-
الى عالم بارد يأتون!استيقظ! ٢٠٠٣ | كانون الاول (ديسمبر) ٢٢
-
-
الى عالم بارد يأتون!
يخرج الطفل الى الوجود ليلاقي عالما قاسيا وباردا، عالما غارقا في الإجهاد. ومع ان الطفل عاجز عن التفوُّه بكلمات يعبِّر بها عن مشاعره، يعتقد بعض العلماء انه يعي ما يحصل حوله، حتى من قبل ان يولد.
يقول كتاب حياة الجنين الخفيّة (بالانكليزية): «صرنا نعرف ان الجنين هو كائن بشري واعٍ يتفاعل مع محيطه، وأنه من الشهر السادس فصاعدا (وربما قبل ذلك) تنشط انفعالاته». ومع ان الطفل قد لا يتذكر الولادة، يتساءل بعض العلماء عما اذا كانت هذه العملية المجهدة تؤثر فعلا في حياته لاحقا.
يتواصل الإجهاد بعد الولادة. فخارج رحم الامّ لا يعود الطفل يتغذى تلقائيا، اذ لم يعد هنالك حبل سُرّي ينقل اليه الاكسجين والغذاء. ولكي يعيش، عليه الآن ان يتنفس ويتناول الغذاء هو بنفسه. كما يحتاج الى مَن يُطعمه ويلبّي حاجاته الجسدية الاخرى.
ويلزم ايضا ان ينمو المولود من الناحية العقلية والعاطفية والروحية. لذا يجب ان يوجد شخص يعتني به. فمَن هو الانسب لذلك؟ إلام يحتاج الطفل من والدَيه؟ وما هي افضل طريقة لتلبية هذه الحاجات؟ ستجيب المقالتان التاليتان عن هذه الاسئلة.
-
-
ما يحتاج اليه الاطفال ويتوقونهاستيقظ! ٢٠٠٣ | كانون الاول (ديسمبر) ٢٢
-
-
ما يحتاج اليه الاطفال ويتوقونه
يحتاج الطفل من وقت ولادته الى العناية الرقيقة التي تشمل المداعبات الناعمة والملامسة الجسدية. والساعات الـ ١٢ الاولى بعد ولادته بالغة الاهمية في رأي بعض الاطباء. فهم يقولون ان ما يلتمسه ويتوق اليه الطفل وأمه بعد الولادة مباشرةً «ليس النوم او الطعام، بل المداعبة والمعانقة وأن ينظرا ويسمعا واحدهما الآخر».a
يبادر الوالدان لاشعوريا الى ملامسة طفلهما وحمله ومداعبته ومعانقته. فيشعر الطفل بالامان ويتعلق بوالدَيه ويتجاوب مع الاهتمام الذي يوليانه اياه. وهذا الرابط قوي جدا حتى ان الوالدَين يقومان بتضحيات كبيرة ليعتنيا بالطفل دون ان يفتر عزمهما.
من ناحية اخرى، يمكن ان يضعف الطفل ويموت اذا انعدم هذا الرابط الحبي بالوالدين. لذلك يعلّق بعض الاطباء اهمية على اعطاء الطفل لأمه بعد ولادته مباشرة. ويقولون ان مدة هذه الملامسة الاولى بين الامّ والطفل يجب ألا تقلّ عن ٣٠ الى ٦٠ دقيقة.
رغم كل التشديد على تشكل هذا الرابط بين الطفل والامّ، قد يصعب — حتى يستحيل — في بعض المستشفيات اجراء هذه الملامسة الاولى. فغالبا ما يُفصل المولودون عن امهاتهم لتفادي خطر نقل مرض ما الى الطفل. لكنَّ بعض الادلة تشير الى ان معدل الامراض المميتة قد يشهد انخفاضا لا ارتفاعا عندما يبقى المولودون مع امهاتهم. لذلك يزداد عدد المستشفيات التي تسمح بأن تطول الملامسة الاولى بين الامّ والمولود.
القلق من عدم تشكّل الرابط
بعض الامهات لا يتعلقن عاطفيا بطفلهن عند رؤيته لأول مرة. لذلك يتساءلن: ‹هل سألاقي صعوبة في تشكيل هذا الرابط بيني وبين طفلي؟›. صحيح ان بعض الامهات لا يقعن في غرام طفلهن من اول نظرة، ولكن لا حاجة بهن الى القلق.
حتى عندما تتأخر مودة الامّ نحو طفلها في الظهور، يمكن ان ينمو ويقوى هذا الشعور لاحقا. ذكرت احدى الامهات عن خبرة: «مهما كانت الظروف الناشئة عند الولادة، فإن مسألة نجاحكِ او فشلكِ في انشاء علاقة مع ولدك لا تتوقف عليها ابدا». ومع ذلك، اذا كنتِ حاملا وتشعرين بالقلق في هذا المجال، فربما يحسن بكِ ان تناقشي المسألة مسبقا مع الاختصاصي بالتوليد. كوني واضحة معه كي يعرف متى تريدين ان يُجلَب اليك طفلك وكم من الوقت ترغبين في ان يبقى معك.
«تحدَّثا اليَّ!»
يبدو انه توجد فترات محددة يكون فيها الاطفال سريعي التجاوب مع حوافز معينة. وهذه الفترات لا تدوم الى الابد. مثلا، يستطيع الدماغ الفتيّ بكل سهولة ان يبرع في تعلّم اللغة، وأكثر من لغة واحدة. ولكن يَظهر ان الفترة التي يكون فيها الدماغ اكثر تقبلا لتعلّم اللغة تبدأ بالانتهاء في سن الخامسة تقريبا.
وبعد ان يبلغ الولد الـ ١٢ الى الـ ١٤ من العمر، يصير تعلّم اللغة صعبا جدا. وبحسب پيتر هاتِنْلوكر، المتخصص في طب الاعصاب لدى الاطفال، «تنخفض [آنذاك] نسبة وعدد المشابك القائمة بين الخلايا العصبية في اجزاء الدماغ التي تُعنى باللغة». فمن الواضح ان السنوات القليلة الاولى من الحياة مهمة جدا لتقوية المَلَكة اللغوية!
وكيف يتمكن الاطفال من تعلم الكلام، الذي يلعب دورا هاما في اكتسابهم المعرفة عن امور اخرى؟ اهم طريقة هي التواصل الشفهي مع الوالدين. فالاطفال يتجاوبون خصوصا مع الحوافز التي تصدر من بشر. وبحسب قول باري آرونس من معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا، «يقلّد الطفل . . . صوت امه». لكنَّ الملاحَظ ان الاطفال لا يقلّدون كل الاصوات. فكما قال آرونس، «لا يضيف [الطفل] الى كلامه صوت صرير المهد الذي يسمعه في نفس الوقت مع كلام امه».
والوالدون من مختلف الخلفيات الثقافية يتحدثون الى اطفالهم باستعمال اسلوب كلامي ايقاعي. وعندما يتكلم الوالدون بهذه الطريقة الحبية، تزداد سرعة قلب الطفل. ويُظن ان ذلك يساعد على تسريع عملية ربط الكلمات التي يسمعها بالاشياء التي تمثلها. فكما لو ان الطفل يصرخ، دون ان ينطق بأية كلمة: «تحدَّثا اليَّ!».
«انظرا اليَّ!»
لقد تَبرهن ان الطفل يكوِّن في سنته الاولى تقريبا تعلُّقا عاطفيا بالراشد الذي يتولى العناية به، اي بأمه عموما. وعندما يشعر الطفل بالامان ضمن هذا الرابط، يصير تقربه الى الآخرين اسهل مقارنةً بالاطفال الذين لا ينعمون بأمان الرابط العائلي. ويُعتقد انه يجب ان يكون هذا الرابط بالأمّ قد ترسَّخ قبل بلوغ الولد عامه الثالث.
وماذا يمكن ان يحصل اذا أُهمل الطفل خلال هذه الفترة الحاسمة، حين يكون عقله سريع التأثر بالعوامل الخارجية؟ عن هذا الموضوع ذكرت مارثا فاريل اريكسون، التي تتبَّعت دراسة شملت ٢٦٧ امًّا وأولادهن طوال اكثر من ٢٠ سنة: «الاهمال يقوِّض تدريجيا روح الاندفاع لدى الولد، وفي النهاية قد تزول عنده الرغبة في التواصل مع الآخرين او التعرف الى العالم حوله».
ولكي يوضح الدكتور بروس پيري، من مستشفى تكساس للاولاد، رأيه حول خطورة العواقب الناجمة عن الاهمال العاطفي، قال: «اذا طُلب مني ان آخذ طفلا عمره ٦ اشهر وخُيِّرتُ بين تحطيم كل عظام جسمه وبين اهماله عاطفيا طوال شهرَين، ارى انه من الاهون على الطفل ان يُحطَّم كل عظام جسمه». ولماذا؟ لأنه بحسب رأي پيري، «يمكن للعظام المحطمة ان تشفى؛ ولكن اذا حُرم الطفل من شهرَين من الاهتمام الضروري الحافز للدماغ، يصير دماغه مشوَّشا الى الابد». لا يوافق الجميع على اعتبار هذا الضرر غير قابل للاصلاح. لكنَّ الدراسات العملية تُظهر ان الجو المفعم بالعاطفة ضروري جدا لنمو العقول الفتية.
ذكر كتاب الاطفال (بالانكليزية): «باختصار، [الاطفال] مهيَّأون ليُحِبُّوا ويُحَبُّوا». وعندما يبكي الطفل، غالبا ما يكون في صراخه توسل الى والدَيه، وكأنه يقول: «انظرا اليَّ!». لذلك يلزم ان يستجيب الوالدان بطريقة رقيقة. وحين يحصل هذا التواصل، يدرك الطفل انه قادر على إخبار الآخرين بحاجاته. وهكذا يتعلم ان يشكّل روابط اجتماعية بالآخرين.
‹ألن أُفسد الطفل؟›
قد يسأل المرء: ‹ألن أُفسد الطفل اذا قمتُ اليه كلما بكى؟›. ربما. فالآراء تختلف كثيرا حول هذه المسألة. وبما ان كل طفل يتميَّز عن غيره، فعلى الوالدَين ان يقررا عموما اية طريقة هي الفضلى. لكنَّ بعض الابحاث الاخيرة تشير الى انه عندما يكون المولود جائعا او منزعجا، يفرز جسمه ما يسمى «هرمونات الإجهاد». فيعبِّر عن تضايقه بالبكاء. ويقال انه عندما تستجيب الامّ (او الاب) لصراخ الطفل وتهتم بحاجاته، تساهم في تشكّل شبكات من الخلايا في دماغ الطفل تساعده على التعلم كيف يهدّئ نفسه. وبالاضافة الى ذلك، تقول الدكتورة ميڠان ڠينار ان الطفل الذي يُهتَم به بسرعة يُنتج كمية اقل من هرمون الإجهاد المسمى كورتيزول. حتى عندما يتضايق الطفل ويتولد عنده الإجهاد كردّ فعل لما يشعر به، فإنه يكبحه في وقت اسرع.
وفي الواقع، كما ذكرت اريكسون، «ان الاطفال الذين كان يُستجاب لصراخهم بسرعة ومرة بعد مرة، وخصوصا خلال الاشهر الـ ٦-٨ الاولى من حياتهم، يبكون اقل من الاطفال الذين لم يكن يُستجاب لبكائهم». ومن المهم ايضا تنويع طريقة استجابتك لبكاء الطفل. فإذا كانت هي نفسها في كل مرة، بإطعامه او حمله مثلا، يمكن ان يُفسَد. قد يكفي احيانا ان تُسمعيه صوتك لكي يعرف انك لا تتجاهلين بكاءه. وربما ينفع الاقتراب من الطفل والتكلم بلطف في اذنه. وأحيانا اخرى قد يكفي ان تضعي يدك على ظهره او بطنه ليهدأ.
«البكاء هو شُغل الاطفال». هكذا يقول احد الامثال في بلاد شرق آسيا. فالبكاء عند الطفل هو الطريقة الرئيسية التي يخبر بها الغير ما يحتاج اليه. كيف تشعرين انت اذا تجاهلك الآخرون كلما طلبت شيئا؟ ما القول اذًا في شعور الطفل، العاجز بغياب مَن يرعاه، اذا أُهمل كلما تاق الى الاهتمام؟! ولكن يبقى السؤال: مَن ينبغي ان يعتني بالطفل؟
مَن يعتني بالطفل؟
كشف احصاء حديث أُجري في الولايات المتحدة ان ٥٤ في المئة من الاولاد، من الولادة حتى الصف الثالث، يتلقون بانتظام شكلا من الرعاية من قِبل اشخاص غير والديهم. فقد يضطر الوالدان في عائلات كثيرة ان يعملا كلاهما لتلبية حاجات العائلة. صحيح ان امهات كثيرات يأخذن اجازة امومة، اذا سُمح لهن، لكي يعتنين بمولودهن بضعة اسابيع او اشهر، ولكن مَن يهتم بالطفل بعد ذلك؟
طبعا، لا توجد قواعد ملزِمة تفرض على المرء اتخاذ هذا القرار او ذاك. ولكن يحسن به التذكر ان الولد لا يزال سريع التأثر في هذه المرحلة الحاسمة من عمره. ويجب ان يفكر كلا الوالدَين في المسألة جيدا. وعندما يحين الوقت لاتخاذ القرار، يلزم ان يفكرا في جميع الخيارات بتأنٍّ.
قال الدكتور جوزف زانڠا، من الاكاديمية الاميركية لطب الاطفال: «يتضح يوما بعد يوم ان افضل البرامج لرعاية الطفل التي نلجأ اليها لتربية ذريتنا لا يحل محل الوقت الذي يحتاج الاولاد ان يقضوه مع امهاتهم وآبائهم». وقد عبَّر بعض الخبراء عن قلقهم حين لاحظوا ان الاطفال في دور الحضانة لا يتفاعلون بقدر ما يلزم مع الشخص الذي يعتني بهم.
قررت بعض الامهات العاملات، بعدما رأين مدى احتياج طفلهن اليهن، ان يبقين في البيت بدلا من ترك آخرين يتولون مسؤولية تلبية حاجاته العاطفية. ذكرت احدى النساء: «أظن بكل صدق انه لا يوجد عمل آخر يستطيع منحي الشعور بالقناعة الذي انعم به». طبعا، لا تستطيع كل الامهات اتخاذ هذا القرار نظرا الى الضغوط الاقتصادية. فلا خيار امام والدين كثيرين سوى الاستعانة بخدمات دور الحضانة، ولذلك يبذلون جهدا اكبر لمنح الطفل الرعاية والحنان عندما يكونون معا. كما انه قد لا يكون امام كثير من الوالدات (او الوالدين) المتوحدات العاملات خيار سوى هذا، فيبذلن جهودا كبيرة لتربية اولادهن. وفي هذا ينجحن.
تربية الاولاد عمل مفرح وحافل بالاثارة. لكنه صعب ويستلزم بذل الكثير من الجهد. فكيف يمكنك النجاح في تربية اولادك؟
[الحاشية]
a تتناول استيقظ! في هذه السلسلة آراء عدد من الخبراء المحترَمين في مجال رعاية الطفل، اذ يمكن ان يتعلم ويستفيد الوالدون من نتائج الابحاث الجارية حول هذا الموضوع. ولكن لا بد من الإقرار ان هذه الآراء عرضة غالبا للتغيير والتنقيح بمرور الزمن، بخلاف مقاييس الكتاب المقدس التي تؤيدها استيقظ! دون ايّ تحفظ.
[الاطار/الصورة في الصفحة ٦]
الاطفال الصامتون
لاحظ بعض الاطباء في اليابان انه توجد زيادة في عدد الاطفال الذين لا يبكون ولا يبتسمون. ويطلق طبيب الاطفال ساتوشي ياناڠيساوا عليهم اسم «الاطفال الصامتون». فلماذا يتوقف الاطفال عن التعبير عن مشاعرهم؟ يعتقد بعض الاطباء ان سبب هذه الحالة هو عدم ملامسة والديهم لهم. وتشير احدى النظريات الى انه عندما يتجاهل الراشدون باستمرار حاجات الاطفال الى التواصل او يسيئون تفسيرها، ييأس الاطفال في النهاية من المحاولة.
ويقول الدكتور بروس پيري، رئيس قسم الطب النفسي في مستشفى تكساس للاولاد، انه عندما لا يُمنح الطفل الحافز المناسب في الوقت المناسب، قد لا ينمو جيدا الجزء في الدماغ الذي يجعله قادرا على فهم مشاعر الآخرين. وفي حالات الاهمال العاطفي الشديد، قد تُفقد القدرة على فهم مشاعر الآخرين الى الابد. ويرى الدكتور پيري ان ادمان المخدِّرات والكحول والعنف الذي يمارسه المراهقون يمكن نسبهما في حالات معيَّنة الى الاهمال العاطفي في الصغر.
[الصورة في الصفحة ٧]
الرابط بين الامّ والطفل يقوى عندما يتواصلان
-
-
منح الاولاد ما يحتاجون اليهاستيقظ! ٢٠٠٣ | كانون الاول (ديسمبر) ٢٢
-
-
منح الاولاد ما يحتاجون اليه
يتضح مما سبق ان الاولاد الصغار يحتاجون الى الكثير من العناية، ويتبيَّن ان كثيرين لا يُمنحون ما يحتاجون اليه. فهذا ما تدل عليه حالة الشباب اليوم. ذكرت باحثة اقتُبس كلامها في صحيفة ڠلوب آند ميل الصادرة في تورونتو، كندا: «لم يسبق قط ان انعزل شبابنا الى هذا الحد عن عائلاتهم، الامر الذي يحرمهم من الخبرة والحكمة العمليتَين».
فما هو السبب؟ هل يمكن ان تكمن المشكلة، او جزء من المشكلة، في عدم ادراك اهمية منح الصغار الاهتمام اللازم؟ ذكرت عالمة نفس تساعد النساء ذوات الدخل المحدود على تعلُّم كيفية الاعتناء بأطفالهن الصغار: «علينا جميعا ان نتعلم كيف نكون امهات». وأضافت: «يلزم ان ندرك ان الوقت الذي نصرفه مع اولادنا اليوم سيعود علينا بالفائدة الجزيلة».
حتى الاطفال الصغار يحتاجون الى الارشاد المنتظم. ولا يقتصر ذلك على دقائق قليلة من حين الى آخر، بل طوال اليوم. والوقت الذي يُقضى مع الصغار من طفولتهم فصاعدا ضروري جدا ليكون نموهم سليما.
الاستعداد ضروري
لكي يتمكن الوالدان من اتمام مسؤوليتهما الكبيرة، يلزم ان يستعدا مسبقا لولادة طفلهما. ويمكن ان يتعلما من مبدإ ذكره يسوع المسيح حول اهمية التخطيط المسبق. قال: «مَن منكم يريد ان يبني برجا ولا يجلس اولا ويحسب النفقة؟». (لوقا ١٤:٢٨) وتربية الولد — ذاك المشروع الذي يدوم ٢٠ سنة — معقدة اكثر بكثير من بناء برج. وكما يستلزم مشروع البناء مخطَّطا مرسوما، كذلك تستلزم تربية الولد الناجحة تخطيطا جيدا.
من المهم في البداية ان يكون عند الوالدين استعداد عقلي وروحي لتولّي مسؤوليات الابوة والامومة. فقد وجدت دراسة شملت ٠٠٠,٢ امرأة حامل في المانيا ان اولاد الامهات اللواتي كن يتطلعن الى تكوين اسرة يتمتعون بصحة افضل — عاطفيا وجسديا — مقارنةً بأولاد الامهات اللواتي لم يردن ان ينجبن طفلهن. ومن ناحية اخرى، يرى احد الباحثين انه اذا كانت المرأة تعيش زواجا مضطربا، فهنالك خطر اكبر بنسبة ٢٣٧ في المئة ان تلد طفلا يعاني مشاكل عاطفية او جسدية مقارنةً بالمرأة المطمئنة في زواجها.
يتضح من ذلك ان الاب يلعب دورا هاما في نجاح نمو الطفل. قال الدكتور توماس ڤرني: «قليلة هي الامور التي تؤذي الولد عاطفيا وجسديا اكثر من اساءة الاب الى زوجته الحامل او اهمالها». نعم، فقد ذُكر مرارا ان افضل هدية يتلقاها الطفل هي اب يحب امّه.
ان الهرمونات المتعلقة بالقلق والإجهاد، التي يفرزها الجسم في مجرى دم الامّ، يمكن ان تؤثر في الجنين. ولكن يُعتقد ان الخطر ينشأ فقط حين تشعر الامّ بقلق شديد او طويل الامد، لا حين تنتابها من وقت الى آخر مشاعر سلبية او تمرّ بأحداث مجهدة. والاهم كما يبدو هو ما تشعر به المرأة الحامل حيال الجنين.a
وماذا اذا حملتِ وكان زوجك غير داعم لك، او كنتِ انتِ لا تريدين ان تصيري امًّا؟ ليس غريبا ان تجعل الظروف المرأة تكتئب عندما تحبل. ولكن تذكري دائما ان طفلك غير ملوم. فكيف يمكنك المحافظة على موقف هادئ رغم ظروفك الصعبة؟
يمكن الاستفادة من التوجيه الحكيم المزوَّد في كلمة اللّٰه، الكتاب المقدس، مثلما استفاد منه اشخاص كثيرون. تقول كلمة اللّٰه: «في كل شيء لتُعرف طلباتكم لدى اللّٰه بالصلاة والتضرع مع الشكر؛ وسلام اللّٰه الذي يفوق كل فكر يحرس قلوبكم وقواكم العقلية بالمسيح يسوع». وستندهشين حين ترين ان تطبيق هذه الكلمات يساعدك فعلا على اتّباع المشورة: «لا تحملوا همًّا من جهة ايّ شيء». (فيلبي ٤:٦، ٧) فستشعرين بيد الخالق ترعاكِ، وهو قادر على الاهتمام بك. — ١ بطرس ٥:٧.
امر يحصل لكثيرات
في الاسابيع القليلة الاولى بعد الولادة، تشعر بعض الامهات الشابات بحزن ولامبالاة محيِّرَين. حتى النساء اللواتي كن يرغبن في إنجاب طفل يمكن ان يتغير مزاجهن. ولكن ليست تقلبات المزاج هذه غريبة. فبعد الولادة، يمكن ان تحصل تغييرات كبيرة في مستوى الهرمونات عند النساء. ومن الشائع ايضا ان تشعر الامّ الجديدة بأن متطلبات الامومة تخنقها، من إطعام الطفل الى تغيير حفاضاته والعناية بهذا الكائن الصغير الذي لا يمكنه الانتظار.
كانت احدى الامهات تشعر بأن طفلها يبكي ليعذّبها. فلا عجب ان يقول اختصاصي في تربية الاولاد في اليابان: «لا احد محصَّن من الشعور بالإجهاد الذي يرافق تربية الاولاد». وقال هذا الاختصاصي ايضا: «اهم شيء هو ألا تعزل الامّ نفسها».
حتى لو شعرت الامّ احيانا بالكآبة، يمكن ان تحمي ولدها من التأثر بتقلبات مزاجها. ذكرت مجلة تايم: «بالنسبة الى الامهات الكئيبات اللواتي تخطين حزنهن وأغدقن الاهتمام على اطفالهن ولعبن معهم، وُجد ان اولادهن كانوا ذوي نشاط دماغي يتميز بطبيعة اكثر مرحا».b
ما يمكن ان يفعله الاب
غالبا ما يكون اب الطفل افضل مَن يمكن ان يزوِّد العون والدعم اللازمَين. فعندما يبكي الطفل في منتصف الليل، يستطيع الاب في حالات كثيرة ان يهتم بحاجاته كي تتمكن زوجته من النوم. يقول الكتاب المقدس: «كذلك انتم، ايها الرجال، بتفهُّم ساكنوا نساءكم». — ١ بطرس ٣:٧، ترجمة الكسليك.
رسم يسوع المسيح افضل مثال للازواج. حتى انه بذل حياته من اجل أتباعه. (افسس ٥:٢٨-٣٠؛ ١ بطرس ٢:٢١-٢٤) وهكذا يتمثل الازواج بالمسيح حين يضحّون براحتهم ليساهموا في تربية الولد. فتربية الاولاد عمل مشترك، وتستلزم تعاونا من كلا الوالدَين.
عمل مشترك يستلزم التعاون
قال يويِتشيرو، وهو اب لبنت عمرها سنتان: «لقد تَناقشنا انا وزوجتي بالتفصيل عن امور تتعلق بتربية ابنتنا. وكلما نشأت قضية، تحادثنا في الموضوع لنرى ما يجب فعله». ويدرك يويِتشيرو ان زوجته بحاجة الى الراحة، ولذلك غالبا ما يأخذ ابنته معه حين يذهب لشراء الحاجيات.
كانت العائلات في الماضي كبيرة اجمالا ومتقاربة، وكان الاولاد الاكبر والاقارب يساعدون الوالدَين على تربية الولد. لذلك تقول عاملة في مركز دعم تربية الاولاد في مدينة كاواساكي اليابانية: «في معظم الحالات، ترتاح الامهات حين يتحدثن الى الآخرين. وبقليل من العون، تمكّنت امهات كثيرات من مواجهة الوضع رغم العوائق».
وتقول مجلة الوالدون (بالانكليزية) ان الوالدَين «يحتاجان الى اشخاص داعمين يتصلان بهم ليخبراهم بهمومهما». ومَن يمكن ان يشمل هؤلاء الاشخاص؟ يمكن ان تستفيد الامّ والاب الجديدان كثيرا اذا كانا منفتحَي العقل واستمع كل واحد لوالدَيه ولوالدَي رفيق زواجه. طبعا، يلزم ان يعرف الاجداد ان القرارات النهائية هي في يد الزوجَين الشابَّين.c
وغالبا ما يستطيع الزوجان الشابَّان الاعتماد على مصدر آخر: الرفقاء المؤمنين. ففي جماعة شهود يهوه المحلية، يمكن ان تجدا اشخاصا لهم خبرة سنين طويلة في تربية الاولاد، وهم مستعدون للاستماع الى مشاكلكما. وقد يعطونكما بعض النصائح العملية. وغالبا ما يمكن طلب المساعدة من «المسنات» — كلمة يشير بها الكتاب المقدس الى المسيحيات ذوات الخبرة الواسعة — اللواتي لا يترددن في مساعدة النساء الاصغر سنا. — تيطس ٢:٣-٥.
طبعا، يلزم ان يكون الوالدان انتقائيَّين حين يستمعان الى آراء الآخرين. قال يويِتشيرو: «فجأة صار الناس حولنا خبراء بتربية الاولاد!». واعترفت زوجته تاكاكو قائلة: «في البداية شوَّشتني اقتراحات الآخرين، لأني شعرت بأنهم ينتقدون انعدام خبرتي كأمّ». ومع ذلك تمكّن ازواج وزوجات كثيرون، بالتعلم من الآخرين، من امتلاك نظرة متزنة الى طريقة منح اطفالهم ما يحتاجون اليه.
افضل مساعدة ممكنة
حتى لو لم يوجد مَن يمكنه مساعدتكما، هنالك مصدر واحد اكيد تستمدان منه القوة. انه يهوه اللّٰه، خالقنا الذي ترى عيناه ‹الجنين› قبل ان يولَد. (مزمور ١٣٩:١٦، ترجمة تفسيرية) وقال يهوه مرة عن شعبه في الازمنة القديمة، كما هو مسجل في كلمته الكتاب المقدس: «هل تنسى المرأة رضيعها فلا ترحم ابن بطنها. حتى هؤلاء ينسين وأنا لا انساك». — اشعياء ٤٩:١٥؛ مزمور ٢٧:١٠.
ويهوه لا ينسى الوالدين. فقد زوَّدهم في الكتاب المقدس بإرشادات مفيدة حول تربية الاولاد. مثلا، كتب نبي اللّٰه موسى قبل نحو ٥٠٠,٣ سنة: «تحب الرب الهك من كل قلبك ومن كل نفسك ومن كل قوتك». ثم قال موسى: «لتكن هذه الكلمات [بما فيها الحض على محبة يهوه وخدمته] التي انا اوصيك بها اليوم على قلبك وقُصَّها على اولادك وتكلم بها حين تجلس في بيتك وحين تمشي في الطريق وحين تنام وحين تقوم». — تثنية ٦:٥-٧.
ماذا تفهمان من هذا الارشاد المسجل في كلمة اللّٰه؟ ألا تفهمان منه انه يجب ان يكون تعليم اولادكما عملية منتظمة ومتواصلة ويومية؟ لا يكفي ان تضعا برنامجا لقضاء بعض الوقت من حين الى آخر مع صغاركما، حتى لو كان هذا الوقت حافلا بالنشاطات. فلحظات التواصل المهمة غالبا ما تكون عفوية، لذا يلزم ان تقضيا الوقت مع اولادكما بشكل منتظم. وهكذا تتممان وصية الكتاب المقدس: «ربِّ الولد في طريقه». — امثال ٢٢:٦.
تشمل تربية الاولاد القراءة عليهم بصوت عالٍ. ويخبرنا الكتاب المقدس ان تيموثاوس، احد التلاميذ في القرن الاول، ‹عرف الكتابات المقدسة منذ الطفولية›. فلا بد ان امه افنيكي وجدته لوئيس كانتا تقرأان عليه حين كان صغيرا. (٢ تيموثاوس ١:٥؛ ٣:١٤، ١٥) لذلك يحسن ان تفعلا ذلك ما إن تبدأا بالتكلم الى طفلكما. ولكن ماذا تقرأان؟ وما افضل طريقة لتعليم الولد، حتى لو كان طفلا؟
دَعَا ولدكما يسمعكما تقرأان الكتاب المقدس. فمن الواضح ان هذا ما كان يُقرأ على تيموثاوس. وتوجد ايضا كتب تعرِّف الاولاد بالكتاب المقدس عن طريق الصور الملونة. هذه الكتب تساعد الولد على تخيُّل ما يعلّمه الكتاب المقدس. فيمكن مثلا استعمال كتابي لقصص الكتاب المقدس و اعظم انسان عاش على الاطلاق. فمن خلال هذين الكتابَين، غُرست تعاليم الكتاب المقدس في عقول وقلوب ملايين الاولاد.
يقول الكتاب المقدس: «هوذا البنون [والبنات] ميراث من عند الرب ثمرة البطن اجرة». (مزمور ١٢٧:٣) وقد ائتمنكما الخالق على «ميراث»: طفل جميل يولّد فيكما شعورا بالفرح والاعتزاز. وتربية الاولاد، وخصوصا ليسبِّحوا خالقهم، هي فعلا عمل مبهج!
[الحواشي]
a ليست هرمونات الإجهاد الشيء الوحيد الذي يمكن ان يؤذي الجنين، بل ايضا النيكوتين والكحول والمخدِّرات. ويحسن بالحوامل ان يتجنبن اية مادة خطرة. كما يلزم ان يسألن الطبيب عن تأثير الادوية في الجنين.
b اذا شعرت الامّ بحزن ويأس عميقَين وانتابها احساس بالابتعاد عن الطفل والعالم، فربما تعاني كآبة ما بعد الولادة. وفي هذه الحالة، ينبغي ان تستشير الاختصاصي بالتوليد الذي يعالجها. يرجى مراجعة استيقظ! عدد ٢٢ تموز (يوليو) ٢٠٠٢، الصفحات ١٩-٢٣، وعدد ٨ حزيران (يونيو) ٢٠٠٣، الصفحات ٢١-٢٣.
c يرجى قراءة مقالة «الاجداد — افراحهم وتحدياتهم» في عدد ٢٢ آذار (مارس) ١٩٩٩ من مجلة استيقظ!.
[الصورة في الصفحة ٨]
مشاعر الامّ حيال جنينها مهمة للغاية
[الصورة في الصفحة ٩]
مع ان الامّ الجديدة قد تعاني تقلبات في المزاج بعد الولادة، يمكن فعل الكثير لجعل طفلها يشعر بالمحبة والامان
[الصورة في الصفحة ١٠]
تُلقى على عاتق الآباء مسؤولية المشاركة في الاعتناء بالطفل
-