-
التهجّم — مشكلة عالميةاستيقظ! ٢٠٠٣ | آب (اغسطس) ٢٢
-
-
التهجّم — مشكلة عالمية
«اذا اتيتِ غدا الى المدرسة، فسنقتلكِ». — تهديد على الهاتف تلقته تلميذة كندية تدعى كريستين من فتاة لم تكشف عن اسمها.a
«رغم انني لستُ فتاة حساسة جدا، وصل بي الامر الى فقدان الرغبة في الذهاب الى المدرسة. كما صارت معدتي تؤلمني، وكنت صباح كل يوم اتقيأ الفطور الذي اتناوله». — هيرومي، تلميذة مراهقة في اليابان، تتذكر ما عانته بسبب التهجّم.
هل اضطررت يوما الى مواجهة شخص متهجّم؟ لا بد ان معظمنا وجدوا نفسهم مرة في مثل هذا الموقف. وربما حصل ذلك في المدرسة، في مكان العمل، او في البيت حيث تتفاقم اليوم مشكلة اساءة استعمال القوة بشكل ينذر بالخطر. مثلا، يقدّر مصدر بريطاني ان ٥٣ في المئة من الراشدين يتعرضون للتهجّم الشفهي من قبل رفقاء زواجهم او رفقائهم في المساكنة. ويمكن ان يكون المتهجّمون وضحاياهم ذكورا او اناثا، من شتى الخلفيات ومن اي مكان في العالم.b
فما هو التهجّم بالتحديد؟ ليس التهجّم مجرد عمل عدائي واحد او بضعة اعمال عدائية، بل هو اعمال عدائية غير خطيرة تُرتكب بشكل متكرر. ويحدّد دان أُلڤاوس، اختصاصي في علم النفس ورائد في الدراسات المنهجية المتعلقة بالتهجّم، بعض الاوجه المشتركة التي تسم هذا السلوك. فيذكر مثلا العدائية المتعمدة التي يتصف بها المتهجّم وعدم التكافؤ الواضح في القوى بين الطرفين.
ربما لا يوجد تعريف واحد يغطي كل اوجه التهجّم، لكنه يوصف في احد المراجع بأنه «الرغبة المتعمدة في ايذاء شخص آخر وممارسة الضغط عليه». وما يسبب الضغط ليس فقط ما يحدث فعليا بل ايضا الخوف مما قد يحدث لاحقا. وتنطوي اساليب التهجّم على السخرية اللاذعة، الانتقاد المستمر، الاهانات، الثرثرة، والتطلبات غير المنطقية. — انظر الاطار في الصفحة ٤.
كانت كريستين، المراهقة المشار اليها في مستهل المقالة، هدفا للتهجّم معظم السنين التي قضتها في المدرسة. ففي المدرسة الابتدائية، وضعت المتهجّمات العلكة في شعرها، سخرن من مظهرها، وهدّدنها بالضرب. وساءت الحالة اكثر في المدرسة الثانوية بحيث صارت تتلقى على الهاتف تهديدات بالقتل. انها اليوم في الـ ١٨ من عمرها وهي تقول بأسف: «المدرسة هي مكان يفترض ان يتعلم فيه المرء لا ان يتلقى تهديدات بالقتل ويُضايَق بشكل متواصل».
يعلّق احد الاختصاصيين في الصحة العقلية على التهجّم بقوله: «انه وجه مؤسف للعلاقات البشرية، لكنه شائع. فبعض الناس يكونون افضل حالا حين يحطّون من قدر الآخرين». وعندما يزداد هذا السلوك حدة، يؤدي الى انتقام عنيف او وقوع مأساة. مثلا، تعرّض موظف في النقل العام يعاني اعاقة في النطق للسخرية والتهجّم الشديدين، مما ادى به الى قتل اربعة من زملائه في العمل وإطلاق النار على نفسه.
التهجّم مشكلة عالمية
في كل انحاء العالم يتعرض الاولاد منذ دخولهم الى المدرسة للتهجّم. تظهر دراسة نُشرت في مجلة القديم والجديد في طب الاطفال (بالانكليزية) ان ١٤ في المئة من الاولاد في النروج هم اما متهجّمون او ضحايا. وتذكر ان ١٥ في المئة من تلامذة المدارس الابتدائية في اليابان يقولون انهم يتعرضون للتهجّم، وأن ١٧ في المئة من التلامذة في أوستراليا وإسپانيا يعانون هذه المشكلة. اما في بريطانيا فيذكر احد الخبراء ان عدد المتهجّمين يبلغ ٣,١ مليون ولد.
كما اجرى الپروفسور آموس روليدِر من كلية اميك يزرايل استطلاعا شمل ٩٧٢,٢ تلميذا في ٢١ مدرسة. وقد وجد، كما ورد في ذا جِروزَلِم پوست (بالانكليزية)، ان «٦٥ في المئة اشتكوا من تعرضهم للصفع، الرفس، الدفع، والمضايقة من قبل رفقائهم التلامذة».
وثمة تطور جديد، خطره خفي، هو التهجّم ببعث رسائل تهديد عبر الكمپيوتر والهواتف الخلوية. كما يخلق الاحداث ايضا صفحات وبْ يملأونها عبارات بغض ضد ضحية يختارونها، ويضمِّنون هذه الصفحات معلومات شخصية عنها. ووفقا للدكتور وِندي كريڠ من جامعة الملكة في كندا، يُعتبر هذا النوع من التهجّم «مؤذيا جدا للولد الذي يقع ضحيته».
مكان العمل
التهجّم هو احد اسباب التشكيات من العنف في اماكن العمل، والملاحظ ان عددها يشهد تزايدا سريعا. وفي الواقع، تخبر بعض البلدان ان التهجّم شائع اكثر من التمييز العنصري او التحرّش الجنسي. وفي الولايات المتحدة، يتعرض خُمس القوى العاملة للتهجّم كل سنة.
اما في بريطانيا فيذكر تقرير، اصدرته سنة ٢٠٠٠ جامعة معهد مانتشيستر للعلوم والتكنولوجيا، ان ٤٧ في المئة من ٣٠٠,٥ موظف ينتمون الى ٧٠ منظمة اخبروا انهم شهدوا حوادث تهجّم خلال السنوات الخمس الاخيرة. وفي استطلاع شمل ٨٠٠,١٥ مقابلة، اجراها الاتحاد الاوروپي سنة ١٩٩٦ في بلدانه الاعضاء الـ ١٥، تبين ان ٨ في المئة — حوالي ١٢ مليون عامل — تعرضوا للتخويف او التهجّم.
كما رأينا، يبدو ان لكل المتهجّمين سواء في ملعب المدرسة او في مكان العمل قاسما مشتركا: استعمال القوة لإيذاء او تحقير الآخرين. ولكن لماذا يتهجّم البعض على الآخرين؟ ما هي التأثيرات الناجمة عن التهجّم؟ وكيف يمكن مواجهته؟
[الحاشيتان]
a بعض الاسماء جرى تغييرها.
b رغم ان المتهجم يُذكر بصيغة المذكر في هذه المقالات، تنطبق المبادئ عموما على الاناث ايضا.
[الاطار في الصفحة ٤]
انواع المتهجّمين
◼ المتهجّمون جسديا: هذا النوع يسهل تحديده. فالمتهجّم ينفِّس عن غضبه بضرب الضحية، دفعها، رفسها، او إلحاق الضرر بممتلكاتها.
◼ المتهجّمون شفهيا: يستعملون الكلمات لإيذاء وتحقير الشخص المستهدَف، سواء من خلال النعوت القبيحة، الاهانات، او السخرية اللاذعة والمستمرة.
◼ مدمّرو العلاقات: ينشرون الاشاعات المغرضة عن الشخص المستهدَف. وهذا السلوك تتبناه بشكل خصوصي الاناث.
◼ ضحايا سابقون للتهجّم: انهم ضحايا للتهجّم يصيرون هم انفسهم متهجّمين. طبعا، ان كونهم ضحايا سابقين لا يبرر سلوكهم، لكنه يساعد على فهمه.
[المصدر]
المصدر: مجابهة التهجّم (بالانكليزية)، بقلم جيزيل لاجوا، أليسن مكليلن، سيندي سيدون.
-
-
التهجّم — بعض اسبابه وتأثيراتهاستيقظ! ٢٠٠٣ | آب (اغسطس) ٢٢
-
-
التهجّم — بعض اسبابه وتأثيراته
ما الذي يجعل الولد متهجّما؟ اذا حدث ان وقعتَ مرة ضحية متهجّم، فقد تقول: «مهما كان السبب، فلا مبرر لمثل هذا السلوك». أنت طبعا على حق. ولكن هنالك فرق شاسع بين السبب والمبرر. وفي حين ان الأسباب التي تدفع ولدا الى الصيرورة متهجّما لا تبرر السلوك الخاطئ، فهي تساعدنا على فهمه. واستخدام التعقل في هذه المسألة يمكن ان تكون له قيمة حقيقية. كيف؟
يقول مثل قديم: «تعقل الانسان يبطئ غضبه وفخره الصفح عن معصية». (امثال ١٩:١١) ان الغضب الذي ينتابنا بسبب تصرفات المتهجّم يمكن ان يعمينا ويملأنا بالاحباط وبالبغض ايضا. لكنّ اظهارنا التعقل بمحاولة فهم تصرفه يمكن ان يساعد على تهدئة غضبنا. وهذا الامر بدوره قد يتيح لنا ايجاد الحلول الفضلى. فلنتأمل في بعض العوامل التي تؤدي الى هذا السلوك غير المقبول.
ماذا وراء التهجّم؟
في حالات كثيرة، يتأثر المتهجّم سلبا خلال سنوات نموه بالمثال الابوي الرديء او بإهمال الوالدين التام له. فكثيرون من المتهجّمين يأتون من عائلات لا يعرب فيها الوالدون عن العاطفة تجاه اولادهم، او لا يولونهم الاهتمام، او يعلّمونهم اللجوء الى الغضب والعنف لحل مشاكلهم. والاولاد الذين يترعرعون في هذا الجو لا يعتبرون تعدياتهم الشفهية والجسدية تهجّما؛ ويظنون ان سلوكهم طبيعي ومقبول.
قالت فتاة هي الآن في الـ ١٦ من العمر، تعرضت للتهجّم من قبل زوج امها وزملائها في المدرسة، انها اصبحت هي نفسها متهجّمة عندما بلغت الصف السابع. تعترف: «كنت مشحونة بالغضب، ولذلك كلما التقيت شخصا صببت غضبي عليه. ان الشعور بالالم امر فظيع. وحين يشعر المرء بالالم، يريد ان يحمِّله للآخرين». وفيما لا تكون مثل هذه التعديات الجسدية الاسلوب النموذجي الذي تعتمده المتهجّمات الاناث، فإن الغضب هو دائما الدافع الى تهجّمهن.a
تستقبل مدارس كثيرة اعدادا كبيرة من تلامذة اتوا من خلفيات متعددة وتربوا بطرائق مختلفة جدا. والمحزن ان بعض الاولاد يعربون عن العدائية لأنهم تعلموا في منازلهم ان تخويف الآخرين والاساءة اليهم شفهيا هما افضل طريقتين لنيل ما يرغبون فيه.
وللاسف، غالبا ما تنجح مثل هذه الاساليب. تقول شيلي هيمِل، التي تدرس سلوك الاولاد منذ عقدين، وهي عميدة مشاركة في قسم التربية في جامعة كولومبيا البريطانية في كندا: «هنالك اولاد يحاولون اكتشاف اساليب تمكِّنهم من نيل مآربهم، وينجح للاسف اسلوب التهجّم. فيتوصلون الى نيل مرادهم: القوة، المركز، والاهتمام».
وثمة عامل آخر وراء مشكلة التهجّم هو النقص في الاشراف. فضحايا كثيرون يشعرون انه ما من احد يلجأون اليه طلبا للمساعدة، وهم للأسف محقون في معظم الحالات. فبعد درس وضع الاولاد في ملعب المدرسة، وجدت دِبرا پيپلر، مديرة «مركز لامارش للابحاث المتعلقة بحل مشاكل العنف والنزاعات» التابع لجامعة يورك في تورونتو، ان المعلمين يكتشفون ويردعون ٤ في المئة فقط من حوادث التهجّم.
لكنّ الدكتورة پيپلر تعتقد ان التدخل لمساعدة الاولاد مهم جدا. تقول: «يعجز الاولاد عن حل المشكلة لأن الامر يتعلق بالقوة، وفي كل مرة يتعدى المتهجّم على احد، تتعزّز قوته».
فلمَ لا يُبلّغ عن عدد اكبر من حالات التهجّم؟ لأن ضحايا التهجّم مقتنعون ان الإخبار عن المشكلة يزيد الامر سوءا. ولذلك يقضي كثيرون من الاحداث سنواتهم في المدرسة وهم في حالة تكاد تكون دائمة من القلق وعدم الامان. فما هي تأثيرات العيش بهذه الطريقة؟
التأثيرات الجسدية والعاطفية
يقول تقرير صادر عن الاتحاد الوطني للاختصاصيين في علم النفس في المدرسة بالولايات المتحدة انه يوميا يتخلف اكثر من ٠٠٠,١٦٠ ولد عن الذهاب الى المدرسة لانهم يخافون من التعرض للتهجّم. وقد يتوقف ضحايا التهجّم ايضا عن ذكر المدرسة او اي صف او نشاط فيها. وربما يحاولون ان يتأخروا عن المدرسة كل يوم او يتجنبوا حضور بعض الصفوف او حتى اختلاق اعذار لعدم ذهابهم كليا الى المدرسة.
وكيف يمكن تمييز الاولاد الذين يتعرضون للتهجّم؟ قد يصبحون متقلبي المزاج، سريعي الانفعال، محبطين، او يفقدون حيويتهم وينطوون على ذاتهم. وقد يصبحون عدائيين تجاه اعضاء عائلتهم او نظرائهم او اصدقائهم. حتى الذين يشاهدون التهجّم دون ان يكونوا عرضة له يتأذون، اذ يثير الوضع فيهم خوفا كبيرا يُضعف قدرتهم على التعلّم.
لكنّ مجلة القديم والجديد في طب الاطفال تقول: «اسوأ ما يؤدي اليه التهجّم في ما يتعلق بالضحايا والمجتمع هو العنف، بما في ذلك الانتحار والقتل. فالشعور بالعجز الذي يعانيه الاولاد الذين يقعون ضحية التهجّم يمكن ان يكون قويا جدا بحيث يدفعهم الى القيام بأعمال تدمرهم او اعمال انتقامية مميتة».
والدكتور إد أدلاف، عالم ابحاث وپروفسور في مجال الصحة العامة في جامعة تورونتو، يعبر عن قلقه ذاكرا ان «المتهجمين وضحاياهم على السواء هم على الارجح معرضون اكثر من غيرهم للمصاعب العاطفية الآن وفي المستقبل». وخلال السنة الدراسية ٢٠٠١، اظهر استطلاع شمل اكثر من ٠٠٠,٢٢٥ تلميذ من اونتاريو ان ما يتراوح بين الرُبع والثلث من هؤلاء التلامذة كانوا إما ضحايا او متهجّمين. وفي المجموعة نفسها، فكر ١ من ١٠ اشخاص جديا في الانتحار.
ان التهجّم المتواصل يمكن ان يُفقد الضحية ثقتها بالنفس، يعرضها لمشاكل صحية خطيرة، حتى انه قد يُخسِّرها مهنتها. وقد يعاني من يتعرضون للتهجّم الصداع، الارق، القلق، والكآبة. ويصاب البعض باضطراب اجهاد ما بعد الصدمة. وفي حين يُثير الاذى الجسدي التعاطف الشديد مع الضحية، فإن الاذى العاطفي قد لا يُثير المشاعر نفسها، اذ لا يكون واضحا للعيان. فيتعب الاصدقاء والعائلة من الاستماع لتشكي الضحايا عوض ان يتعاطفوا معهم.
للتهجّم تأثيرات سيئة على المتهجّمين ايضا. وإذا لم يُردعوا في صغرهم، فسيكبرون ويتهجّمون على الارجح على الآخرين في مكان العمل. وفي الواقع، تظهر بعض الدراسات ان الذين كانوا متهجّمين في صغرهم طوروا انماطا سلوكية لازمتهم في سن الرشد. ومن المرجح ان يرتكب هؤلاء اعمالا اجرامية اكثر من الذين لم يكونوا متهجّمين.
تأثيراته في العائلة
ان استقرار العائلة وسلامها يتأثران بالتهجّم الذي يحدث في مكان العمل. فهذا التهجّم يمكن ان يدفع الشخص المستهدَف، او الضحية، الى ايذاء احبائه في البيت دون ان يتمكنوا من فهم السبب. بالاضافة الى ذلك، يمكن ان يندفع رفيق الزواج او احد اعضاء العائلة الى محاربة المتهجّم، ظانا بشكل خاطئ ان هذه هي الطريقة المناسبة لإظهار دعمه للضحية. من جهة اخرى، قد يلوم رفيق الزواج رفيقه المتأذي مدعيا انه هو من يسبب لنفسه المشاكل. وعندما تستمر حالات التهجّم هذه دون حل، حتى رفقاء الازواج الداعمون عادة يفقدون صبرهم. وفيما تمر السنون، من المرجح ان تتفكك العائلة.
في بعض الاحيان يؤدي التهجّم الى خسارة العمل، الى الهجر والطلاق، حتى الى الانتحار. وقد اخبر ما يتراوح بين نصف وثلثي الضحايا الاوستراليين الذين تعرضوا للتهجّم في اماكن العمل عن تأثيرات التهجّم السيئة في علاقاتهم الحميمة، كعلاقتهم برفيقهم بالمساكنة او رفيق زواجهم او اعضاء عائلتهم.
التهجّم مكلف
ان التهجّم في مكان العمل يكلّف ايضا ارباب العمل كثيرا. والمتهجّم في مكان العمل يمكن ان يكون مديرا سليط اللسان او زميلا يدبر المكائد، وقد يكون ذكرا او انثى. ومثل هؤلاء يفرطون في التنظيم، يتوقفون عند ادق التفاصيل، ويحطون من قدر الآخرين بملاحظات سلبية وانتقاد مستمر، محقرين غالبا الشخص المستهدف امام الآخرين. ونادرا ما يدرك المتهجّمون قلة تهذيبهم او يعتذرون عن تصرفاتهم. وهم يتهجّمون غالبا على العمال الاكفاء، المخلصين، والمحبوبين من زملائهم.
والعمال الذين يتعرضون للتهجّم تخف فعاليتهم في عملهم. حتى انتاجية زملائهم الذين يشهدون اعمال التهجّم تتأثر. ويمكن ان يجعل التهجّم العمال يصيرون اقل اخلاصا والتزاما تجاه عملهم ومستخدِمهم. يقول احد التقارير ان المتهجّمين يكلفون قطاع الصناعة في المملكة المتحدة ما يقدَّر بثلاثة بلايين دولار اميركي كل سنة. ويُقال ان مثل هذا السلوك مسؤول عن ٣٠ في المئة من الامراض الناجمة عن الاجهاد.
من الواضح ان التهجّم يؤثر في المجتمع في كل انحاء العالم. والسؤال المطروح هو: هل يمكن فعل اي شيء لضبط المشكلة وإزالتها؟
[الحاشية]
a المتهجّمات يلجأن الى اساليب تشمل اقصاء الضحايا عن نشاطاتهن الاجتماعية ونشر الاشاعات عنهن. ولكن يبدو ان عددا متزايدا منهن يلجأن الى العنف الجسدي ايضا.
[الصورة في الصفحة ٧]
التهجّم في مكان العمل شائع جدا
[الصورة في الصفحة ٧]
ضحايا التهجّم المستمر يمكن ان يصبحوا مكتئبين ومنطوين على انفسهم
-
-
التحرر من التهجّماستيقظ! ٢٠٠٣ | آب (اغسطس) ٢٢
-
-
التحرر من التهجّم
‹التهجّم سلوك مكتسَب وكل شيء مكتسَب يمكن التخلص منه›. — الدكتورة سي. سالي مورفي.
المتهجّم وضحية التهجّم كلاهما يحتاجان الى المساعدة. فالمتهجّم يحتاج ان يتعلم التعامل مع الآخرين دون استخدام القوة. وضحية التهجّم تحتاج الى بعض الوسائل العملية لتنجح في مواجهة المشكلة.
غالبا ما لا يعرف المتهجّم كيف يتعامل مع الآخرين ويفشل في فهم مشاعر الذين يخيفهم. لذلك يلزم ان يُراقَب ويُلقَّن طريقة التعامل الصحيحة. يقول كتاب مجابهة التهجّم: «ما لم يتعلم المتهجّمون او يتبنوا اسلوبا جديدا في التصرف فسيبقون متهجّمين طوال حياتهم. فيتهجّمون على رفقاء زواجهم، اولادهم، وعلى الارجح على من هم تحت امرتهم في مكان العمل».
مساعدة الاولاد على عدم التهجّم
ان تدريب الاولاد منذ سنواتهم الباكرة على التحلّي بالتقمص العاطفي يمكن ان يساعد على الحؤول دون صيرورتهم متهجّمين. وفي بعض البلدان، يتبع العاملون في حقل التربية اسلوبا جديدا في التعليم يدعى التدريب على التعاطف. والهدف هو البدء بتعليم التلامذة منذ الخامسة من العمر فهم مشاعر الآخرين ومعاملة الناس بلطف. وفيما لا توجد سوى احصاءات قليلة عن التأثير البعيد المدى لهذا التدريب، أوحت النتائج الاولية بأن الذين تلقوا هذا التدريب هم اقل عدائية من الذين لم يتلقوه.
ولكن لا ينبغي لك كوالد ان تعتمد كليا على البرنامج المدرسي لتدريب اولادك. فإذا كنت تريد ألّا يصبح ولدك متهجّما، يجب ان تعلمه انت بالقول والمثال كيف يحترم الآخرين ويكرمهم. وماذا يمكن ان يساعدك؟ من المحتمل ان يكون لديك مصدر عظيم للتدريب لا تُقدّر قيمته كما يجب: كلمة اللّٰه، الكتاب المقدس. فكيف يمكنها ان تساعدك؟
تعلّم كلمة اللّٰه بوضوح كيف يشعر اللّٰه بشأن التهجّم. انه يبغضه! يقول الكتاب المقدس عن اللّٰه: «اما . . . محب الظلم فتبغضه نفسه». (مزمور ١١:٥) كما ان اللّٰه لا يتعامى عما يحدث. فالكتاب المقدس يسجّل مشاعر الندم، او الاسف، التي خالجته في زمن الاسرائيليين عندما عانوا «بسبب مضايقيهم وزاحميهم». (قضاة ٢:١٨) وفي ظروف كثيرة، عاقب اللّٰه الذين اساءوا استعمال قوتهم وتهجّموا على الضعفاء والعاجزين. — خروج ٢٢:٢٢-٢٤.
يحتوي الكتاب المقدس ايضا ما يمكن ان يكون اشهر ارشاد أُعطي على الاطلاق في ما يتعلق بكيفية اظهار التقمص العاطفي. قال يسوع: «كل ما تريدون ان يفعل الناس بكم، افعلوا هكذا انتم ايضا بهم». (متى ٧:١٢) وليس من السهل تعليم الاولاد ان يتبنوا هذه القاعدة الذهبية، اي ان يحبوها ويعيشوا وفقا لها؛ فهذا الامر يتطلب رسم المثال الجيد، المثابرة، وبذل الجهود الدؤوبة، وخصوصا لأن الاولاد الصغار انانيون بطبيعتهم. لكنّ هذه الجهود تستحق العناء. وإذا تعلم اولادك ان يتحلوا باللطف والتقمص العاطفي، فسيجدون فكرة التهجّم بحد ذاتها بغيضة.
مساعدة الضحايا
يواجه ضحايا التهجّم، وخصوصا الاحداث، تحديا صعبا: المحافظة على الاتزان تحت الضغط. فعندما يتهجّم عليك احد، يتوق على الارجح الى جعلك تفقد السيطرة على نفسك. انه يأمل ان تستشيط غضبا او ان ترتعب بشدة. وإذا استشطت غضبا، او انفجرت بالبكاء وأظهرت انك تأذيت او خفت، يكون المتهجّم قد نال مراده. وعندئذ سيسعى الى اثارتك مجددا مرة بعد اخرى.
فماذا يمكنك ان تفعل؟ تأمل في الاقتراحات التالية. انها مكتوبة بشكل اساسي للاحداث، لكنّ المبادئ يمكن ان تنطبق ايضا على الراشدين الذين يتعرضون للتهجّم.
◼ حافظ على الهدوء؛ لا تستسلم للغضب. يعطي الكتاب المقدس مشورة حكيمة: «كفَّ عن الغضب واترك السخط». (مزمور ٣٧:٨) عندما تفقد السيطرة على نفسك، يتحكم فيك المتهجّم، وعلى الارجح ستقوم بأمور تندم عليها. — امثال ٢٥:٢٨.
◼ حاول ان تبعد فكرة الانتقام عن بالك. فغالبا ما ترتد هذه الاعمال على صاحبها. وفي كل الاحوال، لا يشفي الانتقام الغليل. تتذكر فتاة تعرضت للضرب على يد خمس حدثات عندما كانت في الـ ١٦ من العمر: «صممتُ ان انتقم لنفسي. لذلك طلبت مساعدة صديقات لي وانتقمت من اثنتين منهن». والنتيجة؟ تقول: «احسست بالفراغ». وساء سلوكها بعد ذلك. تذكر كلمات الكتاب المقدس الحكيمة: «لا تبادلوا أحدا سوءا بسوء». — روما ١٢:١٧.
◼ عندما يبدو ان الامور ستحتدم، ابتعد بسرعة. يقول الكتاب المقدس: «قبل ان تدفق المخاصمة اتركها». (امثال ١٧:١٤) عموما، حاول ان تتجنب الذين يميلون الى التهجّم. تقول امثال ٢٢:٣: «الذكي يبصر الشر فيتوارى والحمقى يعبرون فيعاقَبون».
◼ اذا استمر التهجّم، فقد تضطر الى التعبير عن رأيك بصراحة. اختر وقتا تكون فيه هادئا، انظر في عيني المتهجّم، وتكلم بصوت ثابت وهادئ. اخبره انك لا تحب ما يفعله، ان الامر ليس مسليا وهو مؤذ. لا تلجأ الى الاهانات او التحديات. — امثال ١٥:١.
◼ تحدث عن مشكلة التهجّم مع راشد مسؤول يظهر الاهتمام. حدّد نوع المشكلة واطلب منه المساعدة في معالجتها. افعل الامر نفسه في صلواتك للّٰه، فذلك يمكن ان يكون مصدرا رائعا للمساعدة والتعزية. — ١ تسالونيكي ٥:١٧.
◼ تذكر انك شخص له قيمة. قد يرغب المتهجّم ان تعتقد ان لا قيمة لك، وأنك تستحق ان تُعامل بطريقة سيئة. ولكن مَن ينبغي ان يحكم عليك ليس هو، بل اللّٰه الذي ينظر الى الامور الجيدة في كل منا. والمتهجّم هو مَن تقل اهميته عندما يتصرف بشكل رديء.
ايها الوالدون: احموا اولادكم
يمكن ان يبدأ الوالدون ايضا بتحضير اولادهم ليواجهوا المتهجّمين بحكمة. مثلا، يمكنهم ان يقوموا مع اولادهم بتمثيليات يلعب فيها الوالدون دور الضحية والاولاد دور المتهجّم والعكس بالعكس، وهكذا يعلمونهم كيف يعربون عن الثقة بالنفس امام الآخرين.
حتى وضعية الجسم — الوقوف بطريقة مستقيمة — يمكن ان تنقل رسالة خفية تثني بعض المتهجّمين عن تصرفاتهم. وما يمكن ان يساعد ايضا هو المحافظة على الاتصال البصري، ارخاء اليدين والذراعين، والتكلم بصوت ثابت وهادئ. كما يُحث الوالدون ان يعلموا ولدهم الابتعاد، تجنب المتهجّمين، وطلب المساعدة من راشد يُعتمد عليه، مثل المعلم.
والتخلص من السلوك التهجّمي يبدأ بتثقيف العائلة. فالوالدون الذين يسعون الى قضاء وقت مع اولادهم، ويصغون بصبر وتعاطف الى ما يقلقهم، يغرسون فيهم شعورا بأنهم اشخاص مرغوب فيهم، مدعومون، ومحبوبون. وخبراء كثيرون في مجال كيفية تربية الاولاد وحلّ المشاكل التي يتعرضون لها من قبل نظرائهم يحثون الوالدين ان يساعدوا اولادهم على حيازة نظرة ايجابية الى انفسهم. ومثل هذه النظرة السليمة تجعلهم اقل جاذبية في نظر المتهجّمين.
لكنّ الكلام لا يكفي. فكل عضو في العائلة يلزم ان يتعلم كيف يعرب عن الاحترام والاكرام في معاملته الآخرين وكيف ينمي التقمص العاطفي. لذلك لا تسمح بأي سلوك تهجّمي في العائلة. اجعل منزلك ملاذا آمنا يسوده الاحترام والمحبة.
نهاية التهجّم
«يتسلط انسان على انسان لضرر نفسه». (جامعة ٨:٩) هكذا يلخص الكتاب المقدس التاريخ البشري. وبالفعل، ابتلى التهجّم الجنس البشري آلاف السنين. قال احد كتبة الكتاب المقدس: «رجعت ورأيت كل المظالم التي تُجرى تحت الشمس فهوذا دموع المظلومين ولا معزٍّ لهم ومن يد ظالميهم قهر. اما هم فلا معزٍّ لهم». — جامعة ٤:١.
لكنّ اللّٰه يرى بالتأكيد كل اعمال التهجّم التي تجري في العالم، ويشفق على المظلومين. ولكن هل سيفعل شيئا حيال ذلك؟ طبعا سيفعل! لاحظ وعده في ميخا ٤:٤: «يجلسون كل واحد تحت كرمته وتحت تينته ولا يكون مَن يرعب لأن فم رب الجنود تكلم».
تخيل ما سيكون عليه العالم عندما يتحقق هذا الوعد. لا احد سيجعل الآخرين يرتعدون خوفا، فلا اثر للمتهجّمين! ألا يبدو ذلك رائعا؟ لكنّ اللّٰه لم يكتفِ بوعد البشر بمستقبل كهذا. فبواسطة كلمته، الكتاب المقدس، يُطبَّق منذ الآن حول العالم برنامج تعليمي فعال جدا يحصد نتائج مفيدة. والذين يشاركون فيه يتعلمون ان يغيروا صفاتهم العدائية، يحافظوا على السلام بينهم، ويعاملوا الآخرين باحترام وكرامة. (افسس ٤:٢٢-٢٤) وقريبا جدا، ستعم تأثيرات هذا التعليم السامي الارض، وتزول مشكلة التهجّم. وستتحقق وعود اللّٰه المدونة في الكتاب المقدس. عندئذ سيتمتع كل الناس بعالم خال من المتهجّمين.
[الصورة في الصفحة ٨]
لا ينبغي الشعور بالاحراج عند الابتعاد عن طريق المتهجّمين
[الصورة في الصفحة ٩]
في جو عائلي سليم، يتعلم الاولاد ان يواجهوا كل انواع التهجّم
[الصور في الصفحة ١٠]
علِّم اولادك ان يعبروا عن رأيهم بحزم ولكن بلباقة
-