مكتبة برج المراقبة الإلكترونية
برج المراقبة
المكتبة الإلكترونية
العربية
  • الكتاب المقدس
  • المطبوعات
  • الاجتماعات
  • الاتضاع في الفصح الاخير
    اعظم انسان عاش على الاطلاق
    • الفصل ١١٣

      الاتضاع في الفصح الاخير

      بطرس ويوحنا،‏ بحسب التعليمات المعطاة من يسوع،‏ وصلا الآن الى اورشليم ليعدّا الفصح.‏ وكما يظهر،‏ يصل يسوع مع الرسل العشرة الآخرين لاحقا بعد الظهر.‏ الشمس تغوص في الافق فيما ينزل يسوع وفريقه من جبل الزيتون.‏ هذا هو المشهد النهاري الاخير للمدينة الذي يراه يسوع من الجبل الى ما بعد قيامته.‏

      سرعان ما يصل يسوع وفريقه الى المدينة ويتقدمون الى البيت الذي سيحتفلون فيه بالفصح.‏ يصعدون في السلَّم الى العلّية الواسعة حيث يجدون كل شيء معدّا لاحتفالهم الخصوصي بالفصح.‏ وكان يسوع يتطلَّع بشوق الى هذه المناسبة اذ يقول:‏ «شهوة اشتهيت ان آكل هذا الفصح معكم قبل ان اتألم.‏»‏

      تقليديا،‏ اربع كؤوس من الخمر يشربها المساهمون في الفصح.‏ وبعد ان يتناول الكأس الثالثة كما يظهر يشكر يسوع ويقول:‏ «خذوا هذه واقتسموها بينكم.‏ لاني اقول لكم اني لا اشرب من نتاج الكرمة حتى يأتي ملكوت اللّٰه.‏»‏

      في وقت ما خلال وجبة الطعام يقوم يسوع،‏ يضع جانبا ثيابه الخارجية،‏ يأخذ منشفة،‏ ويملأ وعاء بالماء.‏ وعادة،‏ يهتم المضيف بأن تُغسل رِجلا الضيف.‏ ولكن،‏ نظرا الى عدم وجود مضيف في هذه المناسبة،‏ يعتني يسوع بهذه الخدمة الشخصية.‏ وكان باستطاعة ايّ من الرسل ان ينتهز الفرصة لفعل ذلك؛‏ ولكن،‏ كما يظهر،‏ لان شيئا من المنافسة لا يزال موجودا بينهم،‏ لا احد يفعل ذلك.‏ والآن هم مرتبكون اذ يبتدئ يسوع بغسل ارجلهم.‏

      عندما يصل يسوع الى بطرس يعترض قائلا:‏ «لن تغسل رجليَّ ابدا.‏»‏

      ‏«ان كنتُ لا اغسلك فليس لك معي نصيب،‏» يقول يسوع.‏

      ‏«يا سيد،‏» يجاوب بطرس،‏ «ليس رجليَّ فقط بل ايضا يديَّ ورأسي.‏»‏

      ‏«الذي قد اغتسل،‏» يجيب يسوع،‏ «ليس له حاجة إلا الى غسل رجليه بل هو طاهر كله.‏ وأنتم طاهرون ولكن ليس كلكم.‏» يقول ذلك لانه يعرف ان يهوذا الاسخريوطي يخطط ليسلِّمه.‏

      عند انتهاء يسوع من غسل ارجل الـ‍ ١٢ جميعا،‏ بما فيها رِجلا مسلِّمه،‏ يهوذا،‏ يلبس ثيابه الخارجية ويتكئ على المائدة مجدَّدا.‏ ثم يسأل:‏ «أتفهمون ما قد صنعت بكم.‏ انتم تدعونني معلما وسيدا وحسنا تقولون لاني انا كذلك.‏ فإن كنت وأنا السيد والمعلم قد غسلت ارجلكم فأنتم يجب عليكم ان يغسل بعضكم ارجل بعض.‏ لاني اعطيتكم مثالا حتى كما صنعت انا بكم تصنعون انتم ايضا.‏ الحق الحق اقول لكم إنه ليس عبد اعظم من سيده ولا رسول اعظم من مرسله.‏ ان علمتم هذا فطوباكم إن عملتموه.‏»‏

      يا للدرس الجميل في الخدمة المتواضعة!‏ فالرسل يجب ان لا يطلبوا المكان الاول،‏ معتقدين انهم ذوو اهمية كبيرة بحيث يجب على الآخرين ان يخدموهم دائما.‏ ويلزمهم ان يتبعوا المثال الذي رسمه يسوع.‏ وليس ذلك مثالا لغسل الارجل الشعائري.‏ كلا،‏ ولكنه مثال للاستعداد للخدمة دون محاباة،‏ مهما كانت المهمة حقيرة او كريهة.‏ متى ٢٦:‏٢٠،‏ ٢١؛‏ مرقس ١٤:‏١٧،‏ ١٨؛‏ لوقا ٢٢:‏١٤-‏١٨؛‏ ٧:‏٤٤؛‏ يوحنا ١٣:‏١-‏١٧‏.‏

      ▪ ما هو الشيء الفريد في مشهد اورشليم الذي يراه يسوع اذ يدخل الى المدينة ليحتفل بالفصح؟‏

      ▪ خلال الفصح،‏ اية كأس كما يظهر يمرِّرها يسوع على الرسل الـ‍ ١٢ بعد قوله بركة؟‏

      ▪ اية خدمة شخصية كانت عادة تزوَّد للضيوف عندما كان يسوع على الارض،‏ ولماذا لم تزوَّد خلال الفصح الذي احتفل به يسوع والرسل؟‏

      ▪ ماذا كان قصد يسوع في انجاز الخدمة الحقيرة لغسل ارجل رسله؟‏

  • العشاء التذكاري
    اعظم انسان عاش على الاطلاق
    • الفصل ١١٤

      العشاء التذكاري

      بعد ان يغسل يسوع ارجل رسله يقتبس الآية في المزمور ٤١:‏٩‏،‏ قائلا:‏ «الذي يأكل معي الخبز رفع عليَّ عقبه.‏» حينئذ،‏ اذ يضطرب بالروح،‏ يوضح:‏ «ان واحدا منكم سيسلّمني.‏»‏

      فيحزن الرسل ويقولون ليسوع واحدا فواحدا:‏ «هل انا.‏» وحتى يهوذا الاسخريوطي يشترك في السؤال.‏ ويوحنا،‏ المتمدِّد قرب يسوع عند الطاولة،‏ يتكئ على صدر يسوع ويسأل:‏ «يا سيد من هو.‏»‏

      ‏«هو واحد من الاثني عشر الذي يغمس معي في الصحفة،‏» يجيب يسوع.‏ «ان ابن الانسان ماض كما هو مكتوب عنه.‏ ولكن ويل لذلك الرجل الذي به يُسلَّم ابن الانسان.‏ كان خيرا لذلك الرجل لو لم يولد.‏» وبعد ذلك يدخل الشيطانُ يهوذا ثانية،‏ مستفيدا من الثغرة في قلبه الذي صار شريرا.‏ وفي وقت لاحق من تلك الليلة يدعو يسوع يهوذا على نحو ملائم «ابن الهلاك.‏»‏

      ويقول يسوع الآن ليهوذا:‏ «ما انت تعمله فاعمله باكثر سرعة.‏» فلا يفهم احد من الرسل الآخرين ما يعنيه يسوع.‏ ويظن البعض انه بسبب احتفاظ يهوذا بصندوق المال يقول يسوع له:‏ «اشترِ ما نحتاج اليه للعيد،‏» او انه يجب ان يذهب ويعطي شيئا للفقراء.‏

      وبعد مُضِيّ يهوذا يقدِّم يسوع احتفالا جديدا كليا،‏ او إحياء ذكرى،‏ مع رسله الامناء.‏ فيأخذ خبزا ويقول صلاة شكر ويكسّر ويعطيهم قائلا:‏ «خذوا كلوا.‏» ويوضح:‏ «هذا هو جسدي الذي يُبذل عنكم.‏ اصنعوا هذا لذكري.‏»‏

      عندما يأكل كل واحد من الخبز يأخذ يسوع كأس خمر،‏ ومن الواضح انها الكأس الرابعة المستعملة في خدمة الفصح.‏ ويقول ايضا صلاة شكر عليها،‏ يمرِّرها اليهم،‏ يطلب منهم ان يشربوا منها،‏ ويقول:‏ «هذه الكأس هي العهد الجديد بدمي الذي يُسفك عنكم.‏»‏

      لذلك فان هذه،‏ في الواقع،‏ هي ذكرى موت يسوع.‏ وكل سنة في ١٤ نيسان قمري يجب ان تتكرر،‏ كما يقول يسوع،‏ لذكره.‏ فهي ستذكِّر المحتفلين بما فعله يسوع وأبوه السماوي ليزوِّدا نجاة للجنس البشري من حكم الموت.‏ وبالنسبة الى اليهود الذين يصيرون أتباع المسيح،‏ سيحلّ الاحتفال محلَّ الفصح.‏

      والعهد الجديد،‏ الذي يصير نافذ المفعول بدم يسوع المسفوك،‏ يحلّ محل عهد الناموس القديم.‏ ويتوسَّطه يسوع المسيح بين طرفين —‏ من الجهة الاولى،‏ يهوه اللّٰه،‏ ومن الاخرى،‏ ٠٠٠‏,‏١٤٤ من المسيحيين المولودين من الروح.‏ وفضلا عن تزويده الغفران للخطايا،‏ يسمح العهد بتشكيل امة سماوية من ملوك كهنة.‏ متى ٢٦:‏٢١-‏٢٩؛‏ مرقس ١٤:‏١٨-‏٢٥؛‏ لوقا ٢٢:‏١٩-‏٢٣؛‏ يوحنا ١٣:‏١٨-‏٣٠؛‏ ١٧:‏١٢؛‏ ١ كورنثوس ٥:‏٧‏.‏

      ▪ اية نبوة للكتاب المقدس يقتبسها يسوع في ما يتعلق بأحد مرافقيه،‏ وأي تطبيق يصنعه لها؟‏

      ▪ لماذا يحزن الرسل بعمق،‏ وماذا يسأل كل منهم؟‏

      ▪ ماذا يقول يسوع ليهوذا ان يفعل،‏ ولكن كيف يفسِّر الرسل الآخرون هذه التعليمات؟‏

      ▪ اي احتفال يقدِّمه يسوع بعد مُضِيّ يهوذا،‏ وأي قصد يخدم؟‏

      ▪ من هم طرفا العهد الجديد،‏ وماذا ينجز العهد؟‏

  • مجادلة تنشأ
    اعظم انسان عاش على الاطلاق
    • الفصل ١١٥

      مجادلة تنشأ

      في وقت ابكر في المساء علَّم يسوع درسا ممتعا في الخدمة المتواضعة بغسل ارجل رسله.‏ وبعد ذلك أَسَّس ذكرى موته القريب.‏ والآن،‏ وخصوصا نظرا الى ما حدث منذ قليل،‏ يحصل حادث مدهش.‏ فيتورَّط رسله في مجادلة حادَّة في مَن منهم يُظَنُّ انه يكون اكبر!‏ وعلى ما يظهر،‏ هذا جزء من خلاف مستمر.‏

      تذكَّروا انه بعد ان تجلَّى يسوع على الجبل تحاجَّ الرسل في مَن منهم هو الاعظم.‏ وفضلا عن ذلك،‏ طلب يعقوب ويوحنا مركزين بارزين في الملكوت،‏ ممّا أَدّى الى خصام اضافي بين الرسل.‏ والآن،‏ في ليلته الاخيرة معهم،‏ كم احزن يسوع حتما ان يَراهم يتشاجرون مرة اخرى!‏ فماذا يفعل؟‏

      بدلا من ان يعنِّف الرسل على تصرُّفهم،‏ يباحثهم يسوع ثانية بصبر:‏ «ملوك الامم يسودونهم والمتسلِّطون عليهم يُدعَون محسنين.‏ وأمّا انتم فليس هكذا.‏ .‏ .‏ .‏ لأنْ مَن هو أكبر.‏ أَلَّذي يتَّكئ ام الذي يخدم.‏ أليس الذي يتَّكئ.‏» ثم،‏ اذ يذكِّرهم بمثاله،‏ يقول:‏ «ولكنّي انا بينكم كالذي يخدم.‏»‏

      وعلى الرغم من نقائصهم،‏ ثبت الرسل مع يسوع في تجاربه.‏ ولذلك يقول:‏ «انا اجعل لكم كما جعل لي ابي (‏عهدا لملكوت)‏.‏» وهذا العهد الشخصي بين يسوع وأتباعه الاولياء يضمُّهم اليه ليشتركوا في حكمه الملكي.‏ وعدد محدود فقط من ٠٠٠‏,‏١٤٤ يُدخلون اخيرا في هذا العهد لملكوت.‏

      وعلى الرغم من ان الرسل أُعطوا هذا الرجاء البديع للاشتراك مع المسيح في حكم الملكوت،‏ فهم الآن ضعفاء روحيا.‏ «كلكم تشكُّون فيَّ في هذه الليلة،‏» يقول يسوع.‏ ولكن،‏ اذ يخبر بطرسَ انه يصلّي لأجله،‏ يحث يسوع:‏ «متى رجعت ثبِّت اخوتك.‏»‏

      ‏«يا اولادي،‏» يوضح يسوع،‏ «انا معكم زمانا قليلا بعد.‏ ستطلبونني وكما قلت لليهود حيث اذهب انا لا تقدرون انتم ان تأتوا اقول لكم انتم الآن.‏ وصية جديدة انا اعطيكم ان تحبوا بعضكم بعضا.‏ كما احببتكم انا تحبون انتم ايضا بعضكم بعضا.‏ بهذا يعرف الجميع انكم تلاميذي إنْ كان لكم حب بعضا لبعض.‏»‏

      ‏«يا سيد الى اين تذهب،‏» يسأل بطرس.‏

      ‏«حيث اذهب لا تقدر الآن ان تتبعني،‏» يجيب يسوع،‏ «ولكنك ستتبعني اخيرا.‏»‏

      ‏«يا سيد لماذا لا اقدر ان اتبعك الآن،‏» يريد بطرس ان يعرف.‏ «اني اضع نفسي عنك.‏»‏

      ‏«أَتَضَع نفسك عني،‏» يسأل يسوع.‏ «الحق اقول لك انك اليوم في هذه الليلة قبل ان يصيح الديك مرتين تنكرني ثلاث مرات.‏»‏

      ‏«ولو اضطررت ان اموت معك،‏» يؤكِّد بطرس،‏ «لا انكرك.‏» وبينما يشترك الرسل الآخرون في قول الامر نفسه يفتخر بطرس:‏ «وإنْ شكَّ فيك الجميع فأنا لا اشكُّ ابدا.‏»‏

      وإذ يشير الى الوقت حين ارسل الرسل في جولة كرازية في الجليل بلا كيس ولا مزود،‏ يسأل يسوع:‏ «هل اعوزكم شيء»؟‏

      ‏«لا،‏» يجيبون.‏

      ‏«لكن الآن مَن له كيس فليأخذه ومزود كذلك،‏» يقول،‏ «ومَن ليس له فليبع ثوبه ويشترِ سيفا.‏ لأني اقول لكم انه ينبغي ان يتمّ فيَّ ايضا هذا المكتوب وأُحصيَ مع اثمة.‏ لأن ما هو من جهتي له انقضاء.‏»‏

      يشير يسوع الى الوقت الذي فيه سيعلَّق مع فاعلي الشر،‏ او الاثمة.‏ ويدلّ ايضا ان أتباعه سيواجهون بعد ذلك اضطهادا قاسيا.‏ «يا رب هوذا هنا سيفان،‏» يقولون.‏

      ‏«يكفي،‏» يجيب.‏ وكما سنرى،‏ فإن حيازتهم السيفين ستتيح ليسوع قريبا ان يعلِّم درسا حيويا آخر.‏ متى ٢٦:‏٣١-‏٣٥؛‏ مرقس ١٤:‏٢٧-‏٣١؛‏ لوقا ٢٢:‏٢٤-‏٣٨؛‏ يوحنا ١٣:‏٣١-‏٣٨؛‏ رؤيا ١٤:‏١-‏٣‏.‏

      ▪ لماذا مجادلة الرسل مدهشة الى هذا الحدّ؟‏

      ▪ كيف يعالج يسوع المجادلة؟‏

      ▪ ماذا ينجز العهدُ الذي يصنعه يسوع مع تلاميذه؟‏

      ▪ اية وصية جديدة يعطيها يسوع،‏ وإلى اي حدّ هي مهمة؟‏

      ▪ اي افراط في الثقة يعرب عنه بطرس،‏ وماذا يقول يسوع؟‏

      ▪ لماذا تكون ارشادات يسوع عن حمل كيس ومزود مختلفة عن تلك التي اعطاها في وقت ابكر؟‏

  • إعداد الرسل لرحيله
    اعظم انسان عاش على الاطلاق
    • الفصل ١١٦

      إعداد الرسل لرحيله

      ينتهي العشاء التذكاري،‏ لكنّ يسوع ورسله لا يزالون في العلية.‏ وعلى الرغم من ان يسوع سيمضي قريبا،‏ لديه امور كثيرة ليقولها بعد.‏ «لا تضطرب قلوبكم،‏» يعزِّيهم.‏ «انتم تؤمنون باللّٰه.‏» ولكنه يضيف:‏ «فآ‌منوا بي.‏»‏

      ‏«في بيت ابي منازل كثيرة،‏» يتابع يسوع.‏ «انا امضي لاعد لكم مكانا .‏ .‏ .‏ حتى حيث اكون انا تكونون انتم ايضا.‏ وتعلمون حيث انا اذهب وتعلمون الطريق.‏» لا يفهم الرسل ان يسوع يتكلم عن الذهاب الى السماء،‏ لذلك يسأل توما:‏ «يا سيد لسنا نعلم اين تذهب فكيف نقدر ان نعرف الطريق.‏»‏

      ‏«انا هو الطريق والحق والحياة،‏» يجيب يسوع.‏ نعم،‏ فقط بقبوله والتمثل بمسلك حياته يتمكَّن الشخص من دخول البيت السماوي للآب لانه،‏ كما يقول يسوع:‏ «ليس احد يأتي الى الآب إلا بي.‏»‏

      ‏«يا سيد ارِنا الآب،‏» يطلب فيلبس،‏ «وكفانا.‏» يريد فيلبس،‏ كما يبدو،‏ ان يزوِّد يسوع تجلِّيا منظورا للّٰه،‏ كالذي مُنح في الازمنة القديمة في الرؤى لموسى،‏ ايليا،‏ واشعياء.‏ ولكن،‏ في الواقع،‏ لدى الرسل شيء افضل بكثير من رؤى من هذا النوع،‏ كما يعلِّق يسوع:‏ «انا معكم زمانا هذه مدّته ولم تعرفني يا فيلبس.‏ الذي رآني فقد رأى الآب.‏»‏

      يعكس يسوع شخصية ابيه كاملا بحيث ان العيش معه ومشاهدته يكونان،‏ في الواقع،‏ كرؤية الآب فعليا.‏ ومع ذلك،‏ فان الآب اعظم من الابن،‏ كما يعترف يسوع:‏ «الكلام الذي اكلمكم به لست اتكلم به من نفسي.‏» فيسوع يعطي على نحو لائق كل الفضل في تعاليمه لابيه السماوي.‏

      وكم يكون مشجعا دون شك ان يسمع الرسل يسوع يقول لهم الآن:‏ «من يؤمن بي فالاعمال التي انا اعملها يعملها هو ايضا ويعمل اعظم منها»!‏ لا يعني يسوع ان أتباعه سيمارسون قوى عجائبية اعظم مما عمل هو.‏ كلا،‏ لكنه يعني انهم سيواصلون الخدمة لوقت اطول بكثير،‏ على نطاق اعظم بكثير،‏ ولاناس اكثر بكثير.‏

      لن يتخلى يسوع عن تلاميذه بعد رحيله.‏ «مهما سألتم باسمي،‏» يَعد،‏ «فذلك افعله.‏» ويقول ايضا:‏ «انا اطلب من الآب فيعطيكم (‏معينا)‏ آخر ليمكث معكم الى الابد.‏ روح الحق.‏» ولاحقا،‏ بعد صعوده الى السماء،‏ يسكب يسوع على تلاميذه الروح القدس،‏ هذا المعين الآخر.‏

      ان رحيل يسوع قريب،‏ كما يقول:‏ «بعد قليل لا يراني العالم ايضا.‏» فسيكون يسوع مخلوقا روحانيا لا يمكن ان يراه انسان.‏ ولكنّ يسوع يَعد من جديد رسله الامناء:‏ «انتم .‏ .‏ .‏ ترونني.‏ اني انا حيّ فأنتم ستحيون.‏» نعم،‏ لن يظهر يسوع لهم بشكل بشري بعد قيامته وحسب بل سيقيمهم في الوقت المناسب الى الحياة معه في السماء كمخلوقات روحانية.‏

      ويذكر يسوع الآن القاعدة البسيطة:‏ «الذي عنده وصاياي ويحفظها فهو الذي يحبني.‏ والذي يحبني يحبه ابي وأنا احبه وأُظهِر له ذاتي.‏»‏

      عند ذلك يقاطعه الرسول يهوذا،‏ الذي يدعى ايضا تداوس:‏ «يا سيد ماذا حدث حتى انك مزمع ان تظهر ذاتك لنا وليس للعالم.‏»‏

      ‏«ان احبني احد،‏» يجيب يسوع،‏ «يحفظ كلامي ويحبه ابي .‏ .‏ .‏ الذي لا يحبني لا يحفظ كلامي.‏» فبخلاف أتباعه المذعنين،‏ يتجاهل العالم تعاليم المسيح.‏ ولذلك لا يكشف نفسه لهم.‏

      وخلال خدمته الارضية علَّم يسوع رسله امورا كثيرة.‏ فكيف يتذكرونها كلها،‏ وخصوصا لانهم،‏ حتى هذه اللحظة،‏ يفشلون في فهم الكثير منها؟‏ من المفرح ان يسوع يَعد:‏ «(‏المعين)‏ الروح القدس الذي سيرسله الآب باسمي .‏ .‏ .‏ هو يعلِّمكم كل شيء ويذكِّركم بكل ما قلته لكم.‏»‏

      واذ يعزِّيهم ثانية،‏ يقول يسوع:‏ «سلاما اترك لكم.‏ سلامي اعطيكم.‏ .‏ .‏ .‏ لا تضطرب قلوبكم.‏» صحيح ان يسوع راحل،‏ ولكنه يوضح:‏ «لو كنتم تحبونني لكنتم تفرحون لاني قلت امضي الى الآب.‏ لان ابي اعظم مني.‏»‏

      ان وقت بقاء يسوع معهم قصير.‏ «لا اتكلم ايضا معكم كثيرا،‏» يقول،‏ «لان رئيس هذا العالم يأتي وليس له فيَّ شيء.‏» فالشيطان ابليس،‏ الذي تمكَّن من الدخول في يهوذا والسيطرة عليه،‏ هو رئيس هذا العالم.‏ ولكن ليس هنالك ضعف خطية في يسوع يمكن للشيطان ان يستغله لابعاده عن خدمة اللّٰه.‏

      التمتع بعلاقة حميمة

      بعد العشاء التذكاري،‏ كان يسوع يشجع رسله بكلام مبسَّط من القلب الى القلب.‏ ويمكن ان يكون الوقت قد تجاوز منتصف الليل.‏ ولذلك يحثّ يسوع:‏ «قوموا ننطلق من ههنا.‏» ولكن،‏ قبل ان يرحلوا،‏ اذ تدفعه محبته لهم،‏ يتابع يسوع التكلم مزوِّدا مثلا محرِّكا.‏

      ‏«انا الكرمة الحقيقية وأبي الكرام،‏» يبدأ.‏ فالكرام العظيم،‏ يهوه اللّٰه،‏ زرع هذه الكرمة الرمزية عندما مسح يسوع بالروح القدس عند معموديته في خريف السنة ٢٩ ب‌م.‏ ولكنّ يسوع يتابع ليظهر ان الكرمة ترمز الى اكثر من مجرد نفسه،‏ اذ يعلِّق قائلا:‏ «كل غصن فيَّ لا يأتي بثمر ينزعه.‏ وكل ما يأتي بثمر ينقّيه ليأتي بثمر اكثر.‏ .‏ .‏ .‏ كما ان الغصن لا يقدر ان يأتي بثمر من ذاته إن لم يثبت في الكرمة كذلك انتم ايضا إن لم تثبتوا فيَّ.‏ انا الكرمة وأنتم الاغصان.‏»‏

      في يوم الخمسين،‏ بعد ٥١ يوما،‏ يصير الرسل وآخرون اغصان الكرمة عندما يجري سكب الروح القدس عليهم.‏ وأخيرا،‏ يصير ٠٠٠‏,‏١٤٤ شخص اغصان الكرمة المجازية.‏ ومع ساق الكرمة،‏ يسوع المسيح،‏ يؤلف هؤلاء كرمة رمزية تنتج ثمار ملكوت اللّٰه.‏

      يوضح يسوع المفتاح لانتاج الثمر:‏ «الذي يثبت فيَّ وأنا فيه هذا يأتي بثمر كثير.‏ لانكم بدوني لا تقدرون ان تفعلوا شيئا.‏» ولكن اذا فشل الشخص في انتاج الثمر،‏ يقول يسوع،‏ «يُطرح خارجا كالغصن فيجف ويجمعونه ويطرحونه في النار فيحترق.‏» ومن جهة اخرى،‏ يعِد يسوع:‏ «إن ثبتّم فيَّ وثبت كلامي فيكم تطلبون ما تريدون فيكون لكم.‏»‏

      واضافة الى ذلك،‏ يقول يسوع لرسله:‏ «بهذا يتمجد ابي ان تأتوا بثمر كثير فتكونون تلاميذي.‏» ان الثمر الذي يرغب فيه اللّٰه من الاغصان هو اعرابهم عن الصفات الشبيهة بصفات المسيح،‏ وخصوصا المحبة.‏ وفضلا عن ذلك،‏ بما ان المسيح كان مناديا بملكوت اللّٰه،‏ فان الثمر المرغوب فيه يشمل ايضا نشاط تلمذتهم كما فعل هو.‏

      ‏«اثبتوا في محبتي،‏» يحث يسوع الآن.‏ ولكن،‏ كيف يمكن لرسله ان يفعلوا ذلك؟‏ «إن حفظتم وصاياي،‏» يقول،‏ «تثبتون في محبتي.‏» واذ يتابع،‏ يوضح يسوع:‏ «هذه هي وصيتي ان تحبوا بعضكم بعضا كما احببتكم.‏ ليس لأحد حب اعظم من هذا ان يضع احد نفسه لاجل احبائه.‏»‏

      في ساعات قليلة يعرب يسوع عن محبته الفائقة بتقديم حياته لاجل رسله،‏ بالاضافة الى جميع الآخرين الذين يمارسون الايمان به.‏ ومثاله يجب ان يدفع أتباعه لتكون لديهم محبة التضحية بالذات عينها بعضهم لبعض.‏ وهذه المحبة ستحدِّد هويتهم،‏ كما ذكر يسوع في وقت ابكر:‏ «بهذا يعرف الجميع انكم تلاميذي إن كان لكم حب بعضا لبعض.‏»‏

      واذ يحدِّد هوية اصدقائه،‏ يقول يسوع:‏ «انتم (‏اصدقائي)‏ إن فعلتم ما اوصيكم به.‏ لا اعود اسميكم عبيدا لان العبد لا يعلم ما يعمل سيده.‏ لكني قد سميتكم (‏اصدقاء)‏ لاني اعلمتكم بكل ما سمعته من ابي.‏»‏

      فيا للعلاقة الثمينة التي يجري الحصول عليها —‏ ان يكونوا اصدقاء احماء ليسوع!‏ ولكن للاستمرار في التمتع بهذه العلاقة يجب على أتباعه ان ‹يأتوا بثمر.‏› واذا فعلوا ذلك،‏ يقول يسوع،‏ «يعطيكم الآب كل ما طلبتم باسمي.‏» بالتأكيد،‏ هذه هي مكافأة عظيمة مقابل الاتيان بثمر الملكوت!‏ وبعد حث رسله من جديد على ‹محبة بعضهم بعضا،‏› يوضح يسوع ان العالم سيبغضهم.‏ لكنه يعزِّيهم:‏ «إن كان العالم يبغضكم فاعلموا انه قد أبغضني قبلكم.‏» ثم يكشف يسوع عن سبب بغض العالم لأتباعه،‏ قائلا:‏ «لانكم لستم (‏جزءا)‏ من العالم بل انا اخترتكم من العالم لذلك يبغضكم العالم.‏»‏

      واذ يوضح على نحو اضافي سبب بغض العالم،‏ يتابع يسوع:‏ «لكنهم انما يفعلون بكم هذا كله من اجل اسمي لانهم لا يعرفون [يهوه اللّٰه] الذي ارسلني.‏» وأعمال يسوع العجائبية،‏ في الواقع،‏ تدين اولئك الذين يبغضونه،‏ كما يذكر:‏ «لو لم اكن قد عملت بينهم اعمالا لم يعملها احد غيري لم تكن لهم خطية.‏ وأما الآن فقد رأوا وأبغضوني انا وأبي.‏» وهكذا،‏ كما يقول يسوع،‏ تتم الآية:‏ «أبغضوني بلا سبب.‏»‏

      وكما فعل في وقت ابكر،‏ يعزِّيهم يسوع ثانية بوعده اياهم ان يرسل المعين،‏ الروح القدس،‏ الذي هو قوة اللّٰه الفعالة القديرة.‏ «هو يشهد لي.‏ وتشهدون انتم ايضا.‏»‏

      نصح اضافي قبل الرحيل

      يسوع ورسله مستعدون لمغادرة العلية.‏ «قد كلمتكم بهذا لكي لا تعثروا،‏» يتابع.‏ ثم يعطي التحذير الخطير:‏ «سيخرجونكم من المجامع بل تأتي ساعة فيها يظن كل من يقتلكم انه يقدم خدمة للّٰه.‏»‏

      من الواضح ان الرسل ينزعجون بعمق من هذا التحذير.‏ ومع ان يسوع كان قد قال في وقت ابكر ان العالم سيبغضهم،‏ فانه لم يكشف مباشرة الى هذا الحد انهم سيُقتلون.‏ «لم أقل لكم [هذا] من البداية،‏» يوضح يسوع،‏ «لاني كنت معكم.‏» ولكن،‏ ما أحسن ان يُعِدّهم بهذه المعلومات قبل ان يرحل!‏

      ‏«وأما الآن،‏» يتابع يسوع،‏ «فأنا ماضٍ الى الذي ارسلني وليس احد منكم يسألني اين تمضي.‏» وفي وقت ابكر في المساء،‏ كانوا قد استعلَموا عن مكان ذهابه،‏ لكنهم الآن مرتعدون مما اخبرهم به حتى انهم يفشلون ان يسألوا المزيد عن ذلك.‏ وكما يقول يسوع:‏ «لاني قلت لكم هذا قد ملأ الحزن قلوبكم.‏» يحزن الرسل ليس فقط لانهم علموا انهم سيعانون اضطهادا رهيبا ويُقتلون بل لان سيدهم يتركهم.‏

      لذلك يوضح يسوع:‏ «انه خير لكم ان انطلق.‏ لانه إن لم انطلق لا يأتيكم (‏المعين)‏.‏ ولكن إن ذهبت ارسله اليكم.‏» كانسان،‏ يمكن ليسوع ان يكون فقط في مكان واحد كل مرة،‏ ولكن عندما يصير في السماء يمكنه ان يرسل المعين،‏ روح اللّٰه القدوس،‏ الى أتباعه حيثما كانوا على الارض.‏ وهكذا فان مغادرة يسوع ستكون نافعة.‏

      والروح القدس،‏ يقول يسوع،‏ «(‏يقدم للعالم دليلا مقنعا)‏ على خطية وعلى بر وعلى دينونة.‏» ان خطية العالم،‏ فشله في ممارسة الايمان بابن اللّٰه،‏ سيجري تشهيرها.‏ وبالاضافة الى ذلك،‏ سيُظهر صعود يسوع الى الآب دليلا مقنعا على برّه.‏ وفشلُ الشيطان وعالمه الشرير في كسر استقامة يسوع هو دليل مقنع على ان رئيس العالم قد دين على نحو مضاد.‏

      ‏«ان لي امورا كثيرة ايضا لاقول لكم،‏» يتابع يسوع،‏ «ولكن لا تستطيعون ان تحتملوا الآن.‏» لذلك يعد يسوع انه عندما يَسكب الروح القدس،‏ الذي هو قوة اللّٰه الفعالة،‏ سيرشدهم هذا الى فهم هذه الامور وفقا لمقدرتهم على ادراكها.‏

      يفشل الرسل خصوصا في الفهم ان يسوع سيموت ثم سيظهر لهم بعد ان يُقام.‏ وهكذا يسألون بعضهم بعضا:‏ «ما هو هذا الذي يقوله لنا بعد قليل لا تبصرونني ثم بعد قليل ايضا ترونني ولاني ذاهب الى الآب.‏»‏

      يدرك يسوع انهم يريدون ان يسألوه،‏ ولذلك يوضح:‏ «الحق الحق اقول لكم انكم ستبكون وتنوحون والعالم يفرح.‏ انتم ستحزنون ولكنّ حزنكم يتحول الى فرح.‏» ولاحقا في ذلك اليوم،‏ بعد الظهر،‏ عندما يُقتل يسوع،‏ يفرح القادة الدينيون العالميون،‏ ولكنّ التلاميذ يحزنون.‏ إلا ان حزنهم يتحول الى فرح عندما يُقام يسوع!‏ ويستمر فرحهم عندما يمنحهم السلطة في يوم الخمسين ان يكونوا شهوده بسكب روح اللّٰه القدوس عليهم!‏

      واذ يقارن حالة الرسل بتلك التي لامرأة خلال مخاضها،‏ يقول يسوع:‏ «المرأة وهي تلد تحزن لان ساعتها قد جاءت.‏» ولكن يعلِّق يسوع انها لا تعود تذكر شدتها عندما يولد طفلها،‏ ويشجع رسله،‏ قائلا:‏ «فأنتم كذلك عندكم الآن حزن.‏ ولكني سأراكم ايضا [عندما أُقام] فتفرح قلوبكم ولا ينزع احد فرحكم منكم.‏»‏

      حتى هذا الوقت لم يقدِّم الرسل قط طلبات باسم يسوع.‏ ولكنه يقول الآن:‏ «إن كل ما طلبتم من الآب باسمي يعطيكم.‏ .‏ .‏ .‏ لان الآب نفسه يحبكم لانكم قد احببتموني وآمنتم اني من عند اللّٰه خرجت.‏ خرجت من عند الآب وقد اتيت الى العالم وأيضا اترك العالم وأذهب الى الآب.‏»‏

      ان كلمات يسوع هي تشجيع عظيم للرسل.‏ «لهذا نؤمن انك من اللّٰه خرجت،‏» يقولون.‏ «أَلآن تؤمنون،‏» يسأل يسوع.‏ «هوذا تأتي ساعة وقد اتت الآن تتفرقون فيها كل واحد الى خاصته وتتركونني وحدي.‏» وعلى نحو لا يُصدَّق كما يبدو،‏ يحدث ذلك قبل ان ينتهي الليل!‏

      ‏«قد كلمتكم بهذا ليكون لكم فيَّ سلام.‏» ويختتم يسوع:‏ «في العالم سيكون لكم ضيق.‏ ولكن ثقوا.‏ انا قد غلبت العالم.‏» غلب يسوع العالم بانجاز مشيئة اللّٰه بأمانة على الرغم من كل ما حاول ابليس وعالمه ان يفعلوه لكسر استقامة يسوع.‏

      الصلاة الختامية في العلية

      اذ تدفعه المحبة العميقة لرسله،‏ يعدّهم يسوع لرحيله الوشيك.‏ والآن،‏ بعد نصحهم وتعزيتهم لوقت طويل،‏ يرفع عينيه نحو السماء ويلتمس من ابيه:‏ «مجّد ابنك ليمجدك ابنك ايضا اذ اعطيته سلطانا على كل جسد ليعطي حياة ابدية لكل من اعطيته.‏»‏

      يا له من محور مثير يقدمه يسوع —‏ الحياة الابدية!‏ واذ أُعطي «سلطانا على كل جسد،‏» يمكن ليسوع ان يمنح فوائد ذبيحته الفدائية لكل الجنس البشري المائت.‏ ولكنه يعطي «حياة ابدية» فقط لاولئك الذين يرضى الآب عنهم.‏ واذ يؤسس على محور الحياة الابدية هذا،‏ يتابع يسوع صلاته:‏

      ‏«وهذه هي الحياة الابدية ان يعرفوك انت الاله الحقيقي وحدك ويسوع المسيح الذي ارسلته.‏» نعم،‏ يتوقف الخلاص على اخذنا المعرفة عن اللّٰه وابنه كليهما.‏ ولكن يلزم اكثر من مجرد معرفة في الرأس.‏

      فلا بد ان يأتي الشخص الى معرفتهما على نحو حميم،‏ مطورا صداقة تتسم بالفهم معهما.‏ ولا بد ان يشعر المرء كما يشعران بشأن القضايا ويرى الامور من خلال اعينهما.‏ وقبل كل شيء،‏ لا بد ان يجاهد الشخص ليتمثل بصفاتهما التي لا تُضاهى في التعامل مع الآخرين.‏

      ثم يصلّي يسوع:‏ «انا مجدتك على الارض.‏ العمل الذي اعطيتني لاعمل قد اكملته.‏» وهكذا،‏ باتمامه تعيينه الى هذا الحد وبكونه واثقا بنجاحه المستقبلي،‏ يلتمس:‏ «مجدني انت ايها الآب عند ذاتك بالمجد الذي كان لي عندك قبل كون العالم.‏» نعم،‏ يطلب الآن ان يُعاد الى مجده السماوي السابق بواسطة القيامة.‏

      واذ يوجز عمله الرئيسي على الارض،‏ يقول يسوع:‏ «انا اظهرت اسمك للناس الذين اعطيتني من العالم.‏ كانوا لك وأعطيتهم لي وقد حفظوا كلامك.‏» استعمل يسوع اسم اللّٰه،‏ يهوه،‏ في خدمته وبيَّن لفظه الصحيح،‏ لكنه فعل اكثر من ذلك لجعل اسم اللّٰه ظاهرا لرسله.‏ لقد وسَّع ايضا معرفتهم وتقديرهم ليهوه،‏ لشخصيته،‏ ولمقاصده.‏

      واذ يكرم يهوه بصفته اسمى منه،‏ ذاك الذي يخدم تحت اشرافه،‏ يعترف يسوع بتواضع:‏ «الكلام الذي اعطيتني قد اعطيتهم وهم قبلوا وعلموا يقينا اني خرجت من عندك وآمنوا انك انت ارسلتني.‏»‏

      واذ يميِّز بين أتباعه وباقي الجنس البشري،‏ يصلّي يسوع بعد ذلك:‏ «من اجلهم انا اسأل.‏ لست اسأل من اجل العالم بل من اجل الذين اعطيتني .‏ .‏ .‏ حين كنت معهم في العالم كنت احفظهم .‏ .‏ .‏ حفظتهم ولم يهلك منهم احد إلا ابن الهلاك،‏» اي يهوذا الاسخريوطي.‏ وفي هذه اللحظة عينها يكون يهوذا في مهمته الحقيرة لخيانة يسوع.‏ وهكذا،‏ يتمم يهوذا الاسفار المقدسة دون ان يعلم.‏

      ‏«العالم ابغضهم،‏» يستمر يسوع في الصلاة.‏ «لست اسأل ان تأخذهم من العالم بل ان تحفظهم من الشرير.‏ ليسوا (‏جزءا)‏ من العالم كما اني انا لست (‏جزءا)‏ من العالم.‏» ان أتباع يسوع هم في العالم،‏ هذا المجتمع البشري المنظم الذي يحكمه الشيطان،‏ ولكنهم منفصلون عنه وعن شره ولا بد ان يبقوا كذلك دائما.‏

      ‏«قدسهم في حقك،‏» يتابع يسوع،‏ «كلامك هو حق.‏» هنا يدعو يسوع الاسفار المقدسة العبرانية الموحى بها،‏ التي اقتبس منها دائما،‏ ‹الحق.‏› ولكنّ ما علَّمه لتلاميذه وما كتبوه لاحقا بالوحي بصفته الاسفار المقدسة اليونانية المسيحية هو كذلك ‹الحق.‏› وهذا الحق يمكن ان يقدس الشخص،‏ يغيِّر حياته كاملا،‏ ويجعله شخصا منفصلا عن العالم.‏

      لا يصلّي يسوع الآن «من اجل هؤلاء فقط بل ايضا من اجل الذين يؤمنون [به] بكلامهم.‏» وهكذا يصلّي يسوع من اجل الذين سيكونون أتباعه الممسوحين والتلاميذ المقبلين الآخرين الذين سيجري تجميعهم بعدُ في «رعية واحدة.‏» وماذا يسأل من اجل جميع هؤلاء؟‏

      ان «يكون الجميع واحدا كما انك انت ايها الآب فيَّ وانا فيك .‏ .‏ .‏ يكونوا واحدا كما اننا نحن واحد.‏» ان يسوع وأباه ليسا حرفيا شخصا واحدا،‏ ولكنهما على اتفاق في كل الامور.‏ ويصلّي يسوع ان يتمتع أتباعه بهذه الوحدة نفسها لكي «يعلم العالم انك ارسلتني وأحببتهم كما احببتني.‏»‏

      ومن اجل الذين سيكونون أتباعه الممسوحين يسأل يسوع اباه السماوي.‏ ماذا؟‏ «أنّ هؤلاء .‏ .‏ .‏ يكونون معي حيث اكون انا لينظروا مجدي الذي اعطيتني لانك احببتني قبل انشاء العالم،‏» اي قبل ان انتج آدم وحواء ذرية.‏ فقبل ذلك بزمن طويل احبّ اللّٰه ابنه الوحيد،‏ الذي صار يسوع المسيح.‏

      واذ يختتم صلاته،‏ يشدِّد يسوع من جديد:‏ «عرَّفتهم اسمك وسأعرّفهم ليكون فيهم الحبّ الذي احببتني به وأكون انا فيهم.‏» وبالنسبة الى الرسل،‏ شمل تعلُّم اسم اللّٰه الاتيان شخصيا الى معرفة محبة اللّٰه.‏ يوحنا ١٤:‏١-‏١٧:‏٢٦؛‏ ١٣:‏​٢٧،‏ ٣٥،‏ ٣٦؛‏ ١٠:‏١٦؛‏ لوقا ٢٢:‏٣،‏ ٤؛‏ خروج ٢٤:‏١٠؛‏ ١ ملوك ١٩:‏٩-‏١٣؛‏ اشعياء ٦:‏١-‏٥؛‏ غلاطية ٦:‏١٦؛‏ مزمور ٣٥:‏١٩؛‏ ٦٩:‏٤؛‏ امثال ٨:‏​٢٢،‏ ٣٠‏.‏

      ▪ الى اين يكون يسوع ذاهبا،‏ وأي جواب يحصل عليه توما في ما يتعلق بالطريق الى هناك؟‏

      ▪ بطلبه،‏ ماذا يريد فيلبس،‏ كما يبدو،‏ من يسوع ان يزوِّد؟‏

      ▪ لماذا الذي رأى يسوع قد رأى الآب ايضا؟‏

      ▪ كيف سيعمل أتباع يسوع اعمالا اعظم مما عمل هو؟‏

      ▪ بأي معنى ليس للشيطان شيء في يسوع؟‏

      ▪ متى زرع يهوه الكرمة الرمزية،‏ ومتى وكيف يصير آخرون جزءا من الكرمة؟‏

      ▪ اخيرا،‏ كم غصنا يكون للكرمة الرمزية؟‏

      ▪ اي ثمر يرغب فيه اللّٰه من الاغصان؟‏

      ▪ كيف يمكننا ان نكون اصدقاء ليسوع؟‏

      ▪ لماذا يبغض العالم أتباع يسوع؟‏

      ▪ اي تحذير من قِبَل يسوع يزعج رسله؟‏

      ▪ لماذا يفشل الرسل ان يسألوا يسوع عن مكان ذهابه؟‏

      ▪ ماذا يفشل الرسل خصوصا في فهمه؟‏

      ▪ كيف يوضح يسوع ان حالة الرسل ستتحول من حزن الى فرح؟‏

      ▪ ماذا يقول يسوع ان الرسل سيفعلون قريبا؟‏

      ▪ كيف يغلب يسوع العالم؟‏

      ▪ بأي معنى يُعطى يسوع «سلطانا على كل جسد»؟‏

      ▪ ماذا يعني اخذ المعرفة عن اللّٰه وابنه؟‏

      ▪ بأية طرائق يجعل يسوع اسم اللّٰه ظاهرا؟‏

      ▪ ما هو ‹الحق،‏› وكيف ‹يقدس› المسيحي؟‏

      ▪ كيف يكون اللّٰه،‏ ابنه،‏ وجميع العبّاد الحقيقيين واحدا؟‏

      ▪ متى كان «انشاء العالم»؟‏

  • كَرْب في البستان
    اعظم انسان عاش على الاطلاق
    • الفصل ١١٧

      كَرْب في البستان

      عندما ينتهي يسوع من الصلاة يرنِّم هو ورسله الـ‍ ١١ الامناء ترانيم تسبيح ليهوه.‏ وبعد ذلك ينزلون من العلية،‏ يخرجون في ظلمة الليل الباردة،‏ ويتجهون عائدين عبر وادي قدرون نحو بيت عنيا.‏ ولكن،‏ في الطريق،‏ يتوقفون في بقعة مفضَّلة،‏ بستان جثسيماني.‏ وهذه تقع في جبل الزيتون او قربه.‏ وكثيرا ما اجتمع يسوع مع رسله هنا بين اشجار الزيتون.‏

      واذ يترك ثمانية من الرسل —‏ ربما قرب مدخل البستان —‏ يوصيهم:‏ «اجلسوا ههنا حتى امضي واصلّي هناك.‏» وبعد ذلك يأخذ الثلاثة الآخرين —‏ بطرس،‏ يعقوب،‏ ويوحنا —‏ ويتقدَّم الى مكان ابعد في البستان.‏ ويشعر يسوع بالحزن والكآ‌بة.‏ «نفسي حزينة جدا حتى الموت،‏» يقول لهم.‏ «امكثوا ههنا واسهروا معي.‏»‏

      اذ يتقدَّم يسوع قليلا يقع على الارض واذ يخرّ على وجهه يبتدئ يصلّي بلجاجة:‏ «يا ابتاه ان امكن فلتعبر عني هذه الكأس.‏ ولكن ليس كما اريد انا بل كما تريد انت.‏» فماذا يعني؟‏ ولماذا هو ‹حزين جدا حتى الموت›؟‏ هل يتراجع عن قراره ان يموت ويزوِّد الفدية؟‏

      كلا على الاطلاق!‏ فيسوع لا يلتمس ان يُعفى من الموت.‏ حتى ان فكرة تجنُّب الموت الفدائي،‏ التي اقترحها بطرس ذات مرة،‏ بغيضة لديه.‏ وبالاحرى،‏ انه في كَرْب لانه يخاف ان تجلب الطريقة التي سيموت بها قريبا —‏ كمجرم حقير —‏ العار على اسم ابيه.‏ وهو يشعر الآن بأنه في ساعات قليلة سيجري تعليقه على خشبة كأسوإ انواع الاشخاص —‏ مجدِّف على اللّٰه!‏ هذا ما يجعله يكتئب.‏

      بعد الصلاة باسهاب،‏ يرجع يسوع ويجد الرسل الثلاثة نياما.‏ واذ يخاطب بطرس،‏ يقول:‏ «أهكذا ما قدرتم ان تسهروا معي ساعة واحدة.‏ اسهروا وصلّوا لئلا تدخلوا في تجربة.‏» ولكن،‏ اذ يعترف بالضغط الذي كانوا تحته وتأخر الساعة،‏ يقول:‏ «أما الروح فنشيط وأما الجسد فضعيف.‏»‏

      بعد ذلك يمضي يسوع ثانية ويطلب ان يجيز اللّٰه عنه «هذه الكأس،‏» اي حصة او مشيئة يهوه المعيَّنة له.‏ وعندما يرجع يجد ايضا الثلاثة نياما في حين كان يجب ان يصلّوا لئلا يدخلوا في تجربة.‏ وعندما يكلِّمهم يسوع لا يعرفون بماذا يجيبونه.‏

      وأخيرا،‏ مرة ثالثة،‏ يبتعد يسوع نحو رمية حجر،‏ وعلى ركبتين جاثيتين،‏ وبصراخ شديد ودموع،‏ يصلّي:‏ «يا ابتاه ان شئت ان تجيز عني هذه الكأس.‏» يشعر يسوع بقوة بآ‌لام شديدة بسبب العار الذي سيجلبه موته كمجرم على اسم ابيه.‏ وأن يُتَّهم كمجدِّف —‏ كشخص يلعن اللّٰه —‏ هو تقريبا اكثر من ان يحتمله!‏

      ومع ذلك،‏ يواصل يسوع الصلاة:‏ «ليكن لا ما اريد انا بل ما تريد انت.‏» يُخضِع يسوع طوعا مشيئته لتلك التي للّٰه.‏ وعندئذ يظهر ملاك من السماء ويقوّيه ببعض الكلمات المشجِّعة.‏ وعلى الارجح،‏ يخبر الملاك يسوع بأنه يحظى بابتسامة رضى ابيه.‏

      ولكن،‏ يا له من ثقل على كتفي يسوع!‏ فحياته الابدية الخاصة وتلك التي لكامل الجنس البشري تبقى معلَّقة.‏ والضغط العاطفي هائل.‏ لذلك يواصل يسوع الصلاة بأشد لجاجة،‏ ويصير عرقه كقطرات دم اذ تنزل على الارض.‏ «مع ان ذلك ظاهرة نادرة جدا،‏» تلاحظ مجلة الجمعية الطبية الاميركية،‏ «فان العرق الدامي .‏ .‏ .‏ قد يحدث في حالات عاطفية شديدة.‏»‏

      بعدئذ يرجع يسوع للمرة الثالثة الى رسله،‏ ومرة اخرى يجدهم نياما.‏ انهم منهوكون من الحزن الشديد.‏ «ناموا الآن واستريحوا،‏» يهتف.‏ «يكفي.‏ قد اتت الساعة.‏ هوذا ابن الانسان يُسلَّم الى ايدي الخطاة.‏ قوموا لنذهب.‏ هوذا الذي يسلِّمني قد اقترب.‏»‏

      وفيما هو يتكلم يقترب يهوذا الاسخريوطي يرافقه جمع غفير،‏ حاملين مشاعل ومصابيح وأسلحة.‏ متى ٢٦:‏​٣٠،‏ ٣٦-‏٤٧؛‏ ١٦:‏٢١-‏٢٣؛‏ مرقس ١٤:‏​٢٦،‏ ٣٢-‏٤٣؛‏ لوقا ٢٢:‏٣٩-‏٤٧؛‏ يوحنا ١٨:‏١-‏٣؛‏ عبرانيين ٥:‏٧‏.‏

      ▪ بعد مغادرة العلية،‏ الى اين يقود يسوع الرسل،‏ وماذا يفعل هناك؟‏

      ▪ فيما يسوع يصلّي،‏ ماذا يفعل الرسل؟‏

      ▪ لماذا يسوع في كَرْب،‏ وأي شيء يطلبه من اللّٰه؟‏

      ▪ الى ماذا تشير صيرورة عرق يسوع كقطرات دم؟‏

  • التسليم والايقاف
    اعظم انسان عاش على الاطلاق
    • الفصل ١١٨

      التسليم والايقاف

      انها بعد منتصف الليل بكثير حين يقود يهوذا جمعا غفيرا من الجند،‏ رؤساء الكهنة،‏ الفريسيين،‏ وآخرين الى بستان جثسيماني.‏ فقد وافق الكهنة ان يدفعوا ليهوذا ٣٠ قطعة من الفضة ليسلِّم يسوع.‏

      في وقت ابكر،‏ عندما صُرف يهوذا من وجبة الفصح،‏ من الواضح انه ذهب مباشرة الى رؤساء الكهنة.‏ وللوقت جمع هؤلاء خدامهم،‏ بالاضافة الى مجموعة من الجند.‏ وربما قادهم يهوذا اولا الى حيث كان يسوع ورسله قد احتفلوا بالفصح.‏ واذ اكتشفوا انهم غادروا،‏ تبع الجمع الغفير يهوذا حاملين اسلحة ومصابيح ومشاعل الى خارج اورشليم والى عبر وادي قدرون.‏

      واذ يقود يهوذا الموكب صعودا الى جبل الزيتون،‏ يشعر يقينا بأنه يعرف اين يجد يسوع.‏ فخلال الاسبوع الماضي،‏ فيما كان يسوع والرسل يسافرون ذهابا وايابا بين بيت عنيا واورشليم،‏ كثيرا ما توقفوا في بستان جثسيماني ليستريحوا ويتحادثوا.‏ أما الآن،‏ اذ يكون يسوع مخفيا على الارجح في الظلام تحت اشجار الزيتون،‏ فكيف سيحدِّد الجند هويته؟‏ وربما لم يروه من قبل قط.‏ لذلك يزوِّد يهوذا علامة،‏ قائلا:‏ «الذي اقبِّله هو هو.‏ أمسكوه وامضوا به بحرص.‏»‏

      يقود يهوذا الجمع الغفير الى البستان،‏ فيرى يسوع مع رسله،‏ ويذهب مباشرة اليه.‏ «السلام يا سيدي،‏» يقول ويقبِّله برقَّة كبيرة.‏

      ‏«يا صاحب لماذا جئت،‏» يردّ يسوع بسرعة.‏ ثم،‏ اذ يجيب عن سؤاله الخاص،‏ يقول:‏ «يا يهوذا أبقبلة تسلّم ابن الانسان.‏» ولكن يكفي ذلك مسلّمه!‏ فيتقدَّم يسوع الى ضوء المشاعل والمصابيح المشتعلة ويسأل:‏ «مَن تطلبون.‏»‏

      ‏«يسوع الناصري،‏» يأتي الجواب.‏

      ‏«انا هو،‏» يجيب يسوع،‏ فيما يقف بشجاعة امامهم جميعا.‏ واذ يندهشون من جرأته ولا يعرفون ماذا يتوقعون،‏ يرجع الرجال الى الوراء ويسقطون على الارض.‏

      ‏«قد قلت لكم اني انا هو،‏» يتابع يسوع بهدوء.‏ «فإن كنتم تطلبونني فدعوا هؤلاء يذهبون.‏» وقبل وقت قصير في العلية،‏ كان يسوع قد قال لابيه في الصلاة انه حفظ رسله الامناء ولم يُفقد منهم احد «إلا ابن الهلاك.‏» ولذلك،‏ لكي تتم كلمته،‏ يطلب أن يدَعوا أتباعه يذهبون.‏

      واذ يستعيد الجند رباطة جأشهم،‏ ويقفون،‏ ويبتدئون يوثقون يسوع،‏ يدرك الرسل ما هو على وشك الحدوث.‏ «يا رب أنضرب بالسيف،‏» يسألون.‏ وقبل ان يجيب يسوع،‏ يستعمل بطرس واحدا من السيفين اللذين جلبهما الرسل،‏ ويهاجم مَلْخُس،‏ عبد رئيس الكهنة.‏ فتخطئ ضربة بطرس رأس العبد ولكنها تقطع اذنه اليمنى.‏

      ‏«دعوا الى هذا،‏» يقول يسوع متدخلا.‏ واذ يلمس اذن مَلْخُس،‏ يُبرئ الجرح.‏ ثم يعلِّم درسا مهما،‏ آمرا بطرس:‏ «ردَّ سيفك الى مكانه.‏ لأن كل الذين يأخذون السيف بالسيف يهلكون.‏ أتظن اني لا استطيع الآن ان اطلب الى ابي فيقدّم لي اكثر من اثني عشر جيشا من الملائكة.‏»‏

      ان يسوع مستعد لان يجري ايقافه،‏ لانه يوضح:‏ «كيف تكمَّل الكتب أنه هكذا ينبغي ان يكون.‏» ويضيف:‏ «الكأس التي اعطاني الآب ألا اشربها.‏» فهو على اتفاق تام مع مشيئة اللّٰه لاجله!‏

      ثم يخاطب يسوع الجمع.‏ «كأنه على لص خرجتم بسيوف وعصي لتأخذوني،‏» يسأل.‏ «كل يوم كنت اجلس معكم أعلِّم في الهيكل ولم تمسكوني.‏ وأما هذا كله فقد كان لكي تكمَّل كتب الانبياء.‏»‏

      عند ذلك يقبض الجند والقائد وخدام اليهود على يسوع ويوثقونه.‏ واذ يرون ذلك،‏ يترك الرسل يسوع ويهربون.‏ ولكنّ شابا —‏ وربما التلميذ مرقس —‏ يبقى بين الجمع.‏ وربما كان في البيت حيث احتفل يسوع بالفصح وبعد ذلك تبع الجمع من هناك.‏ ولكنه الآن يُعرف،‏ فتُصنع محاولة للقبض عليه.‏ أما هو فيترك وراءه إزاره ويهرب بثياب خفيفة.‏ متى ٢٦:‏٤٧-‏٥٦؛‏ مرقس ١٤:‏٤٣-‏٥٢؛‏ لوقا ٢٢:‏٤٧-‏٥٣؛‏ يوحنا ١٧:‏١٢؛‏ ١٨:‏٣-‏٢١‏.‏

      ▪ لماذا يشعر يهوذا يقينا بأنه سيجد يسوع في بستان جثسيماني؟‏

      ▪ كيف يُظهر يسوع الاهتمام برسله؟‏

      ▪ اي اجراء يتخذه بطرس دفاعا عن يسوع،‏ ولكن ماذا يقول يسوع لبطرس عن ذلك؟‏

      ▪ كيف يكشف يسوع انه على اتفاق تام مع مشيئة اللّٰه لاجله؟‏

      ▪ عندما يترك الرسل يسوع مَن يبقى،‏ وماذا يحدث له؟‏

  • اخذُه الى حنّان،‏ ثم الى قيافا
    اعظم انسان عاش على الاطلاق
    • الفصل ١١٩

      اخذُه الى حنّان،‏ ثم الى قيافا

      يسوع،‏ الموثَق كمجرم رديء،‏ يُساق الى حنّان،‏ رئيس الكهنة السابق ذي السلطة.‏ كان حنّان رئيس الكهنة عندما اذهل يسوع وهو غلام في الـ‍ ١٢ من العمر المعلمين الربانيين في الهيكل.‏ وفي ما بعد خدم بعض ابناء حنّان كرؤساء كهنة،‏ وحاليا يشغل صهره قيافا هذا المركز.‏

      يُساق يسوع اولا على الارجح الى بيت حنّان بسبب بروز رئيس الكهنة هذا لفترة طويلة في الحياة الدينية اليهودية.‏ وهذا التوقّف لرؤية حنّان يتيح الوقت لرئيس الكهنة قيافا لعقد المجمع،‏ المحكمة العليا اليهودية ذات الـ‍ ٧١ عضوا،‏ فضلا عن تجميع شهود زور.‏

      والآن يسأل رئيس الكهنة حنّان يسوع عن تلاميذه وعن تعليمه.‏ لكنّ يسوع يجيب:‏ «انا كلَّمت العالم علانية.‏ انا علَّمت كل حين في المجمع وفي الهيكل حيث يجتمع اليهود دائما.‏ وفي الخفاء لم اتكلَّم بشيء.‏ لماذا تسألني انا.‏ اسأل الذين قد سمعوا ماذا كلَّمتهم.‏ هوذا هؤلاء يعرفون ماذا قلت انا.‏»‏

      عندئذ يلطم يسوعَ واحد من الخدام واقف قربه،‏ قائلا:‏ «أهكذا تجاوب رئيس الكهنة.‏»‏

      ‏«ان كنت قد تكلمت رديّا،‏» يجيب يسوع،‏ «فاشهد على الرديّ وان حسنا فلماذا تضربني.‏» بعد هذا التبادل،‏ يرسل حنّان يسوعَ موثقا الى قيافا.‏

      والآن يبدأ جميع رؤساء الكهنة والشيوخ والكتبة،‏ نعم،‏ كامل المجمع،‏ بالتجمّع.‏ وكما يتضح فان مكان اجتماعهم هو بيت قيافا.‏ ان اجراء محاكمة كهذه في ليلة الفصح هو بوضوح ضد الشريعة اليهودية.‏ ولكنّ هذا لا يثني القادة الدينيين عن قصدهم الشرير.‏

      قبل اسابيع،‏ عندما اقام يسوع لعازر،‏ كان اعضاء المجمع قد قرروا في ما بينهم انه يجب ان يموت.‏ وقبل يومين فقط،‏ يوم الاربعاء،‏ تشاورت السلطات الدينية لكي يمسكوا يسوع بمكر ويقتلوه.‏ تصوَّروا،‏ لقد حُكم عليه في الواقع قبل محاكمته!‏

      والجهود الآن جارية لايجاد شهود يزوِّدون دليل زور لكي تُقام قضية ضد يسوع.‏ ولكن لا يمكن ايجاد شهود تتفق شهادتهم.‏ وأخيرا،‏ يتقدَّم اثنان ويؤكدان:‏ «نحن سمعناه يقول اني انقض هذا الهيكل المصنوع بالايادي وفي ثلاثة ايام أبني آخر غير مصنوع بأيادٍ.‏»‏

      ‏«أما تجيب بشيء،‏» يسأل قيافا.‏ «ماذا يشهد به هؤلاء عليك.‏» أما يسوع فيبقى ساكتا.‏ وحتى في هذه التهمة الباطلة،‏ ولخزي المجمع،‏ لا يستطيع الشهود ان يجعلوا رواياتهم تتفق.‏ ولذلك يجرِّب رئيس الكهنة وسيلة مختلفة.‏

      يعرف قيافا مقدار حساسية اليهود تجاه ايّ واحد يدّعي انه ابن اللّٰه.‏ ففي مناسبتين سابقتين دعوا يسوع بغير رويَّة مجدِّفا يستحق الموت،‏ اذ تخيَّلوا قبلا على نحو خاطئ انه يدّعي كونه مساويا للّٰه.‏ فيطلب قيافا الآن بمكر:‏ «أستحلفك باللّٰه الحي ان تقول لنا هل انت المسيح ابن اللّٰه.‏»‏

      بصرف النظر عما يفكِّر فيه اليهود،‏ فان يسوع هو ابن اللّٰه حقا.‏ والبقاء ساكتا يمكن ان يُفسَّر انكارا لكونه المسيح.‏ لذلك يجيب يسوع بشجاعة:‏ «انا هو.‏ وسوف تبصرون ابن الانسان جالسا عن يمين القوة وآتيا في سحاب السماء.‏»‏

      عند ذلك يمزِّق قيافا ثيابه في عرض مثير ويهتف:‏ «قد جدَّف.‏ ما حاجتنا بعد الى شهود.‏ ها قد سمعتم تجديفه.‏ ماذا ترون.‏»‏

      ‏«انه مستوجب الموت،‏» يعلن المجمع.‏ ثم يبدأون بالاستهزاء به،‏ ويقولون اشياء كثيرة عليه مجدِّفين.‏ ويلطمون وجهه ويبصقون فيه.‏ وآخرون يغطّون كامل وجهه ويلكمونه ويقولون بتهكّم:‏ «تنبّأ لنا ايها المسيح من ضربك.‏» ان هذا التصرف المؤذي وغير القانوني يحدث في اثناء ليلة المحاكمة.‏ متى ٢٦:‏٥٧-‏٦٨؛‏ ٢٦:‏​٣،‏ ٤؛‏ مرقس ١٤:‏٥٣-‏٦٥؛‏ لوقا ٢٢:‏​٥٤،‏ ٦٣-‏٦٥؛‏ يوحنا ١٨:‏١٣-‏٢٤؛‏ ١١:‏٤٥-‏٥٣؛‏ ١٠:‏٣١-‏٣٩؛‏ ٥:‏١٦-‏١٨‏.‏

      ▪ الى اين يُساق يسوع اولا،‏ وماذا يحصل له هناك؟‏

      ▪ الى اين يؤخذ يسوع ثانيا،‏ ولأي قصد؟‏

      ▪ كيف يتمكَّن قيافا من جعل المجمع يعلن ان يسوع يستحق الموت؟‏

      ▪ اي تصرف مؤذ وغير قانوني يحدث في اثناء المحاكمة؟‏

  • انكار في الدار
    اعظم انسان عاش على الاطلاق
    • الفصل ١٢٠

      انكار في الدار

      بعد تركهما يسوع في بستان جثسيماني وهربهما خوفا مع باقي الرسل،‏ يتوقف بطرس ويوحنا عن هربهما.‏ وربما يلحقان يسوع حين يؤخذ الى بيت حنّان.‏ وعندما يرسله حنّان الى رئيس الكهنة قيافا يتبعه بطرس ويوحنا من بعيد،‏ ممزَّقَين كما يبدو بين الخوف على حياتهما واهتمامهما العميق بما سيحدث لمعلِّمهما.‏

      واذ يصلان الى مسكن قيافا الفسيح،‏ يتمكن يوحنا من الدخول الى الدار،‏ لانه معروف عند رئيس الكهنة.‏ وأما بطرس فيبقى واقفا عند الباب خارجا.‏ ولكنّ يوحنا يعود بسرعة ويكلِّم البوابة،‏ احدى الجواري،‏ فيُسمح لبطرس بالدخول.‏

      والآن هنالك برد،‏ وكان عبيد وخدام رئيس الكهنة قد اضرموا جمرا.‏ فينضم بطرس اليهم ليستدفئ فيما ينتظر نهاية محاكمة يسوع.‏ وهناك،‏ في ضوء النار،‏ تتفرس فيه البوابة التي ادخلته.‏ «وأنت كنت مع يسوع الجليلي،‏» تهتف.‏

      واذ يضطرب عند تحديد هويته،‏ ينكر بطرس قدامهم جميعا معرفته يسوع.‏ «لست ادري ولا افهم ما تقولين،‏» يقول.‏

      عند ذلك يخرج بطرس الى قرب الدهليز.‏ وهناك تراه فتاة اخرى وتقول ايضا لاولئك الواقفين:‏ «وهذا كان مع يسوع الناصري.‏» فينكره بطرس مرة ثانية بقسم:‏ «اني لست اعرف الرجل.‏»‏

      يبقى بطرس في الدار،‏ محاولا ألا يلفت النظر قدر المستطاع.‏ وربما في تلك اللحظة يفزعه صياح الديك في ظلمة الصباح الباكر.‏ في هذه الاثناء تكون محاكمة يسوع جارية،‏ ومن الواضح انها تُدار في قسم من البيت اعلى من الدار.‏ ولا شك ان بطرس والآخرين الذين ينتظرون في الاسفل يرون مجيء وذهاب مختلف الشهود الذين يجري ادخالهم للشهادة.‏

      مضى نحو ساعة منذ حُدِّدت مؤخرا هوية بطرس بصفته رفيقا ليسوع.‏ والآن يجيء اليه عدد من القيام ويقولون:‏ «حقا انت ايضا منهم فان لغتك تظهرك.‏» وواحد من الفريق هو نسيب مَلْخُس،‏ الذي قطع بطرس اذنه.‏ «أما رأيتك انا معه في البستان،‏» يقول.‏

      ‏«اني لا اعرف الرجل،‏» يؤكِّد بطرس باحتداد.‏ وبالحقيقة،‏ يحاول ان يقنعهم بأنهم جميعا مخطئون اذ يلعن ويحلف على القضية،‏ مستنزلا في الواقع الشر على نفسه ان لم يكن يقول الحقيقة.‏

      وفيما يقوم بطرس بهذا الانكار الثالث يصيح الديك.‏ وفي هذه اللحظة يلتفت يسوع،‏ الذي خرج كما يبدو الى الشرفة التي تطلّ على الدار،‏ وينظر اليه.‏ وفي الحال يتذكَّر بطرس ما قاله يسوع منذ ساعات قليلة فقط في العلية:‏ «قبل ان يصيح الديك مرتين تنكرني ثلاث مرات.‏» واذ يسحقه ثقل خطيته،‏ يخرج بطرس الى خارج ويبكي بكاء مرا.‏

      فكيف يمكن ان يحدث ذلك؟‏ وكيف يمكن لبطرس،‏ بعد ان كان متأكِّدا جدا من قوته الروحية،‏ ان ينكر معلِّمه ثلاث مرات في تعاقب سريع؟‏ لا شك ان الظروف فاجأت بطرس دون ان يدري.‏ فالحقيقة تُحرَّف،‏ ويسوع يوصف كمجرم حقير.‏ وما هو صواب يبدو خاطئا،‏ والبريء مذنبا.‏ لذلك،‏ بسبب ضغوط المناسبة،‏ يخسر بطرس اتزانه.‏ وفجأة يتشوَّش شعوره اللائق بالولاء؛‏ ولتعاسته يُشِلّه خوف الانسان.‏ فنرجو ان لا يحدث ذلك لنا ابدا!‏ متى ٢٦:‏​٥٧،‏ ٥٨،‏ ٦٩-‏٧٥؛‏ مرقس ١٤:‏​٣٠،‏ ٥٣،‏ ٥٤،‏ ٦٦-‏٧٢؛‏ لوقا ٢٢:‏٥٤-‏٦٢؛‏ يوحنا ١٨:‏١٥-‏١٨،‏ ٢٥-‏٢٧‏.‏

      ▪ كيف يدخل بطرس ويوحنا الى دار رئيس الكهنة؟‏

      ▪ فيما يكون بطرس ويوحنا في الدار،‏ ماذا يجري في البيت؟‏

      ▪ كم مرة يصيح الديك،‏ وكم مرة ينكر بطرس معرفته المسيح؟‏

      ▪ ماذا يعني ان يلعن بطرس ويحلف؟‏

      ▪ ماذا يجعل بطرس ينكر انه يعرف يسوع؟‏

  • امام المجمع،‏ ثم الى بيلاطس
    اعظم انسان عاش على الاطلاق
    • الفصل ١٢١

      امام المجمع،‏ ثم الى بيلاطس

      يقترب الليل من نهايته.‏ وبطرس قد انكر يسوع للمرة الثالثة،‏ وأعضاء المجمع قد انهوا محاكمتهم الصوريّة وتفرقوا.‏ إلا انهم،‏ حالما يطلع الفجر يوم الجمعة صباحا،‏ يجتمعون ثانية،‏ وهذه المرة في مجمعهم.‏ وقصدهم على الارجح هو اعطاء مظهر من الشرعية للمحاكمة الليلية.‏ وعندما يؤتى بيسوع ليمثل امامهم يقولون،‏ كما قالوا خلال الليل:‏ «إنْ كنت انت المسيح فقل لنا.‏»‏

      ‏«ان قلت لكم لا تصدقون،‏» يجيب يسوع.‏ «وان سألت لا تجيبونني.‏» ولكنّ يسوع يشير بشجاعة الى هويته،‏ قائلا:‏ «منذ الآن يكون ابن الانسان جالسا عن يمين قوة اللّٰه.‏»‏

      ‏«أفأنت ابن اللّٰه،‏» يريدون جميعهم ان يعرفوا.‏

      ‏«انتم تقولون اني انا هو،‏» يجيب يسوع.‏

      وبالنسبة الى هؤلاء الرجال المصممين على القتل،‏ يكون هذا الجواب كافيا.‏ فهم يعتبرونه تجديفا.‏ «ما حاجتنا بعد الى شهادة،‏» يقولون.‏ «لأننا نحن سمعنا من فمه.‏» لذلك يوثقون يسوع،‏ ويمضون به،‏ ويدفعونه الى الوالي الروماني بيلاطس البنطي.‏

      كان يهوذا،‏ مسلِّم يسوع،‏ يراقب وقائع الجلسة.‏ وعندما يرى ان يسوع قد دين يندم.‏ ولذلك يذهب الى رؤساء الكهنة والشيوخ ليردّ الـ‍ ٣٠ قطعة من الفضة،‏ موضحا:‏ «قد اخطأت اذ سلَّمت دما بريئا.‏»‏

      ‏«ماذا علينا.‏ انت أَبصِرْ،‏» يجيبون بعدم شفقة.‏ فيطرح يهوذا الفضة في الهيكل ويمضي ويحاول ان يخنق نفسه.‏ ولكنّ الغصن الذي يربط به يهوذا الحبلَ ينكسر كما يبدو،‏ فيندفع جسده الى الصخور في الاسفل حيث ينشقّ.‏

      ليس رؤساء الكهنة متأكدين ماذا يفعلون بالفضة.‏ «لا يحل ان نلقيها في الخزانة،‏» يستنتجون،‏ «لأنها ثمن دم.‏» ولذلك،‏ بعد ان يتشاوروا،‏ يشترون بالمال حقل الفخاري مقبرةً للغرباء.‏ وهكذا يسمَّى الحقل «حقل الدم.‏»‏

      لا يزال الوقت باكرا في الصباح عندما يؤخذ يسوع الى دار الولاية.‏ ولكنَّ اليهود الذين رافقوه يرفضون ان يدخلوا لأنهم يعتقدون ان مخالطة كهذه للامم تنجسهم.‏ ولذلك،‏ ليتكيَّف معهم،‏ يخرج بيلاطس.‏ «اية شكاية تقدمون على هذا الانسان،‏» يسأل.‏

      ‏«لو لم يكن فاعل شر لما كنا قد سلَّمناه اليك،‏» يجيبون.‏

      وإذ يرغب في تجنب التورط،‏ يجاوب بيلاطس:‏ «خذوه انتم واحكموا عليه حسب ناموسكم.‏»‏

      واذ يكشفون عن نيتهم المهلكة،‏ يدَّعي اليهود:‏ «لا يجوز لنا ان نقتل احدا.‏» وفي الواقع،‏ اذا قتلوا يسوع خلال عيد الفصح فسيسبِّب ذلك على الارجح شغبا عاما،‏ لأن كثيرين يُكِنُّون ليسوع اعتبارا ساميا.‏ أمّا اذا تمكنوا من جعل الرومان يعدمونه بتهمة سياسية فسيتخلصون بذلك من المسؤولية امام الشعب.‏

      وهكذا فان القادة الدينيين،‏ غير ذاكرين محاكمتهم الابكر التي دانوا خلالها يسوع بالتجديف،‏ يلفِّقون الآن تهما مختلفة.‏ فيوجِّهون الاتهام المثلَّث الاجزاء:‏ «اننا وجدنا هذا [١] يفسد الامة و [٢] يمنع ان تعطى جزية لقيصر [٣] قائلا انه هو مسيح ملك.‏»‏

      ان التهمة بادِّعاء يسوع انه ملك هي ما يهم بيلاطس.‏ ولذلك يدخل الى الدار ثانية،‏ يدعو يسوع اليه،‏ ويسأله:‏ «انت ملك اليهود.‏» وبكلمات اخرى،‏ هل خالفت القانون باعلان نفسك ملكا ضد قيصر؟‏

      يريد يسوع ان يعرف كم كان بيلاطس قد سمع عنه،‏ ولذلك يسأل:‏ «أمِنْ ذاتك تقول هذا ام آخرون قالوا لك عني.‏»‏

      يعترف بيلاطس بالجهل عنه وبرغبة في معرفة الحقائق.‏ «ألعلّي انا يهودي،‏» يجاوب.‏ «امتك ورؤساء الكهنة اسلموك اليَّ.‏ ماذا فعلتَ.‏»‏

      لا يحاول يسوع بأية طريقة ان يراوغ على القضية،‏ تلك التي للملكية.‏ والجواب الذي يعطيه يسوع الآن يفاجئ بيلاطس دون شك.‏ لوقا ٢٢:‏٦٦-‏٢٣:‏٣؛‏ متى ٢٧:‏١-‏١١؛‏ مرقس ١٥:‏١؛‏ يوحنا ١٨:‏٢٨-‏٣٥؛‏ اعمال ١:‏١٦-‏٢٠‏.‏

      ▪ لأي قصد يجتمع المجمع ثانية في الصباح؟‏

      ▪ كيف يموت يهوذا،‏ وماذا يجري فعله بالـ‍ ٣٠ قطعة من الفضة؟‏

      ▪ عوضا عن ان يقتلوه هم انفسهم،‏ لماذا يريد اليهود ان يقتل الرومان يسوع؟‏

      ▪ اية تهم يوجِّهها اليهود ضد يسوع؟‏

  • من بيلاطس الى هيرودس والرجوع ثانية
    اعظم انسان عاش على الاطلاق
    • الفصل ١٢٢

      من بيلاطس الى هيرودس والرجوع ثانية

      مع ان يسوع لا يحاول ان يخفي عن بيلاطس كونه ملكا،‏ فهو يوضح ان مملكته ليست تهديدا لرومية.‏ «مملكتي ليست من هذا العالم،‏» يقول يسوع.‏ «لو كانت مملكتي من هذا العالم لكان خدامي يجاهدون لكي لا أُسلَّم الى اليهود.‏ ولكن الآن ليست مملكتي من هنا.‏» وهكذا يعترف يسوع ثلاث مرات بأن له مملكة،‏ مع انها ليست من مصدر ارضي.‏

      ومع ذلك،‏ يلحّ بيلاطس عليه اكثر:‏ «أفأنت اذًا ملك.‏» اي،‏ هل انت ملك ولو لم تكن مملكتك جزءا من هذا العالم؟‏

      يدَع يسوع بيلاطس يعرف انه وصل الى الاستنتاج الصائب،‏ اذ يجيب:‏ «انت تقول اني ملك.‏ لهذا قد ولدتُ انا ولهذا قد أتيت الى العالم لاشهد للحق.‏ كل من هو من الحق يسمع صوتي.‏»‏

      نعم،‏ ان القصد عينه لوجود يسوع على الارض هو ان يشهد «للحق،‏» وخصوصا الحق عن ملكوته.‏ ويسوع مستعد ان يكون امينا لهذا الحق حتى اذا كلَّفه ذلك حياته.‏ ومع ان بيلاطس يسأل:‏ «ما هو الحق،‏» فهو لا ينتظر من اجل ايضاح اضافي.‏ فقد سمع ما فيه الكفاية ليصدر حكما.‏

      ويرجع بيلاطس الى الجمع المنتظِر خارج الدار.‏ ومن الواضح انه اذ يكون يسوع الى جانبه يقول لرؤساء الكهنة والذين معهم:‏ «اني لا اجد علّة في هذا الانسان.‏»‏

      واذ يغضبهم القرار،‏ يشدد الجموع:‏ «انه يهيِّج الشعب وهو يعلّم في كل اليهودية مبتدئا من الجليل الى هنا.‏»‏

      ان تعصب اليهود غير المعقول لا بد انه يدهش بيلاطس.‏ وهكذا،‏ فيما يستمر رؤساء الكهنة والشيوخ في الصياح،‏ يلتفت بيلاطس الى يسوع ويسأل:‏ «أما تسمع كم يشهدون عليك.‏» ومع ذلك،‏ لا يحاول يسوع ان يجيب.‏ ان هدوءه في وجه الشكاوى الشديدة الغضب يجعل بيلاطس يتعجب.‏

      واذ يعلم ان يسوع جليلي،‏ يرى بيلاطس مخرجا له من المسؤولية.‏ فحاكم الجليل،‏ هيرودس انتيباس (‏ابن هيرودس الكبير)‏،‏ هو في اورشليم من اجل الفصح،‏ ولذلك يرسل بيلاطس يسوعَ اليه.‏ وفي وقت ابكر كان هيرودس انتيباس قد قطع رأس يوحنا المعمدان،‏ ثم صار هيرودس مرتعبا عندما سمع عن الاعمال العجائبية التي كان يسوع يصنعها،‏ خائفا ان يكون يسوع فعلا يوحنا الذي اقيم من الاموات.‏

      والآن،‏ يمتلئ هيرودس ابتهاجا لتوقع رؤية يسوع.‏ وذلك ليس لانه مهتم بخير يسوع او يريد ان يقوم بأية محاولة حقيقية ليعلم ان كانت التهم ضده صحيحة ام لا.‏ وبالاحرى،‏ انه فضولي فقط ويرجو ان يرى يسوع يصنع عجيبة ما.‏

      ولكنّ يسوع يرفض اشباع فضول هيرودس.‏ وفي الواقع،‏ اذ يسأله هيرودس،‏ لا يقول كلمة.‏ واذ يخيب املهم،‏ يستهزئ هيرودس وعسكره بيسوع.‏ فيلبسونه لباسا لامعا ويسخرون منه.‏ ثم يردّونه الى بيلاطس.‏ ونتيجة لذلك،‏ فإن هيرودس وبيلاطس،‏ اللذين كانا سابقا عدوَّين،‏ يصيران صديقين جيدين.‏

      وعندما يرجع يسوع يدعو بيلاطس رؤساء الكهنة،‏ عظماء اليهود،‏ والشعب ويقول:‏ «قد قدّمتم اليَّ هذا الانسان كمن يُفسد الشعب.‏ وها انا قد فحصت قدامكم ولم اجد في هذا الانسان علّة مما تشتكون به عليه.‏ ولا هيرودس ايضا.‏ لاني ارسلتكم اليه.‏ وها لا شيء يستحق الموت صُنع منه.‏ فأنا اؤدّبه وأُطلقه.‏»‏

      وهكذا اعلن بيلاطس مرتين ان يسوع بريء.‏ وهو يتوق الى تحريره،‏ لانه يدرك ان الكهنة اسلموه بسبب الحسد فقط.‏ واذ يستمر بيلاطس في محاولة اطلاق يسوع،‏ ينال دافعا اقوى ايضا الى ذلك.‏ فبينما هو على كرسي ولايته ترسل زوجته رسالة،‏ محرِّضة اياه:‏ «اياك وذلك البار.‏ لاني تألمت اليوم كثيرا في حلم [من اصل الهي كما يتضح] من اجله.‏»‏

      ولكن،‏ كيف يمكن لبيلاطس ان يطلق هذا الرجل البريء،‏ اذ يعرف انه يجب اطلاقه؟‏ يوحنا ١٨:‏٣٦-‏٣٨؛‏ لوقا ٢٣:‏٤-‏١٦؛‏ متى ٢٧:‏١٢-‏١٤،‏ ١٨،‏ ١٩؛‏ ١٤:‏​١،‏ ٢؛‏ مرقس ١٥:‏٢-‏٥‏.‏

      ▪ كيف يجيب يسوع عن السؤال المتعلق بملكيته؟‏

      ▪ ما هو «الحق» الذي قضى يسوع حياته الارضية يشهد له؟‏

      ▪ ما هو حكم بيلاطس،‏ كيف يتجاوب الشعب،‏ وماذا يفعل بيلاطس بيسوع؟‏

      ▪ من هو هيرودس انتيباس،‏ ولماذا يمتلئ ابتهاجا لرؤية يسوع،‏ وماذا يفعل به؟‏

      ▪ لماذا يتوق بيلاطس الى تحرير يسوع؟‏

  • ‏«هوذا الانسان»‏
    اعظم انسان عاش على الاطلاق
    • الفصل ١٢٣

      ‏«هوذا الانسان»‏

      اذ يتأثر بسلوك يسوع ويدرك براءته،‏ يتبع بيلاطس طريقة اخرى لكي يطلقه.‏ «لكم عادة،‏» يقول للجموع،‏ «ان اطلق لكم واحدا في الفصح.‏»‏

      وباراباس،‏ القاتل المشهور،‏ محتجز ايضا اسيرا،‏ ولذلك يسأل بيلاطس:‏ «مَن تريدون ان اطلق لكم.‏ باراباس أم يسوع الذي يدعى المسيح.‏»‏

      بتحريض رؤساء الكهنة الذين هيَّجوهم،‏ يطلب الشعب ان يُطلَق باراباس وأما يسوع فليُقتل.‏ ودون استسلام يجيب بيلاطس،‏ سائلا ثانية:‏ «مَن من الاثنين تريدون ان اطلق لكم.‏»‏

      ‏«باراباس،‏» يصرخون.‏

      ‏«فماذا افعل بيسوع الذي يدعى المسيح،‏» يسأل بيلاطس بقلق.‏

      وبصرخة واحدة تُصِمّ الآذان،‏ يجيبون:‏ «ليُصلب.‏» «اصلبه اصلبه.‏»‏

      واذ يعرف انهم يطالبون بموت رجل بريء،‏ يدافع بيلاطس:‏ «فأي شر عمل هذا.‏ اني لم اجد فيه علة للموت.‏ فأنا اؤدبه وأطلقه.‏»‏

      على الرغم من محاولاته،‏ فان الجمع الغضبان،‏ اذ يحثهم قادتهم الدينيون،‏ يواصلون الصياح:‏ «ليُصلب.‏» واذ يجعلهم الكهنة في هياج،‏ يريد الجمع دما.‏ ولنتذكر انه،‏ قبل خمسة ايام فقط،‏ ربما كان البعض منهم بين اولئك الذين رحَّبوا بيسوع في اورشليم كملك!‏ وكل هذا الوقت،‏ اذا كان تلاميذ يسوع حاضرين،‏ يبقون صامتين وغير لافتين الانتباه.‏

      اذ يرى بيلاطس ان مناشداته لا تنفع شيئا بل بالحري يحدث شغب،‏ يأخذ ماء ويغسل يديه قدام الجمع ويقول:‏ «اني بريء من دم هذا البار.‏ أَبصروا انتم.‏» وعندئذ يجيب الشعب:‏ «دمه علينا وعلى اولادنا.‏»‏

      ولذلك،‏ وفقا لمطالبهم —‏ ورغبة في ارضاء الجمع اكثر من فعل ما يعرف انه صواب —‏ يطلق بيلاطس لهم باراباس.‏ ويأخذ يسوع ويعرّيه ثم يجلده.‏ ولم يكن ذلك جلدا عاديا.‏ تصف مجلة الجمعية الطبية الاميركية ممارسة الجلد الرومانية قائلة:‏

      ‏«كانت الاداة المألوفة سوطا قصيرا (‏كرباجا)‏ ذا سيور جلدية متعددة مفردة او مجدَّلة بأطوال مختلفة،‏ تُربط بها على مسافات كرات حديدية صغيرة او قطع حادة الرأس من عظام الخروف.‏ .‏ .‏ .‏ واذ يضرب الجنود الرومان تكرارا ظهر الضحية بكل قوة،‏ تسبب الكرات الحديدية رضوضا عميقة،‏ وتقطع السيور الجلدية وعظام الخروف الجلد والانسجة التي تحت الجلد.‏ ثم،‏ فيما يستمر الجَلْد،‏ تنفلق التمزقات حتى العضلات الهيكلية التحتية وتُنتِج شُرُطا مرتجفة من اللحم النازف.‏»‏

      بعد هذا الضرب المبرِّح،‏ يؤخذ يسوع الى دار الولاية وتُجمع كل الكتيبة.‏ وهناك يكوِّم عليه الجنود مزيدا من المعاملة السيئة بضفر اكليل من شوك وكبسه على رأسه.‏ ويضعون قصبة في يمينه،‏ ويلبسونه ثوب ارجوان،‏ الطراز الذي يلبسه الملوك.‏ ثم يقولون له بسخرية:‏ «السلام يا ملك اليهود.‏» وأيضا،‏ يبصقون عليه ويلطمونه.‏ واذ يأخذون القصبة الصلبة من يده،‏ يستعملونها لضربه على رأسه،‏ غارزين اكثر ايضا الشوك الحاد ‹لإكليله› المذلّ في فروته.‏

      ان وقار وقوة يسوع الرائعين في وجه سوء المعاملة هذا يؤثران جدا في بيلاطس حتى انه يندفع الى صنع محاولة اخرى لتخليصه.‏ «ها انا اخرجه اليكم لتعلموا اني لست اجد فيه علة واحدة،‏» يقول للجموع.‏ وعلى الارجح يتصور ان رؤية حالة عذاب يسوع ستليِّن قلوبهم.‏ واذ يقف يسوع امام الحشد العديم الشفقة،‏ لابسا الاكليل الشوكي والثوب الارجواني ووجهه الدامي منقوش بالألم،‏ يعلن بيلاطس:‏ «هوذا الانسان.‏»‏

      ومع انه مرضوض ومضروب بقسوة،‏ يقف هنا ابرز شخص في كل التاريخ،‏ حقا،‏ اعظم انسان عاش على الاطلاق!‏ نعم،‏ يُظهر يسوع وقارا وهدوءا صامتين ينمّان عن عظمة يجب حتى على بيلاطس ان يعترف بها،‏ لأن كلماته هي كما يظهر مزيج من الاحترام والشفقة على السواء.‏ يوحنا ١٨:‏٣٩-‏١٩:‏٥؛‏ متى ٢٧:‏١٥-‏١٧،‏ ٢٠-‏٣٠؛‏ مرقس ١٥:‏٦-‏١٩؛‏ لوقا ٢٣:‏١٨-‏٢٥‏.‏

      ▪ بأية طريقة يحاول بيلاطس اطلاق يسوع؟‏

      ▪ كيف يحاول بيلاطس ان يبرِّئ نفسه من المسؤولية؟‏

      ▪ ماذا يشمله الجَلْد؟‏

      ▪ كيف استُهزئ بيسوع بعد جلده؟‏

      ▪ اية محاولة اضافية يقوم بها بيلاطس لاطلاق يسوع؟‏

  • تسليمه والمضي به
    اعظم انسان عاش على الاطلاق
    • الفصل ١٢٤

      تسليمه والمضي به

      عندما يحاول بيلاطس من جديد،‏ متأثرا بالوقار الهادئ ليسوع المعذَّب،‏ ان يطلقه يصير رؤساء الكهنة اكثر غضبا ايضا.‏ فهم مصممون ان لا يدعوا شيئا يعيق قصدهم الشرير.‏ ولذلك يجدِّدون صراخهم:‏ «اصلبه اصلبه.‏»‏

      ‏«خذوه انتم واصلبوه،‏» يجاوب بيلاطس.‏ (‏بخلاف ادعاءاتهم في وقت ابكر،‏ ربما كانت لدى اليهود سلطة تنفيذ الحكم في المجرمين بسبب الاساءات الدينية التي هي ذات خطورة كافية.‏)‏ ثم،‏ للمرة الخامسة على الاقل،‏ يعلن بيلاطس براءة يسوع،‏ قائلا:‏ «لست اجد فيه علة.‏»‏

      فيلجأ اليهود،‏ اذ يرون ان تهمهم السياسية قد فشلت في اعطاء النتائج،‏ الى تهمة التجديف الدينية التي استُعملت في ساعات ابكر عند محاكمة يسوع امام السنهدريم.‏ «لنا ناموس،‏» يقولون،‏ «وحسب ناموسنا يجب ان يموت لانه جعل نفسه ابن اللّٰه.‏»‏

      هذه التهمة جديدة بالنسبة الى بيلاطس،‏ وتجعله يزداد خوفا.‏ والآن يدرك ان يسوع ليس رجلا عاديا،‏ تماما كما يشير اليه حلم زوجته وقوة شخصية يسوع الجديرة بالملاحظة.‏ ولكن «ابن اللّٰه»؟‏ يعرف بيلاطس ان يسوع هو من الجليل.‏ ولكن،‏ هل من الممكن ان يكون قد عاش من قبل؟‏ واذ يعيده الى الدار من جديد،‏ يسأل بيلاطس:‏ «من اين انت.‏»‏

      يبقى يسوع صامتا.‏ ففي وقت ابكر كان قد اخبر بيلاطس انه ملك،‏ وأن مملكته ليست جزءا من هذا العالم.‏ وما من شرح اضافي سيفي الآن بغرض مفيد.‏ ولكن،‏ يجري جرح كبرياء بيلاطس برفض الاجابة،‏ ويحمى غضبه على يسوع بالكلمات:‏ «أما تكلِّمني.‏ ألست تعلم ان لي سلطانا ان اصلبك وسلطانا ان اطلقك.‏»‏

      ‏«لم يكن لك عليَّ سلطان البتة لو لم تكن قد أُعطيت من فوق،‏» يجاوب يسوع باحترام.‏ وهو يشير الى منح اللّٰه السلطان للحكام البشر ليديروا الشؤون الارضية.‏ ويضيف يسوع:‏ «لذلك الذي اسلمني اليك له خطية اعظم.‏» وفي الواقع،‏ ان رئيس الكهنة قيافا وشركاءه ويهوذا الاسخريوطي جميعا يتحمَّلون مسؤولية اثقل من بيلاطس عن المعاملة غير العادلة ليسوع.‏

      واذ يتأثر اكثر ايضا بيسوع ويخاف من انه ربما يكون من اصل الهي،‏ يجدِّد بيلاطس جهوده لاطلاقه.‏ ولكنّ اليهود يصدّون بيلاطس.‏ ويكررون تهمتهم السياسية،‏ مهدِّدين بمكر:‏ «إن اطلقت هذا فلست محبا لقيصر.‏ كل من يجعل نفسه ملكا يقاوم قيصر.‏»‏

      وعلى الرغم من التلاميح المريعة،‏ يُخرج بيلاطس يسوع مرة اخرى.‏ «هوذا ملككم،‏» يناشد مرة اخرى بعدُ.‏

      ‏«خذه خذه اصلبه.‏»‏

      ‏«أأصلب ملككم،‏» يسأل بيلاطس بيأس.‏

      يتململ اليهود من حكم الرومان.‏ وفي الواقع،‏ يحتقرون سيطرة رومية!‏ ومع ذلك،‏ برياء،‏ يقول رؤساء الكهنة:‏ «ليس لنا ملك إلا قيصر.‏»‏

      واذ يخاف على مركزه السياسي وسمعته،‏ يستسلم بيلاطس اخيرا لطلبات اليهود القاسية المهدِّدة.‏ ويُسلِم يسوع.‏ فينزع العسكر عن يسوع الرداء الارجواني ويلبسونه ثيابه.‏ واذ يمضون بيسوع ليُصلب،‏ يجعلونه يحمل خشبة آلامه.‏

      والآن انه منتصف فترة قبل الظهر ليوم الجمعة في ١٤ نيسان قمري؛‏ وربما يقترب الوقت من الظهر.‏ ويسوع مستيقظ منذ وقت مبكر من صباح يوم الخميس،‏ وقد عانى اختبارا مؤلما تلو الآخر.‏ وعلى نحو مفهوم،‏ تنهار قوته بسرعة تحت ثقل الخشبة.‏ ولذلك يُسخَّر رجل مجتاز،‏ وهو سمعان القيرواني من افريقيا،‏ ليحملها عنه.‏ واذ يسيرون قُدُما،‏ يتبعهم اناس كثيرون،‏ بمن فيهم نساء يَلطمن وينُحن على يسوع.‏

      واذ يلتفت الى النساء،‏ يقول يسوع:‏ «يا بنات اورشليم لا تبكين عليَّ بل ابكين على انفسكن وعلى اولادكن.‏ لانه هوذا ايام تأتي يقولون فيها طوبى للعواقر والبطون التي لم تلد والثدي التي لم تُرضع.‏ .‏ .‏ .‏ لانه ان كانوا (‏يفعلون هذه الامور عندما تكون الشجرة رطبة،‏ فماذا سيحدث عندما تكون ذابلة؟‏)‏»‏

      يشير يسوع الى شجرة الامة اليهودية،‏ التي لا يزال فيها بعض رطوبة الحياة بسبب حضور يسوع ووجود بقية تؤمن به.‏ أما عند اخراج هؤلاء من الامة،‏ فسيبقى مجرد شجرة ميتة روحيا،‏ اجل،‏ هيئة قومية يابسة.‏ وكم يكون هناك سبب للبكاء عندما تخرِّب الجيوش الرومانية،‏ اذ تخدم كمنفِّذة لاحكام اللّٰه،‏ الامة اليهودية!‏ يوحنا ١٩:‏٦-‏١٧؛‏ ١٨:‏٣١؛‏ لوقا ٢٣:‏٢٤-‏٣١؛‏ متى ٢٧:‏​٣١،‏ ٣٢؛‏ مرقس ١٥:‏​٢٠،‏ ٢١‏.‏

      ▪ اية تهمة يوجِّهها القادة الدينيون ضد يسوع عندما تفشل تهمهم السياسية في اعطاء النتائج؟‏

      ▪ لماذا يزداد بيلاطس خوفا؟‏

      ▪ من يتحمَّلون الخطية الاعظم لما يحدث ليسوع؟‏

      ▪ اخيرا،‏ كيف يجعل الكهنة بيلاطس يُسلِم يسوع من اجل تنفيذ الحكم؟‏

      ▪ ماذا يقول يسوع للنساء اللواتي يبكين عليه،‏ وماذا يعني بالاشارة الى الشجرة بصفتها «(‏رطبة)‏» ثم «(‏ذابلة)‏»؟‏

  • كَرْب على الخشبة
    اعظم انسان عاش على الاطلاق
    • الفصل ١٢٥

      كَرْب على الخشبة

      مع يسوع يؤتى بلصَّين لينفَّذ فيهما الحكم.‏ وليس بعيدا عن المدينة،‏ يتوقف الموكب عن السير في موضع يقال له جلجثة او موضع الجمجمة.‏

      يُجرَّد الأسرى من ثيابهم.‏ ثم تزوَّد خمر ممزوجة بمُرّ.‏ وكما يبدو،‏ فان نساء اورشليم يُعددنها،‏ والرومان لا يحرمون الذين يُعلَّقون من هذا الشراب الذي يسكِّن الالم.‏ ومع ذلك،‏ عندما يذوقها يسوع لا يريد ان يشرب.‏ ولماذا؟‏ من الواضح انه يريد ان يسيطر كاملا على قواه العقلية خلال هذا الامتحان الاعظم لايمانه.‏

      يسوع متمدِّد الآن على الخشبة ويداه موضوعتان فوق رأسه.‏ ثم يدقّ العسكر مسامير كبيرة في يديه وفي رجليه.‏ فيتلوَّى من الألم فيما تثقب المسامير اللحم والاربطة.‏ وعندما تُرفَع الخشبة منتصبة يكون الالم مبرِّحا،‏ لأن ثقل الجسد يمزِّق مكان جروح المسامير.‏ ومع ذلك،‏ عوضا عن ان يهدد،‏ يصلّي يسوع لأجل العسكر الرومان:‏ «يا ابتاه اغفر لهم لانهم لا يعلمون ماذا يفعلون.‏»‏

      يضع بيلاطس على الخشبة لافتة تتألف من الكلمات التالية:‏ «يسوع الناصري ملك اليهود.‏» وكما يبدو،‏ يكتب ذلك ليس فقط لأنه يحترم يسوع بل لأنه يكره الكهنة اليهود لانتزاعهم حكم موت يسوع منه.‏ ولكي يقرأ الجميع اللافتة،‏ جعلها بيلاطس تُكتب بثلاث لغات —‏ بالعبرانية،‏ باللاتينية الرسمية،‏ وباليونانية العامة.‏

      ان رؤساء الكهنة،‏ بمن فيهم قيافا وحنَّان،‏ مرتاعون.‏ فهذا الإعلان القاطع يفسد ساعة انتصارهم.‏ ولذلك يعترضون:‏ «لا تكتب ملك اليهود بل ان ذاك قال انا ملك اليهود.‏» واذ يغتاظ من ان يخدم كأداة للكهنة،‏ يجيب بيلاطس باحتقار واضح:‏ «ما كتبت قد كتبت.‏»‏

      يجتمع الكهنة الآن،‏ بالاضافة الى جمع كبير،‏ في موضع تنفيذ الحكم،‏ ويحاول الكهنة ان يدحضوا شهادة اللافتة.‏ فيكرِّرون الشهادة الزائفة التي أُعطيت في وقت ابكر في محاكمات السنهدريم.‏ ولذلك ليس مدهشا ان يجدِّف المجتازون وهم يهزّون رؤوسهم بسخرية،‏ قائلين:‏ «يا ناقض الهيكل وبانيه في ثلاثة ايام خلِّص نفسك.‏ إن كنت ابن اللّٰه فانزل عن الصليب.‏»‏

      ‏«خلَّص آخرين وأما نفسه فما يقدر ان يخلِّصها،‏» يتدخَّل رؤساء الكهنة وأصدقاؤهم الدينيون.‏ «إن كان هو ملك اسرائيل فلينزل الآن عن الصليب فنؤمن به.‏ قد اتكل على اللّٰه فلينقذه الآن إن اراده.‏ لأنه قال انا ابن اللّٰه.‏»‏

      إذ يتأثرون بالموقف العقلي هذا،‏ يستهزئ العسكر ايضا بيسوع.‏ وبسخرية يقدِّمون له خلاًّ،‏ ممسكين بذلك كما يبدو على مسافة من شفتيه الظَمِئتين.‏ «إن كنت انت ملك اليهود،‏» يُعيِّرون،‏ «فخلِّص نفسك.‏» وحتى اللصَّان —‏ واحد معلَّق عن يمين يسوع،‏ وآخر عن يساره —‏ يهزأان به.‏ فكِّروا في ذلك!‏ ان اعظم انسان عاش على الإطلاق،‏ نعم،‏ ذاك الذي اشترك مع يهوه اللّٰه في خلق كل الاشياء،‏ يعاني بعزم ثابت كل هذه الاساءة!‏

      يأخذ العسكر ثياب يسوع ويقسمونها الى اربعة اقسام.‏ ويُلقون قرعة ليروا لمن ستكون هذه.‏ أما القميص فهو بغير خياطة،‏ لكونه ذا نوعية ممتازة.‏ ولذلك يقول العسكر بعضهم لبعض:‏ «لا نشقُّه بل نقترع عليه لمن يكون.‏» وهكذا،‏ دون ان يعلموا،‏ يتمِّمون الكتاب القائل:‏ «اقتسموا ثيابي بينهم وعلى لباسي ألقوا قرعة.‏»‏

      وفي حينه يقدِّر احد اللصَّين انه لا بد ان يكون يسوع ملكا حقا.‏ ولذلك،‏ اذ ينتهر رفيقه،‏ يقول:‏ «أَوَلا انت تخاف اللّٰه اذ انت تحت هذا الحكم بعينه.‏ أما نحن فبعدل لأننا ننال استحقاق ما فعلنا.‏ وأما هذا فلم يفعل شيئا ليس في محلِّه.‏» ثم يخاطب يسوع،‏ «اذكرني يا رب متى جئت في ملكوتك.‏»‏

      ‏«الحق اقول لك اليوم،‏» يجيب يسوع،‏ «ستكون معي في الفردوس.‏» وهذا الوعد سيتمّ عندما يحكم يسوع ملكا في السماء ويقيم فاعل الشر التائب هذا الى الحياة على الارض في الفردوس الذي يكون للناجين من هرمجدون ورفقائهم امتياز الاعتناء به.‏ متى ٢٧:‏٣٣-‏٤٤؛‏ مرقس ١٥:‏٢٢-‏٣٢؛‏ لوقا ٢٣:‏​٢٧،‏ ٣٢-‏٤٣‏،‏ ع‌ج؛‏ يوحنا ١٩:‏١٧-‏٢٤‏.‏

      ▪ لماذا لا يريد يسوع ان يشرب الخمر الممزوجة بمُرّ؟‏

      ▪ كما يبدو،‏ لماذا توضع لافتة على خشبة يسوع،‏ وأية منازعة تُبدئها بين بيلاطس ورؤساء الكهنة؟‏

      ▪ اية اساءة اضافية ينالها يسوع على الخشبة،‏ وماذا يثيرها كما يتضح؟‏

      ▪ كيف تتمّ النبوة في ما يجري فعله بثياب يسوع؟‏

      ▪ اي تغيير يصنعه احد اللصَّين،‏ وكيف سيتمِّم يسوع طلبه؟‏

  • ‏«حقا كان هذا ابن اللّٰه»‏
    اعظم انسان عاش على الاطلاق
    • الفصل ١٢٦

      ‏«حقا كان هذا ابن اللّٰه»‏

      لم يكن قد مضى على يسوع وقت طويل على الخشبة حين تقع،‏ عند الظهر،‏ ظلمة غامضة طوال ثلاث ساعات.‏ ان كسوف الشمس ليس السبب،‏ لأنه يحدث وقت الهلال فقط،‏ والقمر هو بدر وقت الفصح.‏ وعلاوة على ذلك،‏ ان كسوف الشمس يدوم بضع دقائق فقط.‏ ولذلك فان الظلمة هي من مصدر الهي!‏ وهي على الارجح تجعل الذين يهزأون بيسوع يتوقفون ويفكرون،‏ حتى انها تسبِّب انقطاع تعييراتهم.‏

      اذا وقعت هذه الظاهرة الغريبة قبل ان يعنِّف احدُ فاعلَي الشر رفيقه ويطلب من يسوع ان يذكره،‏ فقد تكون عاملا في توبته.‏ وربما في اثناء الظلمة تشق اربع نساء طريقهن الى قرب خشبة الآلام،‏ وهن امّ يسوع وأختها سالومة،‏ مريم المجدلية،‏ ومريم امّ الرسول يعقوب الصغير.‏ ويوحنا،‏ رسول يسوع الحبيب،‏ معهن هناك.‏

      كم يُطعَن قلب امّ يسوع فيما تشاهد الابن،‏ الذي ارضعته وربَّته،‏ معلَّقا هناك يقاسي ألما شديدا!‏ وعلى الرغم من ذلك،‏ يفكِّر يسوع،‏ لا في ألمه،‏ بل في خيرها.‏ وبجهد كبير،‏ يومئ برأسه الى يوحنا ويقول لأمه:‏ «يا امرأة هوذا ابنك.‏» ثم،‏ اذ يومئ برأسه الى مريم،‏ يقول ليوحنا:‏ «هوذا امك.‏»‏

      بذلك يعهد يسوع في عناية امه،‏ التي كما يتضح هي الآن ارملة،‏ الى رسوله الحبيب على نحو خصوصي.‏ ويفعل ذلك لأن اولاد مريم الآخرين لم يُظهروا حتى الآن ايمانا به.‏ وهكذا يرسم مثالا جيدا في تزويد لا حاجات امه الجسدية فقط بل الروحية ايضا.‏

      ونحو الساعة الثالثة بعد الظهر،‏ يقول يسوع:‏ «انا عطشان.‏» ويشعر يسوع كما لو ان اباه نزع الحماية عنه لكي تُمتحن استقامته الى اقصى حد.‏ ولذلك يصرخ بصوت عظيم:‏ «الهي الهي لماذا تركتني.‏» وعندما يسمعون ذلك يقول قوم واقفون بالقرب منه:‏ «هوذا ينادي ايليا.‏» وللوقت يركض واحد منهم ويسقيه،‏ واضعا إسفنجة ملآنة خلاًّ على طرف زوفا.‏ ولكن يقول آخرون:‏ «اتركوا.‏ لنرَ هل يأتي ايليا ليُنزله.‏»‏

      وعندما يأخذ يسوع الخلَّ يصرخ:‏ «قد أُكمل.‏» نعم،‏ لقد انهى كل ما ارسله ابوه الى الارض ليفعله.‏ وأخيرا،‏ يقول:‏ «يا ابتاه في يديك استودع روحي.‏» وبذلك يسلِّم يسوع قوة حياته الى اللّٰه واثقا بأن اللّٰه سيعيدها اليه من جديد.‏ ثم ينكِّس رأسه ويموت.‏

      حالما يلفظ يسوع نفسَه الاخير تقع زلزلة عنيفة،‏ فتنشق الصخور.‏ والهزة قوية حتى ان القبور التذكارية خارج اورشليم تنفتح عنوة وتُطرح منها الجثث.‏ والمجتازون،‏ الذين يرون الاجساد الميتة التي انكشفت،‏ يدخلون المدينة ويخبرون بذلك.‏

      وعلاوة على ذلك،‏ في اللحظة التي يموت فيها يسوع،‏ ينشق الحجاب الكبير،‏ الذي يفصل القدس عن قدس الاقداس في هيكل اللّٰه،‏ الى اثنين،‏ من فوق الى اسفل.‏ وكما يظهر،‏ فإن هذا الحجاب المزخرف على نحو جميل يبلغ ارتفاعه نحو ٦٠ قدما (‏١٨ م)‏ وهو ثقيل جدا!‏ والعجيبة المذهلة لا تُظهر فقط غضب اللّٰه على قاتلي ابنه بل تدل ان الطريق الى قدس الاقداس،‏ السماء عينها،‏ يصير الآن ممكنا بموت يسوع.‏

      عندما يشعر الناس بالزلزلة ويرون ما يحدث يخافون جدا.‏ وقائد المئة المشرف على الاعدام يمجِّد اللّٰه.‏ «حقا كان هذا ابن اللّٰه،‏» يعلن.‏ وعلى الارجح كان حاضرا عندما جرت مناقشة الادِّعاء بالبنوَّة الالهية وقت محاكمة يسوع امام بيلاطس.‏ والآن هو مقتنع بأن يسوع هو ابن اللّٰه،‏ نعم،‏ انه حقا اعظم انسان عاش على الاطلاق.‏

      وثمة آخرون ايضا تبهرهم هذه الحوادث العجائبية،‏ فيبدأون بالرجوع الى بيوتهم قارعين صدورهم،‏ اشارة الى حزنهم وخزيهم الشديدين.‏ وتراقب المنظر من بعيد تلميذات كثيرات ليسوع فتثير مشاعرهن بعمق هذه الحوادث المهمة.‏ والرسول يوحنا ايضا حاضر.‏ متى ٢٧:‏٤٥-‏٥٦؛‏ مرقس ١٥:‏٣٣-‏٤١؛‏ لوقا ٢٣:‏​٤٤-‏٤٩؛‏ ٢:‏​٣٤،‏ ٣٥؛‏ يوحنا ١٩:‏٢٥-‏٣٠‏.‏

      ▪ لماذا لا يمكن ان يكون كسوف الشمس السبب لثلاث ساعات من الظلمة؟‏

      ▪ قبل موته بمدة وجيزة،‏ اي مثال جيد يزوِّده يسوع لذوي الوالدين المسنين؟‏

      ▪ ما هي العبارات الاربع الاخيرة ليسوع قبل ان يموت؟‏

      ▪ ماذا تنجز الزلزلة،‏ وما هو مغزى انشقاق حجاب الهيكل الى اثنين؟‏

      ▪ كيف يتأثر قائد المئة المشرف على الاعدام بالعجائب؟‏

  • يُدفَن الجمعة —‏ قبر فارغ الاحد
    اعظم انسان عاش على الاطلاق
    • الفصل ١٢٧

      يُدفَن الجمعة —‏ قبر فارغ الاحد

      الآن هو وقت متأخر من يوم الجمعة بعد الظهر،‏ والسبت في ١٥ نيسان قمري سيبتدئ عند الغروب.‏ وجسد يسوع الميت يتدلى مرتخيا على الخشبة،‏ إلا ان اللصَّين الى جانبه لا يزالان على قيد الحياة.‏ وبعد ظهر يوم الجمعة يدعى الاستعداد لأن الناس يعدُّون وجبات الطعام ويتمّمون اي عمل ملحّ آخر لا يمكن تأجيله الى ما بعد السبت.‏

      والسبت الذي يوشك ان يبدأ ليس مجرد سبت عادي (‏اليوم السابع من الاسبوع)‏ بل ايضا سبت مزدوج او «عظيم.‏» وهو يدعى هكذا لأن ١٥ نيسان قمري،‏ الذي هو اول يوم من الايام السبعة لعيد الفطير (‏وهو دائما سبت مهما كان اليوم من الاسبوع الذي يصادفه)‏،‏ يقع في يوم السبت العادي نفسه.‏

      ووفقا لشريعة اللّٰه،‏ لا يجب ان تُترك الاجساد معلَّقة على خشبة طوال الليل.‏ ولذلك يطلب اليهود من بيلاطس تعجيل موت اللذين حُكم عليهما بكسر سيقانهما.‏ وهكذا يكسر العسكر سيقان اللصَّين.‏ ولكن،‏ اذ يتضح ان يسوع قد مات،‏ لا تُكسر ساقاه.‏ وهذا يتمم الكتاب القائل:‏ «عظم لا يُكسَر منه.‏»‏

      ولكن،‏ لازالة ايّ شك في ان يسوع قد مات حقا،‏ يطعن واحد من العسكر جنبه بحربة.‏ فتخترق الحربة ناحية قلبه،‏ وللوقت يخرج دم وماء.‏ والرسول يوحنا،‏ الذي هو شاهد عيان،‏ يخبر ان ذلك يتمم كتابا آخر:‏ «سينظرون الى الذي طعنوه.‏»‏

      ويوسف الذي من الرامة،‏ عضو حسن السمعة في السنهدريم،‏ يكون ايضا حاضرا عند تنفيذ الحكم.‏ وقد رفض الموافقة على اجراء المحكمة العليا غير العادل ضد يسوع.‏ ويوسف هو في الواقع تلميذ ليسوع،‏ مع انه كان يخاف من تحديد هويته بهذه الصفة.‏ ولكنه،‏ الآن،‏ يتجاسر ويذهب الى بيلاطس ليطلب جسد يسوع.‏ فيدعو بيلاطس قائد المئة المسؤول،‏ وبعد ان يؤكِّد قائد المئة ان يسوع ميت،‏ يقوم بيلاطس بتسليم الجثة.‏

      يأخذ يوسف الجسد ويكفّنه بكتان نقي استعدادا للدفن.‏ ويساعده نيقوديموس،‏ عضو آخر في السنهدريم.‏ ونيقوديموس ايضا فشل في الاقرار بايمانه بيسوع بسبب الخوف من ان يخسر منصبه.‏ لكنه الآن يجلب مزيجا يحتوي على نحو مئة مَنًا من المر والعود الباهظ الثمن.‏ فيُلفّ جسد يسوع بأكفان تحتوي على هذين الطيبين،‏ كما لليهود عادة ان يكفّنوا.‏

      ثم يوضع الجسد في القبر التذكاري الجديد ليوسف المنحوت في صخرة في البستان القريب.‏ وأخيرا،‏ يُدحرج حجر كبير امام القبر.‏ ولانجاز الدفن قبل السبت،‏ يجري الاسراع في إعداد الجسد.‏ ولذلك تهرع مريم المجدلية ومريم أُم يعقوب الصغير،‏ اللتان ربما كانتا تساعدان في الإعداد،‏ الى البيت لإعداد مزيد من الحنوط والاطياب.‏ وبعد السبت،‏ تخططان لمعالجة جسد يسوع اكثر لكي تحفظاه لفترة اطول من الوقت.‏

      وفي الغد،‏ الذي هو السبت،‏ يذهب رؤساء الكهنة والفريسيون الى بيلاطس ويقولون:‏ «يا سيد قد تذكَّرنا ان ذلك المضلّ قال وهو حي اني بعد ثلاثة ايام اقوم.‏ فمُرْ بضبط القبر الى اليوم الثالث لئلا يأتي تلاميذه ليلا ويسرقوه ويقولوا للشعب انه قام من الاموات.‏ فتكون الضلالة الاخيرة اشرَّ من الاولى.‏»‏

      ‏«عندكم حراس،‏» يجيب بيلاطس.‏ «اذهبوا واضبطوه كما تعلمون.‏» فيمضون ويضبطون القبر بختم الحجر وبوضع عساكر رومانيين حراسا.‏

      وفي وقت باكر من صباح الاحد تحمل مريم المجدلية،‏ مريم أُم يعقوب،‏ مع سالومة،‏ يوَنَّا،‏ ونساء أخريات،‏ الحنوط الى القبر لمعالجة جسد يسوع.‏ وفي طريقهن يقلن في ما بينهن:‏ «مَن يدحرج لنا الحجر عن باب القبر.‏» ولكن عندما يصلن يجدن ان زلزلة قد حدثت وملاك يهوه قد دحرج الحجر بعيدا.‏ والحراس قد ذهبوا،‏ والقبر فارغ!‏ متى ٢٧:‏٥٧-‏٢٨:‏٢؛‏ مرقس ١٥:‏٤٢-‏١٦:‏٤؛‏ لوقا ٢٣:‏٥٠-‏٢٤:‏​٣،‏ ١٠؛‏ يوحنا ١٩:‏​١٤،‏ ٣١‏-‏٢٠:‏١‏؛‏ ١٢:‏٤٢‏؛‏ لاويين ٢٣:‏٥-‏٧؛‏ تثنية ٢١:‏​٢٢،‏ ٢٣؛‏ مزمور ٣٤:‏٢٠؛‏ زكريا ١٢:‏١٠‏.‏

      ▪ لماذا يدعى يوم الجمعة الاستعداد،‏ وما هو السبت ‹العظيم›؟‏

      ▪ اية آيات يجري اتمامها في ما يتعلق بجسد يسوع؟‏

      ▪ ما هي علاقة يوسف ونيقوديموس بدفن يسوع،‏ وما هي علاقتهما بيسوع؟‏

      ▪ ماذا يطلب الكهنة من بيلاطس،‏ وكيف يتجاوب؟‏

      ▪ ماذا يحدث في وقت باكر من صباح الاحد؟‏

المطبوعات باللغة العربية (‏١٩٧٩-‏٢٠٢٥)‏
الخروج
الدخول
  • العربية
  • مشاركة
  • التفضيلات
  • Copyright © 2025 Watch Tower Bible and Tract Society of Pennsylvania
  • شروط الاستخدام
  • سياسة الخصوصية
  • إعدادات الخصوصية
  • JW.ORG
  • الدخول
مشاركة