مكتبة برج المراقبة الإلكترونية
برج المراقبة
المكتبة الإلكترونية
العربية
  • الكتاب المقدس
  • المطبوعات
  • الاجتماعات
  • كيف تؤثر فيكم الجريمة المنظمة
    استيقظ!‏ ١٩٩٧ | آذار (‏مارس)‏ ٨
    • كيف تؤثر فيكم الجريمة المنظمة

      بواسطة مراسل استيقظ!‏ في اليابان

      يَخِز رئيس اسرة مافيا اصبع عضو جديد.‏ فيتقطَّر الدم على صورة «قديس.‏» ثم تلتهم النار الصورة.‏ ويقول الرئيس للشاب:‏ ‹اذا بُحت بأيّ من اسرار المنظمة،‏ فنفسك ستحترق مثل هذا القديس.‏›‏

      ان مبدأ الصمت —‏ بالايطالية،‏ أومِرتا —‏ أبقى الجريمة المنظمة سرِّية الى حدّ كبير لسنوات كثيرة.‏ أما اليوم،‏ فعصابات الاجرام تحتل العناوين الرئيسية في كل مكان اذ يشي بها بعض اعضائها.‏ والشخصية الابرز التي اتَّهمها هؤلاء الـ‍ پِنتيتي،‏ او خونة المافيا،‏ كانت جوليو أندريوتي،‏ الذي تولّى منصب رئيس وزراء ايطاليا سبع مرات وهو يُحاكَم الآن بسبب صِلاته بالمافيا.‏

      ان منظمات الاجرام في كل مكان مدَّت مِجَسّاتها الى مختلف المهن والبيئات:‏ المافيا في ايطاليا وفي الولايات المتحدة الاميركية،‏ حيث تُدعى ايضا كوزا نوسترا؛‏ كارتِلات المخدِّرات في اميركا الجنوبية؛‏ ثواليث الصين؛‏ والياكوزا في اليابان.‏ وأعمالها الشريرة تؤثر في كل منا وتجعل المعيشة اغلى.‏

      يُقال انه في الولايات المتحدة تقسِّم المافيا مدينة نيويورك بين خمس أُسر،‏ كاسبةً بلايين الدولارات من الابتزاز،‏ اخذ المال مقابل عدم التعدّي،‏ الإقراض بربًا باهظة،‏ المقامرة،‏ تجارة المخدِّرات،‏ والبغاء.‏ ويُزعم ان أُسر المافيا تُحكِم قبضتها على نقابات العمال في الاعمال التي تشمل نقل النفايات،‏ الشحن،‏ البناء،‏ توزيع الاطعمة،‏ وصناعة الملبوسات.‏ ويمكنها،‏ بالسلطة التي لديها على نقابات العمال،‏ ان تسوِّي النزاعات العمالية او تعطِّل مشروعا.‏ ففي احد مواقع البناء،‏ مثلا،‏ تتعطَّل في احد الايام جرَّافة،‏ وفي يوم آخر مكابح حفَّارة خلفية،‏ ويماطل مهندسو العمليات بالمشروع —‏ تستمر هذه الحوادث وغيرها حتى يوافق البنَّاء على الخضوع لمطالب العصابة،‏ وهي إما رُشًى او عقود عمل.‏ وفي الواقع،‏ تخبر مجلة تايم (‏بالانكليزية)‏:‏ «ان الرُّشى التي تُعطى للعصابة يمكن ان تضمن لرجال الاعمال التسليم الفوري،‏ السلام مع العمال والمقدرة على استخدام عمال بأجور ارخص.‏»‏

      في كولومبيا كان كارتِلان للمخدِّرات يتنافسان الى ان قُتل بالرصاص عام ١٩٩٣ پابلو إسكوبار،‏ رئيس كارتِل ميديلين.‏ فاحتكر بعد ذلك كارتِل كالي تجارة الكوكائين في العالم.‏ وإذ ربح ٧ بلايين دولار سنة ١٩٩٤ في الولايات المتحدة وحدها،‏ صار على الارجح اكبر اتحاد للجريمة المنظمة في العالم.‏ لكنَّ اعتقال عقله المدبِّر هوسيه سانتاكروز لوندونيو سنة ١٩٩٥،‏ سدَّد ضربة للكارتِل.‏ ولكن هنالك دائما خَلَف يتوق الى ان يصير الرئيس التالي.‏

      بعد انهيار الستار الحديدي،‏ ظهرت المافيا الروسية لأول مرة على المسرح العالمي.‏ ونتيجة لذلك،‏ يقول احد العاملين في الحقل المصرفي المقتبس منه في نيوزويك (‏بالانكليزية)‏:‏ «كل مؤسسة في روسيا يجب ان تتعامل مع المافيا.‏» وحتى في برايتون بيتش،‏ نيويورك،‏ يُخبَر ان المافيا الروسية تجني ارباحا طائلة من خطط الغش المعقَّدة المتعلقة بالبنزين.‏ وفي النهاية يدفع اصحاب السيارات الثمن،‏ وتخسر الحكومة الضرائب.‏ وتدير العصابات الروسية ايضا حلقات البغاء في اوروپا الشرقية.‏ وهم لا يُعاقَبون على معظم الجرائم التي يرتكبونها.‏ فمَن يجرؤ على مواجهة هؤلاء المدجَّجين بالسلاح من الرياضيين السابقين والجنود القدماء في الحرب الافغانية؟‏

      لا تختلف الحالة في الشرق.‏ ففي اليابان يتوقع العاملون في عالم المسرح والسينما والاستعراضات كل انواع المشاكل ما لم يكرموا فريق الياكوزا المحلي ويدفعوا له ضريبة.‏ وهناك ايضا يُطلب المال من البارات وحتى من المومسات للحماية.‏ وفضلا عن ذلك،‏ تغلغلت الياكوزا عميقا في الاقتصاد الياباني بإنشاء شركاتها الخاصة،‏ وابتزاز المال من المؤسسات الكبيرة،‏ والارتباط بالاتحادات الاجرامية في الخارج.‏

      ومنظمات الاجرام التي تتخذ هونڠ كونڠ وتايوان قاعدة لها،‏ تنشر ايضا شبكتها في العالم بأسره.‏ وباستثناء اسمها،‏ الثواليث،‏ يُعرف القليل عن كيفية تنظيمها.‏ ويعود تاريخها الى القرن الـ‍ ١٧،‏ عندما اتَّحد الرهبان الصينيون معا ضد المنشوريين الذين استولوا على الصين.‏ ومع ان عدد اعضاء الثواليث يبلغ عشرات الآلاف،‏ يُقال انهم يشكِّلون في هونڠ كونڠ اتحادات مؤقتة من اجل ارتكاب جريمة معيَّنة او سلسلة من الجرائم،‏ مصعِّبين على الشرطة تتبُّعهم لمعرفة هويتهم.‏ ويكسبون بلايين الدولارات من المتاجرة بالهيروئين وقد حوَّلوا هونڠ كونڠ الى مركز لصنع بطاقات ائتمان مزيَّفة.‏

      يكتب وليَم كلاينكنِخت عن الجريمة في الولايات المتحدة في كتابه العصابات العرقية الجديدة (‏بالانكليزية)‏:‏ «في عالم الجريمة المنظمة الجديد،‏ ليس لأيٍّ من العصابات العرقية مستقبل ازهى مما للعصابات الصينية.‏ .‏ .‏ .‏ ففِرَق الاجرام الصينية يزداد نفوذها بسرعة في المدن في كل انحاء البلد.‏ .‏ .‏ .‏ وتحتل المرتبة الثانية مباشرة بعد المافيا في نيويورك.‏»‏

      وفي ما يتعلق بالشكل الآخر للمتاجرة غير الشرعية المنبثقة من هونڠ كونڠ،‏ يقول رسميّ من وزارة العدل في الولايات المتحدة:‏ «تهريب الاجانب ظاهرة من ظواهر الجريمة المنظمة.‏» ويقدِّر بعض الرسميين ان ٠٠٠‏,١٠٠ صيني يدخلون الولايات المتحدة بشكل غير شرعي كل سنة.‏ والمهاجر النموذجي الذي يدخل عن طريق التهريب يجب ان يدفع ٠٠٠‏,١٥ دولار اميركي على الاقل لقاء جلبه الى دولة غنية،‏ وهو يدفع الجزء الاكبر منها بعد وصوله الى مكانه المقصود.‏ وهكذا،‏ بالنسبة الى مهاجرين كثيرين تصير الحياة في ارض احلامهم كابوسا من العمل القسري في المنشآ‌ت غير الصحية التي تستغل العمال وفي بيوت الدعارة.‏

      ولأنكم لا تتورطون في اعمال الاجرام،‏ قد تظنون ان الجريمة المنظمة لا تؤثر فيكم.‏ ولكن هل هذا هو الواقع؟‏ كثيرون من المدمنين على المخدِّرات الذين يعيشون في قارات عديدة يلجأون الى الجريمة لكي يدفعوا ثمن المخدِّرات التي تزوِّدها كارتِلات المخدِّرات في اميركا الجنوبية.‏ وتتأكد الجريمة المنظمة ان تكون عقود الخدمات العامة معيَّنة لشركات مرتبطة بها؛‏ والنتيجة،‏ يدفع المواطنون اكثر.‏ ذكرت مرة «اللجنة الرئاسية حول الجريمة المنظمة» انه في الولايات المتحدة،‏ «تغيِّر الجريمة المنظمة مقدار التكاليف بسبب السرقة،‏ الابتزاز،‏ الرشوة،‏ تحديد الاسعار،‏ وحصر التجارة» وأن المستهلِكين مجبرون ان يدفعوا «ما هو بمثابة رسم اضافي» للمافيا.‏ لذلك لا يفلت احد من تأثيرات الجريمة.‏ فكلنا ندفع الثمن.‏

      ولكن لماذا تزدهر الجريمة المنظمة اليوم؟‏

      ‏[الاطار في الصفحة ٥]‏

      المافيا —‏ اصلها

      «نشأت المافيا في صقلية خلال اواخر القرون الوسطى،‏ حيث ابتدأت ربما كمنظمة سرّية مكرَّسة للإطاحة بحكم مختلف الغرباء الذين غزوا الجزيرة —‏ مثلا،‏ المسلمين المشارقة،‏ النورمانديين،‏ والاسپان.‏ ويعود اصل المافيا وأعضاؤها الى الجيوش الخاصة الصغيرة والكثيرة،‏ او المافيه،‏ التي استأجرها المالكون البعيدون عن اراضيهم لحماية ممتلكاتهم العقارية من اللصوص في احوال الفوضى التي سادت اجزاء كثيرة من صقلية على مرّ القرون.‏ وخلال القرنين الـ‍ ١٨ والـ‍ ١٩،‏ نظَّم المشاكسون النشاطى في هذه الجيوش الخاصة انفسهم وصاروا اقوياء بحيث انقلبوا على مالكي الاراضي وصاروا اصحاب السلطة الوحيدة على ممتلكات كثيرة،‏ مبتزِّين المال من اصحاب الاراضي مقابل حماية محاصيلهم.‏» (‏دائرة المعارف البريطانية‏)‏ وابتزاز الاموال للحماية صار اسلوب عملهم.‏ وقد أخذوا اساليبهم الى الولايات المتحدة،‏ حيث انهمكوا في المقامرة،‏ ابتزاز الاموال من العمال،‏ الإقراض بربًا باهظة،‏ تجارة المخدِّرات،‏ والبغاء.‏

  • لماذا تزدهر الجريمة المنظمة؟‏
    استيقظ!‏ ١٩٩٧ | آذار (‏مارس)‏ ٨
    • لماذا تزدهر الجريمة المنظمة؟‏

      ادَّعى آل كاپون،‏ رجل العصابات السيئ السمعة في عصر تحريم المسكِرات (‏١٩٢٠-‏١٩٣٣)‏ في الولايات المتحدة،‏ انه مجرد رجل اعمال يزوِّد ما يطلبه المستهلِك بحسب القانون —‏ قانون العرض والطلب.‏ وقال محامٍ لأكبر اتحاد للياكوزا في اليابان:‏ «لا يمكنكم الانكار ان هنالك طلبا شديدا على اعمال [الجنس،‏ المخدِّرات،‏ والمقامرة].‏» وهذا الطلب يعزِّز الجريمة المنظمة.‏ ومع ان لا احد يريد ان يكون ضحية للجريمة،‏ فقد يلتفت البعض الى منظمات الاجرام ويستفيدون من خدماتها.‏

      خذوا،‏ مثلا،‏ خطط اخذ المال مقابل عدم التعدِّي التي يستخدمها اعضاء العصابات في بلدان كثيرة كمصدر للدخل.‏ فمع انها تستهدف احيانا اصحاب المحلات المستقيمين،‏ فهي تنقضّ عادة على الذين يديرون اعمالا مشبوهة.‏ قال صاحب احد الكازينوات في شينجوكو،‏ طوكيو،‏ وهو يدير عمله وراء ستار دار للألعاب الڤيديوية:‏ «طُعن موظَّف مكتبي بسكين،‏ وسُلب ٢ مليون [ين (‏٠٠٠‏,٢٠ دولار اميركي)‏].‏ لكننا لم نتصل بالشرطة.‏» ولِمَ لا؟‏ «بما اننا ننهمك في عمل غير شرعي (‏المقامرة)‏،‏ لا نريد ان نتورط في ايّ شيء مع الشرطة.‏ وعندما يثير زبون الشغب في محلِّنا،‏ نستدعي الياكوزا.‏» يدفع صاحب هذا الكازينو ٠٠٠‏,٤ دولار اميركي شهريا للياكوزا،‏ وهذا اجر ضئيل بالمقارنة مع الربح البالغ ٠٠٠‏,٣٠٠ دولار اميركي الذي يجنيه من عمله غير الشرعي في المدة نفسها.‏ ومن اين يأتي هذا المال؟‏ من جيوب الذين يتمتعون بالمقامرة غير الشرعية.‏

      يصح الامر نفسه في الاعمال المحترَمة التي تريد تجنُّب المشاكل.‏ قدَّر رسميّ في نيويورك ان متعهِّد طلاء يكسب ١٥ مليون دولار اميركي في السنة وفَّر ٨‏,٣ ملايين دولار اميركي برشْو اعضاء عصابة.‏ وهذا مكَّن المتعهِّد من استخدام عمَّال بأجر زهيد وتجنُّب النزاع مع نقابة العمال التي تسيطر عليها العصابة.‏ وأثناء فترة من الازدهار الاقتصادي في اليابان،‏ وظَّف المموِّلون اموالهم في العقارات وهدموا البيوت والمتاجر القديمة لفتح الطريق امام الابنية الفخمة.‏ وعندما كان السكان يمتنعون عن الرحيل او يبيعون ارضهم،‏ كان المستثمرون يستدعون من اجل طردهم الجيياڠييا،‏ وهي في الاغلب شركات ذات علاقة بالياكوزا.‏

      وخلال الثمانينات،‏ عندما رأت الياكوزا كم من السهل اقتراض المال وكسبه،‏ اسست شركات وانكبَّت على المضاربة في سوق العقارات والاسهم المالية.‏ فاستثمرت المصارف والمؤسسات المالية الكثير من المال في هذه الشركات،‏ مصمِّمة كما يتضح على جني الارباح.‏ ولكن عندما مرّ الازدهار الاقتصادي بنكسة،‏ وجدت المصارف انه من الصعب جدا ان تستعيد مالها.‏ وإذ تحدث رسميّ سابق في الشرطة عن الركود الاقتصادي الذي طال امده في اليابان،‏ قال لمجلة نيوزويك (‏بالانكليزية)‏:‏ «ان السبب الحقيقي لعدم امكانية حلّ مشاكل القروض غير القابلة للتحصيل بسرعة هو ان قسما مهما منها له علاقة بالجريمة المنظمة.‏»‏

      وفي الواقع،‏ تتأصل الجريمة المنظمة وتزدهر حيث يتوق الناس الى ارضاء شهواتهم،‏ مهما كانت الوسائل.‏ فالتوق الشديد الى المتعة،‏ الجنس،‏ والمال يزوِّد تربة خصبة لترويج المخدِّرات،‏ البغاء،‏ المقامرة،‏ والإقراض بربًا باهظة.‏ والانهماك في اعمال كهذه يعني عادةً اعالة العصابة وإغناءها.‏ فكم هو صحيح ان الجريمة المنظمة تقدِّم ما يرضي مطالب اولئك العازمين على اشباع رغباتهم الشهوانية!‏

      نظام عائلي زائف

      بالاضافة الى الطلب على العمليات غير المشروعة،‏ هنالك حاجة اخرى اليوم تزدهر بسببها الجريمة المنظمة.‏ فقد اصرَّ الرئيس الراحل لأحد اكبر اتحادات الياكوزا في اليابان انه كان يستقبل مطارَدي العدالة ويعتني بهم مجنِّبا اياهم بذلك ان يصيروا اردياء.‏ وادَّعى انه اب لأعضاء العصابة.‏ ومعظم اتحادات الاجرام،‏ بصرف النظر عن قوميتها،‏ تبني منظماتها على اساس علاقات عائلية زائفة كهذه.‏

      خذوا على سبيل المثال شي صَن،‏a المتحدِّر من اسرة فقيرة في هونڠ كونڠ.‏ فقد كان ابوه يضربه دائما بعنف لأسباب تافهة.‏ فصار الحدث شي صَن متمرِّدا وانضم اخيرا الى الثواليث المشهورة وهو بعمر ١٢ سنة.‏ وفي المنظمة الاجرامية،‏ وجد المكان الذي شعر بأنه «ينتمي اليه.‏» وبسبب شجاعته في القتال المسلَّح،‏ جرت ترقيته الى مركز حيث يعمل تحت اشرافه عدة رجال.‏ وأخيرا،‏ أُرسل الى السجن بعمر ١٧ سنة فقط.‏

      يلتفت كثيرون مثل شي صَن الى المنظمات الاجرامية ليجدوا الرباط العائلي الذي كان مفقودا في بيتهم.‏ ويدَّعي الاعضاء انهم يُمنحون العناية،‏ ولكن غالبا ما يخيب امل الاصغر سنا عندما يجدون ان كل عضو يهتم بنفسه في المقام الاول.‏

      ملاك نور

      عندما أُشير الى الاتحاد الاجرامي الاكبر في اليابان كفريق عنيف بموجب قانون جديد ضد العصابات صدر سنة ١٩٩٢،‏ زعم احد قادته ان الفريق يعتبر نفسه «شهما،‏» اذ يحارب الشر.‏ وعندما ضرب الزلزال الرهيب كوبي سنة ١٩٩٥،‏ وزَّعت العصابة نفسها الطعام والماء والسلع الضرورية الاخرى على جيرانها.‏ «ان مثل هذا السخاء،‏» كما اخبرت اساهي ايڤننڠ نيوز (‏بالانكليزية)‏،‏ «من شأنه ان يعزِّز الصورة التي طالما كانت للياكوزا في اليابان بصفتهم مطارَدي العدالة الجديرين بالاحترام.‏»‏

      غالبا ما يحاول رؤساء الاتحادات الاجرامية الحفاظ على مظهر المُحسِنين.‏ فپابلو إسكوبار،‏ الرئيس المشهور لكارتِل ميديلين للمخدِّرات في كولومبيا،‏ كان بالنسبة الى سكان الاحياء الفقيرة في مدينته «شخصية اسطورية —‏ من بعض الاوجه كالمس‍يّ‍ا،‏ من بعض الاوجه كروبن هود،‏ ومن بعض الاوجه كعرَّاب بالمعنى الاقطاعي تقريبا للـ‍ پاترون،‏ الرئيس،‏» كما كتبت آنا كاريڠن في نيوزويك (‏بالانكليزية)‏.‏ فقد بنى حلبات التزلُّج للاولاد وبيوتا لائقة للفقراء،‏ ووظَّف اولاد الشوارع.‏ لقد كان بطلا في نظر المستفيدين من سخائه.‏

      لكنَّ المجرمين الذين يختبئون كما يظهر آمنين وراء ستار اتحاداتهم هم مجرد دُمى تحرِّكها يدا مجرم كوني بارع.‏ ويكشف الكتاب المقدس مَن هو هذا المجرم.‏ «الشيطان نفسه يغيِّر شكله الى شبه ملاك نور.‏ فليس عظيما إن كان خدامه ايضا يغيِّرون شكلهم كخدام للبر.‏ الذين نهايتهم تكون حسب اعمالهم.‏» (‏٢ كورنثوس ١١:‏١٤،‏ ١٥‏)‏ واليوم،‏ لا يؤمن معظم الناس بأن الشيطان شخص حقيقي.‏ قال شاعر فرنسي للقرن الـ‍ ١٩:‏ «ان ابرع حيلة لإبليس هي اقناعكم بأنه غير موجود.‏» فهو يختبئ بعيدا عن الانظار ويدير ما يجري،‏ ليس فقط في الاتحادات الاجرامية بل في كل انحاء العالم.‏ يوضح الكتاب المقدس:‏ «العالم كله قد وضع في الشرير.‏» ووصف يسوع الشيطان بأنه:‏ «كان قتالا للناس من البدء .‏ .‏ .‏ كذَّاب وأبو الكذَّاب.‏» —‏ ١ يوحنا ٥:‏١٩؛‏ يوحنا ٨:‏٤٤‏.‏

      تكشف نبوات الكتاب المقدس ان الشيطان ابليس ناشط بشكل خصوصي منذ السنة ١٩١٤.‏ فمن تلك السنة فصاعدا،‏ يجمع حشوده في حرب شاملة ضد شعب اللّٰه.‏ وهو يُغرِق الجنس البشري في دوَّامة من التشويش.‏ انه السبب الرئيسي لازدهار الجريمة ومنظمات الاجرام اليوم.‏ —‏ رؤيا ١٢:‏٩-‏١٢‏.‏

      فهل سيجري القضاء يوما ما على العقل المدبِّر وراء منظمات الاجرام في الارض؟‏ هل سيتمتع الجنس البشري يوما ما بالسلام والنظام؟‏ وهل يمكنكم انتم ان تتحرَّروا من الامبراطورية الشريرة التي بناها الشيطان على الارض اليوم؟‏

      ‏[الحاشية]‏

      a بعض الاسماء جرى تغييرها من اجل سلامة ذوي العلاقة.‏

      ‏[الاطار في الصفحة ٧]‏

      كيف تحمون عائلتكم

      ان انعدام الجو العائلي الدافئ والمنسجم يمكن ان يجعل الاحداث فريسة سهلة للاتحادات الاجرامية.‏ ففي الولايات المتحدة يذكر تقرير ان الغالبية العظمى من الاولاد الذين يتورطون في جرائم القتل التي تكون وراءها العصابات هم إما من عائلات وضعها سيِّئ او من عائلات محطَّمة.‏ يقول رسميّ في مركز للاعتقال في كارولينا الشمالية:‏ «لأنهم محرومون،‏ يتأثرون بسهولة بالرباط القوي بين الرئيس وأنصاره وبالشعور بالانسجام كعضو في منظمة،‏ الامر الذي يختبرونه لأول مرة في حياتهم.‏»‏

      وعلى نحو مماثل،‏ يقول حدث من الياكوزا في الشرق مستعدّ ان يكون درعا حيًّا لرئيسه:‏ «في البيت كنت وحيدا كل الوقت.‏ ومع اننا كنا عائلة،‏ لم اشعر قط بأننا نستطيع ان نتكلم من القلب الى القلب.‏ .‏ .‏ .‏ لكنني الآن استطيع ان اتكلم من القلب الى القلب مع اعضاء العصابة.‏» فالاحداث الذين يعانون الوحدة يشعرون بأنهم مدينون لأعضاء المنظمة الاجرامية الذين يُدخلونهم في نظام شبيه بأسرة.‏

      تقول قائدة فريق من الفتيات اللواتي يركبن الدراجات النارية في اوكيناوا:‏ «ان افراد الياكوزا يهتمون اهتماما شديدا بالآخرين.‏ ربما يستعملون ذلك كحيلة؛‏ ولكن،‏ بما اننا لم نُعامَل قط بلطف،‏ فإن اهتمامهم يؤثر فينا.‏» ويؤكد مدير احدى المؤسسات للفتيات الجانحات ان اعضاء العصابات «بارعون حقا في اسر قلوب الفتيات.‏» فعندما تتصل بهم الفتيات اللواتي يعانين الوحدة في منتصف الليل،‏ يسرع اعضاء العصابة اليهنَّ ويصغون الى ما لديهنَّ ليقلنه،‏ دون ان يقدِّموا اية عروض جنسية.‏

      ويستمر موقف اهتمامهم حتى يأسروا كاملا الاولاد الذين ينقضّون عليهم.‏ وحالما يقع الاحداث في الفخّ،‏ يجري استغلالهم —‏ الفتيات في حلقات البغاء والصبيان في الاجرام.‏

      كيف يمكن ان تحموا الذين تحبونهم؟‏

      ينصح الكتاب المقدس:‏ «ايها الآباء لا تغيظوا اولادكم لئلا يفشلوا.‏» (‏كولوسي ٣:‏٢١‏)‏ وهذا ليس تشجيعا للآباء ان يكونوا متساهلين.‏ يقول مثل في الكتاب المقدس:‏ «الصبي المُطلَق الى هواه يُخجل امه.‏» (‏امثال ٢٩:‏١٥‏)‏ وبالاحرى،‏ يشجع الكتاب المقدس الآباء —‏ والامهات ايضا —‏ ان يكونوا متعقلين في التعامل مع اولادهم،‏ ان يصغوا اليهم،‏ وأن يكون هنالك خط اتصال مفتوح معهم.‏ وعندئذ سيندفع الاولاد الى ائتمان والديهم عندما يجدون انفسهم في محنة.‏

      بالاضافة الى محافظة الوالدين على خط اتصال مفتوح مع اولادهم،‏ يلزم ان يرسموا لهم مقاييس في الحياة.‏ وأين يمكن ان يجد الاب خطوطا ارشادية كهذه؟‏ يقول الكتاب المقدس:‏ «ايها الآباء لا تغيظوا اولادكم بل ربوهم بتأديب الرب وإنذاره.‏» (‏افسس ٦:‏٤‏)‏ خصِّصوا وقتا للتأمل في الكتاب المقدس مع اولادكم بواسطة جلسات من الدرس العائلي في الكتاب المقدس.‏ واغرسوا في قلوبهم خوفا سليما من يهوه لكي يتَّبعوا دائما ارشاده لمنفعتهم.‏ —‏ اشعياء ٤٨:‏١٧‏.‏

  • عالم بدون جريمة —‏ كيف؟‏
    استيقظ!‏ ١٩٩٧ | آذار (‏مارس)‏ ٨
    • عالم بدون جريمة —‏ كيف؟‏

      تُشنّ الحرب على الجريمة المنظمة في كل العالم.‏ اعلنت مجلة اخبار الولايات المتحدة والتقرير العالمي (‏بالانكليزية)‏:‏ «أُحرز تقدُّم ملحوظ ضد المافيا في وقت قصير جدا،‏ وهذا ناتج الى حد بعيد عن قانون واحد،‏ قانون المنظمات الفاسدة والواقعة تحت نفوذ المبتزِّين Racketeer Influenced and Corrupt (‏RICO)‏ Organizations Act.‏» فهو يسمح بإدانة منظمات الاجرام على اساس نمط من النشاط الابتزازي،‏ لا مجرد اعمال فردية.‏ وهذا،‏ بالاضافة الى معلومات جرى الحصول عليها عن طريق التجسُّس السلكي ومن اعضاء العصابات الذين يشون لتُخفَّف عقوبتهم،‏ لعب دورا في نجاح المعركة ضد المافيا في الولايات المتحدة.‏

      وفي ايطاليا ايضا،‏ تقاوم السلطات العصابات بشدة.‏ فقد أُرسلت وحدات الجيش الى مناطق مثل صقلية،‏ سردينيا،‏ وكالَبْريا،‏ حيث الجريمة المنظمة قوية،‏ لتقوم بدوريات في المباني العامة والمناطق المهمة لمنع هجوم عناصر الاجرام.‏ وتعتبر الحكومة ذلك مشابها لحرب اهلية.‏ وبوجود رؤساء مشهورين للاتحادات الاجرامية في السجن وبمقاضاة رئيس وزراء سابق بتهمة ارتباطاته المزعومة بالمافيا،‏ تشهد ايطاليا بعض النتائج.‏

      وفي اليابان ضيَّقت الحكومة الخناق على الياكوزا عندما وضعت موضع التنفيذ القانون المضاد للجريمة المنظمة في ١ آذار ١٩٩٢.‏ وبموجب هذا القانون،‏ عندما يُحدَّد ان منظمة يديرها اعضاء عصابة هي منظمة اجرامية،‏ يُحظَّر عليها ١١ عملا من اعمال الاكراه بالعنف،‏ بما في ذلك طلب المال لكتمان سرّ ما،‏ الاشتراك في خطط اخذ المال مقابل عدم التعدّي،‏ والتوسُّط لحلّ النزاعات لقاء اجر.‏ وبتنفيذ هذا القانون،‏ تهدف الحكومة الى ايقاف كل مصادر دخل العصابات.‏ وقد سدَّد القانون ضربة شديدة الى المنظمات الاجرامية.‏ فانحلَّت بعض الفِرَق،‏ وانتحر رئيس احدى العصابات —‏ بسبب التنفيذ الصارم للقانون كما يظهر.‏

      في الواقع،‏ تشنّ الحكومات ووكالات تنفيذ القانون حربا شديدة على الجريمة المنظمة.‏ ومع ذلك،‏ قالت صحيفة ماينيتشي دايلي نيوز (‏بالانكليزية)‏ عندما كانت تخبر عن مؤتمر عُقد سنة ١٩٩٤ للقضاة ورسميّي الشرطة من حول العالم:‏ «تصير الجريمة المنظمة اقوى وأغنى في كل جزء من العالم تقريبا،‏ اذ تجمع ما قدره تريليون دولار اميركي في السنة كدخل.‏» ومن المؤسف ان الجهود البشرية لاستئصال الاتحادات الاجرامية من وجه الارض محدودة.‏ وأحد الاسباب هو ان اجراء العدل في حالات كثيرة ليس سريعا وأكيدا.‏ فبالنسبة الى اشخاص كثيرين يبدو غالبا ان القوانين تُحرَّف لتلائم المجرم لا الضحية.‏ ذكر الكتاب المقدس قبل نحو ٠٠٠‏,٣ سنة:‏ «لأن القضاء على العمل الرديء لا يُجرى سريعا فلذلك قد امتلأ قلب بني البشر فيهم لفعل الشر.‏» —‏ جامعة ٨:‏١١‏.‏

      الخروج من المنظمات الاجرامية

      بالاضافة الى اتِّخاذ اجراءات صارمة ضد الجريمة المنظمة من الخارج،‏ تحاول الحكومات ان تساعد اولئك الذين في الداخل على الخروج من الاتحادات الاجرامية.‏ وخطوة كهذه ليست سهلة.‏ فبحسب قول قديم،‏ «الطريقة الوحيدة لترك المافيا هي في النعش.‏» ولكي يهجر عضو منظمة للياكوزا،‏ يُطلب منه إما ان يدفع مبلغا كبيرا من المال او ان تُقطع اصبعه الصغيرة او جزء منها.‏ وما يزيد الخوف من انهاء الروابط بعالم المجرمين هو ان العضو السابق في العصابة عليه ان يواجه واقع العيش حياة مستقيمة.‏ فطلبات العمل التي يقدِّمها غالبا ما تُرفض.‏ ولكن،‏ هنالك في بعض البلدان خطوط هاتفية مباشرة للاتصال بالشرطة كي تساعد اعضاء العصابة الذي يحاولون التحرُّر ويجدون صعوبة في العثور على عمل محترَم.‏

      ولمواجهة ضغوط اسرة العصابة وتحامل المجتمع،‏ يحتاج العضو في عصابة الى دافع قوي ليبدأ حياة مستقيمة.‏ فماذا يمكن ان يدفعه؟‏ يمكن ان يكون الدافع حبه لعائلته،‏ الشوق الى حياة سلمية،‏ او الرغبة في فعل ما هو صواب.‏ لكنَّ الدافع الاقوى توضِّحه جيدا قصة ياسوُو كاتاووكا في المقالة التالية.‏

      ياسوُو كاتاووكا هو نموذج من مئات غيَّروا حياتهم كاملا.‏ فالصفات الوحشية التي اعربوا عنها سابقا استُبدلت بالانسان الجديد «المخلوق بحسب اللّٰه في البر وقداسة الحق.‏» (‏افسس ٤:‏٢٤‏)‏ والاشخاص الذين كانوا كالذئاب يسكنون الآن بسلام بين اشخاص ودعاء مشبَّهين بالخراف،‏ حتى انهم يساعدون الآخرين!‏ —‏ اشعياء ١١:‏٦‏.‏

      تحرَّروا من روح العالم

      كما ذُكر في المقالة السابقة،‏ ليس فقط كل الاتحادات الاجرامية واقعة تحت سيطرة الشيطان ابليس غير المنظورة بل العالم بأسره.‏ ولا يدرك الناس ذلك،‏ لكنَّ الشيطان نظَّم العالم ليخدم اهدافه الاجرامية.‏ فكما تزوِّد الاتحادات الاجرامية الثروة وأنظمة اسرة مزيَّفة،‏ يقوم هو بدور السيد المُحسِن بتزويده الناس بالثروة،‏ الملذات،‏ والشعور بالانسجام.‏ ورغم انكم ربما لا تدركون ذلك،‏ فقد تكونون مخدوعين بخططه الشريرة.‏ (‏رومية ١:‏٢٨-‏٣٢‏)‏ يخبرنا الكتاب المقدس ان «محبة [«صداقة،‏» ع‌ج‏] العالم عداوة للّٰه.‏» (‏يعقوب ٤:‏٤‏)‏ فالصداقة الحميمة مع هذا العالم الذي هو تحت نفوذ الشيطان ليست آمنة.‏ وخالق الكون لديه جيش من الملائكة تحت امرة يسوع المسيح مستعدّ لالقاء القبض على الشيطان وأبالسته من اجل تطهير العالم من تأثيرهم الشرير.‏ —‏ رؤيا ١١:‏١٨؛‏ ١٦:‏١٤،‏ ١٦؛‏ ٢٠:‏١-‏٣‏.‏

      فكيف يمكنكم ان تخرجوا من تحت تأثير عالم الشيطان؟‏ ليس بالعيش حياة ناسك بل بالتحرُّر من مواقف وأنماط التفكير التي تسود العالم اليوم.‏ ولفعل ذلك،‏ يجب ان تحاربوا خطة الشيطان لإخافتكم وتقاوموا الاغراءات التي يقدِّمها ليبقي الناس في قبضته.‏ (‏افسس ٦:‏١١،‏ ١٢‏)‏ وسيشمل ذلك التضحيات،‏ ولكن يمكنكم ان تتحرَّروا كما تحرَّر آخرون اذا كنتم مصمِّمين وإذا استفدتم من المساعدة التي يقدِّمها شهود يهوه.‏

      وماذا سيلي تطهير اللّٰه هذا العالم المشوَّش من الجريمة؟‏ يقول الكتاب المقدس:‏ «اما نسل الاشرار فينقطع.‏» ويتابع:‏ «الصديقون يرثون الارض ويسكنونها الى الابد.‏» (‏مزمور ٣٧:‏٢٨،‏ ٢٩‏)‏ عندئذ،‏ لن يكون هنالك سبب للارتعاد ممَّن كانت لديهم صفات وحشية،‏ لأنهم سيكونون قد تغيَّروا ‹بمعرفة يهوه،‏› التي ستملأ الارض.‏ —‏ اشعياء ١١:‏٩‏،‏ ع‌ج‏؛‏ حزقيال ٣٤:‏٢٨‏.‏

      واليوم صار تغيير كهذا واقعا،‏ كما تُظهر قصة الحياة التالية لعضو سابق من الياكوزا في اليابان.‏

  • التحرر من الجريمة المنظمة —‏ «كنت من الياكوزا»‏
    استيقظ!‏ ١٩٩٧ | آذار (‏مارس)‏ ٨
    • التحرر من الجريمة المنظمة —‏ «كنت من الياكوزا»‏

      ‏«ابي،‏ أتعدني ان نذهب الى الاجتماعات معا عندما تعود الى البيت؟‏» تسلَّمت هذه الرسالة من ابنتي الصغرى فيما كنت في السجن للمرة الثالثة.‏ فقد كانت تحضر قانونيا اجتماعات شهود يهوه مع زوجتي.‏ وبما ان الرسائل من عائلتي كانت مصدر تعزيتي الوحيد،‏ وعدتها انني سألبي طلبها.‏

      فكَّرت في نفسي:‏ ‹لماذا احيا حياة اجرام تبعدني عن عائلتي؟‏› وتذكَّرت الايام التي كنت فيها صغيرا جدا.‏ فقد مات ابي عندما كان عمري ١٨ شهرا فقط،‏ لذلك لا اتذكَّر حتى وجهه.‏ وتزوجت امي مرتين بعد ذلك.‏ وقد اثَّرت هذه الظروف العائلية فيّ تأثيرا شديدا،‏ فابتدأت اعاشر المجرمين في المدرسة الثانوية.‏ وصرت عنيفا وغالبا ما تورَّطت في مشاجرات خارج المدرسة.‏ وفي سنتي الثانية في المدرسة الثانوية،‏ نظَّمت فريقا من التلاميذ بهدف مقاتلة فريق آخر.‏ ونتيجة لذلك،‏ أُلقي القبض عليّ وأُرسلت الى اصلاحية مدة قصيرة.‏

      كنت ككرة تنحدر بسرعة نحو حياة ملآنة عنفا.‏ فسرعان ما شكَّلتُ عصابة من الجانحين وصرنا نقضي الوقت في مكتب احدى فرق الياكوزا.‏ وعندما بلغت الـ‍ ١٨ من العمر،‏ صرت عضوا مستوفيا الشروط في ذلك الفريق.‏ وفي الـ‍ ٢٠ من العمر،‏ أُلقي القبض عليّ بسبب اعمال عنف متنوِّعة وحُكم عليّ بالسجن ثلاث سنوات.‏ فقضيت اولا عقوبة في سجن نارا للاحداث،‏ لكنَّ سلوكي لم يتحسن.‏ لذلك أُرسلت الى سجن آخر،‏ سجن للراشدين.‏ لكنَّ سلوكي ساء اكثر وانتهى بي الامر اخيرا الى سجن للمجرمين المتصلِّبين في كيوتو.‏

      وسألت نفسي:‏ ‹لماذا استمر في ارتكاب جرائم كهذه؟‏› عندما ارجع بالذاكرة الى الوراء،‏ ادرك ان ذلك كان بسبب تفكيري الطائش.‏ ففي ذلك الوقت كنت اعتقد ان تصرفا كهذا هو برهان على رجوليتي.‏ وعندما أُطلق سراحي من السجن بعمر ٢٥ سنة،‏ نظر اليّ رفقائي في العصابة نظرة احترام وكأنني شخص مهم.‏ وكانت الطريق مفتوحة الآن امامي لارتقاء سُلَّم العالم الاجرامي.‏

      ردود فعل عائلتي

      تزوجت في ذلك الوقت تقريبا،‏ وسرعان ما صارت لدينا زوجتي وأنا ابنتان.‏ إلَّا ان حياتي لم تتغير.‏ وكنت اقضي وقتي بين البيت والشرطة —‏ فكنت اعتدي على الناس بالضرب وأبتز المال.‏ كانت كل حادثة تساعدني على ربح احترام رفقائي الاعضاء في العصابة وثقة رئيس العصابة.‏ وأخيرا،‏ تولى «اخي» الاكبر في الياكوزا رئاسة العصابة.‏ وابتهجت عندما صرت في المرتبة الثانية.‏

      وفكَّرت في نفسي:‏ ‹كيف تشعر زوجتي وابنتاي بشأن نمط حياتي؟‏› لا بد انهن كن يشعرن بالاحراج لأن الزوج والاب في العائلة هو مجرم.‏ وسُجنت ثانية بعمر ٣٠ سنة ثم ايضا بعمر ٣٢ سنة.‏ وهذه المرة كانت مدة الثلاث سنوات في السجن قاسية حقا بالنسبة اليّ.‏ فلم يُسمح لابنتيَّ بالمجيء لزيارتي.‏ واشتقت ان اتحدث اليهما وأعانقهما.‏

      نحو بداية عقوبتي الاخيرة في السجن،‏ ابتدأت زوجتي بدرس الكتاب المقدس مع شهود يهوه.‏ ويوما بعد آخر كانت تكتب لي عن الحق الذي تتعلَّمه.‏ فتساءلت:‏ ‹ما هو هذا الحق الذي تتحدث عنه زوجتي؟‏› قرأتُ الكتاب المقدس بكامله وأنا في السجن.‏ وتأملت في ما تقوله زوجتي في رسائلها عن رجاء للمستقبل وعن قصد اللّٰه.‏

      كان الرجاء بعيش البشر الى الابد في الفردوس على الارض جذابا لأن الموت كان يخيفني حقا.‏ فكنت افكِّر دوما،‏ ‹اذا متَّ،‏ فأنت الخاسر.‏› وعندما اتأمل في الامر،‏ ادرك ان الخوف من الموت هو ما كان يدفعني الى ايذاء الآخرين قبل ان يؤذوني.‏ وجعلتني ايضا رسائل زوجتي ارى بُطل هدفي ان ارتقي سُلَّم عالم العصابات.‏

      ومع ذلك لم اندفع الى درس الحق.‏ انتذرت زوجتي ليهوه وصارت واحدة من شهوده المعتمدين.‏ ومع انني وافقت في رسالتي ان اذهب الى اجتماعات شهود يهوه،‏ لم اكن افكِّر ان اصير واحدا منهم.‏ وشعرت كما لو ان زوجتي وابنتيَّ قد ابتعدن عني بعيدا وتركنني وراءهن.‏

      الخروج من السجن

      اتى اخيرا يوم استرجاع حريتي.‏ وعند بوابة سجن ناڠويا،‏ كان كثيرون من اعضاء عصابتنا مصطفين ليرحبوا بي.‏ ولكن،‏ بين الحشد الكبير من الناس،‏ كنت ابحث فقط عن زوجتي وابنتيَّ.‏ وعندما رأيت ابنتيَّ،‏ اللتين كبرتا كثيرا خلال ثلاث سنوات وستة اشهر،‏ شعرت بالرغبة في البكاء.‏

      بعد يومين من ذهابي الى البيت،‏ وفيت بوعدي لابنتي الصغرى وحضرت اجتماعا لشهود يهوه.‏ وتعجبت من رؤية الموقف المرح لجميع الحاضرين.‏ فقد رحَّب بي الشهود بحرارة،‏ لكنني شعرت بأنني لا انتمي الى هذا المكان.‏ وتحيَّرت عندما علمت لاحقا ان الذين رحَّبوا بي يعرفون خلفيتي الاجرامية.‏ إلَّا انني شعرت بدفئهم،‏ وجذبني الخطاب المؤسس على الكتاب المقدس الذي أُلقي.‏ وكان يتحدث عن عيش الناس الى الابد في الفردوس على الارض.‏

      ان فكرة نجاة زوجتي وابنتيَّ الى الفردوس وهلاكي انا آلمتني كثيرا.‏ فتأملت جديا في ما يلزم ان افعله لأحيا الى الابد مع عائلتي.‏ وابتدأت افكِّر في التحرر من العيش كعضو في عصابة،‏ ورحت ادرس الكتاب المقدس.‏

      التحرر من حياتي الاجرامية

      توقفت عن حضور اجتماعات العصابات وعن معاشرة الياكوزا.‏ ولم يكن سهلا ان اغيِّر طريقة تفكيري.‏ فكنت اجول في سيارة مستورَدة كبيرة لمجرَّد المتعة —‏ ارضاءً لغروري.‏ وقد لزمتني ثلاث سنوات لأغيِّر سيارتي الى طراز عادي.‏ وكنت اميل ايضا الى البحث عن الحلول السهلة.‏ إلا انني فيما كنت اتعلَّم الحق،‏ عرفت انه يلزم ان اتغيَّر.‏ ولكن كما تقول ارميا ١٧:‏٩‏،‏ «القلب اخدع من كل شيء وهو نجيس.‏» فكنت اعرف المسلك الصائب ولكنني كنت اجد صعوبة في تطبيق ما اتعلَّمه.‏ وبدت المشاكل التي اواجهها كجبل عظيم.‏ فصرت مضطربا،‏ وفكَّرت مرارا عديدة في التوقف عن الدرس والتخلي عن فكرة الصيرورة واحدا من شهود يهوه.‏

      ثم دعا مدير درسي في الكتاب المقدس احد النظار الجائلين،‏ وخلفيته مماثلة لخلفيتي،‏ ليلقي خطابا عاما في جماعتنا.‏ وقد اتى من أكيتا،‏ على بُعد ٤٠٠ ميل،‏ الى سوزوكا ليشجعني.‏ وبعد ذلك،‏ كلما شعرت بالكلل وفكَّرت في الاستسلام،‏ تسلَّمت رسالة منه يسألني فيها هل اسلك بثبات في طريق الرب.‏

      ظللت اصلّي الى يهوه ليساعدني على التحرر من كل ما يربطني بالياكوزا.‏ وكنت واثقا ان يهوه سيستجيب صلاتي.‏ وفي نيسان ١٩٨٧،‏ تمكَّنت اخيرا من الانسحاب من منظمة الياكوزا.‏ وبما ان عملي كان يجبرني على السفر كل شهر بعيدا عن عائلتي،‏ غيَّرت عملي لأعمل كبوّاب.‏ وهذا ما جعل فترات بعد الظهر خالية للنشاطات الروحية.‏ وللمرة الاولى،‏ تسلَّمت راتبا في ظرف.‏ وكان خفيفا،‏ لكنه اسعدني كثيرا.‏

      عندما كنت في المرتبة الثانية في احدى منظمات الياكوزا،‏ كنت في سعة مادية،‏ أما الآن فأتمتع بغنى روحي لا يضمحل.‏ فأنا اعرف يهوه،‏ اعرف مقاصده،‏ لديّ مبادئ اعيش بموجبها،‏ ولديّ اصدقاء حقيقيون يهتمون بأمري.‏ ففي مجتمع الياكوزا،‏ كان اعضاء العصابة يهتمون ظاهريا،‏ ولكنني لا اعرف حتى واحدا من الياكوزا يضحي بنفسه من اجل الآخرين.‏

      في آب ١٩٨٨،‏ رمزت الى انتذاري ليهوه بمعمودية الماء،‏ وفي الشهر التالي،‏ ابتدأت اقضي على الاقل ٦٠ ساعة في الشهر وأنا اخبر الآخرين عن البشارة التي غيَّرت حياتي.‏ انا اخدم كامل الوقت منذ آذار ١٩٨٩ وقد مُنحت الآن امتياز الخدمة كخادم مساعد في الجماعة.‏

      تمكَّنت من التخلص من معظم آثار حياتي مع الياكوزا.‏ ولكن هنالك اثر لا يزال باقيا.‏ وهو الوشم على جسمي الذي يذكِّرني،‏ كما يذكِّر عائلتي والآخرين،‏ بماضيّ كواحد من الياكوزا.‏ فقد رجعتْ ذات مرة ابنتي الكبرى من المدرسة وهي تبكي،‏ قائلة انها لن تذهب الى المدرسة في ما بعد لأن اصدقاءها قالوا لها انني من الياكوزا وإنني احمل وشما يدل على ذلك.‏ تمكَّنت من مناقشة المسألة بعمق مع ابنتيَّ،‏ وصارتا تفهمان الوضع.‏ وأنا اتطلع الى اليوم الذي ستصير فيه الارض فردوسا ويصير لحمي «اغض من لحم الصبي.‏» وحينئذ يصير الوشم على جسمي وذكريات ٢٠ سنة من الحياة مع الياكوزا امورا من الماضي.‏ (‏ايوب ٣٣:‏٢٥؛‏ رؤيا ٢١:‏٤‏)‏ —‏ كما رواها ياسوُو كاتاووكا.‏

المطبوعات باللغة العربية (‏١٩٧٩-‏٢٠٢٥)‏
الخروج
الدخول
  • العربية
  • مشاركة
  • التفضيلات
  • Copyright © 2025 Watch Tower Bible and Tract Society of Pennsylvania
  • شروط الاستخدام
  • سياسة الخصوصية
  • إعدادات الخصوصية
  • JW.ORG
  • الدخول
مشاركة