-
الجرائم العنيفة — لماذا تزداد سوءا؟استيقظ! ٢٠٠٣ | تموز (يوليو) ٨
-
-
الجرائم العنيفة — لماذا تزداد سوءا؟
في الصباح الباكر، كان فرانك وڠابرِيلّا يتنزهان على شاطئ أوريڠون في الولايات المتحدة ويشاهدان شروق الشمس. ولم يخطر على بالهما ما كان بانتظارهما. فبعد مجرد دقائق، صارا كلاهما في عداد الاموات، وقد أُصيب كل منهما برصاصة في رأسه أُطلقت من مسافة قريبة. فهل كان الدافع وراء هذه الحادثة الانتقام ام الغيرة؟ لا الانتقام ولا الغيرة. فلم يكن المسلّح يعرفهما، لكنه اراد فقط تحقيق احدى نزواته: ان يختبر ما يشعر به المرء حين يقتل احدا.
«يوم الاحد الواقع فيه ٢٨ نيسان (ابريل) ١٩٩٦، استأثر مارتن براينت باهتمام العالم الغربي فيما كان يستمتع بوقته. فبعدما قتل كل مَن التقاه وهو يتجول في پورت آرثر في تسمانيا، تملكته نشوة عارمة نابعة من شعوره بالابتهاج والقوة». (دراسة حول انحطاط مجتمعنا [بالانكليزية]، بقلم فيليپ أَتكِنسن) لقد أودت فعلته هذه بحياة ٣٥ شخصا!
في كندا، خرج متقاعد في الـ ٦٥ من العمر ليركب دراجته في الصباح الباكر كعادته. وفيما هو في الطريق، صدمه سائق بسيارته وتركه معتبرا اياه ميتا. وقد جُرّت الدراجة حوالي ٧٠٠ متر على طول الطريق. في البداية، اعتُقد انه حادث عرضي وقد فرّ السائق. لكن التحقيقات الاضافية اظهرت ان السائق الذي صدم الرجل سرق السيارة بقصد التنزه والقيادة المتهورة. وكان الاصطدام براكب الدراجة، على ما يبدو، جزءا من «الاثارة».
نوع مختلف من الجرائم؟
شهد التاريخ طوال قرون جرائم كثيرة. لكنّ الجرائم المذكورة آنفا تجعل الناس يهتفون: «لماذا؟ كيف يُعقل ان يفكّر الشخص في اقتراف مثل هذا الامر الرهيب؟». رغم ان الجرائم الشائعة، مثل السرقة او الخداع، قد لا تلفت انتباه كثيرين، فثمة نوع من الجرائم تستأثر باهتمام وسائل الاعلام وتدفع الناس الى القول: «هذا جنون! ماذا يحدث في هذا العالم؟».
ان هذه الجرائم مختلفة. فهي غالبا ما تكون مروِّعة ووحشية. وهي تُرتكب عادة، كما تظهر الامثلة المذكورة آنفا، بحق أناس ابرياء لا يعرفون الجناة. بالاضافة الى ذلك، غالبا ما لا يكون هنالك دافع لاقتراف هذه الجرائم العنيفة. وقائمة هذه الاعمال الجنونية لا تنتهي.
ففي نيسان (ابريل) ١٩٩٩، في ولاية كولورادو بالولايات المتحدة الاميركية، قتل تلميذان استاذا و ١٢ تلميذا بإطلاق النار عليهم في المدرسة، ثم انتحرا. وفي سنة ١٩٨٢، مات رجل في كاليفورنيا اثر تناوله عقّارا يباع دون وصفة طبيب أُضيفت اليه مادة السْتريكَنِين السامة. سنة ١٩٩٣، اغرى صبيّان في العاشرة من العمر جايمس بلڠر البالغ من العمر سنتين ليغادر معهما مركز التسوُّق في بوتِل بمرْزيسايد في انكلترا، حيث كانت امه في متجر لحّام. فأخذاه الى سكة الحديد، وهناك انهالا عليه ضربا بالهراوة حتى مات.
ويمكن ان تُدرَج بعض الاعمال في خانة الارهاب، كحادثة اطلاق الغاز السام في شبكة القطار النفقي في طوكيو سنة ١٩٩٥. فقد هزّ اليابان خبر موت ١٢ شخصا وإصابة آلاف آخرين بأذى، اثر قيام اعضاء احدى البدع بإطلاق غاز سام في شبكة القطار النفقي في طوكيو. وقليلون قد ينسون ايضا دمار مركز التجارة العالمي في نيويورك، والهجوم على الپانتاڠون في العاصمة واشنطن اللذين اوديا بحياة نحو ٠٠٠,٣ شخص. أضف الى ذلك الانفجار الذي هزّ جزيرة بالي في إندونيسيا السنة الماضية حاصدا حوالي ٢٠٠ قتيل.
من الواضح ان امثال هذه الجرائم العنيفة صارت منتشرة. والمشكلة عالمية، وتؤثر في الكثير من البلدان وطبقات المجتمع.
في بعض الحالات، يبدو وكأن الجناة يتنافسون، محاولين رؤية من سيرتكب الجريمة الافظع. بالاضافة الى ذلك، تزداد جرائم البغض شيوعا. وهي تُرتكب بوحشية شديدة بحق اناس «ذنبهم» الوحيد انتماؤهم الى دين او عرق مختلف، كما حدث سنة ١٩٩٤ حين قُتل نحو ٠٠٠,٨٠٠ شخص من التوتسي في رواندا.
كل ذلك يدفع كثيرين الى التفكير: ‹ما الذي يحدث؟ هل كان الوضع هكذا سابقا؟ ما هي الاسباب الكامنة وراء هذه الجرائم المرعبة؟ وأي امل هنالك بتقليل هذه الجرائم الوحشية او ازالتها؟›. ستناقش المقالتان التاليتان هذه الاسئلة وغيرها.
[النبذة في الصفحة ٤]
غالبا ما تُختار الضحايا في الجرائم العنيفة عشوائيا ودون دافع واضح
-
-
لمَ يوجد الكثير من الجرائم العنيفة اليوم؟استيقظ! ٢٠٠٣ | تموز (يوليو) ٨
-
-
لمَ يوجد الكثير من الجرائم العنيفة اليوم؟
كل الجرائم بغيضة، لكنّ الجرائم الجنونية التي لا مبرر لها يصعب اكثر فهمها. وهي تحيّر المحقِّقين لأنها غالبا ما تُرتكب دون دافع واضح. ومع ازدياد فعالية وسائل الاعلام في السنوات الاخيرة، تصل اخبار الجرائم الى الملايين، لا بل البلايين، في غضون ساعات. يذكر تقرير صادر عن منظمة الصحة العالمية ان «العنف يؤثر في كل قارة وبلد، وفي معظم المجتمعات».
حتى الاماكن التي اعتُبرت آمنة نسبيا في الماضي شهدت في السنوات الاخيرة ازديادا في اعمال العنف الجنونية. ففي اليابان مثلا، طالما كانت نسبة الجرائم العنيفة منخفضة. لكن في حزيران (يونيو) ٢٠٠١، دخل رجل مدرسة في إكادا وفي يده سكين حاد وانهال على الاولاد طعنا وتجريحا. وفي غضون ١٥ دقيقة قُتل ٨ اولاد وجُرح ١٥ آخرون. وإذا أُضيف هذا التقرير الى تقارير اخرى من اليابان، كالتي تخبر عن جرائم قتل يرتكبها احداث بحق اشخاص لا يعرفونهم البتة لمجرد الشعور بالاثارة، يدرك المرء تماما ان الامور تتغير.
حتى في البلدان التي تشهد عادة نسبة جرائم مرتفعة اثارت بعض الاعمال الجنونية الاستنكار العام. وهذا ما حدث بعد هجوم ١١ ايلول (سبتمبر) ٢٠٠١ على مركز التجارة العالمي في نيويورك. قال الاختصاصي في علم النفس جيرار بالس عن هذا الهجوم: «لقد حوّل العالم الى مكان غريب وخطر حيث لا يمكننا التنبؤ بما سيحدث».
لماذا يفعلون ذلك؟
لا يوجد عامل واحد يوضح سبب ارتكاب شتّى اعمال العنف الجنونية. وما يصعّب فهم بعض الجرائم هو طبيعتها المنافية للعقل. يصعب مثلا فهم السبب الذي يدفع شخصا ان يطعن ويقتل اناسا لا يعرفهم على الاطلاق، او سبب مرور سائق قرب منزل وبدئه بإطلاق النار عشوائيا.
يدّعي البعض ان العنف فطري في الانسان. لكنّ آخرين يحاجّون انه لا يمكن شرح الجرائم الجنونية بوصفها جزءا لا يتجزأ من الطبيعة البشرية. — انظر الاطار «لا مفر من العنف؟».
ويعتقد خبراء كثيرون ان هنالك عوامل وظروفا كثيرة تساهم في اقتراف الناس اعمال عنف منافية للعقل. يذكر تقرير صادر عن المعهد التابع لمكتب التحقيقات الفدرالي: «القتل ليس عمل شخص متزن سليم العقل». قد لا يوافق بعض الاختصاصيين على المفردات المختارة في هذه العبارة. لكنّ كثيرين يوافقون على مضمونها. فلسبب ما، لا يفكر مرتكبو الجرائم الجنونية بشكل طبيعي. وهنالك ما يؤثر كثيرا في تفكيرهم بحيث يقترفون جرائم لا يمكن تصورها. فما هي العوامل التي تدفع الناس الى اقتراف مثل هذه الجرائم؟ لنلقِ نظرة على الامور المحتملة التي يذكرها الخبراء.
تحطُّم العائلات
طرح كاتب من استيقظ! سؤالا على ماريانيتو پانڠانيبان، ناطق بلسان مكتب التحقيقات القومي في الفيليپين، حول خلفية الذين يرتكبون الجرائم المتطرفة. اجاب: «انهم يأتون من عائلات محطّمة. وهم محرومون من الاهتمام والمحبة. هنالك انحطاط في آداب الناس اذ انهم يفتقرون الى الارشاد، فيضلون عن السبيل القويم». كما يذكر العديد من الباحثين ان العلاقات العائلية غير المتينة والعنف في الدائرة العائلية عاملان شائعان في حياة المجرمين العنفاء.
وقد اصدر المركز الاميركي القومي لتحليل الجرائم العنيفة في الولايات المتحدة تقريرا أُدرجت فيه عوامل تساعد على تحديد اي احداث هم ميالون الى ارتكاب عنف فتاك في المدرسة. ذُكرت العوامل العائلية التالية: علاقة مضطربة بين الولد والوالدين، والدون عاجزون عن ادراك المشاكل التي يعانيها اولادهم، نقص في العلاقات الحميمة، والدون لا يضعون قواعد لسلوك الولد او قواعدهم قليلة جدا، وأولاد منغلقون على انفسهم عائشين حياة مزدوجة وخافين بالتالي جزءا من حياتهم عن والديهم.
العديد من الاولاد اليوم هم ضحايا تحطّم العائلات. والبعض والدوهم لا يملكون متسعا من الوقت ليقضوه معهم. كما ينشأ آلاف الاحداث دون ارشاد ادبي وعائلي ملائم. ان مثل هذه الظروف، كما يشعر بعض الخبراء، قد تنتج اولادا عاجزين عن تطوير علاقات جيدة بالآخرين، مما يسهل عليهم ارتكاب الجرائم بحق رفيقهم الانسان، وغالبا دون الشعور بالندم.
البدع والمجموعات التي يحركها البغض
تشير البراهين ان لبعض البدع والمجموعات التي يحركها البغض تأثيرا كبيرا في ارتكاب بعض الجرائم. كان شاب اسود في الـ ١٩ من عمره عائدا من مركز التسوّق الى بيته في إنديانا بالولايات المتحدة الاميركية. وما هي سوى لحظات حتى أُلقي جثة هامدة الى جانب الطريق وقد أُصيب برصاصة في دماغه. لقد كان ضحية شاب اختاره عشوائيا ليطلق عليه النار. ولماذا؟ اراد القاتل ان يصير مقبولا كعضو في منظمة تؤمن بتفوق العرق الابيض وأن ينال وشم نسيج العنكبوت مقابل قتله شخصا اسود.
وماذا عن اطلاق غاز الاعصاب في شبكة القطار النفقي في طوكيو الذي حدث سنة ١٩٩٥، الانتحار الجماعي في جونزتاون بڠويانا، وكذلك موت ٦٩ عضوا من اخوية هيكل الشمس في سويسرا وكندا وفرنسا؟ لقد وقعت كل هذه الحوادث لأن مرتكبيها كانوا جميعا متأثرين بالبدع التي ينتمون اليها. ان هذه الامثلة توضح التأثير القوي الذي تمارسه مجموعات معينة على تفكير بعض الاشخاص. فالزعماء ذوو الشخصيات القيادية يدفعون الاشخاص الى ارتكاب جرائم «لا يمكن تصورها» بإغرائهم ببعض المكاسب المزعومة.
العنف ووسائل الاعلام
يشير البعض الى ادلة تظهر ان مختلف اساليب الاتصال العصرية يمكن ان تعزز المسلك العدائي. فيُذكَر ان المشاهدة القانونية للعنف في التلفزيون، الافلام، العاب الڤيديو، والإنترنت تخدِّر الضمير وتدفع الى ارتكاب الجرائم العنيفة. قال الطبيب دانيال بورينستاين، رئيس جمعية الطب النفسي الاميركية: «هنالك في الوقت الحاضر اكثر من ٠٠٠,١ دراسة، مؤسسة على ابحاث استغرقت اكثر من ٣٠ سنة، تشير الى علاقة سببية بين العنف في وسائل الاعلام والسلوك العدائي عند بعض الاولاد». وشهد الطبيب بورينستاين امام احدى لجان مجلس الشيوخ الاميركي قائلا: «نحن مقتنعون ان المشاهدة المتكررة لمختلف انواع العنف التي تتخلَّل وسائل التسلية لها تأثير ضار في الصحة العامة». — انظر الاطار «العنف في ألعاب الكمپيوتر: وجهة نظر طبيب».
وغالبا ما تُذكر حالات خصوصية لإظهار صحة ذلك. ففي الحالة المذكورة في المقالة السابقة عن الجريمة النكراء التي اودت بحياة زوجين كانا يشاهدان شروق الشمس على شاطئ البحر، قدّم المدّعون العامون براهين دلّت ان قتلهما من اجل الاثارة اتى نتيجة المشاهدة المتكررة لفيلم متسم بالعنف. وفي حادثة اطلاق النار التي وقعت في احدى المدارس وحصدت ١٥ قتيلا، تبيّن ان التلميذين القاتلين كانا يوميا يقضيان ساعات وهما يلعبان بألعاب ڤيديو عنيفة. بالاضافة الى ذلك، كانا يشاهدان مرارا وتكرارا افلاما تمجّد العنف والقتل.
المخدِّرات
في الولايات المتحدة، ازدادت نسبة الجرائم التي يرتكبها المراهقون ثلاثة اضعاف خلال ثماني سنوات. وما هو احد العوامل التي تشير اليه السلطات؟ انه العصابات، وخصوصا تلك المتورطة في تجارة الكوكائين. فبين جرائم القتل التي حدثت مؤخرا في لوس انجلوس بكاليفورنيا والتي فاق عددها الـ ٥٠٠، «قالت الشرطة ان ٧٥ في المئة منها لها علاقة بالعصابات».
وفي تقرير صادر عن المعهد التابع لمكتب التحقيقات الفدرالي، ترد هذه العبارة: «عدد كبير جدا من جرائم القتل له علاقة بالمخدِّرات». فبعض الذين يختل تفكيرهم بسبب المخدِّرات يقتلون وهم تحت تأثيرها. كما يلجأ آخرون الى العنف لحماية تجارة المخدِّرات التي يمارسونها. فمن الواضح ان المخدِّرات هي عامل قوي يؤثر في الناس ليرتكبوا اعمالا مريعة.
سهولة الحصول على الاسلحة المهلكة
كما ورد في المقالة السابقة، قتل رجل مسلح واحد ٣٥ شخصا في تسمانيا، أوستراليا، وأصاب ١٩ آخرين بجروح. كان الرجل يحمل أسلحة عسكرية نصف اوتوماتيكية. فاستنتج كثيرون ان سهولة الحصول على هذه الاسلحة هي عامل آخر يساهم في ازدياد الجرائم العنيفة.
ويذكر احد التقارير ان اليابان لم تشهد في سنة ١٩٩٥ سوى ٣٢ جريمة قتل استُعملت فيها الاسلحة النارية، ووقع معظمها بسبب اشتباكات بين العصابات. بالتباين، وقع في الولايات المتحدة اكثر من ٠٠٠,١٥ جريمة قتل بالاسلحة النارية. فلمَ الفرق؟ احد الاسباب، كما قال البعض، هو القوانين الصارمة في اليابان ازاء حيازة الاسلحة النارية.
عجز الناس عن مواجهة المشاكل
قد يقول البعض لدى سماعهم عن اعمال مروّعة: «لا بد ان يكون هذا الشخص مجنونا!». لكنّ مرتكبي هذه الانواع من الجرائم ليسوا جميعهم بالضرورة مختلّين عقليا. الا ان كثيرين منهم يعانون صعوبة في مواجهة مشاكل الحياة. ويشير الخبراء الى اضطرابات في الشخصية قد تؤدي الى اعمال متطرفة، منها: النقص في القدرة على التعلم والتعاطي مع الآخرين، التأثيرات السلبية الناجمة عن الاساءات الجسدية او الجنسية، السلوك المضاد للمجتمع، بغض شريحة معيّنة من المجتمع كالنساء مثلا، عدم الندم عند ارتكاب الخطإ، والرغبة في السيطرة على الآخرين.
ومهما كانت مشكلة البعض، فقد تستحوذ عليهم بحيث يتشوش تفكيرهم، فيؤدي ذلك بهم الى ارتكاب اعمال غريبة. ثمة ممرضة، مثلا، انتابها توق غير طبيعي الى الاستئثار باهتمام الآخرين. فحقنت اولادا صغارا بمرخٍ عضلي ادّى الى انقطاع تنفسهم. ثم تنعمت بالانتباه الذي نالته عندما صارت «تنقذ» الاولاد. لكنها، للأسف، عجزت عن جعلهم كلهم يعاودون التنفس. وأُدينت بالقتل.
يتبيَّن لنا مما سبق ان هنالك مجموعة من العوامل تدفع الناس الى ارتكاب جرائم عنيفة. لكن لائحتنا ستكون ناقصة اذا لم نتأمل في عامل اضافي مهم جدا.
جواب الكتاب المقدس
يساعدنا الكتاب المقدس على فهم ماذا يحدث اليوم ولماذا يتصرف الناس بهذه الطرائق المتطرفة. فهو يصف بدقة المواقف التي نراها غالبا. مثلا، تذكر القائمة الموجودة في ٢ تيموثاوس ٣:٣، ٤ ان الناس سيكونون «بلا حنو» وكذلك ايضا «بلا ضبط نفس، شرسين، غير محبين للصلاح»، و «جامحين». وفي سفر آخر من الكتاب المقدس، اقتُبس قول يسوع: «تبرد محبة الاكثرين». — متى ٢٤:١٢.
ويقول الكتاب المقدس: «في الايام الاخيرة ستأتي ازمنة حرجة». (٢ تيموثاوس ٣:١) نعم، ما نراه يدل اننا نعيش في نهاية نظام الاشياء الحاضر. فالاحوال، بالاضافة الى مواقف الناس، تتردّى. فهل نستطيع توقع حلّ فوري؟ يجيب الكتاب المقدس: ‹الناس الاشرار والدجالون سيتقدمون من سيئٍ الى اسوأ›. — ٢ تيموثاوس ٣:١٣.
فهل يعني ذلك ان الجنس البشري محكوم عليه بأن يغرق في دوامة من العنف الوحشي والجريمة المتفاقمة؟ لنفحص هذا السؤال في المقالة التالية.
[الاطار في الصفحة ٦]
لا مفر من العنف؟
يحاجّ البعض ان الميل الى العنف او القتل فطري عند البشر. ويؤكد مؤيدو نظرية التطور اننا تحدرنا من الحيوانات البرية، وبالتالي ورثنا ببساطة صفاتها العنيفة. تشير هاتان النظريتان انه محكوم علينا بالغرق في دوامة من العنف لا مفر منها.
لكن هناك براهين كثيرة تظهر العكس. فالنظريتان المشار اليهما آنفا لا تفسران الاختلاف الشاسع في أنواع العنف وفي مدى تفشيه بين حضارة وأخرى. وهما لا توضحان سبب كون السلوك العنيف المقياس السائد في بعض المجتمعات، فيما تتميز مجتمعات اخرى بندرة العنف وانعدام الجريمة. وقد كشف المحلِّل النفسي ايريك فروم الثغرات الموجودة في النظرية القائلة اننا نرث العدوانية من الحيوانات التي تنتمي الى رتبة الرئيسيات primates، مشيرا الى ان بعضها يلجأ الى العنف لسدّ حاجاته الجسدية او لحماية نفسه، لكنّ البشر هم الوحيدون المعروفون بأنهم يقتلون لمجرد انهم يجدون الاثارة في القتل.
ويذكر الپروفسوران جيمس ألِن فوكس وجاك ليڤِن في كتابهما الميل الى القتل — فهم الجرائم التي لا يمكن تبريرها (بالانكليزية): «يميل بعض الافراد الى العنف اكثر من غيرهم، رغم ذلك فالارادة الحرة موجودة. والميل الى القتل، رغم تحكم قوى خارجية وداخلية عديدة فيه، لا يزال يشمل حرية الاختيار واتخاذ المرء قرارا، ويتأتى عن ذلك مسؤولية وذنب».
[الاطار/الصورة في الصفحة ٧]
العنف في ألعاب الكمپيوتر: وجهة نظر طبيب
ألقى الطبيب ريتشارد ف. كورلين، الرئيس السابق للجمعية الطبية الاميركية، خطابا على مجموعة من الاطباء المتخرجين في فيلادلفيا، پنسلڤانيا، في الولايات المتحدة الاميركية. وتحدث فيه عن ألعاب الكمپيوتر التي تشجع على العنف. في بعض هذه الالعاب، يحرز اللاعب نقاطا اذا اصابت طلقته النارية الجسم اصابة طفيفة. لكنه يُمنح نقاطا اعلى اذا كانت الاصابة اعمق، وأعلى ايضا اذا اصاب الرأس. وتُرى الدماء تتدفق على الشاشة وأجزاء الدماغ تتطاير في كل مكان.
وعلّق الطبيب كورلين ان الاولاد يُمنعون من القيادة، تناول المشروبات الكحولية، كما يُمنعون من التدخين. وأردف قائلا: «لكننا نسمح لهم ان يتدربوا على استخدام الاسلحة بعمر يعجزون فيه عن التحكم في نزواتهم ولا يملكون اي نضج او انضباط ليستخدموا دون اذى الاسلحة التي يلعبون بها. . . . ينبغي ان نعلّم اولادنا منذ البداية ان العنف له دائما عواقب، عواقب وخيمة».
للأسف، عوض ان يُعلَّم الاولاد ان للجرائم عواقب، غالبا ما يكونون ضحايا بريئة للجرائم العنيفة. وتظهر الاحصاءات ان حوادث اطلاق النار تودي يوميا بحياة عشرة اولاد في الولايات المتحدة. يقول الطبيب كورلين: «تتصدَّر الولايات المتحدة العالم في ما يتعلق بنسبة الاولاد الذين يموتون بإطلاق النار». واستنتاجه؟ «العنف الناجم عن استعمال السلاح هو خطر يهدّد الصحة العامة في بلدنا. وهذا امر واقع».
[الاطار في الصفحة ٨]
العوامل وراء الجرائم العنيفة
خبراء كثيرون يشعرون ان ما يلي يمكن ان يساهم في حدوث الجرائم غير المبررة:
تحطم العائلات
المجموعات التي يحرّكها البغض، المتطرفون
البدع الدينية الخطرة
العنف في التسلية
التعرض للعنف
المخدِّرات
العجز عن مواجهة المشاكل
الحصول بسهولة على الاسلحة المهلكة
بعض حالات الامراض العقلية
[الصورة في الصفحة ٩]
احدى عمليات التفجير الخمس التي قتلت على الاقل ١٢ وأصابت اكثر من ٨٠ بجروح، مدينة كاسون، الفيليپين
[مصدر الصورة]
2000 AP Photo/Aaron Favila December 30,
[الصورة في الصفحة ٩]
تلميذان يقتلان استاذا و ١٢ تلميذا، ثم ينتحران في ثانوية كولومباين، كولورادو، الولايات المتحدة الاميركية
[مصدر الصورة]
1999 AP Photo/Jefferson County Sheriff’s Department April 20,
[الصورة في الصفحتين ٨، ٩]
سيارة مفخّخة تقتل ١٨٢ شخصا على الاقل وتصيب ١٣٢ بجروح في ملهى ليلي في بالي، إندونيسيا
[مصدر الصورة]
2002 Maldonado Roberto/GAMMA October 12,
-
-
حلّ واقعي — هل هو ممكن؟استيقظ! ٢٠٠٣ | تموز (يوليو) ٨
-
-
حلّ واقعي — هل هو ممكن؟
صارت الجريمة على ما يبدو جزءا لا يتجزأ من المجتمع العصري. فرغم الجهود الحسنة النية التي يبذلها العمال الاجتماعيون، الشرطة، والاختصاصيون في اعادة تأهيل المجرمين يتفاقم الخطر في العالم. فهل من حلّ؟
يظهر الكتاب المقدس ان تغييرا كبيرا يلوح في الافق. لكنه لن يتحقق من جراء الجهود التي تبذلها الحكومات البشرية. فطاقات كل الحكام البشر محدودة، مهما كانت اهدافهم نبيلة. وهم لا يملكون القدرة والموارد ليستأصلوا سبب الجريمة او ليؤسسوا نظاما آمنا على نحو دائم.
ان التغيير الذي يتحدث عنه الكتاب المقدس سيحققه خالقنا. فكصانع الكون، لديه القدرة والحق الشرعي لينجز ما لا يستطيع البشر انجازه. والكتاب المقدس يتحدث عنه بصفته «الذي يجعل العظماء لا شيئا ويصيِّر قضاة الارض كالباطل. . . . كونه شديد القدرة». (اشعياء ٤٠:٢٣-٢٦) فأية تغييرات يعدنا بها اللّٰه، وكيف تمنحنا رجاء حقيقيا بعالم افضل؟
يخبرنا المزمور ٣٧:١٠ عن وعد اللّٰه: «بعد قليل لا يكون الشرير. تطَّلِع في مكانه فلا يكون». ينوي اللّٰه ان يتخلص من الاشرار الذين لا سبيل الى اصلاحهم ولا يريدون ان يتغيروا. لكنه لن يهلك كل الناس. فصاحب المزمور يعد اولئك الذين يرغبون في الصيرورة ودعاء، متواضعين، ومسالمين: «انتظر الرب واحفظ طريقه فيرفعك لترث الارض. الى انقراض الاشرار تنظر». وعندما يُزال الاشرار، سيتمتع الباقون بـ «كثرة السلامة» في عالم متحرر من شتى انواع الجرائم. — مزمور ٣٧:١١، ٣٤.
الحاجة الى تغيير العقل والقلب
لا يكفي اهلاك الاشرار وإنقاذ الصالحين لحل مشكلة الجريمة مرة وإلى الابد. فغالبا ما تكون الجريمة ناجمة عن تدريب غير ملائم لعقول الناس وقلوبهم. لكن حكومة اللّٰه ستتفوق في هذا المجال. فهي ستزود الارشادات والثقافة العملية لتدريب الناس على محبة البر. تقول اشعياء ٥٤:١٣: «[أجعل] كل بنيك تلاميذ الرب وسلام بنيك كثيرا».
وستكون النتائج سارة حقا! يتحدث الكتاب المقدس بشكل تصويري عن التغييرات التي يصنعها الذين ربما عكسوا في ما مضى سمات وحشية، فيقول: «يسكن الذئب مع الخروف ويربض النمر مع الجدي والعجل والشبل والمسمَّن معا وصبي صغير يسوقها». ولماذا؟ «لأن الارض تمتلئ من معرفة الرب كما تغطي المياه البحر». (اشعياء ١١:٦، ٩) لكنك لا تحتاج انت وعائلتك ان تنتظر المستقبل لصنع التغييرات المطلوبة. وكيف ذلك؟
يمكنك ان تستفيد الآن
ثمة اناس يبدأون الآن بصنع التغييرات اللازمة استعدادا لدخول عالم خالٍ من الجريمة. فهم منذ الآن يلبسون الشخصية الجديدة، الشخصية التي يريدها اللّٰه عند الذين يعيشون في عالمه الجديد. (٢ بطرس ٣:١٣) وهم يفعلون ذلك بتطبيقهم مبادئ الكتاب المقدس في حياتهم. لاحظ الوصف اللافت للنظر الذي يعطيه الكتاب المقدس: «[ينبغي لكم] ان تتجددوا في القوة التي تحرك ذهنكم، وتلبسوا الشخصية الجديدة التي خلقت بحسب مشيئة اللّٰه في البر والولاء الحقيقيين». — افسس ٤:٢٣، ٢٤.
وتذكر كولوسي ٣:١٢-١٤ ايضا الصفات الايجابية التي ينميها الآن كثيرون من المستقيمي القلوب. انها تقول: «كمختارين للّٰه، قدوسين ومحبوبين، البسوا عواطف حنان ورأفة، ولطفا، واتضاعا عقليا، ووداعة، وطول أناة. استمروا متحملين بعضكم بعضا ومسامحين بعضكم بعضا إن كان لأحد سبب للتشكي من آخر. كما سامحكم يهوه، هكذا افعلوا انتم ايضا. ولكن، مع هذه جميعها، البسوا المحبة، فإنها رباط وحدة كامل».
فهل ترغب في نيل المساعدة على لبس الشخصية المسيحية الجديدة؟ ملايين حول العالم يفعلون ذلك منذ الآن بمساعدة شهود يهوه. وكل الاجتماعات المعقودة قانونيا في قاعات الملكوت وفي المحافل الكبيرة تعلّم حتى مَن كانوا مجرمين عنفاء ان يلبسوا الشخصية المسالمة.a فإذا رغبت في الاستفادة من البرنامج التعليمي الرائع للكتاب المقدس، فلا تتردد في الاتصال بناشري هذه المجلة. فسيسعدهم ان يساعدوك لتكون بين مَن يستعدون الآن للعيش في عالم اللّٰه الجديد الخالي من الجريمة.
[الحاشية]
a من اجل امثلة، انظر عدد ٨ ايار (مايو) ٢٠٠١ من استيقظ! في الصفحات ٨-١٠.
[الصور في الصفحة ١٠]
ملايين يتلقون تعليما يعدّهم للحياة في عالم خالٍ من الجريمة
-