-
علّة غامضة تحظى بالاعترافاستيقظ! ١٩٩٢ | آب (اغسطس) ٢٢
-
-
علّة غامضة تحظى بالاعتراف
ان الـ CFS (متلازمة التعب المزمن) هو «تهديد صحي واقتصادي رئيسي، الثاني مباشرة بعد تهديد الأيدز.»
هذا ما قاله الدكتور بايرون هايد من كندا خلال اول ندوة عن الـ CFS في العالم، في كيمبريدج، انكلترا، في نيسان ١٩٩٠. وفي الواقع، دعا الدكتور جاي ليڤي، باحث في الأيدز في سان فرانسيسكو، الـ CFS «مرض تسعينات الـ ١٩٠٠.»
وأوضحت طب الحالات الطارئة ان الـ CFS «مرض اجهزة متعددة يؤثر في الجهاز العصبي المركزي والجهاز المناعي وغالبا في الجهاز العضلي الهيكلي.» والاهتمام بالمرض صار عظيما. فعندما نشرت مجلة الولايات المتحدة نيوزويك قصة الغلاف عن ذلك في تشرين الثاني ١٩٩٠، صار العدد اكثر اعداد المطبوعة مبيعا خلال السنة.
والـ CDC (مراكز مكافحة الامراض للولايات المتحدة) في اتلانتا اتخذت العلّة بجدية. ففي سنة ١٩٨٨ اعترفت هذه الوكالة الصحية الرئيسية للولايات المتحدة رسميا بهذه الوعكة الغامضة بتزويد الاطباء بمعايير، او مجموعة ادلة او اعراض، لتشخيصها. ودعت الوكالة الاضطراب متلازمة التعب المزمن لان عَرَضه الشائع والرئيسي هو التعب.
مشكلة مع الاسم
ولكن، يشعر كثيرون بأن الاسم غير ملائم. ويقولون انه يقلِّل من اهمية العلّة، لان التعب الذي يميِّز الـ CFS يختلف عن الاعياء العادي. «يكون تعبنا،» اوضح احد المرضى، «بالمقارنة مع الاعياء العادي كالبرق بالمقارنة مع شرارة.»
ويقول الدكتور پول تشيني، الذي عالج مئات المرضى بالـ CFS، ان تسميته تعبا مزمنا هي «كتسمية الالتهاب الرئوي ‹متلازمة السُّعال المزمن.›» والدكتور ج. ڤان أيردي، الذي اصيب هو نفسه بالـ CFS، يوافق على ذلك. فقبل وقت قصير، تولَّى هذا الدكتور وظيفتين كامل الوقت — كان طبيبا في الليل وعالما خلال النهار، بالاضافة الى كونه زوجا وأبا. وفي السنة الماضية روى اختباره مع الـ CFS، ونشرت مديكال پوست الكندية قصته:
«تخيلوا مرضا يدمِّر كل طاقتكم، جاعلا رفع الاغطية للنهوض من السرير جهدا حقيقيا. والسير حول المبنى، حتى بسرعة الحلزون، يصير مهمة كبرى، ورفع طفلكم الذي في اول مشيه اختبارا يجعلكم تلهثون. انكم تتجنبون غرفة درسكم في الطابق السفلي لانكم لا تستطيعون صعود الدرج ثانية دون ان تضطروا الى الجلوس والاستراحة في نصف الطريق. تخيلوا، يمكنكم ان تقرأوا كلماتِ وجملَ مقالة في صحيفة، ولكن لا يمكنكم ان تفهموها . . .
«تخيلوا الشعور كما لو انكم تلقيتم مئات الحقنات العضلية في وقت واحد في كل عضلاتكم، مما يجعل الجلوس مؤلما والتحرك مستحيلا، مما يجعل المعانقة غير ممتعة بعدُ. . . . تخيلوا النوافض المتكررة، حالات التعرُّق البارد، التي غالبا ما ترافقها درجة حرارة خفيفة الارتفاع. اجمعوا كل الاعراض وقارنوها بأسوإ انفلونزا واجهتموها على الاطلاق، فإنها تكون اسوأ بكثير وتدوم سنة كاملة، وربما اطول.
«تخيلوا الكرب وخيبة الامل التي لا حدود لها عندما تنتكسون مرة بعد اخرى، حين تعتقدون انكم تغلبتم على هذا الامر. تخيلوا انكم خائفون، مذعورون لانكم تشعرون بأنكم مسجونون في جسم غريب، ولا تعرفون متى سينتهي كل ذلك او حتى ما اذا كان سينتهي.» — ٣ ايلول ١٩٩١.
والاسم المعطى للعلّة في المملكة المتحدة وكندا يؤكد خطورة الوعكة. فهناك تُدعى التهاب الدماغ والنخاع الشوكي المترافق مع الالم العضلي، او ME للايجاز. ان «الالم العضلي» يلفت الانتباه الى وجع العضلات، و«التهاب الدماغ والنخاع الشوكي» الى التأثير الذي للاضطراب في الدماغ والاعصاب.
وبما ان الاضطراب يؤثر في الجهاز المناعي، فإن فِرَق دعم المريض في الولايات المتحدة، التي يوجد منها المئات الآن، دعته CFIDS (متلازمة التعب المزمن المتعلق بالخلل الوظيفي المناعي).
فهل ذلك حقا مشكلة سريرية جديدة؟ وكيف صار موضع انتباه عام؟
اعادة نظر تاريخية
ان الـ CFS على الارجح ليس علّة جديدة. فالبعض اثبتوا هويته مع مجموعة من الاعراض التي دعيت في القرن الماضي وَهَنا عَصَبيّا neurasthenia، اسم مأخوذ من اليونانية يشير الى «نقص في القوة العصبية.» وأعراض الـ CFS مماثلة ايضا لتلك التي للالم العضلي الليفي، المعروف ايضا بالالتهاب الليفي. حتى ان البعض يعتقدون ان الـ CFS والالم العضلي الليفي ربما كانا المتلازمة نفسها.
وقد أُخبر عن انتشارات كثيرة لعِلَل شبيهة بالـ CFS في العقود السابقة، معظمها في الولايات المتحدة. ولكنها ظهرت ايضا في انكلترا، ايسلندا، الدنمارك، المانيا، اوستراليا، واليونان. والاسماء لوصف المتلازمة كانت مرض ايسلندا، مرض آكيورِيْري، مرض رويال فْري، وأسماء اخرى.
ومؤخرا في سنة ١٩٨٤ عانى نحو ٢٠٠ شخص في البلدة الصغيرة في اينكلاين ڤيليدج، قرب حدود كاليفورنيا-نيڤادا، علّة كالانفلونزا دامت طويلا. «عرفنا انهم راشدون منتجون، سعداء، نشاطى،» يوضح الدكتور پول تشيني، الذي عالج كثيرين منهم. «كلهم مرضوا فجأة ولم يتحسنوا. وفي بعض الحالات كانوا يعرقون كثيرا في الليل بحيث تضطر زوجاتهم الى النهوض وتغيير شراشف السرير.»
دعا البعض باستخفاف هذا التفشي للعلّة في اينكلاين ڤيليدج انفلونزا الشبان المثقفين، لان شبان الطبقة الوسطى القابلين للصيرورة في مركز اعلى أُصيبوا على الاغلب. واعتُقد ان المرضى ربما يعانون داء وحيدات النواة الخمجي الحادّ، ولكنَّ الاختبارات من اجل هذا المرض اتت سلبية بالنسبة الى معظمهم. ومع ذلك، اظهرت اختبارات الدم مستويات عالية من الاجسام المضادة الخاصة بڤيروس إپشتاين-بار Epstein-Barr، نوع من ڤيروس الحلإ. وهكذا طوال فترة من الوقت، كانت العلّة معروفة عموما بـ إپشتاين-بار المزمن.
العلّة تنال الاعتراف
عندما اخبر الدكتور تشيني الـ CDC ما حدث في اينكلاين ڤيليدج، قلما لاقى تقريره في البداية تصديقا. ولكن سرعان ما جرى تلقي تقارير عن مشاكل صحية مماثلة من كل انحاء البلد.
وبعد مدة، اشارت الدراسات ان ڤيروس إپشتاين-بار ليس عاملا مسبِّبا في معظم الحالات. وفي الواقع، فإن هذا الڤيروس موجود في نحو ٩٥ في المئة من السكان الراشدين. ويظل راقدا داخل اجسام الناس. «عندما يستيقظ،» اوضح دكتور قام ببحث في الـ CFS، «ربما يساهم في المرض.» ولكن ليس بالضرورة.
ويجري الكثير من البحث للعثور على اسباب الـ CFS. ونتيجة لذلك، يعترف عدد اكبر فاكبر من الاطباء بأن مشكلة طبية حقيقية تؤثر ربما في ملايين الناس. والدكتور وولتر ولسون، رئيس قسم الامراض الخمجية في مايو كلينيك في روتشستر، مينيسوتا، الولايات المتحدة الاميركية، قال انه غيَّر موقفه. واذ يرى كثيرين جدا يطلبون المساعدة بكلفة مالية باهظة، يقول، «يجب ان تعاملوهم باحترام من اجل ما يكابدونه.»
من الواضح انه يجري تدمير حياة كثيرين بعلّة لها اعراض مشتركة. فالـ CDC تتلقى آلاف المكالمات الهاتفية عن الحالة كل شهر، والأيدز وحده يحث المعاهد القومية للصحة في الولايات المتحدة على اجراء المزيد من الابحاث. «ثمة امر يجري،» اوضح الدكتور وولتر ڠَن، الذي كان مسؤولا عن البحث المتعلق بالـ CFS في الـ CDC قبل تقاعده مؤخرا. «ولكنْ ما اذا كان مرضا واحدا او عدة امراض، له سبب واحد او اكثر، فذلك ليس واضحا.»
يعتقد البعض ان الـ CFS هو في البداية مشكلة نفسية. ذكرت مجلة الطب النفسي الاميركية عدد كانون الاول ١٩٩١: «المؤلفون يحاولون ان يبرهنوا ان متلازمة التعب المزمن ستواجه المصير نفسه كالوَهَن العَصَبيّ — التضاؤل في الاهمية الاجتماعية اذ يظهر ان اغلبية الذين يعانونها يختبرون اضطرابات نفسية اولية.» وثمة كتاب جديد، من الشلل الى التعب، يصف الـ CFS بأنه «مرض الموضة،» مما يشير الى انه لن يبرهن على كونه علّة مهمة.
فهل الـ CFS في البداية مشكلة نفسية؟ هل الاعراض عادة ناجمة عن الكآبة؟ هل الـ CFS مرض حقيقي؟
-
-
هل الـ CFS مرض حقيقي؟استيقظ! ١٩٩٢ | آب (اغسطس) ٢٢
-
-
هل الـ CFS مرض حقيقي؟
«ذهبتُ الى طبيب بعد آخر،» اوضحت پريسيلا، التي تعاني الـ CFS (متلازمة التعب المزمن) من ولاية واشنطن، الولايات المتحدة الاميركية. «وخضعتُ لاختبارات دم وسُئلتُ عن نمط حياتي. فقالوا انه ما من خطإ فيَّ في الواقع واقترحوا ان اطلب المشورة النفسية. ولم يكن ايّ من الاطباء مستعدا لاتخاذي او اتخاذ اعراضي بجدية.»
ان الاختبار نموذجي. وثمة طبيب يكتب في JAMA (مجلة الجمعية الطبية الاميركية) قال في السنة الماضية: «ان المريض بالـ CFS العادي كان قد استشار سابقا ١٦ طبيبا مختلفا. ومعظمهم أُخبروا انهم بصحة تامة، انهم مكتئبون، او انهم يختبرون اجهادا كبيرا جدا. وكثيرون أُرسلوا الى اطباء نفسانيين. الحالة افضل اليوم، ولكن ليست افضل بكثير.»
ينشئ الـ CFS تحديات فريدة من نوعها، كما تعلِّق مجلة الطب الاميركية: «ان ضغط معالجة علّة فيها يبدو المرء بحالة جيدة جسديا، لديه فحص جسدي طبيعي، ونتائج اختبار مختبري طبيعية، انما هو كبير جدا. وتقترن العلّة مرارا بالعلاقات المتوترة بين الازواج، الانسباء الآخرين، المستخدِمين، المعلِّمين، الاختصاصيين الصحيين، وشركات التأمين.»
وتحدي الاطباء هو ان التعب عَرَض شائع. «اذا حصل الطبيب على ١ دولار لكل مريض تشكّى من الاعياء، فسيغتني ويتوقف هو او هي عن ممارسة الطب،» كتبت محرِّرة طبية. ولكن، كما يتضح، قليلون ممن يتشكون من التعب لديهم CFS. وبما انه لا يوجد اختبار طبي للعلّة، فكيف يمكن ان يشخِّصها الطبيب؟
تعريف الـ CFS
في آذار ١٩٨٨ نشرت الـ CDC (مراكز مكافحة الامراض للولايات المتحدة) في حوليات الطب الباطني مجموعة ادلَّة وأعراض تميِّز بوجه عام الـ CFS. (انظروا الاطار المرفق.)
ان المعايير الرئيسية لتشخيص الـ CFS هي (١) الهجوم غير المألوف للتعب الذي يدوم اكثر من ستة اشهر ويخفض مستوى نشاط المرء بنسبة ٥٠ في المئة و (٢) إبعاد الحالات الطبية او النفسية الاخرى التي يمكن ان تسبب الاعراض. ولكن لكي يُشخَّص انه يعاني الـ CFS، لا بد ايضا ان يعاني المريض إما ٨ من ١١ عَرَضا في قائمة المعايير الثانوية او ٦ من ١١ من هذه الاعراض بالاضافة الى ٢ من ٣ من قائمة المعايير الفيزيائية.
من الواضح ان اولئك الذين يطابقون التشخيص من اجل الـ CFS هم مرضى بشدة لزمن طويل. وجعلت الـ CDC تعريف الـ CFS مقيَّدا جدا لكي تميِّز هؤلاء الاشخاص بوضوح. واولئك الذين لديهم انواع اقل خطورة من المتلازمة يجري في الوقت الحاضر ابعادهم عن هذا التعريف.
هل يمكن ان يكون الـ CFS كآبة؟
وماذا عن الاطباء الذين يقولون ان مرضى الـ CFS يعانون كآبة واضطرابات نفسية اخرى؟ فهل لدى هؤلاء المرضى الاعراض النموذجية للكآبة؟
ان مرضى الـ CFS هم مكتئبون عموما، ولكن كما سأل الدكتور كورت كرونكي، پروفسور في المدرسة الطبية في بِذِزدا، ماريلند، الولايات المتحدة الاميركية: «ألا يكتئب ايّ شخص اذا بقي هو او هي تعبا طوال سنة او اكثر؟» ولذلك من المناسب ان نسأل: هل الكآبة هي سبب الـ CFS، ام هي عاقبة؟
غالبا ما تصعب الاجابة عن هذا السؤال. فقد يتأمل الطبيب في النقطة الثانية من المعايير الرئيسية، التي تقول ان ‹الحالات النفسية التي يمكن ان تسبب الاعراض يلزم ابعادها،› ويستنتج ان المريض يعاني كآبة لا علّة عضوية او فيزيائية. ولكن في حالات كثيرة لا يكون ذلك تشخيصا كافيا.
ذكرت المجلة الطبية ذا كورتلند كونسالتنت: «ان الدليل المقنع اكثر بأن الـ CFS علّة ‹عضوية› هو هجومه المفاجئ على ٨٥ في المئة من المرضى. وأغلبية المرضى يذكرون ان علّتهم بدأت في يوم خصوصي بمتلازمة تشبه الانفلونزا تميَّزت بالحمى، [التهاب الحلق، عُقَد لمفيَّة متضخمة، اوجاع عضلية]، والاعراض ذات العلاقة.» والاطباء الذين يعالجون مرضى الـ CFS مقتنعون بأن الكآبة ليست في الاغلب سبب الاعراض.
«عندما قمنا بمقارنة حالاتنا،» اخبر الدكتور انطوني كوماروف، رئيس الطب العام في بريڠام ومستشفى النساء في بوسطن، الولايات المتحدة الاميركية، «اثَّر فينا الواقع ان معظم المرضى قالوا انهم كانوا بصحة تامة، نشاطى وناجحين في الحياة الى ان طوَّروا ذات يوم زكاما، انفلونزا او التهابا قصبيا ولم ينته ذلك قط. والاعراض التي يمكن ان تُعتبر نفسية — كآبة، دَعث، اضطرابات في النوم وهلم جرا — لم تكن موجودة قبل هجوم العلّة.»
وأحد الاعراض النموذجية للكآبة هو النقص في الاهتمام بكل شيء. ولكن اوضح الدكتور پول تشيني: «هؤلاء المرضى هم العكس تماما. انهم مهتمون للغاية بما تعنيه اعراضهم. لا يمكنهم ان يقوموا بوظيفة ما. لا يمكنهم ان يعملوا. كثيرون خائفون. لكنهم لا يفقدون الاهتمام بمحيطهم.»
غدد متضخمة، حمى، تعداد غير عادي لخلايا الدم البيض، اخماج تنفُّسية متكررة، آلام عضلية ومفصلية، وبخاصَّةٍ دَعث غريب ومَضَض عضلي قد يحدثان حتى بعد تمرين معتدل — هذه الاعراض ليست من مميزات متلازمة تتعلق بالكآبة.
وزن الدليل الحالي
في عددها ٦ تشرين الثاني ١٩٩١، اخبرت JAMA: «المعطيات الاولية من دراسة مستمرة لمرضى يطابقون تعريف الـ CDC لمتلازمة التعب المزمن (CFS) تظهر ان معظم المرضى الذين يعانون العلّة ليسوا ضحايا الكآبة او المشاكل النفسية الاخرى.»
والدكتور وولتر ڠَن، الذي راقب عن كثب البحث المتعلق بالـ CFS في الـ CDC، اوضح في هذا العدد من JAMA: «على الرغم من الواقع ان اطباء كثيرين اعتقدوا ان كل هؤلاء المرضى [في الدراسة] هم مكتئبون، وجدنا ان ٣٠٪ فقط من مرضى الـ CFS لديهم دليل على الكآبة في بداية التعب.»
وقد تكون هنالك ايضا اختلافات فيزيائية بين كثيرين من مرضى الـ CFS والذين يعانون الكآبة. «المرضى الذين يعانون اضطراب الكآبة الشديدة (MDD) غالبا ما تكون لديهم شذوذات في نوم تحرُّك العين السريع (الرَّيْم REM)، في حين ان المرضى الذين يعانون الـ CFS تكون لديهم شذوذات في [النوم] بلا الرَّيْم،» ذكرت المجلة الطبية المريضة.
وأخبرت مجلة العلم عدد ٢٠ كانون الاول ١٩٩١ عن اكتشاف مهم آخر. قالت ان البحث يشير الى ان «مرضى الـ CFS لديهم مستويات متغيِّرة من هرمونات دماغية معينة» وعلَّقت: «مع ان الاختلافات عن الاشخاص العاديين الذين لا يعانون الـ CFS كانت بسيطة، اظهر مرضى الـ CFS على الدوام مستويات منخفضة من الهرمون الإستروئيدي كورتيزول، ومستويات متزايدة من الهرمون النخامي ACTH (هرمون منشط لقشرة الكُظْر)، تماما عكس التغييرات التي تُرى في الكآبة.» — الحروف المائلة لنا.
ماذا اذا كان الـ CFS مرضا حقيقيا؟
ان هيئة الاختصاصيين الطبيين يشكّون في الاضطرابات التي لا تُفهم، مثل الـ CFS. «الشك يتغلغل في مهنتنا،» كتب الدكتور توماس ل. إينڠليش. «والشك المعقول هو الموقف ‹السائد› بالنسبة الى الاطباء الاذكياء، والحصفاء.» ولكن، يسأل الدكتور إينڠليش عن مدى فائدة شكِّنا للمريض المتألم «اذا كان الـ CFS مرضا حقيقيا.» وهو يسأل الاطباء الزملاء المتشككين: «ماذا اذا كنتم على خطإ؟ ما هي العواقب لمرضاكم؟»
ان الدكتور إينڠليش نفسه يعاني الـ CFS، وفي السنة الماضية نشرت JAMA مقالته الموجَّهة الى الاطباء الزملاء. فقد دعاهم الى وضع انفسهم مكان المريض المتألم، واصفا المتلازمة:
«تلتقطون ‹زكاما› وبعد ذلك تتغير نوعية حياتكم بشكل ثابت. لا يمكنكم ان تفكروا بوضوح . . . وأحيانا كل ما يمكنكم فعله هو ان تقرأوا صحيفة او تتابعوا حبكة برنامج تلفزيوني. تعب شبيه بتعب الطيران لا نهاية له. وتشقون طريقكم بعناء في منحدر الاعتناء بالمريض الصخري المغشَّى بالضباب، حيث كنتم تسيرون ذات مرة بثقة. الآلام العضلية تسرح في كل اجزاء جسمكم. الاعراض تأتي وتذهب، تزداد وتخف. . . . انتم ايضا قد تتساءلون عن بعض اعراضكم إن لم تتكلموا الى مرضى آخرين لديهم اختبارات مماثلة . . . او تتكلموا مع اطباء رأوا مئات الحالات المماثلة. . . .
«لقد تكلمت مع عشرات المرضى المماثلين الذين ذهبوا الى اطبائنا من اجل المساعدة، ولكن الذين غادروا مخزيين، غِضابا، وخائفين. فأجسامهم تخبرهم بأنهم مرضى فيزيائيا، ولكنَّ تخمين اطبائهم النفسي الجسدي كان مخيفا ومغيظا فقط — لا مطمئنا. فذلك اخبرهم بأن اطباءهم لديهم فهم قليل للمشكلة الحقيقية. . . . فهل يلزم ان نعتقد انه لمجرد ان الاعراض غريبة وغير مألوفة لا يمكن ان تكون حقيقية؟ هل يلزم ان نفترض ان اختباراتنا المختبرية قادرة على تصنيف امراض جديدة بالاضافة الى القديمة؟ ان عدم الثقة بالافكار الجديدة قديم قدم الجنس البشري؛ وهكذا هي العواقب المؤذية لعدم الثقة هذا.» — JAMA، ٢٧ شباط ١٩٩١، الصفحة ٩٦٤.
قيمة الاعتراف بالعلّة
«الاطباء الذين يصرفون كثيرا من الوقت في التكلم الى المرضى الذين يعانون الـ CFS يسمعون قصة هي تماما تكرارية؛ انها نموذجية،» ذكر الدكتور ألَن كايند، اختصاصي في الامراض الخمجية. «ويمكنني ان اخبركم بأن متلازمة التعب المزمن هي حقيقية.»
ويوافق الآن عدد اكبر فاكبر من الاطباء على ذلك. وهكذا شجعت مجلة المريضة الاطباء: «الى ان يجري التمكن من تأسيس تشخيص محدد ومعالجة ملائمة، لدى الطبيب مسؤولية خصوصية ليخبر هؤلاء المرضى بأن لديهم فعلا علّة حقيقية، وأن ذلك ليس ‹مشكلة عقلية.›»
ان فائدة اثبات وجود علّة المريض يمكن ان تكون هائلة. فعندما اخبر طبيب احدى النساء بأن لديها CFS، قالت: «طفرت الدموع.» ان سماع الطبيب يقول ان علّتها حقيقية، وان لها اسما، كان راحة كبيرة لها.
ولكن ماذا يسبب الـ CFS؟ وماذا كشف البحث؟
[الاطار في الصفحة ٧]
معايير تشخيصية لمتلازمة التعب المزمن
المعايير الرئيسية
١- هجوم غير مألوف للتعب يدوم فترة اطول من ستة اشهر مع انخفاض في النشاط يبلغ ٥٠ في المئة
٢- لا حالات طبية او نفسية اخرى يمكن ان تسبب الاعراض
المعايير الثانوية
يجب ان تبدأ الاعراض عند هجوم التعب او بعده
١- درجة حرارة خفيفة الارتفاع
٢- التهاب الحلق
٣- عُقَد لمفيَّة مؤلمة
٤- ضعف عضلي شامل
٥- ألم عضلي
٦- تعب طويل الامد بعد التمرين
٧- صداع
٨- ألم مفصلي
٩- اضطراب في النوم
١٠- تشكِّيات نفسية عصبية، كالنسيان، التشوُّش، صعوبة في التركيز، الكآبة
١١- هجوم حادّ (طوال ساعات قليلة الى ايام قليلة)
المعايير الفيزيائية
١- درجة حرارة خفيفة الارتفاع
٢- التهاب الحلق
٣- عُقَد لمفيَّة قابلة للجسّ او مُمِضَّة
[الصورة في الصفحة ٨]
لا بد ان يكون الاطباء حِذاقا لكي يميِّزوا بين الكآبة ومتلازمة التعب المزمن
-
-
في البحث عن سبباستيقظ! ١٩٩٢ | آب (اغسطس) ٢٢
-
-
في البحث عن سبب
لزمت سنوات لاكتشاف ما يعطِّل الجهاز المناعي لمرضى الأيدز، ولكن يلزم وقت اطول ايضا لتحديد ما يسبب الضرر لاجسام وأدمغة اولئك الذين يعانون الـ CFS (متلازمة التعب المزمن). وعلى الرغم من ان السبب لم يُحدَّد، فإن المراجع الطبية قادرة على تقديم دليل مقنع على شذوذات فيزيائية في المرضى. وفي الواقع، جرى استعمال دليل كهذا في المحكمة.
اخبرت مديكال پوست الكندية انه في قضية قانونية اثارت الجدل، قدم الخبراء الطبيون شهادة لدعم ادعاء الدفاع ان قدرة المريض على صنع القرارات اضعفتها علّته. واندفع القاضي وليم جي. ن. إڠبِرت الى الاستنتاج: «المرض يؤثر في كل ناحية من نواحي القرار. . . . مناطق صغيرة من الدماغ متأذية.»
فهل هذا صحيح؟
شذوذات دماغية
يدعم البحث الطبي الادعاء ان دماغ مرضى الـ CFS متأثر. وحملت ذا نيويورك تايمز عدد ١٦ كانون الثاني ١٩٩٢ العنوان: «دراسة تكتشف شذوذا دماغيا في مرضى يعانون تعبا مزمنا.» والمقالة، المؤسسة على تقرير نُشر قبل يوم في حوليات الطب الباطني، علَّقت:
«وجدتْ اكبر دراسة حتى الآن لمتلازمة التعب المزمن دليلا على التهاب في ادمغة المرضى، اول دعم بالوثائق لشذوذ في الجهاز العصبي مرتبط بالوعكة الغامضة.» وأضافت المقالة: «الدراسة هي آخر سلسلة حديثة تظهر اختلافات مناعية وهرمونية بين الذين يعانون المتلازمة وبين الناس الاصحاء.»
وثمة دراسة اخرى لفتت انتباها واسعا أُخبر عنها في عدد كانون الاول ١٩٩١ من مجلة مَبْحث الغدد الصُّم السريري والاستقلاب. فقد وجدت دلائل على أعواز هرمونية في الغدد الصُّم والادمغة التي للناس الذين يعانون الـ CFS. وهكذا اضافت الدراسة الى الدليل ان العوامل الكيميائية الحيوية والمناعية تنتج اعراض الـ CFS.
وراقب الدكتور وولتر ڠَن، فيما كان يخدم في الـ CDC (مراكز مكافحة الامراض للولايات المتحدة)، دراسات كثيرة لمرضى الـ CFS. وذكر ان «بعض العلماء البارعين يبدأون بالانهماك في البحث في الـ CFS.» وعلى الرغم من ان نتائج هذه الابحاث غالبا ما تشير الى اسباب محتملة مختلفة، شدَّد الدكتور ڠَن: «ان الامر الوحيد الثابت هو انه لا احد يخبر بعدم وجود شذوذات.»
فأيّ عامل او عوامل محتملة هي مسؤولة عن الـ CFS؟ هل ثمة ڤيروس له علاقة بذلك، او ڤيروسات؟ اذا كان الامر كذلك، فبأية طريقة؟ كيف يتأثر الجهاز المناعي على نحو مضاد؟ وكيف يمكن ان يسبب خللُه الوظيفي الاعراضَ الظاهرة في مرضى الـ CFS؟
اسباب محتملة
يشير البحث الى ان الڤيروسات لها علاقة. ولكن اية ڤيروسات؟ جرى شمل الكثير من قبل الباحثين. «الڤيروسات القهقرية Retroviruses، سپوما او الڤيروسات ‹الرغوية›، الڤيروسات المعويَّة، ڤيروس إپشتاين-بار، وڤيروس الحلإ البشري نوع ٦، كلها بين الاسباب المحتملة والمثيرة كثيرا للجدل،» علقت مجلة الجمعية الطبية الاميركية في تشرين الثاني الماضي.
وبأية طريقة يمكن ان تسبب الڤيروسات الـ CFS؟ هذا غير معروف. ولكن ذكر الدكتور انطوني ل. كوماروف، باحث رئيسي في الـ CFS: «النموذج البارز هو جهاز مناعي مفعَّل على نحو مزمن، جهاز مناعي منهمك في نوع من حرب مزمنة ضد شيء يميِّزه انه غريب.»
ان الجهاز المناعي السليم يتجاوب مع ڤيروس عدو، او ڤيروسات، باطلاق مواد كيميائية، تدعى سايتوكينات، لمحاربة الغزاة. ولكن عندما يجري الاعتناء بالحالة الطارئة، يتوقف طبيعيا انتاج السايتوكينات. ولكن في مرضى الـ CFS من الواضح ان الجهاز المناعي يفشل في التوقف. وعلى نحو ذي مغزى، فإن اكتشافا ثابتا في الناس الذين يعانون الـ CFS هو انتاج متزايد من السايتوكينات.
وهذا مهم، لان الڤيروس ليس هو الذي يجعل الشخص يشعر بأنه مريض عندما يغزو جسمه. فهو يشعر بأنه سقيم لان خلايا جسمه تنتج السايتوكينات، التي تسبب الحمى، الوجع، والتعب. ذكر الدكتور وليم كارتر، پروفسور طبي في الولايات المتحدة: «السايتوكينات تبقى وتبدأ بأذية المضيف الى ان نرى اخيرا مريضا طريح الفراش بصورة بالغة لا يكاد يتحرك.»
ولكن ماذا يجعل الجهاز المناعي يستمر في انتاج السايتوكينات في حين انه يجب ان يتوقف عن الانتاج؟ «ثمة ڤيروس كامن يفعِّله نوع من المثيرات،» استنادا الى الدكتور جاي أ. ڠولدستاين، «يجعل خلايا الجهاز المناعي تنتج [السايتوكينات] بكميات غير سوية.»
وبالاضافة الى ذلك، يظهر ان الخلايا القاتلة الطبيعية والخلايا البلعمية الكبيرة، التي هي دفاعات الخط الامامي ضد الكائنات الحية الغازية، تنقص إما في العدد او العمل في مرضى الـ CFS، مضعفة ايضا الجهاز المناعي. والامر المهم هو ان الجهاز المناعي لمرضى الـ CFS يبدو انه لا يعمل على نحو سويّ، على الرغم من ان الآراء تختلف في ما يتعلق بسبب ذلك.
وكما ذُكر في المقالة السابقة، غالبا ما يلاحظ الاطباء انه في مرضى كثيرين لا تكون الكآبة سبب الـ CFS. ولكن في مرضى آخرين يشعر بعض الاطباء بأن المشاكل النفسية، مثل الكآبة، يمكن ان تكون عاملا مسبِّبا. وبشكل مثير للاهتمام، كشف البحث ان الكآبة يمكن ان تؤذي الجهاز المناعي. «الضغط النفسي عينه يمكن ان ينتج اضطرابات في الوظيفة الهرمونية-العصبية والمناعية،» يكتب الدكتور كورت كرونكي، من المركز الطبي العسكري لوولتر ريد في واشنطن، دي. سي.
وهكذا في بعض الحالات يمكن ان تثير الكآبة تغييرات في الجهاز المناعي يمكن ان تساهم في الـ CFS. ولكنَّ عوامل اخرى كثيرة يمكن ان تضعف الجهاز المناعي من المحتمل ان تكون ذات علاقة ايضا.
عوامل متعددة
يوافق معظم الباحثين انه من غير المحتمل الى حد بعيد ان يسبب امر واحد الـ CFS. «وعوض ذلك، من المحتمل ان يكون الـ CFS علّة تظهر في الفرد المعرَّض للاصابة الذي فيه ادت الكآبة، [الأرجيّات]، الاخماج الڤيروسية، او العوامل الاخرى الى درجة من الضعف المناعي،» اوضحت المجلة الطبية كورتلند فورَم.
وثمة طبيب يكتب في مديكال پوست الكندية، ذكر: «قد يكون الاستعداد الوراثي مطلوبا والجسم المرهق قد يكون العامل المؤهِّب الآخر. وبعد ذلك يصيب حادثٌ شديد، وعلى الاغلب خمج ڤيروسي حاد، الفردَ المنهوك. ان جمع كل هذه العوامل يسبب على الارجح ضررا في الجهاز المناعي.»
«الاجهاد هو احد اكبر المثيرات التي نراها،» قال الدكتور تشارلز لاپ. «وأحيانا نرى مواد كيميائية معيَّنة تلعب دورا. . . . وعلى نحو غريب ذكر عدد من مرضاي (مع اننا لم نجرِ قط دراسة) ان مبيدات الحشرات، الدهانات، والورنيشات تبدو ذات علاقة عندما بدأ مرضهم.»
لم يتعرض الناس قط في التاريخ لهجومات اعظم للتلوث البيئي على اجسامهم. ومضافات الاطعمة والعقاقير يمكن ايضا ان تؤذي الجسم وتؤثر بشكل مضاد في الجهاز المناعي. ويدَّعي بعض الاطباء ايضا ان جرعات طويلة الامد من المضادات الحيوية توهن الجهاز المناعي.
وعوامل اخرى ايضا يمكن ان تكون ذات علاقة بالالم الذي يُرى في آلاف مرضى الـ CFS. ولكن فيما تكون هنالك علامات تعطي املا واحتمالات مثيرة للاهتمام، فإن سبب الـ CFS غير معروف بعد.
علامة الايام الاخيرة
في نبوته العظيمة عن الايام الاخيرة للنظام العالمي، انبأ يسوع المسيح: «تكون . . . في اماكن . . . اوبئة.» (لوقا ٢١:١١) وكم يصح ذلك في زمننا! والكثير من امراض اليوم ليس له سبب معروف، إلا ان ذلك لا يقلِّل من كونها حقيقية او موهنة.
من الواضح ان الـ CFS علّة اخرى تؤلف جزءا من العلامة التي قال يسوع انها ستسم الايام الاخيرة. ولكنَّ ادراك ذلك لا يجعل الحياة اسهل على اولئك الذين يتألمون. فكيف يمكن ان يعالج مرضى الـ CFS محنتهم؟
-
-
مواجهة تحدي الـ CFSاستيقظ! ١٩٩٢ | آب (اغسطس) ٢٢
-
-
مواجهة تحدي الـ CFS
كان الاطباء في ندوة يناقشون معالجة الـ CFS (متلازمة التعب المزمن) في اثناء بثّ تلفزيوني عندما قال احدهم: «ان هؤلاء المرضى يبدون جميعا اصحاء ككل واحد في فريق المناقشة هذا.» ولان مرضى كهؤلاء لا يبدون سقماء، غالبا ما يُعاملون بطريقة تزيد شقاءهم.
پَتريشا، التي تعاني الـ CFS في تكساس، ذكرت: «اشعر احيانا كأيوب، الذي لم يكن اصحابه دائما مساعدين.» فثمة زائرة، على سبيل المثال، قالت لها ذات مرة: «ارى انك بخير! اعتقدت انك مريضة حقا. انت وحماتي لديكما الكثير من الامور المشتركة. فهي ايضا لديها وسواس المرض.»
ان مثل هذه التعليقات يمكن ان تكون مدمِّرة، وتشكِّل تحدِّيا رئيسيا للـ CFS. «ان الالم العاطفي لنقدكم من اجل عدم ‹المحاولة› يفوق الوصف،» اوضحت بِتي، مريضة بالـ CFS في يوتا، «وهو الجانب الاسوأ للمعاناة التي يسببها الـ CFS.»
الفهم والمحبة لازمان
عبَّرت بِتي عن احاسيس كل شخص على الارجح يعاني الـ CFS عندما قالت: «نحن لا نريد شفقة. نحن لا نحتاج الى عطف. ولكن، كم يمكن ان نستفيد من شيء من التفهم! يعرف اللّٰه صعوباتنا وغمّنا، وهذا هو الاهم. إلا انه من الحيوي ايضا ان نحصل على الدعم العاطفي من اخوتنا واخواتنا المسيحيين.»
ولكن، بالنسبة الى اشخاص كثيرين، يبقى الـ CFS صعب الفهم، كما ذكرت مؤخرا متألمة شابة من ولاية واشنطن. «ان الامر الوحيد الذي اتمنى ان يكون لدى الناس اكثر هو التقمص العاطفي،» قالت، «لا العطف، بل التقمص العاطفي. وذلك مستحيل لانه لم يتعامل اناس كثيرون يوما ما مع علّة مثل هذه.»
ومع ذلك، لا يجب ان يكون مستحيلا فهم الذين يعانون الـ CFS. من المسلم به ان حالتهم الجسدية يمكن ان تكون خارج نطاق اختبارنا. ولكن يمكننا ان نتعلم عن علّتهم الى ان ندرك الى ايّ حد هم مرضى حقا. وبخلاف الأيدز الذي يقتل، اوضح مريض، فان الـ CFS «يجعلك تتمنى لو انك ميت.» واعترفت دِبُرا، التي صارت مريضة في سنة ١٩٨٦: «لوقت طويل، صلَّيت كل ليلة الى اللّٰه ان يسمح بموتي.» — قارنوا ايوب ١٤:١٣.
طبعا، نريد ان نكون مشجِّعين، ان نساعد المتألمين على مواجهة تحدي الـ CFS، ولكن للاسف يمكن ان تفعل تعليقاتنا العكس. مثلا، اقترح زائر حسن النية على شخص يعاني الـ CFS: «ما تحتاج اليه هو شرب القليل من الحليب الفاتر في الليل. فذلك سيساعدك على النوم، وستكون بخير في ايام قليلة.» فهذا التعليق كشف عن سوء فهم كلي للـ CFS. لقد آذى المتألم اكثر مما ساعده.
قد يشعر المرضى في الغالب بعدم المقدرة على القيام بأمور مثل حضور الاجتماعات المسيحية. وعندما يأتون، فإن الجهد المشمول قد يفوق كثيرا ما ندركه. لذلك بدلا من لفت الانتباه الى غيابهم السابق، يمكننا ان نقول ببساطة: «سرَّني جدا ان اراك. اعرف انه ليس من السهل عليك دائما ان تكون هنا، ولكننا فرحون برؤيتك هذه الليلة.» — انظروا الاطار المرفق.
ان الجهاز العصبي للذين يعانون الـ CFS يتأثر غالبا، جاعلا حتى التفاعل العادي مع الناس صعبا. «يلزم ان نكون الفاصل الواقي بينهم وبين الآخرين،» اوضحت جِنيفر، التي يعاني زوجها الـ CFS. «يلزم ان نساعدهم بالسماح لهم بالانفراد، بعدم الاستياء منهم، وبمساعدتهم على تجنب ايّ نوع من المجابهة.»
اعترفت جِنيفر ان علّة المتألمين يمكن ان تكون عبءا ثقيلا على اعضاء العائلة، الذين قد يتعبون من فعل كل شيء لهم. ولكن كما ذكرت، إن لم يُسمح للمرضى بالراحة، فسيتأخر تعافيهم على الارجح، وهكذا سيخسر كل فرد في آخر الامر. ومن حسن التوفيق ان العلّة كما يظهر نادرا ما تكون معدية، هذا اذا كانت كذلك، مع انه يبدو ان هنالك تأهبا وراثيا للبلوى.
توتي، التي تعاني الـ CFS وزوجة ناظر جائل من شهود يهوه، قالت ان زوجها ساعدها لسنوات على مواجهة تحدي العلّة. لقد اخبرته عن تقديرها إلا انها ذكرت: «غالبا ما يسأل الاصدقاء عني وعن صحتي، لكنَّ كِنْ يحتاج ايضا الى التشجيع.»
تكهُّن ايجابي — لكن خَطِر
ان الـ CFS نادرا ما يكون مميتا، هذا اذا كان كذلك. ومعرفة ذلك قد تساعدكم على مواجهة التحدي. والغالبية يصيرون افضل مع مرور الوقت، وكثيرون يتعافون. ذكر الدكتور انطوني كوماروف: «ما من مريض واحد رأيناه من المئات الذين اجرينا دراسة عليهم كان لديه سير تدهوري متزايد ومزمن صاروا فيه اسوأ واسوأ واسوأ على مر الوقت. ما من احد عانى ذلك. ولذلك بخلاف بعض العلل الاخرى التي تتطور على نحو متفاقم، فإن هذه العلّة مختلفة الى حد بعيد.»
وتأييدا لذلك، قال الدكتور أندرو لويد، باحث رئيسي في الـ CFS في اوستراليا: «عندما يحصل التعافي، ونعتقد ان هذا يحدث عموما، يكون هذا التعافي تاما. . . . لذلك، يدل هذا ضمنا انه مهما تكن هذه العملية التي تولِّد حالة التعب هذه فإنها قابلة لان تُعكس كاملا.» فكما يتضح ليس للمرضى ضرر يمكن اكتشافه لاعضاء الجسم بعد التعافي.
دِبُرا، التي كانت قد صلَّت بمواظبة ان تموت لانها شعرت بأنها مريضة جدا، تحسَّنت اخيرا. وهي تشعر كما كانت قبل مرضها وقالت مؤخرا انها تخطط للانضمام ثانية الى زوجها في الخدمة كامل الوقت. وآخرون تمتعوا بتعافٍ مماثل. ولكن هنالك حاجة الى الحذر. ولماذا؟
كيث، الذي عانى انتكاسة، حذَّر: «من المهم جدا ان لا تستهينوا بهذه المشكلة، ان لا تسرعوا كثيرا الى الاعتقاد انها زالت.» فعندما شعر بأنه بصحة جيدة مرة اخرى، انخرط كيث ثانية في الخدمة كامل الوقت واستأنف نشاطه الرياضي، راكضا ورافعا الاثقال بشكل قانوني. ولكن من المحزن ان المرض عاد، وهو طريح الفراش من جديد!
هذه هي الطبيعة الغادرة للعلّة؛ فالانتكاسات شائعة. ولكن من الصعب تجنبها. وكما اوضحت إليزابيث: «صعب جدا ان لا تحاولوا التعويض عن الوقت الذي ضاع عندما تبدأون بالشعور على نحو افضل. فأنتم تريدون بإلحاح ان تنسوا المرض — تريدون ان تفعلوا شيئا.»
لهذا السبب يتطلب الامر جهدا كبيرا وصبرا لمواجهة تحدي الـ CFS.
ماذا يمكن ان يفعل المتألمون
من المهم ان يتكيف المتألمون فكريا مع علّة مزمنة لديها سير لا يمكن التكهن به. اوضحت بِڤِرلي، التي تعاني لوقت طويل: «اذا بدأتُ اعتقد انني صرت حقا بصحة جيدة خلال اسابيعي او اشهري الجيدة، أختبر عادة نكسة جسدية اقسى من قبل. ولذلك أعمل باستمرار على قبول مواطن ضعفي.» وقال كيث: «الصبر هو على الارجح العامل الاكثر اهمية.»
يلزم الذين يعانون الـ CFS ان يحفظوا طاقتهم ويتيحوا الفرصة لاجسامهم لتستعيد الصحة. ولذلك فإن اولئك الذين يتغلبون بنجاح على الـ CFS يؤكدون قيمة ما يُدعى علاج الراحة الهجومي. وهذا يعني التهيؤ على نحو هجومي لأحداث قادمة بالحصول على راحة اضافية مسبقا. ونتيجة لذلك، يمكن ان يتمكن الذين يعانون الـ CFS من حضور المحافل المسيحية او المناسبات الخصوصية الاخرى دون ان يعانوا كثيرا بعد ذلك بسبب الجهد.
وحيوي ايضا ان يحافظ المرء على روح هادئ ولطيف، لان الاجهاد العقلي او العاطفي يمكن ان يعجِّل حدوث انتكاسة بالسهولة نفسها التي يمكن بها ان يفعل ذلك الجهد الجسدي المفرط. فالنصيحة الجيدة هي: «لا تبدِّدوا طاقتكم دفاعا عن نفسكم.» نعم، تجنبوا محاولة شرح حالتكم لمتشكِّك لا يفهم.
اذا كنتم تعانون الـ CFS، يلزم ان تتذكروا ان رأي الآخرين فيكم ليس ما يهم بل رأي خالقنا، يهوه اللّٰه. وهو يدرك حالتكم ويحبكم فعلا على ايّ شيء تقومون به لخدمته. ويمكنكم ان تثقوا بأن يهوه والملائكة يراقبون، لا انتاجيتكم، بل، كما في حالة ايوب، موقفكم، احتمالكم، وأمانتكم.
سوزَن، التي كانت طريحة الفراش بسبب الـ CFS طوال الجزء الاكبر من سنتين، ذكرت ان احد الاوجه الاكثر تدميرا للـ CFS هو ان الشخص يمكن ان يشعر كما لو انه ليس هنالك قصد للحياة. ولذلك توصي: «جِدوا الاشياء التي تجلب لكم الفرح او الاكتفاء. فلديَّ ثلاث نبتات من البنفسج الافريقي، وأتفحصها كل يوم من اجل براعم جديدة.» ولكنَّ الاعظم اهمية، تقول، هو ان «تتكلوا على يهوه بواسطة الصلاة وأن تعطوا روحياتكم الاولوية.»
يقول متألمون كثيرون انهم يجدونه مساعدا الاصغاء الى تسجيلات شريطية للكتاب المقدس ومجلتي برج المراقبة واستيقظ! وعلى نحو ذي مغزى علَّقت پريسيلا، المذكورة في المقالة الثانية، انه حالما يصل الشخص الى النقطة التي عندها يتوقف عن التشديد على ما جرت خسارته، «لا يعود الـ CFS ساحقا جدا.» وقالت: «ولحفظ نفسي من التفكير ان هذه الحالة ستدوم الى الابد، وضعت آيات مشجِّعة في اماكن بارزة في كل غرفتي.»
ماذا عن المعالجة؟
في الوقت الحاضر لا يمكن فعل شيء طبيا اكثر من معالجة الاعراض. لقد كانت هنالك آمال كبيرة في العقّار التجريبي أمپليجِن. فكثيرون ممن اخذوا العقّار بدا انهم يتحسنون، لكنَّ التأثيرات الجانبية المعاكسة التي اختبرها البعض جعلت ادارة الغذاء والدواء في الولايات المتحدة توقف استعماله الاضافي.
ان اضطرابات النوم، بما في ذلك الأرق، شائعة مع الـ CFS. واللافت للنظر هو ان عقّارا مضادا للاكتئاب — احيانا جزء من مئة من الجرعة التي تؤخذ للاكتئاب — يساعد بعض المرضى، وليس الجميع، على النوم بشكل افضل وبالتالي على التحسُّن. تجنبت بِڤِرلي مثل هذه العقاقير لسنوات ولكنها بعد ذلك جرَّبت واحدا. «جرت مساعدتي الى حد بعيد جدا،» قالت، «ليتني بدأت في وقت ابكر.»
«ثمة طرائق اخرى كثيرة [بما في ذلك المعالجات «البديلة» التي يجدها بعض المرضى ملجأ عندما تفشل الاجراءات المتعارف عليها] جُرِّبت من اجل معالجة الـ CFS،» ذكرت مجلة المريضة. «وتشمل هذه، بين امور اخرى، تنوُّعا من التطبيب، المعالجة الفيزيائية، . . . الوخز الإبري، المداواة المثيلة، المعالجة الطبيعية، المعالجة المضادة للمُبْيضَّات، والأيورڤِديزم.»
وذكرت هذه المجلة الطبية: «بصرف النظر عن الاعتقادات الشخصية، يجب ان يكون لدى الطبيب شيء من المعرفة عن [معالجات] كهذه ليفهم وينصح المريض بشكل افضل. فمرضى كثيرون يسرُّهم ان يجدوا طبيبا يصغي اليهم ويأخذ قائمة تشكياتهم بجدية. . . . ومعظم المرضى بالـ CFS يمكن ان يساعَدوا على الشعور بأنهم افضل — حتى ولو جرت فقط طمأنتهم بأن لديهم طبيبا نصيرا — ويمكن ان يتحسن كثيرون الى حد بعيد.»
وبما انه ما من إبراء هنالك، يشك البعض في قيمة الذهاب الى طبيب. ان الفائدة الحيوية في طلب مساعدة كهذه هي ان الاختبارات يمكن ان تبعد امراضا اخرى قد تكون لها اعراض مماثلة، كالسرطان، التصلُّب المتعدِّد، الذَّأَب، ومرض لايم. فإذا جرى تحديدها في مرحلة باكرة، يمكن ان تقدَّم معالجة نافعة. توصي طب الحالات الطارئة الاطباء: «عندما تقومون بالتشخيص، فان افضل طريقة للعمل هي ان تحيلوا المريض الى مركز دراسة متلازمة التعب المزمن.»
تعتبَر الراحة افضل معالجة، ولكن يجب تحقيق اتزان دقيق. لذلك فإن النصيحة الفضلى هي: تعلَّموا ان تُجاروا نفسكم. اعرفوا حدودكم، واعملوا ضمنها، يوما بعد يوم، اسبوعا بعد اسبوع، وشهرا بعد شهر. والتمارين المعتدلة، كالمشي او السباحة في بركة دافئة، يمكن ان تكون مفيدة طالما انها لا تُمارس الى حد التعب إما الجسدي او العقلي. والنظام الغذائي الصحي الذي يساعد على تقوية الجهاز المناعي مهم ايضا.
قد يرافق اليأس هذا المرض، كما اوضحته على نحو مأساوي متألمة اسمها ترايْسي التي يئست وانتحرت. ولكنَّ الموت ليس الجواب. وكما قالت صديقة مفجوعة: «اعرف ما ارادت حقا ترايْسي. انها لم ترد ان تموت. لقد ارادت ان تعيش — ولكن ان تعيش حرَّة من الالم. وهذا يجب ان يكون هدفنا.» نعم، انه هدف ممتاز. ولذلك ركِّزوا آمالكم، لا على الموت، بل على البقاء احياء لبلوغ هذا الهدف، حين يتحقق.
ان الـ CFS هو احدى العلل الغريبة الكثيرة لاضافتها الى قائمة البلايا التي تصيب الجنس البشري للعصر الحاضر. ومهما تقدَّم العلم الطبي، يتطلب الامر اكثر من مهارة طبية لإبرائهم جميعا. والطبيب العظيم، يهوه اللّٰه، لا يفكر في شيء اقل — ابراء عالمي من كل الامراض — بواسطة الادارة الحبية لحكومة ملكوته. وفي ذلك الوقت «لا يقول ساكن انا مرضت.» هذا هو الوعد الاكيد للّٰه! — اشعياء ٣٣:٢٤.
[الاطار في الصفحتين ١٢ و ١٣]
كيف يمكن ان يساعد الآخرون
ما لا يجب ان تقولوه وتفعلوه
◆ «تبدو بالتأكيد بحالة جيدة» او، «لا تبدو مريضا.» قول امور كهذه يجعل المتألم يشعر كما لو انكم لا تصدقون خطورة اعراضه.
◆ «انا اشعر بالتعب ايضا.» هذا التعليق يقلل من اهمية الالم. فالـ CFS يشمل اكثر بكثير من مجرد الكينونة تعبا. انه مرض مؤلم وموهن.
◆ «انني تعبة. اعتقد انني ربما مصابة بالـ CFS ايضا.» هذا يمكن ان يقال على سبيل المزح ولكن ليس هنالك ما يضحك بشأن الـ CFS.
◆ «ليتني اتمكن من اخذ ايام عطلة قليلة لاحصل على راحة كافية.» ان مرضى الـ CFS ليسوا في عطلة.
◆ «انت تعمل بكد. لهذا السبب تمرض.» قد يعني ذلك للمتألم انه الملوم على ما حدث.
◆ «كيف حالك؟» لا تسألوا إلا اذا اردتم حقا ان تعرفوا. وبصراحة، يشعر المتألم عموما بالانزعاج إلا انه ربما لا يريد ان يشكو.
◆ «فلانة كانت مصابة بالـ CFS، ومرضت مدة سنة فقط.» كل حالة من الـ CFS تختلف في المدة والخطورة، والاشارة الى شفاء الآخرين الباكر يمكن ان تكون مثبِّطة لمن يتألم مدة اطول.
◆ لا تقدِّموا نصيحة طبية إلا اذا طُلب منكم ذلك وكنتم اهلا لمنحها.
◆ لا تلمِّحوا ان مرضى الـ CFS اذا انتكسوا، فلا بد ان يكون ذلك بسبب فعلهم امرا ما.
ما يجب ان تقولوه وتفعلوه
◆ أَظهروا انكم تصدِّقون انهم فعلا مرضى.
◆ أَجروا اتصالا هاتفيا، او قوموا بزيارة. والاتصال الهاتفي اولا هو عادة فكرة جيدة.
◆ احترموا اية قيود تتعلق بالزائرين او الاتصالات الهاتفية.
◆ اذا لم يتمكن الشخص من استقبال الزائرين، فأَرسلوا بطاقة او رسالة. فالمرضى غالبا ما يتطلعون بشوق الى فتح البريد كل يوم.
◆ اتصفوا بالرأفة. فذلك يعني احيانا ادراك ما يختبره الشخص المريض.
◆ اعرضوا ان تقضوا حاجاتهم، قوموا بالتسوُّق لهم، خذوهم الى الطبيب، وهلم جرا.
◆ يمكنكم ان تقولوا ببساطة: «سرَّني جدا ان اراك. فيهوه يقدِّر فعلا احتمالك الامين.»
-