-
يهوه — ابونا الرقيق في رأفتهبرج المراقبة ١٩٩٤ | ١ تشرين الثاني (نوفمبر)
-
-
يهوه — ابونا الرقيق في رأفته
«يهوه رقيق في المودة جدا ورؤوف.» — يعقوب ٥:١١، حاشية عج.
١ لماذا ينجذب المتَّضعون الى يهوه اللّٰه؟
الكون فسيح جدا حتى ان علماء الفلك لا يستطيعون ان يعدّوا كل مجرّاته. ومجرّتنا، درب التبانة، فسيحة جدا حتى ان الانسان لا يستطيع ان يعدّ كل نجومها. وبعض النجوم، مثل قلب العقرب، اكبر وأسطع من شمسنا بآلاف المرات. فكم هو قدير دون شك الخالقُ العظيم لكل النجوم في الكون! فعلا، انه «الذي يخرج بعدد جندها يدعو كلها بأسماء.» (اشعياء ٤٠:٢٦) ومع ذلك، فإن هذا الاله الموحي بالرهبة عينه هو ايضا «رقيق في المودة جدا ورؤوف.» فكم هي منعشة معرفة كهذه لخدام يهوه المتواضعين، وخصوصا لاولئك الذين يعانون الاضطهاد، المرض، الاكتئاب، او مشقات اخرى!
٢ كيف ينظر اناس هذا العالم غالبا الى العواطف الرقيقة؟
٢ يعتبر كثيرون العواطف الارقّ، مثل «المودة الرقيقة والرأفة» التي للمسيح، ضعفات. (فيلبي ٢:١، عج) وبسبب تأثُّرهم بفلسفة التطور، يشجِّعون الناس على وضع انفسهم اولا حتى ولو عنى ذلك الدوس على مشاعر الآخرين. فعدد من نجوم التسلية والرياضة هم معتدّون لا يذرفون الدموع او يظهرون المودة الرقيقة. ويتصرف بعض الحكام السياسيين بطريقة مماثلة. فقد شدَّد الفيلسوف الرواقي سنيكا، الذي علَّم الامبراطور القاسي نيرون، ان «الشفقة هي ضعف.» وتذكر دائرة معارف مكلنتوك وسترونڠ: «ان تأثير الرواقية . . . لا يزال موجودا في اذهان الناس حتى في الوقت الحاضر.»
٣ كيف وصف يهوه نفسه لموسى؟
٣ وبالتباين مع ذلك، فإن شخصية خالق الجنس البشري تبهج القلب. فقد وصف نفسه لموسى بهذه الكلمات: «الرب اله رؤوف رحيم، بطيء الغضب وكثير الاحسان والوفاء . . . اغفر الاثم والمعصية والخطيئة. ولكني لا اعفي المذنب من العقاب.» (خروج ٣٤:٦، ٧، ترجمة تفسيرية) صحيح ان يهوه اختتم هذا الوصف لنفسه بإبراز عدله. فهو لن يعفي الخطاة المتعمِّدين من العقاب المستحَق. ومع ذلك، يصف نفسه اولا بأنه اله رحيم.
٤ ما هو المعنى الذي يبهج القلب للكلمة العبرانية المترجمة غالبا «رحمة»؟
٤ يجري التفكير احيانا في الكلمة «رحمة» بمعناها القضائي الخالي من الشعور للامتناع عن العقاب. ولكنَّ مقارنة ترجمات الكتاب المقدس تُظهر المعنى الغني للنعت العبراني المشتق من الفعل رَحَم. فاستنادا الى بعض العلماء، يعني جذره «ان يكون طريا.» والفعل «رَحَم،» يوضح كتاب مرادفات العهد القديم، «يعبِّر عن شعور الرأفة العميق والرقيق، كالذي تثيره رؤية الضعف او الالم عند اعزائنا او المحتاجين الى مساعدتنا.» ويمكن ايجاد تعريفات اخرى تبهج القلب لهذه الصفة المرغوب فيها في بصيرة في الاسفار المقدسة، المجلد ٢، الصفحات ٣٧٥-٣٧٩، بالانكليزية.
٥ كيف ظهرت الرحمة في الناموس الموسوي؟
٥ تَظهر مودة اللّٰه الرقيقة بوضوح في الناموس الذي اعطاه لأمة اسرائيل. فالمحرومون، كالارامل، اليتامى، والفقراء، كان يجب معاملتهم برأفة. (خروج ٢٢:٢٢-٢٧؛ لاويين ١٩:٩، ١٠؛ تثنية ١٥:٧-١١) والجميع، بمن فيهم العبيد والحيوانات، كان يجب ان يستفيدوا من سبت الراحة الاسبوعي. (خروج ٢٠:١٠) وبالاضافة الى ذلك، كان اللّٰه يلاحظ الافراد الذين يعاملون الفقراء برقة. تذكر الامثال ١٩:١٧: «مَنْ يرحم الفقير يقرض الرب وعن معروفه يجازيه.»
حدود الرأفة الالهية
٦ لماذا ارسل يهوه انبياء ورسلا الى شعبه؟
٦ كان الاسرائيليون يحملون اسم اللّٰه ويقدِّمون العبادة في الهيكل في اورشليم، الذي كان «بيتا لاسم (يهوه).» (٢ أخبار الايام ٢:٤؛ ٦:٣٣) ولكن، بمرور الوقت، ابتدأوا يبيحون الفساد الادبي، الصنمية، والقتل، جالبين تعييرا عظيما على اسم يهوه. وانسجاما مع شخصيته الرؤوفة، حاول اللّٰه بصبر ان يقوِّم هذا الوضع السيِّئ دون جلب الكارثة على كامل الامة. «ارسل . . . عن يد رسله مبكرا ومرسلا لأنه (ترأف) على شعبه وعلى مسكنه. فكانوا يهزأون برسل اللّٰه ورذلوا كلامه وتهاونوا بأنبيائه حتى ثار غضب الرب على شعبه حتى لم يكن شفاء.» — ٢ أخبار الايام ٣٦:١٥، ١٦.
٧ عندما بلغت رأفة يهوه حدّها الاقصى، ماذا حدث لمملكة يهوذا؟
٧ ومع ان يهوه رؤوف وبطيء الغضب، فهو يعرب عن الغضب البار عندما يكون ذلك ضروريا. وقديما، بلغت الرأفة الالهية حدّها الاقصى. نقرأ عن العواقب: «فأصعد [يهوه] عليهم ملك الكلدانيين فقتل مختاريهم بالسيف في بيت مقدسهم. ولم (يترأف) على فتى او عذراء ولا على شيخ او اشيب بل دفع الجميع ليده.» (٢ أخبار الايام ٣٦:١٧) وهكذا دُمِّرت اورشليم وهيكلها، وأُخذت الامة الى الاسر في بابل.
الرأفة على اسمه
٨، ٩ (أ) لماذا اعلن يهوه انه سيترأف على اسمه؟ (ب) كيف أُسكت اعداء يهوه؟
٨ ابتهجت الامم المجاورة بهذه الكارثة. وبسخرية قالوا: «هؤلاء شعب (يهوه) وقد خرجوا من ارضه.» وإذ تأثَّر يهوه كثيرا من هذا التعيير، اعلن: «(سأترأف) على اسمي القدوس . . . فأقدس اسمي العظيم . . . فتعلم الامم اني انا (يهوه).» — حزقيال ٣٦:٢٠-٢٣.
٩ بعد ان ظلت امته في الاسر ٧٠ سنة، حرَّرهم يهوه، الاله الرؤوف، وسمح لهم بالعودة وإعادة بناء الهيكل في اورشليم. وقد أسكت ذلك الامم المحيطة التي كانت تراقب بدهشة. (حزقيال ٣٦:٣٥، ٣٦) ولكن، من المحزن ان امة اسرائيل عادت الى الممارسات الرديئة. وقد ساعد نحميا، احد اليهود الامناء، على تقويم الوضع. ففي صلاة علنية، راجع تعاملات اللّٰه الرؤوفة مع الامة، قائلا:
١٠ كيف أبرز نحميا رأفة يهوه؟
١٠ «في وقت ضيقهم صرخوا اليك وأنت من السماء سمعت وحسب مراحمك الكثيرة اعطيتهم مخلِّصين خلَّصوهم من يد مضايقيهم. ولكن لما استراحوا رجعوا الى عمل الشر قدامك فتركتهم بيد اعدائهم فتسلطوا عليهم ثم رجعوا وصرخوا اليك وأنت من السماء سمعت وأنقذتهم حسب مراحمك الكثيرة احيانا كثيرة. . . . احتملتهم سنين كثيرة.» — نحميا ٩:٢٦-٣٠؛ انظروا ايضا اشعياء ٦٣:٩، ١٠.
١١ ايّ تباين هنالك بين يهوه وآلهة البشر؟
١١ وأخيرا، بعدما رفضت الامة اليهودية ابن اللّٰه الحبيب بقساوة، خسرت حظوتها الى الابد. فقد دام ارتباط اللّٰه الوليّ بهم اكثر من ٥٠٠,١ سنة. وسيبقى ذلك شهادة ابدية على واقع ان يهوه هو فعلا اله رحمة. فيا له من تباين حادّ مع الآلهة القاسية والمعبودات العديمة الشعور التي اخترعها البشر الخطاة! — انظروا الصفحة ٨.
اعظم تعبير عن الرأفة
١٢ ماذا كان اعظم تعبير عن رأفة اللّٰه؟
١٢ ان اعظم تعبير عن رأفة اللّٰه كان ارساله ابنه الحبيب الى الارض. حقا، ان سيرة يسوع المستقيمة فرَّحت يهوه كثيرا، مما زوَّده جوابا كاملا عن تهم ابليس الباطلة. (امثال ٢٧:١١) ولكن، في الوقت عينه، لا شك ان رؤية ابنه الحبيب يموت ميتة قاسية ومخزية سبَّبت ليهوه الما اعظم من ايّ الم كان على ايّ والد بشري ان يتحمله على الاطلاق. لقد كان ذلك تضحية حبية جدا، مما فتح الطريق لخلاص الجنس البشري. (يوحنا ٣:١٦) وكما سبق وأنبأ زكريا، ابو يوحنا المعمدان، عظَّم ذلك «رأفة الهنا الرقيقة.» — لوقا ١:٧٧، ٧٨، عج.
١٣ بأية طريقة مهمة عكس يسوع شخصية ابيه؟
١٣ وإرسال ابن اللّٰه الى الارض اعطى ايضا الجنس البشري رؤية اوضح لشخصية يهوه. وكيف ذلك؟ لأن يسوع عكس كاملا شخصية ابيه، وخصوصا بالرأفة الرقيقة التي عامل بها المتضعين! (يوحنا ١:١٤؛ ١٤:٩) وفي هذا الخصوص، يستعمل كتبة الاناجيل الثلاثة متى، مرقس، ولوقا الفعل اليوناني سپلاجخنيزوماي، الذي يأتي من الكلمة اليونانية المقابلة لِـ «احشاء.» و «من اشتقاقه،» يوضح عالِم الكتاب المقدس وليم باركلي، «يمكن ان يُرى انه لا يصف شفقة او رأفة عادية، بل عاطفة تحرِّك الشخص الى اعماق كيانه. انه اقوى كلمة في اليونانية للتعبير عن شعور الرأفة.» ويُترجم بأشكال مختلفة «اشفق» او «تحنن.» — مرقس ٦:٣٤؛ ٨:٢.
عندما اشفق يسوع
١٤، ١٥ كيف يتحنن يسوع في مدينة في الجليل، وماذا يوضح ذلك؟
١٤ مسرح الاحداث هو مدينة في الجليل. يقترب رجل «مملوء برصا» من يسوع دون اعطاء التحذير المعتاد. (لوقا ٥:١٢) فهل يوبِّخه يسوع بفظاظة على عدم صراخه «نجس نجس،» كما هو مطلوب في ناموس اللّٰه؟ (لاويين ١٣:٤٥) لا. وعوضا عن ذلك، يصغي يسوع الى التماس الرجل اليائس: «إنْ اردتَ تقدر ان تطهرني.» وإذ ‹يتحنن› عليه، يمد يسوع يده ويلمس الابرص، قائلا: «اريد فاطهر.» فيستعيد الرجل صحته على الفور. وهكذا لا يظهر يسوع القوى العجائبية المعطاة من اللّٰه فحسب بل ايضا المشاعر الرقيقة التي تدفعه الى استخدام قوى كهذه. — مرقس ١:٤٠-٤٢.
١٥ وهل كان يلزم الاقتراب الى يسوع حتى يظهر مشاعر الرأفة؟ لا. ففي وقت لاحق، يلتقي موكبا جنائزيا خارجا من مدينة نايين. لا شك ان يسوع شهد قبلا مآتم عديدة، لكنَّ هذا المأتم مأساوي بشكل خصوصي. فالميت هو الابن الوحيد لأرملة. وإذ ‹يتحنن› يسوع عليها، يقترب منها ويقول: «لا تبكي.» ثم يصنع العجيبة البارزة لإقامة ابنها الى الحياة. — لوقا ٧:١١-١٥.
١٦ لماذا يشفق يسوع على الجمع الكبير الذي يتبعه؟
١٦ ان الدرس اللافت للنظر الذي يجري تعلُّمه من الحادثتين الآنفتَي الذكر هو انه عندما ‹يتحنن› يسوع، يقوم بشيء ايجابي للمساعدة. وفي مناسبة اخرى، يتفقَّد يسوع الجموع الكبيرة التي تتبعه. ويخبر متّى انه «تحنن عليهم اذ كانوا منزعجين ومنطرحين كغنم لا راعي لها.» (متى ٩:٣٦) والفريسيون قلما يفعلون شيئا ليشبعوا الجوع الروحي لعامة الشعب. وبدلا من ذلك، يُثقلون المتواضعين بقواعد كثيرة غير ضرورية. (متى ١٢:١، ٢؛ ١٥:١-٩؛ ٢٣:٤، ٢٣) ونظرتهم الى عامة الشعب انكشفت عندما قالوا لاولئك الذين اصغوا الى يسوع: «هذا الشعب الذي لا يفهم الناموس هو ملعون.» — يوحنا ٧:٤٩.
١٧ كيف تؤثر شفقة يسوع على الجموع فيه، وأيّ توجيه بعيد المدى يزوِّده هناك؟
١٧ بالتباين مع ذلك، يتأثَّر يسوع عميقا بحالة الجموع الروحية السيئة. ولكن هنالك اشخاص مهتمون اكثر من ان يعتني بهم افراديا. لذلك يقول لتلاميذه ان يصلّوا من اجل مزيد من الفعلة. (متى ٩:٣٥-٣٨) وانسجاما مع صلوات كهذه، يرسل يسوع رسله بهذه الرسالة: «قد اقترب ملكوت السموات.» وقد خدمت الارشادات المعطاة في هذه المناسبة كتوجيه قيِّم للمسيحيين حتى الوقت الحاضر. ودون شك، فإن مشاعر الرأفة عند يسوع تدفعه الى اشباع الجوع الروحي للجنس البشري. — متى ١٠:٥-٧.
١٨ كيف يتجاوب يسوع عندما تتطفل الجموع على خلوته، وأيّ درس نتعلَّمه من ذلك؟
١٨ وفي مناسبة اخرى، يهتم يسوع مرة اخرى بالحاجات الروحية للجموع. وهذه المرة، يكون يسوع ورسله متعبين بعد جولة كرازية نشيطة، فيطلبون مكانا ليرتاحوا. ولكن سرعان ما يجدهم الناس. وبدلا من ان يغضب يسوع بسبب هذا التطفل على خلوتهم، يسجِّل مرقس انه «تحنن عليهم.» وماذا كان سبب مشاعر يسوع العميقة؟ «كانوا كخراف لا راعي لها.» ومجددا، يعبِّر يسوع عن مشاعره بالعمل ويبتدئ يعلِّم الجموع «عن ملكوت اللّٰه.» نعم، لقد تأثَّر بعمق بجوعهم الروحي حتى انه ضحى بحاجته الى الراحة ليعلِّمهم. — مرقس ٦:٣٤؛ لوقا ٩:١١.
١٩ كيف امتدّ اهتمام يسوع بالجموع حتى الى ابعد من حاجاتهم الروحية؟
١٩ في حين انه كان مهتما بشكل رئيسي بحاجات الناس الروحية، لم يتغاضَ يسوع قط عن حاجاتهم الجسدية الاساسية. ففي هذه المناسبة عينها، ‹شفى ايضا المحتاجين الى الشفاء.› (لوقا ٩:١١) وفي مناسبة اخرى، كانت الجموع معه لفترة طويلة، وكانوا بعيدين عن بيتهم. وإذ شعر بحاجتهم الجسدية، قال يسوع لتلاميذه: «اني اشفق على الجمع لأن الآن لهم ثلاثة ايام معي وليس لهم ما يأكلون. ولست اريد ان اصرفهم صائمين لئلا يخوروا في الطريق.» (متى ١٥:٣٢) والآن يفعل يسوع شيئا ليتجنب الالم المحتمَل. فيزوِّد عجائبيا آلاف الرجال، النساء، والاولاد بوجبة ناتجة من سبعة ارغفة خبز وقليل من صغار السمك.
٢٠ ماذا نتعلم من آخر حادثة مسجَّلة عن تحنن يسوع؟
٢٠ ان آخر حادثة مسجَّلة عن تحنن يسوع هي في رحلته الاخيرة الى اورشليم. فجموع كبيرة مسافرة معه للاحتفال بالفصح. وفي الطريق قرب اريحا، يصرخ متسولان اعميان: «ارحمنا يا سيد.» فتحاول الجموع اسكاتهما، لكنَّ يسوع يدعوهما ويسألهما ماذا يريدان ان يفعل. فيلتمسان: «يا سيد ان تنفتح اعيننا.» وإذ ‹يتحنن› عليهما، يلمس اعينهما، فيبصران. (متى ٢٠:٢٩-٣٤) فيا له من درس مهم نتعلَّمه من ذلك! ان يسوع على وشك دخول الاسبوع الاخير من خدمته الارضية. ولديه الكثير من العمل لإنجازه قبل ان يموت ميتة قاسية على ايدي عملاء الشيطان. ومع ذلك، فهو لا يسمح للضغط في هذا الوقت الحرج بأن يمنعه من اظهار مشاعر الرأفة الرقيقة التي لديه تجاه الحاجات البشرية الاقل اهمية.
ايضاحات تبرز الرأفة
٢١ ماذا يوضح تركُ السيد الدَّينَ الكبير لعبده؟
٢١ ان الفعل اليوناني سپلاجخنيزوماي، المستعمَل في هذه الروايات عن حياة يسوع، يُستعمل ايضا في ثلاثة من ايضاحات يسوع. ففي احدى القصص، يتوسل عبد طلبا للوقت ليوفي دينا كبيرا. وإذ ‹يتحنن› سيده عليه، يترك له الدَّين. وهذا يوضح ان يهوه اللّٰه قد اظهر رأفة عظيمة في ترك دَين كبير من الخطايا لكل فرد مسيحي يمارس الايمان بذبيحة يسوع الفدائية. — متى ١٨:٢٧؛ ٢٠:٢٨.
٢٢ ماذا يوضح مثل الابن الضال؟
٢٢ ثم هنالك قصة الابن الضال. تذكَّروا ماذا يحدث عندما يعود الابن العاصي الى البيت. «وإذ كان لم يزل بعيدا رآه ابوه فتحنن وركض ووقع على عنقه وقبَّله.» (لوقا ١٥:٢٠) وهذا يظهر انه عندما يظهر مسيحي صار عاصيا توبة اصيلة، سيشفق يهوه على الشخص ويقبله برقة. وهكذا، بهذين الايضاحين يظهر يسوع ان ابانا يهوه «رقيق في المودة جدا ورؤوف.» — يعقوب ٥:١١، حاشية عج.
٢٣ ايّ درس نتعلَّمه من ايضاح يسوع عن السامري الودّي؟
٢٣ والاستعمال الايضاحي الثالث للفعل سپلاجخنيزوماي يتعلق بالسامري الرؤوف الذي «تحنن» عند رؤية الحالة السيئة ليهودي سُرق وتُرك بين حي وميت. (لوقا ١٠:٣٣) وإذ عبَّر السامري عن مشاعره بالعمل، قام بكل ما في وسعه لمساعدة الغريب. وهذا يظهر ان يهوه ويسوع يتوقَّعان من المسيحيين الحقيقيين ان يتَّبعوا مثالَيهما في إظهار الرقة والرأفة. وستُناقَش بعض الطرائق التي يمكننا بها ذلك في المقالة التالية.
-
-
يهوه — ابونا الرقيق في رأفتهبرج المراقبة ١٩٩٤ | ١ تشرين الثاني (نوفمبر)
-
-
[الاطار في الصفحتين ١٢، ١٣]
تعبير تصويري عن «العناية الحبية الرقيقة»
صرخ النبي ارميا: «احشائي احشائي.» فهل كان يشكو اعتلالا معويا ناجما عن اكله شيئا فاسدا؟ لا. فقد كان ارميا يستعمل استعارة بالعبرانية ليصف اهتمامه العميق بالكارثة التي ستحل بمملكة يهوذا. — ارميا ٤:١٩.
بما ان يهوه اللّٰه لديه مشاعر عميقة، تُستعمل ايضا الكلمة العبرانية التي تقابل «احشاء،» او «امعاء» (مِعيم)، لوصف عواطفه الرقيقة. مثلا، قبل عقود من ايام ارميا، اخذ ملك اشور مملكة اسرائيل ذات العشرة اسباط الى الاسر. وسمح يهوه بذلك عقابا على خيانتهم. ولكن هل نسيهم اللّٰه في السبي؟ لا. فقد كان لا يزال متعلقا بشدة بهم كجزء من شعب عهده. وإذ اشار اليهم باسم السبط البارز افرايم، سأل يهوه: «هل افرايم ابن عزيز لديّ او ولد مسرّ. لأني كلما تكلمت به اذكره بعد ذكرا. من اجل ذلك حنَّت احشائي اليه. رحمة ارحمه يقول الرب.» — ارميا ٣١:٢٠.
وبقوله «حنَّت احشائي اليه،» استعمل يهوه صورة بلاغية لوصف مشاعر مودته العميقة لشعبه المسبي. كتب عالِم الكتاب المقدس في القرن الـ ١٩ إ. هندرسون في تعليقه على هذا العدد: «لا شيء يمكن ان يفوق الإعراب المؤثِّر عن الشعور الابوي الرقيق نحو ضالٍّ عائد، الشعور الذي اظهره يهوه هنا. . . . على الرغم من انه تكلم هكذا على [الافرايميين الصنميين] وعاقبهم . . .، لم ينسَهم قط، بل على العكس، سُرَّ بتوقع شفائهم الاخير.»
وتُستعمل الكلمة اليونانية التي تقابل «امعاء،» او «احشاء،» بطريقة مماثلة في الاسفار اليونانية المسيحية. وعندما لا تُستعمل حرفيا، كما في الاعمال ١:١٨، تشير الى العواطف الرقيقة للمودة او الرأفة. (فليمون ١٢، عج) وأحيانا تُضم الكلمة الى الكلمة اليونانية التي تعني «جيد» او «حسن.» وقد استعمل الرسولان بولس وبطرس العبارة المركَّبة عند تشجيع المسيحيين ان ‹يتصفوا بالرقة في رأفتهم،› مما يعني حرفيا ان يكونوا «ميّالين جيدا الى الشفقة.» (افسس ٤:٣٢، عج؛ ١ بطرس ٣:٨، عج) ويمكن ان تُضم ايضا الكلمة اليونانية التي تقابل «امعاء» الى الكلمة اليونانية پولي. ويعني التركيب حرفيا «امتلاك امعاء كثيرة.» وتُستعمل هذه العبارة اليونانية النادرة جدا مرة واحدة فقط في الكتاب المقدس، وهي تشير الى يهوه اللّٰه. وتنقلها ترجمة العالم الجديد على هذا النحو: «يهوه رقيق في المودة جدا.» — يعقوب ٥:١١.
فكم ينبغي ان نكون شاكرين ان الاقوى في الكون، يهوه اللّٰه، يختلف عن الآلهة القاسية التي اخترعها البشر العديمو الرأفة! وإذ يتمثلون بإلههم «الرقيق في رأفته،» يندفع المسيحيون الحقيقيون الى التصرف بشكل مماثل في تعاملاتهم بعضهم مع بعض. — افسس ٥:١.
[الصورة في الصفحة ١٠]
عندما بلغت الرأفة الالهية حدّها الاقصى، سمح يهوه للبابليين بأن يُخضعوا شعبه العصاة
[الصورة في الصفحة ١١]
لا بد ان رؤية ابنه الحبيب يموت سبَّبت ليهوه اللّٰه اعظم الم كان على ايّ شخص ان يعانيه على الاطلاق
[الصورة في الصفحة ١٥]
عكس يسوع كاملا شخصية ابيه الرؤوفة
-
-
اتصِفوا بالرقة في رأفتكمبرج المراقبة ١٩٩٤ | ١ تشرين الثاني (نوفمبر)
-
-
اتصِفوا بالرقة في رأفتكم
«البسوا . . . مشاعر المودة الرقيقة للرأفة واللطف.» — كولوسي ٣:١٢، عج.
١ لماذا هنالك اليوم حاجة عظيمة الى الرأفة؟
لم يحتَجْ في التاريخ من قبل قط اشخاص كثيرون الى هذا الحد الى المساعدة الرؤوفة. ففي وجه المرض، الجوع، البطالة، الجريمة، الحروب، الفوضى، والكوارث الطبيعية، يحتاج الملايين الى المساعدة. ولكن هنالك مشكلة اخطر ايضا، وهي حالة الجنس البشري الروحية اليائسة. فالشيطان الذي يعرف ان وقته قصير، «يضل العالم كله.» (رؤيا ١٢:٩، ١٢) لذلك فان الذين خارج الجماعة المسيحية الحقيقية هم خصوصا في خطر خسارة حياتهم، والكتاب المقدس ينفي ايّ رجاء بالقيامة لاولئك الذين يُحكم عليهم خلال يوم دينونة اللّٰه القادم. — متى ٢٥:٣١-٣٣، ٤١، ٤٦؛ ٢ تسالونيكي ١:٦-٩.
٢ لماذا يمتنع يهوه عن اهلاك الاشرار؟
٢ مع ذلك، يستمر يهوه اللّٰه في اظهار الصبر والرأفة لغير الشاكرين والاشرار حتى هذا الوقت المتأخر من آخر الايام. (متى ٥:٤٥؛ لوقا ٦:٣٥، ٣٦) وقد فعل ذلك للسبب عينه الذي من اجله اخَّر معاقبة امة اسرائيل الخائنة. «حيّ انا يقول السيد الرب اني لا اسرُّ بموت الشرير بل بأن يرجع الشرير عن طريقه ويحيا. ارجعوا ارجعوا عن طرقكم الرديئة. فلماذا تموتون يا بيت اسرائيل.» — حزقيال ٣٣:١١.
٣ ايّ مثال لدينا لرأفة يهوه على الذين ليسوا من شعبه، وماذا نتعلَّم من ذلك؟
٣ امتدت رأفة يهوه ايضا الى اهل نينوى الاشرار. فقد ارسل يهوه نبيَّه يونان ليحذِّرهم من الدمار الوشيك. وقد تجاوبوا ايجابيا مع كرازة يونان وتابوا. فدفع ذلك الاله الرؤوف يهوه الى الامتناع عن تدمير المدينة في ذلك الوقت. (يونان ٣:١٠؛ ٤:١١) فإذا اشفق اللّٰه على اهل نينوى، الذين كان من المحتمل ان يُقاموا، فكم بالاحرى يترأف دون شك اكثر بكثير على الاشخاص الذين يواجهون اليوم هلاكا ابديا! — لوقا ١١:٣٢.
عمل رأفة لم يسبق له مثيل
٤ كيف يعرب يهوه عن الرأفة للناس اليوم؟
٤ انسجاما مع شخصيته الرؤوفة، فوَّض يهوه الى شهوده ان يستمروا في زيارة جيرانهم حاملين «بشارة الملكوت.» (متى ٢٤:١٤) وعندما يتجاوب الناس بتقدير مع هذا العمل المنقذ الحياة، يفتح يهوه قلوبهم ليفهموا رسالة الملكوت. (متى ١١:٢٥؛ اعمال ١٦:١٤) وإذ يتمثَّل المسيحيون الحقيقيون بإلههم، يظهرون الرأفة الرقيقة بالعودة الى زيارة المهتمين، بمساعدتهم، حيثما امكن، بواسطة درس في الكتاب المقدس. وهكذا، في السنة ١٩٩٣، صرف اكثر من اربعة ملايين ونصف مليون شاهد ليهوه في ٢٣١ بلدا اكثر من بليون ساعة وهم يكرزون من بيت الى بيت ويدرسون الكتاب المقدس مع جيرانهم. وبدورهم، لدى هؤلاء المهتمين حديثا فرصة نذر حياتهم ليهوه والانضمام الى صفوف شهوده المعتمدين. وهكذا، يأخذون على عاتقهم هم ايضا عمل الرأفة هذا الذي لم يسبق له مثيل لمصلحة التلاميذ المحتمَلين الذين لا يزالون واقعين في شرك عالم الشيطان الزائل. — متى ٢٨:١٩، ٢٠؛ يوحنا ١٤:١٢.
٥ عندما تكون الرأفة الالهية قد بلغت حدّها الاقصى، ماذا سيحدث للدين الذي يسيء تمثيل اللّٰه؟
٥ وقريبا سيعمل يهوه ‹كرجل حرب.› (خروج ١٥:٣) فبدافع الرأفة على اسمه وشعبه، سيزيل الشر ويؤسِّس عالما جديدا بارا. (٢ بطرس ٣:١٣) وأول مَن سيختبرون يوم سخط اللّٰه هم كنائس العالم المسيحي. وتماما كما ان اللّٰه لم يستثنِ هيكله الخاص في اورشليم من الدمار على يدَي ملك بابل، فإنه لن يستثني الهيئات الدينية التي اساءت تمثيله. وسيضع اللّٰه في قلب اعضاء الامم المتحدة ان يخرِّبوا العالم المسيحي وكل اشكال الدين الباطل الاخرى. (رؤيا ١٧:١٦، ١٧) «وأنا،» يعلن يهوه، «عيني لا تشفق ولا (اترأف) اجلب طريقهم على رؤوسهم.» — حزقيال ٩:٥، ١٠.
٦ بأية طرائق يندفع شهود يهوه الى اظهار الرأفة؟
٦ وفيما لا يزال هنالك وقت، يستمر شهود يهوه في اظهار الرأفة لجيرانهم بالكرازة بغيرة برسالة اللّٰه للخلاص. وحيثما امكن، يكون طبيعيا ان يساعدوا ايضا المحتاجين ماديا. لكنَّ مسؤوليتهم الاولى، من هذا القبيل، هي الاعتناء بحاجات اعضاء العائلة الاقربين وأهل الايمان. (غلاطية ٦:١٠؛ ١ تيموثاوس ٥:٤، ٨) وبعثات الاغاثة العديدة التي انجزها شهود يهوه لمصلحة الرفقاء المؤمنين الذين عانوا كوارث متنوعة كانت امثلة مدهشة للرأفة. ولكن لا يلزم ان ينتظر المسيحيون وقوع كارثة حتى يظهروا الرأفة الرقيقة. فهم يعربون بسرعة عن هذه الصفة في معالجة تقلُّبات الظروف في الحياة اليومية.
جزء من الشخصية الجديدة
٧ (أ) كيف ترتبط الرأفة بالشخصية الجديدة في كولوسي ٣:٨-١٣؟ (ب) المودة الرقيقة تجعل اسهل على المسيحيين ان يفعلوا ماذا؟
٧ صحيح ان طبيعتنا البشرية الخاطئة والتأثير الرديء لعالم الشيطان هما من العوائق في طريق اتصافنا بالرقة في رأفتنا. ولهذا السبب يحثنا الكتاب المقدس ان نطرح «الغضب السخط الخبث التجديف الكلام القبيح.» وبدلا من ذلك يجري نصحنا ان ‹نلبس (الشخصية الجديدة)› — شخصية تطابق صورة اللّٰه. وقبل كل شيء، نؤمر بأن نلبس «(مشاعر المودة الرقيقة للرأفة) ولطفا وتواضعا ووداعة وطول اناة.» ثم يظهر لنا الكتاب المقدس طريقة عملية للاعراب عن هذه الصفات. «محتملين بعضكم بعضا ومسامحين بعضكم بعضا ان كان لأحد على احد شكوى. كما غفر لكم المسيح هكذا انتم ايضا.» ويكون اسهل ان نكون متسامحين اذا نمَّينا ‹شعور المودة الرقيقة للرأفة.› — كولوسي ٣:٨-١٣.
٨ لماذا من المهم ان تكون لدينا روح التسامح؟
٨ ومن ناحية اخرى، فإن الفشل في الاعراب عن التسامح الرؤوف يعرِّض علاقتنا بيهوه للخطر. لقد اظهر يسوع ذلك بقوة في ايضاحه عن العبد غير المتسامح، الذي وضعه سيده في السجن «حتى يوفي كل ما كان له عليه.» واستحق العبد هذه المعاملة لأنه فشل فشلا ذريعا في اظهار الرأفة لعبد رفيقه توسل اليه طالبا الرحمة. واختتم يسوع الايضاح بالقول: «فهكذا ابي السماوي يفعل بكم إنْ لم تتركوا من قلوبكم كل واحد لأخيه زلاته.» — متى ١٨:٣٤، ٣٥.
٩ كيف ترتبط الرأفة الرقيقة بأهمّ وجه من اوجه الشخصية الجديدة؟
٩ ان اتصافنا بالرقة في رأفتنا هو وجه مهم من اوجه المحبة. والمحبة هي السمة التي تحدِّد هوية المسيحية الحقيقية. (يوحنا ١٣:٣٥) لذلك يختتم وصف الكتاب المقدس للشخصية الجديدة: «على جميع هذه البسوا المحبة التي هي رباط (كامل للوحدة).» — كولوسي ٣:١٤.
الحسد — عائق في طريق الرأفة
١٠ (أ) ماذا يمكن ان يجعل الغيرة تتأصل في قلوبنا؟ (ب) اية نتائج رديئة يمكن ان تأتي من الغيرة؟
١٠ بسبب طبيعتنا البشرية الناقصة، يمكن ان تتأصل بسهولة مشاعر الحسد في قلوبنا. فربما أُنعم على اخ او اخت بقدرات طبيعية او وضع افضل ماديا لا نتمتع نحن به. او ربما نال شخص ما بركات وامتيازات روحية خصوصية. فإذا حسدنا اشخاصا كهؤلاء، فهل نستطيع ان نعاملهم برأفة رقيقة؟ على الارجح لن نستطيع. وبدلا من ذلك، يمكن ان تظهر اخيرا مشاعر الغيرة في حديث انتقادي او تصرفات فظَّة، لأن يسوع قال عن البشر: «من فضلة القلب يتكلم فمه.» (لوقا ٦:٤٥) وقد يؤيِّد آخرون انتقادا كهذا. وهكذا يمكن ان يُعكَّر السلام في عائلة او جماعة من شعب اللّٰه.
١١ كيف لم يترك اخوة يوسف العشرة مكانا في قلوبهم للرأفة، وبأية نتيجة؟
١١ تأملوا في ما حدث في احدى العائلات الكبيرة. صار الابناء العشرة الاكبر ليعقوب يغارون من اخيهم الاصغر يوسف لأنه كان المفضَّل لدى ابيه. ونتيجة لذلك، «لم يستطيعوا ان يكلِّموه بسلام.» ولاحقا، أُنعم على يوسف بأحلام الهية، مما اثبت انه ينال رضى يهوه. وقد جعل ذلك اخوته ‹يزدادون ايضا بغضا له.› ولأنهم لم يستأصلوا الغيرة من قلوبهم، لم يترك ذلك مكانا للرأفة وقادهم الى خطية خطيرة. — تكوين ٣٧:٤، ٥، ١١.
١٢، ١٣ ماذا يجب ان نفعل عندما تدخل مشاعر الغيرة قلبنا؟
١٢ وبقساوة باعوا يوسف الى العبودية. وفي محاولة لتغطية اثمهم، خدعوا اباهم ليعتقد ان يوسف قد قتله حيوان برّي. وبعد سنوات ظهرت خطيتهم عندما اجبرتهم المجاعة على النزول الى مصر وشراء الطعام. فاتَّهمهم المسؤول عن الطعام، الذي لم يعرفوا انه يوسف، بالتجسُّس وقال لهم ألّا يطلبوا مساعدته مجدَّدا إلّا اذا جلبوا اخاهم الاصغر، بنيامين. وبحلول هذا الوقت كان بنيامين قد صار المفضَّل لدى ابيهم، فعرفوا ان يعقوب لن يدعه يذهب.
١٣ لذلك فيما هم واقفون امام يوسف، دفعتهم ضمائرهم الى الاعتراف: «حقا اننا مذنبون الى اخينا [يوسف] الذي رأينا ضيقة نفسه لما (التمس منا الرأفة) ولم نسمع. لذلك جاءت علينا هذه الضيقة.» (تكوين ٤٢:٢١) وبتعاملاته الرؤوفة ولكن الجازمة، ساعد يوسف اخوته على اثبات اصالة توبتهم. ثم اظهر لهم هويته وسامحهم بسخاء. فاستُعيدت وحدة العائلة. (تكوين ٤٥:٤-٨) كمسيحيين، يجب ان نتعلَّم درسا من ذلك. وإذ نعرف عواقب الحسد الوخيمة، يجب ان نصلي الى يهوه طلبا للمساعدة على استبدال مشاعر الغيرة ‹بالمودة الرقيقة للرأفة.›
عوائق اخرى في طريق الرأفة
١٤ لماذا يجب ان نتجنب التعرّض غير الضروري للعنف؟
١٤ يمكن ان تنتج عوائق اخرى في طريق كوننا رؤفاء بسبب تعريض انفسنا بشكل غير ضروري للعنف. فالرياضة والتسلية اللتان تبرزان العنف تعزِّزان محبة سفك الدماء من اجل الاثارة. وفي ازمنة الكتاب المقدس، كان الوثنيون يشاهدون قانونيا مباريات المجالدة والاشكال الاخرى للتعذيب البشري في ميادين المصارعات في الامبراطورية الرومانية. واستنادا الى احد المؤرخين، فإن تسلية كهذه «قضت على مشاعر التعاطف ازاء الالم التي تميِّز البشر عن الخليقة الحيوانية.» والكثير من التسلية في عالم اليوم العصري له التأثير عينه. والمسيحيون، الذين يجاهدون ليتصفوا بالرقة في رأفتهم، يلزمهم ان يكونوا انتقائيين جدا في اختيارهم موادّ القراءة، الافلام، وبرامج التلفزيون. ومن الحكمة ان يبقوا في ذهنهم كلمات المزمور ١١:٥: «محبّ الظلم . . . تبغضه نفس [يهوه].»
١٥ (أ) كيف يمكن ان يظهر الشخص نقصا خطيرا في الرأفة؟ (ب) كيف يتجاوب المسيحيون الحقيقيون مع حاجات الرفقاء المؤمنين والجيران؟
١٥ ان الشخص الاناني تنقصه على الارجح الرأفة ايضا. وهذا خطير، لأن الرسول يوحنا يوضح: «مَن كان له معيشة العالم ونظر اخاه محتاجا وأغلق (باب رأفته الرقيقة) عنه . . . كيف تثبت محبة اللّٰه فيه.» (١ يوحنا ٣:١٧) لقد اظهر نقصا مماثلا في الرأفة الكاهن الذي لديه البرّ الذاتي واللاوي في ايضاح يسوع عن السامري الودي. فعند رؤية بليَّة اخيهما اليهودي الذي كان بين حيّ وميت، عبَرا الى الجانب الآخر من الطريق وتابعا سيرهما. (لوقا ١٠:٣١، ٣٢) وعلى الضد من ذلك، يتجاوب المسيحيون الرؤفاء بسرعة مع حاجات اخوتهم المادية والروحية. وكالسامري في ايضاح يسوع، يهتمون ايضا بحاجات الغرباء. وهكذا ينفقون بفرح وقتهم، طاقتهم، ومواردهم المادية في سبيل تقدُّم عمل التلمذة. وبهذه الطريقة يساهمون في خلاص الملايين. — ١ تيموثاوس ٤:١٦.
الرأفة على المرضى
١٦ اية حدود نواجهها في معالجة حالات المرض؟
١٦ المرض هو نصيب الجنس البشري الخاطئ والمائت. والمسيحيون ليسوا مستثنَين، ومعظمهم ليسوا اختصاصيين في حقل الطب، ولا ينجزون العجائب كما كان يفعل المسيحيون الاولون الذين نالوا قدرات كهذه من المسيح ورسله. وبموت رسل المسيح وعشرائهم الاقربين، زالت قدرات عجائبية كهذه. لذلك فإن قدرتنا على مساعدة الذين يعانون مرضا جسديا، بما في ذلك الخلل الوظيفي في الدماغ والهلوسة، هي محدودة. — اعمال ٨:١٣، ١٨؛ ١ كورنثوس ١٣:٨.
١٧ ايّ درس نتعلَّمه من الطريقة التي عومل بها ايوب المريض والثكلان؟
١٧ وغالبا ما يرافق الاكتئابُ المرض. مثلا، اكتأب كثيرا ايوب الخائف اللّٰه بسبب مرضه الشديد والمصائب التي جلبها عليه الشيطان. (ايوب ١:١٨، ١٩؛ ٢:٧؛ ٣:٣، ١١-١٣) وكان بحاجة الى اصدقاء يعاملونه برأفة رقيقة و ‹يتكلمون بمؤاساة› معه. (١ تسالونيكي ٥:١٤، عج) وعوضا عن ذلك، زاره ثلاثة معزِّين مزعومين ووصلوا بسرعة الى استنتاجات خاطئة. وزادوا حالة ايوب سوءًا بالاقتراح ان مصائبه ناجمة عن خطإ من جهته. واذ يكون المسيحيون متصفين بالرقة في رأفتهم، يتجنبون الوقوع في شرك مماثل عندما يكون الرفقاء المؤمنون مرضى او مكتئبين. وأحيانا يكون الامر الاساسي الذي يحتاج اليه اشخاص كهؤلاء هو زيارات عطوفة قليلة من الشيوخ او المسيحيين الناضجين الآخرين الذين يصغون بتعاطف، يظهرون التفهم، ويزوِّدون مشورة الاسفار المقدسة الحبيَّة. — رومية ١٢:١٥؛ يعقوب ١:١٩.
الرأفة على الضعفاء
١٨، ١٩ (أ) كيف يجب ان يتعامل الشيوخ مع الضعفاء والخطاة؟ (ب) حتى اذا كان ضروريا تشكيل لجنة قضائية، فلماذا من المهم ان يعامل الشيوخ الخطاة برأفة رقيقة؟
١٨ يجب ان يتصف الشيوخ خصوصا بالرقة في رأفتهم. (اعمال ٢٠:٢٩، ٣٥) يوصي الكتاب المقدس: «يجب علينا نحن الاقوياء ان نحتمل اضعاف الضعفاء.» (رومية ١٥:١) ولكوننا ناقصين، نرتكب جميعا الاخطاء. (يعقوب ٣:٢) والرقة لازمة عند التعامل مع شخص ‹يتَّخذ خطوة خاطئة قبل ان يدري بها.› (غلاطية ٦:١، عج) ولا يريد الشيوخ ابدا ان يكونوا كالفريسيين ذوي البر الذاتي الذين كانوا غير منطقيين في تطبيقهم لناموس اللّٰه.
١٩ وبالتباين، يتبع الشيوخ مثالَي يهوه اللّٰه ويسوع المسيح المتصفين بالرقة في رأفتهما. وعملهم الرئيسي هو ان يعضدوا، يشجِّعوا، وينعشوا خراف اللّٰه. (اشعياء ٣٢:١، ٢) وبدلا من محاولة ضبط الامور بقواعد كثيرة، يلجأون الى المبادئ الرقيقة في كلمة اللّٰه. لذلك فإن مهمة الشيوخ يجب ان تكون البنيان، جلب الفرح والتقدير لصلاح يهوه لقلوب اخوتهم. وإذا ارتكب احد الرفقاء المؤمنين خطأ غير خطير، يتجنب عادة الشيخ توبيخه على مسمع من الآخرين. وإذا كان لا بد من التكلم، تدفع مشاعر الرأفة الرقيقة الشيخ الى اخذ ذلك الشخص جانبا ومناقشة المشكلة بعيدا عن مسمع الآخرين. (قارنوا متى ١٨:١٥.) ومهما كان صعبا الانسجام مع احد الاشخاص، يجب ان يكون اقتراب الشيخ صبورا ومساعِدا. وهو لا يريد ابدا ان يبحث عن اعذار لطرد شخص كهذا من الجماعة. وحتى عندما يكون ضروريا تشكيل لجنة قضائية، يُظهر الشيوخ رأفة رقيقة في التعامل مع الشخص الذي تورَّط في خطإ خطير. فقد يساعد ترفُّقهم على جلب ذلك الشخص الى التوبة. — ٢ تيموثاوس ٢:٢٤-٢٦.
٢٠ متى تكون التعابير العاطفية عن الرأفة غير لائقة، ولماذا؟
٢٠ ولكن، هنالك اوقات لا يمكن لخادم يهوه ان يظهر فيها الرأفة. (قارنوا تثنية ١٣:٦-٩.) وبالنسبة الى المسيحي، فإن ‹عدم مخالطة› صديق حميم او قريب مفصول يمكن ان يكون امتحانا حقيقيا. وفي حالة كهذه، من المهم ألّا يستسلم المرء لمشاعر الشفقة. (١ كورنثوس ٥:١١-١٣) وثبات كهذا يمكن ايضا ان يشجع الخاطئ على التوبة. وعلاوة على ذلك، يجب ان يتجنب المسيحيون عند تعاملهم مع الجنس الآخر الاعراب غير الملائم عن العطف الذي يمكن ان يقود الى الفساد الادبي الجنسي.
٢١ في اية مجالات اخرى يلزمنا اظهار الرأفة الرقيقة، وما هي الفوائد؟
٢١ لا يسمح لنا ضيق المجال بأن نناقش المجالات العديدة كلها التي تكون فيها الرأفة لازمة — في التعامل مع الكبار السن، الثكالى، والذين يعانون الاضطهاد من رفقاء الزواج غير المؤمنين. والشيوخ الذين يعملون بكد يجب ان يُعامَلوا بشكل مماثل برأفة رقيقة. (١ تيموثاوس ٥:١٧) فاحترموهم وادعموهم. (عبرانيين ١٣:٧، ١٧) كتب الرسول بطرس: «كونوا جميعا . . . (متصفين بالرقة في رأفتكم).» (١ بطرس ٣:٨) وبالتصرف على هذا النحو في كل الظروف التي تتطلب ذلك، نعزِّز الوحدة والسعادة في الجماعة ونجذب الغرباء الى الحق. والاهم هو اننا نجلب بذلك الاكرام ليهوه، ابينا المتصف بالرقة في رأفته.
-
-
اتصِفوا بالرقة في رأفتكمبرج المراقبة ١٩٩٤ | ١ تشرين الثاني (نوفمبر)
-
-
[الاطار في الصفحة ١٩]
الفريسيون غير الرؤفاء
كان سبت الراحة مُعَدًّا ليكون بركة روحية وجسدية لشعب اللّٰه. ولكنَّ القادة الدينيين اليهود وضعوا قواعد كثيرة تحط من قدر شريعة اللّٰه ليوم السبت وتجعلها ثقيلة على الشعب. مثلا، اذا حصل حادث لشخص او عانى من مرض، فلم يكن بالامكان ان ينال المساعدة يوم السبت إلّا اذا كانت حياته في خطر.
كانت احدى المدارس الفكرية للفريسيين متزمتة جدا في تفسيرها لشريعة يوم السبت بحيث قالت: «لا يجب ان يعزِّي المرء النائحين، ولا يجب ان يزور المرضى يوم السبت.» وقد سمح قادة دينيون آخرون بزيارات كهذه يوم السبت لكنهم اشترطوا: «الدموع ممنوعة.»
لذلك دان يسوع بحقّ القادة الدينيين اليهود بسبب تغاضيهم عن متطلبات الناموس الاكثر اهمية، كالعدل، المحبة، والرحمة. فلا عجب انه قال للفريسيين: ‹تبطلون كلام اللّٰه بتقليدكم›! — مرقس ٧:٨، ١٣؛ متى ٢٣:٢٣، عج؛ لوقا ١١:٤٢.
[الصور في الصفحة ١٧]
يقوم شهود يهوه في ٢٣١ بلدا بعمل رأفة لم يسبق له مثيل في بيوت الناس، في الشوارع، حتى في السجون
[الصورة في الصفحة ١٨]
التعرُّض للعنف، كذاك الذي على التلفزيون، يُضعف الرأفة الرقيقة
-