-
فيض من المواد الكيميائية البشرية الصنعاستيقظ! ١٩٩٨ | كانون الاول (ديسمبر) ٢٢
-
-
فيض من المواد الكيميائية البشرية الصنع
يمكن ان يدعى هذا القرن بحق عصر الكيمياء. فقد غيَّرت المركَّبات الكيميائية البشرية الصنع حياتنا. وصارت بيوتنا ومكاتبنا ومصانعنا مليئة بالأصبغة، الانسجة الاصطناعية، البخّاخات، الحبر على انواعه، الدهانات، مبيدات الآفات، المحلِّيات الاصطناعية، مستحضرات التجميل، المستحضرات الطبية، المواد الپلاستيكية، مواد التبريد — وهذا غيض من فيض.
لتلبية حاجة العالم الى هذه المنتجات، تُصنَّع سنويا مواد كيميائية تصل قيمتها الى ٥,١ تريليون دولار اميركي، كما تذكر منظمة الصحة العالمية. وتقول المنظمة انه يوجد في الاسواق نحو ٠٠٠,١٠٠ مادة كيميائية، وإن ما يتراوح بين ٠٠٠,١ و ٠٠٠,٢ مادة كيميائية جديدة يُضاف كل سنة.
لكنَّ هذا الفيض من المواد الكيميائية يثير اسئلة تتعلق بتأثيرها في البيئة وفي صحتنا. فمن الواضح اننا نسير في المجهول. قالت احدى الطبيبات: «نحن جميعا جزء من جيل اختبار، ولن تُعرف كل التأثيرات قبل مرور عشرات السنين».
هل يعني ازدياد المواد الكيميائية ازدياد الخطر؟
ان اكثر الاشخاص تأثُّرا بالملوِّثات الكيميائية، كما تلاحظ منظمة الصحة العالمية، هم «الفقراء الاميون الذين قلما يملكون الخبرة المناسبة او المعلومات الضرورية حول اخطار المواد الكيميائية التي يتعرَّضون لها كل يوم بطريقة مباشرة او غير مباشرة». ويصحّ ذلك خصوصا في مبيدات الآفات. لكننا جميعا نتأثر بالمواد الكيميائية.
فنحو ٢٠ في المئة من آبار المياه في كاليفورنيا، كما يقول كتاب تاريخ اخضر للعالم (بالانكليزية)، تتجاوز فيه مستويات التلوُّث، بما في ذلك مبيدات الآفات، حدود السلامة الرسمية. و «في فلوريدا»، كما يضيف الكتاب، «أُغلقت ٠٠٠,١ بئر بسبب تلوُّثها؛ وفي هنڠاريا هنالك ٧٧٣ بلدة وقرية لا يصلح ماؤها للاستهلاك، وعشرة في المئة من المكامن المائية [تحت سطح الارض] في بريطانيا تتجاوز فيها نسبة التلوُّث حدود السلامة التي وضعتها منظمة الصحة العالمية، وماء الشرب من الحنفيات في بعض انحاء بريطانيا والولايات المتحدة لا يمكن ان يُعطى للاطفال المولودين حديثا بسبب مستويات النِّترات العالية فيه».
والزئبق مادة كيميائية نافعة اخرى، ولكن يمكن ان يسمِّم. وهو يجد طريقه الى البيئة عن طريق عدة مصادر، من مداخن المصانع الى بلايين المصابيح الفَلْوَرية fluorescent. وبشكل مماثل، يوجد الرصاص في منتجات كثيرة، من الوقود الى الدهان. ولكنه كالزئبق، يمكن ان يسمِّم، وخصوصا الاولاد. فالتعرُّض للمواد المنبعثة التي تحتوي على الرصاص قد يخفض «حاصل الذكاء I.Q. حتى اربع نقاط» عند الولد العادي، كما يقول تقرير من القاهرة، مصر.
ووفقا لبرنامج الامم المتحدة للبيئة، يُرمى في البحر الابيض المتوسط كل سنة نحو ١٠٠ طن من الزئبق، ٨٠٠,٣ طن من الرصاص، ٦٠٠,٣ طن من الفسفات، و ٠٠٠,٦٠ طن من المنظِّفات نتيجة النشاطات البشرية. فلا عجب ان يُعتبر هذا البحر في ازمة. لكنه ليس الوحيد. فقد اعلنت الامم المتحدة سنة ١٩٩٨ السنة الدولية للمحيطات، اذ ان كل محيطات العالم تعاني ازمة، والسبب الرئيسي هو التلوُّث.
رغم ان التكنولوجيا الكيميائية اعطتنا منتجات مساعِدة كثيرة، فنحن نستعمل ونتخلص من الكثير منها بشكل يؤذي البيئة. فهل جعلنا انفسنا، كما ذكر معلِّق صحفي مؤخرا، «اسرى التقدُّم»؟
[الاطار في الصفحة ٤]
المواد الكيميائية وتفاعلاتها
تنطبق عبارة «مادة كيميائية» على كل المواد الاساسية التي يتألف منها العالم حولنا، بما فيها العناصر الاساسية التي تزيد على المئة، كالحديد والرصاص والزئبق والكربون والاكسجين والنتروجين. أما المركَّبات الكيميائية، وهي مجموعات من عناصر مختلفة، فتشمل اشياء كالماء والحموض والاملاح والكحول. والكثير من هذه المركَّبات موجود في الطبيعة.
ويُعرَّف «التفاعل الكيميائي» بأنه «عملية تتحوَّل فيها المادة كيميائيا الى مادة اخرى». والنار هي تفاعل كيميائي، اذ تحوِّل مادة قابلة للاحتراق — كالورق والوقود والهيدروجين وما الى ذلك — الى مادة او مواد مختلفة كليا. والكثير من التفاعلات الكيميائية يحدث دون توقف، سواء حوالينا او داخل اجسامنا.
-
-
المواد الكيميائية — مفيدة ومضرّة؟استيقظ! ١٩٩٨ | كانون الاول (ديسمبر) ٢٢
-
-
المواد الكيميائية — مفيدة ومضرّة؟
هنالك قرارات كثيرة في الحياة نتخذها بعد ان نوازن بين الايجابيات والسلبيات. مثلا، يشتري اناس كثيرون سيارة لما تقدِّمه من فوائد. ولكن مقابل هذه الفوائد يجب ان يزِنوا كلفة امتلاك السيارة — التأمين عليها، تسجيلها، انخفاض قيمتها — وكلفة إبقائها صالحة للسير. ويجب ان يحسبوا حسابا لخطر الاذية او الموت بسبب الحوادث. ويصحّ الامر ايضا في المواد الكيميائية الاصطناعية، اذ يجب الموازنة بين ايجابياتها وسلبياتها. خذوا على سبيل المثال المادة الكيميائية المسماة «متيل بوتيل الإيتر الثلاثي» (MTBE)، وهي مادة تُضاف الى الوقود فتعزِّز عملية الاحتراق وتخفض الغازات المنبعثة من السيارات.
يُنسب الى هذه المادة بعض الفضل في صيرورة الهواء، في بعض مدن الولايات المتحدة، الهواء الانقى لسنوات. لكنَّ التمتع بهذا الهواء الانقى «لم يكن دون مقابل»، كما تخبر مجلة العالِم الجديد (بالانكليزية). وذلك لأن هذه المادة مسبِّب محتمل للسرطان، وقد تسرَّبت من عشرات الآلاف من خزانات الوقود الموضوعة تحت الارض، وكثيرا ما لوَّثت المياه الجوفية. ونتيجةً لذلك، تضطر احدى البلدات الآن الى شراء ٨٢ في المئة من مياهها من الخارج، وذلك بكلفة تبلغ ٥,٣ ملايين دولار اميركي في السنة! وتقول العالِم الجديد ان هذه الكارثة «قد تصير احدى اخطر ازمات تلوُّث المياه الجوفية التي شهدتها الولايات المتحدة منذ سنوات».
وبسبب الضرر الشديد الذي يُلحَق بالبيئة والصحة، مُنعت بعض المواد الكيميائية وسُحبت من الاسواق. ولكن قد تسألون: ‹لماذا يحدث هذا؟ ألا تُفحص كل المواد الكيميائية الجديدة فحصا شاملا للتحقق من سُمِّيّتها قبل إنزالها الى الاسواق؟›.
مشاكل تعترض فحوص السُّمِّيّة
ان التحقُّق من سُمِّيّة المواد الكيميائية هو في الواقع مزيج من العلم والتخمين. يقول جوزف ڤ. رودريكس في كتابه مخاطر مدروسة (بالانكليزية): «ان الاشخاص الذين يقيِّمون المخاطر لا يعرفون كيف يحدِّدون بدقة الفارق بين التعرُّض ‹الآمن› و ‹غير الآمن› لأية مادة كيميائية». ويصحّ ذلك حتى في مجال العقاقير، التي يُنتَج الكثير منها اصطناعيا. «حتى ادق الفحوص»، كما تقول دائرة معارف الكتاب العالمي (بالانكليزية)، «لا يمكنها ان تكشف دائما الاحتمال ان يسبِّب الدواء ظهور اثر سلبي غير متوقع».
وهنالك امور تعجز المختبرات بقدرتها المحدودة عن فعلها. فلا يمكنها، مثلا، ان تقلّد كل ما سيحدث للمادة الكيميائية في العالم الخارجي المنوَّع والمعقّد. فالعالم خارج المختبرات مليء بمئات، حتى بآلاف، المواد الكيميائية الاصطناعية التي يمكن ان يتفاعل الكثير منها احداها مع الاخرى ومع الاجسام الحية ايضا. وبعض هذه المواد الكيميائية غير ضار بحد ذاته، ولكن اذا اتحدت مع بعضها، خارج اجسامنا او داخلها، يمكن ان تَنتج مركَّبات جديدة سامة. وبعض المواد الكيميائية يصير ساما، وحتى مسبِّبا للسرطان، فقط بعد ان يعالجه استقلاب الجسم.
على ضوء هذه التحديات، كيف يحدِّد الاشخاص الذين يقيِّمون مخاطر المواد الكيميائية هل هذه المواد الكيميائية آمنة ام لا؟ ان الوسيلة المتَّبعة عادةً هي إعطاء الحيوانات في المختبرات جرعة معيَّنة من المادة الكيميائية ثم محاولة تطبيق النتائج على البشر. فهل هذه الوسيلة موثوق بها دائما؟
هل التجارب على الحيوانات موثوق بها؟
بالاضافة الى المسائل الاخلاقية التي تثيرها تجربة السموم على الحيوانات من جهة الاتهام بمعاملتها بوحشية، فهي تثير مسائل اخرى. مثلا، غالبا ما تتجاوب الحيوانات بطرائق مختلفة جدا مع المواد الكيميائية. فجرعة صغيرة من مادة الديوكسين الشديدة السُّمِّيّة تقتل خنزيرة هندية، ولكن يجب مضاعفة هذه الجرعة ٠٠٠,٥ مرة لتقتل حيوان الهمستر! حتى الانواع ذات القرابة كالجرذان والفئران تتجاوب بشكل مختلف مع مواد كيميائية كثيرة.
فإذا لم يكن تجاوب نوع حيواني دليلا اكيدا على تجاوب نوع آخر، فكيف يمكن للباحثين ان يكونوا على ثقة بأن مادة كيميائية معينة لن تضر البشر؟ الحقيقة هي انهم لا يمكن ان يكونوا متاكدين تماما.
يواجه الكيميائيون دون شك مهمة صعبة. فيجب عليهم ان يرضوا الذين يتوقون الى منتجاتهم، ويسترضوا المهتمين بخير الحيوانات، ويعملوا وفق ضمائرهم التي تُلزمهم ان تكون منتجاتهم آمنة. لهذه الاسباب تقوم بعض المختبرات اليوم بتجاربها لفحص المواد الكيميائية على خلايا بشرية مزروعة. لكنَّ الوقت وحده سيخبر هل يقدِّم ذلك ضمانات يُعتمد عليها بشأن سلامة المواد.
عندما تفشل الفحوص المخبرية
ان مبيد الآفات د.د.ت.، الذي لا يزال موجودا على نطاق واسع في البيئة، هو مثال لمادة كيميائية أُعلن انها آمنة عندما أُنزلت الى الاسواق للمرة الاولى، ثم تبيَّن ان ذلك لم يكن صحيحا. فقد اكتشف العلماء لاحقا ان الـ د.د.ت. يبقى وقتا طويلا في الكائنات الحية، وقد تكون هذه هي الحال ايضا مع سموم اخرى. وما هي العواقب المأساوية لذلك؟ ان السلسلة الغذائية، المؤلفة من ملايين المخلوقات الصغيرة جدا، ثم السمك، وأخيرا الطيور والدببة وثعالب الماء وغيرها، تصير مثل قِمع يركّز السموم في جسم المستهلِكين اللاحقين. وفي احدى الحالات، كانت جماعة من طيور الغطّاس، نوع من الطيور المائية، تضع بيوضا لم تفقس واحدة منها لأكثر من عشر سنوات!
هذه الاقماع البيولوجية لها فعّالية كبيرة حتى ان بعض المواد الكيميائية، مع انها تكاد لا تُكتشف في الماء، تصير مركَّزة بكميات مدهشة في جسم آخِر المستهلِكين. فالحيتان البيضاء في نهر سانت لورنس في اميركا الشمالية هي ابرز الامثلة لذلك. فمستويات السموم فيها مرتفعة جدا حتى انها يجب ان تُعالَج كنفايات خطرة عندما تموت!
وقد وُجد ان بعض المواد الكيميائية الموجودة في حيوانات كثيرة يأخذ شكل الهرمونات. وقد بدأ العلماء مؤخرا يكشفون النقاب عن التأثير السام الخفي لهذه المواد الكيميائية.
مواد كيميائية تقلّد الهرمونات
الهرمونات هي مراسيل كيميائية مهمة في الجسم. فهي تتنقل في مجرى دمنا الى انحاء اخرى من جسمنا، حيث تقوم إما بحفز او بوقف وظيفة معينة، مثل نمو الجسم والدورات التناسلية. ومن المثير للاهتمام ان بيانا صحفيا حديثا اصدرته منظمة الصحة العالمية قال ان «عددا سريع الازدياد من الادلة العلمية» يشير الى ان بعض المواد الكيميائية الاصطناعية، حين تدخل الجسم، تتدخل في عمل الهرمونات إما بتقليدها بطريقة مؤذية او بصدِّها.
وهذه المواد الكيميائية تشمل مشتقات ثنائي الفنيل المتعدد الكَلْورة (PCBs)،a الديوكسينات، مركَّبات الفوران، وبعض مبيدات الآفات التي تضمّ مخلفات الـ د.د.ت. وقد دُعيت هذه المواد الكيميائية معيقات الغدد الصمّاء لأنها قادرة على اعاقة العمل الطبيعي لجهاز الغدد الصمّاء، الذي هو مصدر الهرمونات في الجسم.
وأحد الهرمونات التي تقلّدها هذه المواد الكيميائية هو الهرمون الجنسي الانثوي الإستروجين. فقد اشارت دراسة نُشرت في المجلة الطبية طب الاطفال (بالانكليزية) الى ان الانتشار المتزايد في حالات البلوغ المبكر بين فتيات كثيرات يمكن ان يُنسب الى المنتجات المستعملة للشعر التي تحتوي على الإستروجين بالاضافة الى المواد الكيميائية البيئية التي تقلّد الإستروجين.
وتعريض ذَكر لبعض المواد الكيميائية في فترة حاسمة من نموه يمكن ان يؤدي الى تأثيرات مضرة. «فقد اظهرت الاختبارات»، كما يقول تقرير في مجلة ديسْكڤر (بالانكليزية)، «ان مشتقات ثنائي الفنيل المتعدد الكَلْورة المعطاة في وقت معيَّن خلال النمو يمكن ان تغيِّر ذكور السلاحف وتماسيح القاطور الى إناث او ‹خِناث›».
وبالاضافة الى ذلك، تُضعف السموم الكيميائية الجهاز المناعي، تاركة الحيوانات عرضة اكثر للاصابة بالامراض الڤيروسية. وفي الواقع، يبدو ان الاصابة بالامراض الڤيروسية تنتشر بشكل اسرع وأكثر من ايّ وقت مضى، وخصوصا بين الحيوانات الواقعة في اعلى السلسلة الغذائية، كالدلافين والطيور البحرية.
والاولاد عند البشر هم الاكثر تأثُّرا بالمواد الكيميائية التي تقلّد الهرمونات. فالاولاد الذين وُلدوا في اليابان لأمهات كن يتناولن زيت الارزّ الملوَّث بثنائي الفنيل المتعدد الكَلْورة قبل عدة سنوات «عانوا تأخُّرا في نموهم الجسدي والعقلي، مشاكل سلوكية تشمل قلة النشاط وفرط النشاط، اعضاء جنسية ذكرية صغيرة بشكل غير طبيعي، وحاصل ذكاء اقل من المعدل بخمس نقاط»، كما تخبر مجلة ديسْكڤر. والفحوص التي أُجريت على اولاد تعرَّضوا لنسبة عالية من مشتقات ثنائي الفنيل المتعدد الكَلْورة في هولندا وأميركا الشمالية كشفت عن آثار معاكسة مماثلة في نموهم الجسدي والعقلي.
وتخبر منظمة الصحة العالمية انه قد توجد علاقة بين هذه المواد الكيميائية والزيادة في السرطانات «التي تتأثر بالهرمونات» عند الرجال والنساء، كسرطان الثدي والخصية والپروستات. وعلاوة على ذلك، يمكن ان يُنسب الى الازدياد في استعمال المواد الكيميائية الانخفاض المستمر الواضح، في عدد من البلدان، في معدل تعداد الحيوانات المنوية لدى الرجال، وكذلك نوعية هذه الحيوانات. ففي بعض البلدان، انخفض معدل تعداد الحيوانات المنوية الى النصف تقريبا في ٥٠ سنة!
في المقالة السابقة، اقتُبس من طبيبة قولها اننا «جيل اختبار». ويبدو انها على حق. صحيح ان الكثير من اختراعاتنا الكيميائية ينفعنا، لكنَّ اختراعات اخرى ليست كذلك. لذلك يحسن بنا ان نتجنب التعرُّض غير الضروري للمواد الكيميائية التي يمكن ان تؤذينا. والمدهش ان مواد كثيرة منها موجودة في بيوتنا. وستناقش المقالة التالية ما يمكننا فعله لحماية انفسنا من المواد الكيميائية التي قد تكون خطرة.
[الحاشية]
a مشتقات ثنائي الفنيل المتعدد الكَلْورة، المنتشر استعمالها منذ الثلاثينات، هي مجموعة من اكثر من ٢٠٠ مركَّب زيتي تُستعمل في المزلِّقات، المواد الپلاستيكية، المواد العازلة للكهرباء، مبيدات الآفات، سوائل غسل الاطباق، وغيرها من المنتجات. ومع ان إنتاجها محظور في بلدان كثيرة، يُصنع منها ما يتراوح بين مليون ومليونَي طن. وتنتج الآثار السامة حين يجري التخلص من مشتقات ثنائي الفنيل المتعدد الكَلْورة المرمي التي لا تلبث ان تجد طريقها الى البيئة.
-
-
الى ايّ حد سامّ هو بيتكم؟استيقظ! ١٩٩٨ | كانون الاول (ديسمبر) ٢٢
-
-
الى ايّ حد سامّ هو بيتكم؟
اظهرت دراسة حديثة شملت اكثر من ٠٠٠,٣ شخص في الولايات المتحدة وكندا، وفقا لمجلة ساينتفيك امريكان (بالانكليزية)، انه «من المحتمل جدا ان يكون الاحتكاك الاكبر لمعظم المواطنين بالملوِّثات التي قد تكون سامة . . . داخل الاماكن التي يعتبرونها عادةً غير ملوَّثة، كالبيوت والمكاتب والسيارات». والمصادر الرئيسية لتلوُّث الهواء في البيوت كانت الابخرة التي تنشأ من منتجات عادية كمواد التنظيف، مستحضرات طرد العثّ، مواد البناء، الوقود، مزيلات الرائحة، المطهِّرات، بالاضافة الى المواد الكيميائية في الالبسة المنظَّفة «على الناشف» ومواد التنجيد الاصطناعية الجديدة.
وكان رواد الفضاء يعانون مرضا دُعي «انفلوَنزا الفضاء» حتى اكتُشف ان سببه هو هذه الابخرة. ويمكنكم ان تشعروا بهذه الابخرة المُطلَقة عندما تجلسون في سيارة جديدة او تسيرون الى جانب رفوف مواد التنظيف في سوپرماركت، مع ان هذه المواد تكون موضوعة في اوعية مختومة. وعندما تُغلق كل منافذ البيت، في برد الشتاء مثلا، يمكن ان تساهم الابخرة المُطلَقة من مختلف المواد الكيميائية في رفع مستوى التلوُّث داخل البيت الى حد يفوق مستوى التلوُّث في الخارج.
والاولاد، وخصوصا الاطفال الذين لم يتعوَّدوا المشي بعد، هم الاكثر تأثُّرا بالملوِّثات الموجودة داخل البيت، كما تقول صحيفة ذا مديكال پوست الكندية (بالانكليزية). فهم اقرب الى الارض من الكبار؛ يتنفسون بشكل اسرع من الراشدين؛ يقضون حتى ٩٠ في المئة من وقتهم داخل البيوت؛ ولأن اعضاءهم لا تزال في طور النمو، فإن اجسامهم اكثر حسّاسية للسموم. وهم يمتصون نحو ٤٠ في المئة من الرصاص الذي يدخل اجسامهم، في حين يمتص الراشدون نحو ١٠ في المئة فقط.
المحافظة على موقف متزن
لأن الجيل الحالي من البشر يتعرَّض لمستوى من المواد الكيميائية لم يسبق له مثيل، فلا يزال هنالك الكثير لتعلمه عن التأثيرات، ولذلك يلزم العلماء الحذر. فالتعرُّض للمواد الكيميائية لا يعني بالضرورة ان مصير المرء هو السرطان او الموت. وفي الواقع، يبدو ان معظم الناس يتكيفون مع ذلك بشكل جيد، والفضل في ذلك يعود الى خالق جسم الانسان الرائع. (مزمور ١٣٩:١٤) ومع ذلك، يجب اتخاذ تدابير وقائية معقولة، وخصوصا اذا كان المرء عرضة دائما لمواد كيميائية قد تكون سامة.
يقول كتاب الخطر الكيميائي (بالانكليزية) ان «بعض المواد الكيميائية سامة بمعنى انها تعيق توازن العمليات [في الجسم] وتنتج بالتالي اعراضا غير واضحة بحيث يكون افضل وصف لها هو ان المرء يشعر بأنه ليس على ما يرام». وخفض تعرُّضنا للمواد الكيميائية التي قد تكون ضارة لا يتطلب بالضرورة قلب نمط حياتنا رأسا على عقب، بل مجرد تعديلات بسيطة في روتيننا اليومي. لاحظوا من فضلكم الاقتراحات الواردة في الاطار في الصفحة ٨. فيمكن ان يساعدكم بعضها.
وبالاضافة الى اتخاذ تدابير وقائية معقولة بشأن المواد الكيميائية، نساعد انفسنا عندما لا نقلق اكثر من اللازم، وخصوصا في ما يتعلق بالامور التي لا نستطيع التحكم فيها. يقول الكتاب المقدس في الامثال ١٤:٣٠: «حياة الجسد هدوء القلب».
ومع ذلك، يتألم اناس كثيرون ويمرضون بسبب السموم الكيميائية، حتى ان مرضهم قد يكون مميتا.a وكملايين الاشخاص الذين يتألمون من اسباب كثيرة اخرى في هذه الايام، يكمن امام المصابين بأمراض مرتبطة بالمواد الكيميائية مستقبل مشرق، لأن الارض قريبا ستخلو من السموم التي تؤذي سكانها. حتى الافكار السامة ستصير، هي والذين يضمرونها، امورا من الماضي. وهذا ما ستُظهره المقالة الختامية من هذه السلسلة.
[الحاشية]
a في السنوات الاخيرة صار عدد متزايد من الاشخاص يعانون حالة تدعى الحساسية الكيميائية المتعددة. وستناقَش هذه الحالة في عدد قادم من استيقظ!.
[الاطار في الصفحة ٨]
من اجل بيت صحي وآمن اكثر
ان خفض تعرُّضكم للسموم المحتملة غالبا ما لا يتطلب سوى بعض التعديلات البسيطة في نمط حياتكم. وإليكم بعض الاقتراحات التي قد تجدونها مساعدة. (ومن اجل الحصول على معلومات اضافية ومحددة، نقترح ان تراجعوا المكتبة المحلية في منطقتكم.)
١- حاولوا ان تخزنوا معظم المواد الكيميائية التي تُطلق ابخرة في مكان لا تلوِّث فيه هواء بيتكم. وهذه المواد الكيميائية تشمل الفورمالِدْهيد (الفورمول) والمنتجات التي تحتوي على مذيبات طيّارة كالدهان، الورنيش، المواد اللاصقة، مبيدات الآفات، ومحاليل التنظيف. والمنتجات النفطية الطيّارة تُطلق ابخرة سامة. وتشمل هذه المجموعة البنزن الذي يُعرف ان التعرُّض لتراكيز عالية منه لفترات طويلة يسبِّب سرطانا، عيوبا خلقية، ومشاكل تناسلية اخرى.
٢- لتكن التهوية جيدة في جميع الغرف، بما فيها الحمام. فالدُّش يطيِّر بعض المواد الملوِّثة كالكلور الذي يُضاف الى الماء. وقد يؤدي ذلك الى تزايد الكلور وأيضا الكلوروفورم.
٣- امسحوا اقدامكم قبل دخول البيت. فهذا العمل البسيط، كما تقول ساينتفيك امريكان، يمكن ان يخفض كمية الرصاص في السجادة العادية بنسبة واحد الى ستة. ويخفض ذلك ايضا مبيدات الآفات، لأن بعضها يتفكك بسرعة في الخارج تحت ضوء الشمس في حين قد يبقى سنين في السجاد. وهنالك خيار آخر شائع في بعض انحاء العالم هو خلع الاحذية. ويمكن لمكنسة كهربائية جيدة، من المفضَّل ان تكون مزوَّدة بفرشاة دوّارة، ان تخفض ايضا التلوُّث في السجاد.
٤- اذا رششتم مبيد آفات في غرفة، فأبقوا اللُّعَب خارج تلك الغرفة لأسبوعين على الاقل، حتى لو كُتب على المنتَج ان الخطر يزول عن الغرفة بعد ساعات. فقد وجد العلماء مؤخرا ان بعض المواد الپلاستيكية والمطاطية الرغوية الموجودة في اللُّعَب تتشرَّب مخلفات مبيدات الآفات كالاسفنجة. ويمتص الاولاد السموم عن طريق الجلد والفم.
٥- قللوا من استعمال مبيدات الآفات. يكتب فرانك ڠراهام الاصغر، في كتابه منذ الربيع الصامت (بالانكليزية)، ان مبيدات الآفات «لها استعمالاتها في البيت والحديقة، لكنَّ الحملات التي تروِّج لها تقنع صاحب البيت العادي الساكن في الضواحي انه يجب ان يُبقي عنده ترسانة من المواد الكيميائية بحيث تكفي لصدّ هجوم يشنّه الجراد الافريقي».
٦- ازيلوا الدهان المتقشِّر المحتوي على الرصاص من كل البيت، وادهنوا من جديد باستعمال طلاء لا يحتوي على الرصاص. لا تسمحوا للاولاد بأن يلعبوا في تراب يخالطه دهان يحتوي على الرصاص. وإذا كنتم تعتقدون ان انابيب المياه تحتوي على الرصاص، ينبغي ان يُترك الماء البارد جاريا لبعض الوقت من الحنفية الى ان يُلاحَظ تغيُّر في درجة حرارة الماء، وينبغي ألا تُشرب المياه من حنفية الماء الساخن. — سموم بيئية في طعامنا (بالانكليزية).
-
-
مَن سيطهِّر ارضنا؟استيقظ! ١٩٩٨ | كانون الاول (ديسمبر) ٢٢
-
-
مَن سيطهِّر ارضنا؟
«في ما يتعلق بالصناعة في بلدنا، اتوقع انه بحلول سنة ٢٠٢٥، ستكون كلمة ‹تلوُّث› قد اختفت الى حد بعيد من مفردات سكان هذا البلد». هذا التوقع ذكره مؤخرا رئيس شركة كيميائية. فهل تعتقدون ان هذا ما سيحدث؟ اذا كان الامر كذلك، فكيف سيتحقق؟
غالبا ما تكون الرغبة في جني الارباح الدافع وراء ملء رفوف المتاجر بالسلع غير الآمنة. مثلا، ان قوانين السريّة التجارية تسمح لشركات مبيدات الآفات بأن تُبقي بعض الصِّيَغ المربحة سرية بالقول عن مكوِّناتها انها «خاملة»، وهي كلمة يُفهم منها بسهولة معنى «غير ضارة». ولكنَّ «٣٩٤ على الاقل من المكوِّنات الخاملة تُستخدم كمبيدات آفات نشيطة»، كما تخبر مجلة كَميكال ويك (بالانكليزية). ومن هذه المكوِّنات، ٢٠٩ هي ملوِّثات خطرة، ٢١ مصنَّفة رسميا كمواد مسببة للسرطان، و ١٢٧ تُعتبر من الاخطار المهنية!
صحيح ان ضوابط السلامة التي تفرضها الحكومات غالبا ما تكون نافعة، لكنَّ الاهتمام الرئيسي لدى الحكومات، كما يقول احد الكتّاب، هو «النمو الاقتصادي وتحقيق الارباح الصناعية». وهكذا تضطر دائما الى الموازنة بين امرين: الاخطار والارباح. والنتيجة عموما هي ‹التلوُّث ضمن حدود›.
فإلى مَن نلجأ لنجد الحل؟ طرحت واحدة من شهود يهوه هذا السؤال على صاحبة منزل ودودة. فأجابت، معبِّرة عن ثقتها بالقادة والعلماء البشر: «سيعالج هؤلاء المشكلة يوما ما».
فسألتها الشاهدة: «ولكن مَن هم هؤلاء الذين سيعالجون المشكلة؟ أليسوا بشرا مثلكِ ومثلي؟ صحيح انهم مثقَّفون اكثر، ولكن لديهم حدودهم وضعفاتهم. فهم يخطئون». ويضاف الى ذلك هول المشاكل التي تواجههم وأيضا الجشع والفساد في المجتمع البشري.
وهل تؤمنون انتم ايضا ان هؤلاء سيعالجون المشكلة؟ ان تاريخ الجنس البشري الحافل بالفشل في هذا المجال لا يوحي بالثقة. قالت مجلة آوتْدور لايف (بالانكليزية): «ان العلماء ووكالاتهم بارعون في دراسة مشاكل التلوُّث اكثر بكثير من معالجتها». فهل يملك البشر املا في ان يتمكنوا من حلّ هذه المشكلة الخطيرة؟
هل يمكن ان ينجح البشر بجهودهم الشخصية؟
ان ضبط التلوُّث الكيميائي ليس مشكلة تعالجها الحكومات المحلية. والسبب هو ان المواد الكيميائية المستعملة في بلد ما تؤثر في سكان البلدان المجاورة، حتى في سكان الارض كلها! ولم ينجح البشر في التعاون على حل مشاكل عالمية كهذه. يوضح الكتاب المقدس السبب حين يقول: «يتسلط انسان على انسان لضرر نفسه». (جامعة ٨:٩) ولماذا لا ينجح البشر في حكم انفسهم؟ يوضح الكتاب المقدس ايضا: «ليس لإنسان يمشي ان يهدي خطواته». (ارميا ١٠:٢٣) وماذا يعني ذلك؟
يعني ان البشر لم يُخلقوا ليديروا شؤونهم بمعزل عن توجيه اللّٰه. صحيح ان البشر قاموا بإنجازات رائعة — بنوا مساكن رائعة، صنعوا ادوات تنمّ عن ذكاء، حتى انهم سافروا الى القمر — لكنهم عاجزون عن ادارة شؤونهم بدون توجيه الهي. وهذا ما يعلّمه الكتاب المقدس، ويثبت التاريخ صحة الكتاب المقدس.
ارض مطهَّرة — كيف؟
لطالما اعرب خالقنا يهوه اللّٰه عن اهتمامه بالجنس البشري وبالارض التي اعدَّها للانسان. فبعدما خلق البشرين الاولين، امرهما بأن يهتما بالارض والحياة عليها. (تكوين ١:٢٧، ٢٨؛ ٢:١٥) ولاحقا، بعد وقت من عصيان الزوجين الاولين لتوجيهاته، اعطى اللّٰه امة اسرائيل القديمة ارشادات بشأن الاهتمام بالارض، بما فيها مطلب إراحتها سنة كاملة كل سبع سنوات. وكان ذلك سيجعل الارض تتجدَّد. (خروج ٢٣:١١؛ لاويين ٢٥:٤-٦) لكنَّ الشعب جشِعَ وعصى اللّٰه. فتألموا هم والارض ايضا.
طبعا، لم يكن التلوُّث الكيميائي الذي نعرفه اليوم ممكنا آنذاك. لكنَّ الارض خربت لأن الاسرائيليين لم يتركوها تستريح حسبما قصد اللّٰه، وتألم اناس ابرياء بسبب ذلك. لذلك سمح اللّٰه للبابليين بأن يغزوا اسرائيل ويسبوا الامة الى بابل ٧٠ سنة. وسمح هذا العقاب ايضا بأن تستريح الارض لكي تستعيد قوتها. — لاويين ٢٦:٢٧، ٢٨، ٣٤، ٣٥، ٤٣؛ ٢ أخبار الايام ٣٦:٢٠، ٢١.
يعلِّمنا هذا التاريخ ان اللّٰه يحمِّل البشر مسؤولية ما يفعلونه بالارض. (رومية ١٥:٤) وفي الواقع، يعد اللّٰه بأنه سوف «يهلك الذين كانوا يهلكون الارض». (رؤيا ١١:١٨) ويصف الكتاب المقدس نوع الاشخاص الذين يساهمون في ‹اهلاك› الارض. فصفاتهم الغالبة، كما هي مدرجة في الكتاب المقدس في ٢ تيموثاوس ٣:١-٥، تشمل اهتماما كبيرا بالمال وبالذات بحيث لا يأبهون باللّٰه، وبالتالي بخليقته التي تضمّ الرفقاء البشر.
ان هذه الآيات المسجلة في الكتاب المقدس — ٢ تيموثاوس ٣:١-٥ ورؤيا ١١:١٨ — تقودنا الى استنتاجين اكيدين. الاول هو ان العقول الملوَّثة تلوِّث الارض ايضا. والثاني هو ان اللّٰه سيتدخل وينقذ هذا الكوكب والبشر الاتقياء، حين يبلغ هذان النوعان من التلوُّث اقصى حدودهما. فكيف سيتدخل اللّٰه؟
انبأ اللّٰه بواسطة نبيه دانيال: «في ايام هؤلاء الملوك [اشارة واضحة الى حكومات اليوم] يقيم اله السموات مملكة . . . تسحق وتفني كل هذه الممالك وهي تثبت الى الابد». (دانيال ٢:٤٤) وهذه المملكة هي حكومة عالمية حقيقية. وقد علّم يسوع المسيح أتباعه ان يصلّوا من اجل هذه الحكومة عندما قال: «فصلّوا انتم هكذا. ابانا الذي في السموات. . . . ليأتِ ملكوتك. لتكن مشيئتك كما في السماء كذلك على الارض». — متى ٦:٩، ١٠.
وتحت الاشراف الحبي لملكوت اللّٰه، سيتمتع سكان الارض بامتياز بديع: جعل الكوكب كله فردوسا. وسيصير الهواء نقيا، وستجري جداول مياه عذبة، وستزخر التربة بحياة غير ملوَّثة. (مزمور ٧٢:١٦؛ اشعياء ٣٥:١-١٠؛ لوقا ٢٣:٤٣) وبعد ذلك، يعد الكتاب المقدس: «لا تُذكر [الامور] الاولى [الامراض والالم والتلوُّث والويلات الكثيرة الاخرى التي نشهدها اليوم] ولا تخطر على بال». — اشعياء ٦٥:١٧.
-