-
تطلعوا الى يهوه من اجل التعزيةبرج المراقبة ١٩٩٦ | ١ تشرين الثاني (نوفمبر)
-
-
تطلعوا الى يهوه من اجل التعزية
«ليعطكم اله الصبر والتعزية ان تهتموا اهتماما واحدا فيما بينكم بحسب المسيح يسوع.» — رومية ١٥:٥.
١ لماذا يحمل كل يوم حاجة اعظم الى التعزية؟
كل يوم يمرّ يحمل معه حاجة متزايدة الى التعزية. وكما لاحظ احد كتبة الكتاب المقدس قبل اكثر من ٩٠٠,١ سنة، «كل الخليقة تئن وتتمخض [«تتألم،» عج] معا الى الآن.» (رومية ٨:٢٢) وفي زمننا تعاظم ‹الانين› و‹الالم› اكثر من ايّ وقت مضى. فمنذ الحرب العالمية الاولى، يعاني الجنس البشري ازمة بعد اخرى في شكل حروب، جرائم، وكوارث طبيعية ترتبط في الغالب بسوء ادارة الانسان للارض. — رؤيا ١١:١٨.
٢ (أ) مَن هو الاكثر ملامة على ويلات الجنس البشري الحاضرة؟ (ب) ايّ واقع يمنحنا اساسا للتعزية؟
٢ ولماذا هنالك الكثير من الالم في زمننا؟ يجيب الكتاب المقدس، واصفا طرح الشيطان من السموات عقب ولادة الملكوت سنة ١٩١٤: «ويل لساكني الارض والبحر لأن ابليس نزل اليكم وبه غضب عظيم عالما ان له زمانا قليلا.» (رؤيا ١٢:١٢) والدليل الواضح على اتمام هذه النبوة يعني اننا وصلنا تقريبا الى نهاية الحكم الشرير للشيطان. فكم هو معزٍّ ان نعرف ان الحياة على الارض ستتحوَّل قريبا الى الحالة السلمية التي كانت سائدة قبل ان قاد الشيطان ابوينا الاولين الى التمرد!
٣ متى لم يكن البشر بحاجة الى التعزية والراحة؟
٣ في البداية، زوَّد خالق الانسان جنة جميلة موطنا للزوجين البشريين الاولين. وكانت تقع في منطقة تدعى عدن، وتعني «بهجة» او «سرورا.» (تكوين ٢:٨، حاشية عج) وبالاضافة الى ذلك، كان آدم وحواء يتمتعان بصحة كاملة، بأمل عدم الموت ابدا. فكِّروا في المجالات الكثيرة التي كان يمكن ان يطوِّرا مقدراتهما فيها — غرس الحدائق، الفن، البناء، الموسيقى. فكِّروا ايضا في كل الاعمال الخلقية التي كان بإمكانهما ان يدرساها فيما يتمِّمان مهمتهما ان يُخضعا الارض ويجعلاها فردوسا. (تكوين ١:٢٨) حقا، كانت حياة آدم وحواء ستصير ملآنة، لا بالأنين والالم، بل بالسرور والبهجة. ومن الواضح انهما لم يكونا بحاجة الى التعزية والراحة.
٤، ٥ (أ) لماذا فشل آدم وحواء في امتحان الطاعة؟ (ب) كيف صار الجنس البشري بحاجة الى التعزية والراحة؟
٤ لكنَّ آدم وحواء كانا بحاجة الى تنمية محبة وتقدير عميقين لأبيهما السماوي اللطيف. ومحبة كهذه كانت ستدفعهما الى اطاعة اللّٰه في كل الظروف. (قارنوا يوحنا ١٤:٣١.) ومن المؤسف ان ابوينا الاصليين كليهما لم يطيعا المتسلط الشرعي عليهما، يهوه. وعوضا عن ذلك، سمحا لأنفسهما بأن يصيرا تحت الحكم الشرير لملاك منحط، الشيطان ابليس. والشيطان هو مَن اغوى حواء لتخطئ وتأكل من الثمر المحرَّم. ثم اخطأ آدم عندما اكل هو ايضا من ثمر الشجرة التي كان اللّٰه قد حذَّره بوضوح بشأنها: «يوم تأكل منها موتا تموت.» — تكوين ٢:١٧.
٥ بهذه الطريقة، ابتدأ الزوجان الخاطئان يموتان. وعندما اصدر اللّٰه حكم الموت، ذكر ايضا لآدم: «ملعونة الارض بسببك. بالتعب تأكل منها كل ايام حياتك. وشوكا وحسكا تنبت لك وتأكل عشب الحقل.» (تكوين ٣:١٧، ١٨) وهكذا خسر آدم وحواء توقع جعل الارض البور فردوسا. وإذ طُردا من عدن، كان عليهما ان يعملا جاهدَين لتحصيل طعامهما من ارض كانت قد لُعنت. وإذ ورث المتحدرون منهما حالة الخطية والموت هذه، صاروا بحاجة ماسة الى التعزية والراحة. — رومية ٥:١٢.
إتمام وعد معزٍّ
٦ (أ) ايّ وعد معزٍّ قطعه اللّٰه بعد وقوع الجنس البشري في الخطية؟ (ب) اية نبوة تتعلق بالتعزية تلفظ بها لامك؟
٦ اثبت يهوه انه ‹اله التعزية› عندما حكم على المحرِّض على تمرد الانسان. (رومية ١٥:٥) وفَعَل ذلك بوعده بإرسال «نسل» ينقذ اخيرا ذرية آدم من تأثيرات تمرده المأساوية. (تكوين ٣:١٥) وفي الوقت المناسب، زوَّد اللّٰه ايضا ومضات مسبقة تتعلق بهذا الانقاذ. مثلا، اوحى الى لامك، متحدر بعيد من آدم عبر ابنه شيث، ان يتنبأ بما سيفعله ابن لامك: «هذا يعزِّينا عن عملنا وتعب ايدينا من قِبَل الارض التي لعنها الرب.» (تكوين ٥:٢٩) وانسجاما مع هذا الوعد، سُمِّي الصبي نوحا، المفهوم انه يعني «راحة» او «مؤاساة.»
٧، ٨ (أ) ايّ وضع جعل يهوه يتأسف على خلقه الانسان، وماذا قصد ان يفعل تجاوبا مع ذلك؟ (ب) كيف عاش نوح وفقا لمعنى اسمه؟
٧ في هذه الاثناء، كان الشيطان يكسب أتباعا بين بعض الملائكة السماويين. فتجسَّد هؤلاء كبشر وتزوَّجوا متحدرات جذَّابات من آدم. وهذه الروابط غير الطبيعية افسدت ايضا المجتمع البشري وأنتجت سلالة شريرة من النفاليم، «المسقِطين،» الذين ملأوا الارض عنفا. (تكوين ٦:١، ٢، ٤، ١١، عج؛ يهوذا ٦) «ورأى الرب ان شر الانسان قد كثر في الارض. . . . فحزن الرب انه عمل الانسان في الارض. وتأسف في قلبه.» — تكوين ٦:٥، ٦.
٨ قصد يهوه ان يهلك ذلك العالم الشرير بواسطة طوفان عالمي، لكنه قبْل ذلك جعل نوحا يبني فلكا لحفظ الحياة. وهكذا خلص الجنس البشري والانواع الحيوانية. فكم ارتاح نوح وعائلته دون شك بعد الطوفان اذ خرجوا من الفلك الى ارض مطهَّرة! وكم كان معزيا ان يجدوا ان اللعنة على الارض كانت قد رُفعت، مما جعل النشاط الزراعي اسهل بكثير! لقد تبرهنت صحة نبوة لامك، وعاش نوح وفقا لمعنى اسمه. (تكوين ٨:٢١) وكخادم امين للّٰه، كان نوح وسيلة لجلب مقدار من «التعزية» للجنس البشري. لكنَّ التأثير الشرير للشيطان وملائكته الابالسة لم ينتهِ بالطوفان، ويستمر الجنس البشري في الانين تحت وطأة الخطية، المرض، والموت.
شخص اعظم من نوح
٩ كيف تبرهن ان يسوع المسيح شفيع ومعزٍّ للبشر التائبين؟
٩ اخيرا، عند نهاية ٠٠٠,٤ سنة تقريبا من التاريخ البشري، اتى النسل الموعود به. فبدافع المحبة العظيمة للجنس البشري، ارسل يهوه اللّٰه ابنه الوحيد الى الارض ليموت فدية عن الجنس البشري الخاطئ. (يوحنا ٣:١٦) ويجلب يسوع المسيح راحة كبيرة للخطاة التائبين الذين يمارسون الايمان بموته الفدائي. فكل مَن ينذرون حياتهم ليهوه ويصيرون تلاميذ معتمدين لابنه يشعرون بانتعاش وتعزية دائمَين. (متى ١١:٢٨-٣٠، عج؛ ١٦:٢٤) ورغم نقصهم، يجدون فرحا عميقا في خدمة اللّٰه بضمير طاهر. وكم هو معزٍّ لهم ان يعرفوا انه اذا استمروا في ممارسة الايمان بيسوع، فسيُكافأون بالحياة الابدية! (يوحنا ٣:٣٦، عج؛ عبرانيين ٥:٩) واذا ارتكبوا خطية خطيرة بسبب ضعفهم، فلهم شفيع، او معزٍّ، الرب يسوع المسيح المقام. (١ يوحنا ٢:١، ٢) وبالاعتراف بخطية كهذه وباتِّخاذ الخطوات المؤسسة على الاسفار المقدسة لتجنب الصيرورة ممارسين للخطية، ينالون الراحة، عارفين ان ‹اللّٰه امين وعادل حتى يغفر لهم خطيتهم.› — ١ يوحنا ١:٩؛ ٣:٦، عج؛ امثال ٢٨:١٣.
١٠ ماذا نتعلَّم من العجائب التي صنعها يسوع عندما كان على الارض؟
١٠ عندما كان يسوع على الارض جلب ايضا الانتعاش بتحرير مَن فيهم ابالسة، بشفاء كل انواع المرض، وبإقامة الاحباء الموتى وإعادتهم الى الحياة. صحيح ان مثل هذه العجائب كانت ذات فائدة وقتية فقط، لأن الذين بوركوا بها شاخوا بعد ذلك وماتوا. لكنَّ يسوع اشار بواسطتها الى البركات المستقبلية الدائمة التي سيغدقها على كل الجنس البشري. وكملك سماوي قدير الآن، سيفعل قريبا اكثر بكثير من مجرد إخراج الابالسة. فسيجعلهم هم وقائدهم، الشيطان، في حالة خمول. ثم سيبدأ حكم المسيح الالفي المجيد. — لوقا ٨:٣٠، ٣١؛ رؤيا ٢٠:١، ٢، ٦.
١١ لماذا دعا يسوع نفسه «رب السبت»؟
١١ قال يسوع انه «رب السبت،» والعديد من أشفيته صُنع يوم السبت. (متى ١٢:٨-١٣؛ لوقا ١٣:١٤-١٧؛ يوحنا ٥:١٥، ١٦؛ ٩:١٤) فلمَ فعل ذلك؟ كان السبت جزءا من ناموس اللّٰه لاسرائيل وخدم بالتالي ‹كظل الخيرات العتيدة.› (عبرانيين ١٠:١) وتذكِّرنا ايام الاسبوع الستة من العمل بالسنوات الـ ٠٠٠,٦ الماضية لعبودية الانسان للحكم الظالم الذي يمارسه الشيطان. ويوم السبت الذي كان في نهاية الاسبوع يذكِّرنا بالراحة التي سيتمتع بها الجنس البشري خلال حكم نوح الاعظم، يسوع المسيح، الف سنة. — قارنوا ٢ بطرس ٣:٨.
١٢ الى اية اختبارات معزِّية يمكننا ان نتطلع؟
١٢ يا للراحة التي سيشعر بها الرعايا الارضيون لحكم المسيح عندما يجدون اخيرا انهم احرار كاملا من التأثير الشرير للشيطان! وستأتي راحة اضافية فيما يشفون من امراضهم الجسدية، العاطفية، والعقلية. (اشعياء ٦٥:١٧) ثم، فكِّروا في ابتهاجهم الغامر فيما يبدأون بالترحيب بالاحباء العائدين من الموت! بهذه الطرائق «سيمسح اللّٰه كل دمعة من عيونهم.» (رؤيا ٢١:٤) وإذ تُطبَّق تدريجيا فوائد ذبيحة يسوع الفدائية، سيتقدم الرعايا الطائعون لملكوت اللّٰه الى الكمال، متحرِّرين كاملا من كل التأثيرات الرديئة لخطية آدم. (رؤيا ٢٢:١-٥) ثم سيُطلَق سراح الشيطان «زمانا يسيرا.» (رؤيا ٢٠:٣، ٧) وكل البشر الذين يؤيدون بأمانة سلطان يهوه الشرعي سيُكافأون بحياة ابدية. تصوروا الفرح والراحة اللذين لا يوصفان للصيرورة ‹معتَقين كاملا من عبودية الفساد›! وهكذا سيتمتع الجنس البشري الطائع ‹بحرية مجد اولاد اللّٰه.› — رومية ٨:٢١.
١٣ لماذا يحتاج كل المسيحيين الحقيقيين الى التعزية التي يزوِّدها اللّٰه؟
١٣ في هذه الاثناء، لا نزال خاضعين للأنين والالم المشتركَين بين جميع الذين يحيون في النظام الشرير للشيطان. وازدياد المرض الجسدي والاضطرابات العاطفية يؤثر في كل انواع الناس، بمن فيهم المسيحيون الامناء. (فيلبي ٢:٢٥-٢٧؛ ١ تسالونيكي ٥:١٤) بالاضافة الى ذلك، غالبا ما نعاني كمسيحيين السخرية والاضطهاد الظالمَين اللذين يكوِّمهما الشيطان علينا بسبب ‹اطاعة اللّٰه اكثر من الناس.› (اعمال ٥:٢٩) وهكذا، لكي نحتمل في فعل مشيئة اللّٰه حتى نهاية عالم الشيطان، نحتاج الى التعزية، المساعدة، والقوة التي يزوِّدها اللّٰه.
اين نجد التعزية
١٤ (أ) ايّ وعد قطعه يسوع في الليلة التي سبقت موته؟ (ب) ايّ امر هو ضروري لكي نستفيد كاملا من تعزية روح اللّٰه القدوس؟
١٤ اوضح يسوع لرسله الامناء في الليلة التي سبقت موته انه سيتركهم قريبا ويعود الى ابيه. وهذا اقلقهم وأحزنهم. (يوحنا ١٣:٣٣، ٣٦؛ ١٤:٢٧-٣١) وإذ ادرك يسوع حاجتهم الى تعزية مستمرة، وعدهم: «انا اطلب من الآب فيعطيكم معزِّيا آخر ليمكث معكم الى الابد.» (يوحنا ١٤:١٦) اشار يسوع هنا الى روح اللّٰه القدوس، الذي سُكب على تلاميذه بعد ٥٠ يوما من قيامته.a وبين امور اخرى، عزَّاهم روح اللّٰه خلال تجاربهم وقوَّاهم ليستمروا في فعل مشيئة اللّٰه. (اعمال ٤:٣١) لكن، ينبغي ألّا نعتبر مساعدة كهذه امرا آليا. فللاستفادة منها كاملا، يجب ان يستمر كل مسيحي في الصلاة من اجل المساعدة المعزِّية التي يزوِّدها اللّٰه بواسطة روحه القدوس. — لوقا ١١:١٣.
١٥ ما هي بعض الطرائق التي يزوِّدنا بها يهوه التعزية؟
١٥ والطريقة الاخرى التي يزوِّد بها اللّٰه التعزية هي كلمته، الكتاب المقدس. كتب بولس: «كل ما سبق فكُتب كُتب لأجل تعليمنا حتى بالصبر والتعزية بما في الكتب يكون لنا رجاء.» (رومية ١٥:٤) وهذا يظهر الحاجة الى ان ندرس ونتأمل قانونيا في الامور المكتوبة في الكتاب المقدس والمطبوعات المؤسسة على الكتاب المقدس. ويلزم ايضا ان نكون قانونيين في حضور الاجتماعات المسيحية حيث يجري التداول في الافكار المعزِّية من كلمة اللّٰه. وأحد المقاصد الرئيسية لهذه التجمعات هو تشجيع واحدنا الآخر. — عبرانيين ١٠:٢٥، عج.
١٦ الى فعل ماذا ينبغي ان تدفعنا تدابير اللّٰه المعزِّية؟
١٦ تمضي رسالة بولس الى اهل رومية في اظهار النتائج الجيدة التي ننالها من الاستفادة من تدابير اللّٰه المعزِّية. كتب بولس: «ليعطكم اله الصبر والتعزية ان تهتموا اهتماما واحدا فيما بينكم بحسب المسيح يسوع لكي تمجِّدوا اللّٰه أبا ربنا يسوع المسيح بنفس واحدة وفم واحد.» (رومية ١٥:٥، ٦) نعم، بالاستفادة كاملا من تدابير اللّٰه المعزِّية، سنتمثَّل اكثر بقائدنا الشجاع، يسوع المسيح. وسيدفعنا هذا الى الاستمرار في استعمال افواهنا لتمجيد اللّٰه في عمل شهادتنا، في اجتماعاتنا، في محادثتنا الشخصية مع الرفقاء المؤمنين، وفي صلواتنا.
في اوقات التجربة القاسية
١٧ كيف منح يهوه ابنه التعزية، وبأية نتيجة؟
١٧ صار يسوع ‹مكتئبا› و‹حزينا جدا› في الليلة التي سبقت موته الاليم. (متى ٢٦:٣٧، ٣٨) فابتعد مسافة قليلة عن تلاميذه وصلَّى الى ابيه طلبا للمساعدة. وقد «سُمع له من اجل تقواه.» (عبرانيين ٥:٧) ويخبر الكتاب المقدس انه «ظهر [ليسوع] ملاك من السماء يقوِّيه.» (لوقا ٢٢:٤٣) وشجاعة يسوع ورجوليته في مواجهة مقاوميه هما دليل على ان تعزية اللّٰه لابنه كانت فعَّالة جدا. — يوحنا ١٨:٣-٨، ٣٣-٣٨.
١٨ (أ) اية فترة في حياة الرسول بولس كانت عصيبة خصوصا؟ (ب) كيف يمكن ان نكون مصدر تعزية للشيوخ المتصفين بالرأفة الذين يعملون بكد؟
١٨ مرَّ الرسول بولس ايضا بفترات تجربة قاسية. مثلا، كانت خدمته في افسس متّسمة ‹بدموع كثيرة وبتجارب اصابته بمكايد اليهود.› (اعمال ٢٠:١٧-٢٠) وأخيرا، ترك بولس افسس بعدما اثار انصار الالاهة ارطاميس الشغب في المدينة بسبب نشاطه الكرازي. (اعمال ١٩:٢٣-٢٩؛ ٢٠:١) وإذ كان بولس متَّجها شمالا الى مدينة ترواس، كان هنالك امر آخر يقلقه كثيرا. ففي وقت ما قبل الشغب في افسس، تسلَّم تقريرا مقلقا. فقد حدث انقسام في الجماعة الحديثة في كورنثوس، وكان هنالك تساهل في مسألة العهارة. لذلك كتب بولس من افسس رسالة توبيخ قوي آملا تقويم الوضع. ولم يكن ذلك امرا سهلا عليه. كشف لاحقا في رسالة ثانية: «من حزن كثير وكآبة قلب كتبت اليكم بدموع كثيرة.» (٢ كورنثوس ٢:٤) وكبولس، ليس سهلا على الشيوخ المتصفين بالرأفة ان يقدِّموا المشورة والتوبيخ للتقويم، وهذا جزئيا لأنهم يدركون ضعفاتهم الخاصة جيدا. (غلاطية ٦:١) فلنكن، اذًا، مصدر تعزية للذين يأخذون القيادة بيننا بالتجاوب سريعا مع المشورة الحبية المؤسسة على الكتاب المقدس. — عبرانيين ١٣:١٧ .
١٩ لماذا انتقل بولس من ترواس الى مكدونية، وكيف نال اخيرا الراحة؟
١٩ عندما كان بولس في افسس، لم يكتفِ بالكتابة الى الاخوة في كورنثوس بل ارسل ايضا تيطس لمساعدتهم، مكلِّفا اياه بإخباره بتجاوبهم مع الرسالة. وكان بولس يأمل ان يلتقي تيطس في ترواس. هناك بورك بولس بفرص جيدة للتلمذة. لكنَّ ذلك لم يرِحه من قلقه لأن تيطس لم يكن قد وصل بعد. (٢ كورنثوس ٢:١٢، ١٣) فسافر الى مكدونية، آملا ان يلتقي تيطس هناك. والمقاومة الشديدة لخدمة بولس زادت حالة قلقه. يوضح: «لمّا اتينا الى مكدونية لم يكن لجسدنا شيء من الراحة بل كنا مكتئبين في كل شيء. من خارج خصومات. من داخل مخاوف. لكنَّ اللّٰه الذي يعزِّي المتَّضعين عزَّانا بمجيء تيطس.» (٢ كورنثوس ٧:٥، ٦) وكم شعر بولس بالراحة عندما وصل تيطس اخيرا ليخبره بتجاوب الكورنثيين الايجابي مع رسالته!
٢٠ (أ) كما في حالة بولس، ما هي الطريقة المهمة الاخرى التي يزوِّد بها يهوه التعزية؟ (ب) فيمَ سيجري التأمل في المقالة التالية؟
٢٠ ان اختبار بولس معزٍّ لخدام اللّٰه اليوم الذين يواجه كثيرون منهم ايضا تجارب تجعلهم «متَّضعين،» او «مسحوقين.» (ترجمة تفسيرية) نعم، يعرف ‹اله التعزية› حاجاتنا الفردية ويمكنه ان يستخدمنا لنكون مصدر تعزية واحدنا للآخر، تماما كما نال بولس التعزية من تقرير تيطس عن موقف التوبة عند الكورنثيين. (٢ كورنثوس ٧:١١-١٣) وفي مقالتنا التالية، سنتأمل في تجاوب بولس الحار مع الكورنثيين وكيف يمكن ان يساعدنا ذلك لنكون شركاء فعَّالين في تعزية اللّٰه اليوم.
-
-
الاشتراك في التعزية التي يزوِّدها يهوهبرج المراقبة ١٩٩٦ | ١ تشرين الثاني (نوفمبر)
-
-
الاشتراك في التعزية التي يزوِّدها يهوه
«رجاؤنا من اجلكم ثابت. عالمين انكم كما انتم شركاء في الآلام كذلك [«ستشتركون،» عج] في التعزية ايضا.» — ٢ كورنثوس ١:٧.
١، ٢ ما هو اختبار كثيرين ممن صاروا مسيحيين اليوم؟
تربَّى كثيرون من قراء برج المراقبة الحاليين دون معرفة حق اللّٰه. وربما تكونون احدهم. فإذا كان الامر كذلك، فتذكَّروا كيف شعرتم عندما ابتدأت عينا فهمكم تنفتح. مثلا، ألم ترتاحوا عندما فهمتم للمرة الاولى ان الموتى لا يتألمون لكنهم في حالة عدم وعي؟ أولم تتعزَّوا عندما علمتم برجاء الموتى، ان البلايين سيُقامون الى الحياة في عالم اللّٰه الجديد؟ — جامعة ٩:٥، ١٠؛ يوحنا ٥:٢٨، ٢٩.
٢ وماذا عن وعد اللّٰه بإنهاء الشر وتحويل هذه الارض الى فردوس؟ عندما علمتم بذلك، ألم تتعزَّوا وتمتلئوا توقعا شديدا؟ كيف شعرتم عندما علمتم للمرة الاولى بإمكانية عدم الموت ابدا بل العيش في ذاك الفردوس الارضي القادم؟ لا شك انكم ابتهجتم. نعم، لقد تسلَّمتم رسالة اللّٰه المعزِّية التي يكرز بها الآن شهود يهوه حول الارض. — مزمور ٣٧:٩-١١، ٢٩؛ يوحنا ١١:٢٦؛ رؤيا ٢١:٣-٥.
٣ لماذا يعاني الذين يخبرون الآخرين برسالة اللّٰه المعزِّية ضيقا ايضا؟
٣ لكن، عندما حاولتم اخبار الآخرين برسالة الكتاب المقدس، ادركتم ايضا ان «الايمان ليس للجميع.» (٢ تسالونيكي ٣:٢) فربما استهزأ بكم بعض اصدقائكم السابقين بسبب تعبيركم عن الايمان بوعود الكتاب المقدس. وربما عانيتم ايضا الاضطهاد بسبب متابعتكم درس الكتاب المقدس مع شهود يهوه. وقد تكون المقاومة اشتدت عندما ابتدأتم بصنع التغييرات لجعل حياتكم تنسجم مع مبادئ الكتاب المقدس. وابتدأتم تمرّون بالضيق الذي يجلبه الشيطان وعالمه على كل مَن يقبلون تعزية اللّٰه.
٤ بأية طريقتين مختلفتين قد يتجاوب المهتمون حديثا مع الضيق؟
٤ من المؤسف ان الضيق، كما انبأ يسوع، يجعل البعض يعثرون ويتوقفون عن معاشرة الجماعة المسيحية. (متى ١٣:٥، ٦، ٢٠، ٢١) وآخرون يحتملون الضيق بإبقاء اذهانهم مركَّزة على الوعود المعزِّية التي يتعلَّمونها. وأخيرا ينذرون حياتهم ليهوه ويعتمدون كتلاميذ لابنه، يسوع المسيح. (متى ٢٨:١٩، ٢٠؛ مرقس ٨:٣٤) طبعا، لا يتوقف الضيق عندما يعتمد المسيحي. مثلا، ان محافظة الشخص الذي كان فاسدا ادبيا على الطهارة يمكن ان تكون صراعا حادا. ويضطر آخرون ان يحتملوا المقاومة المستمرة من اعضاء العائلة غير المؤمنين. ومهما كان الضيق، فإن كل مَن يسلكون بأمانة بموجب حياة الانتذار للّٰه يمكنهم ان يكونوا على يقين من امر واحد. انهم سيلمسون شخصيا تعزية اللّٰه ومساعدته.
«اله كل تعزية»
٥ بمَ شعر بولس فيما كان يعاني تجارب كثيرة؟
٥ كان الرسول بولس احد الذين قدَّروا بعمق التعزية التي يزوِّدها اللّٰه. فبعد وقت عصيب خصوصا في أسيا ومكدونية، شعر براحة كبيرة عندما سمع ان جماعة كورنثوس تجاوبت مع رسالة التوبيخ التي ارسلها. فدفعه ذلك الى كتابة رسالة ثانية اليهم تحتوي على تعبير التسبيح التالي: «مبارك اللّٰه ابو ربنا يسوع المسيح ابو الرأفة [«المراحم الرقيقة،» عج] وإله كل تعزية الذي يعزِّينا في كل ضيقتنا.» — ٢ كورنثوس ١:٣، ٤.
٦ ماذا نتعلَّم من كلمات بولس في ٢ كورنثوس ١:٣، ٤؟
٦ ان في هذه الكلمات الموحى بها معلومات كثيرة. فلنحلِّلها معا. عندما يعبِّر بولس عن التسبيح او الشكر للّٰه او يلتمس منه شيئا في رسائله، نجد عادة انه يعبِّر ايضا عن تقدير عميق ليسوع، رأس الجماعة المسيحية. (رومية ١:٨؛ ٧:٢٥؛ افسس ١:٣؛ عبرانيين ١٣:٢٠، ٢١) لذلك، يوجِّه بولس تعبير التسبيح هذا الى ‹اللّٰه ابي ربنا يسوع المسيح.› انه يستعمل ايضا، وللمرة الاولى في كتاباته، اسما يونانيا مترجما الى «مراحم رقيقة.» ويشتَق هذا الاسم من كلمة تُستعمَل للتعبير عن الحزن على تألُّم شخص آخر. فيصف بولس مشاعر اللّٰه الرقيقة نحو ايّ من خدامه الامناء الذين يعانون ضيقا — المشاعر الرقيقة التي تدفع اللّٰه الى العمل برحمة لمصلحتهم. وأخيرا، تطلع بولس الى يهوه بصفته مصدر هذه الصفة المرغوب فيها فدعاه ‹ابا المراحم الرقيقة.›
٧ لماذا يمكن القول ان يهوه «اله كل تعزية»؟
٧ تُنتج «مراحم [اللّٰه] الرقيقة» الراحة للذي يعاني ضيقا. لذلك يمضي بولس ليصف يهوه بأنه «اله كل تعزية.» فمهما كانت التعزية التي قد نستمدها من لطف الرفقاء المؤمنين، يمكننا ان نتطلع الى يهوه بصفته المصدر. فالتعزية الحقيقية والدائمة لا يمكن ان تنشأ إلا من اللّٰه. بالاضافة الى ذلك، انه هو مَن خلق الانسان على صورته، ممكِّنا ايانا بالتالي من ان نكون معزِّين. وروح اللّٰه القدوس هو مَن يدفع خدامه الى اظهار رحمة رقيقة للذين هم بحاجة الى التعزية.
مدرَّبون لنكون معزِّين
٨ مع ان اللّٰه ليس مصدر تجاربنا، ايّ تأثير مفيد يمكن ان يتركه احتمال الضيق فينا؟
٨ في حين ان يهوه اللّٰه يسمح بالتجارب المتنوعة التي تأتي على خدامه الامناء، فهو ليس مصدر تجارب كهذه على الاطلاق. (يعقوب ١:١٣) لكنَّ التعزية التي يزوِّدها عندما نحتمل الضيق يمكن ان تدرِّبنا لنشعر اكثر بحاجات الآخرين. وبأية نتيجة؟ «حتى نستطيع ان نعزِّي الذين هم في كل ضيقة بالتعزية التي نتعزَّى نحن بها من اللّٰه.» (٢ كورنثوس ١:٤) فيهوه يدرِّبنا لنشترك بفعّالية في تعزيته مع الرفقاء المؤمنين والذين نلتقيهم في خدمتنا فيما نتمثَّل بالمسيح و‹نعزِّي كل النائحين.› — اشعياء ٦١:٢؛ متى ٥:٤.
٩ (أ) ماذا سيساعدنا على احتمال الالم؟ (ب) كيف يتعزَّى الآخرون عندما نحتمل الضيق بأمانة؟
٩ احتمل بولس آلامه الكثيرة بفضل التعزية الكبيرة التي نالها من اللّٰه بواسطة المسيح. (٢ كورنثوس ١:٥) ويمكننا نحن ايضا ان ننال تعزية كبيرة بالتأمل في وعود اللّٰه الثمينة، بالصلاة طلبا لدعم روحه القدوس، وبالشعور باستجابة اللّٰه لصلواتنا. وهكذا نتقوَّى للاستمرار في تأييد سلطان يهوه والاثبات ان ابليس كذاب. (ايوب ٢:٤؛ امثال ٢٧:١١) وكبولس، عندما نحتمل بأمانة ايّ شكل من اشكال الضيق، ينبغي ان نعطي كل الفضل ليهوه الذي تُمكِّن تعزيته المسيحيين من البقاء امناء تحت التجربة. ولاحتمال المسيحيين الامناء اثر معزٍّ في معشر الاخوة، اذ يجعل الآخرين يصمِّمون على «احتمال نفس الآلام.» — ٢ كورنثوس ١:٦.
١٠، ١١ (أ) ما هي بعض الامور التي سبَّبت الالم للجماعة في كورنثوس القديمة؟ (ب) كيف عزَّى بولس جماعة كورنثوس، وأيّ رجاء عبَّر عنه؟
١٠ كانت للكورنثيين حصتهم من الآلام التي يقاسيها جميع المسيحيين الحقيقيين. وفوق كل ذلك، كانوا بحاجة الى المشورة لفصل عاهر غير تائب. (١ كورنثوس ٥:١، ٢، ١١، ١٣) فعدم اتخاذهم هذا الاجراء وعدم انهائهم النزاع والانقسامات كانا قد ألحقا العار بالجماعة. لكنهم طبَّقوا اخيرا مشورة بولس وأعربوا عن توبة اصيلة. لذلك مدحهم بحرارة وذكر ان تجاوبهم الحسن مع رسالته عزَّاه. (٢ كورنثوس ٧:٨، ١٠، ١١، ١٣) ومن الواضح ان الشخص المفصول تاب ايضا. فنصحهم بولس ان ‹يسامحوه ويعزُّوه لئلا يُبتلع مثل هذا من الحزن المفرط.› — ٢ كورنثوس ٢:٧.
١١ لا شك ان رسالة بولس الثانية عزَّت جماعة كورنثوس. وهذا كان احد اهدافه. اوضح: «رجاؤنا من اجلكم ثابت. عالمين انكم كما انتم شركاء في الآلام كذلك [«ستشتركون،» عج] في التعزية ايضا.» (٢ كورنثوس ١:٧) وفي ختام رسالته حث بولس: «تعزَّوا . . . وإله المحبة والسلام سيكون معكم.» — ٢ كورنثوس ١٣:١١.
١٢ إلامَ يحتاج جميع المسيحيين؟
١٢ يا له من درس مهم يمكن ان نتعلَّمه من ذلك! ان كل اعضاء الجماعة المسيحية يحتاجون الى «التعزية» التي يزوِّدها اللّٰه بواسطة كلمته، روحه القدوس، وهيئته الارضية. حتى المفصولون قد يحتاجون الى التعزية اذا تابوا عن مسلكهم الخاطئ وقوَّموه. لذلك اسَّس «العبد الامين الحكيم» تدبيرا رحيما لمساعدتهم. فمرة في السنة يمكن ان يزور شيخان بعض المفصولين. فربما لم يعد هؤلاء يظهرون موقفا متمردا او يمارسون خطية جسيمة وقد يحتاجون الى المساعدة على اتخاذ الخطوات الضرورية لكي يعودوا. — متى ٢٤:٤٥؛ حزقيال ٣٤:١٦.
ضيقة بولس في أسيا
١٣، ١٤ (أ) كيف وصف بولس ضيقة شديدة مرّ بها في أسيا؟ (ب) اية حادثة ربما كان بولس يفكِّر فيها؟
١٣ لا مجال للمقارنة بين الالم الذي قاسته جماعة كورنثوس حتى هذه المرحلة والضيقات الكثيرة التي اضطر بولس ان يحتملها. لذلك استطاع ان يذكِّرهم: «لا نريد ان تجهلوا ايها الاخوة من جهة ضيقتنا التي اصابتنا في أسيا اننا تثقَّلنا جدا فوق الطاقة حتى أيسنا [«كنا على غير يقين،» عج] من الحياة ايضا. لكن كان لنا في انفسنا حكم الموت لكي لا نكون متكلين على انفسنا بل على اللّٰه الذي يقيم الاموات. الذي نجَّانا من موت مثل هذا وهو ينجِّي. الذي لنا رجاء فيه انه سينجِّي ايضا فيما بعد.» — ٢ كورنثوس ١:٨-١٠.
١٤ يعتقد بعض علماء الكتاب المقدس ان بولس كان يشير الى الشغب في افسس الذي كان يمكن ان يكلِّف بولس ورفيقيه في السفر، غايوس وأرسترخس المكدونيَّين، حياتهم. فهذان المسيحيان أُخذا بالقوة الى مسرح كان يعجّ برعاع «صارخين نحو مدة ساعتين عظيمة هي ارطاميس [الاهة] الافسسيين.» وأخيرا، نجح رسمي في المدينة في تهدئة الجمع. ولا بد ان هذا التهديد لحياة غايوس وأرسترخس اقلق بولس كثيرا. وفي الواقع، اراد ان يذهب الى هناك ليحاول اقناع الرعاع المتعصبين، لكنه مُنع من المجازفة بحياته هكذا. — اعمال ١٩:٢٦-٤١.
١٥ ايّ وضع متطرف ربما يوصف في ١ كورنثوس ١٥:٣٢؟
١٥ ولكن، ربما كان بولس يصف وضعا متطرفا اكثر بكثير من الحادثة الآنفة الذكر. فقد سأل في رسالته الاولى الى اهل كورنثوس: «ان كنت كإنسان قد حاربت وحوشا في افسس فما المنفعة لي.» (١ كورنثوس ١٥:٣٢) وقد يعني هذا ان حياة بولس لم تكن مهدَّدة فقط من قِبَل اناس متوحشين بل ايضا من قِبَل حيوانات برية حرفية في مدرَّج افسس. فالمجرمون كانوا يُعاقبون احيانا بإجبارهم على مصارعة الوحوش البرية فيما تشاهدهم الجموع المتعطشة الى الدم. وإذا كان بولس يعني انه واجه وحوشا برية حرفية، فلا بد انه نجا بأعجوبة في اللحظة الاخيرة من موت وحشي، تماما كما أُنقذ دانيال من فم اسود حرفية. — دانيال ٦:٢٢.
امثلة عصرية
١٦ (أ) لماذا يمكن ان يتفهم كثيرون من شهود يهوه الضيقات التي عاناها بولس؟ (ب) ممَّ يمكننا ان نكون على يقين في ما يتعلق بالذين ماتوا بسبب ايمانهم؟ (ج) ايّ تأثير جيد ينتج عندما ينجو المسيحيون من موت محتَّم؟
١٦ يمكن ان يكون للضيقات التي عاناها بولس معنى لمسيحيين عصريين كثيرين. (٢ كورنثوس ١١:٢٣-٢٧) فالمسيحيون اليوم هم ايضا ‹متثقلون جدا فوق طاقتهم،› وواجه كثيرون اوضاعا فيها ‹كانوا على غير يقين من الحياة.› (٢ كورنثوس ١:٨، عج) ومات البعض على ايدي جماعة من القتلة والمضطهِدين المتوحشين. ويمكننا ان نكون على يقين من ان قوة اللّٰه المعزِّية مكَّنتهم من الاحتمال وأنهم ماتوا بقلوب وعقول مركَّزة بثبات على اتمام رجائهم، سواء كان رجاء سماويا او رجاء ارضيا. (١ كورنثوس ١٠:١٣؛ فيلبي ٤:١٣، عج؛ رؤيا ٢:١٠) وفي حالات اخرى، وجَّه يهوه الامور، وأُنقذ اخوتنا من الموت. ولا شك ان الذين لمسوا انقاذا كهذا ازدادت ثقتهم ‹باللّٰه الذي يقيم الاموات.› (٢ كورنثوس ١:٩) وصار بإمكانهم بعد ذلك ان يتكلموا باقتناع اكبر وهم يخبرون الآخرين برسالة اللّٰه المعزّية. — متى ٢٤:١٤.
١٧-١٩ اية اختبارات تظهر ان اخوتنا في رواندا اشتركوا في تعزية اللّٰه؟
١٧ مرّ مؤخرا اخوتنا الاعزاء في رواندا باختبار مماثل لاختبار بولس ورفيقَيه. فقد خسر كثيرون حياتهم، لكنَّ جهود الشيطان لتقويض ايمانهم باءت بالفشل. وبدلا من ذلك، لمس اخوتنا في هذا البلد تعزية اللّٰه بطرائق شخصية عديدة. فأثناء الابادة الجماعية للتوتسي والهوتو العائشين في رواندا، جازف افراد من الهوتو بحياتهم لحماية افراد من التوتسي وحمى افراد من التوتسي افرادا من الهوتو. والبعض قتلهم المتطرفون لأنهم حموا رفقاءهم المؤمنين. مثلا، قُتل شاهد من الهوتو يدعى ڠاهيزي بعد ان خبَّأ اختا من التوتسي تدعى شانتال. وجان زوج شانتال، وهو من التوتسي، خبَّأته في مكان آخر اخت من الهوتو تدعى شارلوت. فبقي جان وأخ آخر من التوتسي مختبئَين طوال ٤٠ يوما في مدخنة كبيرة، لا يخرجان الا فترات قصيرة اثناء الليل. وخلال كل هذا الوقت، كانت شارلوت تزوِّدهما بالطعام والحماية رغم انها تعيش بالقرب من معسكر جيش للهوتو. وفي هذه الصفحة، يمكنكم ان تروا صورة لجان وشانتال اللذين اتحدا ثانية، وهما شاكران ان رفيقيهما العابدَين من الهوتو «وضعا عنقيهما» من اجلهما كما فعل بريسكلا وأكيلا من اجل الرسول بولس. — رومية ١٦:٣، ٤.
١٨ وهنالك شاهد آخر من الهوتو، واسمه رواكابوبو، مدحته صحيفة إنتاريمارا على حمايته رفقاء مؤمنين من التوتسي.a ذكرت: «هنالك ايضا رواكابوبو، واحد من شهود يهوه، الذي ظل يخبئ اشخاصا من اخوته (هكذا يدعو الرفقاء المؤمنون واحدهم الآخر) هنا وهناك. وكان يقضي اليوم بكامله حاملا اليهم الطعام ومياه الشرب مع انه مصاب بالربو. لكنَّ اللّٰه منحه قوة غير عادية.»
١٩ تأملوا ايضا في زوجَين مهتمَّين من الهوتو يدعيان نيكودام وأتانازي. قبل ابتداء الابادة الجماعية، كان هذان الزوجان يدرسان الكتاب المقدس مع شاهد من التوتسي يدعى ألفونس. فخبَّأا ألفونس في بيتهما مجازفَين بحياتهما. وأدركا لاحقا ان المنزل لم يكن مكانا آمنا لأن جيرانهما الذين من الهوتو عرفوا بأمر صديقهما الذي من التوتسي. لذلك، خبَّأ نيكودام وأتانازي ألفونس في حفرة في فنائهما. وكان ذلك اجراء حكيما لأن الجيران ابتدأوا يأتون بحثا عن ألفونس كل يوم تقريبا. وفيما كان ألفونس في هذه الحفرة طيلة ٢٨ يوما، كان يتأمل في روايات الكتاب المقدس كرواية راحاب التي خبَّأت اسرائيليَّين على سطح بيتها في اريحا. (يشوع ٦:١٧) واليوم يتابع ألفونس خدمته في رواندا ككارز بالبشارة، شاكرا ان تلميذَيه للكتاب المقدس اللذين من الهوتو جازفا بحياتهما من اجله. وماذا عن نيكودام وأتانازي؟ انهما الآن شاهدان ليهوه معتمدان ويديران اكثر من ٢٠ درسا في الكتاب المقدس مع اشخاص مهتمين.
٢٠ كيف زوَّد يهوه التعزية لإخوتنا في رواندا، ولكن اية حاجة مستمرة لدى كثيرين منهم؟
٢٠ عندما ابتدأت الابادة الجماعية في رواندا، كان هنالك ٥٠٠,٢ منادٍ بالبشارة في البلد. ومع ان المئات خسروا حياتهم او أُجبروا على الهرب من البلد، ازداد عدد الشهود الى اكثر من ٠٠٠,٣. وهذا دليل على ان اللّٰه زوَّد التعزية فعلا لإخوتنا. وماذا عن اليتامى والارامل الكثيرين بين شهود يهوه؟ طبعا، لا يزال هؤلاء يعانون ضيقا ويحتاجون الى التعزية المستمرة. (يعقوب ١:٢٧) فدموعهم لن تُمسح كاملا إلا عندما تحدث القيامة في عالم اللّٰه الجديد. ولكنهم يتمكَّنون من مواجهة ظروف الحياة بفضل مساعدة اخوتهم ولأنهم يعبدون «اله كل تعزية.»
٢١ (أ) في اية اماكن ايضا اخوتنا هم بحاجة ماسة جدا الى تعزية اللّٰه، وما هي احدى الطرائق التي بها يمكننا جميعا ان نقدِّم المساعدة؟ (انظروا الاطار «التعزية خلال اربع سنوات من الحرب.») (ب) متى ستُشبَع كاملا حاجتنا الى التعزية والراحة؟
٢١ في اماكن اخرى عديدة مثل ارتريا، سنڠافورة، ويوغوسلاڤيا السابقة، يستمر اخوتنا في خدمة يهوه بأمانة رغم الضيق. فلنساعد هؤلاء الاخوة بأن نتضرع دائما ان ينالوا التعزية. (٢ كورنثوس ١:١١) ولنحتمل بأمانة حتى ‹يمسح اللّٰه كل دمعة من عيوننا› بالمعنى الاكمل بواسطة يسوع المسيح. عندئذ سنلمس كاملا التعزية والراحة اللتين سيزوِّدهما يهوه في عالمه الجديد البار. — رؤيا ٧:١٧؛ ٢١:٤؛ ٢ بطرس ٣:١٣.
-
-
التعزية خلال اربع سنوات من الحرببرج المراقبة ١٩٩٦ | ١ تشرين الثاني (نوفمبر)
-
-
التعزية خلال اربع سنوات من الحرب
خلال سنوات الحرب الاربع في مقاطعة يوغوسلاڤيا السابقة، عانى كثيرون المشقات والعوز الشديد. وكان بينهم مئات من شهود يهوه استمروا بأمانة في عبادة «اله كل تعزية.» — ٢ كورنثوس ١:٣.
في ساراييڤو، عانى الناس مشقة اضافية بسبب العيش في مدينة كبيرة كانت تحت الحصار طوال الحرب. وكان هنالك نقص في الكهرباء، الماء، الحطب، والطعام. فكيف عملت جماعة شهود يهوه في ساراييڤو في هذه الاوضاع العصيبة؟ جازف المسيحيون من بلدان مجاورة بحياتهم لجلب كمية كبيرة من مؤن الاغاثة. (انظروا برج المراقبة، عدد ١ تشرين الثاني ١٩٩٤، الصفحات ٢٣-٢٧.) وتَشارك ايضا الاخوة في ساراييڤو في ما كانوا يملكونه، مشدِّدين اولا على الاشتراك في الامور الروحية. وخلال الحصار قدَّم ناظر مسيحي في تلك المدينة التقرير التالي:
«نحن نقدِّر اجتماعاتنا كثيرا. فنسير زوجتي وأنا، مع ٣٠ شخصا آخر، ١٥ كيلومترا [٩ اميال] ذهابا الى الاجتماعات. وأحيانا كان يُعلَن ان الماء سيُزوَّد خلال الاوقات التي تُعقَد فيها الاجتماعات. فماذا كان الاخوة يفعلون؟ هل يبقون في البيت ام يحضرون الاجتماعات؟ لقد كان اخوتنا يفضِّلون ان يحضروا الاجتماعات. ويساعد الاخوة واحدهم الآخر دائما؛ ويتشاركون في اي شيء يملكونه، مهما كان. تعيش احدى الاخوات في جماعتنا في ضواحي المدينة، قرب الغابة؛ لذلك من الاسهل عليها قليلا ان تحصل على بعض الحطب. وهي تعمل ايضا في احد المخابز، وتنال الطحين اجرًا لها. وحين يكون ممكنا، تخبز رغيف خبز كبيرا وتجلبه الى الاجتماع. وبعد الاجتماع، تعطي كل شخص قطعة وهو خارج.
«من المهم ألّا يشعر ابدا ايّ اخ او اخت بأنه مُهمَل. فلا احد يعرف مَن منا سيكون الشخص التالي الذي يحتاج الى المساعدة في الظروف الصعبة. فعندما غطى الجليد الطرقات وكانت احدى الاخوات مريضة، جرَّها الاخوة الشبان الاقوياء الى الاجتماعات على عربة جليد.
«نشارك جميعا في عمل الكرازة، ويهوه يبارك جهودنا. فقد رأى وضعنا الاليم في البوسنة، لكنه باركنا بزيادة — زيادة لم نشهدها قبل الحرب.»
وبشكل مماثل، في انحاء اخرى مزَّقتها الحرب من يوغوسلاڤيا السابقة، تمتع شهود يهوه بزيادات رغم المشقات الصعبة. ومن مكتب شهود يهوه في كرواتيا يأتي هذا التقرير عن فريق من الشهود: «واجه الاخوة الذين يعيشون في ڤيليكا كلادوشا اوقاتا صعبة جدا. فقد هوجمت البلدة في عدة مناسبات. وكان على الاخوة ان يوضحوا حيادهم للقوات الكرواتية، الصِّربية، ومختلف المقاتلين الاسلاميين. صحيح انه كان عليهم ان يحتملوا الكثير — السجن، الضرب، الجوع، خطر الموت. لكنَّهم بقوا جميعا امناء وتمتعوا بالامتياز الرائع ان يروا بركة يهوه على نشاطاتهم.»
رغم هذه المشقات، لا يزال شهود يهوه في ڤيليكا كلادوشا وبيهاتش المجاورة يتمتعون بالزيادات فيما يخبرون جيرانهم بغيرة برسالة التعزية التي يزوِّدها اللّٰه. ويدير ما مجموعه ٢٦ ناشرا للملكوت من هاتين المنطقتين ٣٩ درسا بيتيا في الكتاب المقدس!
-