-
المرض الاكثر اثارة للرعب في القرن التاسع عشراستيقظ! ٢٠١١ | كانون الثاني (يناير)
-
-
المرض الاكثر اثارة للرعب في القرن التاسع عشر
سنة ١٨٥٤، خيّم شبح الكوليرا مجددا على مدينة لندن. وسرى المرض فيها سريان النار في الهشيم. فكثيرون ممن استفاقوا في صحة جيدة وافتهم المنية بحلول الظلام. ولم يكن ثمة علاج معروف لهذا الداء.
كان اكثر الامراض اثارة للرعب في ذلك القرن وظل سببه طوال سنوات لغزا يكتنفه الغموض. فالبعض ظنوا ان الاصابة بالكوليرا، وهو اعتلال معوي يرافقه اسهال وتجفاف شديدان، تنجم عن تنشق روائح كريهة منبعثة من مواد عضوية فاسدة. وقد بدت تخميناتهم منطقية. فنهر التَّيمز الذي ينساب عبر مدينة لندن فاحت منه رائحة مقيتة. فهل الهواء الملوث هو الذي حمل الكوليرا؟
قبل خمس سنوات، اقترح طبيب اسمه جون سنو ان الماء الملوث لا الهواء الملوث هو الذي ينقل الكوليرا. ورأى طبيب آخر يدعى وليم بِد ان عضوية حية تشبه الفطريات هي اصل المشكلة.
وخلال الفترة التي استشرى فيها الوبأ سنة ١٨٥٤، اختبر سنو نظريته بإجراء دراسة على حياة الذين التقطوا الكوليرا في مقاطعة سوهو اللندنية، باحثا عن قاسم مشترك يجمع بينهم. فتوصل الى اكتشاف مذهل: كل الذين مرضوا بالكوليرا في تلك المقاطعة حصلوا على مياه الشرب من ذات المضخة حيث كان الماء ملوثا بمياه مجارير تحمل ذلك المرض.a
وقد شهدت تلك السنة عينها حدثا بارزا آخر على الصعيد الطبي حين نشر العالِم الايطالي فيليپو باتشيني بحثا يصف العضوية الحية المسببة للكوليرا. غير ان الجزء الاكبر من دراسته وُضع على الرف، مثله مثل اكتشافات سنو وبِد. وراحت الكوليرا تحصد حياة المزيد من الناس حتى سنة ١٨٥٨.
«الرائحة المقززة»
ماطل البرلمان بإنشاء شبكة مجارير جديدة لتنظيف التَّيمز، الا ان موجة الحر التي ضربت المنطقة صيف ١٨٥٨ عجّلت المسألة. فالرائحة البغيضة التي هفّت من النهر المارّ بمحاذاة مجلس العموم كانت من الفظاعة بمكان بحيث اضطر السياسيون الى تعليق ستائر نُقعت في مادة مطهِّرة لإخفاء الرائحة. وما صار يدعى «الرائحة المقززة» حدا بالبرلمان الى اتخاذ اجراء في غضون ١٨ يوما، مُصدرا الامر بإنشاء شبكة مجارير جديدة.
فأُقيمت مصارف ضخمة لتحول دون وصول مياه المجارير الى النهر وتنقلها الى شرق لندن كي تُطرح اخيرا في البحر اثناء حركة المد. وكم كانت النتائج مذهلة! فحالما امست كل المدينة متصلة بالشبكة الجديدة توقف وباء الكوليرا.
وهكذا صار سبب الداء واضحا وضوح الشمس. فهو لا ينتقل عبر الهواء الملوث، بل الماء او الطعام الملوث. كما اتضح بشكل جلي السبيل الى الوقاية منه: اعتماد انظمة صرف صحي ملائمة.
-
-
المرض الاكثر اثارة للرعب في القرن التاسع عشراستيقظ! ٢٠١١ | كانون الثاني (يناير)
-
-
a صحيح ان المراحيض المزودة بسيفونات كانت قيد الاستعمال سنة ١٨٥٤، الا ان شبكة مجارير قديمة سمحت بجريان الفضلات البشرية في مزاريب ومجارير تصب مباشرة في التَّيمز الذي كان مصدرا رئيسيا لمياه الشرب.
-