-
الجزء ١٥: ١٠٩٥-١٤٥٣ بم — اللجوء الى السيفاستيقظ! ١٩٨٩ | تشرين الاول (اكتوبر) ٨
-
-
بحد السيف
في سنة ١٠٩٥ ناشد البابا اوربان الثاني الكاثوليك الاوروبيين ان يشهروا السيف الحرفي. فكان يلزم نزع الاسلام من الاراضي المقدسة في الشرق الاوسط التي ادَّعى العالم المسيحي ان له حقوقا حصرية فيها.
وفكرة حرب «عادلة» لم تكن جديدة. مثلا، كانت قد جرت الدعوة اليها في قتال المسلمين في اسبانيا وصقلية. وقبل عشر سنوات على الاقل من مناشدة اوربان، يقول كارلفريد فروهليش من معهد پرنستون اللاهوتي، كان البابا غريغوريوس السابع قد «تخيَّل ميليشيا مسيحية لقتال كل اعداء اللّٰه وفكَّر آنذاك في ارسال جيش الى الشرق.»
وعَمَل اوربان كان جزئيا استجابة لاستغاثة الامبراطور البيزنطي الكسيوس. ولكن بما ان العلاقات بين الجزءين الشرقي والغربي من العالم المسيحي بدت في تحسن ربما اندفع البابا ايضا بالامكانية التي يقدمها ذلك لاعادة توحيد الكنيستين الشقيقتين المتنازعتين. وعلى ايّ حال، دعا الى عقد مجمع كليرمون، الذي اعلن ان اولئك الراغبين في الانهماك في هذه المهمة «المقدسة» سيُمنحون غفرانا كاملا (الصفح عن كل عقوبة للخطية). والاستجابة كانت ايجابية على نحو غير متوقع. و «Deus volt» («هذه ارادة اللّٰه») صارت صرخة جمع الشمل في الشرق والغرب.
وبدأت سلسلة من الحملات العسكرية استغرقت الجزء الاعظم من قرنين. (انظروا الاطار في الصفحة ٢٢.) وفي البداية ظن المسلمون ان المقتحمين هم بيزنطيون. ولكن بعد ادراك اصلهم الحقيقي دعوهم فرنجة، الشعب الجرماني الذي اخذت فرنسا اسمها منهم لاحقا. ولمواجهة تحدي هؤلاء «البرابرة» الاوروبيين عظمت المشاعر بين المسلمين من اجل الجهاد، الحرب المقدسة.
ويوضح الاستاذ البريطاني دزموند سْتُووارت: «لكل عالِم او تاجر غرس بزور الحضارة الاسلامية بالقدوة والمثال هنالك جندي كان الاسلام بالنسبة اليه دعوة الى القتال.» وبحلول النصف الثاني للقرن الـ ١٢ كان القائد المسلم نور الدين قد بنى قوة عسكرية فعَّالة بتوحيد المسلمين في شمالي سوريا وأعالي ما بين النهرين. وهكذا «كما شهر مسيحيو القرون الوسطى السلاح لترويج دين المسيح،» يتابع سْتُووارت، «شهر المسلمون السلاح لترويج دين النبي.»
وطبعا، ان ترويج مصالح الدين لم يكن دائما القوة المحرِّكة. وكتاب ولادة اوروبا يذكر انه بالنسبة الى اغلب الاوروبيين فإن الحروب الصليبية «قدمت فرصة لا تقاوَم لكسب الشهرة، او جمع الغنيمة، او نيل املاك جديدة، او حكم بلدان بكاملها — او مجرد الهرب من الملل بالمغامرة المجيدة.» ورأى التجار الايطاليون ايضا فرصة لتأسيس ثغور تجارية في بلاد شرقي البحر الابيض المتوسط. ولكن بصرف النظر عن الدافع كان الجميع كما يظهر على استعداد للموت في سبيل دينهم — سواء كان ذلك في حرب «عادلة» للعالم المسيحي او جهاد اسلامي.
السيف يجلب نتائج غير متوقَّعة
«مع ان الحروب الصليبية كانت موجَّهة ضد المسلمين في الشرق،» تقول دائرة معارف الدين، «فإن غيرة الصليبيين مورست ضد اليهود الذين عاشوا في البلاد التي تجنَّد منها الصليبيون، اي في اوروبا. وكان الحافز الشائع بين الصليبيين الانتقام لموت يسوع، وصار اليهود الضحايا الاوائل. ووقع اضطهاد اليهود في رُووَان في سنة ١٠٩٦، وتبعته بسرعة المذابح في وورمز، ماينتس، وكولون.» ولم يكن ذلك سوى سابقة للروح المعادية للساميّة في ايام المحرقة لالمانيا النازية.
وزادت الحروب الصليبية ايضا توتر الشرق-الغرب الذي كان ينمو منذ سنة ١٠٥٤ عندما حرم بطريرك الشرق ميخائيل كرولاريوس وكردينال الغرب هومبيرت احدهما الآخر على نحو متبادل. وعندما استبدل الصليبيون الكهنة اليونانيين بأساقفة لاتينيين في المدن التي استولوا عليها صار انشقاق الشرق-الغرب يمس عامة القوم.
وصار الانقسام بين الكنيستين كاملا خلال الحرب الصليبية الرابعة عندما قام البابا اينوسَنْت الثالث، استنادا الى كاهن كانتربري الانكليكاني السابق هربرت ودّامس، بِـ «لعبة مزدوجة.» فمن ناحية كان البابا غضبانا بخصوص نهب القسطنطينية. (انظروا الاطار في الصفحة ٢٢.) وكتب: «كيف يمكن التوقع من كنيسة اليونانيين ان تعود الى الاخلاص للكرسي الرسولي عندما ترى اللاتينيين يرسمون مثال الشر ويقومون بعمل ابليس بحيث صار اليونانيون، ولسبب وجيه، يبغضونهم اردأ من الكلاب.» ومن ناحية اخرى، انتهز فورا فرصة الوضع بتأسيس مملكة لاتينية هناك في ظل بطريرك غربي.
وبعد قرنين من القتال المستمر تقريبا كانت الامبراطورية البيزنطية ضعيفة جدا بحيث عجزت عن مقاومة هجمات الاتراك العثمانيين الذين استولوا اخيرا، في ٢٩ ايار ١٤٥٣، على القسطنطينية. ولم يشقّ الامبراطورية مجرد سيف اسلامي بل السيف الذي استعملته ايضا ببراعة الكنيسة في روما شقيقة الامبراطورية. والعالم المسيحي المقسَّم اعطى الاسلام اساسا مناسبا لدخول اوروبا.
سيفا السياسة والاضطهاد
قوَّت الحروب الصليبية مركز البابوية للزعامة الدينية والسياسية. و «اعطت البابوات يد السيطرة في الدبلوماسية الاوروبية،» يكتب المؤرخ جون ه. موندي. وقبل مرور وقت طويل «كانت الكنيسة اعظم حكومة في اوروبا . . .، [قادرة] على ممارسة سلطة سياسية اعظم من اية حكومة غربية اخرى.»
-
-
الجزء ١٥: ١٠٩٥-١٤٥٣ بم — اللجوء الى السيفاستيقظ! ١٩٨٩ | تشرين الاول (اكتوبر) ٨
-
-
هل كانت الحروب الصليبية المحاربة الحسنة التي عُلِّم المسيحيون ان يحاربوها؟ — ٢ كورنثوس ١٠:٣، ٤؛ ١ تيموثاوس ١:١٨.
الحملة الصليبية الاولى (١٠٩٦-١٠٩٩) انتجت الاستيلاء ثانية على اورشليم وتأسيس الولايات اللاتينية الاربع في الشرق: مملكة اورشليم، امارة الرها، ولاية انطاكية، وامارة طرابلس. وثمة مرجع يستشهد به المؤرخ ه. ج. وَلْز يقول عن الاستيلاء على اورشليم: «كان الذبح رهيبا؛ وجرى دم المغلوبين في الطرقات، الى ان تلطَّخ الرجال بالدم وهم راكبون. وعند حلول الظلام، ‹اذ كانوا يشهقون من فرط الفرح،› اتى الصليبيون الى الضريح المقدس من دوسهم معصرة الخمر، ووضعوا ايديهم الملوثة بالدم معا في الصلاة.»
والحملة الصليبية الثانية (١١٤٧-١١٤٩) ابتدأت بسبب خسارة امارة الرها ووقوعها بين ايدي المسلمين السوريين في سنة ١١٤٤؛ وانتهت عندما صدَّ المسلمون بنجاح «كفَّار» العالم المسيحي.
والحملة الصليبية الثالثة (١١٨٩-١١٩٢)، التي بوشرت بعدما اخذ المسلمون اورشليم ثانية، كان لها كأحد قادتها ريتشارد الاول، «قلب الاسد،» من انكلترا. وسرعان ما «انحلَّت،» تقول دائرة معارف الدين، «بسبب الإنهاك، الشجار، والنقص في التعاون.»
والحملة الصليبية الرابعة (١٢٠٢-١٢٠٤) حُوِّلت بسبب النقص في الاموال من مصر الى القسطنطينية؛ وقد جرى الوعد بالدعم المادي مقابل المساعدة على تنصيب الكسيوس، بيزنطي منفي يدَّعي الحق في التاج. «ان نهب القسطنطينية [الناتج] من قِبل الصليبيين هو شيء لم ينسه او يغفره الشرق الارثوذكسي قط،» تقول دائرة معارف الدين، مضيفة: «اذا كان لا بد من ذكر تاريخ واحد للتأسيس الثابت للانشقاق فإن الاكثر ملاءمة — على الاقل من وجهة نظر نفسية — هو السنة ١٢٠٤.»
وحملة الاولاد الصليبية (١٢١٢) جلبت الموت لآلاف الاولاد الالمان والفرنسيين قبل ان يصلوا حتى الى وجهتهم.
والحملة الصليبية الخامسة (١٢١٧-١٢٢١)، الاخيرة تحت السيطرة البابوية، فشلت بسبب القيادة الفاسدة وتدخل الكهنة.
والحملة الصليبية السادسة (١٢٢٨-١٢٢٩) قادها الامبراطور فريدريك الثاني من ههنستوفن الذي كان البابا غريغوريوس التاسع قد حرمه سابقا.
والحملتان الصليبيتان السابعة والثامنة (١٢٤٨-١٢٥٤، ١٢٧٠-١٢٧٢) قادهما لويس التاسع الفرنسي ولكنهما انهارتا بعد موته في شمالي افريقيا.
-