-
غلافنا الجوي الثميناستيقظ! ١٩٩٤ | كانون الاول (ديسمبر) ٢٢
-
-
غلافنا الجوي الثمين
في ٤ ايار ١٩٦١ حُمل مالكوم رُسّ وڤيك پراذر عاليا في الهواء الى ارتفاع بلغ ٥,٢١ ميلا (٦,٣٤ كلم). آنذاك لم يتأثَّر رُسّ بتسجيل رقم قياسي جديد. فما اثَّر فيه كان المنظر الذي رآه فيما رفع بحذر الستارة ونظر الى خارج السلَّة لاول مرة.
«عندما بلغنا ارتفاع ٠٠٠,١٠٠ قدم [٥٠٠,٣٠ م]،» كما يتذكَّر، «كان المنظر رائعا للغاية.» لقد اذهلَت رُسّ الالوان التي تسم مختلف طبقات الغلاف الجوي. اولا، هنالك «الازرق الزاهي والضارب الى البياض» للتروپوسفير التي تمتد نحو عشرة اميال (١٦ كلم) فوق الارض. ثم تصير الستراتوسفير الغامقة الزرقة قاتمة اكثر وأكثر حتى نصل اخيرا الى سواد الفضاء. «بمهابة صامتة تأملنا في الجمال الفائق للغلاف الجوي،» كتب رُسّ في الجغرافيَّة القومية.
حقا، ان غلافنا الجوي الجميل جدير بأن نتأمل فيه.
داعم للحياة
غلافنا الجوي هو، في الواقع، محيط من الهواء يغلِّف الارض الى ارتفاع يبلغ ٥٠ ميلا (٨٠ كلم) تقريبا. وهو يزن اكثر من ٥ كوادريليونات طن ويُنتج ضغطا على رؤوسنا تبلغ قوته ٧,١٤ پاوندا في الانش المربع (٠٣,١ كلڠ في السم٢) عند سطح البحر. بدون ضغط الهواء هذا لا يمكننا البقاء على قيد الحياة، لأنه يحول دون تبخُّر سوائل جسدنا. ويفتقر الغلاف الجوي الاعلى الى ضغط هواء كافٍ لدعم الحياة البشرية. لهذا السبب كان على رُسّ وپراذر ان يرتديا بدلة فضاء مكيَّفة الضغط. «بدون ضغط اصطناعي،» اوضح رُسّ، «يغلي دمنا، تتمزَّق اوعيتنا الدموية وأعضاؤنا.»
وطبعا، نحتاج ايضا الى هذا المحيط من الهواء لنستمر في التنفُّس. لكنَّ معظمنا لا يفكِّر فيه مليًّا لأننا لا نستطيع رؤيته. قال بتقدير احد الرجال الاتقياء للازمنة القديمة: «[اللّٰه] يهب لجميع الخَلق الحياة والنَّفَس وكل شيء.» — اعمال ١٧:٢٤، ٢٥، الترجمة اليسوعية الجديدة.
بدون غلافنا الجوي لا يكون هنالك وَسَط ليحمل عاليا الغبار الذي تتشكل حوله قطرات الماء. لذلك لا يكون هنالك مطر. ولولا غلافنا الجوي، لاحترقنا من اشعة الشمس المباشرة وجمدنا في الليل. ومما يدعو الى الشكر ان الغلاف الجوي يعمل كدِثار، محتجزا بعضا من حرارة الشمس لكي لا تكون الليالي باردة فوق الحدّ.
وفضلا عن ذلك، يزوِّد الغلاف الجوي الحماية من الشُّهُب القادمة التي تؤذي سكان الارض. «الاجسام الصلبة من الفضاء،» يوضح هربرت ريل في كتابه مدخل للغلاف الجوي، «تصل الى الحدود الخارجية للغلاف الجوي بكتلة كلِّية تُقدَّر بآلاف عديدة من الاطنان كل يوم.» لكنَّ معظم الشُّهُب ينحلُّ في الغلاف الجوي قبل ان يصل الى سطح الارض.
والغلاف الجوي يزيد تمتعنا بالحياة. فهو يمنحنا سماءنا الزرقاء الجميلة، السُّحُب البيضاء المنتفشة، المطر المنعش، وشروق وغروب الشمس البهيَّين. وعلاوة على ذلك، بدون الغلاف الجوي لا يمكننا ان نسمع اصوات اولئك الذين نحبهم، ولا يمكننا ان نستمع الى موسيقانا المفضَّلة. لماذا؟ لأن الموجات الصوتية تلزمها مادة لتنتقل عبرها. والهواء هو ناقل مثالي للصوت، في حين انه لا يُسمع ايّ صوت في الفضاء الخارجي.
مزيج عجيب
في الازمنة القديمة اعتبر الناس ان الغلاف الجوي مادة واحدة. ثم، في اواخر القرن الـ ١٨، اكتشف العلماء انه مؤلَّف بصورة رئيسية من غازَين متمِّمَين احدهما للآخر، النتروجين والأكسجين. نحو ٧٨ في المئة من الغلاف الجوي هو نتروجين و ٢١ في المئة أكسجين؛ والـ ١ في المئة المتبقي مؤلَّف من غازات مثل الأرغون، بخار الماء، ثاني اكسيد الكربون، النيون، الهِليوم، الكريبتون، الهيدروجين، الزينون، والأوزون.
وطبعا، الأكسجين هو الغاز الداعم الحياة الذي تمتصه اجسامنا بواسطة التنفُّس. ومستوى الأكسجين في غلافنا الجوي مثالي للحياة على الارض. فإذا انخفض كثيرا، نصير نِعاسا وفي النهاية نفقد الوعي. وإذا ازدادت تراكيزه كثيرا، يُقال انه حتى الاغصان الرطبة وعشب الغابة ستشتعل.
والنتروجين هو المخفِّف المثالي للأكسجين، ومع ذلك فهو يقوم بأكثر من دور سلبي في دعم الحياة. فكل العضويات يجب ان تحصل عليه لتحيا. تحصل النباتات على النتروجين من الغلاف الجوي بمساعدة البرق ونوع خصوصي من البكتيريا. ونحن، بدورنا، نحصل على النتروجين من الطعام الذي نأكله.
ان محافظة غلافنا الجوي على النسبة الصحيحة من الأكسجين والنتروجين هي اعجوبة. فالنتروجين يُعاد الى الغلاف الجوي، وذلك بفضل العمل القيِّم للعضويات الدقيقة. وماذا عن الأكسجين؟ هنالك كميات هائلة تُستهلك في الاحتراق وعن طريق تنفُّس البشر والحيوانات. ومع ذلك يحافظ الغلاف الجوي على مستواه الذي يبلغ ٢١ في المئة من الأكسجين. كيف؟ عن طريق التخليق الضوئي — عملية كيميائية في الاوراق الخضراء والطحالب — الذي يُطلق اكثر من بليون طن من الأكسجين في الغلاف الجوي كل يوم.
لا يمكن ان يحدث التخليق الضوئي دون ثاني اكسيد الكربون — غاز شحيح يؤلِّف مجرد ٠٣,. في المئة من الغلاف الجوي. فبمساعدة الضوء، تعتمد النباتات على ثاني اكسيد الكربون لتنمو وتنتج الثمار، الجوز، الحبوب، والبقول. وثاني اكسيد الكربون يعكس ايضا الحرارة معيدا اياها الى الارض لإبقاء كوكبنا دافئا. ولكن اذا ازداد مستوى ثاني اكسيد الكربون بسبب احتراق الكثير من الخشب، الفحم، الغاز، والنفط، تصير الحرارة على الارض في النهاية مرتفعة جدا بحيث تتوقف الحياة. ومن ناحية اخرى، اذا انخفض ثاني اكسيد الكربون كثيرا، يتوقَّف التخليق الضوئي، ونموت جوعا.
الأوزون هو غاز شحيح آخر تعتمد عليه الحياة على الارض. والأوزون الموجود في الجزء الاعلى من الغلاف الجوي الذي يُدعى الستراتوسفير يمتص الاشعة فوق البنفسجية من الشمس. وهكذا تجري حمايتنا نحن الذين على الارض من هذه الاشعة فوق البنفسجية المؤذية.
وفي الواقع، كلما عرفنا اكثر عن الغلاف الجوي، ازداد اكثر سبب تعجُّبنا. فتركيبه المؤلف من النتروجين، الأكسجين، والغازات الشحيحة الاخرى ملائم تماما. وحجم الارض مناسب تماما ايضا للمحافظة على التوازن. فلو كانت الارض اصغر ووزنها اقل، لكانت جاذبيتها ضعيفة جدا، ولأفلتَ الكثير من غلافنا الجوي الثمين في الفضاء.
«ومن ناحية اخرى،» يذكر الكتاب الدراسي العلمي بيئة الحياة، «لو كانت الارض اكبر من حجمها بقليل، لسبَّبت قوة الجاذبية المتزايدة احتجاز كميات اكبر من الغازات. . . . ولَفَسَد التوازن الدقيق بين غازات الغلاف الجوي.»
ولكن، من المؤسف ان نمط الحياة الحديث الذي يتَّبعه الانسان يُفسِد «التوازن الدقيق.» فإلى ايّ حد خطير هو الوضع، وأيّ رجاء هنالك بإنقاذ غلافنا الجوي الثمين من الدمار؟
[الاطار في الصفحة ٥]
عندما تبدو لوحات الغروب اجمل
يعكس الغلاف الجوي اشعة الشمس بطريقة تمنح السماء مظهرا ازرق بهيجا. وفيما تنحدر الشمس نحو الافق، يلزم ان تعبر اشعتها مسافات اطول في الغلاف الجوي. ويُنتج هذا الامر تنوُّعا من الالوان الزاهية قد لا يراه سكان المدن على الاطلاق.
ان غروب الشمس فوق المدن الصناعية باهت عادةً وتنقصه الالوان ما عدا ظلال اللون الاحمر. اذا كانت المنطقة ملوَّثة كثيرا، تلاحظ مجلة العالِم الجديد، «تظهر الشمس كقرص احمر باهت قد يختفي حتى قبل ان يبلغ الافق.»
«في جو صاف وغير ملوَّث على نحو استثنائي،» توضح المجلة المذكورة سابقا، «تكون ألوان غروب الشمس متألِّقة بشكل خصوصي. فتكون الشمس صفراء زاهية والسماء المتاخمة تكون ظلالا من اللونين البرتقالي والاصفر. وعندما تختفي الشمس تحت الافق، تتغير الالوان تدريجيا من البرتقالي الى الازرق. وتستمر الغيوم المنخفضة في عكس ضوء الشمس، حتى بعد غيابها.»
تخيَّلوا لوحات الغروب المتنوِّعة الجميلة التي سيجري التمتع بها في عالم خالٍ من التلوُّث! — رؤيا ٢١:٣-٥.
-
-
عندما يتضرَّر غلافنا الجوياستيقظ! ١٩٩٤ | كانون الاول (ديسمبر) ٢٢
-
-
عندما يتضرَّر غلافنا الجوي
في سنة ١٩٧١، فيما كان إدڠار ميتشل في طريقه الى القمر على متن اپولو ١٤، قال لدى رؤيته الارض: «انها تبدو كجوهرة زرقاء وبيضاء متلألئة.» ولكن ماذا يمكن ان يرى المرء اليوم من الفضاء؟
اذا سمحت له نظارات خصوصية برؤية غازات غلاف الارض الجوي غير المرئية، فسيرى صورة مختلفة تماما. كتب راج تشنْڠاپا في مجلة الهند اليوم: «سيرى ثقوبا عملاقة في حُجُب الأوزون الواقية فوق القارة القطبية الجنوبية وأميركا الشمالية. وبدلا من جوهرة زرقاء وبيضاء متلألئة، سيرى ارضا متَّسخة لا بريق لها ممتلئة سحبا قاتمة دوّارة من ثاني اكسيدَي الكربون والكبريت.»
ماذا احدث ثقوبا في حجاب الأوزون الواقي لغلافنا الجوي الاعلى؟ وهل ازدياد ملوِّثات الغلاف الجوي خَطِر حقا الى هذا الحد؟
كيف يُتلف الأوزون
قبل اكثر من ٦٠ عاما، اعلن العلماء اكتشاف مبرِّد آمن يمكن ان يحل محل المبرِّدات الاخرى التي كانت سامة وتُطلق رائحة كريهة. كانت المادة الكيميائية الجديدة مؤلَّفة من جزيئات لها ذرة واحدة من الكربون، ذرتان من الكلور، وذرتان من الفلور (2F2CCl). هذه المادة ومواد كيميائية مثيلة من صنع الانسان تُدعى كلوروفلوروكربونات (CFCs).
بحلول اوائل سبعينات الـ ١٩٠٠، نما انتاج الـ CFCs حتى صار صناعة عالمية ضخمة. واستُعملت ليس فقط في المبرِّدات بل ايضا في مراذيذ الحلالات الهوائية، في مكيِّفات الهواء، في مواد التنظيف، وفي تصنيع اواني الطعام السريع ومنتوجات الپلاستيك الممدَّد الاخرى.
ولكن، في ايلول ١٩٧٤، اوضح العالمان شيروود رولاند وماريو مولينا ان الـ CFCs ترتفع تدريجيا الى الستراتوسفير حيث تطلق اخيرا الكلور. وحسب العالمان انه يمكن لكل ذرة كلور ان تتلف الآلاف من جزيئات الأوزون. ولكن بدل ان يُتلَف الأوزون بالتساوي في كل الغلاف الجوي الاعلى، يكون اتلافه اكثر بكثير فوق القطبَين.
وفي كل ربيع منذ ١٩٧٩، تختفي ثم تظهر ثانية كميات كبيرة من الأوزون فوق القارة القطبية الجنوبية. وهذا الانخفاض الموسمي في الأوزون يُدعى ثقب الأوزون. وفضلا عن ذلك، في السنوات الاخيرة صار ما يُدعى بالثقب اكبر وصار يدوم مدة اطول. ففي سنة ١٩٩٢، كشفت قياسات الاقمار الاصطناعية ثقب اوزون بلغ حجما قياسيا — اكبر من اميركا الشمالية. ولم يكن قد تبقَّى فيه الكثير من الأوزون. وكشفت قياسات البالونات انخفاضا بلغ اكثر من ٦٠ في المئة — ادنى ما سُجِّل على الاطلاق.
في غضون ذلك، تنخفض ايضا مستويات الأوزون في الغلاف الجوي الاعلى فوق اجزاء اخرى من الارض. «آخر القياسات،» تخبر مجلة العالِم الجديد، «تُظهر انه . . . كانت هنالك مقادير منخفضة غير معهودة من تركيز الأوزون في سنة ١٩٩٢ بين خطَّي العرض ٥٠° شمالا و ٦٠° شمالا، مغطِّية اوروپا الشمالية، روسيا وكندا. كان مستوى الأوزون ١٢ في المئة تحت ما هو طبيعي، ادنى من ايّ وقت في السنوات الـ ٣٥ من الرصد المستمر.»
«وحتى اسوأ التوقُّعات،» تذكر مجلة الاميركية العلمية، «يَظهر الآن انها قدَّرت نقص الأوزون الذي سبَّبته الكلوروفلوروكربونات اقل مما هو عليه. . . . ومع ذلك، تعالت في ذلك الوقت اصوات اصحاب السلطة في الحكومة والصناعة معارضة بشدة التعديلات، بحجَّة ان الدليل العلمي ناقص.»
ما يُقدَّر بـ ٢٠ مليون طن من الـ CFCs كان قد أُطلق في الغلاف الجوي. وبما انه تلزم سنوات كي تصعد الـ CFCs الى الستراتوسفير، فإن ملايين الاطنان لم تصل بعد الى الغلاف الجوي الاعلى حيث تُسبِّب الضرر. لكنَّ الـ CFCs ليست المصدر الوحيد للكلور المدمِّر الأوزون. تخبر مجلة العلم المبسَّط: «تقدِّر NASA ان نحو ٧٥ طنا من الكلور يودَع في طبقة الأوزون كلما أُطلِق مكُّوك فضائي.»
ما هي النتائج؟
ان نتائج قلَّة الأوزون في الغلاف الجوي الاعلى ليست مفهومة كاملا. لكنَّ الشيء الوحيد الذي يبدو اكيدا هو ان كمية الاشعة فوق البنفسجية المؤذية التي تصل الى الارض تزداد، مما يؤدي الى اصابات اكثر بسرطان الجلد. «خلال العقد الاخير،» تخبر مجلة الارض، «ارتفعت الجرعة السنوية من الاشعة فوق البنفسجية المؤذية التي تصيب نصف الكرة الشمالي بنسبة ٥ في المئة تقريبا.»
يقدَّر ان مجرد ارتفاع ١ في المئة في نسبة الاشعة فوق البنفسجية يسبِّب ارتفاعا قدره ٢ الى ٣ في المئة في نسبة سرطان الجلد. تذكر المجلة الافريقية Getaway: «هنالك اكثر من ٨٠٠٠ حالة جديدة من سرطان الجلد في جنوب افريقيا كل سنة . . . لدينا احد ادنى مستويات الحماية بواسطة الأوزون وإحدى اعلى نِسَب سرطان الجلد (والارتباط بينهما ليس مصادفة).»
كان العالمان رولاند ومولينا قد اخبرا قبل سنوات ان اتلاف الأوزون في الغلاف الجوي الاعلى سيسبِّب زيادة في سرطان الجلد. وأوصيا بحظر فوري لاستعمال الـ CFCs في الحلالات الهوائية في الولايات المتحدة. وإذ ادركت بلدان كثيرة الخطر، وافقت ان تتوقف عن انتاج الـ CFCs بحلول كانون الثاني ١٩٩٦. ولكن، في هذه الاثناء، يستمر استعمال الـ CFCs في تعريض الحياة على الارض للخطر.
ان انخفاض الأوزون فوق القارة القطبية الجنوبية، تخبر عالمنا الحي، «سمح للاشعاع فوق البنفسجي بالتغلغل في المحيط على نحو اعمق مما جرى توقُّعه مسبقا. . . . وهذا سبَّب نقصا كبيرا في توالد العضويات الوحيدة الخلية التي تشكل الاساس للسلسلة الغذائية في المحيط.» وتظهر التجارب ايضا ان الازدياد في الاشعة فوق البنفسجية ينقص انتاجية محاصيل كثيرة، الامر الذي يهدِّد مخزون الطعام العالمي.
حقا، ان استعمال الـ CFCs يمكن ان يحدث كارثة. ولكنَّ غلافنا الجوي يُقذَف بملوِّثات اخرى كثيرة. احداها غاز جوي حيوي للحياة على الارض عندما يكون بكميات شحيحة.
تأثير التلوُّث
في منتصف القرن الـ ١٩، ابتدأ البشر بحرق كميات اكبر من ايّ وقت مضى من الفحم، الغاز، والنفط، مضيفين كميات كبيرة من ثاني اكسيد الكربون الى الغلاف الجوي. في ذلك الوقت كانت كمية هذا الغاز الجوي الشحيح نحو ٢٨٥ جزءا في المليون. ولكن نتيجة استعمال الانسان المتزايد للوقود الاحفوري، بلغت كمية ثاني اكسيد الكربون اكثر من ٣٥٠ جزءا في المليون. فماذا كانت نتيجة وجود المزيد من هذا الغاز المُحتجِز للحرارة في الغلاف الجوي؟
يعتقد كثيرون ان ازدياد مستويات ثاني اكسيد الكربون هو الذي سبَّب الارتفاع في درجات حرارة الارض. لكنَّ باحثين آخرين يقولون ان الدفء العالمي يُنسَب بشكل خصوصي الى كون شمسنا قابلة للتغيُّر — ان الشمس تقذف طاقة اكبر في الاوقات الاخيرة.
ومهما كانت الحال، كان عقد ثمانينات الـ ١٩٠٠ العقد الاحرّ منذ ابتدأ حفظ سجلات في منتصف القرن الـ ١٩. «استمر الاتجاه الى هذا العقد،» تخبر صحيفة جنوب افريقيا ذا ستار، «فكانت سنة ١٩٩٠ احرّ سنة في السجل، سنة ١٩٩١ الثالثة الادفأ، وسنة ١٩٩٢ . . . العاشرة الادفأ في سجل الـ ١٤٠ سنة.» والانخفاض الضئيل خلال السنتين الماضيتين يُنسب الى الغبار الذي قُذف الى الغلاف الجوي عندما ثار جبل پيناتوبو في سنة ١٩٩١.
يُجادَل بشدة حول التأثيرات المستقبلية لازدياد درجات الحرارة في الارض. لكنَّ احد الاشياء التي فعلها بوضوح الدفء العالمي هو انه عقَّد مهمة التكهُّن بحالة الطقس التي كانت قبلا صعبة. تذكر العالِم الجديد انه «قد يزداد احتمال حدوث [التكهُّنات الخاطئة] اذ يغير الدفء العالمي الطقس.»
تخاف شركات تأمين كثيرة ان يجعل الدفء العالمي بوالِصَها غير مربحة. «اذ تُواجَه بعض شركات إعادة التأمين بفيض من المحن،» تعترف ذي إيكونوميست، «تخفض من مبلغ تغطيتها للكوارث الطبيعية. والاخرى تتحدث عن انسحابها من السوق كليا. . . . فهي تخشى المجهول.»
والخطير هو انه في السنة ١٩٩٠، السنة الادفإ في السجل، ارتدَّ الى الوراء جزء كبير من امتداد الجليد المرصوص القطبي الى درجة لم يسبق لها مثيل. وهذا ادَّى الى بقاء مئات الدببة القطبية على شواطئ جزيرة رانڠل مدة اكثر من شهر. «بالدفء العالمي،» تحذر مجلة BBC Wildlife، «قد تصير هذه الحالات . . . حَدَثا متكرِّرا.»
«ان الخبراء في الطقس،» اخبرت صحيفة افريقية في سنة ١٩٩٢، «يلومون الدفء العالمي على الازدياد المثير في عدد الجبال الجليدية التي تنجرف شمالا من القارة القطبية الجنوبية وتشكل خطرا على السفن في المحيط الاطلسي الجنوبي.» واستنادا الى عدد كانون الثاني ١٩٩٣ من مجلة الارض، ان الارتفاع التدريجي لمستوى البحر على مسافة من شاطئ كاليفورنيا الجنوبية ناجم جزئيا عن دفء الماء.
ومن المؤسف ان البشر يواصلون افراغ كميات مذهلة من الغازات السامة في الغلاف الجوي. «في الولايات المتحدة الاميركية،» يذكر كتاب التقرير رقم ٣ حول الارض، «قدَّر تقرير في سنة ١٩٨٩ لوكالة حماية البيئة ان اكثر من ٠٠٠,٩٠٠ طنّ متريّ من المواد الكيميائية السامة يُفرغ في الهواء كل سنة.» وهذا الرقم يُعتبر تقديرا اقل مما هو عليه الواقع لأنه لا يشمل الادخنة التي تنبعث من ملايين المركبات الآلية.
تأتي ايضا تقارير صادمة عن تلوُّث الهواء من بلدان صناعية اخرى كثيرة. والمخيف بشكل خصوصي هو الكشف الاخير لتلوُّث الهواء غير المضبوط في بلدان اوروپا الشرقية خلال عقود الحكم الشيوعي.
وأشجار الارض، التي تمتص ثاني اكسيد الكربون وتطلق الاكسجين، هي بين ضحايا الهواء السام. اخبرت العالِم الجديد: «ان اشجار المانيا تنمو مريضة بازدياد، استنادا الى . . . وزير الزراعة [الذي قال] ان تلوُّث الهواء لا يزال احد الاسباب الرئيسية لصحة الغابات الرديئة جدا.»
والحالة مماثلة في الترانْسْڤال هايْڤلد في جنوب افريقيا. يخبر جيمس كلارك في كتابه العودة الى الارض: «تظهر الآن العلامات الاولى لضرر المطر الحمضي في الترانْسْڤال الشرقية حيث يتغيَّر لون إبر الصنوبر من الاخضر الغامق الدّال على انها سليمة الى البيج الارقط الدّال على المرض.»
وتأتي تقارير كهذه من حول العالم. وليس هنالك بلد منيع. فبالمداخن التي ترتفع عاليا في الفضاء، تصدِّر البلدان الصناعية تلوُّثها الى البلدان المجاورة. وسجل الانسان للتطور الصناعي الجشع لا يوحي بالامل.
ولكن، هنالك سبب للتفاؤل. ويمكننا ان نكون واثقين من ان غلافنا الجوي الثمين سيُنقذ من الدمار. تعلَّموا في المقالة التالية كيف سيُنجز ذلك.
[الصورة في الصفحة ٧]
اتلاف الأوزون في الغلاف الجوي الاعلى يؤدي الى ازدياد سرطان الجلد
[الصورة في الصفحة ٩]
ما هي نتائج تلوُّث كهذا؟
-
-
كيف سيجري انقاذ غلافنا الجوياستيقظ! ١٩٩٤ | كانون الاول (ديسمبر) ٢٢
-
-
كيف سيجري انقاذ غلافنا الجوي
هل سيتوقف البشر طوعا عن ملء سمواتنا بالقذر؟ هل هذه هي الطريقة التي سيجري بها انقاذ غلافنا الجوي؟
كلا. ان انقاذ غلافنا الجوي الثمين لا يعتمد على امتثال البشر للمطالب المضادة للتلوُّث. وعلى العكس، فإن تدخُّل صاحب السلطة الاسمى هو ما سيجلب ليس فقط غلافا جويا منقّى بل ارضا نظيفة ايضا.
ودليل اهتمام الخالق بأرضنا، وأيضا بالحياة عليها، يَظهر بالطريقة العجيبة التي صمَّمها بها. فقد صنعها لتبقى الى وقت غير محدَّد، وحتى الى الابد. — مزمور ١٠٤:٥، ٢٤.
تدابير من اجل الصيانة
كُوِّن الغلاف الجوي، على سبيل المثال، بطريقة تجعله يُصلح وينظِّف نفسه. تأملوا في الأوزون في الغلاف الجوي الاعلى. فحجاب الأوزون صُنع بمهارة تامة بحيث يمتص الاشعاع فوق البنفسجي المميت للبشر على الارض. وفي الوقت نفسه، يسمح بمرور الضوء غير المؤذي الضروري لاستمرار الحياة على الارض.
عرفنا سابقا ان حجاب الأوزون يتضرَّر كثيرا بالكلوروفلوروكربونات التي يصنعها الانسان، والتي ترتفع الى الغلاف الجوي الاعلى. فكيف يُستعاد حجاب الأوزون الواقي؟ من المدهش ان الخالق صمَّمه كي يُصلح نفسه. نعم، يتكوَّن الأوزون دائما في الغلاف الجوي الاعلى — وفي الواقع، بواسطة هذه الاشعة الخطرة نفسها التي يرشحها الأوزون! وهكذا، في الوقت نفسه الذي يتلف فيه تلوُّثُ الانسان الأوزونَ بسرعة، يُستعاد بعض الأوزون.
والحالة مماثلة في الغلاف الجوي الاسفل، حيث يوجد معظم ما يزيد على ٥ كوادريليونات طن من الهواء. فالدورات الطبيعية تنظف بسرعة هواء الملوِّثات هذا بطرائق رائعة. تعلِّق دائرة معارف الكتاب العالمي: «تبدِّد الريح الملوِّثات، ويجرفها المطر والثلج الى الارض.»
من الواضح، اذًا، انه اذا توقَّف البشر عن تلويث الهواء، او قاموا الى حدّ كبير بوضع حدّ لمثل هذا التلوُّث، فسرعان ما يصير الهواء في كل مكان نقيًّا وذكيّ الرائحة. لكنَّ المؤلَّف المرجعي المذكور آنفا يحدِّد المشكلة، موضحًا: «في مناطق كثيرة، تُطلَق الملوِّثات في الهواء بأسرع مما يمكن لاحوال الطقس ان تتخلص منها.»
اذًا، كيف سيتوقف تلويث الانسان الاناني للغلاف الجوي؟
ارض مطهَّرة قريبة
اللّٰه نفسه هو الوحيد الذي سيوقف التلوُّث، وذلك عندما يتدخل. ينبئ الكتاب المقدس مسبقا بأنه سوف «يهلك الذين كانوا يهلكون الارض.» (رؤيا ١١:١٨) فهو لن يسمح للبشر الجشعين بالاستمرار في تلويث هذه الارض الجميلة وغلافها الجوي الداعم الحياة الى ما لا نهاية. وهو يعد بأن «عاملي الشر يُقطعون والذين ينتظرون الرب هم يرثون الارض.» — مزمور ٣٧:٩.
وكيف سيجري القضاء على كل عاملي الشر؟ سيكون ذلك بواسطة حكومة اللّٰه السماوية، ملكوته، الذي سيحل محل حكومات البشر غير الملائمة. يعِد الكتاب المقدس: «يقيم اله السموات مملكة لن تنقرض ابدا . . . وتسحق وتفني كل هذه الممالك وهي تثبت الى الابد.» (دانيال ٢:٤٤) وهذا الملكوت، حكومة اللّٰه، هو الذي علَّم يسوع أتباعه ان يصلّوا من اجله: «ليأت ملكوتك. لتكن مشيئتك كما في السماء كذلك على الارض.» — متى ٦:١٠.
ان مشيئة اللّٰه لأرضنا هي ان يحكم ملكوتُه البشر وبذلك يتمتعون بالحياة في بيئة غير ملوَّثة. لهذا السبب صمَّم اللّٰه ان «يهلك الذين كانوا يهلكون الارض.» (رؤيا ١١:١٨) فيا له من عمل جبار للانقاذ!
تخيَّلوا العيش على ارض خالية من كل التلوُّث الذي اثقلها به البشر الانانيون! في ذلك الوقت سيُعاد غلافنا الجوي الثمين الى حالته السليمة. وهذا سيحدث عندما يتمّ وعد الكتاب المقدس: «هوذا مسكن اللّٰه مع الناس وهو سيسكن معهم وهم يكونون له شعبا واللّٰه نفسه يكون معهم الها لهم. وسيمسح اللّٰه كل دمعة من عيونهم والموت لا يكون في ما بعد ولا يكون حزن ولا صراخ ولا وجع في ما بعد لأن الامور الاولى قد مضت.» — رؤيا ٢١:٣، ٤؛ ٢ بطرس ٣:١٣.
ماذا يلزم ان تفعلوا للنجاة الى العالم الجديد البار الذي يعِد به اللّٰه؟ يلزم ان تتعلَّموا عن الشخص الذي ارسله اللّٰه الى الارض كممثِّل له وتتَّبعوا تعاليمه. (يوحنا ٣:١٦؛ ٧:٢٩) قال هذا الشخص، يسوع المسيح، في الصلاة الى اللّٰه: «هذه هي الحياة الابدية ان يعرفوك انت الاله الحقيقي وحدك ويسوع المسيح الذي ارسلته.» — يوحنا ١٧:٣.
[الصورة في الصفحة ١٠]
ارض فردوسية نظيفة غير ملوَّثة قريبا
-