-
كيف صار العالم المسيحي جزءا من هذا العالمبرج المراقبة ١٩٩٣ | ١ تموز (يوليو)
-
-
[الاطار/الصورة في الصفحتين ١٠ و ١١]
كيف صارت «المسيحية» دين دولة
لم يُقصد قط ان تكون المسيحية جزءا من هذا العالم. (متى ٢٤:٣، ٩؛ يوحنا ١٧:١٦) ولكن تخبرنا كتب التاريخ انه في القرن الرابع بم، صارت «المسيحية» دين الدولة الرسمي للامبراطورية الرومانية. فكيف حدث ذلك؟
من نيرون (٥٤-٦٨ بم) وحتى وقت متقدِّم من القرن الثالث بم، كان جميع اباطرة الرومان يضطهدون المسيحيين بشكل فعَّال او يسمحون باضطهادهم. وڠاليينوس (٢٥٣-٢٦٨ بم) كان اول امبراطور روماني اصدر بيان تسامح من اجلهم. وحتى في ذلك الحين، كانت المسيحية دينا محروما من حماية القانون في كل مكان من الامبراطورية. وبعد ڠاليينوس، استمر الاضطهاد، حتى انه قوي في ظل حكم ديوقليتيانُس (٢٨٤-٣٠٥ بم) وخلفائه المباشرين.
وأتت نقطة التحول باكرا في القرن الرابع مع ما يُدعى باهتداء الامبراطور قسطنطين الاول الى المسيحية. وفي ما يتعلق بهذا «الاهتداء،» يذكر المؤلَّف الفرنسي Théo—Nouvelle encyclopédie catholique (تِيو — دائرة المعارف الكاثوليكية الجديدة): «ادَّعى قسطنطين انه امبراطور مسيحي. وفي الحقيقة، اعتمد فقط وهو على فراش الموت.» ومع ذلك، في سنة ٣١٣ بم، اصدر قسطنطين وشريكه الامبراطور ليسينيوس مرسوما يمنح الحرية الدينية للمسيحيين والوثنيين على السواء. تذكر دائرة المعارف الكاثوليكية الجديدة: «ان مَنْح قسطنطين حرية العبادة للمسيحيين، الذي دل على انه جرى الاعتراف رسميا بالمسيحية ك رِليجيو ليكيتا [دين شرعي] الى جانب الوثنية، كان عملا ثوريا.»
لكنَّ دائرة المعارف البريطانية الجديدة تعلن: «لم يجعل [قسطنطين] المسيحية دين الامبراطورية.» ويكتب المؤرخ الفرنسي جان-ريمي پالانك، عضو في معهد فرنسا: «الدولة الرومانية . . . بقيت، مع ذلك، وثنية رسميا. وقسطنطين، عندما التصق بدين المسيح، لم يُنهِ تلك الحالة.» وذكر الپروفسور إرنست باركر في مؤلَّفه تراث روما: «لم يُنتج [انتصار قسطنطين] التأسيس الفوري للمسيحية كدين للدولة. فقسطنطين كان مكتفيا بأن يعترف بالمسيحية كإحدى العبادات العامة للامبراطورية. وطوال السبعين سنة التالية كانت الشعائر الوثنية القديمة تُنجَز رسميا في روما.»
لذلك في هذه المرحلة كانت «المسيحية» دينا شرعيا في الامبراطورية الرومانية. فمتى صارت، بكل معنى الكلمة، دين الدولة الرسمي؟ نقرأ في دائرة المعارف الكاثوليكية الجديدة: «استمرت سياسة [قسطنطين] من خلال خلفائه باستثناء جوليان [٣٦١-٣٦٣ بم]، الذي انتهى اضطهاده للمسيحيين فجأة عند موته. وأخيرا، في الربع الاخير من القرن الـ ٤، جعل ثيودوسيوس الكبير [٣٧٩-٣٩٥ بم] المسيحية الدين الرسمي للامبراطورية ووضع حدا للعبادة الوثنية العامة.»
واذ اكَّد ذلك وكشف ماذا كان دين الدولة الجديد هذا، كتب عالِم الكتاب المقدس والمؤرخ ف. ج. فوكس جاكسون: «كانت المسيحية والامبراطورية الرومانية متحالفتين في ظل حكم قسطنطين. وكانتا متحدتين في ظل حكم ثيودوسيوس . . . ومن ذلك الحين فصاعدا كان سيُحتفظ باللقب كاثوليكي لاولئك الذين عبدوا الآب، الابن والروح القدس بتوقير متساوٍ. والسياسة الدينية بكاملها لهذا الامبراطور توجَّهت نحو هذا القصد، وأدَّت الى صيرورة الايمان الكاثوليكي الدين الشرعي الوحيد للرومان.»
كتب جان-ريمي پالانك: «فيما كان يقاوم الوثنية، اعلن ثيودوسيوس عن رأيه ايضا لصالح الكنيسة الارثوذكسية [الكاثوليكية]؛ فمرسومه سنة ٣٨٠ بم امر جميع رعاياه ان يعترفوا بإيمان البابا داماسوس وأسقف الاسكندرية [الثالوثي] وحرم المخالفين من حرية العبادة. ومن جديد دان مجمع القسطنطينية الكبير (٣٨١) جميع الهراطقة، وتأكد الامبراطور من عدم تأييد ايّ اسقف لهم. وصارت المسيحية [الثالوثية] النيقاوية فعلا والى حد بعيد دين الدولة . . . فكانت الكنيسة في اتحاد وثيق مع الدولة وتمتعت بدعمها المطلق.»
وهكذا، لم تكن المسيحية غير المزيفة في ايام الرسل هي التي صارت دين الدولة للامبراطورية الرومانية. فالكاثوليكية الثالوثية للقرن الرابع، التي فرضها بالقوة الامبراطور ثيودوسيوس الاول والتي مارستها الكنيسة الكاثوليكية الرومانية، هي التي كانت آنذاك كما هي الآن، جزءا من هذا العالم حقا.
[مصدر الصورة]
(Emperor Theodosius I: Real Academia de la Historia, Madrid )Foto Oronoz
-
-
كيف صار العالم المسيحي جزءا من هذا العالمبرج المراقبة ١٩٩٣ | ١ تموز (يوليو)
-
-
غلبها العالم
اظهر المؤرخ الكنسي اوغسطوس نياندر المخاطر التي تنطوي عليها هذه العلاقة الجديدة بين «المسيحية» والعالم. فإذا ضحَّى المسيحيون بانفصالهم عن العالم، «تكون العاقبة حالة من اختلاط الكنيسة بالعالم . . . وبذلك تفقد الكنيسة نقاوتها، وفيما تبدو غالبة، تُغلَب هي نفسها،» كما كتب. — التاريخ العام للدين المسيحي والكنيسة، المجلد ٢ الصفحة ١٦١.
وهذا ما حدث. ففي وقت مبكِّر من القرن الرابع، حاول الامبراطور الروماني قسطنطين ان يستخدم الدين «المسيحي» في عهده ليثبِّت امبراطوريته التي تنحل. ولهذه الغاية، منح المدَّعين المسيحية الحرية الدينية ونقل بعض امتيازات الكهنوت الوثني الى صف رجال دينهم. تذكر دائرة المعارف البريطانية الجديدة: «أَخرج قسطنطين الكنيسة من انقطاعها عن العالم لتقبل مسؤولية اجتماعية وساعد على استمالة المجتمع الوثني الى الكنيسة.»
دين الدولة
بعد قسطنطين، حاول الامبراطور جوليان (٣٦١-٣٦٣ بم) ان يقاوم المسيحية ويعيد الوثنية. ولكنه فشل، وبعد نحو ٢٠ سنة، حظر الامبراطور ثيودوسيوس الاول الوثنية وفرض «المسيحية» الثالوثية كدين للدولة في الامبراطورية الرومانية. وبدقة بارعة، كتب المؤرخ الفرنسي هنري مارو: «بحلول نهاية حكم ثيودوسيوس، صارت المسيحية، او لنكون اكثر دقة، الكاثوليكية الارثوذكسية، الدين الرسمي للعالم الروماني بكامله.» فحلت الكاثوليكية الارثوذكسية محل المسيحية الحقيقية وصارت «جزءا من العالم.» وكان دين الدولة هذا مختلفا جدا عن دين أتباع يسوع الاوَّلين، الذين قال لهم: «لستم جزءا من العالم.» — يوحنا ١٥:١٩.
كتب المؤرخ والفيلسوف الفرنسي لويس روجييه: «اذ انتشرت، خضعت المسيحية لتحوُّلات غريبة الى حد انه صار تمييزها غير ممكن . . . وكنيسة الفقراء الاولى، التي حافظت على بقائها بالإحسان، صارت كنيسة منتصرة توصَّلت الى الاتفاق مع اصحاب السلطة عندما كانت عاجزة عن السيطرة عليهم.»
وفي وقت مبكر من القرن الخامس بم، كتب «القديس» الكاثوليكي الروماني اوغسطين مؤلَّفه الرئيسي مدينة اللّٰه. ووصف فيه مدينتين، «تلك التي للّٰه وتلك التي للعالم.» فهل اكَّد هذا العمل الانفصال بين الكاثوليك والعالم؟ في الحقيقة لا. يذكر الپروفسور لاتورِت: «اعترف اوغسطين بصراحة [ان] المدينتين، الارضية والسماوية، ممزوجتان معا.» وعلَّم اوغسطين ان «ملكوت اللّٰه قد ابتدأ في هذا العالم مع تأسيس الكنيسة [الكاثوليكية].» دائرة المعارف البريطانية الجديدة، ماكروپيديا، المجلد ٤، الصفحة ٥٠٦) ولذلك، مهما كان قصد اوغسطين الاصلي، فقد كان لنظرياته تأثير في تورط الكنيسة الكاثوليكية بشكل اعمق في الشؤون السياسية لهذا العالم.
-