-
الهداية الى الالحاد؟استيقظ! ٢٠١١ | كانون الثاني (يناير)
-
-
الهداية الى الالحاد؟
أفرز مجتمعنا اليوم طبقة جديدة من الملحدين تُدعى الالحادية الجديدة. وهؤلاء الملحدون الجدد لا يحتفظون بآرائهم لأنفسهم، بل يشنون حملة شعواء «بحدة وحماس وشغف لهداية المتدينين الى مذهبهم»، حسبما كتب المحرر الصحفي ريتشارد برنستاين. وهم يستهدفون حتى اللاأدريين لأن الشك عندهم غير مقبول. فاللّٰه في نظرهم غير موجود، والامر محسوم لا يقبل الجدل.
يقول ستيڤن واينبرڠ الحائز جائزة نوبل: «ان المعتقدات الدينية كابوس تسلَّط طويلا على العالم ولا بد ان يصحو منه». ويتابع: «علينا نحن العلماء ان نستغل كل الوسائل المتاحة للحد من هيمنة الدين، وقد يكون ذلك في النهاية اعظم خدمة نؤديها للحضارة». وإحدى هذه الوسائل هي الكلمة المكتوبة التي تستقطب اهتماما ملحوظا على ما يبدو. فقد اصبحت بعض مؤلَّفات الملحدين الجدد بين الكتب الاكثر مبيعا في الاسواق.
وهذه الحملة التي يشنها الملحدون الجدد يوفر لها الدين مرتعا خصبا، لأن الناس ضاقوا ذرعا بما يبتلي العالم من تطرف وإرهاب وصراعات باسم الدين. يذكر احد الملحدين الجدد البارزين: «يسمِّم الدين كل شيء». ولا يُقصَد بهذا ‹السمّ› الآراء المتطرفة فحسب، بل ايضا المعتقدات الدينية بشكل عام. ففي رأي الملحدين الجدد، يجب تشهير العقائد الجوهرية ونبذها واستبدالها بالعقلانية والمنطق. كما كتب الملحد سام هاريس انه ينبغي ان يتجرأ الناس على المجاهرة برأيهم في «فيض الترَّهات الهدامة» التي تحفل بها شتى الكتابات المقدسة. ويضيف: «لم يعد بالامكان ان نتعامل مع المسألة بمداراة» مراعاةً لمشاعر المتدينين.
ان الملحدين الجدد يستهينون بالدين، فيما يجلّون العلم الى حد ادعاء البعض انه يثبت عدم وجود اللّٰه. ولكن هل هذا صحيح، او بالاحرى ممكن؟ يقول هاريس: «في نهاية المطاف، لا بد ان يخرج احد طرفي الجدال منتصرا، والآخر خاسرا».
فأي الطرفين سينصفه الزمن برأيك؟ اسأل نفسك فيما تفكر مليا في هذه المسألة: ‹هل الايمان بوجود خالق مؤذٍ بحد ذاته؟ وهل تتحسن اوضاع العالم اذا ألحد جميع الناس؟›. لنتأمل اولا في ما قاله بعض العلماء والفلاسفة المحترمين في الالحاد والدين والعلم.
-
-
هل يدحض العلم وجود اللّٰه؟استيقظ! ٢٠١١ | كانون الثاني (يناير)
-
-
هل يدحض العلم وجود اللّٰه؟
طوال ٥٠ سنة، كان الفيلسوف البريطاني انطوني فلو ملحدا رفيع الشأن في نظر اقرانه. وقد نشر سنة ١٩٥٠ مقالا يهاجم اللاهوت (Theology and Falsification) «اصبح الاوسع انتشارا بين المؤلفات الفلسفية المعاد طبعها في القرن [العشرين]». كما دُعي فلو عام ١٩٨٦ «الناقد الاكثر تعمُّقا بين النقاد المعاصرين لمذهب التأليه»، المذهب القائل بوجود إله او اكثر. لذا صُدم كثيرون عندما اعلن فلو عام ٢٠٠٤ انه رجع عن رأيه.
وماذا حدا بهذا الفيلسوف الملحد الى العدول عن وجهة نظره؟ الجواب بكلمة واحدة هو: العلم. فقد اضحى مقتنعا ان الكون وقوانين الطبيعة والحياة بذاتها لا يمكن ان تكون وليدة الصدفة. فهل هذا الاستنتاج منطقي؟
كيف نشأت قوانين الطبيعة؟
يشير الفيزيائي والمؤلف پول دايڤيز ان العلم يقدِّم شرحا وافيا للظواهر الطبيعية كالمطر. لكنه يقول: «حين يدور البحث حول اسئلة . . . مثل ‹لمَ توجد قوانين في الطبيعة؟›، لا يقدِّم العلم جوابا شافيا. فما من اكتشافات علمية محددة تجيب عن هذا النوع من الاسئلة؛ فمنذ نشأة الحضارة، نحن نراوح مكاننا في الاجابة عن الكثير من الاسئلة المهمة التي لا تزال تحيّرنا الى هذا اليوم».
وفي هذا الخصوص، كتب فلو عام ٢٠٠٧: «ليست النقطة الرئيسية ان هناك قوانين في الطبيعة، بل ان هذه القوانين دقيقة حسابيا، مطلقة، و ‹مترابطة›. وقد رأى فيها آينشتاين ادلة ملموسة على وجود عقل مدبِّر. والسؤال الذي ينبغي لنا طرحه هو: من اين للطبيعة هذه الحلة المنسقة؟ هذا ما فعله علماء امثال نيوتن وهايزنبرڠ وآينشتاين، وكان جوابهم ‹عقل اللّٰه›».
حقا، ان العديد من العلماء المحترمين لا يعتبرون الايمان بعلّة اولى ذكية امرا يتنافى مع العلم. بالمقابل، يبقى الكثير من التساؤلات دون اجوبة شافية اذا قلنا ان الكون وقوانينه والحياة اتت بمحض الصدفة. فالتجارب تعلّمنا ان كل آلة لها مصمِّم، وخصوصا اذا كان تصميمها بالغ التعقيد.
اي ايمان تختار؟
رغم ان الملحدين الجدد يرفعون راية العلم، فالحقيقة انه لا الالحاد ولا التأليه يعتمدان كليًّا على العلم. فكلاهما يتطلب الايمان: الاول ايمانا بصدفة عمياء لا هدف لها، والثاني ايمانا بعلّة اولى ذكية. يقول جون لينوكس، وهو بروفسور في الرياضيات في جامعة اوكسفورد بإنكلترا، ان الملحدين الجدد يروّجون المفهوم القائل ان «الايمان الديني بكل اشكاله ايمان اعمى». ثم يضيف: «يجب ان نشدّد انهم على خطإ». لذا فالسؤال الحقيقي هو: أيُّما يَثبت على المحك، ايمان الملحدين ام المتديِّنين؟ تأمل على سبيل المثال في اصل الحياة.
لا يتردد مؤيدو التطور في الاقرار بأن اصل الحياة لا يزال لغزا محيّرا رغم كثرة النظريات المتضاربة التي تتطرق الى هذا الموضوع. مثلا، يطرح ريتشارد دوكِنز، احد الملحدين الجدد البارزين، النظرية ان الحياة كان لا بد ان تظهر في مكان ما بالنظر الى العدد الهائل من الكواكب في الكون. لكن علماء معتبرين كثيرين لا يشاطرونه هذا اليقين. يقول البروفسور في جامعة كَيمبريدج جون بارو ان الايمان بعملية «تطور الحياة والفكر» يصطدم «بحائط مسدود في كل مرحلة. فثمة عوامل كثيرة تفوق الحصر يمكن ان تحول دون تطور الحياة في محيط معقّد وعدائي، بحيث يُعَدّ منتهى الغطرسة الافتراض ان كل شيء ممكن بمجرد توفّر الكربون والوقت الكافيين».
لا يغب عن بالك ايضا ان الحياة اكثر من مجرد مزيج من العناصر الكيميائية. فهي تقوم على شكل معقّد للغاية من المعلومات المشفرة في الدَّنا (DNA). لذلك، حين نتحدث عن اصل الحياة، فنحن نتحدث ايضا عن مصدر المعلومات البيولوجية. وهل تنشأ المعلومات صدفة من تلقاء ذاتها، ام انها تصدر عن عقل مفكِّر؟ هل تُنتج الحوادث العَرَضية معلومات معقَّدة، مثل برنامج كمبيوتر او معادلة جَبرية او موسوعة، او حتى معلومات بسيطة كوصفة لإعداد قالب حلوى؟ قطعا لا. فكم بالاحرى معلومات تفوقها تعقيدا وفعالية بأشواط كالمعلومات المختزنة في الشفرة الوراثية للكائنات الحية!
هل هو علمي ان نقول ان العلّة الاولى هي الصدفة؟
يقول پول دايڤيز المقتبس منه آنفا: «ان الكون [عند الملحدين] موجود كما هو، بصورة غامضة، وقد شاءت الصدفة ان يسمح بوجود الحياة». ففي رأيهم، «لو كان الوضع مختلفا، لما كنا احياء اصلا لنتجادل في الامر. فالكون، سواء كان مترابطا ام لا، لا تصميم له ولا هدف او مغزى، على الاقل ليس فيه شيء من هذا القبيل منطقي بالنسبة الينا». ويعلّق دايڤيز على هذا الرأي الذي يتبناه الملحدون: «ان فائدة اتخاذ موقف كهذا هي سهولة تبريره، بحيث يمكن استخدامه مخرجا سهلا»، اي عذرا للتملص من المسألة برمَّتها.
وفي كتاب التطور: نظرية في ازمة (بالانكليزية) استنتج المؤلف مايكل دِنْتون، المتخصص في علم الاحياء الجزيئي، ان نظرية التطور «اقرب الى احد مبادئ علم التنجيم في القرون الوسطى منها الى نظرية علمية جديّة». كما اعتبر التطور الدارويني من اعظم اساطير زمننا.
وفي الحقيقة، ان اعتبار الصدفة علّة اولى اشبه بخرافة لا تمت الى الواقع بصلة. على سبيل الايضاح، اليك المثل التالي: يرى عالِم آثار حجرا خاما مربَّع الشكل تقريبا. فيعزو شكل الحجر الى الصدفة، واستنتاجه هذا منطقي. لكنه في وقت لاحق يجد حجرا على هيئة تمثال نصفي متقن الشكل تبرز فيه ادق التفاصيل. فهل ينسبه الى الصدفة ايضا؟ كلا. بل يستنتج منطقيا ان له صانعا. بشكل مماثل، يعتمد الكتاب المقدس المنطق نفسه قائلا: «ان كل بيت يبنيه احد، ولكن باني كل شيء هو اللّٰه». (عبرانيين ٣:٤) فهل توافقه الرأي؟
كتب البروفسور لينوكس: «كلما تعمقنا في معرفة الكون، توطدت ثقتنا بأن اصدق تفسير لوجودنا هو الفرضية القائلة ان اللّٰه موجود وإنه خلق الكون لقصد معين».
ولكن من المؤسف ان احد الامور التي تقوّض الايمان باللّٰه هو الشر الذي يُرتكب باسمه. لذلك يخلص البعض الى ان البشرية ستغدو افضل حالا اذا استغنت عن الدين. فما رأيك انت؟
-
-
هل يغدو العالم افضل حالا بلا دين؟استيقظ! ٢٠١١ | كانون الثاني (يناير)
-
-
هل يغدو العالم افضل حالا بلا دين؟
يتطلع الملحدون الجدد الى عالم بلا دين، عالم لا انتحاريين فيه ولا حروب دينية ولا مبشرين على التلفزيون يسلبون رعاياهم الاموال. فهل يروقك هذا التصوُّر؟
قبل ان تبادر الى الاجابة، اسأل نفسك: ‹هل من ادلة تؤكد ان الالحاد سيحسِّن العالم اذا عمَّ الارض كلها؟›. تأمل في ما يلي: ان الجهود التي بذلها تنظيم الخمير الحمر لإقامة دولة ماركسية ملحدة ادت الى موت ما يناهز ٥,١ مليون كمبودي. وفي الاتحاد السوفياتي الذي تبنى الالحاد بشكل رسمي، ازهق حكم جوزيف ستالين عشرات ملايين الارواح. صحيح انه لا يمكن نسب هذه الشرور مباشرة الى الالحاد، لكنها تبرهن ان سيطرة الالحاد لا تضمن السلام والوفاق.
طبعا، لا احد ينكر ان الدين يتسبب بالكثير من المعاناة والالم. ولكن هل يعني ذلك ان اللّٰه هو الملوم؟ قطعا لا! فهل تلوم صانع السيارة على حادث تسبَّب به سائقها وهو يتكلم على هاتفه الخلوي؟! علاوة على ذلك، هنالك اسباب كثيرة لمعاناة البشر، احدها اعمق وأهم من المعتقدات الدينية. والكتاب المقدس يحدِّد هذا السبب الجوهري على انه النقص الفطري الملازم للبشر. فهو يقول: «الجميع اخطأوا وليس في وسعهم ان يعكسوا مجد اللّٰه». (روما ٣:٢٣) وهذا الميل الى الخطية يشكِّل غالبا تربة خصبة للانانية والكبرياء والعنف والرغبة في التحرر ادبيا. (تكوين ٨:٢١) كما يدفع الناس الى تبرير تصرفاتهم بأعذار غير صحيحة والانجذاب الى معتقدات تتغاضى عن الاعمال الشريرة. (روما ١:٢٤-٢٧) فكم كان يسوع المسيح مُحقا حين قال: «من القلب تخرج افكار شريرة، وقتل، وزنى، وعهارة، وسرقة، وشهادات زور، وتجاديف»! — متى ١٥:١٩.
فرق هام
ثمة فرق لا بد من التنويه به هنا بين العبادة الحقة، اي المقبولة في نظر اللّٰه، والعبادة الباطلة. فالعبادة الحقة تحث الناس على مقاومة الميول المنحطة. كما تروّج محبة التضحية بالذات، السلام، اللطف، الصلاح، الوداعة، ضبط النفس، الامانة الزوجية، واحترام الآخرين. (غلاطية ٥:٢٢، ٢٣) أما العبادة الباطلة فتُرضي أهواء الجمهور ‹بدغدغة آذانهم› كما يقول الكتاب المقدس، اذ تتغاضى عن رذائل دانها يسوع. — ٢ تيموثاوس ٤:٣.
وهل يمكن للالحاد ان يُسهم في خلق الجو نفسه من التشويش والغموض في المسائل الادبية؟ ان عدم وجود اللّٰه يعني عدم تأدية حساب عن اعمالنا امام سلطة الهية وانعدام «اية قيم موضوعية ينبغي لنا جميعا ان نحترمها»، حسبما يقول البروفسور في الحقوق فيليپ جونسون. فتصبح الآداب مسألة نسبية ويختار كل شخص مقاييسه الخاصة، هذا اذا رغب اصلا في الالتزام بأية مقاييس. وطريقة التفكير هذه تجعل الالحاد فلسفة جذابة في نظر البعض. — مزمور ١٤:١.
لكن الوضع لن يبقى على حاله الى الابد، فاللّٰه لن يظل صابرا على الاباطيل — سواء ارتبطت بالالحاد او بالدين — ولا على الذين يروّجون لها.a فهو يعد: ‹المستقيمون [الملتصقون بالحق ادبيا وروحيا] يسكنون الارض، والمنزهون عن اللوم يبقون فيها. اما الاشرار فينقرضون من الارض، والغادرون يُقتلَعون منها›. (امثال ٢:٢١، ٢٢) نتيجة لذلك، سيعم السلام والسعادة الارض كلها، انجاز لا يمكن ان يحقِّقه اي انسان او مؤسسة او فلسفة بشرية. — اشعيا ١١:٩.
[الحاشية]
a بإمكانك الاطلاع على التفسير المنطقي المؤسس على الاسفار المقدسة لسماح اللّٰه الوقتي بالالم والشر في الفصل ١١ من كتاب ماذا يعلّم الكتاب المقدس حقا؟، اصدار شهود يهوه.
[الاطار في الصفحة ٦]
نظرة اللّٰه الى الفظائع الدينية
كان الموطن الذي استقرت فيه امة اسرائيل القديمة ارضا يسكنها الكنعانيون، شعب منحط مارس شعائر تقديم الاولاد ذبائح والفساد الادبي الجنسي، مثل سفاح القربى والسدومية والبهيمية. (لاويين ١٨:٢-٢٧) يذكر الكتاب علم الآثار والعهد القديم (بالانكليزية): «كشفت اعمال التنقيب . . . اكواما من الرماد وبقايا هياكل عظمية لرُضَّع في مقابر حول المذابح الوثنية، ما يشير الى انتشار [تقديم الاولاد ذبائح] انتشارا واسعا». وبحسب موجز الكتاب المقدس لهالي (بالانكليزية)، كانوا يقدمون العبادة لآلهتهم بالانغماس في الفساد الادبي وبتقديم ابكارهم ذبيحة لهذه الآلهة نفسها. ويضيف: «ان علماء الآثار الذين ينقِّبون في خرائب المدن الكنعانية يتعجبون كيف ان اللّٰه لم يهلكهم في وقت ابكر من ذلك».
ان اهلاك اللّٰه للكنعانيين شاهد يؤكد لنا انه لن يحتمل الى الابد الشرور التي تُرتكَب باسمه. تقول اعمال ١٧:٣١: «حدد [اللّٰه] يوما هو فيه مزمع ان يدين المسكونة بالبر».
[الصورتان في الصفحة ٧]
ارتُكبت الفظائع باسم الدين والالحاد على حد سواء
تأييد الكنيسة لهتلر
جماجم ضحايا قتلهم الخمير الحمر في كمبوديا
[مصدر الصورة]
AP Photo
-