟ هل يمكن ان يقوم المرء بشيء ليحمي نفسه والآخرين؟ وما هي الحلول المتوقعة في المستقبل لمكافحة الجراثيم المقاوِمة للمضادات الحيوية؟ تقدم المقالتان التاليتان بعض الاجوبة.
-
-
تلك الجراثيم القوية — كيف تظهر مجددااستيقظ! ٢٠٠٣ | تشرين الاول (اكتوبر) ٢٢
-
-
تلك الجراثيم القوية — كيف تظهر مجددا
ان الڤيروسات، البكتيريا، الحيوانات الأَوالي، الفطريات، وغيرها من العضويات المجهرية موجودة على ما يبدو مذ نشأت الحياة على الارض. وسهولة التكيّف المذهلة التي تتميز بها هذه الجراثيم، وهي ابسط المخلوقات، اتاحت لها العيش في اماكن لا تستطيع اية مخلوقات اخرى العيش فيها. فنجدها، مثلا، في الفوهات الحارة في قعر المحيط وكذلك في المياه القطبية المتجمدة. واليوم، تتصدى هذه الجراثيم لأشد الهجومات التي تهدد وجودها: العقاقير المضادة للميكروبات.
منذ مئة سنة، عُرف ان بعض الميكروبات، او العضويات المجهرية، تسبّب المرض. لكنّ العقاقير المضادة للميكروبات لم تكن معروفة آنذاك. فكان الاطباء، اذا ما اصيب احد بمرض خمجي خطير، يكتفون بدعمه معنويا. وكان على جهاز المريض المناعي ان يكافح الخمج وحده. وإذا فشل الجهاز المناعي في مهمته نجم عن ذلك عواقب مأساوية. حتى ان اصابة خدش صغير بميكروب ما كانت تؤدي في اغلب الاحيان الى الموت.
لذلك ادّى اكتشاف المضادات الحيوية، اولى العقاقير الآمنة المضادة للميكروبات، الى احداث ثورة في عالم الطب.a وقد ادّى الاستعمال الطبي لعقاقير السُّلفا في ثلاثينات الـ ١٩٠٠ ولعقاقير مثل الپنسلين والسْترپتومِيسين في اربعينات الـ ١٩٠٠ الى اكتشاف فيض من العقاقير في العقود التالية. وبحلول تسعينات الـ ١٩٠٠، صارت ترسانة المضادات الحيوية تشتمل على نحو ١٥٠ عقّارا مدرجا في ١٥ فئة.
الانتصار المتوقع يتبدد
بحلول خمسينات وستينات الـ ١٩٠٠، بدأ بعض الاشخاص يحتفلون بالانتصار على الامراض الخمجية. وبعض الاختصاصيين في علم الاحياء المجهرية اعتقدوا ان هذه الامراض ستكون قريبا كابوسا من الماضي. وقد شهد مدير دائرة الصحة العامة في الولايات المتحدة امام الكونڠرس في سنة ١٩٦٩ ان البشرية قد «تطوي صفحة الامراض الخمجية» قريبا. وفي سنة ١٩٧٢، كتب مكفارلِن بورنيت، الحائز على جائزة نوبل، ودايڤيد وايت: «سيكون موضوع الامراض الخمجية على الارجح موضوعا مملا جدا لا جديد فيه». حتى ان البعض شعروا انه سيجري القضاء تماما على هذه الامراض.
وقد ولّد الاعتقاد ان الامراض الخمجية اختفت ثقة مفرطة عند كثيرين. فثمة ممرِّضة، كانت مطّلعة جيدا على مدى خطورة الجراثيم قبل اكتشاف المضادات الحيوية، لاحظت ان بعض الممرِّضات الاصغر سنا يهملن ابسط قواعد العادات الصحية. وكن يُجبن عندما تذكرهن بوجوب غسل ايديهن: «لا عليك، لدينا اليوم المضادات الحيوية».
لكنّ الاعتماد على المضادات الحيوية واستعمالها بكثرة ادّيا الى نتائج مفجعة. فبقيت الامراض الخمجية. وعلاوة على ذلك، هجمت مجددا لتصبح السبب الرئيسي للموت في العالم! وقد ساهمت عوامل اخرى ايضا في انتشار الامراض الخمجية مثل فوضى الحرب، سوء التغذية المنتشر في البلدان النامية، النقص في المياه النظيفة، رداءة تدابير حفظ الصحة، سرعة السفر من بلد الى آخر، والتغيير العالمي في المناخ.
المقاومة التي تبديها البكتيريا
تبيّن ان سهولة التكيّف المذهلة التي تبديها الجراثيم العادية مشكلة رئيسية، مشكلة لا يجري توقعها عموما. لكن بإعادة التأمل في الماضي، كان ينبغي التوقع ان تطوِّر الجراثيم مناعة ضد العقاقير. ولماذا؟ تأمل مثلا في ما حصل عند اكتشاف الـ د.د.ت. كمبيد للحشرات في منتصف اربعينات الـ ١٩٠٠.b في ذلك الوقت ابتهج منتجو الالبان والاجبان باختفاء الذباب عند رش الـ د.د.ت. لكنّ ذبابات قليلة نجت، وورث نسلها المناعة ضد مبيد الحشرات هذا. وسرعان ما تكاثر جدا الذباب الذي لم يؤثر فيه الـ د.د.ت.
حتى قبل استعمال الـ د.د.ت. وقبل ان يصبح الپنسلين متوفرا للعموم سنة ١٩٤٤، اعطت البكتيريا المؤذية لمحة مسبقة عن قدرتها الدفاعية الهائلة. وقد ادرك الدكتور الكسندر فليمينڠ الذي اكتشف الپنسلين هذا الامر. ففي مختبره، لاحظ ان الاجيال المتتابعة للعنقوديات البرتقالية Staphylococcus aureus (العنقوديات التي تظهر عادة في المستشفيات) تطور جدرانا خلوية تزداد مقاومة للعقّار الذي اكتشفه.
وهذا ما جعل الدكتور فليمينڠ ينذر منذ حوالي ٦٠ سنة ان البكتيريا المؤذية في الشخص المخموج يمكن ان تطور مقاومة للپنسلين. وإذا لم تقتل جرعات الپنسلين عددا كبيرا من البكتيريا المؤذية، فقد يتكاثر نسلها. نتيجة ذلك، قد يظهر المرض مجددا بحيث يعجز الپنسلين عن القضاء عليه.
يعلّق كتاب مفارقة المضادات الحيوية (بالانكليزية): «تبرهنت صحة تنبؤات فليمينڠ، وكانت النتيجة افظع مما ظن». وكيف ذلك؟ لقد عُرف انه في بعض سلالات البكتيريا تنتج المورِّثات، اي المخطّطات البالغة الصغر في دَنا DNA البكتيرية، انزيمات تقضي على فعالية الپنسلين. نتيجة ذلك، تبين انه حتى الدورات العلاجية المطولة من الپنسلين تكون غير مجدية في اغلب الاحيان. فكم كان ذلك صدمة قوية!
وفي محاولة لربح المعركة ضد الامراض الخمجية، صارت تُدخَل قانونيا مضادات حيوية جديدة في الحقل الطبي بين اربعينات وسبعينات الـ ١٩٠٠، كما أُدخل القليل منها خلال ثمانينات وتسعينات الـ ١٩٠٠. وكان هدف هذه العقاقير القضاء على البكتيريا التي قاومت العقاقير الاولى. لكن لم تمضِ سنوات قليلة حتى ظهرت سلالات من البكتيريا قاومت هذه العقاقير الجديدة ايضا.
وصار البشر يعرفون ان ما تبديه البكتيريا من مقاومة ينمّ عن براعة مذهلة. فالبكتيريا تستطيع ان تغيّر جدران خلاياها لتبقي المضادات الحيوية خارجا، او ان تغيّر تركيبها الكيميائي حتى لا يتمكن المضاد الحيوي من القضاء عليها. من جهة اخرى، قد تطرد البكتيريا المضاد الحيوي بالسرعة التي دخل فيها، او قد تجعله غير فعال بتفكيكه.
ومع تزايد استعمال المضادات الحيوية، تكاثرت وانتشرت سلالات البكتيريا المقاوِمة. فهل يُعتبر ذلك فشلا ذريعا؟ كلا، على الاقل في معظم الحالات. فعادة ينجح مضاد حيوي في القضاء على خمج معين في حين لم ينجح مضاد حيوي آخر. ورغم ان مقاومة العقاقير امر مزعج، فقد بقيت حتى الآونة الاخيرة تحت السيطرة عموما.
مقاومة عدة عقاقير
بعد فترة صُدم العلماء في مجال الطب حين عرفوا ان البكتيريا تتبادل المورِّثات. في بادئ الامر، اعتُقد ان تبادل المورّثات لا يتم إلّا بين النوع نفسه من البكتيريا. لكن اكتُشف لاحقا ان المورِّثات المقاوِمة نفسها موجودة في انواع مختلفة تماما من البكتيريا. وبواسطة هذا التبادل، صار لدى مختلف انواع البكتيريا مقاومة شديدة لشتى العقاقير الشائعة.
وكأن ذلك لم يكن كافيا، فقد اظهرت الدراسات في تسعينات الـ ١٩٠٠ ان بعض البكتيريا يمكن ان تطور مقاومة للعقاقير دون الاستعانة بغيرها. حتى بوجود مضاد حيوي واحد فقط، يطور بعض انواع البكتيريا مقاومة لعدة مضادات حيوية، سواء كانت طبيعية او اصطناعية.
مستقبل مظلم
لا تزال معظم المضادات الحيوية تفيد اليوم اغلبية الاشخاص، ولكن ما مدى فعاليتها في المستقبل؟ يذكر كتاب مفارقة المضادات الحيوية: «لا يمكننا التوقع بعد الآن ان يُشفى الخمج بواسطة اول مضاد حيوي يوصَف». ويضيف الكتاب: «في بعض اجزاء العالم، يعني مخزون المضادات الحيوية المحدود ان المضاد الحيوي الفعال غير موجود. . . . فيعاني المرضى ويموتون من امراض تنبأ البعض منذ ٥٠ سنة انها ستُمحى عن وجه الارض».
والبكتيريا ليست الجراثيم الوحيدة التي تصبح مقاوِمة للعقاقير الطبية. فالڤيروسات وكذلك الفطريات وطفيليات اخرى بالغة الصغر تُظهر ايضا سهولة مذهلة في التكيُّف، مقدمةً للعالم سلالات تهدّد بالقضاء على كل الجهود المبذولة لاكتشاف وإنتاج عقاقير تكافحها.
ماذا يمكن فعله اذًا؟ هل يمكن التغلب على المقاومة التي تبديها الجراثيم او على الاقل الحد منها؟ كيف يمكن ان تستمر المضادات الحيوية ومضادات الجراثيم في احراز الانتصارات في عالم يتعرض بشكل متزايد لهجومات الامراض الخمجية؟
[الحاشيتان]
a يشير «المضاد الحيوي» عموما الى العقّار الذي يكافح البكتيريا. اما «مضاد الميكروبات» فهو تعبير اشمل ويشير الى اي عقّار يكافح الميكروبات الممرِضة، سواء كانت من الڤيروسات، البكتيريا، الفطريات، او الطفيليات البالغة الصغر.
b مبيدات الحشرات هي سموم، وكذلك العقاقير. وقد تبين ان كليهما يفيدان ويضران على السواء. وفي حين ان المضادات الحيوية قد تقتل الجراثيم المؤذية، تقتل هذه العقاقير ايضا البكتيريا المفيدة.
-
-
حين لن تؤذي الجراثيم احدااستيقظ! ٢٠٠٣ | تشرين الاول (اكتوبر) ٢٢
-
-
حين لن تؤذي الجراثيم احدا
ان الجراثيم، او العضويات المجهرية، هي ضرورية للحياة. فهي جزء هام من تربة الارض ومن اجسادنا. وكما ورد في الاطار «انواع الجراثيم» في الصفحة ٧، «في جسمنا تريليونات من البكتيريا». معظمها مفيد للصحة، لا بل ضروري. ورغم ان عددا قليلا نسبيا منها يُمرض، يمكننا ان نكون واثقين بأنه مع مرور الزمن لن تؤذي الجراثيم احدا.
قبل ان نتعلم عن الوسيلة التي ستقضي على كل تأثيرات الجراثيم المؤذية، لنتأمل في الجهود الحالية المبذولة لمكافحة الجراثيم المسببة للامراض. وبالاضافة الى التأمل في الاطار المرفق «ماذا يمكنك فعله؟»، لنلاحظ الجهود التي يبذلها الاختصاصيون في الصحة لمكافحة الجراثيم المقاوِمة.
استراتيجيات عالمية
تحدثت الطبيبة ڠرو هارلم برونتلان، المديرة العامة السابقة لمنظمة الصحة العالمية، عن الجهود المبذولة. وفي التقرير حول الامراض الخمجية لسنة ٢٠٠٠ (بالانكليزية)، وتحت العنوان الرئيسي «التغلب على المقاومة لمضادات الميكروبات»، اشارت الى الحاجة الى تطوير «استراتيجية عالمية لاحتواء مقاومة» الجراثيم. وتحدثت ايضا عن اقامة «علاقات بين كل الذين يقدمون العناية الصحية»، كما شددت قائلة: «لدينا فرصة لبذل جهود مكثفة لمكافحة الامراض الخمجية».
وفي سنة ٢٠٠١، اقترحت منظمة الصحة العالمية «استراتيجية عالمية لاحتواء المقاومة لمضادات الميكروبات». قدمت هذه الوثيقة خطة موجهة الى مقدمي العناية الصحية وإلى الناس عموما بشأن «ما ينبغي فعله وكيف ينبغي فعله». وشملت الاستراتيجية تثقيف الناس كيف يتجنبون التقاط المرض، بالاضافة الى ارشادهم كيف يستعملون المضادات الحيوية وغيرها من مضادات الميكروبات عندما يصابون بالاخماج.
بالاضافة الى ذلك، جرى حث العاملين في حقل الصحة، من اطباء وممرضات وغيرهم من العاملين في المستشفيات ودور الرعاية، على تحسين الاجراءات المتخذة لتجنب انتشار الاخماج. وللأسف، اظهرت الدراسات ان العديد من الاختصاصيين في الصحة لا يزالون يهملون غسل ايديهم وتغيير قفازاتهم حين ينتقلون من مريض الى آخر.
وتظهر الاستطلاعات ايضا ان الاطباء يصفون مضادات حيوية غير ضرورية. وأحد الاسباب هو ان الناس يضغطون عليهم ليصفوا لهم مضادا حيويا كعلاج سريع. فيذعن الاطباء للمرضى لمجرد ارضائهم. وفي اغلب الاحيان، لا يصرف الاطباء وقتا لتثقيف مرضاهم ولا يملكون الوسائل اللازمة لتحديد الجرثومة الممرِضة. كما انهم قد يصفون اجدّ وأغلى المضادات الحيوية الواسعة الفعالية، اذ يُستعمَل كلّ منها لأنواع عديدة من البكتيريا. ويساهم هذا ايضا في مشكلة مقاومة العقاقير.
والمجالات الاخرى التي تركز عليها الاستراتيجية العالمية التي وضعتها منظمة الصحة العالمية هي المستشفيات، الانظمة الصحية القومية، منتجو الطعام، شركات الادوية، ومسنو القوانين. ويشجع التقرير على التعاون بين جميع الافرقاء في سبيل مكافحة الخطر العالمي للجراثيم المقاوِمة للعقاقير. لكن هل سينجح هذا البرنامج؟
العوائق امام النجاح
لمّحت الاستراتيجية العالمية التي وضعتها منظمة الصحة العالمية الى عائق رئيسي لحلّ المشاكل الصحية. انه الدافع الى الاستفادة: المال. والكتاب المقدس يقول ان محبة المال مسؤولة عن «كل انواع الأذية». (١ تيموثاوس ٦:٩، ١٠) تحث منظمة الصحة العالمية: «ينبغي ايضا الاخذ بعين الاعتبار تأثير شركات الادوية، فينبغي ضبط زيارات مندوبي هذه الشركات للجسم الطبي ومراقبة البرامج التثقيفية التي تقدم برعاية شركات الادوية لمانحي العناية الصحية».
وشركات الادوية لا تعدم وسيلة لعرض منتجاتها على الاطباء. وهي الآن تقدمها مباشرة للعامة من خلال الدعاية التلفزيونية. وقد ساهم ذلك على ما يبدو في الاستعمال المفرط للعقاقير، الذي صار بدوره عاملا رئيسيا لانتشار الجراثيم المقاوِمة للعقاقير.
تذكر الاستراتيجية العالمية التي وضعتها منظمة الصحة العالمية في الجزء الذي يتناول اعطاء مضادات الميكروبات للحيوانات المنتجة للطعام: «في بعض البلدان، ٤٠ في المئة او اكثر من مدخول الاطباء البيطريين يأتي من بيع العقاقير، وذلك يخلق عقبات امام الحدّ من استعمال مضادات الميكروبات». وكما تشير البراهين المثبتة، ظهرت الجراثيم المقاوِمة وتكاثرت بسبب الاستعمال المفرط للمضادات الحيوية.
وإنتاج المضادات الحيوية هائل. ففي الولايات المتحدة وحدها، يُنتَج حوالي ٢٠ مليون كيلوڠرام من المضادات الحيوية سنويا! ومن الانتاج الاجمالي العالمي، لا يُستعمل للناس سوى النصف تقريبا. اما الباقي فيُرش على المحاصيل او يُطعَم للحيوانات. فالمضادات الحيوية تُمزج عموما بطعام الحيوانات التي تُربّى للطعام لتسريع نموها.
دور الحكومات
من الجدير بالملاحظة ان الملخّص التنفيذي للاستراتيجية العالمية لمنظمة الصحة العالمية يذكر: «سيقع معظم مسؤولية تطبيق الاستراتيجية على كل بلد. فلدى الحكومات دور حيوي لتلعبه».
وقد طورت فعلا عدة حكومات برامج لاحتواء المقاومة لمضادات الميكروبات، وشددت على التعاون ضمن وخارج حدود البلد. وتشمل هذه البرامج الحفاظ على سجل ادق عن استعمال مضادات الميكروبات وعن الميكروبات المقاوِمة، وكذلك عن طرائق تحسين ضبط الاخماج، الاستعمال الملائم لمضادات الميكروبات في الطب والزراعة، الابحاث المتعلقة بفهم المقاومة، وتطوير عقاقير جديدة. ولكن لم يكن التقرير حول الامراض الخمجية لسنة ٢٠٠٠ لمنظمة الصحة العالمية متفائلا. لماذا؟
لقد اشار التقرير الى «نقص في الارادة السياسية من جهة الحكومات التي لا تضع الصحة العامة بين اولوياتها». وأضاف: «هنالك ظروف تعزز انتشار المرض، وبالتالي المقاومة للعقاقير، مثل الاضطراب المدني والفقر والهجرة الجماعية والتدهور البيئي التي تؤدي الى تعرض عدد كبير من الناس للامراض الخمجية». وللأسف، هذه هي المشاكل ذاتها التي لم تتمكن الحكومات البشرية قط من حلّها.
-
-
حين لن تؤذي الجراثيم احدااستيقظ! ٢٠٠٣ | تشرين الاول (اكتوبر) ٢٢
-
-
[الاطار في الصفحة ٩]
ماذا يمكنك فعله؟
ماذا يمكنك فعله لتقليل خطر التقاط الجراثيم المقاوِمة؟ تزود منظمة الصحة العالمية بعض الخطوط الارشادية. اولا، تحدِّد الاجراءات التي يمكننا اتباعها لتجنب الامراض والحدّ من انتشار الاخماج. ثانيا، تصف كيف يمكن ان يحسِّن الناس استعمالهم لمضادات الميكروبات.
من المنطقي ان افضل طريقة للحدّ من الامراض وانتشارها هي القيام بكل ما هو ضروري للبقاء بصحة جيدة. فماذا يمكنك فعله لتجنب المرض؟
اجراءات لتجنب المرض
١- افعل ما في وسعك لتحصل على الامور الثلاثة التالية: الغذاء الملائم، ما يلزم من التمارين الرياضية، وقسط وافٍ من الراحة.
٢- اتبع عادات صحية جيدة. ويشدد الاختصاصيون في الصحة على غسل الايادي كعامل رئيسي لتجنب التقاط المرض ونقل الاخماج الى الآخرين.
٣- تأكد من سلامة الطعام الذي تتناوله انت وعائلتك. انتبه خصوصا لنظافة يديك وللمكان الذي تحضِّر فيه الطعام. تأكد ايضا من نظافة المياه التي تستعملها لغسل يديك وطعامك. وبما ان الجراثيم تتكاثر في الطعام، فاطبخه جيدا. خزِّن وبرِّد الطعام بطريقة ملائمة.
٤- في البلدان حيث تنتقل الامراض الخطرة بواسطة الحشرات الطائرة، خفِّف من النشاطات التي تقوم بها خارجا اثناء الليل وفي الصباح الباكر حين تكون الحشرات في اوج نشاطها. واستعمل قانونيا لحمايتك الناموسيات وضع شبكا على النوافذ والابواب.
٥- يمكن ان تساعدك اللقاحات على تدريب جهازك المناعي ليحارب بعض الجراثيم المنتشرة حيث تعيش.
استعمال مضادات الميكروبات
١- استشر اختصاصيا في الصحة قبل ان تشتري او تتناول اي مضاد حيوي او مضاد للميكروبات. فالعروض التي يقدمها للمستهلك مروّجو الادوية التي تُشترى دون وصفة طبيب غالبا ما تفيد البائع لا المشتري.
٢- لا تضغط على طبيبك ليصف لك مضادا حيويا. اذا فعلت ذلك فقد يصف لك مضادا حيويا لكي لا يخسرك كمريض. فالزكام، مثلا، تسببه الڤيروسات ولا تشفيه المضادات الحيوية. وتناولك مضادا حيويا حين تكون مصابا بڤيروس يمكن ان يعيق عمل البكتيريا المفيدة، مؤديا ربما الى تكاثر البكتيريا المقاوِمة.
٣- لا تصرّ على تناول احدث العقاقير المكتشفة، فقد لا يكون الافضل لك وقد يكون غالي الثمن.
٤- استعلِم من مصدر موثوق به عن اي عقّار تتناوله: ما هي وظيفته؟ ما هي تأثيراته الجانبية المحتملة؟ وكيف يتفاعل مع العقاقير الاخرى؟ وانتبه ايضا لعوامل اخرى يمكن ان تجعل تناوله خطرا.
٥- اذا كان المضاد الحيوي ملائما حقا يُقترح عموما ان تأخد كامل الدورة العلاجية الموصوفة لك، حتى لو شعرت بالتحسن قبل انتهائها. فآخر جرعات منه ضرورية لتضمن انك شفيت تماما.
-