مكتبة برج المراقبة الإلكترونية
برج المراقبة
المكتبة الإلكترونية
العربية
  • الكتاب المقدس
  • المطبوعات
  • الاجتماعات
  • كم انتم مميَّزون!‏
    هل يوجد خالق يهتم بامركم؟‏
    • دماغكم المذهل

      يُشبَّه دماغ الانسان طوال سنوات بالكمپيوتر،‏ لكنَّ الاكتشافات الحديثة تُظهر ان هذه المقارنة غير منصفة.‏ يسأل الدكتور ريتشارد م.‏ رستاك:‏ «كيف يمكن ان يستوعب المرء عملَ عضو له ٥٠ بليون عصبون neurons تقريبا بمليون بليون مشبك synapses (‏وصلة)‏،‏ وله معدل اضطرام firing اجمالي ربما يبلغ ١٠ ملايين بلايين مرة في الثانية؟‏».‏ وماذا كان جوابه؟‏ «ان اداء اجهزة الكمپيوتر الشبكية العصبية neural-network computers الاكثر تطوُّرا .‏ .‏ .‏ يناهز نسبة واحد الى عشرة آلاف من المقدرة الدماغية لذبابة منزل».‏ فانظروا كم يلزم الكمپيوتر ليصير في مستوى الدماغ البشري المتفوِّق جدا!‏

      ايّ كمپيوتر من صنع الانسان قادر على اصلاح نفسه،‏ اعادة كتابة برنامجه،‏ او تحسين ادائه على مرّ السنين؟‏ عندما يحتاج نظام كمپيوتر الى تعديل،‏ يجب ان يكتب ويُدخل المبرمج تعليمات مشفّرة جديدة.‏ أما دماغنا فيقوم بهذا العمل تلقائيا،‏ سواء في السنوات الاولى من الحياة او في الشيخوخة.‏ وأنتم لا تبالغون اذا قلتم ان معظم اجهزة الكمپيوتر المتطوِّرة بدائي جدا بالمقارنة مع الدماغ.‏ لقد قال عنه العلماء انه «لا تُعرف بنية اكثر تشابكا منه»،‏ وإنه «الشيء الاكثر تعقيدا في الكون».‏ فتأملوا في بعض الاكتشافات التي جعلت كثيرين يستنتجون ان الدماغ البشري هو نتاج عمل خالق محب.‏

      استعملوه او تخسروه

      ان الاختراعات المفيدة كالسيارات والطائرات النفاثة تحدُّها من حيث الاساس الآليات والانظمة الكهربائية الثابتة التي يصمّمها ويركّبها الانسان.‏ أما دماغنا فهو على الاقل آلية او نظام بيولوجي مرِن الى حد بعيد.‏ فبإمكانه ان يتغيّر باستمرار حسب الطريقة التي يُستعمل —‏ او يساء استعماله —‏ بها.‏ ويبدو ان هنالك عاملَين مسؤولَين عن طريقة نموّ دماغنا طوال حياتنا:‏ ما نسمح بدخوله عن طريق حواسنا وما نختار التفكير فيه.‏

      مع ان العوامل الوراثية قد تلعب دورا في الاداء الفكري،‏ تُظهر الابحاث الحديثة ان قدرة دماغنا لا تحدِّدها مورِّثاتنا وقت الاخصاب.‏ يكتب المؤلف رونالد كوتْيولاك الحائز جائزة پوليتزر:‏ «لم يتخيل احد ان الدماغ قابل للتغيُّر كما صار العلم يعرف الآن».‏ وبعد مقابلة اكثر من ٣٠٠ باحث،‏ استنتج:‏ «ليس الدماغ عضوا يبقى على حاله؛‏ انه مجموعة دائمة التغيُّر من الوصلات الخلوية التي تتأثر جدا بالتجربة الشخصية».‏ —‏ داخل الدماغ (‏بالانكليزية)‏.‏

      لكنَّ تجاربنا ليست الوسيلة الوحيدة لتنمية دماغنا.‏ فهو يتأثر ايضا بتفكيرنا.‏ وقد وجد العلماء ان الوصلات (‏المشابك)‏ بين الخلايا العصبية (‏العصبونات)‏ في ادمغة الذين يبقون نشاطى فكريا هي اكثر من الوصلات في ادمغة الكسالى فكريا بنسبة تصل الى ٤٠ في المئة.‏ لذلك يستنتج علماء الاعصاب انه يجب ان تستعملوا دماغكم،‏ وإلا فستخسرونه.‏ ولكن ماذا عن المسنين؟‏ يبدو ان الشخص يفقد بعض خلايا الدماغ كلما تقدَّمت به السن،‏ ويمكن ان يرافق الشيخوخة ضعف في الذاكرة.‏ لكنَّ الفرق اصغر بكثير مما كان يُظن.‏ قال تقرير لمجلة ناشونال جيوڠرافيك (‏بالانكليزية)‏ عن الدماغ البشري:‏ «تبقى عند المسنين .‏ .‏ .‏ القدرة على توليد وصلات جديدة والمحافظة على القديمة عن طريق النشاط الفكري».‏

      تنسجم الاكتشافات الجديدة عن مرونة الدماغ مع النصيحة الموجودة في الكتاب المقدس.‏ فكتاب الحكمة هذا يحث القراء على ‹التغيُّر بتجديد اذهانهم› او ‹التجدُّد› من خلال «المعرفة» التي تُدخَل في الذهن.‏ (‏رومية ١٢:‏٢؛‏ كولوسي ٣:‏١٠‏)‏ ويرى شهود يهوه ذلك يحدث حين يدرس الناس الكتاب المقدس ويطبقون مشورته.‏ فآ‌لاف كثيرة من الاشخاص —‏ من خلفيات اجتماعية وثقافية شتى —‏ فعلوا ذلك.‏ وهم يحافظون على هويتهم الفردية،‏ لكنهم صاروا اكثر سعادة واتزانا،‏ معربين عمّا دعاه كاتب في القرن الاول «سلامة العقل».‏ (‏اعمال ٢٦:‏​٢٤،‏ ٢٥‏،‏ ع‌ج‏)‏ وتنتج تحسينات كهذه الى حد بعيد حين يحسن المرء استعمال جزء من القشرة المخّيّة يقع في مقدمة الرأس.‏

      الفصّ الجَبْهيّ لدماغكم

      ان معظم العصبونات في القشرة المخّيّة،‏ وهي الطبقة الخارجية من الدماغ،‏ ليس موصولا مباشرة بالعضلات والاعضاء الحسية.‏ تأملوا مثلا في البلايين من العصبونات التي تشكّل الفصّ الجَبْهيّ.‏ (‏انظروا الرسم في الصفحة ٥٦.‏)‏ تُثبِت صور المسح الدماغي ان الفصّ الجَبْهيّ ينشط حين تفكرون في كلمة او تتذكرون امورا.‏ ان الجزء الامامي من الدماغ يلعب دورا خصوصيا في جعلكم ما انتم عليه.‏

      ‏«القشرة الجَبْهيّة الامامية prefrontal .‏ .‏ .‏ لها اكبر علاقة بتطوير الافكار وبالذكاء والاندفاع والشخصية.‏ انها تجمع التجارب الضرورية لإنتاج الافكار النظرية،‏ قوة التمييز،‏ المثابرة،‏ التخطيط،‏ الاهتمام بالآخرين،‏ والضمير.‏ .‏ .‏ .‏ والتطوير في هذا الحيّز هو الذي يميّز الكائنات البشرية من الحيوانات الاخرى».‏ (‏التشريح والفيزيولوجيا البشريان للمؤلفة مارْيِب [بالانكليزية])‏ ونرى طبعا ادلة على هذا التميُّز في ما انجزه البشر في مجالات الرياضيات والفلسفة والعدل،‏ التي تتمحور بشكل رئيسي حول عمل القشرة الجَبْهيّة الامامية.‏

      لماذا يملك البشر قشرة جَبْهيّة امامية كبيرة ومرِنة تلعب دورا في الوظائف الفكرية المعقدة،‏ في حين ان هذا الحيّز بدائي او غير موجود عند الحيوانات؟‏ ان التباين كبير جدا حتى ان علماء الأحياء الذين يدّعون اننا تطوَّرنا يتحدثون عن «التفجر الغامض في حجم الدماغ».‏ يعترف الپروفسور ريتشارد ف.‏ طومسون،‏ معلّقا على الاتساع المدهش للقشرة المخّيّة البشرية:‏ «لا نملك حتى الآن فهما واضحا جدا لسبب حدوث ذلك».‏ فهل يمكن ان يكون السبب ان الانسان خُلق بهذه الطاقة الدماغية التي لا نظير لها؟‏

      مهارات في الاتصال لا مثيل لها

      تساهم اجزاء اخرى ايضا من الدماغ في تميُّزنا.‏ فخلف القشرة الجَبْهيّة الامامية تمتد القشرة المحرِّكة على نطاق ضيق في اعلى الدماغ.‏ وهي تحتوي على بلايين العصبونات الموصولة بعضلاتنا.‏ ولها ايضا خصائص تساهم في جعلنا مختلفين اشد الاختلاف عن القرود او الحيوانات الاخرى.‏ والقشرة المحرِّكة الرئيسية تمنحنا «(‏١)‏ قدرة هائلة على استعمال اليد والاصابع والابهام لإنجاز اعمال يدوية بارعة،‏ و (‏٢)‏ امكانية استعمال الفم،‏ الشفتين،‏ اللسان،‏ وعضلات الوجه للتكلم».‏ —‏ كتاب الفيزيولوجيا الطبية للمؤلف ڠايتون (‏بالانكليزية)‏.‏

      تأملوا بشكل موجز كيف تؤثر القشرة المحرِّكة في قدرتكم على التكلم.‏ ان اكثر من نصفها يتحكم في اعضاء الاتصال.‏ وهذا ما يفسِّر مهارات الاتصال عند البشر التي لا مثيل لها.‏ ومع ان يدينا تلعبان دورا في الاتصال (‏بالكتابة،‏ الايماءات العادية،‏ او لغة الاشارات)‏،‏ يلعب الفم عادةً الدور الاكبر.‏ والنطق البشري —‏ من اول كلمة يتفوَّه بها الطفل الى صوت الشخص المسنّ —‏ اعجوبة بشكل لا يقبل الشك.‏ فنحو ١٠٠ عضلة في اللسان،‏ الشفتين،‏ الفكّ،‏ الحلق،‏ والصدر تتعاون لتوليد اصوات لا تحصى.‏ لاحظوا هذا الفرق:‏ بإمكان خلية دماغية واحدة ان توجِّه ٠٠٠‏,٢ من ألياف عضلة ربلة الساق عند الرياضي،‏ لكنَّ الخلايا الدماغية المخصصة للحنجرة يمكن ان تركّز على ٢ او ٣ فقط من الالياف العضلية.‏ أفلا يشير ذلك الى ان دماغنا مجهَّز تجهيزا خصوصيا للاتصال؟‏

      كل عبارة قصيرة تتلفظون بها تتطلب نموذجا محدَّدا من الحركات العضلية.‏ ومعنى عبارة واحدة يمكن ان يتغير حسب مقدار حركة عضلات كثيرة مختلفة وتوقيت عملها الفائق السرعة.‏ يوضح الخبير بالنطق الدكتور وليم ه‍.‏ پركنز:‏ «عندما نتكلم بمعدل سرعة مريح،‏ نتلفظ بـ‍ ١٤ صوتا في الثانية.‏ وهذا هو ضعف السرعة التي نحتاج اليها لنتحكم في لساننا،‏ شفتينا،‏ فكّنا،‏ او ايّ جزء آخر من آلية نطقنا عندما نحرّك كلًّا منها على حدة.‏ ولكن عندما نستعملها كلها معا للكلام،‏ فهي تعمل كما تعمل اصابع الخبراء بالطباعة على الآلة الكاتبة او اصابع عازفي الپيانو المحترفين في الحفلات الموسيقية.‏ فتشترك حركاتها في سمفونية بتوقيت متقن».‏

      ان المعلومات الضرورية لطرح السؤال البسيط:‏ «كيف حالك اليوم؟‏» مخزونة في جزء من الفصّ الجَبْهيّ للدماغ يدعى باحة بروكا Broca’s area‏،‏ التي يعتبرها البعض مركز النطق لديكم.‏ كتب عالم الاعصاب السِّر جون أكِلْز الحائز جائزة نوبل:‏ «لم تُعرف لدى القرود باحة [دماغية] تقابل .‏ .‏ .‏ باحة بروكا النطقية».‏ وحتى لو وُجدت باحات مشابهة لدى الحيوانات،‏ فلا يمكن ان يعلّم العلماءُ القرودَ إصدار اكثر من مجرد اصوات نطقية بسيطة.‏ أما انتم فبإمكانكم التفوُّه بلغة معقدة.‏ ولفعل ذلك تجمعون الكلمات معا حسب قواعد لغتكم.‏ وتساعدكم باحة بروكا على ذلك،‏ سواء في الكلام او في الكتابة.‏

      لا يمكنكم طبعا ان تشتركوا في اعجوبة النطق ما لم تجيدوا على الاقل لغة واحدة وتفهموا معنى كلماتها.‏ هنا يأتي دور جزء خصوصي آخر في دماغكم يُعرف باسم باحة ڤرنيكيه Wernicke’s area‏.‏ ففي هذه الباحة تميِّز بلايين العصبونات معنى الكلمات المنطوق بها او المكتوبة.‏ وتساعدكم باحة ڤرنيكيه على فهم الاقوال واستيعاب ما تسمعونه او تقرأونه،‏ وهكذا يمكنكم معرفة المعلومات والتجاوب بفهم.‏

      ويشمل تكلّمكم بطلاقة اكثر من ذلك ايضا.‏ للإيضاح:‏ يمكن لكلمة «مرحبا» المَقُولة شفهيا ان تنقل عددا كبيرا من المعاني.‏ فنبرة صوتكم تُظهر ما اذا كنتم سعداء،‏ متحمسين،‏ سئمين،‏ مستعجلين،‏ منزعجين،‏ حزانى،‏ او خائفين،‏ كما يمكن ان تبيّن درجات متفاوتة لمثل هذه الحالات الانفعالية.‏ ثمة باحة اخرى في دماغكم تزوِّد المعلومات للناحية الانفعالية من الكلام.‏ اذًا،‏ هنالك اجزاء مختلفة من دماغكم مشمولة بعملية الاتصال.‏

      جرى تعليم قرود الشمپانزي بعض ايماءات لغة الاشارات،‏ لكنَّ استخدامها لهذه اللغة يقتصر على طلبات بسيطة للطعام او الضروريات الاخرى.‏ استنتج الدكتور دايڤيد پريماك بعدما عمل على تعليم قرود الشمپانزي اشارات بسيطة:‏ «اللغة البشرية مصدر إحراج للنظرية التطوُّرية لأنها اكبر بكثير من ان تُفسَّر».‏

      قد يدفعنا ذلك الى التساؤل:‏ ‹لماذا يملك البشر هذه الموهبة الرائعة،‏ موهبة نقل الافكار والمشاعر،‏ موهبة الاستفهام والتجاوب؟‏›.‏ تذكر دائرة معارف اللغة واللسانيات (‏بالانكليزية)‏ ان «النطق [البشري] استثنائي»،‏ وتعترف بأن «البحث عن سوابق له في مجال الاتصال الحيواني لا يساهم كثيرا في سدّ الفجوة الهائلة التي تفصل اللغة والنطق عن انماط السلوك الحيوانية».‏ ولخّص الپروفسور لودڤيڠ كوهلر الفرق بالقول:‏ «النطق البشري هو لغز؛‏ انه هبة الهية،‏ معجزة».‏

      ما اكبر الفرق بين استخدام القرد للاشارات والمَلَكة اللغوية المعقدة عند الاولاد!‏ وقد اشار السِّر جون أكِلْز الى امر يلاحظه معظمنا ايضا:‏ القدرة «على الإمطار بوابل من الاسئلة التي يُظهرها اولاد في الـ‍ ٣ من عمرهم،‏ وذلك رغبةً منهم في فهم عالمهم».‏ وأضاف:‏ «أما القرود فلا تطرح اسئلة».‏ نعم،‏ البشر وحدهم يصوغون اسئلة،‏ بما فيها اسئلة عن معنى الحياة.‏

      الذاكرة وأكثر

      عندما تنظرون الى انفسكم في المرآة،‏ قد تفكرون في ما كنتم تبدون عليه حين كنتم اصغر سنا،‏ وحتى قد تقارنون مظهركم الحالي بما سيكون عليه بعد سنوات،‏ او بما سيكون عليه بعد وضع مستحضرات التجميل.‏ هذه الافكار يمكن ان تنشأ بطريقة لاشعورية تقريبا،‏ لكنَّ امرا استثنائيا جدا يحدث،‏ امرا لا يعرفه ايّ حيوان.‏

      بخلاف الحيوانات،‏ التي تهتم وتتبع عموما حاجاتها الآنِيَّة،‏ يستطيع البشر ان يتأملوا في الماضي ويخطّطوا للمستقبل.‏ وما يمكّنكم من ذلك هو سعة ذاكرة دماغكم التي تكاد لا تُحَدّ.‏ صحيح ان الحيوانات تملك مقدارا من الذاكرة،‏ وهذا ما يمكّنها من ايجاد طريق العودة الى موطنها او تذكُّر مكان الطعام،‏ لكنَّ الذاكرة البشرية اعظم بكثير.‏ فأحد العلماء يقدِّر ان دماغنا قادر على استيعاب معلومات «تملأ نحو عشرين مليون مجلد،‏ مقدار ما يوجد في اكبر مكتبات العالم».‏ ويقدِّر بعض علماء الاعصاب انه خلال مدى الحياة العادي،‏ يستعمل المرء ١٠٠/‏١ من ١ في المئة (‏٠٠٠١‏,٠)‏ فقط من طاقة دماغه الكامنة.‏ وقد تندفعون الى السؤال:‏ ‹لماذا لدينا دماغ يستوعب هذا القدر ولا نستعمل منه الا جزءا بسيطا في مدى حياة عادي؟‏›.‏

      وليس دماغنا ايضا مجرد مخزن كبير للمعلومات،‏ كما لو انه كمپيوتر فائق.‏ كتب الپروفسوران في علم الأحياء روبرت أورنْستاين وريتشارد ف.‏ طومسون:‏ «ان قدرة العقل البشري على التعلم —‏ خزن المعلومات وتذكّرها —‏ هي ابرز ظاهرة في العالم البيولوجي.‏ فكل ما يجعلنا بشرا —‏ كاللغة،‏ التفكير،‏ المعرفة،‏ والثقافة —‏ هو نتيجة هذه المقدرة العجيبة».‏

      بالاضافة الى ذلك،‏ انتم تتمتعون بعقل واعٍ.‏ قد يبدو هذا القول بديهيا،‏ لكنه يوجز امرا يجعلكم مميَّزين بشكل لا يقبل الشك.‏ فقد وُصف العقل بأنه «الكيان الصعب التفسير حيث يكمن الذكاء،‏ اتخاذ القرارات،‏ الفهم،‏ الادراك،‏ والاحساس بالذات».‏ وكما ان الجداول والسيول والانهر تصبّ في البحر،‏ هكذا الذكريات والافكار والصور والاصوات والمشاعر تنصبّ باستمرار في عقلنا او تجري عبره.‏ والوعي،‏ كما يقول احد التعريفات،‏ هو «ادراك المرء لما يجول في عقله».‏

      احرز الباحثون العصريون تقدُّما كبيرا في فهم بنية الدماغ المادية وبعض العمليات الكهركيميائية التي تجري فيه.‏ وبإمكانهم ايضا ان يشرحوا مجموعة الدارات الكهربائية في كمپيوتر متطوِّر وطريقة عمله.‏ ولكن يوجد فرق شاسع بين الدماغ والكمپيوتر.‏ فبواسطة دماغكم تَعُون وتدركون وجودكم،‏ أما الكمپيوتر فيعجز عن ذلك دون شك.‏ فما سبب هذا الفرق؟‏

      بصراحة،‏ لا يُعرف كيف ولماذا ينشأ الوعي من عمليات مادية في دماغنا.‏ علّق احد علماء بيولوجيا الجهاز العصبي قائلا:‏ «لا اعرف كيف يمكن لأيّ علم ان يفسِّر ذلك».‏ وذكر الپروفسور جيمس تريفيل ايضا:‏ «ماذا يعني تماما للكائن البشري ان يكون واعيا .‏ .‏ .‏ هو السؤال الرئيسي الوحيد في العلوم الذي لا نعرف حتى كيف نطرحه».‏ وأحد الاسباب هو ان العلماء يستخدمون الدماغ ليفهموا الدماغ.‏ ومجرد درس فيزيولوجيا الدماغ قد لا يكون كافيا.‏ فالوعي هو «احد اكبر ألغاز الوجود»،‏ كما ذكر الدكتور دايڤيد تشامرز،‏ «لكنَّ المعرفة عن الدماغ وحده قد لا تساعد [العلماء] على حلّه».‏

      ومع ذلك،‏ الوعي مَلَكة عند كل واحد منا.‏ مثلا،‏ ان ذكرياتنا الحية لأحداث ماضية ليست مجرد معلومات مخزونة،‏ مثل بِتّات المعلومات التي يخزنها الكمپيوتر.‏ فنحن قادرون على التأمل في تجاربنا،‏ استمداد العِبَر منها،‏ واستخدامها لصوغ مستقبلنا.‏ وبإمكاننا التفكير في عدة خيارات مستقبلية وتقييم التأثيرات المحتملة لكل خيار.‏ وعندنا القدرة على التحليل،‏ الابداع،‏ التقدير،‏ والمحبة.‏ ويمكننا التمتع بمحادثات مسرّة عن الماضي والحاضر والمستقبل.‏ وعندنا قيم ادبية بشأن السلوك،‏ ويمكننا استخدامها لاتخاذ القرارات التي قد تعود او لا تعود علينا بالفائدة الفورية.‏ وننجذب الى الجمال في الفن والاخلاق.‏ وبإمكاننا ان نصوغ في ذهننا الافكار ونصقلها،‏ وأن نتوقع كيف سيتجاوب الناس اذا نفّذناها.‏

      هذه العوامل تُنتج ادراكا يميِّز البشر من اشكال الحياة الاخرى على الارض.‏ فالكلب او الهر او الطائر ينظر في المرآة ويتصرف كما لو انه يرى حيوانا آخر من جنسه.‏ ولكن عندما تنظرون في المرآة،‏ تَعُون انكم كائن له المقدرات التي سبق ذكرها.‏ وبإمكانكم ان تفكروا في معضلات مثل:‏ ‹لماذا تعيش بعض السلاحف ١٥٠ سنة وبعض الاشجار اكثر من ٠٠٠‏,١ سنة،‏ أما الانسان،‏ الذي يتمتع بالذكاء،‏ فتتناقل اسمه الأخبار اذا تجاوز الـ‍ ١٠٠ سنة؟‏›.‏ يذكر الدكتور ريتشارد رستاك:‏ «ان الدماغ البشري،‏ والدماغ البشري وحده،‏ له القدرة ان يقف بعيدا ويستعرض عمله بموضوعية،‏ محقِّقا بالتالي مقدارا من السموّ.‏ فقدرتنا على اعادة النظر في مخططاتنا وتقييم انفسنا في العالم هي ما يميِّزنا من كل المخلوقات الاخرى في العالم».‏

      ومسألة الوعي عند الانسان تحيِّر البعض.‏ يعترف كتاب ترقّي الحياة (‏بالانكليزية)‏،‏ مع انه يفضِّل مجرد تفسير بيولوجي لهذا الوعي:‏ «تعترينا الحيرة عندما نسأل كيف امكن لعملية [التطوُّر] —‏ التي تشبه لعبة حظ تفرض عقوبات مريعة على الخاسرين —‏ ان تولّد صفات كحبّ الجمال والحقيقة،‏ الرأفة،‏ الحرية،‏ وقبل كل شيء رحابة الروح الانسانية.‏ وكلما تأملنا في الامكانات الروحية التي نملكها،‏ ازداد تعجُّبنا».‏ وهذا صحيح تماما.‏ وهكذا يمكننا ان نختتم نظرتنا الى تميُّز الانسان بهذه الادلة القليلة على وعينا،‏ والتي تُظهر لماذا كثيرون مقتنعون بأنه لا بد ان يوجد مصمِّم ذكي،‏ خالق،‏ يهتمُّ بنا.‏

  • كم انتم مميَّزون!‏
    هل يوجد خالق يهتم بامركم؟‏
    • ‏[الاطار في الصفحة ٥٥]‏

      من فيزياء الجُسيمات الى دماغكم

      تحدَّث الپروفسور پول دايڤيز عن قدرة الدماغ على معالجة حقل الرياضيات النظري.‏ فقال:‏ «ليست الرياضيات شيئا عاديا تجدونه ملقى على الارض.‏ انها نتاج العقل البشري.‏ وإذا سألنا اين تُطبَّق الرياضيات افضل تطبيق،‏ يكون الجواب في مجالات كفيزياء الجُسيمات particle physics والفيزياء الفلكية astrophysics‏،‏ وهما مجالان من العلوم الاساسية البعيدة كل البُعد عن شؤون الحياة اليومية».‏ وماذا يعني ذلك؟‏ «يعني ذلك لي ان الوعي،‏ وكذلك قدرتنا على استخدام الرياضيات،‏ ليسا مجرد مصادفة،‏ او تفصيلا غير هام،‏ او نتيجة هامشية تافهة لعملية التطوُّر».‏ —‏ هل نحن وحدنا؟‏ (‏بالانكليزية)‏.‏

المطبوعات باللغة العربية (‏١٩٧٩-‏٢٠٢٥)‏
الخروج
الدخول
  • العربية
  • مشاركة
  • التفضيلات
  • Copyright © 2025 Watch Tower Bible and Tract Society of Pennsylvania
  • شروط الاستخدام
  • سياسة الخصوصية
  • إعدادات الخصوصية
  • JW.ORG
  • الدخول
مشاركة