مكتبة برج المراقبة الإلكترونية
برج المراقبة
المكتبة الإلكترونية
العربية
  • الكتاب المقدس
  • المطبوعات
  • الاجتماعات
  • بيع الدم تجارة كبيرة
    استيقظ!‏ ١٩٩٠ | تشرين الاول (‏اكتوبر)‏ ٢٢
    • بيع الدم تجارة كبيرة

      ذهب احمر!‏ كما يدل اللقب،‏ هذا هو مادة قيِّمة على نحو رفيع.‏ انه سائل ثمين،‏ مورد طبيعي هام جرت مقارنته ليس فقط بالذهب بل ايضا بالزيت والفحم.‏ ولكنَّ الذهب الاحمر لا يُستخرج من عروق في الصخور بمثاقب وديناميت.‏ انه يُستخرج من عروق الناس بوسائل اكثر اتقانا.‏

      ‏«ارجوكم،‏ ابنتي الصغيرة تحتاج الى دم،‏» تلتمس لوحة اعلانات تطلّ على شارع عريض ناشط في مدينة نيويورك.‏ وتحثُّ اعلانات اخرى:‏ «اذا كنت متبرِّعا،‏ فأنت من النوع الذي لا يمكن ان يعيش العالم بدونه.‏» «دمكم مهم.‏ مدّوا يد المساعدة.‏»‏

      ان الناس الذين يريدون مساعدة الآخرين من الواضح انهم يفهمون المقصود.‏ ويصطفون محتشدين في كل العالم.‏ ولا شك ان معظمهم،‏ بالاضافة الى الناس الذين يجمِّعون الدم والناس الذين ينقلون الدم،‏ يريدون باخلاص مساعدة المصابين ويعتقدون انهم يفعلون ذلك.‏

      ولكن بعد التبرع بالدم وقبل نقله،‏ يمر عبر ايدٍ كثيرة ويخضع لاجراءات كثيرة اكثر مما يدرك معظمنا.‏ وكالذهب،‏ فإن الدم يثير الجشع.‏ فيمكن ان يُباع بربح ثم يُباع ثانية بربح اكبر.‏ ويقاتل بعض الناس من اجل حقوق تجميع الدم،‏ يبيعونه بأسعار باهظة،‏ ويصنعون ثروات منه،‏ ويهرِّبونه ايضا من بلد الى آخر.‏ وفي كل انحاء العالم،‏ بيع الدم تجارة كبيرة.‏

      في الولايات المتحدة،‏ كان يُدفع للمتبرعين في ما مضى فورا لقاء دمهم.‏ ولكن في سنة ١٩٧١ وجَّه المؤلف البريطاني ريتشارد تيتماس التهمة انه باغراء كهذا للفقير والمريض بالتبرع بالدم من اجل دولارات قليلة،‏ يكون النظام الاميركي غير آمن.‏ ويحتج ايضا انه امر غير اخلاقي ان يستفيد الناس من اعطاء دمهم لمساعدة الآخرين.‏ وحرَّض هجومه على انهاء الدفع للمتبرعين بالدم الكامل في الولايات المتحدة (‏على الرغم من ان النظام لا يزال مزدهرا في بعض البلدان)‏.‏ لكنّ ذلك لم يجعل سوق الدم مربحا بدرجة اقل.‏ ولماذا؟‏

      كيف بقي الدم مربحا

      في اربعينات الـ‍ ١٩٠٠،‏ ابتدأ العلماء بفصل الدم الى مكوِّناته.‏ والعملية،‏ التي تدعى الآن تجزئة،‏ تجعل الدم تجارة مكسبة اكثر ايضا.‏ كيف؟‏ حسنا،‏ تأملوا:‏ عندما تُفكَّك وتباع اجزاؤها،‏ يمكن لسيارة عتيقة الطراز ان تساوي حتى خمسة اضعاف قيمتها عندما تكون على حالتها الاصلية.‏ وعلى نحو مماثل،‏ يساوي الدم اكثر بكثير عندما يجري تجزيئه وبيع مكوِّناته كلّ على حِدَة.‏

      والپلازما،‏ التي تشكِّل نحو نصف الحجم الكلِّي للدم،‏ هي مكوِّن دم مربح على نحو خصوصي.‏ وبما انه لا شيء للپلازما من اجزاء الدم الخلوية —‏ الكريات الحمر،‏ الكريات البيض،‏ والصُفَيحات —‏ يمكن ان تُجفَّف وتخزن.‏ وفضلا عن ذلك،‏ يُسمح للمتبرِّع ان يعطي الدم الكامل خمس مرات فقط في السنة،‏ ولكن يمكنه ان يعطي الپلازما حتى مرتين في الاسبوع بالخضوع لعملية استخراج الپلازما.‏ وفي هذه العملية،‏ يُستخلص الدم الكامل،‏ تفصل الپلازما،‏ ثم يعاد تسريب المكوِّنات الخلوية الى المتبرِّع.‏

      لا تزال الولايات المتحدة تسمح بأن يُدفع للمتبرعين لقاء الپلازما التي لهم.‏ وعلاوة على ذلك،‏ فإن هذا البلد يسمح للمتبرعين ان يعطوا من الپلازما سنويا نحو اربع مرات اكثر مما توصي به منظمة الصحة العالمية!‏ فلا عجب،‏ اذًا،‏ ان تجمع الولايات المتحدة اكثر من ٦٠ في المئة من مخزون الپلازما في العالم.‏ وكل الپلازما هذه في حد ذاتها تساوي ٤٥٠ مليون دولار اميركي تقريبا،‏ ولكنها تُباع بسعر اكبر بكثير في السوق لان الپلازما ايضا يمكن ان تُفصَل الى مقوِّمات متنوعة.‏ والپلازما عالميا هي الاساس لصناعة من ٠٠٠‏,٠٠٠‏,٠٠٠‏,٢ دولار اميركي في السنة!‏

      وتستهلك اليابان،‏ بحسب الصحيفة Mainichi Shimbun،‏ نحو ثلث پلازما العالم.‏ وهذا البلد يستورد ٩٦ في المئة من مكوِّن الدم هذا،‏ ومعظمه من الولايات المتحدة.‏ ودعا النقّاد في اليابان هذا البلد «مصاص دماء العالم،‏» وحاولت وزارة الصحة والرعاية الاجتماعية اليابانية ان تمارس ضغطا على التجارة،‏ اذ قالت انه من غير المعقول ان نربح من الدم.‏ وفي الواقع،‏ توجِّه الوزارة التهمة بأن المؤسسات الطبية في اليابان تربح نحو ٠٠٠‏,٠٠٠‏,٢٠٠ دولار اميركي كل سنة من مجرد احد مكوِّنات الپلازما،‏ الألبومين.‏

      وتستهلك جمهورية المانيا الاتحادية منتوجات دم اكثر من بقية اوروپا مجتمعة،‏ لكل شخص اكثر من ايّ بلد في العالم.‏ والكتاب Zum Beispiel Blut (‏الدم،‏ مثلا)‏ يقول عن منتوجات الدم:‏ «اكثر من النصف يُستورد،‏ بصورة رئيسية من الولايات المتحدة الاميركية،‏ ولكن من العالم الثالث ايضا.‏ وعلى ايّ حال من الفقراء،‏ الذين يريدون ان يحسِّنوا دخلهم بالتبرُّع بالپلازما.‏» والبعض من اولئك الناس الفقراء يبيعون الكثير جدا من دمهم حتى انهم يموتون من النقص في الدم.‏

      وأُقيمت مراكز پلازما تجارية كثيرة على نحو استراتيجي في مناطق ذات دخل ضعيف او على محاذاة حدود البلدان الافقر.‏ وهي تجتذب الفقراء المدقعين والمنبوذين،‏ الذين يرغبون في المتاجرة بالپلازما من اجل المال ولديهم سبب كاف لاعطاء اكثر مما يجب او لكتْم اية امراض قد يخفونها.‏ وازدادت متاجرة كهذه بالپلازما في ٢٥ بلدا حول العالم.‏ وحالما تتوقف في بلد،‏ تبرز في آخر.‏ ورشو الرسميين وكذلك التهريب ليس غير شائع.‏

      ربح في مجال لا يستهدف الربح

      ولكنّ بنوك الدم التي لا تستهدف الربح وقعت ايضا تحت انتقاد قاس مؤخرا.‏ وفي سنة ١٩٨٦ وجَّه المخبر الصحفي اندريا روك التهمة في مجلة المال بأن وحدة الدم تكلف بنوك الدم ٥٠‏,٥٧ دولارا اميركيا لتجميعها من المتبرعين،‏ وتكلف المستشفيات ٠٠‏,٨٨ دولارا اميركيا لشرائها من بنوك الدم،‏ وتكلف المرضى من ٣٧٥ الى ٦٠٠ دولار اميركي لاخذها في عملية نقل الدم.‏

      فهل تغيَّرت الحالة منذ ذلك الحين؟‏ في ايلول ١٩٨٩ كتب المخبر الصحفي جيلبرت م.‏ ڠول لِـ‍ The Philadelphia Inquirer سلسلة من المقالات الصحفية عن نظام بنوك الدم في الولايات المتحدة.‏a وبعد بحث دام سنة،‏ اخبر بأن بعض بنوك الدم يلتمس من الناس ان يتبرعوا بالدم ثم يعود ويبيع مقدار نصف هذا الدم لمراكز دم اخرى،‏ بربح كبير.‏ وقدَّر ڠول ان بنوك الدم تتاجر بنحو مليون پاينت (‏نصف مليون ليتر)‏ من الدم كل سنة بهذه الطريقة،‏ في سوق وهمية لِـ‍ ٠٠٠‏,٠٠٠‏,٥٠ دولار اميركي في السنة تعمل الى حد ما كبورصة اوراق مالية.‏

      ولكنّ الاختلاف الرئيسي:‏ ان تبادل الدم هذا لا تجري مراقبته من قبل الحكومة.‏ لا احد يستطيع ان يقدِّر مقداره الدقيق،‏ هذا ان لم نذكر تعديل اسعاره.‏ والكثير من المتبرعين بالدم لا يعلمون شيئا عن ذلك.‏ «يجري خدع الناس،‏» اخبر احد مديري بنوك الدم المتقاعدين The Philadelphia Inquirer.‏ «لا احد يخبرهم ان دمهم يذهب الينا.‏ سيغضبون اذا علموا بذلك.‏» وأحد رسميي الصليب الاحمر عبَّر عن ذلك بايجاز:‏ «خدع مديرو بنوك الدم طوال سنين الشعب الاميركي.‏»‏

      في الولايات المتحدة وحدها،‏ تجمع بنوك الدم ٥‏,١٣ مليون پاينت تقريبا (‏٥‏,٦ ملايين لتر)‏ من الدم كل سنة،‏ وتبيع اكثر من ٣٠ مليون وحدة من منتوجات الدم بنحو ألف مليون دولار.‏ هذه هي كمية هائلة من المال.‏ وبنوك الدم لا تستعمل التعبير «ربح.‏» انها تفضل العبارة «زيادات على المصاريف.‏» والصليب الاحمر،‏ مثلا،‏ كسب ٣٠٠ مليون دولار اميركي في «الزيادات على المصاريف» من ١٩٨٠ الى ١٩٨٧.‏

      تؤكِّد بنوك الدم انها منظمات لا تستهدف الربح.‏ وتدَّعي انه بخلاف الشركات الكبيرة في وول ستريت،‏ لا تذهب اموالها الى اصحاب الاسهم.‏ ولكن لو كان لدى الصليب الاحمر اصحاب حصص،‏ لصنِّف بين الشركات المربحة اكثر في الولايات المتحدة،‏ مثل جنرال موتورز.‏ ورسميو بنوك الدم لديهم رواتب جيدة.‏ ومن الرسميين في ٦٢ بنكًا للدم الذين اجرت The Philadelphia Inquirer دراسة عليهم،‏ كسب ٢٥ في المئة اكثر من ٠٠٠‏,١٠٠ دولار اميركي في السنة.‏ وكسب البعض اكثر من ضعف هذا القدر.‏

      ويدَّعي ايضا مديرو بنوك الدم انهم لا «يبيعون» الدم الذي يجمعونه —‏ انهم يطلبون فقط رسوم العملية.‏ ويردّ احد مديري بنوك الدم على هذا الادعاء:‏ «يحملني ذلك على الجنون عندما يقول الصليب الاحمر انه لا يبيع الدم.‏ ذلك كقول السوپرماركت انها تطلب منكم ثمنا لقاء العلبة،‏ لا الحليب.‏»‏

      السوق العالمية

      كالمتاجرة بالپلازما،‏ ان المتاجرة بالدم الكامل تحيط بالكرة الارضية.‏ وكذلك هي الحال في نقد ذلك.‏ والصليب الاحمر الياباني،‏ مثلا،‏ اثار ضجة في تشرين الاول ١٩٨٩ عندما حاول ان يشق طريقه في السوق اليابانية باعطاء حسم كبير على المنتوجات المستخلصة من الدم المتبرَّع به.‏ وكسبت المستشفيات ارباحا هائلة بالادعاء في نماذج تأمينها انها اشترت الدم بأسعار معيارية.‏

      وبحسب صحيفة تايلند الامة،‏ كان يجب على بعض البلدان الآسيوية ان تمارس ضغطا على السوق في الذهب الاحمر بوضع حد للتبرعات التي يُدفع لقاءها.‏ وفي الهند يبيع عدد كبير يبلغ ٠٠٠‏,٥٠٠ دمهم الخاص ليكسبوا معيشتهم.‏ والبعض،‏ المنهكون والفقراء المدقعون،‏ يخفون انفسهم لكي يتمكنوا من التبرع اكثر مما يُسمح به.‏ والآخرون تجعلهم بنوك الدم ينزفون بافراط عمدا.‏

      وفي كتابه الدم:‏ عطية ام بضاعة،‏ يدَّعي پايِت ج.‏ هاڠان ان اعمال بنوك الدم المشتبه فيها هي في اسوإ احوالها في البرازيل.‏ والمئات من بنوك الدم التجارية البرازيلية تدير سوقا بـ‍ ٧٠ مليون دولار اميركي تجتذب عديمي الضمير.‏ وبحسب الكتاب Bluternte (‏حصاد الدم)‏،‏ يتدفق الفقراء وغير المستخدَمين الى بنوك الدم التي لا تحصى في بوڠوتا،‏ كولومبيا.‏ انهم يبيعون پاينتا (‏نصف ليتر)‏ من دمهم لقاء مبلغ ضئيل من ٣٥٠ الى ٥٠٠ پيزو.‏ وقد يدفع المرضى من ٠٠٠‏,٤ الى ٠٠٠‏,٦ پيزو لقاء پاينت الدم عينه!‏

      على نحو واضح،‏ تبرز على الاقل حقيقة عالمية واحدة مما هو مذكور آنفا:‏ بيع الدم تجارة كبيرة.‏ ‹ولكن ماذا؟‏ لماذا لا يجب ان يكون الدم تجارة كبيرة؟‏› قد يسأل البعض.‏

      حسنا،‏ ماذا يجعل اناسا كثيرين قلقين بشأن التجارة الكبيرة عموما؟‏ انه الجشع.‏ ويَظهر الجشع،‏ مثلا،‏ عندما تقنع التجارة الكبيرة الناس ان يشتروا اشياء لا يحتاجون اليها حقا؛‏ او اسوأ من ذلك،‏ عندما تستمر في اجبار الناس على قبول بعض المنتوجات المعروف انها خَطِرة،‏ او عندما ترفض انفاق المال لجعل منتوجاتها آمنة اكثر.‏

      اذا جرى تلطيخ تجارة الدم بهذا النوع من الجشع تكون حياة ملايين الناس في كل انحاء العالم في خطر كبير.‏ فهل افسد الجشع تجارة الدم؟‏

      ‏[الحاشية]‏

      a في نيسان ١٩٩٠،‏ ربح بيان ڠول جائزة پوليتزر من اجل الخدمة العامة.‏ وأثار ايضا بحثا كونڠرسيا كبيرا في صناعة الدم في وقت متأخر من السنة ١٩٨٩.‏

      ‏[الاطار/‏الصورة في الصفحة ٦]‏

      تجارة المَشِيمة

      ان القليل جدا على الارجح من النساء اللواتي ينجبن طفلا يتساءلن عما يحدث للمَشِيمة،‏ كتلة النسيج التي تغذي الطفل عندما يكون في الرحم.‏ وبحسب The Philadelphia Inquirer،‏ فإن مستشفيات كثيرة تحفظها،‏ تجمدها،‏ وتبيعها.‏ وفي سنة ١٩٨٧ وحدها،‏ شحنت الولايات المتحدة ٧‏,١ مليون پاوند تقريبا (‏٨‏,.‏ مليون كلغ)‏ من المشايم عبر البحار.‏ وتشتري احدى الشركات التجارية قرب باريس،‏ فرنسا،‏ ١٥ طنا من المشايم كل يوم!‏ ان المشايم هي مصدر جاهز لپلازما الدم المستمدة من الام،‏ التي تصنِّعه الشركة الى ادوية متنوعة وتبيعه في مئة بلد تقريبا.‏

      ‏[الرسم البياني/‏الصورة في الصفحة ٤]‏

      ‏(‏اطلب النص في شكله المنسَّق في المطبوعة)‏

      المكوِّنات الرئيسية للدم

      الپلازما:‏ نحو ٥٥ في المئة من الدم.‏ انها ماء بنسبة ٩٢ في المئة؛‏ والباقي يتألف من پروتينات معقَّدة،‏ كالڠلوبولينات،‏ الفبرينوجنات،‏ والألبومين

      الصُّفَيحات:‏ نحو ١٧،‏.‏ في المئة من الدم

      الكريات البيض:‏ نحو ١،‏.‏ في المئة

      الكريات الحمر:‏ نحو ٤٥ في المئة

  • عطية الحياة ام قبلة الموت؟‏
    استيقظ!‏ ١٩٩٠ | تشرين الاول (‏اكتوبر)‏ ٢٢
    • عطية الحياة ام قبلة الموت؟‏

      ‏«كم شخصا يلزم ان يموتوا؟‏ الى كم ميتة تحتاجون؟‏ أعطونا حدود الموت التي تحتاجون اليها لكي تصدِّقوا حدوث ذلك.‏»‏

      دون فرنسيس،‏ احد رسميي الـ‍ CDC (‏مراكز مكافحة الامراض في الولايات المتحدة)‏،‏ ضرب على الطاولة بقبضة يده اذ صرخ بالكلمات الآنفة الذكر في اجتماع مع ممثلين رئيسيين لصناعة بنوك الدم.‏ كانت الـ‍ CDC تحاول ان تقنع مديري بنوك الدم بأن الأيدز ينتشر في مخزون دم الامة.‏

      كان مديرو البنوك غير مقتنعين.‏ ودعوا الدليل واهيا —‏ مجرد عدد قليل من الحالات —‏ وقرَّروا ان لا يزيدوا فحص الدم او نخله screening.‏ كان ذلك في ٤ كانون الثاني ١٩٨٣.‏ وبعد ستة اشهر،‏ اكد رئيس الجمعية الاميركية لبنوك الدم:‏ «هنالك القليل او لا شيء من الخطر على عامة الشعب.‏»‏

      وبالنسبة الى خبراء كثيرين،‏ كان هنالك دليل كاف لتبرير اجراء ما.‏ ومنذ ذلك الحين،‏ ازداد هذا ‹العدد القليل› الاولي «من الحالات» على نحو مريع.‏ وقبل سنة ١٩٨٥،‏ ربما اصيب ٠٠٠‏,٢٤ شخص جرى نقل الدم اليهم بـ‍ HIV (‏ڤيروس العوز المناعي البشري)‏،‏ الذي يسبب الأيدز.‏

      ان الدم الملوَّث طريقة فعالة على نحو مرعب لانتشار ڤيروس الأيدز.‏ وبحسب مجلة الطب لانكلترا الجديدة (‏١٤ كانون الاول ١٩٨٩)‏،‏ قد تنقل وحدة من الدم ما يكفي من الڤيروس ليسبب حتى ٧٥‏,١ مليون اصابة!‏ وأخبرت الـ‍ CDC استيقظ!‏ انه بحلول حزيران ١٩٩٠،‏ في الولايات المتحدة وحدها،‏ طوَّر ٥٠٦‏,٣ اشخاص الأيدز من نقل الدم،‏ مكوِّنات الدم،‏ وزرع الانسجة.‏

      ولكنّ هذه مجرد أعداد.‏ ولا يمكنها ان تبدأ بنقل عمق المآ‌سي الشخصية ذات العلاقة.‏ تأملوا،‏ على سبيل المثال،‏ في مأساة فرانسس بورشلت،‏ البالغة ٧١ سنة من العمر.‏ لقد اخبرت الاطباء بصلابة بأنها لا تريد نقل دم.‏ ومع ذلك جرى نقل الدم اليها.‏ وماتت معذَّبة من الأيدز فيما كانت عائلتها تراقب بعجز.‏

      او تأملوا في مأساة الفتاة البالغة ١٧ سنة من العمر التي،‏ اذ تألمت من نزف حيضي خطير،‏ أُعطيت وحدتان من الدم لمجرد معالجة فقر دمها.‏ وعندما كانت بعمر ١٩ سنة وهي حامل،‏ اكتشفت ان نقل الدم جلب لها ڤيروس الأيدز.‏ وبعمر ٢٢ سنة مرضت بالأيدز.‏ وبالاضافة الى علمها بأنها ستموت بسرعة من الأيدز،‏ تُركت تتساءل عما اذا كانت قد نقلت المرض الى طفلها.‏ وتستمر قائمة المآ‌سي اكثر فأكثر،‏ ممتدة من الاطفال الى المتقدمين في السن،‏ في كل انحاء العالم.‏

      وفي سنة ١٩٨٧ رثى الكتاب Autologous and Directed Blood Programs:‏ «تقريبا حالما جرى تحديد الفِرَق الاولى المعرضة للخطر،‏ ظهر ما لا يصدَّق:‏ الدليل على ان هذا المرض المميت على نحو كامن [الأيدز] يمكن ان ينتقل وهو ينتقل بواسطة مخزون دم المتطوعين.‏ كان ذلك اقسى كل السخريات الطبية؛‏ ان عطية الدم الثمينة المانحة الحياة يمكن ان تتحول الى اداة للموت.‏»‏

      وحتى الادوية المشتقة من الپلازما ساعدت على نشر هذا الوبإ حول العالم.‏ فالمصابون بالناعور (‏النُّراف)‏،‏ الذين معظمهم يستعملون عاملا مخثِّرا مؤسسا على الپلازما لمعالجة مرضهم،‏ هلك عدد كبير منهم.‏ وفي الولايات المتحدة،‏ اصيب ما بين ٦٠ و ٩٠ في المئة منهم بالأيدز قبل ان اقيم الاجراء لمعاملة الدواء حراريا لتخليصه من الـ‍ HIV.‏

      ومع ذلك،‏ حتى هذا اليوم،‏ ليس الدم آمنا من الأيدز.‏ والأيدز ليس الخطر الوحيد من نقل الدم.‏ كلا على الاطلاق.‏

      المخاطر التي تجعل الأيدز يبدو صغيرا

      ‏«انه المادة الاكثر خطورة التي نستعملها في الطب،‏» يقول الدكتور تشارلز هڠينز عن الدم.‏ وينبغي ان يعرف ذلك؛‏ فهو مدير خدمة نقل الدم في مستشفى ماساتشوستس.‏ ويعتقد كثيرون ان نقل الدم بسيط كايجاد شخص بزمرة دم مطابقة.‏ ولكن بالاضافة الى زُمَر ABO والعامل Rh اللذين يكون الدم مطابقا تبادليا لهما على نحو روتيني،‏ يمكن ان يكون هنالك ٤٠٠ او نحو ذلك من الاختلافات الاخرى التي لا يكون الدم كذلك لها.‏ وكما يلاحظ الجرّاح القلبي الوعائي دنتون كولي:‏ «ان نقل الدم هو زرع عضو.‏ .‏ .‏ .‏ وأعتقد ان هنالك عدم ملاءمة معيَّنة في نقل الدم كله تقريبا.‏»‏

      ليس مدهشا ان نقل مادة معقَّدة كهذه،‏ كما عبَّر احد الجرّاحين،‏ يمكن ان «يشوِّش» جهاز الجسم المناعي.‏ وفي الواقع،‏ يمكن لنقل الدم ان يعيق المناعة طوال سنة.‏ وبالنسبة الى البعض،‏ فإن هذا هو الوجه الاكثر تهديدا لنقل الدم.‏

      ثم هنالك امراض خمجية ايضا.‏ ولها اسماء غريبة،‏ كمرض شاڠاس وڤيروس مضخِّم للخلايا.‏ وتمتد التأثيرات من الحمَّى والقشعريرة الى الموت.‏ ويقول الدكتور جوزيف فِلْدشوه من جامعة الطب في كورنل ان هنالك فرصا بنسبة ١ الى ١٠ للاصابة بنوع من الخمج من نقل الدم.‏ وذلك كاللعب بالروليت الروسية بمسدس ذي عشر حجيرات.‏ وأظهرت ايضا دراسات حديثة ان نقل الدم خلال جراحة سرطانية قد يزيد فعلا خطر انتكاسة السرطان.‏

      ولا عجب ان يدَّعي احد برامج الاخبار التلفزيونية ان نقل الدم يمكن ان يكون العقبة الاكبر في وجه الشفاء من الجراحة.‏ ويصيب التهاب الكبد مئات الآلاف ويقتل عددا من نائلي نقل الدم اكثر بكثير مما يفعل الأيدز،‏ ولكنه ينال القليل من الشهرة.‏ ولا احد يعرف مقدار الميتات،‏ ولكنّ العالم الاقتصادي روس إيكرت يقول ان ذلك يمكن ان يكون مساويا لطائرة من طراز 10-‏DC ملآنة بالناس تتحطم كل شهر.‏

      الخطر وبنوك الدم

      وكيف تجاوبت بنوك الدم مع كشف كل هذه المخاطر في انتاجها؟‏ ليس على نحو جيد،‏ يوجِّه النقّاد التهمة.‏ ففي ١٩٨٨ اتَّهم تقرير اللجنة الرئاسية عن وباء ڤيروس العوز المناعي البشري الصناعة بأنها «بطيئة على نحو غير ضروري» في التجاوب مع تهديد الأيدز.‏ وجرى حث بنوك الدم على محاولة منع اعضاء الفرق المعرَّضة كثيرا للخطر من التبرع بالدم.‏ وجرى حثها على فحص الدم نفسه،‏ نخله screening من اجل علامات المجيء من متبرعين معرَّضين كثيرا للخطر.‏ فتوانت بنوك الدم.‏ واستهانت بالمخاطر بصفتها هستيريا كبيرة جدا.‏ ولماذا؟‏

      في كتابه And the Band Played On،‏ يوجِّه راندي شيلتس التهمة بأن بعض مديري بنوك الدم قاوموا الفحص الاضافي «تقريبا على مجرد اسس مالية.‏ وعلى الرغم من ادارتها بصورة رئيسية بواسطة منظمات لا تستهدف الربح كالصليب الاحمر،‏ فإن صناعة الدم مثَّلت اموالا ضخمة،‏ بإيرادات سنوية من بليون دولار.‏ وتجارتها لتزويد الدم لِـ‍ ٥‏,٣ ملايين عملية نقل دم في السنة جرى تهديدها.‏»‏

      وفضلا عن ذلك،‏ بما ان بنوك الدم التي لا تستهدف الربح تعتمد كثيرا جدا على المتبرعين المتطوعين،‏ فانها تردَّدت في الاساءة الى ايّ منهم بصدّ بعض الفرق المعرَّضة كثيرا للخطر،‏ مضاجعي النظير على نحو خصوصي.‏ ومؤيِّدو حقوق مضاجعي النظير حذَّروا بتجهُّم من ان منعهم من التبرع بالدم ينتهك حقوقهم المدنية وينم عن عقلية معسكرات الاعتقال لعصر آخر.‏

      ان خسارة المتبرعين واضافة الفحوص الجديدة تكلِّفان ايضا المزيد من المال.‏ وفي ربيع سنة ١٩٨٣،‏ صار بنك دم جامعة ستانفورد الاولَ في استخدام فحص بديل للدم،‏ مما يمكن ان يشير الى ما اذا كان الدم آتيا من متبرعين معرَّضين كثيرا لخطر الأيدز.‏ وانتقد مديرو بنوك آخرون الخطوة بصفتها خدعة تجارية لجذب المزيد من المرضى.‏ والفحوص تزيد الاسعار.‏ ولكن كما عبَّر عن ذلك زوجان جرى نقل الدم الى طفلهما دون علمهما:‏ «دفعنا بالتأكيد ٥ دولارات اضافية لكل پاينت» لقاء مثل هذه الفحوص.‏ ومات طفلهما من الأيدز.‏

      عامل المحافظة على الذات

      يقول بعض الخبراء ان بنوك الدم بطيئة في التجاوب مع المخاطر في الدم لانها ليست مضطرة ان تقدِّم حسابا عن عواقب فشلها.‏ مثلا،‏ بحسب التقرير في The Philadelphia Inquirer ان الـ‍ FDA (‏ادارة الغذاء والدواء للولايات المتحدة)‏ مسؤولة عن التاكد ان بنوك الدم هي على مستوى المقياس،‏ لكنها تعتمد كثيرا على بنوك الدم لتضع هذه المقاييس.‏ وبعض رسميي الـ‍ FDA هم قادة سابقون في صناعة الدم.‏ وهكذا فإن تفتيش بنوك الدم تكرارا قد تناقص في الواقع فيما انتشرت ازمة الأيدز!‏

      تسعى بنوك الدم في الولايات المتحدة الى التأثير في اعضاء الهيئة التشريعية لسنّ قوانين تحميهم من الدعاوى القضائية.‏ وفي كل ولاية تقريبا،‏ يقول القانون الآن ان الدم خدمة،‏ وليس انتاجا.‏ ويعني ذلك ان الشخص الذي يقيم دعوى على بنك الدم لا بد ان يبرهن على الاهمال من جهة البنك —‏ عقبة شرعية عسيرة.‏ ومثل هذه القوانين قد تجعل بنوك الدم آمنة من الدعاوى القضائية اكثر،‏ لكنها لا تجعل الدم آمنا اكثر للمرضى.‏

      وكما يحتج العالم الاقتصادي رُس ايكرت،‏ لو اعتُبرت بنوك الدم مسؤولة عن الدم الذي تتاجر به لفعلت المزيد لتضمن نوعيته.‏ ويوافق احد مديري بنوك الدم المتقاعدين آرون كيلنر:‏ «بقليل من السيمياء الشرعية،‏ صار الدم خدمة.‏ فكل شخص كان بعيدا عن الخطر،‏ كل شخص،‏ اي ما عدا الضحية البريئة،‏ المريض.‏» ويضيف:‏ «كان يمكننا على الاقل ان نشير الى الجور،‏ ولكننا لم نفعل ذلك.‏ لقد كنا مهتمين بتعرضنا الخاص للخطر؛‏ وأين كان قلقنا بشأن المريض؟‏»‏

      يبدو ان الاستنتاج لا مفر منه.‏ فصناعة بنوك الدم تهتم بحماية نفسها ماليا اكثر بكثير من اهتمامها بحماية الناس من مخاطر انتاجها.‏ ‹ولكن هل كل هذه المخاطر مهمة حقا،‏› قد يحتج البعض،‏ ‹اذا كان الدم هو المعالجة الممكنة الوحيدة لانقاذ الحياة؟‏ ألا ترجح الفوائد على المخاطر؟‏› هذان هما سؤالان جيدان.‏ فالى ايّ حد ضرورية هي كل عمليات نقل الدم هذه؟‏

      ‏[النبذة في الصفحة ٩]‏

      يبذل الاطباء اقصى جهودهم لحماية انفسهم من دم مرضاهم.‏ ولكن هل تجري حماية المرضى على نحو كاف من الدم المنقول؟‏

      ‏[الاطار/‏الصورة في الصفحتين ٨ و ٩]‏

      هل الدم آمن من الأيدز اليوم؟‏

      ‏«انها بشارة متعلقة بالدم،‏» اعلن عنوان في الدايلي نيوز النيويوركية في ٥ تشرين الاول ١٩٨٩.‏ وذكرت المقالة ان فرص الاصابة بالأيدز من نقل الدم هي بنسبة ١ الى ٠٠٠‏,٢٨.‏ وعملية ابقاء الڤيروس خارج مخزون الدم،‏ قالت،‏ فعالة الآن ٩‏,٩٩ في المئة.‏

      ويسود تفاؤل مماثل في صناعة بنوك الدم.‏ ‹مخزون الدم آمن اكثر من ايّ وقت مضى،‏› يدَّعون.‏ وقال رئيس الجمعية الاميركية لبنوك الدم ان خطر اكتساب الأيدز من الدم «زال فعليا.‏» ولكن اذا كان الدم آمنا،‏ فلماذا رمته المحاكم والاطباء على السواء بكلمات مثل «سام» و «غير آمن حتما»؟‏ لماذا يُجري بعض الاطباء العمليات الجراحية وهم يرتدون ما يبدو كالبذلات الفضائية،‏ يتزوَّدون بأقنعة الوجه وجزمات واقية من الماء،‏ كل ذلك لتجنب ملامسة الدم؟‏ ولماذا تطلب مستشفيات كثيرة جدا ان يوقِّع المرضى استمارة موافقة تعفي المستشفى من المسؤولية عن التأثيرات المؤذية لنقل الدم؟‏ هل الدم آمن حقا من امراض كالأيدز؟‏

      يعتمد الامن على تدبيرين يُستعملان لحماية الدم:‏ نخل screening المتبرعين الذين يزوِّدونه وفحص الدم نفسه.‏ وأظهرت الدراسات الاخيرة انه على الرغم من كل الجهود لنخل المتبرعين بالدم الذين يعرِّضهم نمط حياتهم للخطر الكبير للأيدز،‏ لا يزال هنالك بعض الذين يفلتون من المنخل.‏ فيعطون اجوبة خاطئة للسائل ويتبرعون بالدم.‏ والبعض انما يريدون ان يعرفوا بحذر ما اذا كانوا هم انفسهم مصابين.‏

      في السنة ١٩٨٥ ابتدأت بنوك الدم بفحص الدم من اجل وجود الاجسام المضادة التي ينتجها الجسم لمحاربة ڤيروس الأيدز.‏ والمشكلة في الفحص هي انه يمكن ان يكون الشخص مصابا بڤيروس الأيدز لمدة من الوقت قبل ان يطوِّر ايًّا من الاجسام المضادة التي يكشفها الفحص.‏ وهذه الفجوة الحاسمة تُدعى فترة الثغرة.‏

      والفكرة ان هنالك فرصا للاصابة بالأيدز من نقل الدم بنسبة ١ الى ٠٠٠‏,٢٨ تأتي من دراسة نُشرت في مجلة الطب لانكلترا الجديدة.‏ وحدَّدت هذه المجلة الدورية فترة الثغرة على الارجح بما معدله ثمانية اسابيع.‏ ولكن قبل مجرد اشهر،‏ في حزيران ١٩٨٩،‏ نشرت المجلة نفسها دراسة تستنتج ان فترة الثغرة يمكن ان تكون اطول بكثير —‏ ثلاث سنوات او اكثر.‏ وهذه الدراسة الابكر اقترحت ان فترات ثغرة طويلة كهذه قد تكون اكثر شيوعا مما اعتُقد في ما مضى،‏ وافترضت،‏ على نحو اسوأ،‏ ان بعض الاشخاص المصابين ربما لا يطوِّرون ابدا اجساما مضادة للڤيروس!‏ ولكنّ الدراسة الاكثر تفاؤلا لم تتضمن نتائج البحث هذه،‏ داعية اياها «غير مفهومة كليا.‏»‏

      ليس عجيبا ان يقول الدكتور كوري سرڤاس من اللجنة الرئاسية عن الأيدز:‏ «يمكن ان تستمر بنوك الدم في القول لعامة الناس ان مخزون الدم آمن كما يمكن ان يكون،‏ ولكنّ عامة الناس لا تقبل ذلك بعدُ لانها تشعر بأنه ليس صحيحا.‏»‏

      ‏[مصدر الصورة]‏

      CDC,‎ Atlanta,‎ Ga.‎

      ‏[الاطار في الصفحة ١١]‏

      الدم المنقول والسرطان

      يتعلَّم العلماء ان الدم المنقول يمكن ان يعطِّل الجهاز المناعي وأن المناعة المعطَّلة قد تؤثر على نحو معاكس في نسبة نجاة اولئك الذين أُجريت لهم عملية جراحية للسرطان.‏ وفي عددها ١٥ شباط ١٩٨٧،‏ تخبر مجلة السرطان عن دراسة غنية بالمعلومات جرت في النَّذَرلند.‏ «في مرضى سرطان القولون،‏» قالت المجلة،‏ «شوهد تأثير معاكس مهم لنقل الدم في النجاة الطويلة الامد.‏ ففي ذلك الفريق كانت هنالك نجاة اجمالية تبلغ ٥ سنوات اضافية لِـ‍ ٤٨ ٪ من المرضى الذين نُقل اليهم دم و ٧٤ ٪ من الذين لم يُنقل اليهم دم.‏»‏

      وأيضا وجد الاطباء في جامعة كاليفورنيا الجنوبية انه من المرضى الذين أُجريت لهم جراحة سرطانية يعاني عدد اكبر انتكاسة سرطان اذا تلقَّوا نقل دم.‏ وأخبرت Annals of Otology Rhinology & Laryngology,‎ عدد آذار ١٩٨٩ عن دراسة تتبَّعت مئة مريض بواسطة هؤلاء الاطباء:‏ «كانت نسبة الانتكاس لكل سرطانات الحنجرة ١٤ ٪ للذين لم ينالوا دما و ٦٥ ٪ للذين نالوه.‏ وبالنسبة الى سرطان تجويف الفم،‏ البلعوم،‏ والانف او الجيب sinus،‏ كانت نسبة الانتكاس ٣١ ٪ دون نقل دم و ٧١ ٪ مع نقل دم.‏»‏

      وفي مقالته «نقل الدم والجراحة للسرطان،‏» استنتج الدكتور جون س.‏ سپرات:‏ «قد يلزم جرّاح السرطان ان يصير جراحا بلا دم.‏» —‏ The American Journal of Surgery،‏ ايلول ١٩٨٦.‏

      ‏[الصورتان في الصفحة ١٠]‏

      الفكرة بأن الدم دواء منقذ للحياة هي مصدر خلاف ولكنّ الفكرة بأنه يقتل الناس ليست كذلك

  • نقل الدم —‏ مفتاح النجاة؟‏
    استيقظ!‏ ١٩٩٠ | تشرين الاول (‏اكتوبر)‏ ٢٢
    • نقل الدم —‏ مفتاح النجاة؟‏

      في السنة ١٩٤١ وضع الدكتور جون س.‏ لوندي مقياسا لنقل الدم.‏ ويتضح انه بدون ايّ دليل سريري يدعمه قال انه اذا انخفض هيموڠلوبين المريض،‏ مكوِّن الدم الحامل الاكسجين،‏ الى مستوى عشرة غرامات او اقل لكل ديسيلتر من الدم،‏ فحينئذ يحتاج المريض الى نقل دم.‏ ثم صار هذا العدد مقياسا للاطباء.‏

      ومقياس العشرة الغرامات هذا جرى تحديه طوال ٣٠ سنة تقريبا.‏ وفي سنة ١٩٨٨ اعلنت مجلة الجمعية الطبية الاميركية بصراحة ان الدليل لا يؤيد الخط الارشادي.‏ ويقول الاختصاصي في التخدير هَوارد ل.‏ زودر انه «مغطّى بالتقليد،‏ مغشّى بالغموض،‏ وصحته غير مثبتة بالدليل السريري او التجريبي.‏» والآخرون انما يدعونه اسطورة.‏

      وعلى الرغم من كل هذا التشهير القوي،‏ فإن الاسطورة لا يزال يجري توقيرها على نحو واسع بصفتها خطا ارشاديا سليما.‏ وبالنسبة الى كثيرين من الاختصاصيين في التخدير وأطباء آخرين،‏ يكون مستوى الهيموڠلوبين دون العشرة منبها الى نقل الدم من اجل معالجة فقر الدم.‏ ويكون ذلك في الواقع آليا.‏

      لا شك ان ذلك يساعد على تفسير سبب الافراط الواسع في استعمال الدم ومنتوجات الدم اليوم.‏ وتقدِّر الدكتورة تيريزا ل.‏ كرنشو،‏ التي عملت في اللجنة الرئاسية عن وباء ڤيروس العوز المناعي البشري،‏ انه في الولايات المتحدة وحدها تجري نحو مليوني عملية نقل دم غير ضرورية كل سنة وأن نحو نصف كل عمليات نقل الدم المحفوظ في البنوك يمكن تجنبه.‏ وشجبت وزارة الصحة والرعاية الاجتماعية لليابان «عدم التمييز في استعمال نقل الدم» في اليابان،‏ بالاضافة الى «الايمان الاعمى بفعاليته.‏»‏

      والمشكلة في محاولة معالجة فقر الدم بنقل دم هي ان نقل الدم يمكن ان يكون مميتا اكثر من فقر الدم.‏ وشهود يهوه،‏ الذين يرفضون نقل الدم على اسس دينية بصورة رئيسية،‏ يساعدون على اثبات هذه النقطة.‏

      ربما رأيتم عناوين صحف تخبر ان واحدا من شهود يهوه مات بسبب رفض نقل الدم.‏ ومن المحزن ان تقارير كهذه نادرا ما تخبر كامل القصة.‏ وعلى نحو متكرر،‏ يكون رفض الطبيب اجراء العملية الجراحية،‏ او اجراء العملية بسرعة كافية،‏ هو ما يؤدي الى موت الشاهد.‏ ويرفض بعض الجراحين اجراء عملية جراحية دون حرية نقل الدم اذا هبط مستوى الهيموڠلوبين الى ما دون العشرة.‏ ومع ذلك،‏ اجرى جراحون كثيرون عمليات جراحية بنجاح لشهود بمستوى من الهيموڠلوبين بلغ خمسة،‏ اثنين،‏ وأقل ايضا.‏ ويقول الجراح ريتشارد ك.‏ سپنس:‏ «ان ما وجدته في الشهود هو ان الهيموڠلوبين المنخفض لا علاقة له بمعدل الوفيات على الاطلاق.‏»‏

      وفرة من البدائل

      ‏‹الدم او الموت.‏› هذه هي الطريقة التي يصف بها بعض الاطباء البدائل التي تواجه المريض الشاهد.‏ ومع ذلك،‏ في الحقيقة،‏ هنالك بدائل كثيرة لنقل الدم.‏ وشهود يهوه لا يهتمون بالموت.‏ انهم يهتمون بالمعالجات البديلة.‏ ولان الكتاب المقدس ينهى عن اكل الدم،‏ فانهم لا يعتبرون نقل الدم بديلا.‏

      وفي حزيران ١٩٨٨،‏ اقترح تقرير اللجنة الرئاسية عن وباء ڤيروس العوز المناعي البشري ان يعطى كل المرضى ما كان يطلبه الشهود لسنوات،‏ وهو:‏ «ان الموافقة المؤسسة على معلومات لنقل الدم او مكوِّناته يجب ان تشمل تفسيرا للمخاطر ذات العلاقة .‏ .‏ .‏ ومعلومات عن البدائل الملائمة للمداواة بنقل الدم المماثل homologous.‏»‏

      وبكلمات اخرى،‏ يجب ان يُمنح المرضى الخيار.‏ وأحد هذه الخيارات هو نمط نقل الدم الذاتي الاشتقاق autologous.‏ فيجري انقاذ دم المريض الخاص خلال العملية واعادة دورانه ثانية في اوردة المريض.‏ وحيثما تكون مثل هذه العملية مجرد توسيع للجهاز الدوري الخاص للمريض،‏ تكون مقبولة فعلا لدى معظم الشهود.‏ ويشدِّد الجراحون ايضا على قيمة زيادة حجم دم المريض بموسِّعات غير دموية وجعل الجسم يزوِّد من جديد كرياته الحمر الخاصة.‏ وقد استُعملت اساليب تقنية كهذه عوضا عن نقل الدم دون زيادة في معدل الوفيات.‏ وفي الواقع،‏ يمكنها ان تحسن حالة الامن.‏

      وثمة دواء يعطي نتائج جيدة يدعى اريتْروپوَيتين مأشوب recombinant erythropoietin جرى قبوله مؤخرا من اجل استعمال محدود.‏ فهو يسرع بانتاج الجسم لكريات الدم الحمر،‏ مساعدا في الواقع الشخص على زيادة دمه الخاص.‏

      لا يزال العلماء يبحثون عن بديل فعال للدم يشبه قدرته الحاملة للاكسجين الجديرة بالملاحظة.‏ وفي الولايات المتحدة،‏ يجد صانعو مثل هذه البدائل انه من الصعب قبول منتوجاتهم.‏ ولكن،‏ كما اعترض احد هؤلاء الصانعين:‏ «لو فكرتم في جلب الدم الى FDA [ادارة الغذاء والدواء] لكي يكون مقبولا لما حصلتم على فرصة ضئيلة لفحصه يوما ما،‏ فهو سام جدا.‏» ومع ذلك،‏ فإن الآمال كبيرة في انه ستوجد مادة كيماوية فعالة تكون مقبولة كبديل للدم حامل للاكسجين.‏

      لذلك هنالك خيارات.‏ وتلك المذكورة هنا ليست سوى القليل من تلك المتوافرة.‏ وكما كتب الدكتور هوراس هربزمن،‏ پروفسور في الجراحة السريرية،‏ في مجلة Emergency Medicine:‏ «انه .‏ .‏ .‏ واضح تماما اننا نملك بدائل لاستبدال الدم.‏ حقا،‏ قد يجري تفسير اختبارنا مع شهود يهوه ليعني اننا لا نحتاج الى الاتكال على نقل الدم،‏ بكل تعقيداته الممكنة،‏ بقدر ما كنا نعتقد في ما مضى.‏» طبعا،‏ لا شيء من هذا جديد حقا.‏ وكما لاحظت The American Surgeon:‏ «الواقع بأن العمليات الخطيرة يمكن القيام بها بأمان دون نقل دم جرى دعمه بالوثائق بوفرة في الـ‍ ٢٥ سنة الماضية.‏»‏

      ولكن اذا كان الدم خطرا،‏ وهنالك بدائل آمنة لاستعمالها،‏ فلماذا ينقل ملايين الناس الدم على نحو غير ضروري —‏ كثيرون منهم دون معرفة ذلك،‏ وآخرون فعلا ضد ارادتهم؟‏ ان تقرير اللجنة الرئاسية عن الأيدز يلاحظ جزئيا الفشل في تعليم الاطباء والمستشفيات عن البدائل.‏ ويلوم ايضا عاملا آخر:‏ «ان بعض مراكز الدم المحلية متردِّدة في تعزيز الاستراتيجيات التي تقلل من استعمال المداواة بنقل الدم،‏ لان دخل عمليتهم الجراحية يأتي من بيع الدم ومنتوجات الدم.‏»‏

      وبكلمات اخرى:‏ بيع الدم تجارة كبيرة.‏

  • السائل الاثمن في العالم
    استيقظ!‏ ١٩٩٠ | تشرين الاول (‏اكتوبر)‏ ٢٢
    • السائل الاثمن في العالم

      حتى اذا كان ممكنا رفض نقل الدم كالمنتوجات الخطرة وغير الضرورية للصناعة الجشعة على نحو متكرر،‏ فذلك لا يشرح بعدُ لماذا يرفضه شهود يهوه.‏ وأسبابهم مختلفة تماما ومهمة اكثر بكثير.‏ فما هي؟‏

      من السهل جدا الاستخفاف بقطرة من الدم.‏ انها تنبثق من خدش او وخزة دبوس،‏ قُبَّة صغيرة جدا بلون احمر براق،‏ ونغسلها او نمسحها دون تفكير.‏

      ولكن اذا تمكَّنّا من التقلُّص حتى نصير صغارا جدا بحيث تطلّ هذه القبة من فوق كالجبل،‏ نجد في اعماقها القرمزية عالما من التعقيد والتنظيم يفوق حد التصديق.‏ ففي داخل هذه القطرة الواحدة،‏ هنالك جيوش كبيرة كثيرة الحركة من الخلايا:‏ ٠٠٠‏,٠٠٠‏,٢٥٠ كُريَّة دم حمراء،‏ ٠٠٠‏,٤٠٠ كُريَّة دم بيضاء،‏ و ٠٠٠‏,٠٠٠‏,١٥ صُفَيحة،‏ وهي مجرد بعض المراتب.‏ واذ يندفع الى العمل في مجرى الدم،‏ يشرع كل جيش في مهمته المستقلة.‏

      تنطلق الكريات الحمر مسرعة عبر شبكة النظام الوعائي المعقَّدة،‏ حاملة الاكسجين من الرئتين الى كل خلية في الجسم ومزيلة ثاني اكسيد الكربون.‏ ان هذه الخلايا صغيرة جدا حتى ان كومة من ٥٠٠ منها تكون فقط بعلو ٠٤‏,.‏ انش (‏١‏,٠ سم)‏.‏ ولكنّ كومة من كل الكريات الحمر في جسمكم ترتفع حتى ٠٠٠‏,٣١ ميل (‏٠٠٠‏,٥٠ كلم)‏!‏ وبعد نحو ١٢٠ يوما من قيامها برحلة عبر الجسم ٤٤٠‏,١ مرة في اليوم،‏ تتقاعد الكريات الحمر.‏ ونواتها الغنية بالحديد تتطور من جديد على نحو فعال،‏ ويجري التخلص من الباقي.‏ وكل ثانية،‏ تجري ازالة ثلاثة ملايين كُريَّة حمراء،‏ فيما يجري صنع العدد نفسه من الكريات الحمر الجديدة في النِّقْي.‏ فكيف يعرف الجسم ان الكُريَّة الحمراء وصلت الى العمر المناسب من اجل التقاعد؟‏ ان العلماء متحيرون.‏ ولكن دون هذا النظام لاستبدال الكريات الحمر المتقدمة في السن،‏ بحسب احد الكيميائيين،‏ «يصير دمنا كثيفا كالاسمنت في اسبوعين.‏»‏

      في هذه الاثناء تجول الكريات البيض في الجهاز،‏ اذ تبحث عن الغزاة غير المرغوب فيهم وتفتك بهم.‏ والصُّفَيحات تجتمع فورا عندما يكون هنالك جرح وتبدأ عملية التخثر وسدّ الثغرة.‏ وكل هذه الكريات معلَّقة في سائل عاجي اللون صاف يدعى الپلازما،‏ الذي يتألف هو نفسه من مئات العناصر،‏ اذ يلعب الكثير منها ادوارا حيوية في انجاز قائمة طويلة من مهمات الدم.‏

      والعلماء بكل مقدرتهم العقلية المشتركة متحيرون في فهم كل ما يفعله الدم،‏ هذا ان لم نذكر صنع نسخة مطابقة له.‏ فهل يمكن لهذا السائل المعقَّد بطريقة عجيبة ان يكون شيئا غير عمل مصمم بارع؟‏ وهل يُستنتج من ذلك ان هذا الخالق فوق الطبيعة البشرية لديه كل الحق في ان ينظِّم كيف يجب استعمال خليقته؟‏

      شهود يهوه يعتقدون ذلك دائما.‏ وهم يعتبرون الكتاب المقدس رسالة من خالقنا تحتوي على خطوطه الارشادية حول كيفية العيش افضل حياة ممكنة؛‏ وهو كتاب لا يغفل عن ذكر مسألة الدم هذه.‏ تقول لاويين ١٧:‏١٤‏:‏ «نفس كل جسد دمه» —‏ ليس حرفيا،‏ طبعا،‏ لان الكتاب المقدس يقول ايضا ان الكائن الحي نفسه هو نفس.‏ وبالاحرى،‏ ان حياة كل الانفس مرتبطة على نحو معقَّد جدا ومدعومة بالدم الذي فيها بحيث يُنظر الى الدم على نحو ملائم بصفته سائلا مقدَّسا يمثِّل الحياة.‏

      وبالنسبة الى البعض يكون ذلك صعب الفهم.‏ فنحن نعيش في عالم ينظر الى اشياء قليلة جدا بصفتها مقدَّسة.‏ والحياة نفسها نادرا ما تقدَّر كما يجب.‏ فلا عجب ان يُشترى الدم ويباع كأية سلعة اخرى.‏ ولكنّ اولئك الذين يحترمون رغبات الخالق لا يعاملونه بهذه الطريقة.‏ ‹لا تأكلوا دما› كانت وصية اللّٰه لنوح وذريته —‏ كل الجنس البشري.‏ (‏تكوين ٩:‏٤‏)‏ وبعد ثمانية قرون وضع هذه الوصية في شريعته للاسرائيليين.‏ وبعد خمسة عشر قرنا اعاد تأكيد ذلك مرة اخرى للجماعة المسيحية:‏ ‹امتنعوا عن الدم.‏› —‏ اعمال ١٥:‏٢٠‏.‏

      يتمسك شهود يهوه بهذه الشريعة لانهم بصورة رئيسية يريدون ان يطيعوا خالقهم.‏ وبموت ابنه الحبيب الفدائي،‏ زوَّد الخالق الجنس البشري بدم منقذ للحياة.‏ فيمكنه ان يطيل الحياة ليس فقط الى اشهر او سنوات قليلة بل الى الابد.‏ —‏ يوحنا ٣:‏١٦؛‏ افسس ١:‏٧‏.‏

      وفضلا عن ذلك،‏ ان الامتناع عن نقل الدم حمى الشهود من مخاطر كثيرة جدا.‏ وثمة عدد اكبر فاكبر من الناس الى جانب شهود يهوه يرفضون نقل الدم اليوم.‏ وتدريجيا يتجاوب المجتمع الطبي ويخفِّف استعماله للدم.‏ وكما عبَّرت Surgery Annual عن ذلك:‏ «من الواضح ان نقل الدم الاكثر امنا هو الذي لا يجري.‏» ولاحظت مجلة Pathologist ان شهود يهوه يصرّون منذ زمن طويل على ان نقل الدم ليس معالجة مستصوبة.‏ وأضافت:‏ «هنالك دليل جدير بالاعتبار لتأييد حجتهم،‏ رغم الاعتراضات من مديري بنوك الدم بخلاف ذلك.‏»‏

      فبمَن تثقون بالاحرى؟‏ بالكائن الحكيم الذي صمَّم الدم؟‏ ام بالناس الذين جعلوا بيع الدم تجارة كبيرة؟‏

المطبوعات باللغة العربية (‏١٩٧٩-‏٢٠٢٥)‏
الخروج
الدخول
  • العربية
  • مشاركة
  • التفضيلات
  • Copyright © 2025 Watch Tower Bible and Tract Society of Pennsylvania
  • شروط الاستخدام
  • سياسة الخصوصية
  • إعدادات الخصوصية
  • JW.ORG
  • الدخول
مشاركة