-
كيف تؤثر فيكم الجريمة المنظمةاستيقظ! ١٩٩٧ | آذار (مارس) ٨
-
-
كيف تؤثر فيكم الجريمة المنظمة
بواسطة مراسل استيقظ! في اليابان
يَخِز رئيس اسرة مافيا اصبع عضو جديد. فيتقطَّر الدم على صورة «قديس.» ثم تلتهم النار الصورة. ويقول الرئيس للشاب: ‹اذا بُحت بأيّ من اسرار المنظمة، فنفسك ستحترق مثل هذا القديس.›
ان مبدأ الصمت — بالايطالية، أومِرتا — أبقى الجريمة المنظمة سرِّية الى حدّ كبير لسنوات كثيرة. أما اليوم، فعصابات الاجرام تحتل العناوين الرئيسية في كل مكان اذ يشي بها بعض اعضائها. والشخصية الابرز التي اتَّهمها هؤلاء الـ پِنتيتي، او خونة المافيا، كانت جوليو أندريوتي، الذي تولّى منصب رئيس وزراء ايطاليا سبع مرات وهو يُحاكَم الآن بسبب صِلاته بالمافيا.
ان منظمات الاجرام في كل مكان مدَّت مِجَسّاتها الى مختلف المهن والبيئات: المافيا في ايطاليا وفي الولايات المتحدة الاميركية، حيث تُدعى ايضا كوزا نوسترا؛ كارتِلات المخدِّرات في اميركا الجنوبية؛ ثواليث الصين؛ والياكوزا في اليابان. وأعمالها الشريرة تؤثر في كل منا وتجعل المعيشة اغلى.
يُقال انه في الولايات المتحدة تقسِّم المافيا مدينة نيويورك بين خمس أُسر، كاسبةً بلايين الدولارات من الابتزاز، اخذ المال مقابل عدم التعدّي، الإقراض بربًا باهظة، المقامرة، تجارة المخدِّرات، والبغاء. ويُزعم ان أُسر المافيا تُحكِم قبضتها على نقابات العمال في الاعمال التي تشمل نقل النفايات، الشحن، البناء، توزيع الاطعمة، وصناعة الملبوسات. ويمكنها، بالسلطة التي لديها على نقابات العمال، ان تسوِّي النزاعات العمالية او تعطِّل مشروعا. ففي احد مواقع البناء، مثلا، تتعطَّل في احد الايام جرَّافة، وفي يوم آخر مكابح حفَّارة خلفية، ويماطل مهندسو العمليات بالمشروع — تستمر هذه الحوادث وغيرها حتى يوافق البنَّاء على الخضوع لمطالب العصابة، وهي إما رُشًى او عقود عمل. وفي الواقع، تخبر مجلة تايم (بالانكليزية): «ان الرُّشى التي تُعطى للعصابة يمكن ان تضمن لرجال الاعمال التسليم الفوري، السلام مع العمال والمقدرة على استخدام عمال بأجور ارخص.»
في كولومبيا كان كارتِلان للمخدِّرات يتنافسان الى ان قُتل بالرصاص عام ١٩٩٣ پابلو إسكوبار، رئيس كارتِل ميديلين. فاحتكر بعد ذلك كارتِل كالي تجارة الكوكائين في العالم. وإذ ربح ٧ بلايين دولار سنة ١٩٩٤ في الولايات المتحدة وحدها، صار على الارجح اكبر اتحاد للجريمة المنظمة في العالم. لكنَّ اعتقال عقله المدبِّر هوسيه سانتاكروز لوندونيو سنة ١٩٩٥، سدَّد ضربة للكارتِل. ولكن هنالك دائما خَلَف يتوق الى ان يصير الرئيس التالي.
بعد انهيار الستار الحديدي، ظهرت المافيا الروسية لأول مرة على المسرح العالمي. ونتيجة لذلك، يقول احد العاملين في الحقل المصرفي المقتبس منه في نيوزويك (بالانكليزية): «كل مؤسسة في روسيا يجب ان تتعامل مع المافيا.» وحتى في برايتون بيتش، نيويورك، يُخبَر ان المافيا الروسية تجني ارباحا طائلة من خطط الغش المعقَّدة المتعلقة بالبنزين. وفي النهاية يدفع اصحاب السيارات الثمن، وتخسر الحكومة الضرائب. وتدير العصابات الروسية ايضا حلقات البغاء في اوروپا الشرقية. وهم لا يُعاقَبون على معظم الجرائم التي يرتكبونها. فمَن يجرؤ على مواجهة هؤلاء المدجَّجين بالسلاح من الرياضيين السابقين والجنود القدماء في الحرب الافغانية؟
لا تختلف الحالة في الشرق. ففي اليابان يتوقع العاملون في عالم المسرح والسينما والاستعراضات كل انواع المشاكل ما لم يكرموا فريق الياكوزا المحلي ويدفعوا له ضريبة. وهناك ايضا يُطلب المال من البارات وحتى من المومسات للحماية. وفضلا عن ذلك، تغلغلت الياكوزا عميقا في الاقتصاد الياباني بإنشاء شركاتها الخاصة، وابتزاز المال من المؤسسات الكبيرة، والارتباط بالاتحادات الاجرامية في الخارج.
ومنظمات الاجرام التي تتخذ هونڠ كونڠ وتايوان قاعدة لها، تنشر ايضا شبكتها في العالم بأسره. وباستثناء اسمها، الثواليث، يُعرف القليل عن كيفية تنظيمها. ويعود تاريخها الى القرن الـ ١٧، عندما اتَّحد الرهبان الصينيون معا ضد المنشوريين الذين استولوا على الصين. ومع ان عدد اعضاء الثواليث يبلغ عشرات الآلاف، يُقال انهم يشكِّلون في هونڠ كونڠ اتحادات مؤقتة من اجل ارتكاب جريمة معيَّنة او سلسلة من الجرائم، مصعِّبين على الشرطة تتبُّعهم لمعرفة هويتهم. ويكسبون بلايين الدولارات من المتاجرة بالهيروئين وقد حوَّلوا هونڠ كونڠ الى مركز لصنع بطاقات ائتمان مزيَّفة.
يكتب وليَم كلاينكنِخت عن الجريمة في الولايات المتحدة في كتابه العصابات العرقية الجديدة (بالانكليزية): «في عالم الجريمة المنظمة الجديد، ليس لأيٍّ من العصابات العرقية مستقبل ازهى مما للعصابات الصينية. . . . ففِرَق الاجرام الصينية يزداد نفوذها بسرعة في المدن في كل انحاء البلد. . . . وتحتل المرتبة الثانية مباشرة بعد المافيا في نيويورك.»
وفي ما يتعلق بالشكل الآخر للمتاجرة غير الشرعية المنبثقة من هونڠ كونڠ، يقول رسميّ من وزارة العدل في الولايات المتحدة: «تهريب الاجانب ظاهرة من ظواهر الجريمة المنظمة.» ويقدِّر بعض الرسميين ان ٠٠٠,١٠٠ صيني يدخلون الولايات المتحدة بشكل غير شرعي كل سنة. والمهاجر النموذجي الذي يدخل عن طريق التهريب يجب ان يدفع ٠٠٠,١٥ دولار اميركي على الاقل لقاء جلبه الى دولة غنية، وهو يدفع الجزء الاكبر منها بعد وصوله الى مكانه المقصود. وهكذا، بالنسبة الى مهاجرين كثيرين تصير الحياة في ارض احلامهم كابوسا من العمل القسري في المنشآت غير الصحية التي تستغل العمال وفي بيوت الدعارة.
ولأنكم لا تتورطون في اعمال الاجرام، قد تظنون ان الجريمة المنظمة لا تؤثر فيكم. ولكن هل هذا هو الواقع؟ كثيرون من المدمنين على المخدِّرات الذين يعيشون في قارات عديدة يلجأون الى الجريمة لكي يدفعوا ثمن المخدِّرات التي تزوِّدها كارتِلات المخدِّرات في اميركا الجنوبية. وتتأكد الجريمة المنظمة ان تكون عقود الخدمات العامة معيَّنة لشركات مرتبطة بها؛ والنتيجة، يدفع المواطنون اكثر. ذكرت مرة «اللجنة الرئاسية حول الجريمة المنظمة» انه في الولايات المتحدة، «تغيِّر الجريمة المنظمة مقدار التكاليف بسبب السرقة، الابتزاز، الرشوة، تحديد الاسعار، وحصر التجارة» وأن المستهلِكين مجبرون ان يدفعوا «ما هو بمثابة رسم اضافي» للمافيا. لذلك لا يفلت احد من تأثيرات الجريمة. فكلنا ندفع الثمن.
ولكن لماذا تزدهر الجريمة المنظمة اليوم؟
[الاطار في الصفحة ٥]
المافيا — اصلها
«نشأت المافيا في صقلية خلال اواخر القرون الوسطى، حيث ابتدأت ربما كمنظمة سرّية مكرَّسة للإطاحة بحكم مختلف الغرباء الذين غزوا الجزيرة — مثلا، المسلمين المشارقة، النورمانديين، والاسپان. ويعود اصل المافيا وأعضاؤها الى الجيوش الخاصة الصغيرة والكثيرة، او المافيه، التي استأجرها المالكون البعيدون عن اراضيهم لحماية ممتلكاتهم العقارية من اللصوص في احوال الفوضى التي سادت اجزاء كثيرة من صقلية على مرّ القرون. وخلال القرنين الـ ١٨ والـ ١٩، نظَّم المشاكسون النشاطى في هذه الجيوش الخاصة انفسهم وصاروا اقوياء بحيث انقلبوا على مالكي الاراضي وصاروا اصحاب السلطة الوحيدة على ممتلكات كثيرة، مبتزِّين المال من اصحاب الاراضي مقابل حماية محاصيلهم.» (دائرة المعارف البريطانية) وابتزاز الاموال للحماية صار اسلوب عملهم. وقد أخذوا اساليبهم الى الولايات المتحدة، حيث انهمكوا في المقامرة، ابتزاز الاموال من العمال، الإقراض بربًا باهظة، تجارة المخدِّرات، والبغاء.
-
-
لماذا تزدهر الجريمة المنظمة؟استيقظ! ١٩٩٧ | آذار (مارس) ٨
-
-
لماذا تزدهر الجريمة المنظمة؟
ادَّعى آل كاپون، رجل العصابات السيئ السمعة في عصر تحريم المسكِرات (١٩٢٠-١٩٣٣) في الولايات المتحدة، انه مجرد رجل اعمال يزوِّد ما يطلبه المستهلِك بحسب القانون — قانون العرض والطلب. وقال محامٍ لأكبر اتحاد للياكوزا في اليابان: «لا يمكنكم الانكار ان هنالك طلبا شديدا على اعمال [الجنس، المخدِّرات، والمقامرة].» وهذا الطلب يعزِّز الجريمة المنظمة. ومع ان لا احد يريد ان يكون ضحية للجريمة، فقد يلتفت البعض الى منظمات الاجرام ويستفيدون من خدماتها.
خذوا، مثلا، خطط اخذ المال مقابل عدم التعدِّي التي يستخدمها اعضاء العصابات في بلدان كثيرة كمصدر للدخل. فمع انها تستهدف احيانا اصحاب المحلات المستقيمين، فهي تنقضّ عادة على الذين يديرون اعمالا مشبوهة. قال صاحب احد الكازينوات في شينجوكو، طوكيو، وهو يدير عمله وراء ستار دار للألعاب الڤيديوية: «طُعن موظَّف مكتبي بسكين، وسُلب ٢ مليون [ين (٠٠٠,٢٠ دولار اميركي)]. لكننا لم نتصل بالشرطة.» ولِمَ لا؟ «بما اننا ننهمك في عمل غير شرعي (المقامرة)، لا نريد ان نتورط في ايّ شيء مع الشرطة. وعندما يثير زبون الشغب في محلِّنا، نستدعي الياكوزا.» يدفع صاحب هذا الكازينو ٠٠٠,٤ دولار اميركي شهريا للياكوزا، وهذا اجر ضئيل بالمقارنة مع الربح البالغ ٠٠٠,٣٠٠ دولار اميركي الذي يجنيه من عمله غير الشرعي في المدة نفسها. ومن اين يأتي هذا المال؟ من جيوب الذين يتمتعون بالمقامرة غير الشرعية.
يصح الامر نفسه في الاعمال المحترَمة التي تريد تجنُّب المشاكل. قدَّر رسميّ في نيويورك ان متعهِّد طلاء يكسب ١٥ مليون دولار اميركي في السنة وفَّر ٨,٣ ملايين دولار اميركي برشْو اعضاء عصابة. وهذا مكَّن المتعهِّد من استخدام عمَّال بأجر زهيد وتجنُّب النزاع مع نقابة العمال التي تسيطر عليها العصابة. وأثناء فترة من الازدهار الاقتصادي في اليابان، وظَّف المموِّلون اموالهم في العقارات وهدموا البيوت والمتاجر القديمة لفتح الطريق امام الابنية الفخمة. وعندما كان السكان يمتنعون عن الرحيل او يبيعون ارضهم، كان المستثمرون يستدعون من اجل طردهم الجيياڠييا، وهي في الاغلب شركات ذات علاقة بالياكوزا.
وخلال الثمانينات، عندما رأت الياكوزا كم من السهل اقتراض المال وكسبه، اسست شركات وانكبَّت على المضاربة في سوق العقارات والاسهم المالية. فاستثمرت المصارف والمؤسسات المالية الكثير من المال في هذه الشركات، مصمِّمة كما يتضح على جني الارباح. ولكن عندما مرّ الازدهار الاقتصادي بنكسة، وجدت المصارف انه من الصعب جدا ان تستعيد مالها. وإذ تحدث رسميّ سابق في الشرطة عن الركود الاقتصادي الذي طال امده في اليابان، قال لمجلة نيوزويك (بالانكليزية): «ان السبب الحقيقي لعدم امكانية حلّ مشاكل القروض غير القابلة للتحصيل بسرعة هو ان قسما مهما منها له علاقة بالجريمة المنظمة.»
وفي الواقع، تتأصل الجريمة المنظمة وتزدهر حيث يتوق الناس الى ارضاء شهواتهم، مهما كانت الوسائل. فالتوق الشديد الى المتعة، الجنس، والمال يزوِّد تربة خصبة لترويج المخدِّرات، البغاء، المقامرة، والإقراض بربًا باهظة. والانهماك في اعمال كهذه يعني عادةً اعالة العصابة وإغناءها. فكم هو صحيح ان الجريمة المنظمة تقدِّم ما يرضي مطالب اولئك العازمين على اشباع رغباتهم الشهوانية!
نظام عائلي زائف
بالاضافة الى الطلب على العمليات غير المشروعة، هنالك حاجة اخرى اليوم تزدهر بسببها الجريمة المنظمة. فقد اصرَّ الرئيس الراحل لأحد اكبر اتحادات الياكوزا في اليابان انه كان يستقبل مطارَدي العدالة ويعتني بهم مجنِّبا اياهم بذلك ان يصيروا اردياء. وادَّعى انه اب لأعضاء العصابة. ومعظم اتحادات الاجرام، بصرف النظر عن قوميتها، تبني منظماتها على اساس علاقات عائلية زائفة كهذه.
خذوا على سبيل المثال شي صَن،a المتحدِّر من اسرة فقيرة في هونڠ كونڠ. فقد كان ابوه يضربه دائما بعنف لأسباب تافهة. فصار الحدث شي صَن متمرِّدا وانضم اخيرا الى الثواليث المشهورة وهو بعمر ١٢ سنة. وفي المنظمة الاجرامية، وجد المكان الذي شعر بأنه «ينتمي اليه.» وبسبب شجاعته في القتال المسلَّح، جرت ترقيته الى مركز حيث يعمل تحت اشرافه عدة رجال. وأخيرا، أُرسل الى السجن بعمر ١٧ سنة فقط.
يلتفت كثيرون مثل شي صَن الى المنظمات الاجرامية ليجدوا الرباط العائلي الذي كان مفقودا في بيتهم. ويدَّعي الاعضاء انهم يُمنحون العناية، ولكن غالبا ما يخيب امل الاصغر سنا عندما يجدون ان كل عضو يهتم بنفسه في المقام الاول.
ملاك نور
عندما أُشير الى الاتحاد الاجرامي الاكبر في اليابان كفريق عنيف بموجب قانون جديد ضد العصابات صدر سنة ١٩٩٢، زعم احد قادته ان الفريق يعتبر نفسه «شهما،» اذ يحارب الشر. وعندما ضرب الزلزال الرهيب كوبي سنة ١٩٩٥، وزَّعت العصابة نفسها الطعام والماء والسلع الضرورية الاخرى على جيرانها. «ان مثل هذا السخاء،» كما اخبرت اساهي ايڤننڠ نيوز (بالانكليزية)، «من شأنه ان يعزِّز الصورة التي طالما كانت للياكوزا في اليابان بصفتهم مطارَدي العدالة الجديرين بالاحترام.»
غالبا ما يحاول رؤساء الاتحادات الاجرامية الحفاظ على مظهر المُحسِنين. فپابلو إسكوبار، الرئيس المشهور لكارتِل ميديلين للمخدِّرات في كولومبيا، كان بالنسبة الى سكان الاحياء الفقيرة في مدينته «شخصية اسطورية — من بعض الاوجه كالمسيّا، من بعض الاوجه كروبن هود، ومن بعض الاوجه كعرَّاب بالمعنى الاقطاعي تقريبا للـ پاترون، الرئيس،» كما كتبت آنا كاريڠن في نيوزويك (بالانكليزية). فقد بنى حلبات التزلُّج للاولاد وبيوتا لائقة للفقراء، ووظَّف اولاد الشوارع. لقد كان بطلا في نظر المستفيدين من سخائه.
لكنَّ المجرمين الذين يختبئون كما يظهر آمنين وراء ستار اتحاداتهم هم مجرد دُمى تحرِّكها يدا مجرم كوني بارع. ويكشف الكتاب المقدس مَن هو هذا المجرم. «الشيطان نفسه يغيِّر شكله الى شبه ملاك نور. فليس عظيما إن كان خدامه ايضا يغيِّرون شكلهم كخدام للبر. الذين نهايتهم تكون حسب اعمالهم.» (٢ كورنثوس ١١:١٤، ١٥) واليوم، لا يؤمن معظم الناس بأن الشيطان شخص حقيقي. قال شاعر فرنسي للقرن الـ ١٩: «ان ابرع حيلة لإبليس هي اقناعكم بأنه غير موجود.» فهو يختبئ بعيدا عن الانظار ويدير ما يجري، ليس فقط في الاتحادات الاجرامية بل في كل انحاء العالم. يوضح الكتاب المقدس: «العالم كله قد وضع في الشرير.» ووصف يسوع الشيطان بأنه: «كان قتالا للناس من البدء . . . كذَّاب وأبو الكذَّاب.» — ١ يوحنا ٥:١٩؛ يوحنا ٨:٤٤.
تكشف نبوات الكتاب المقدس ان الشيطان ابليس ناشط بشكل خصوصي منذ السنة ١٩١٤. فمن تلك السنة فصاعدا، يجمع حشوده في حرب شاملة ضد شعب اللّٰه. وهو يُغرِق الجنس البشري في دوَّامة من التشويش. انه السبب الرئيسي لازدهار الجريمة ومنظمات الاجرام اليوم. — رؤيا ١٢:٩-١٢.
فهل سيجري القضاء يوما ما على العقل المدبِّر وراء منظمات الاجرام في الارض؟ هل سيتمتع الجنس البشري يوما ما بالسلام والنظام؟ وهل يمكنكم انتم ان تتحرَّروا من الامبراطورية الشريرة التي بناها الشيطان على الارض اليوم؟
[الحاشية]
a بعض الاسماء جرى تغييرها من اجل سلامة ذوي العلاقة.
[الاطار في الصفحة ٧]
كيف تحمون عائلتكم
ان انعدام الجو العائلي الدافئ والمنسجم يمكن ان يجعل الاحداث فريسة سهلة للاتحادات الاجرامية. ففي الولايات المتحدة يذكر تقرير ان الغالبية العظمى من الاولاد الذين يتورطون في جرائم القتل التي تكون وراءها العصابات هم إما من عائلات وضعها سيِّئ او من عائلات محطَّمة. يقول رسميّ في مركز للاعتقال في كارولينا الشمالية: «لأنهم محرومون، يتأثرون بسهولة بالرباط القوي بين الرئيس وأنصاره وبالشعور بالانسجام كعضو في منظمة، الامر الذي يختبرونه لأول مرة في حياتهم.»
وعلى نحو مماثل، يقول حدث من الياكوزا في الشرق مستعدّ ان يكون درعا حيًّا لرئيسه: «في البيت كنت وحيدا كل الوقت. ومع اننا كنا عائلة، لم اشعر قط بأننا نستطيع ان نتكلم من القلب الى القلب. . . . لكنني الآن استطيع ان اتكلم من القلب الى القلب مع اعضاء العصابة.» فالاحداث الذين يعانون الوحدة يشعرون بأنهم مدينون لأعضاء المنظمة الاجرامية الذين يُدخلونهم في نظام شبيه بأسرة.
تقول قائدة فريق من الفتيات اللواتي يركبن الدراجات النارية في اوكيناوا: «ان افراد الياكوزا يهتمون اهتماما شديدا بالآخرين. ربما يستعملون ذلك كحيلة؛ ولكن، بما اننا لم نُعامَل قط بلطف، فإن اهتمامهم يؤثر فينا.» ويؤكد مدير احدى المؤسسات للفتيات الجانحات ان اعضاء العصابات «بارعون حقا في اسر قلوب الفتيات.» فعندما تتصل بهم الفتيات اللواتي يعانين الوحدة في منتصف الليل، يسرع اعضاء العصابة اليهنَّ ويصغون الى ما لديهنَّ ليقلنه، دون ان يقدِّموا اية عروض جنسية.
ويستمر موقف اهتمامهم حتى يأسروا كاملا الاولاد الذين ينقضّون عليهم. وحالما يقع الاحداث في الفخّ، يجري استغلالهم — الفتيات في حلقات البغاء والصبيان في الاجرام.
كيف يمكن ان تحموا الذين تحبونهم؟
ينصح الكتاب المقدس: «ايها الآباء لا تغيظوا اولادكم لئلا يفشلوا.» (كولوسي ٣:٢١) وهذا ليس تشجيعا للآباء ان يكونوا متساهلين. يقول مثل في الكتاب المقدس: «الصبي المُطلَق الى هواه يُخجل امه.» (امثال ٢٩:١٥) وبالاحرى، يشجع الكتاب المقدس الآباء — والامهات ايضا — ان يكونوا متعقلين في التعامل مع اولادهم، ان يصغوا اليهم، وأن يكون هنالك خط اتصال مفتوح معهم. وعندئذ سيندفع الاولاد الى ائتمان والديهم عندما يجدون انفسهم في محنة.
بالاضافة الى محافظة الوالدين على خط اتصال مفتوح مع اولادهم، يلزم ان يرسموا لهم مقاييس في الحياة. وأين يمكن ان يجد الاب خطوطا ارشادية كهذه؟ يقول الكتاب المقدس: «ايها الآباء لا تغيظوا اولادكم بل ربوهم بتأديب الرب وإنذاره.» (افسس ٦:٤) خصِّصوا وقتا للتأمل في الكتاب المقدس مع اولادكم بواسطة جلسات من الدرس العائلي في الكتاب المقدس. واغرسوا في قلوبهم خوفا سليما من يهوه لكي يتَّبعوا دائما ارشاده لمنفعتهم. — اشعياء ٤٨:١٧.
-
-
عالم بدون جريمة — كيف؟استيقظ! ١٩٩٧ | آذار (مارس) ٨
-
-
عالم بدون جريمة — كيف؟
تُشنّ الحرب على الجريمة المنظمة في كل العالم. اعلنت مجلة اخبار الولايات المتحدة والتقرير العالمي (بالانكليزية): «أُحرز تقدُّم ملحوظ ضد المافيا في وقت قصير جدا، وهذا ناتج الى حد بعيد عن قانون واحد، قانون المنظمات الفاسدة والواقعة تحت نفوذ المبتزِّين Racketeer Influenced and Corrupt (RICO) Organizations Act.» فهو يسمح بإدانة منظمات الاجرام على اساس نمط من النشاط الابتزازي، لا مجرد اعمال فردية. وهذا، بالاضافة الى معلومات جرى الحصول عليها عن طريق التجسُّس السلكي ومن اعضاء العصابات الذين يشون لتُخفَّف عقوبتهم، لعب دورا في نجاح المعركة ضد المافيا في الولايات المتحدة.
وفي ايطاليا ايضا، تقاوم السلطات العصابات بشدة. فقد أُرسلت وحدات الجيش الى مناطق مثل صقلية، سردينيا، وكالَبْريا، حيث الجريمة المنظمة قوية، لتقوم بدوريات في المباني العامة والمناطق المهمة لمنع هجوم عناصر الاجرام. وتعتبر الحكومة ذلك مشابها لحرب اهلية. وبوجود رؤساء مشهورين للاتحادات الاجرامية في السجن وبمقاضاة رئيس وزراء سابق بتهمة ارتباطاته المزعومة بالمافيا، تشهد ايطاليا بعض النتائج.
وفي اليابان ضيَّقت الحكومة الخناق على الياكوزا عندما وضعت موضع التنفيذ القانون المضاد للجريمة المنظمة في ١ آذار ١٩٩٢. وبموجب هذا القانون، عندما يُحدَّد ان منظمة يديرها اعضاء عصابة هي منظمة اجرامية، يُحظَّر عليها ١١ عملا من اعمال الاكراه بالعنف، بما في ذلك طلب المال لكتمان سرّ ما، الاشتراك في خطط اخذ المال مقابل عدم التعدّي، والتوسُّط لحلّ النزاعات لقاء اجر. وبتنفيذ هذا القانون، تهدف الحكومة الى ايقاف كل مصادر دخل العصابات. وقد سدَّد القانون ضربة شديدة الى المنظمات الاجرامية. فانحلَّت بعض الفِرَق، وانتحر رئيس احدى العصابات — بسبب التنفيذ الصارم للقانون كما يظهر.
في الواقع، تشنّ الحكومات ووكالات تنفيذ القانون حربا شديدة على الجريمة المنظمة. ومع ذلك، قالت صحيفة ماينيتشي دايلي نيوز (بالانكليزية) عندما كانت تخبر عن مؤتمر عُقد سنة ١٩٩٤ للقضاة ورسميّي الشرطة من حول العالم: «تصير الجريمة المنظمة اقوى وأغنى في كل جزء من العالم تقريبا، اذ تجمع ما قدره تريليون دولار اميركي في السنة كدخل.» ومن المؤسف ان الجهود البشرية لاستئصال الاتحادات الاجرامية من وجه الارض محدودة. وأحد الاسباب هو ان اجراء العدل في حالات كثيرة ليس سريعا وأكيدا. فبالنسبة الى اشخاص كثيرين يبدو غالبا ان القوانين تُحرَّف لتلائم المجرم لا الضحية. ذكر الكتاب المقدس قبل نحو ٠٠٠,٣ سنة: «لأن القضاء على العمل الرديء لا يُجرى سريعا فلذلك قد امتلأ قلب بني البشر فيهم لفعل الشر.» — جامعة ٨:١١.
الخروج من المنظمات الاجرامية
بالاضافة الى اتِّخاذ اجراءات صارمة ضد الجريمة المنظمة من الخارج، تحاول الحكومات ان تساعد اولئك الذين في الداخل على الخروج من الاتحادات الاجرامية. وخطوة كهذه ليست سهلة. فبحسب قول قديم، «الطريقة الوحيدة لترك المافيا هي في النعش.» ولكي يهجر عضو منظمة للياكوزا، يُطلب منه إما ان يدفع مبلغا كبيرا من المال او ان تُقطع اصبعه الصغيرة او جزء منها. وما يزيد الخوف من انهاء الروابط بعالم المجرمين هو ان العضو السابق في العصابة عليه ان يواجه واقع العيش حياة مستقيمة. فطلبات العمل التي يقدِّمها غالبا ما تُرفض. ولكن، هنالك في بعض البلدان خطوط هاتفية مباشرة للاتصال بالشرطة كي تساعد اعضاء العصابة الذي يحاولون التحرُّر ويجدون صعوبة في العثور على عمل محترَم.
ولمواجهة ضغوط اسرة العصابة وتحامل المجتمع، يحتاج العضو في عصابة الى دافع قوي ليبدأ حياة مستقيمة. فماذا يمكن ان يدفعه؟ يمكن ان يكون الدافع حبه لعائلته، الشوق الى حياة سلمية، او الرغبة في فعل ما هو صواب. لكنَّ الدافع الاقوى توضِّحه جيدا قصة ياسوُو كاتاووكا في المقالة التالية.
ياسوُو كاتاووكا هو نموذج من مئات غيَّروا حياتهم كاملا. فالصفات الوحشية التي اعربوا عنها سابقا استُبدلت بالانسان الجديد «المخلوق بحسب اللّٰه في البر وقداسة الحق.» (افسس ٤:٢٤) والاشخاص الذين كانوا كالذئاب يسكنون الآن بسلام بين اشخاص ودعاء مشبَّهين بالخراف، حتى انهم يساعدون الآخرين! — اشعياء ١١:٦.
تحرَّروا من روح العالم
كما ذُكر في المقالة السابقة، ليس فقط كل الاتحادات الاجرامية واقعة تحت سيطرة الشيطان ابليس غير المنظورة بل العالم بأسره. ولا يدرك الناس ذلك، لكنَّ الشيطان نظَّم العالم ليخدم اهدافه الاجرامية. فكما تزوِّد الاتحادات الاجرامية الثروة وأنظمة اسرة مزيَّفة، يقوم هو بدور السيد المُحسِن بتزويده الناس بالثروة، الملذات، والشعور بالانسجام. ورغم انكم ربما لا تدركون ذلك، فقد تكونون مخدوعين بخططه الشريرة. (رومية ١:٢٨-٣٢) يخبرنا الكتاب المقدس ان «محبة [«صداقة،» عج] العالم عداوة للّٰه.» (يعقوب ٤:٤) فالصداقة الحميمة مع هذا العالم الذي هو تحت نفوذ الشيطان ليست آمنة. وخالق الكون لديه جيش من الملائكة تحت امرة يسوع المسيح مستعدّ لالقاء القبض على الشيطان وأبالسته من اجل تطهير العالم من تأثيرهم الشرير. — رؤيا ١١:١٨؛ ١٦:١٤، ١٦؛ ٢٠:١-٣.
فكيف يمكنكم ان تخرجوا من تحت تأثير عالم الشيطان؟ ليس بالعيش حياة ناسك بل بالتحرُّر من مواقف وأنماط التفكير التي تسود العالم اليوم. ولفعل ذلك، يجب ان تحاربوا خطة الشيطان لإخافتكم وتقاوموا الاغراءات التي يقدِّمها ليبقي الناس في قبضته. (افسس ٦:١١، ١٢) وسيشمل ذلك التضحيات، ولكن يمكنكم ان تتحرَّروا كما تحرَّر آخرون اذا كنتم مصمِّمين وإذا استفدتم من المساعدة التي يقدِّمها شهود يهوه.
وماذا سيلي تطهير اللّٰه هذا العالم المشوَّش من الجريمة؟ يقول الكتاب المقدس: «اما نسل الاشرار فينقطع.» ويتابع: «الصديقون يرثون الارض ويسكنونها الى الابد.» (مزمور ٣٧:٢٨، ٢٩) عندئذ، لن يكون هنالك سبب للارتعاد ممَّن كانت لديهم صفات وحشية، لأنهم سيكونون قد تغيَّروا ‹بمعرفة يهوه،› التي ستملأ الارض. — اشعياء ١١:٩، عج؛ حزقيال ٣٤:٢٨.
واليوم صار تغيير كهذا واقعا، كما تُظهر قصة الحياة التالية لعضو سابق من الياكوزا في اليابان.
-
-
التحرر من الجريمة المنظمة — «كنت من الياكوزا»استيقظ! ١٩٩٧ | آذار (مارس) ٨
-
-
التحرر من الجريمة المنظمة — «كنت من الياكوزا»
«ابي، أتعدني ان نذهب الى الاجتماعات معا عندما تعود الى البيت؟» تسلَّمت هذه الرسالة من ابنتي الصغرى فيما كنت في السجن للمرة الثالثة. فقد كانت تحضر قانونيا اجتماعات شهود يهوه مع زوجتي. وبما ان الرسائل من عائلتي كانت مصدر تعزيتي الوحيد، وعدتها انني سألبي طلبها.
فكَّرت في نفسي: ‹لماذا احيا حياة اجرام تبعدني عن عائلتي؟› وتذكَّرت الايام التي كنت فيها صغيرا جدا. فقد مات ابي عندما كان عمري ١٨ شهرا فقط، لذلك لا اتذكَّر حتى وجهه. وتزوجت امي مرتين بعد ذلك. وقد اثَّرت هذه الظروف العائلية فيّ تأثيرا شديدا، فابتدأت اعاشر المجرمين في المدرسة الثانوية. وصرت عنيفا وغالبا ما تورَّطت في مشاجرات خارج المدرسة. وفي سنتي الثانية في المدرسة الثانوية، نظَّمت فريقا من التلاميذ بهدف مقاتلة فريق آخر. ونتيجة لذلك، أُلقي القبض عليّ وأُرسلت الى اصلاحية مدة قصيرة.
كنت ككرة تنحدر بسرعة نحو حياة ملآنة عنفا. فسرعان ما شكَّلتُ عصابة من الجانحين وصرنا نقضي الوقت في مكتب احدى فرق الياكوزا. وعندما بلغت الـ ١٨ من العمر، صرت عضوا مستوفيا الشروط في ذلك الفريق. وفي الـ ٢٠ من العمر، أُلقي القبض عليّ بسبب اعمال عنف متنوِّعة وحُكم عليّ بالسجن ثلاث سنوات. فقضيت اولا عقوبة في سجن نارا للاحداث، لكنَّ سلوكي لم يتحسن. لذلك أُرسلت الى سجن آخر، سجن للراشدين. لكنَّ سلوكي ساء اكثر وانتهى بي الامر اخيرا الى سجن للمجرمين المتصلِّبين في كيوتو.
وسألت نفسي: ‹لماذا استمر في ارتكاب جرائم كهذه؟› عندما ارجع بالذاكرة الى الوراء، ادرك ان ذلك كان بسبب تفكيري الطائش. ففي ذلك الوقت كنت اعتقد ان تصرفا كهذا هو برهان على رجوليتي. وعندما أُطلق سراحي من السجن بعمر ٢٥ سنة، نظر اليّ رفقائي في العصابة نظرة احترام وكأنني شخص مهم. وكانت الطريق مفتوحة الآن امامي لارتقاء سُلَّم العالم الاجرامي.
ردود فعل عائلتي
تزوجت في ذلك الوقت تقريبا، وسرعان ما صارت لدينا زوجتي وأنا ابنتان. إلَّا ان حياتي لم تتغير. وكنت اقضي وقتي بين البيت والشرطة — فكنت اعتدي على الناس بالضرب وأبتز المال. كانت كل حادثة تساعدني على ربح احترام رفقائي الاعضاء في العصابة وثقة رئيس العصابة. وأخيرا، تولى «اخي» الاكبر في الياكوزا رئاسة العصابة. وابتهجت عندما صرت في المرتبة الثانية.
وفكَّرت في نفسي: ‹كيف تشعر زوجتي وابنتاي بشأن نمط حياتي؟› لا بد انهن كن يشعرن بالاحراج لأن الزوج والاب في العائلة هو مجرم. وسُجنت ثانية بعمر ٣٠ سنة ثم ايضا بعمر ٣٢ سنة. وهذه المرة كانت مدة الثلاث سنوات في السجن قاسية حقا بالنسبة اليّ. فلم يُسمح لابنتيَّ بالمجيء لزيارتي. واشتقت ان اتحدث اليهما وأعانقهما.
نحو بداية عقوبتي الاخيرة في السجن، ابتدأت زوجتي بدرس الكتاب المقدس مع شهود يهوه. ويوما بعد آخر كانت تكتب لي عن الحق الذي تتعلَّمه. فتساءلت: ‹ما هو هذا الحق الذي تتحدث عنه زوجتي؟› قرأتُ الكتاب المقدس بكامله وأنا في السجن. وتأملت في ما تقوله زوجتي في رسائلها عن رجاء للمستقبل وعن قصد اللّٰه.
كان الرجاء بعيش البشر الى الابد في الفردوس على الارض جذابا لأن الموت كان يخيفني حقا. فكنت افكِّر دوما، ‹اذا متَّ، فأنت الخاسر.› وعندما اتأمل في الامر، ادرك ان الخوف من الموت هو ما كان يدفعني الى ايذاء الآخرين قبل ان يؤذوني. وجعلتني ايضا رسائل زوجتي ارى بُطل هدفي ان ارتقي سُلَّم عالم العصابات.
ومع ذلك لم اندفع الى درس الحق. انتذرت زوجتي ليهوه وصارت واحدة من شهوده المعتمدين. ومع انني وافقت في رسالتي ان اذهب الى اجتماعات شهود يهوه، لم اكن افكِّر ان اصير واحدا منهم. وشعرت كما لو ان زوجتي وابنتيَّ قد ابتعدن عني بعيدا وتركنني وراءهن.
الخروج من السجن
اتى اخيرا يوم استرجاع حريتي. وعند بوابة سجن ناڠويا، كان كثيرون من اعضاء عصابتنا مصطفين ليرحبوا بي. ولكن، بين الحشد الكبير من الناس، كنت ابحث فقط عن زوجتي وابنتيَّ. وعندما رأيت ابنتيَّ، اللتين كبرتا كثيرا خلال ثلاث سنوات وستة اشهر، شعرت بالرغبة في البكاء.
بعد يومين من ذهابي الى البيت، وفيت بوعدي لابنتي الصغرى وحضرت اجتماعا لشهود يهوه. وتعجبت من رؤية الموقف المرح لجميع الحاضرين. فقد رحَّب بي الشهود بحرارة، لكنني شعرت بأنني لا انتمي الى هذا المكان. وتحيَّرت عندما علمت لاحقا ان الذين رحَّبوا بي يعرفون خلفيتي الاجرامية. إلَّا انني شعرت بدفئهم، وجذبني الخطاب المؤسس على الكتاب المقدس الذي أُلقي. وكان يتحدث عن عيش الناس الى الابد في الفردوس على الارض.
ان فكرة نجاة زوجتي وابنتيَّ الى الفردوس وهلاكي انا آلمتني كثيرا. فتأملت جديا في ما يلزم ان افعله لأحيا الى الابد مع عائلتي. وابتدأت افكِّر في التحرر من العيش كعضو في عصابة، ورحت ادرس الكتاب المقدس.
التحرر من حياتي الاجرامية
توقفت عن حضور اجتماعات العصابات وعن معاشرة الياكوزا. ولم يكن سهلا ان اغيِّر طريقة تفكيري. فكنت اجول في سيارة مستورَدة كبيرة لمجرَّد المتعة — ارضاءً لغروري. وقد لزمتني ثلاث سنوات لأغيِّر سيارتي الى طراز عادي. وكنت اميل ايضا الى البحث عن الحلول السهلة. إلا انني فيما كنت اتعلَّم الحق، عرفت انه يلزم ان اتغيَّر. ولكن كما تقول ارميا ١٧:٩، «القلب اخدع من كل شيء وهو نجيس.» فكنت اعرف المسلك الصائب ولكنني كنت اجد صعوبة في تطبيق ما اتعلَّمه. وبدت المشاكل التي اواجهها كجبل عظيم. فصرت مضطربا، وفكَّرت مرارا عديدة في التوقف عن الدرس والتخلي عن فكرة الصيرورة واحدا من شهود يهوه.
ثم دعا مدير درسي في الكتاب المقدس احد النظار الجائلين، وخلفيته مماثلة لخلفيتي، ليلقي خطابا عاما في جماعتنا. وقد اتى من أكيتا، على بُعد ٤٠٠ ميل، الى سوزوكا ليشجعني. وبعد ذلك، كلما شعرت بالكلل وفكَّرت في الاستسلام، تسلَّمت رسالة منه يسألني فيها هل اسلك بثبات في طريق الرب.
ظللت اصلّي الى يهوه ليساعدني على التحرر من كل ما يربطني بالياكوزا. وكنت واثقا ان يهوه سيستجيب صلاتي. وفي نيسان ١٩٨٧، تمكَّنت اخيرا من الانسحاب من منظمة الياكوزا. وبما ان عملي كان يجبرني على السفر كل شهر بعيدا عن عائلتي، غيَّرت عملي لأعمل كبوّاب. وهذا ما جعل فترات بعد الظهر خالية للنشاطات الروحية. وللمرة الاولى، تسلَّمت راتبا في ظرف. وكان خفيفا، لكنه اسعدني كثيرا.
عندما كنت في المرتبة الثانية في احدى منظمات الياكوزا، كنت في سعة مادية، أما الآن فأتمتع بغنى روحي لا يضمحل. فأنا اعرف يهوه، اعرف مقاصده، لديّ مبادئ اعيش بموجبها، ولديّ اصدقاء حقيقيون يهتمون بأمري. ففي مجتمع الياكوزا، كان اعضاء العصابة يهتمون ظاهريا، ولكنني لا اعرف حتى واحدا من الياكوزا يضحي بنفسه من اجل الآخرين.
في آب ١٩٨٨، رمزت الى انتذاري ليهوه بمعمودية الماء، وفي الشهر التالي، ابتدأت اقضي على الاقل ٦٠ ساعة في الشهر وأنا اخبر الآخرين عن البشارة التي غيَّرت حياتي. انا اخدم كامل الوقت منذ آذار ١٩٨٩ وقد مُنحت الآن امتياز الخدمة كخادم مساعد في الجماعة.
تمكَّنت من التخلص من معظم آثار حياتي مع الياكوزا. ولكن هنالك اثر لا يزال باقيا. وهو الوشم على جسمي الذي يذكِّرني، كما يذكِّر عائلتي والآخرين، بماضيّ كواحد من الياكوزا. فقد رجعتْ ذات مرة ابنتي الكبرى من المدرسة وهي تبكي، قائلة انها لن تذهب الى المدرسة في ما بعد لأن اصدقاءها قالوا لها انني من الياكوزا وإنني احمل وشما يدل على ذلك. تمكَّنت من مناقشة المسألة بعمق مع ابنتيَّ، وصارتا تفهمان الوضع. وأنا اتطلع الى اليوم الذي ستصير فيه الارض فردوسا ويصير لحمي «اغض من لحم الصبي.» وحينئذ يصير الوشم على جسمي وذكريات ٢٠ سنة من الحياة مع الياكوزا امورا من الماضي. (ايوب ٣٣:٢٥؛ رؤيا ٢١:٤) — كما رواها ياسوُو كاتاووكا.
-