مكتبة برج المراقبة الإلكترونية
برج المراقبة
المكتبة الإلكترونية
العربية
  • الكتاب المقدس
  • المطبوعات
  • الاجتماعات
  • ‏«المومياء» القادمة من البرد
    استيقظ!‏ ١٩٩٥ | ايار (‏مايو)‏ ٨
    • ‏«المومياء» القادمة من البرد

      بواسطة مراسل استيقظ!‏ في ايطاليا

      لأول وهلة ربما بدا الامر كمسرح جريمة.‏ جثة يابسة متمدِّدة على وجهها،‏ ونصفها عالق في الجليد.‏ هل هو موت عَرَضي؟‏ عملية ثأر؟‏ ام مجرد ضحية اخرى من ضحايا تسلق الجبال؟‏ وعلى اية حال،‏ ماذا كان يفعل هناك في جبال الألپ التِّيروليَّة التي يغمرها السكون على ارتفاع ٥٠٠‏,١٠ قدم (‏٢٠٠‏,٣ م)‏ فوق سطح البحر؟‏ مَن هو؟‏ وكيف مات؟‏

      ان «رجل الجليد،‏» كما دُعي في الحال،‏ او كما يدعوه العلماء Homo tyrolensis‏،‏ وجده صدفةً في ايلول ١٩٩١ زوجان المانيان كانا يقومان برحلة سيرا على الاقدام في جبل سيميلاون (‏في ألپ اوتزتالر)‏،‏ عند الحدود النمساوية-‏الايطالية.‏ فشدَّة الحر في صيف تلك السنة اذابت معظم الثلج،‏ وكشفت عن جثة كانت ستبقى لولا ذلك مخفية —‏ ومن يدري الى متى؟‏ وبعدما ازال المحقِّقون بعض الشكوك الاولية حول الاكتشاف،‏ قُطِّعت الجثة تقطيعا غير متقن لاخراجها من الجليد،‏ مما ادى الى تضرُّرها خلال عملية الاستخراج.‏ ولكن سرعان ما اتضح انها لم تكن جثة عادية.‏ فقرب الجثة وُجدت اشياء عديدة مختلفة جدا عما يستعمله اليوم هواة المشي مسافات طويلة الذين يغامرون للوصول الى ارتفاعات كهذه.‏

      ادرك البعض ان الجثة قديمة جدا.‏ وبعد الفحوص الاولية،‏ ادلى كونرات شپيندلر،‏ من جامعة إنزبروك في النمسا،‏ بتصريح مفاجئ —‏ ان الجثة المحفوظة التي وُجدت في جبل سيميلاون لها من العمر آلاف عديدة من السنين!‏ والتحليل الاضافي والابحاث التي أُجريت في موقع الاكتشاف قادت العلماء الى الاستنتاج ان الجثة التي يفحصونها هي «الى حد بعيد اقدم كائن بشري وُجد على الاطلاق باقيا على حاله تقريبا.‏» (‏تايم،‏ عدد ٢٦ تشرين الاول ١٩٩٢)‏ ويعتقد علماء الآثار ان رجل الجليد،‏ الذي لُقِّب بـ‍ أوتزي (‏من أوتزتال،‏ الاسم الالماني لوادٍ مجاور)‏،‏ مات نحو السنة ٣٠٠٠ ق‌م.‏

      ما إن أُدركت اهمية هذا الاكتشاف حتى اخذ علماء الآثار يرتادون جبل سيميلاون للبحث عن مصنوعات يدوية اخرى تفيدهم في فهم ما حدث لذلك الانسان قبل كل هذه القرون.‏ فماذا اكتشفوا؟‏ ولماذا كل هذا الاهتمام بـ‍ «مومياء» دُفنت في الجليد؟‏ هل امكن كشف اللغز الذي يحيط بها؟‏

      ‏[الصورة في الصفحة ٣]‏

      أوتزي،‏ رجل الجليد

      ‏[مصدر الصورة]‏

      Foto: Archiv Österreichischer Alpenverein/Innsbruck,‎ S.‎N.‎S.‎ Pressebild GmbH

  • مفاتيح لحلِّ لغز رجل الجليد
    استيقظ!‏ ١٩٩٥ | ايار (‏مايو)‏ ٨
    • مفاتيح لحلِّ لغز رجل الجليد

      طوال قرون،‏ كان أوتزي في مثوى جيد.‏ فقد رقد على ارتفاع ٥٠٠‏,١٠ قدم (‏٢٠٠‏,٣ م)‏ فوق سطح البحر في وادٍ عميق وضيق يغمره الثلج في حفرة حمته من حركات النهر الجليدي المجاور.‏ فلو تجمد جسمه في الكتلة الجليدية،‏ لَتحطم إرْبا إرْبا وانجرف.‏ ومن المحتمل جدا ان يكون وضعه المحمي قد ابقاه على حاله.‏

      وعلى بُعد امتار قليلة من الجثة وُجدت اشياء كانت على ما يظهر جزءا من حياته اليومية:‏ قوس من خشب الطقسوس لا وتر لها،‏ جعبة من جلد الغزال فيها ١٤ سهما (‏اثنان جاهزان للاستعمال والاخرى غير مكتملة الصنع بعد)‏،‏ خنجر ذو نصل من الصوان،‏ فأس،‏ شيء يُعتقد انه هيكل لصُرَّة بدائية توضع على الظهر،‏ جِراب جلدي،‏ وعاء من لحاء شجر القضبان،‏ وقطع من الملابس،‏ بالاضافة الى آنية وأشياء اخرى.‏

      عندما وُجد «انسان سيميلاون» (‏وهو اسم آخر من اسمائه)‏،‏ كانت بعض ملابسه لا تزال عليه وفي رجليه حذاء جلدي حُشِيَ بالقش اتقاء للبرد.‏ وكان قرب رأسه «حصير» مَحُوك من القش.‏ كان الامر وكأن التعب والبرد غلبا على رجل الجليد في مساء يوم من الايام،‏ فنام بهدوء ولم «يبصر» نور النهار إلا بعد آلاف السنين.‏ كان الاكتشاف بمثابة «صورة التُقطت لعهد ما،‏ لمجتمع ما ولجماعة سكانية احيائية،‏» كما يقول عالم الآثار فرانتشيسكو فيديلي،‏ الذي عرَّف «انسان سيميلاون» بأنه اشبه بالكبسولة التي تحتوي امورا تتعلق بعصرها وتُحفظ ليكتشفها جيل ما في المستقبل.‏

      كيف حُفظ؟‏

      لا يتفق الجميع على الطريقة التي حُفظ بها أوتزي على حاله طوال هذه المدة في تلك الظروف.‏ تقول مجلة الطبيعة:‏ «ان حفظه امر شبه عجائبي،‏ حتى عندما تؤخذ بعين الاعتبار الحماية المزعومة التي امَّنها التجويف الذي وُجد فيه.‏» والنظرية التي يُعتقد حاليا انها الاقرب الى المعقول هي ان الحفظ حدث بسبب اقتران «ثلاثة حوادث غير محتمَلة»:‏ (‏١)‏ عملية تخشُّب طبيعي (‏تجفاف)‏ سريعة،‏ نتيجة تأثيرات البرد،‏ الشمس،‏ والفُونة (‏ريح دافئة وجافة)‏؛‏ (‏٢)‏ تغطية سريعة بالثلج الذي اخفى الجثة عن الضواري؛‏ و(‏٣)‏ الحماية من الانهر الجليدية المتحركة التي زوَّدتها الوهدة.‏ لكنَّ البعض لا يجدون حتى هذا التفسير مقنعا،‏ مؤكدين ان الفُونة لا تصل الى هذا الارتفاع في هذا الجزء من جبال الألپ.‏

      ولكن ثمة امور اكيدة حول رجل الجليد.‏ فقد امكن الجزم ان عمره تراوح بين ٢٥ و ٤٠ سنة،‏ ان طوله بلغ خمس اقدام وإنشين (‏١٦٠ سم)‏،‏ وأن وزنه بلغ نحو ١١٠ پاوندات (‏٥٠ كلغ)‏.‏ كان نحيلا انما قوي العضلات،‏ وكان يهتم بشعره البني جيدا وكان يُقصُّ كما يَظهر بانتظام.‏ وأثبتت دراسات أُجريت مؤخرا على الـ‍ DNA لعيِّنات من الانسجة انه يملك التركيبة الوراثية نفسها لسكان اوروپا الوسطى والشمالية المعاصرين.‏ وتدل اسنانه المتحاتة على انه كان يأكل خبزا خشنا،‏ مما قد يشير الى انتمائه الى مجتمع زراعي،‏ كما تدل على ذلك حبوب القمح التي وُجدت في ثيابه.‏ ومن المثير للاهتمام انه امكن تحديد وقت موته نحو نهاية الصيف او بداية الخريف.‏ كيف؟‏ لقد وُجدت في جِرابه بقايا صنف من البرقوق البري الذي ينضج في اواخر الصيف؛‏ فربما كانت جزءا من زاده الاخير.‏

      ‏‹فارس من القرون الوسطى يحمل بندقية›‏

      ولكن عمَّ يكشف أوتزي؟‏ اوجزت المجلة الايطالية أرْكيو عددا من الاسئلة التي اثارها الاكتشاف بهذه الطريقة:‏ «هل كان محاربا ام صيادا؟‏ هل كان شخصا منعزلا،‏ هل كان يسافر مع مجموعته،‏ ام هل كان من ناحية اخرى يعبر هذه الجبال برفقة نخبة قليلة من مجموعته؟‏ .‏ .‏ .‏ هل كان وحده،‏ محاطا بكل هذا الجليد،‏ ام يمكننا ان نتوقع وجود جثث اخرى؟‏» سعى العلماء الى تبيُّن الاجوبة بشكل رئيسي من خلال فحص الاشياء التي وُجدت على جبل سيميلاون ومحاولة فكِّ رموز معناها.‏ وقُدِّمت نظريات متنوعة بشأن سبب تنقُّل أوتزي على ارتفاع يزيد على ٥٠٠‏,١٠ قدم (‏٢٠٠‏,٣ م)‏،‏ ولكنَّ كل واحدة منها تناقضها حقيقة ما.‏ فلنتأمل في امثلة قليلة.‏

      ان القوس،‏ التي لم يكن لها وتر قط،‏ مع السهام تدل بسرعة انه كان صيادا.‏ فهل يحل ذلك اللغز؟‏ ربما،‏ لكنَّ القوس التي يبلغ طولها ست اقدام (‏٨‏,١ م)‏ «هي كبيرة جدا بالنسبة الى رجل بهذه القامة،‏» كما يقول عالم الآثار كريستوفر بيرڠمان،‏ و«لا شك انها اكبر من تلك المستعملة لصيد حيوانات جبال الألپ.‏» فلماذا يحمل قوسا لا يمكنه استعمالها؟‏ وعلاوة على ذلك،‏ يلزم ان يتخلص المسافر في الجبال من كل وزن زائد،‏ «مما يجعل الامر محيِّرا خصوصا لأن قوس الرجل و ١٢ سهما من سهامه الـ‍ ١٤ لم تكن مكتملة الصنع،‏ في حين ان سلاحيه الآخرين (‏الخنجر والفأس)‏ قد ابلاهما طول الاستعمال،‏» كما تلاحظ مجلة الطبيعة.‏

      وماذا عن الفأس التي وُجدت على بُعد امتار قليلة منه؟‏ اعتُقد في البداية انها من البُرُنْز،‏ لكنَّ الفحوص كشفت في الواقع انها مصنوعة من النحاس.‏ ولهذا السبب ولأسباب اخرى يميل كثيرون من علماء الآثار الى إرجاع أوتزي الى بداية ما يدعى العصر النحاسي،‏ اي الالف الرابع-‏الثالث ق‌م.‏ وذكرت مجلة أودُبُن:‏ «ان فحوص الكربون ١٤ .‏ .‏ .‏ اكدت انه عاش قبل ما بين ٨٠٠‏,٤ و ٥٠٠‏,٥ سنة.‏»‏a ولكنَّ اشياء اخرى تجعل بعض الخبراء يميلون الى إرجاع رجل الجليد الى فترة اقدم بقليل.‏ وكما يظهر،‏ لا يمكن نسب «انسان سيميلاون» الى حضارة قديمة معينة.‏ وبالاشارة الى الفأس النحاسية،‏ يعتقد احد علماء الآثار ان أوتزي «امتلك سلاحا متقدما جدا من الناحية التكنولوجية بالنسبة الى الحقبة التي عاش فيها.‏ لقد كان ذلك كما لو اننا وجدنا فارسا من القرون الوسطى يحمل بندقية.‏ وفي الواقع،‏ كان النحاس في تلك الحقبة معروفا فقط لدى الحضارات الشرقية.‏»‏

      وبالاضافة الى ذلك،‏ كما سبق ورأينا،‏ لعل الفأس كانت اداة ثمينة جدا بين معاصري رجل الجليد.‏ وكانت مصنوعات يدوية اخرى،‏ كغمد خنجره،‏ مصقولة ايضا للغاية ومن الواضح انها كانت «اشياء فاخرة.‏» ولكن اذا كان أوتزي شخصية رفيعة المقام،‏ رئيسا،‏ فلماذا كان وحده عندما مات؟‏

      استنادا الى مجلة العلم المبسَّط،‏ عبَّر كونرات شپيندلر من جامعة إنزبروك عن رأيه قائلا:‏ «ما اعتُقد اصلا انه وُشوم غير مفهومة انما هو ركبة ومفصل كاحل باليان وفقرات منحلة من عموده الفقري.‏ فعلى الارجح،‏ كان طبيب رجل الجليد يعالج حالته بِكَيِّ الجلد فوق موقع الالم،‏ ثم بفرك الجرح برماد عشب طبي.‏»‏

      ومؤخرا،‏ في اجتماع لخبراء بالطب الشرعي في شيكاڠو،‏ طُرحت الفكرة القائلة ان أوتزي ربما كان شخصا هاربا سبق فضُرب وأُدمي ثم مات في مخبئه فيما الآخرون يطاردونه.‏ فقد وُجد ان له عدة ضلوع محطمة وفكًّا مكسورا.‏ ولكن لا يمكن تحديد متى عانى هذه الاصابات —‏ قبل موته او بعده.‏ وإذا كان ضحية العنف،‏ تسأل أركيو،‏ «فلماذا لا تزال كل ادواته معه،‏ حتى ‹الثمينة› منها؟‏» كالفأس النحاسية.‏

      يعتقد المحقِّقون ان الوقائع الموجودة ليست كافية لتكتمل الصورة،‏ ولا تزال اسئلة كثيرة بلا جواب.‏ ولكن من الواضح ان الحضارة التي انتمى أوتزي اليها كانت منظمة جيدا ومعقدة.‏

      أوتزي وعالمه

      عند وصف عالَم «انسان سيميلاون،‏» يبني العلماء آراءهم على اساس اكتشافات مصدرها مواقع في جبال الألپ يُعتقد ان معاصريه سكنوها.‏ وحتى في ذلك الوقت،‏ كما يخبرنا علماء الآثار،‏ كانت بعض المناطق اكثر تقدما من غيرها،‏ أما الابتكارات التقنية،‏ كالشغل بالنحاس،‏ فمعظمها كان من الشرق الاوسط.‏

      واستنادا الى احدى المحاولات لجمع تفاصيل ما حدث،‏ ربما كان أوتزي يعيش في احدى القرى الزراعية الواقعة عند حوض نهر أديج.‏ كان هذا النهر طريقا تجارية مهمة تربط شبه الجزيرة الايطالية بأوروپا الوسطى.‏ وقد وُجد العديد من المستوطنات في اماكن مختلفة من هذا الجزء من جبال الألپ،‏ حتى على ارتفاع نحو ٥٠٠‏,٦ قدم ‏(‏٠٠٠‏,٢ م)‏.‏ وكانت القرى الزراعية في تلك الفترة مؤلفة كما كان معهودا من ثلاثة او اربعة بيوت،‏ وربما عشرات قليلة كأبعد تقدير.‏ وأيّ نوع من البيوت؟‏ لم تكشف الحفريات إلا عن الارضيات،‏ وكانت دائما من التراب المرصوص.‏ وكانت للمساكن غرفة واحدة،‏ ولها عموما ارضية مدفأة في الوسط وفرن احيانا.‏ وربما كان السطح منحدِر الجانبين،‏ مشابها للمساكن المعاصرة المبنية على دعائم والتي وُجدت بالقرب من عدد من بحيرات جبال الألپ.‏ وكل كوخ من الأكواخ المؤلفة من غرفة وحيدة كان يؤوي على الارجح عائلة واحدة.‏

      وماذا كان نوع العلاقات بين هذه المجتمعات من مربِّي الماشية والمزارعين؟‏ لا شك انها تجارية.‏ مثلا،‏ ان الفأس التي وُجدت على جبل سيميلاون تشبه الفؤوس المصنوعة بعيدا في الجنوب،‏ على شواطئ بحيرة ڠاردا،‏ وربما كانت جزءا من صفقة تجارية.‏ وبين معدات أوتزي ايضا،‏ وُجد بعض الصوان الذي كان يُعتبر ثمينا في التعاملات التجارية على طول طريق وادي أديج.‏ وأحد النشاطات التي استلزمت تنقلات على نطاق اوسع هو الارتحال الموسمي للماشية.‏ فكما لا يزال الرعاة يفعلون في التيرول اليوم،‏ كان الرعاة يقودون قطعانهم عبر ممرات جبال الألپ بحثا عن مراعٍ جديدة.‏ وما هي الاستنتاجات الاخرى التي جرى التوصل اليها حول اصل رجل الجليد؟‏

      ‏[الحاشية]‏

      a من اجل معلومات حول عدم امكانية الاعتماد على فحص الكربون-‏١٤،‏ انظروا استيقظ!‏ عدد ٢٢ ايلول ١٩٨٦،‏ الصفحات ٢١-‏٢٦،‏ بالانكليزية،‏ وكتاب الحياة —‏ كيف وصلت الى هنا؟‏ بالتطوُّر ام بالخَلق؟‏ صفحة ٩٦‏،‏ اصدار جمعية برج المراقبة للكتاب المقدس والكراريس في نيويورك.‏

      ‏[الخريطة في الصفحة ٥]‏

      ‏(‏اطلب النص في شكله المنسَّق في المطبوعة)‏

      وُجد رجل الجليد داخل الحدود الايطالية تماما عند نهر سيميلاون الجليدي

      المانيا

      النمسا

      إنزبروك

      سويسرا

      سلوڤينيا

      ايطاليا

      بولزانو

      نهر سيميلاون الجليدي

      البحر الادرياتي

      ‏[الصور في الصفحة ٧]‏

      تسم العلامة X الموقع حيث وُجد أوتزي.‏ الصور المدرجة:‏ ١-‏ الفأس النحاسية،‏ ٢-‏ الخنجر الصوَّاني،‏ ٣-‏ ربما تعويذة،‏ ٤-‏ الطرف الحاد لقرن الوعل في مقبض خشبي

      ‏[مصدر الصورة]‏

      Foto: Prof.‎ Dr.‎ Gernot Patzelt/Innsbruck

      Fotos 1-4: Archiv Österreichischer Alpenverein/Innsbruck,‎ S.‎N.‎S.‎ Pressebild GmbH

  • فهم فكر رجل الجليد وعالمه
    استيقظ!‏ ١٩٩٥ | ايار (‏مايو)‏ ٨
    • فهم فكر رجل الجليد وعالمه

      لنعد الى أوتزي.‏ هل كان بدائيا،‏ احمق،‏ ومجرَّدا من الاحاسيس الجَمالية؟‏ ماذا تكشف آنيته،‏ اسلحته،‏ وثيابه؟‏

      تكشف اسلحة أوتزي انه كان صاحب معرفة ممتازة في مجال القذفيات ballistics.‏ فقد كان الريش المميَّز موجودا على عقب السهمين المكتملين.‏ وكان الريش ملصقا عند زاوية تجعل السهم يدور في الهواء في حركة لولبية،‏ مما يتيح درجة كبيرة من الدقة حتى مسافة تبلغ نحو ٣٠ ياردة (‏٣٠ مترا)‏.‏ وثيابه الجلدية (‏جلود حيوانات مختلفة)‏ تخبرنا الكثير عن اذواق تلك الفترة.‏ في ايامنا لا يكفي ان يغطي الثوب الجسم فحسب بل ان يرضي ايضا بعض المتطلبات الجَمالية.‏ فكيف كانت الثياب في ايام أوتزي؟‏ تقول مجلة تايم في وصفها للاكتشافات:‏ «كان الثوب ملفوقا بمهارة بخيوط من اوتار العضلات او الياف النباتات في ما يبدو وكأنه شكل شبيه بالفسيفساء.‏» وساهمت القطع وطريقة الخياطة المدروسة في خلق «مظهر مرقَّش،‏» كما يقول كتاب Der Mann im Eis (‏الرجل الذي في الجليد)‏.‏ وفوق الثوب كان رجل الجليد يرتدي «جُبَّة محوكة من الاعشاب،‏ وهي ممتازة لاتقاء البرد،‏ وربما كانت تُستخدم خلال الاستراحة ك‍ ‹فراش› لعزل جسمه عن الارض.‏» —‏ Focus‏.‏

      وتعلق تايم قائلة انه لوحظت «درجة غير متوقعة من المهارة الصناعية» في معداته.‏ مثلا،‏ كان للخنجر «غمد متقن الصنع،‏ محوك من نبات.‏» فكما يَظهر،‏ عاش رجل الجليد في حقبة كانت فعلا «غنية ومعزَّزة حضاريا،‏» كما يعرِّفها جيوڤاني ماريا پاتشيه في كتابه Gli italiani dell’Età della pietra (‏ايطاليو العصر الحجري)‏.‏

      ويمكن الاشارة ايضا الى وجود ثمار الفطر قرب أوتزي.‏ فربما كانت تُستخدم لاشعال النار،‏ او من المرجح اكثر،‏ كما يقول الخبراء،‏ انها كانت مع رجل الجليد بسبب خصائصها العلاجية او كمضادات حيوية،‏ وكانت جزءا مما يشبه «علبة اسعافات اولية قابلة للحمل.‏»‏

      الذوق الجَمالي،‏ المقدرة الفكرية،‏ المعرفة العلاجية،‏ والمهارة في حقول الشغل بالمعادن،‏ الزراعة،‏ والفن —‏ تشير هذه،‏ بالتباين مع الانطباع الذي يُترك غالبا،‏ الى ان معاصري رجل الجليد كانوا ذوي معرفة وأكفاء في شتى المجالات.‏ ذكر عالم الآثار الدكتور لورنس بارْفيلد:‏ «قليلون منا اليوم يملكون ايًّا من المهارات التي تمتع بها معظم الناس خلال الالف الرابع [ق‌م].‏» وقد تجلت اذواقهم المصقولة،‏ مثلا،‏ في التصاوير الفنية والمصنوعات اليدوية المعدنية والخزفية المكتشَفة في القبور.‏

      المناخ الديني

      تقول دائرة المعارف البريطانية الجديدة:‏ «بحسب ما اكتشف العلماء حتى الآن،‏ ما وُجد شعب قط،‏ في ايّ مكان وفي ايّ زمان،‏ لم يكن متديِّنا بطريقة ما.‏» وحول موضوع الدور البارز الذي لعبه الدين في الازمنة القديمة،‏ يقول Dizionario delle religioni (‏معجم الاديان)‏ انه «كانت تُستخدم الاشياء والطاقات في المشاريع الدينية اكثر مما في الحياة اليومية.‏»‏

      كان الشعور الديني كما يَظهر واسع الانتشار في ايام أوتزي.‏ وقد وُجدت مدافن قديمة في اماكن كثيرة تشهد على تنوُّع وفخامة شعائر المآ‌تم.‏ ووُجدت ايضا عشرات التماثيل الصلصالية الصغيرة،‏ وهي تمثِّل معبودات تنتمي الى آلهة البلاد القديمة.‏

      التاريخ البشري القديم والكتاب المقدس

      ان الحضارات التي تَظهر من خلال البحث في غياهب الازمنة القديمة كانت معقدة جدا.‏ ولا يُترك عند المرء الانطباع انها كانت حضارات بدائية تكافح في خضم عوائق كثيرة من اجل احراز تقدُّم لا يكاد يُذكر نحو مجتمع مكتمل النمو.‏ وبالنسبة الى المؤرخين،‏ كانت المجتمعات ذات حجوم مختلفة وإنما مكتملة النمو.‏

      وهذا مهم بالنسبة الى كل مَن يدرس الكتاب المقدس.‏ فسفر التكوين يشير الى انه في وقت باكر جدا من التاريخ البشري —‏ وخصوصا عندما ‹تبدَّد الجنس البشري على وجه كل الارض› —‏ ظهرت حضارات معقدة ومكتملة النمو،‏ وكانت لعناصرها مقدرات فكرية وروحية.‏ —‏ تكوين ١١:‏٨،‏ ٩‏.‏

      ويُظهر الكتاب المقدس ان الجنس البشري امتلك قدرات تقنية وفنية حتى في ابكر الازمنة،‏ كضرب «كل آلة من نحاس وحديد.‏» (‏تكوين ٤:‏٢٠-‏٢٢‏)‏ واستنادا الى سجل الكتاب المقدس،‏ كانت للكائنات البشرية دائما رغبة واعية في عبادة اله ما.‏ (‏تكوين ٤:‏٣،‏ ٤؛‏ ٥:‏٢١-‏٢٤؛‏ ٦:‏٨،‏ ٩؛‏ ٨:‏٢٠؛‏ عبرانيين ١١:‏٢٧‏)‏ ورغم ان ورع الانسان انحط على مرِّ الزمان،‏ يبقى «متدينا بشكل يتعذر تغييره،‏» كما تقول دائرة المعارف البريطانية الجديدة.‏

      البحث عن الاصول

      مع ان الابحاث الاثرية ليست قادرة على الاجابة عن كل الاسئلة التي اثارها اكتشاف أوتزي،‏ فقد مكَّنتنا من فهم العالم الذي عاش فيه —‏ عالم معقد يختلف كثيرا عن الصورة المألوفة للازمنة المسماة ازمنة ما قبل التاريخ.‏ لقد كان عصريا اكثر بكثير مما يعتقد كثيرون.‏

      وفي الختام،‏ عدا عن الوقائع المستخلَصة من مظهر رجل الجليد وممتلكاته،‏ فكما ذكرت الجغرافية القومية،‏ «تكاد تكون كل الاشياء المتعلقة به لغزا او تخمينا.‏» وفي هذه الاثناء يضطجع أوتزي في غرفة باردة في إنزبروك،‏ النمسا،‏ فيما يجاهد اكثر من ١٤٠ خبيرا من مختلف حقول المعرفة لحل اسرار اخرى عن رجل الجليد القادم من البرد.‏

      ‏[الصورة في الصفحة ٨]‏

      خبراء بالشؤون الشرعية يفحصون جثة رجل الجليد في إنزبروك

      ‏[مصدر الصورة]‏

      Foto: Archiv Österreichischer Alpenverein/Innsbruck,‎ S.‎N.‎S.‎ Pressebild GmbH

المطبوعات باللغة العربية (‏١٩٧٩-‏٢٠٢٥)‏
الخروج
الدخول
  • العربية
  • مشاركة
  • التفضيلات
  • Copyright © 2025 Watch Tower Bible and Tract Society of Pennsylvania
  • شروط الاستخدام
  • سياسة الخصوصية
  • إعدادات الخصوصية
  • JW.ORG
  • الدخول
مشاركة