-
البحث الدؤوب عن حلولاستيقظ! ٢٠٠٠ | كانون الاول (ديسمبر) ٨
-
-
البحث الدؤوب عن حلول
اهتمت هيئة الامم المتحدة، منذ نشأتها، بالاولاد وبمشاكلهم. ففي نهاية سنة ١٩٤٦، أسَّست «صندوق الامم المتحدة الدولي لإغاثة الاطفال» (اليونيسف) كتدبير وقتي للاهتمام بالاولاد العائشين في مناطق دمَّرتها الحرب.
وفي سنة ١٩٥٣ تحوَّل صندوق الاغاثة هذا الى منظمة دائمة. وقد احتفظت هذه المنظمة باسمها المختصر، اليونيسف، مع ان اسمها الرسمي حاليا هو «صندوق رعاية الطفولة التابع للامم المتحدة». وهكذا تعمل اليونيسف، طوال اكثر من نصف قرن، على تزويد الاولاد في كل انحاء العالم بالطعام واللباس والعناية الطبية، وتحاول عموما الاهتمام بحاجات الاولاد الاخرى.
وفي سنة ١٩٥٩ رُكِّز اكثر على حاجات الاولاد عندما اقرّت الامم المتحدة اعلان حقوق الطفل. (انظروا الاطار في الصفحة ٥.) وكان يؤمَل ان ينتج من هذه الوثيقة اهتمام بمشاكل الاولاد وأن تساعد على حلّ هذه المشاكل بحضّ الناس على تقديم الدعم، سواء أكان ماديا ام غير مادي.
ولكن «بعد عشرين سنة»، بحسب الكتاب السنوي ١٩٨٠ لدائرة معارف كولْير (بالانكليزية)، «كانت هذه ‹الحقوق› — وخصوصا الحقوق المتعلقة بالتغذية والصحة والرفاه المادي — لا تزال بعيدة عن متناول كثيرين من اطفال العالم البالغ عددهم ٥,١ بليون طفل». لذلك، اعترافا بالحاجة المستمرة الى حلّ مشاكل الاولاد، وانسجاما مع اهداف هيئة الامم المتحدة المعلَنة، اعلنت هذه الهيئة سنة ١٩٧٩ سنة دولية للطفل. وتجاوبت على الفور الحكومات والهيئات الاهلية والدينية والمؤسسات الخيرية من كل انحاء العالم، وبدأت تبحث عن حلول.
هل كان كل ذلك «مهزلة»؟
من المؤسف ان الاولاد في البلدان النامية، بحسب تقرير لليونيسف، لم يتحسن وضعهم خلال السنة الدولية للطفل. ففي نهاية تلك السنة، كان نحو ٢٠٠ مليون ولد منهم لا يزالون يعانون سوء التغذية، ويعود موت نصف الاولاد الـ ١٥ مليونا الذين ماتوا وهم دون الخامسة من العمر الى سوء التغذية. ومن الاطفال الـ ١٠٠ الذين كانوا يولدون كل دقيقة في تلك السنة في البلدان النامية، كان ١٥ يموتون قبل ان يُتمّوا سنتهم الاولى. وكان اقل من ٤٠ في المئة يُنهون دراستهم الابتدائية. لذلك تشكَّت افتتاحية في صحيفة إنديان إكسپرس (بالانكليزية)، في تعليق لها على تقرير اليونيسف، بالقول ان سنة الطفل لم تكن سوى «مهزلة».
كان بعض الافراد قد توقّعوا حدوث هذا الفشل. مثلا، في بداية تلك السنة، كتب فابْريتسْيو دانْتيتْشه في مجلة لِسْپرِسو (بالايطالية): «يلزم شيء اكثر من تخصيص سنة للطفل لمعالجة الوضع». وعلّقت المجلة قائلة: «ان نمط الحياة اليوم هو ما يجعلنا ما نحن عليه، وهذا ما يلزم تغييره».
ومتابعةً للبحث عن حلول لمشاكل الاولاد، عُقد مؤتمر قمة عالمي في مقر الامم المتحدة في ايلول (سبتمبر) ١٩٩٠. وكان هذا احد اكبر الاجتماعات لقادة العالم في التاريخ. فقد حضره اكثر من ٧٠ شخصا من قادة الحكومات. عُقد الاجتماع استكمالا لاتفاقية حقوق الطفل التي أُقرت في ٢٠ تشرين الثاني (نوفمبر) ١٩٨٩ وبدأ سريان مفعولها في ٢ ايلول (سبتمبر) ١٩٩٠. وبحلول آخر ذلك الشهر، كانت ٣٩ دولة قد صادقت على هذه الاتفاقية.
ذكرت اليونيسف مؤخرا: «سرعان ما صارت هذه الاتفاقية اكثر معاهدة مصادق عليها في مجال حقوق الانسان، وهذا ما يعطي قضايا الاطفال زخما عالميا». وهذا صحيح، ففي تشرين الثاني (نوفمبر) ١٩٩٩، كان ١٩١ بلدا قد تبنّى الاتفاقية. ذكرت اليونيسف: «خلال العقد الذي تلا اقرار اتفاقية حقوق الطفل، أُحرز في مجال تطبيق وحماية حقوق الاطفال تقدُّم اكبر مما أُحرز في اية فترة مماثلة من التاريخ البشري».
لكن رغم هذا التقدُّم، اندفع الرئيس الالماني يوهانّس راو الى القول: «من المؤسف اننا لا نزال بحاجة في هذه الايام الى مَن يذكّرنا بأن للاولاد حقوقا». او الى مَن يذكّرنا بأنهم لا يزالون يواجهون مشاكل خطيرة! فبعدما اعترفت اليونيسف في تشرين الثاني (نوفمبر) ١٩٩٩ انه «لا يزال هنالك الكثير لفعله»، اوضحت: «يموت كل سنة ما يقدَّر بـ ١٢ مليون طفل دون الخامسة، ومعظمهم يموتون لأسباب تسهل الوقاية منها. ونحو ١٣٠ مليون طفل في البلدان النامية لا يذهبون الى المدرسة الابتدائية . . . ويعاني نحو ١٦٠ مليون طفل سوء التغذية بدرجة خطيرة او معتدلة. . . . وكثيرون من الاطفال غير المرغوبين يُتركون في دور الايتام وفي مؤسسات اخرى، فلا ينالون العِلم والرعاية الصحية المناسبة. وغالبا ما تساء معاملة هؤلاء الاطفال. وكذلك يقدَّر ان ٢٥٠ مليون طفل يُشغَّلون اشغالا شاقة». وذُكر ايضا ان ٦٠٠ مليون طفل يعيشون في فقر مدقع، وأن ١٣ مليونا سيموت احد والديهم على الاقل من الأيدز قبل نهاية سنة ٢٠٠٠.
يبدو انه ليس من السهل ان يجد القادة السياسيون حلولا مرضية لهذه المشاكل. لكنَّ مشاكل الاولاد ليست محصورة بالبلدان النامية. فأولاد كثيرون في البلدان الغربية يعانون حرمانا من نوع آخر.
[النبذة في الصفحة ٤]
«من المؤسف اننا لا نزال بحاجة في هذه الايام الى مَن يذكّرنا بأن للاولاد حقوقا»
[الاطار/الصورة في الصفحة ٥]
اعلان الامم المتحدة لحقوق الطفل:
• الحق في اسم وجنسية.
• الحق في الحنان، الحب، والتفهم، وفي الامن المادي.
• الحق في الغذاء الكافي والمأوى والخدمات الطبية.
• الحق في العناية الخاصة اذا كان معوَّقا، سواء كان ذلك جسميا او عقليا او اجتماعيا.
• الحق في ان يكون بين اوائل الذين يحظون بالحماية والإغاثة في جميع الظروف.
• الحق في الحماية من جميع صوَر الاهمال والقسوة والاستغلال.
• الحق في فرصة كاملة للَّعب واللهو وفرصة مساوية للتعليم المجاني والالزامي، لتمكين الطفل من تنمية قدراته الفردية والصيرورة عضوا مفيدا في المجتمع.
• الحق في تنمية امكانياته الكاملة في اجواء من الحرية والكرامة.
• الحق في ان يُربَّى على روح التفهم والتسامح، الصداقة بين الشعوب، والسلم والاخوَّة العالمية.
• الحق في التمتع بهذه الحقوق بصرف النظر عن العرق او اللون او الجنس او الدين او الرأي، السياسي و غير السياسي، او الاصل القومي او الاجتماعي او الثروة او النسب او اي وضع آخر.
[المصدر]
ملخَّصٌ مؤسس على الامم المتحدة لكل انسان (بالانكليزية)
[مصدر الصورة في الصفحة ٣]
UN PHOTO 148038/Jean Pierre Laffont
UN photo
[مصدر الصورة في الصفحة ٤]
Photos on pages 4 and 5 Giacomo Pirozzi/Panos Pictures
-
-
الاولاد يستحقون الشعور بأنهم مرغوبون ومحبوبوناستيقظ! ٢٠٠٠ | كانون الاول (ديسمبر) ٨
-
-
الاولاد يستحقون الشعور بأنهم مرغوبون ومحبوبون
«أعطِ الطفل قليلا من الحب، تنلْ منه الجزيل». هذا ما كتبه جون راسْكِن، كاتب وناقد انكليزي عاش في القرن الـ ١٩. ولا شك ان معظم الوالدين يوافقون على ان محبة المرء لأولاده تؤتي ثمارا جيدة، ليس فقط لأن الاولاد سيبادلون عندئذ والديهم المحبة، بل لأن لهذه المحبة — وهذا اهم — تأثيرا ايجابيا في الاولاد.
مثلا، ذكر كتاب المحبة ومكانها في الطبيعة (بالانكليزية) انه بدون محبة «غالبا ما يموت الاولاد». حتى ان آشلي مونتاڠيو، عالِم الانسان الشهير البريطاني المولد، قال: «الولد الذي لا يُحَبّ مختلف كثيرا من الناحية الكيميائية الحيوية والفيزيولوجية والنفسية عن الولد الذي يُحَبّ. حتى ان الاول ينمو بشكل مختلف عن الاخير».
وأوردت صحيفة ذا تورونتو ستار (بالانكليزية) دراسة جرى التوصُّل فيها الى استنتاجات مماثلة. قالت: «ان الاولاد الذين نشأوا دون ان يُعانقوا، يُربَّتوا بلطف او يُلامَسوا . . . لديهم مستويات عالية غير سوية من هرمونات الاجهاد». فالاهمال الجسدي في الطفولية «يمكن ان تكون له تأثيرات بعيدة المدى وخطيرة في التعلُّم والذاكرة».
تُبرز هذه الاكتشافات كم هو ضروري وجود الوالدين الى جانب اولادهم بالمعنى الحرفي. وإلا فكيف يمكن ان تنمو علاقات متينة بين الولد وأبيه او امه؟! ولكن من المؤسف انه حتى في البلدان الغنية من العالم، تروج اليوم فكرة تزويد الاولاد بحاجاتهم بعيدا عن والديهم. فالاولاد يُرسَلون الى المدرسة، وإلى مدرسة الاحد، وإلى العمل، وإلى المخيَّم الصيفي، ويُعطَون المال ويُرسَلون الى مراكز التسلية. وهكذا يدور ملايين الاولاد حول نواة العائلة، اذا جاز التعبير، وإنما على مسافة كبيرة منها، مما يجعلهم يشعرون — ولو في عقلهم الباطني — بأنهم مهمَلون، غير مرغوبين، غير محبوبين، محاطون بعالم عدائي يسيطر عليه الكبار. وربما يفسِّر هذا الشعور السائد بين الاولاد لماذا هنالك ما يقدَّر بـ ٠٠٠,٣ ولد يعيشون في شوارع برلين. مثالا لذلك، قال ميخا الصغير: «لم يعد احد يريدني». كذلك تذمَّر صبي ألماني في التاسعة من العمر قائلا: «ليتني كنتُ الكلب الذي يربّى في بيتنا».
سوء معاملة الاولاد يتخذ اشكالا كثيرة
اهمال الاولاد هو احد اشكال سوء المعاملة الذي يدل على وجود نقص في ما يدعوه الكتاب المقدس ‹الحنو›. (روما ١:٣١؛ ٢ تيموثاوس ٣:٣) ويمكن ان يؤدي الاهمال الى اشكال اخرى من سوء المعاملة اخطر منه. مثلا، منذ سنة ١٩٧٩، السنة الدولية للطفل، يُلفت المزيد من الانتباه الى مشكلتَي الاساءة الجسدية والاساءة الجنسية الى الاولاد. من الصعب طبعا جمع احصائيات دقيقة، علما بأنها تتفاوت بين مكان وآخر. ولكن لا يوجد شك في ان الندوب العاطفية التي تبقى حتى الرشد في نفس الاولاد المساء اليهم جنسيا ليست سهلة المحو.
كل اشكال سوء المعاملة تترك عند الاولاد الانطباع انهم غير محبوبين وغير مرغوبين. ويبدو ان هذه المشكلة تتفاقم. فبحسب الصحيفة الالمانية دي ڤيلت، «يتزايد عدد الاولاد الذين يكبرون وهم يعانون مشكلة اجتماعية تمنع عيشهم حياة طبيعية». وتضيف: «يفتقر الاولاد الى الدفء الذي تولّده الحياة العائلية. فبحسب [ڠيرت رومايكه، مدير مركز لإرشاد الاولاد في مدينة هامبورڠ]، يضعف الرباط العاطفي الذي يجمع الاولاد مع والديهم، او انه لا ينشأ البتة اساسا. فيشعر هؤلاء الاولاد بالاهمال، ولا تتحقق رغبتهم في الشعور بالامان».
ويتطور احساس بالمرارة عند الاولاد الذين يُحرمون من حقهم في الشعور بأنهم مرغوبون ومحبوبون، فيصبّون جام غضبهم على الذين اهملوهم او ربما على المجتمع ككل. وقبل عشر سنين تقريبا، اشار تقرير صادر عن مجموعة عمل كندية الى ضرورة اتخاذ اجراء عاجل، وإلا ضاع جيل برمّته «يعتقد ان المجتمع لا يهتم لأمره».
قد يفكر المراهقون غير المحبوبين وغير المرغوبين في الهرب من البيت ليبتعدوا عن مشاكلهم، فيجدون مشاكل اكبر في المدن التي تكثر فيها الجرائم والمخدِّرات والفساد الادبي. وفي الواقع، قدَّرت الشرطة قبل اكثر من ٢٠ سنة انه في واحدة فقط من المدن الاميركية، يعيش في الشوارع ٠٠٠,٢٠ ولد لم يتجاوزوا الـ ١٦ من العمر، هاربين من بيوتهم. ووُصف هؤلاء بأنهم «نتاج البيوت المحطمة ونتاج الوحشية، وغالبا ما يكون السبب والدين كحوليين او مدمنين على المخدِّرات. فيلجأ الاولاد الى العيش في الشوارع ويمارسون البغاء ليحصلوا على لقمة العيش. عندئذ يبدأ القوّادون بضربهم ويسلبونهم احترامهم لنفسهم، فيعيشون في خوف من الانتقام اذا حاولوا التوقف عن كسب المال بهذه الطريقة». والمؤسف ان هذا الوضع المزري لا يزال قائما رغم الجهود المخلصة التي تُبذل لتغييره.
ان الاولاد الذين يترعرعون في جو مماثل لما هو مذكور آنفا يصيرون راشدين غير متَّزنين، وغالبا ما لا يتمكنون من تربية اولادهم كما يجب. فهؤلاء الراشدون الذين كانوا غير مرغوبين وغير محبوبين ينجبون ذرية مثلهم: اولادا يشعرون بأنهم غير مرغوبين وغير محبوبين. وقد اوجز سياسي ألماني المشكلة بهذه الكلمات: «الاولاد الذين لم يُحَبّوا يصيرون راشدين مملوئين بغضا».
طبعا، يبذل ملايين الوالدين قصارى جهدهم لكي يعرف اولادهم انهم مرغوبون ومحبوبون. وهم لا يقولون لهم ذلك فحسب، بل يمنحون اولادهم العناية الحبية والاهتمام الشخصي اللذين يستحقهما كل ولد. ومع ذلك، تبقى هنالك مشاكل — مشاكل لا يستطيع الوالدون وحدهم ان يحلّوها. مثلا، في بعض انحاء العالم، تفشل الانظمة الاقتصادية والسياسية البشرية الناقصة في توفير الرعاية الصحية الملائمة والتعليم المناسب والتغذية الكافية للاولاد، كما انها لا تحميهم من مشكلة تشغيل الاولاد ومن الاوضاع المعيشية المزرية. وكثيرا ما تزداد هذه الاوضاع سوءا بسبب الراشدين الجشعين، الفاسدين، الانانيين، والعديمي الاعتبار لحقوق الآخرين.
لقد اتى كوفي انان، الامين العام للامم المتحدة، على ذكر بعض المشاكل التي يواجهها الاولاد اليوم حين كتب: «لا يزال ملايين الاطفال يتحملون مَذَلّات الفقر المريعة؛ ويعاني مئات الآلاف من الاطفال تأثيرات الصراعات والفوضى الاقتصادية؛ عشرات الآلاف شوَّهتهم الحروب؛ وأعداد اكبر يتَّمهم او قضى عليهم ڤيروس العوز المناعي البشري/الأيدز».
ولكن لا يعني كل ذلك انه لم يتحسن وضع الاولاد ولو قليلا! فوكالات الامم المتحدة، كصندوق رعاية الطفولة التابع للامم المتحدة (اليونيسف) ومنظمة الصحة العالمية، تبذل كل ما في وسعها لتحسِّن حال الاولاد. ذكر انان: «يولد المزيد من الاطفال بصحة جيدة، ويُعطى المزيد منهم جرعات لتعزيز المناعة. بإمكان المزيد منهم القراءة والكتابة، ويملك المزيد الحرية ليتعلموا ويلعبوا ويعيشوا حياتهم كأطفال؛ وهذه الزيادة هي اكبر مما اعتُقد انه ممكن قبل عشر سنوات فقط». ومع ذلك حذَّر: «ليس الآن الوقت لنقف ونكتفي بالانجازات الماضية».
اكثر مَن يستحقون الاهتمام
هنالك اولاد يستحقون اهتماما خصوصيا. ففي اوائل الستينات، صُدم العالم عندما وردت تقارير من اكثر من ١٢ بلدا عن ولادة آلاف الاطفال الذين دُعوا اطفال التاليدوميد. والتاليدوميد هو دواء مسكّن ومنوِّم، وقد تناولته النساء الحوامل دون ان يُعرف ان له تأثيرا جانبيا يؤدي الى ولادة اطفال بأطراف يابسة او بلا اطراف. وغالبا ما كانت ايديهم وأرجلهم شبيهة بزعانف لا اكثر.
وبعد اربعة عقود، صارت الالغام الارضية تُعتبر المشوِّه الرئيسي للاولاد.a فالبعض يقدِّرون ان ٦٠–١١٠ ملايين لغم قابل للانفجار مزروعة في كل انحاء العالم. ويُقتل او يتشوَّه كل سنة نحو ٠٠٠,٢٦ شخص، منهم اولاد كثيرون. ومنذ سنة ١٩٩٧، حين حازت جودي وليامز جائزة نوبل للسلام بسبب حملتها لحظر الالغام الارضية، تركَّز الاهتمام كثيرا على هذه المشكلة. لكنَّ حقول الالغام لا تزال موجودة. قال سياسي ألماني عن الجهود الرامية الى تخليص العالم من الالغام الارضية: «الامر اشبه بمحاولة افراغ حوض الاستحمام بملعقة صغيرة فيما الحنفية مفتوحة».
والفئة الاخرى التي تستحق اهتماما خصوصيا تشمل الاولاد الذين لا والدين لهم. قصد يهوه اللّٰه، خالق الانسان، ان يترعرع الاولاد وهم يلقون العناية الحبية من أمّ وأب على السواء. فالولد يحتاج ويستحق هذه التربية المتوازنة.
تسعى دور الايتام ووكالات التبني الى الاهتمام بحاجات الاطفال الذين لا والدين لهم. ولكن من المؤسف ان بعض الاطفال المحرومين، المحتاجين اكثر الى مَن يتبنّاهم، هم اكثر مَن يجري تجاهلهم، ونقصد الاولاد المرضى او الذين يعانون مشاكل في التعلُّم او المعوَّقين جسديا او الذين والدوهم اجانب.
وقد تأسست جمعيات تشجِّع الناس على التبرع بالمال بشكل منتظم بحيث «يتبنّون» ولدا يعيش في بلد غير غني. ويُستخدم المال المتبرَّع به لتعليم الولد او لتزويده بضروريات الحياة. وإذا اراد المتبرِّع، يمكن تبادل الصور والرسائل لتقوية العلاقة بين الطرفين. ومع ان هذا الترتيب نافع، فهو ليس الحلّ المثالي.
ثمة حركة، احتفلت سنة ١٩٩٩ بمرور نصف قرن على انشائها، هي مثال مثير آخر لما يمكن فعله لمساعدة الاطفال الذين لا والدين لهم.
قرية الاطفال SOS
في سنة ١٩٤٩، اسس هرمان ڠماينر في بلدة إيمست النمساوية ما دعاه «قرية الاطفال SOS». ومن هذه البداية الصغيرة، اتسعت منظمته وصارت تشمل نحو ٥٠٠,١ قرية ومؤسسة مماثلة في ١٣١ بلدا آسيويا وإفريقيا وأميركيا وأوروپيا.
جعل ڠماينر مشروعه يقوم على اربعة مبادئ: الامّ، الاخوة، البيت، والقرية. تشكّل «امّ» اساس «عائلة» مؤلفة من خمسة او ستة اولاد، وربما اكثر. فتعيش معهم وتحاول ان تمنحهم المحبة والاهتمام المتوقعَين من امّ حقيقية. ويبقى الاولاد معا في نفس «العائلة» ومع نفس «الامّ» الى ان يحين وقت مغادرتهم «البيت». تتألف «العائلة» من اولاد بمختلف الاعمار. وبوجود «اخوة» و «اخوات» اكبر وأصغر سنا، يتعلم الاولاد كيف يهتمون واحدهم بالآخر، وهكذا لا ينمو عندهم ميل الى التفكير في انفسهم فقط. وتُبذل الجهود لضمّ الاولاد الى «العائلة» في اصغر سن ممكنة. ويبقى دائما الاخوة والاخوات في الجسد معا ضمن «العائلة» نفسها.
تتألف القرية من نحو ١٥ «عائلة»، وكل «عائلة» تعيش في بيت مستقل. يتدرب جميع الاولاد على مساعدة «امّهم» عند القيام بالاعمال المنزلية. ومع انه لا يوجد اب، تُصنع الترتيبات ليعطي رجل نصائح ابوية ويزود التأديب اللازم. يذهب الاولاد الى المدارس المحلية. وتحصل كل «عائلة» على مصروف شهري ثابت لتغطية نفقاتها. وتُشترى الاطعمة والملابس من السوق المحلية. ان الهدف من ذلك هو تعريف الاولاد بالحياة العائلية النموذجية بكل مشاكلها وأفراحها، وهذا ما يمكّنهم من العيش حياة عادية الى اقصى حد ممكن. ويُعدّهم ذلك لتأسيس عائلات خاصة بعدما يبلغون سن الرشد.
البحث عن الحلّ الامثل مستمر
تقوم وكالات التبني، دور الايتام، قرى الاطفال SOS، اليونيسف، وغيرها من المنظمات والهيئات المماثلة، بعمل جيد حين تسعى الى تقديم الدعم للاولاد المحرومين. ولكن لا يمكن لأيّ منها ان ينكر استمرار وجود اناس محرومين. ومهما كانت نواياها صافية، فلا يمكنها ان تعطي الولد المُقعد ساقَين طبيعيتَين قويتَين، او تنشّط دماغ الولد المعاق عقليا، او تجمع الولد مع والدَيه المنفصلَين او المطلّقَين، او تضعه من جديد في حضن امّ او اب فارق الحياة.
لا يستطيع البشر مهما حاولوا ان يوفّروا الحلّ الامثل لمشاكل الاولاد. لكنَّ هذه المشاكل ستُحلّ! نعم، وفي وقت اقرب مما تتوقّعون على الارجح. ولكن كيف؟
[الحاشية]
a انظروا السلسلة «الألغام الارضية — هل من حلّ؟» التي صدرت في عدد ٨ ايار (مايو) ٢٠٠٠ من هذه المجلة.
[الصور في الصفحة ٩]
يحتاج ويستحق الولد المحبة من كلا والدَيه
-
-
الحلّ أخيرا!استيقظ! ٢٠٠٠ | كانون الاول (ديسمبر) ٨
-
-
الحلّ أخيرا!
تخيَّلوا عالَما يشعر فيه كل ولد بأنه مرغوب ومحبوب، وينعم بوجود والدَين حنونَين ومحبَّين يريدان من كل قلبهما ان يعطيا ولدهما افضل ارشاد وتوجيه ممكنَين. وتخيَّلوا عالَما يتمتع فيه كل ولد بصحة جسدية وعقلية ممتازة، حيث لا يعيش الاولاد في الشوارع، وحيث لا يُسلَبون طفولتهم بسبب اضطرارهم الى العمل لكسب لقمة العيش!
أهذا ما ترجون حدوثه؟ طبعا. أتجدونه ممكنا؟ يعتقد شهود يهوه ان هذا ممكن، وذلك لسببين اثنين.
بإمكان الوالدين ان يزوّدوا جزءا من الحلّ
انتم توافقون دون شك على ان الراشدين قادرون على حلّ بعض مشاكل الاولاد — وأحيانا على منع حدوثها. هذا ممكن طبعا شرط ان يكون هؤلاء الراشدون راغبين في ذلك. نعم، يحمل الوالدون المفتاح الذي يحلّ جزءا من المشكلة.
مثلا، ان الراشدين القادرين على اتِّباع مشورة الكتاب المقدس، التي تنصح «ألا تفارق الزوجة زوجها . . . ولا يترك الزوج زوجته»، لا يتألم اولادهم بسبب عيشهم في بيت محطم نتيجة الانفصال او الطلاق. — ١ كورنثوس ٧:١٠، ١١.
والراشدون الذين يريدون فعلا اتِّباع مشورة الكتاب المقدس، التي تنصح ‹بالسير بلياقة، لا في القصف وحفلات السكر›، لا يتألم اولادهم بسبب ما يحصل للعائلات التي يسكر فيها الوالدون او يدمنون على المخدِّرات. — روما ١٣:١٣؛ افسس ٥:١٨.
والراشدون الذين يريدون فعلا اتِّباع مشورة الكتاب المقدس، التي تنصح ‹بالامتناع عن العهارة›، يقلّلون من خطر ان يكبر اولادهم وهم يشعرون بأنهم غير مرغوبين، وربما في عائلة من والد واحد. — ١ تسالونيكي ٤:٣؛ متى ١٩:٩.
والراشدون الذين يريدون فعلا اتِّباع مشورة الكتاب المقدس، التي تنصح ‹بألا تغيظوا اولادكم لئلا تتثبط عزيمتهم›، وهم ‹يحبون اولادهم›، يجنِّبونهم الشعور بألم الاساءة الجسدية او النفسية بمختلف اشكالها. — كولوسي ٣:٢١؛ تيطس ٢:٤.
باختصار، اذا اراد جميع الراشدين فعلا اتِّباع مشورة الكتاب المقدس التي ذكرها يسوع: «كل ما تريدون أن يفعل الناس بكم افعلوا هكذا أنتم أيضا بهم»، فهل يستمر وجود ملايين الاولاد الذين يشعرون بأنهم غير مرغوبين وغير محبوبين؟ — متى ٧:١٢.
من المفرح ان راشدين كثيرين يريدون فعلا القيام بكل ما ذُكر آنفا. ولكن من المؤسف ان الامر لا ينطبق على جميع الراشدين، وهنا تكمن المشكلة. حتى الاشخاص المستعدون لفعل كل ما يلزم يجدون غالبا ان جهودهم تفشل بسبب النقص البشري وبسبب امور خارجة عن نطاق سيطرتهم. صحيح ان بإمكان البشر تزويد جزء من الحلّ لمشاكل الاولاد، ولكن من الواضح انهم لا يستطيعون تزويد الحلّ الاكمل.
حكومة الهية تزوّد الحلّ الاكمل
كان الكاتب جون راسْكِن، المذكور في المقالة السابقة، مقتنعا بأن «اول واجبات الدولة هو التأكد ان كل طفل يولد ضمن اراضيها يحصل على المأوى واللباس والطعام والتعليم الجيد، الى ان يبلغ سن الرشد». لكنَّ راسْكِن اعترف بأنه «لكي [يتحقق] ذلك، يجب ان تملك الحكومة نوعا من السلطة على الشعب لا يمكن حتى ان نحلم به اليوم».
فقط الحكومة التي تلقى دعما الهيا يمكن ان تملك السلطة الحبية التي تحدث عنها راسْكِن. وهنالك وعد بحكومة كهذه، حسبما ذكر يسوع في متى ٦:٩، ١٠. وعندما تُحكِم هذه الحكومة الالهية سيطرتها على شؤون الارض، ستمارس سلطتها على كل الشعوب، مزوِّدةً المأوى واللباس والطعام والتعليم لجميع رعاياها، بمن فيهم الاولاد. (اشعياء ٦٥:١٧-٢٥) لكنَّ هذه الحكومة الكاملة لن تكتفي بذلك.
ففي ظل ملكوت اللّٰه سيتمكن البشر من تربية الاولاد بطريقة متوازنة. (ايوب ٣٣:٢٤-٢٦) وسيُنشَّأ الصغار على روح السلم والاخوّة العالمية، الهدف السامي المذكور في اعلان الامم المتحدة لحقوق الطفل. (مزمور ٤٦:٨، ٩) ولن تنشأ اية حاجة من جديد الى سنة دولية للطفل او لاتفاقية حول حقوق الطفل.
ولن يصعب على المسيح يسوع، ملك هذه الحكومة السماوية، ان يردّ الصحة والعافية الى الوالدين وإلى الاطفال المعوَّقين. فعجائب الشفاء التي صنعها حين كان على الارض هي الضمانة لذلك. (لوقا ٦:١٧-١٩؛ يوحنا ٥:٣-٩؛ ٩:١-٧) حتى ان اقامة الاطفال والوالدين الموتى لن تستعصي عليه! — متى ٩:١٨-٢٥.
كم يفرح المرء حين يعرف ان وقت تدخُّل اللّٰه لمصلحة اطفال الارض صار قريبا!
[الاطار/الصور في الصفحة ١٢]
مساعدة للأحداث
يهتم شهود يهوه كثيرا بمساعدة الاحداث على تجنب الوقوع في المشاكل، كما انهم يُظهرون لهم كيف يواجهون المشاكل التي لا يمكن تجنبها. ولهذا الهدف نشروا على مر السنين عددا من المساعِدات على سد حاجات الصغار والاحداث، سواء كانوا اصغر من ان يذهبوا الى المدرسة او في سن المراهقة. وتشمل هذه المساعِدات كتابَي كتابي لقصص الكتاب المقدس و اسئلة يطرحها الاحداث — اجوبة تنجح، بالاضافة الى شريط الڤيديو الاحداث يسألون — كيف يمكنني ان اصنع اصدقاء حقيقيين؟. ويمكن الحصول عليها بواسطة اشخاص من شهود يهوه يعيشون في منطقتكم او بالكتابة الى ناشري هذه المجلة.
يُظهر شهود يهوه لأولادهم انهم مرغوبون ومحبوبون حين يناقشون معهم دائما ما يمرّون به من مشاكل. وغالبا ما يستعمل الوالدون المعلومات المفيدة في الكتابَين المذكورَين آنفا كأساس لبرنامج تقدُّمي ومنتظم لتعليم الصغار والاحداث. وربما تفكّرون في اتِّباع برنامج تعليمي مماثل مع اولادكم.
-