-
هل يتعارض الايمان باللّٰه مع العِلم؟استيقظ! ٢٠٠٤ | حزيران (يونيو) ٢٢
-
-
هل يتعارض الايمان باللّٰه مع العِلم؟
عندما يقرأ المرء موضوعا عن العلم، تلفت انتباهه احيانا تعابير دينية. مثلا، يُشار احيانا الى العلماء بوصفهم «كهنة عالم التكنولوجيا العصري»، وتُسمّى مختبراتهم «هياكل» او «مزارات». طبعا ليست هذه العبارات سوى استعارات، لكنّها تُنشئ سؤالا مهما: هل هنالك حقا هوة عميقة تفصل بين العلم والدين؟
يشعر البعض انه كلما زادت معرفة العلماء، ابتعدوا اكثر عن الايمان باللّٰه. وفي الواقع يزدري كثيرون في المجتمع العلمي بالاقتناعات الدينية. لكنّ عددا لا بأس به من العلماء، تستوقف انتباههم الدلائل التي تشير الى وجود تصميم في العالم حولنا. ويفكر علماء آخرون في ما هو ابعد من التصميم، فيتساءلون عن المصمِّم.
الافكار تتغير
طوال قرن ونصف، لاقت نظرية التطور التي وضعها تشارلز داروين قبولا واسعا. وربما اعتقد بعض المثقفين انه بحلول زمننا هذا لن يؤمن باللّٰه سوى البسطاء والجهلة والسُّذَّج. غير انهم كانوا مخطئين في اعتقادهم. فعلماء عديدون يعترفون علنا بأنهم يؤمنون بوجود خالق. ومع انهم قد لا يؤمنون بالكتاب المقدس او بإله له شخصية متميزة، فهم مقتنعون بأن التصميم الذي يظهر في الطبيعة يتطلب وجود مصمم ذكي.
هل يمكن اعتبار هؤلاء العلماء سُذَّجا؟ ذكرت صحيفة ذا نيويورك تايمز في مقالة تحدثت عن العلماء الذين يعتقدون ان كوننا والحياة فيه اتيا نتيجة تصميم ذكي: «انهم من حملة شهادات الدكتوراه، ويتبوأون مناصب في افضل الجامعات. كما ان رفضهم نظرية داروين مؤسس على معطيات علمية وليس على ما يقوله الكتاب المقدس».
وذكرت المقالة نفسها ان مؤيّدي فكرة التصميم الذكي «لا يدّعون ادعاءات فارغة. . . . انهم يرفضون النظرية الداروينية السائدة، او اي نظرية اخرى من ‹المذهب الطبيعي› القائل ان الحياة وُجدت نتيجة عوامل طبيعية عرضية. ويؤكدون ان العالم البيولوجي يزخر بأمثلة على التصميم الذكي تشير بتأكيد شبه تام الى تدخُّل مصمم ذكي».a
قد نستغرب ان تكون استنتاجات كهذه شائعة بين العلماء. فقد كشفت دراسة نُشرت سنة ١٩٩٧ انه من بين كل ١٠ علماء اميركيين هنالك ٤ يؤمنون بوجود اله له شخصية متميزة. وقد بقيت هذه النسبة على حالها منذ سنة ١٩١٤ حين نُشرت دراسة مشابهة.
طبعا ان النسبة هي اقل في البلدان التي توجُّهها علماني اكثر، كبلدان اوروپا مثلا. ومع ذلك، كما ذكرت صحيفة ذا ڠارديان البريطانية، «ان نسبة العلماء الذين يؤمنون باللّٰه هي اعلى بين العلماء في الحقول العلمية التي تعتمد على القياسات الدقيقة في برهان النظريات، كالفيزياء والجيولوجيا، وأدنى بين العلماء في الحقول العلمية الاقل اعتمادا على القياسات الدقيقة، كالانثروپولوجيا [علم الانسان]. كما انه توجد في المملكة المتحدة منظمات مثل منظمة ‹المسيحيون في مجال العلم›. وفي هذا البلد، نسبة الذهاب الى الكنيسة بين طلاب العلوم هي اعلى من النسبة بين طلاب الآداب».
ومع ذلك يبدو ان معظم العلماء يستخفون بفكرة وجود خالق. وموقف الازدراء هذا يؤثر كثيرا في زملائهم. يقول عالِم الفلك آلان ساندايدج ان «العالِم يتردد في الكشف عن نفسه انه يؤمن باللّٰه، لأن الازدراء الذي يواجهه نتيجة ذلك كبير جدا».
وبالنظر الى ذلك، فإن العلماء الذين يتجرأون على التأكيد ان العلم لا يتعارض مع الايمان بخالق يجدون ان صوتهم تحجبه الاصوات التي تعلو مشكِّكة بوجود خالق. لكنَّ المقالتَين التاليتين ستركزان على آراء هؤلاء العلماء التي قلَّما تُسمع، وستعطيان الاسباب التي تدفعهم الى التوصل الى استنتاجاتهم. فكيف يشملك هذا الموضوع شخصيا؟ هل يمكن ان يساعدك العلم ان تجد اللّٰه؟ من فضلك تابع القراءة.
[الحاشية]
a في ما يلي لائحة ببعض رجال الفكر والعلم البارزين الذين يصرِّحون علنا انه يوجد «مصمم ذكي»: فيليپ إ. جونسون، وهو استاذ حقوق بجامعة كاليفورنيا في بركلي؛ عالِم الكيمياء الحيوية مايكل ج. بيهي، واضع كتاب صندوق داروين الاسود: التحدي الكيميائي الحيوي للتطور (بالانكليزية)؛ عالِم الرياضيات وليَم أ. دمسكي؛ المتخصص في علم المنطق آلڤن پلانتينڠا؛ عالِما الفيزياء جون پولْكينغْهورْن وفريمان دايْسن؛ وعالِم الفلَك آلان ساندايدج. وهنالك آخرون ايضا لم نذكرهم لكثرتهم.
-
-
اسباب ايمان بعض العلماء باللّٰهاستيقظ! ٢٠٠٤ | حزيران (يونيو) ٢٢
-
-
اسباب ايمان بعض العلماء باللّٰه
يستمر العلم في الكشف عن اسرار كوننا والحياة على كوكبنا. إلّا ان العلماء وغير العلماء على السواء لا تزال تحيّرهم اسئلة اساسية كالتالية: كيف ظهر الكون؟ ماذا وُجد قبل ان يظهر الكون؟ لماذا يبدو ان الكون مصمَّم خصوصا لدعم الحياة؟ وكيف نشأت الحياة هنا على الارض؟
لا يزال العلم عاجزا عن الاجابة عن هذه الاسئلة بطريقة مقنعة. ويشك البعض في ان يتمكن العلم من ذلك يوما ما. ولهذا السبب اضطر العديدون الى إعادة النظر في آرائهم ومعتقداتهم. فلنناقش ثلاثة ألغاز تدفع بعض العلماء الى التفكير في وجود خالق.
هل الصدفة هي وراء الكون المضبوط بدقة؟
احدى المسائل المهمة هي ان كوننا مضبوط بدقة بالغة. فلماذا توجد في كوننا قوانين فيزيائية ثابتة وثوابت طبيعية تلائم تماما كوكبنا وتدعم الحياة عليه؟
في البداية، ماذا نقصد حين نقول ان كوننا مضبوط بدقة؟ خُذ مثلا الضبط الدقيق للقوى الفيزيائية الاساسية الاربع: الكهرمغنطيسية، الجاذبية، القوة النووية القوية، والقوة النووية الضعيفة.a تؤثر هذه القوى في كل شيء في الكون. وهي مضبوطة بدقة ومتوازنة تماما بحيث انه لو تغيرت ولو قليلا لما وُجدت اي حياة في الكون.
بعد التفكير المنطقي في ذلك يستنتج عديدون انه لا بد من وجود سبب يتعدى الصدفة العمياء وراء الضبط الدقيق للكون. وقد استنتج جون پولْكينغْهورْن، الذي كان عالِم فيزياء في جامعة كَيمبريدج: «حين يدرك المرء ان قوانين الطبيعة يجب ان تكون مضبوطة بدقة بالغة لكي يوجد الكون الذي نراه، يقتنع ان الكون لم يظهر صدفة، بل ان هنالك قصدا لوجوده».
وذكر عالِم الفيزياء الاوسترالي پول دايڤيز نقطة مماثلة بقوله: «لا شك ان هنالك علماء كثيرين . . . يزدرون بفكرة امكانية وجود اله، او حتى منشِئ مبدِع غير شخصي». وأضاف: «انا شخصيا لا اشاركهم في ازدرائهم . . . لا استطيع ان اصدِّق ان وجودنا في هذا الكون هو من غرائب الصدف، . . . شذوذ عَرَضي في المسرحية الكونية العظمى».
معضلة التعقيد في الكائنات الحية
هنالك مسألة اخرى تحيِّر العلماء اليوم، هي التعقيد البالغ الذي نراه في العالم حولنا. فمن المنطقي الاستنتاج انه كلما كان الامر معقَّدا قلَّت امكانية نشوئه بالصدفة. وإليك مثلا على ذلك:
يتطلب تكوّن الدَّنا DNA، وهو جُزَيء اساسي للحياة، حدوث عدد هائل من التفاعلات الكيميائية بتسلسل محدد ودقة بالغة. ومنذ نحو ثلاثين سنة أجرى الدكتور فرانك سولزبوري، عالم في جامعة يوتا بالولايات المتحدة الاميركية، حسابات ليرى ما هو احتمال ان ينشأ بالصدفة جُزَيء دَنا واحد، هو ضروري لظهور الحياة. وقد أظهرت حساباته ان احتمال حدوث ذلك ضئيل جدا بحيث يمكن اعتباره مستحيلا في علم الرياضيات.b
يظهر التعقيد خصوصا في الكائنات الحية التي لديها اعضاء معقَّدة لا تؤدي دورها ما لم توجد اعضاء معقَّدة اخرى. فلنأخذ على سبيل المثال التناسل.
وفقا لنظريات التطور، استمرت الكائنات الحية بالتناسل فيما كانت تتطور وتزداد تعقيدا. لكن في مرحلة من المراحل، وجب ان تطوّر الانثى في عدة انواع من الكائنات خلايا تناسلية تحتاج ان تلقحها خلايا تناسلية مكمِّلة لها آتية من ذكر. ولكي ترث الذرية العدد الملائم من الصِّبغيات، لزم ان تخضع الخلايا التناسلية لكلا الجنسين لعملية تُسمّى الانقسام المُنَصِّف، ينتج عنها انخفاض عدد الصِّبغيات في هذه الخلايا الى النصف. وذلك يحول دون ان تنال الذرية عددا زائدا من الصِّبغيات.
دون شك، لزم ان يحدث ذلك في انواع اخرى من الكائنات الحية. فكيف تمكنت «الام الاولى» في كل نوع من الكائنات الحية ان تنتج ذرية من «اب اول» تام النمو؟ كيف تمكَّن كلاهما فجأة ان يخفضا عدد الصِّبغيات في خلاياهما التناسلية الى النصف بحيث ينتجان ذرية صحيحة تتمتع بخصائص ورثتها منهما كليهما؟ وإذا تطورت هذه الميزات التناسلية تدريجيا، فكيف تمكن الذكر والانثى في كل نوع من البقاء على قيد الحياة فيما كانت هذه الميزات لا تزال تتطور؟
من الصعب جدا في نوع واحد فقط من الكائنات الحية ان يطور بالصدفة ذكر وأنثى خلايا تناسلية مكمّلة بعضها بعضا، فاحتمال حدوث ذلك ضئيل جدا بحيث لا يمكن حسابه. اما ان تتطور هذه الميزات نفسها في كل الانواع، فهذا ينافي المنطق. فهل يمكن للتطور ان يفسر هذا التعقيد، وهو مجرد عملية قائمة على نظريات؟ كيف يمكن لأجهزة تعتمد واحدها على الآخر بهذه الطريقة المعقدة ان تتطور نتيجة سلسلة من الحوادث والتفاعلات العشوائية التي لا هدف لها؟ ان الكائنات الحية تزخر بميزات تدل على بُعد نظر وتخطيط، وبالتالي تبرهن على وجود مخطِّط ذكي.
هذه هي الخلاصة التي توصَّل اليها العديد من العلماء والمفكرين. فقد كتب مثلا عالِم الرياضيات وليَم دمسكي ان «التصميم الذكي» الظاهر في «الميزات التي تُرى في العالم الطبيعي . . . لا يمكن تفسيره على نحو مقنع إلّا بنسبه الى مسبِّبات ذكية». ويلخِّص عالم الكيمياء الحيوية الجُزَيئية مايكل بيهي الدلائل بقوله: «من الممكن ان تكون كاثوليكيا صالحا وتؤمن بنظرية داروين. لكن بعد دراسة الكيمياء الحيوية يصعب اكثر فأكثر ان تكون عالِما يتحلى بالتفكير المنطقي وتؤمن بهذه النظرية».
سجل احافير ناقص
اللغز الثالث الذي حيّر بعض العلماء له علاقة بسجل الاحافير. فلو استغرق التطور فترات طويلة جدا، لتوقعنا ايجاد عدد كبير من الكائنات التي تشكل حلقات بين الانواع المهمة من الكائنات الحية. لكنّ العدد الكبير من الاحافير التي اكتُشفت منذ زمن داروين خيّب هذه التوقعات. والحلقات المفقودة بقيت فعلا مفقودة!
بناء على ذلك، استنتج عدد من العلماء ان الدلائل على التطور ضعيفة جدا ومتضاربة جدا بحيث انها لا يمكن ان تثبت ان الحياة تطورت. كتب لوثر د. ساذرلاند، وهو متخصص في هندسة الفضاء الجوي، في كتابه لغز داروين (بالانكليزية): «تشير الدلائل العلمية ان كل نوع من الكائنات الحية التي ظهرت على الارض، من الحيوانات الاوالي الوحيدة الخلية الى الانسان، ظهر بشكله الكامل وكانت كل اعضائه وأجهزته كاملة وجاهزة لتؤدي دورها. والخلاصة الحتمية التي نتوصل اليها من ذلك هي انه لا بد من وجود ذكاء سبق ظهور الحياة على الارض».
من ناحية اخرى يتفق سجل الاحافير كثيرا مع ما يقوله سفر التكوين في الكتاب المقدس حول الترتيب الذي ظهرت به الكائنات الحية. ذكر دونالد إ. تشيتيك، وهو عالِم كيمياء فيزيائية نال شهادة الدكتوراه من جامعة ولاية أوريڠون: «ان فحص سجل الاحافير يقود المرء الى الاستنتاج ان الحيوانات تكاثرت كأجناسها، كما يقول سفر التكوين. وهي لم تتحول من نوع الى آخر. والدلائل اليوم، كما في ايام داروين، تتفق مع سجل سفر التكوين الذي يتكلم عن الخلق المباشر. ولا تزال الحيوانات والنباتات تتكاثر كأجناسها. والخلاف بين علم الاحافير والداروينية كبير جدا بحيث ان بعض العلماء صاروا مقتنعين بأن الكائنات التي تشكل حلقات وصل بين مختلف الانواع لن يُعثر عليها ابدا».
الاعتراف بالبراهين
لا يمثل ما تقدم سوى غيض من فيض الاسئلة العالقة التي لا تزال تحيّر مَن لا يقبلون البراهين على وجود خالق. ويدرك بعض العلماء ان الذين يرفضون اللّٰه لا يرفضونه على اساس براهين قاطعة وتحليل منطقي سليم، بل على اساس افتراضات وتخمينات.
لذلك بعد ان قضى عالِم الفلك آلان ساندايدج عمره في الابحاث العلمية المثمرة، قال: «ان ابحاثي العلمية هي ما اقنعني بأن العالم اكثر تعقيدا من ان يتمكن العلم وحده من تفسيره. ولا يمكنني ان افهم لغز الوجود إلّا بالتفكير في علة فوق الطبيعة».
[الحاشيتان]
a من اجل تفاصيل اضافية، انظر الفصل ٢ في كتاب هل يوجد خالق يهتمُّ بأمركم؟ اصدار شهود يهوه.
b لقد اجرى حساباته على اساس الافتراض ان هنالك ٠٠٠,٠٠٠,٠٠٠,٠٠٠,٠٠٠,٠٠٠,١٠٠ (١٠٢٠) كوكب «ملائم» يمكن ان ينشأ عليه هذا الجُزَيء عن طريق التفاعلات الكيميائية الطبيعية خلال فترة ٤ بلايين سنة. وما هو احتمال ظهور جُزَيء دَنا واحد؟ بحسب تقديراته، واحد من ١٠٤١٥!
[الاطار في الصفحة ٦]
اسئلة تحيِّر العلماء
◼ لماذا القوى الفيزيائية الاساسية الاربع مضبوطة على نحو مدهش، مما يجعل وجود الكون والحياة ممكنا؟
◼ كيف يمكن تفسير التعقيد الهائل في الكائنات الحية حتى في ابسط اشكالها؟
◼ لماذا سجل الاحافير ناقص، وأين هي البراهين على وجود كائنات كانت حلقات وصل بين الانواع الرئيسية من الكائنات الحية؟
[الاطار في الصفحة ٨]
بمحض الصدفة؟!
عندما ظهرت مؤخرا على غلاف احد اعداد مجلة ناشونال جيوڠرافيك صورة جميلة تعبِّر عن رابط المحبة الذي يجمع الام بولدها، كتب احد القراء للمجلة قائلا: «ان صورة الام وولدها على الغلاف هي رائعة فنية. انني لا افهم كيف يمكن ان ينظر المرء الى هذه الطفلة الظريفة التي لم تكن قبل تسعة اشهر سوى بيضة بحجم رأس الدبوس، ثم يفكر ان هذا النمو العجيب هو نتاج صدفة عمياء».
يوافق كثيرون هذا الرجل. وقد قام الكاتب وپروفسور الفيزياء النووية السابق، الدكتور جيرالد شرودر، بمقارنة احتمال ان تكون الصدفة المحض مسؤولة عن ظهور كوننا والحياة فيه باحتمال ربح اليانصيب ثلاث مرات متتالية. قال: «قبل ان تتمكن من تسلُّم جائزتك للمرة الثالثة، تكون في طريقك الى السجن بتهمة التلاعب بالنتائج. فإمكانية ربح اليانصيب ثلاث مرات متتالية، او ثلاث مرات في مدى حياة المرء، ضئيلة جدا بحيث يمكن القول انها مستحيلة».
-
-
اين يمكنك ايجاد الاجوبة؟استيقظ! ٢٠٠٤ | حزيران (يونيو) ٢٢
-
-
اين يمكنك ايجاد الاجوبة؟
ان كنت متضايقا من استمرار الجدل حول التطور والخلق، فلستَ وحدك.
ففي احد طرفَي الجدال تجد علماء وأكاديميين واسعي الاطلاع يستعملون عادة لغة بالغة التعقيد، ويصرّون على انك اذا كنت متعلما وذكيا ينبغي ان تقبل نظرية التطور كواقع. وفي الطرف الآخر تجد متديِّنين مدَّعين يستخدمون لغة تؤثر في المشاعر ليقولوا انه اذا كنتَ تمتلك ايمانا اصيلا ينبغي ان تقبل «نظرية الخلق».
ينفِّر هذان الموقفان المتطرفان العديد من الاشخاص المنطقيين. فمسألة وجود اللّٰه لا ينبغي بتُّها بالتأكيدات الجازمة والمتعجرفة. فهي ليست مجرد مسألة نقاش نظري لا فائدة عملية له، بل هي مسألة تؤثر في حياتك وفي مستقبلك.
الخطأ الذي يقع فيه العلماء
كما رأينا، هنالك عدد لا بأس به من العلماء الواسعي الاطلاع والمعروفين الذين يقولون ان الوقائع تشير الى وجود مصمِّم، او خالق. والبعض منهم لا يكتفون بذلك، بل يشكّون في مصداقية زملائهم العلمية حين يتشبثون برفضهم الاعتراف بوجود اللّٰه.
مثلا يذكر العالِم الجيوفيزيائي جون ر. باومڠاردنر: «كيف يمكن لعالِم يتحلّى بذرة من المصداقية ان ينسب التعقيد الذي نراه في الكائنات الحية الى التفاعلات العشوائية، مع العلم ان امكانية حدوث ذلك ضئيلة جدا؟ ان ذلك برأيي هو خرق خطير للمصداقية العلمية».
وأشار عالِم الفيزياء المشهور ريتشارد فاينمان الى وجه آخر من المصداقية العلمية. ففي خطاب ألقاه اثناء حفل التخرج في احدى الجامعات تكلم عن «نوع فائق من المصداقية». وذكر ان هذا النوع يشمل «ان تكون كعالِم مستعدا لتقول انك يمكن ان تكون على خطإ». وفعل ذلك، كما قال، «هو مسؤوليتنا امام غيرنا من العلماء في المقام الاول، وبنظري امام غير العلماء ايضا».
هل من المعتاد ان يقول العلماء الذين يؤيدون التطور ان نظرياتهم ‹يمكن ان تكون خاطئة›؟ للأسف لا نجد هذا النوع من التواضع بينهم. وفي الواقع ينبغي ان يقود التواضع والمصداقية عددا اكبر من العلماء الى الاعتراف ان العلم، الذي ينحصر في دراسة الكون المادي، لا يمكنه ان يجيب عن الاسئلة حول وجود خالق. وما القول في القادة الدينيين الذين يؤيدون نظرية الخلق؟
الخطأ الذي يقع فيه القادة الدينيون
يفتقر القادة الدينيون ايضا الى التواضع والمصداقية. فأين المصداقية في التأكيد ان الكتاب المقدس يعلّم امورا لا يعلّمها في الواقع؟! وأين التواضع في جعل وجهات النظر الشخصية والتقاليد تتقدم على الكتاب المقدس؟! هذا تماما ما يفعله عديدون من مؤيدي «نظرية الخلق».
مثلا، غالبا ما يقول مؤيدو «نظرية الخلق» ان الكون بكامله خُلق منذ نحو ٠٠٠,٦ سنة خلال ستة ايام حرفية مؤلفة من ٢٤ ساعة. وبتعليمهم تعاليم كهذه يحرفون الكتاب المقدس، الذي يقول ان اللّٰه خلق السموات والارض «في البدء»، اي في زمان غير محدد قبل بدء «الايام» الخلقية. (تكوين ١:١) ومن المثير للاهتمام ان سفر التكوين يُظهر ان كلمة «يوم» يمكن فهمها بعدة معانٍ. ففي التكوين ٢:٤، يُشار الى كامل فترة الايام الستة المذكورة في الاصحاح السابق انها يوم واحد. فمن المنطقي الاستنتاج ان هذه الايام لم تكن اياما حرفية مؤلفة من ٢٤ ساعة، بل فترات زمنية اطول. وعلى ما يبدو دامت كلٌّ من هذه الفترات آلاف السنين.
من المؤسف ايضا ان المعلمين الدينيين غالبا ما يخطئون حين يتكلمون عن الايمان. فعلى ما يظهر، يعلِّم بعضهم ان الايمان هو تصديق امر بشدة دون وجود دليل ثابت عليه. وهذا تماما ما يسمّيه عديدون من الاشخاص المنطقيين: سذاجة. اما الكتاب المقدس فيعرِّف الايمان بطريقة مختلفة كليا: «الايمان هو الترقب الاكيد لأمور مرجوة، والبرهان الجلي على حقائق لا ترى». (عبرانيين ١١:١) فالايمان الحقيقي ليس استعدادا ساذجا لتصديق الامور بسرعة، لكنه يتأسس على براهين ثابتة ووقائع اكيدة.
فما هي البراهين للايمان باللّٰه؟ هنالك خطّان يمكن اتباعهما للبرهان على وجود اللّٰه والايمان به، وكلاهما مقنع.
تقييم الادلة
كتب الرسول بولس: «ان صفات [اللّٰه] غير المنظورة، اي قدرته السرمدية وألوهته، تُرى بوضوح منذ خلق العالم، لأنها تُدرَك بالمصنوعات». (روما ١:٢٠) وطوال آلاف السنين تمكن رجال ونساء حكماء من تمييز البراهين على وجود اللّٰه في الطبيعة حولهم.
كما رأينا، يمكن ان يفيدنا العلم كثيرا من هذه الناحية. فكلما تعلَّمنا عن التعقيد والنظام اللذين يتميز بهما كوننا، صار عندنا سبب اقوى لكي نرهب الخالق الذي صممه. وقد قبِل بعض العلماء هذه البراهين ووجدوها مقنعة. ولا شك انهم يقولون ان العلم هو ما ساعدهم على الايمان بوجود اللّٰه. لكن هنالك علماء آخرون يرفضون الاقتناع مهما رأوا من براهين. فما القول فيك انت؟
اذا كنتَ مستعدا لفحص البراهين حول هذه المسألة، فنحن نشجعك على ذلك. وقد صُمِّم كتاب هل يوجد خالق يهتمُّ بأمركم؟ لمساعدتك في سعيك المهم هذا بحثا عن الاجوبة.a بالاضافة الى ذلك، يساعدك هذا الكتاب على التأمل في خط ثانٍ يبرهن على وجود اللّٰه: الكتاب المقدس.
يحتوي الكتاب المقدس على دلائل كثيرة تشير الى انه من وحي ذكاء يفوق الطبيعة البشرية. فهو يحتوي مثلا على العديد من النبوات، اي الاحداث التاريخية التي دُوِّنت قبل ان تحدث. وتصف بعض هذه النبوات حالة عالمنا اليوم! (متى ٢٤:٣، ٦، ٧؛ لوقا ٢١:١٠، ١١؛ ٢ تيموثاوس ٣:١-٥) وبما ان البشر لا يمكنهم ان يتنبأوا بالمستقبل بثقة، فمَن يمكنه ذلك غير اللّٰه؟
غير ان الكتاب المقدس لا يساعدنا فقط ان نعرف ان اللّٰه موجود، بل يعلِّمنا ايضا اسمه، يصف لنا شخصيته، ويخبرنا كيف اظهر اهتمامه بالجنس البشري على مر السنين. كما انه يخبرنا ما يخبئه لنا. في كل هذه المسائل، لا يمكن للعلم ان يعطينا الجواب الشافي. كما ان العلم لا يمنحنا رجاء، ولا يمكنه اعطاؤنا مبادئ وقيَما اخلاقية.
اساس للمبادئ والقيَم الاخلاقية
من المؤسف ان العلم كما يراه البعض اليوم يبدو انه يضعف المبادئ والقيَم والمقاييس الاخلاقية. ذكر ريتشارد دوكِنز، وهو عالِم احياء يرفض فكرة وجود اللّٰه: «في كون تتحكم فيه القوى الفيزيائية العمياء والتناسخ الوراثي الاعمى، سيتأذى بعض الناس، وسيكون حظ آخرين وافرا، ولن يتمكن المرء من ايجاد تفسير منطقي ولا عدالة في ما يجري». أليست هذه صورة محزنة للعالم؟ ألا تعتقد ان المجتمع البشري بحاجة الى قواعد اخلاقية تشكِّل اساسا لمكافأة التصرفات الجيدة ومعاقبة الاخطاء؟
هنا يكمن احد الفروق المهمة بين نظرة الكتاب المقدس الى البشر ونظرة التطور التي ترفض فكرة وجود اللّٰه. فكلمة اللّٰه تشدد على ان خلق البشر كان من الاوجه الهامة لعملية الخلق، فيما يقول التطور ان البشر ظهروا صدفةً نتيجة تفاعلات طبيعية عمياء. ويوضح الكتاب المقدس ان البشر خُلقوا على صورة اللّٰه العادل والمحب، وأن بإمكانهم ان يحيوا حياة فاضلة وسعيدة؛ في حين ان التطور، الذي يقوم على مبدإ الصراع من اجل البقاء، لا يمكنه تفسير الصفات الانسانية كالمحبة والاهتمام بالآخرين.
لا يمكن ان يقدم التطور للبشر اي رجاء حقيقي او قصد في حياتهم. اما الكتاب المقدس فيخبرنا بقصد اللّٰه العظيم للمستقبل. وقد ذكر بوضوح قصده حين قال: «سأبارككم بمستقبل ملؤه الرجاء». — ارميا ٢٩:١١، الترجمة الانكليزية المعاصرة.
تعلَّم عن الخالق
اندفع مرنم ملهم في الماضي الى الاعتراف: «اعلموا ان الرب هو اللّٰه. هو صنعنا». (مزمور ١٠٠:٣) بالنسبة الى العديد من الاشخاص المفكرين، يبدو هذا الاعتراف المتواضع منطقيا اكثر من النظريات العصرية التي تقول ان الحياة البشرية نشأت صدفة.
يعزِّز العلم الحديث احيانا الفكرة المتعجرفة القائلة ان الفكر والمعرفة البشريين ينبغي ان يكونا وحدهما الدليل الذي يرشد الانسان. ومن المؤسف القول ان الاديان المنظَّمة غالبا ما تعزز الفكرة نفسها. غير ان المعرفة البشرية محدودة وستبقى محدودة. فرغم ان الرسول بولس كان واسع الاطلاع في الامور الروحية، بقي متواضعا. فقد قال بكل اخلاص: «نحن اليوم نرى في مرآة رؤية ملتبسة، . . . اليوم اعرف معرفة ناقصة». — ١ كورنثوس ١٣:١٢، الترجمة اليسوعية الجديدة.
طبعا، لا يعتمد الايمان الحقيقي باللّٰه على العلم الحديث. لكنّ الاكتشافات العلمية يمكنها ان تقوِّي ايمان الاشخاص الذين يتأملون باعتناء في الوقائع. ويلعب الايمان الحقيقي وإدراك الحاجات الروحية دورا حيويا لكي تكون الحياة مليئة بالاكتفاء والسعادة. (متى ٥:٣) فالمعرفة الدقيقة عن يهوه وعن مقاصده للجنس البشري وللارض التي تنالها بدرس الكتاب المقدس ستساعدك على ايجاد معنى حقيقي للحياة وستعطيك اساسا للرجاء.
[الحاشية]
a اصدار شهود يهوه.
[الاطار/الصور في الصفحة ٩]
بكلماتهم الخاصة
يعترف العديد من العلماء دون تردد بإيمانهم بوجود خالق. ومع ان بعضهم يملكون فكرة غامضة عن اللّٰه، فهم يوافقون ان الدلائل تشير الى وجود مصمِّم ذكي. لاحِظ من فضلك التعليقات التالية:
«عندما انظر كعالِم الى العالم حولي وألاحظ البنى الهندسية المعقدة جدا، اصل الى الاستنتاج انه لا بد ان يكون لهذا الترتيب المعقَّد مصمِّم ذكي». — آندرو مَكِنْتُوش، عالِم رياضيات، ويلز، المملكة المتحدة
«ان التعقيد الظاهر في الطبيعة يشير بوضوح الى وجود خالق. فكل الانظمة البيولوجية والفيزيائية التي ندرسها تظهر انها بالغة التعقيد ما ان نبدأ بفهمها». — جون ك. ڠ. كرايمر، عالِم كيمياء حيوية، كندا
«ان مدى تنظيم العالم الحي واضح جدا. فقد انشأته قوة اسمى، اسمّيها شخصيا: اللّٰه. هنا يتفق الايمان مع الحقائق العلمية. فهو لا يتعارض معها بل يكمّلها، ويعطينا فهما ابسط لكوننا». — جان دورست، عالِم احياء، فرنسا
«لا يمكنني ان اتصور ان الكون والحياة البشرية ظهرا دون وجود ذكاء، او مصدر ‹دفء› روحي اسمى من المادة وقوانينها». — اندريه ديمتريفتش ساخاروڤ، عالِم فيزياء نووية، روسيا
كل حيوان مصمَّم بطريقة فريدة ليلائم البيئة التي يعيش فيها، ولا يسعني إلّا ان انسب تعقيد هذا التصميم الى خالق، وليس الى قوى التطور العشوائية». — بوب هوسكِن، عالم كيمياء حيوية، أوستراليا
[الاطار/الصور في الصفحة ١٠]
تقييم رواية التكوين
يكتب جيرالد شرودر، وهو پروفسور سابق في الفيزياء النووية: «يروي الكتاب المقدس في احدى وثلاثين آية، ببضعة مئات من الكلمات، حوادث جرت على مر ستة عشر بليون سنة. فيما كتب العلماء ملايين الكلمات لوصف هذه الحوادث. ويلخِّص الكتاب المقدس ظهور الحياة الحيوانية بكاملها في ثماني جمل. وبالنظر الى ايجاز رواية الكتاب المقدس، من اللافت للنظر ملاحظة التطابق بين اكتشافات العلم الحديث وأحداث الاصحاح الاول من التكوين وتسلسلها؛ وخصوصا حين نأخذ في الاعتبار ان تفسير الكتاب المقدس الوارد في التكوين كُتب منذ قرون عديدة في الماضي ولم تؤثر فيه اكتشافات العلم الحديث بأي طريقة. فالعلم الحديث هو الذي صار يتطابق مع رواية سفر التكوين عن ظهور الحياة». — العلم الالهي: اتفاق الحكمة العلمية وحكمة الكتاب المقدس (بالانكليزية).
[الصور]
يصف الكتاب المقدس ست فترات خلقية
-