-
الاتضاع في الفصح الاخيراعظم انسان عاش على الاطلاق
-
-
الفصل ١١٣
الاتضاع في الفصح الاخير
بطرس ويوحنا، بحسب التعليمات المعطاة من يسوع، وصلا الآن الى اورشليم ليعدّا الفصح. وكما يظهر، يصل يسوع مع الرسل العشرة الآخرين لاحقا بعد الظهر. الشمس تغوص في الافق فيما ينزل يسوع وفريقه من جبل الزيتون. هذا هو المشهد النهاري الاخير للمدينة الذي يراه يسوع من الجبل الى ما بعد قيامته.
سرعان ما يصل يسوع وفريقه الى المدينة ويتقدمون الى البيت الذي سيحتفلون فيه بالفصح. يصعدون في السلَّم الى العلّية الواسعة حيث يجدون كل شيء معدّا لاحتفالهم الخصوصي بالفصح. وكان يسوع يتطلَّع بشوق الى هذه المناسبة اذ يقول: «شهوة اشتهيت ان آكل هذا الفصح معكم قبل ان اتألم.»
تقليديا، اربع كؤوس من الخمر يشربها المساهمون في الفصح. وبعد ان يتناول الكأس الثالثة كما يظهر يشكر يسوع ويقول: «خذوا هذه واقتسموها بينكم. لاني اقول لكم اني لا اشرب من نتاج الكرمة حتى يأتي ملكوت اللّٰه.»
في وقت ما خلال وجبة الطعام يقوم يسوع، يضع جانبا ثيابه الخارجية، يأخذ منشفة، ويملأ وعاء بالماء. وعادة، يهتم المضيف بأن تُغسل رِجلا الضيف. ولكن، نظرا الى عدم وجود مضيف في هذه المناسبة، يعتني يسوع بهذه الخدمة الشخصية. وكان باستطاعة ايّ من الرسل ان ينتهز الفرصة لفعل ذلك؛ ولكن، كما يظهر، لان شيئا من المنافسة لا يزال موجودا بينهم، لا احد يفعل ذلك. والآن هم مرتبكون اذ يبتدئ يسوع بغسل ارجلهم.
عندما يصل يسوع الى بطرس يعترض قائلا: «لن تغسل رجليَّ ابدا.»
«ان كنتُ لا اغسلك فليس لك معي نصيب،» يقول يسوع.
«يا سيد،» يجاوب بطرس، «ليس رجليَّ فقط بل ايضا يديَّ ورأسي.»
«الذي قد اغتسل،» يجيب يسوع، «ليس له حاجة إلا الى غسل رجليه بل هو طاهر كله. وأنتم طاهرون ولكن ليس كلكم.» يقول ذلك لانه يعرف ان يهوذا الاسخريوطي يخطط ليسلِّمه.
عند انتهاء يسوع من غسل ارجل الـ ١٢ جميعا، بما فيها رِجلا مسلِّمه، يهوذا، يلبس ثيابه الخارجية ويتكئ على المائدة مجدَّدا. ثم يسأل: «أتفهمون ما قد صنعت بكم. انتم تدعونني معلما وسيدا وحسنا تقولون لاني انا كذلك. فإن كنت وأنا السيد والمعلم قد غسلت ارجلكم فأنتم يجب عليكم ان يغسل بعضكم ارجل بعض. لاني اعطيتكم مثالا حتى كما صنعت انا بكم تصنعون انتم ايضا. الحق الحق اقول لكم إنه ليس عبد اعظم من سيده ولا رسول اعظم من مرسله. ان علمتم هذا فطوباكم إن عملتموه.»
يا للدرس الجميل في الخدمة المتواضعة! فالرسل يجب ان لا يطلبوا المكان الاول، معتقدين انهم ذوو اهمية كبيرة بحيث يجب على الآخرين ان يخدموهم دائما. ويلزمهم ان يتبعوا المثال الذي رسمه يسوع. وليس ذلك مثالا لغسل الارجل الشعائري. كلا، ولكنه مثال للاستعداد للخدمة دون محاباة، مهما كانت المهمة حقيرة او كريهة. متى ٢٦:٢٠، ٢١؛ مرقس ١٤:١٧، ١٨؛ لوقا ٢٢:١٤-١٨؛ ٧:٤٤؛ يوحنا ١٣:١-١٧.
▪ ما هو الشيء الفريد في مشهد اورشليم الذي يراه يسوع اذ يدخل الى المدينة ليحتفل بالفصح؟
▪ خلال الفصح، اية كأس كما يظهر يمرِّرها يسوع على الرسل الـ ١٢ بعد قوله بركة؟
▪ اية خدمة شخصية كانت عادة تزوَّد للضيوف عندما كان يسوع على الارض، ولماذا لم تزوَّد خلال الفصح الذي احتفل به يسوع والرسل؟
▪ ماذا كان قصد يسوع في انجاز الخدمة الحقيرة لغسل ارجل رسله؟
-
-
العشاء التذكارياعظم انسان عاش على الاطلاق
-
-
الفصل ١١٤
العشاء التذكاري
بعد ان يغسل يسوع ارجل رسله يقتبس الآية في المزمور ٤١:٩، قائلا: «الذي يأكل معي الخبز رفع عليَّ عقبه.» حينئذ، اذ يضطرب بالروح، يوضح: «ان واحدا منكم سيسلّمني.»
فيحزن الرسل ويقولون ليسوع واحدا فواحدا: «هل انا.» وحتى يهوذا الاسخريوطي يشترك في السؤال. ويوحنا، المتمدِّد قرب يسوع عند الطاولة، يتكئ على صدر يسوع ويسأل: «يا سيد من هو.»
«هو واحد من الاثني عشر الذي يغمس معي في الصحفة،» يجيب يسوع. «ان ابن الانسان ماض كما هو مكتوب عنه. ولكن ويل لذلك الرجل الذي به يُسلَّم ابن الانسان. كان خيرا لذلك الرجل لو لم يولد.» وبعد ذلك يدخل الشيطانُ يهوذا ثانية، مستفيدا من الثغرة في قلبه الذي صار شريرا. وفي وقت لاحق من تلك الليلة يدعو يسوع يهوذا على نحو ملائم «ابن الهلاك.»
ويقول يسوع الآن ليهوذا: «ما انت تعمله فاعمله باكثر سرعة.» فلا يفهم احد من الرسل الآخرين ما يعنيه يسوع. ويظن البعض انه بسبب احتفاظ يهوذا بصندوق المال يقول يسوع له: «اشترِ ما نحتاج اليه للعيد،» او انه يجب ان يذهب ويعطي شيئا للفقراء.
وبعد مُضِيّ يهوذا يقدِّم يسوع احتفالا جديدا كليا، او إحياء ذكرى، مع رسله الامناء. فيأخذ خبزا ويقول صلاة شكر ويكسّر ويعطيهم قائلا: «خذوا كلوا.» ويوضح: «هذا هو جسدي الذي يُبذل عنكم. اصنعوا هذا لذكري.»
عندما يأكل كل واحد من الخبز يأخذ يسوع كأس خمر، ومن الواضح انها الكأس الرابعة المستعملة في خدمة الفصح. ويقول ايضا صلاة شكر عليها، يمرِّرها اليهم، يطلب منهم ان يشربوا منها، ويقول: «هذه الكأس هي العهد الجديد بدمي الذي يُسفك عنكم.»
لذلك فان هذه، في الواقع، هي ذكرى موت يسوع. وكل سنة في ١٤ نيسان قمري يجب ان تتكرر، كما يقول يسوع، لذكره. فهي ستذكِّر المحتفلين بما فعله يسوع وأبوه السماوي ليزوِّدا نجاة للجنس البشري من حكم الموت. وبالنسبة الى اليهود الذين يصيرون أتباع المسيح، سيحلّ الاحتفال محلَّ الفصح.
والعهد الجديد، الذي يصير نافذ المفعول بدم يسوع المسفوك، يحلّ محل عهد الناموس القديم. ويتوسَّطه يسوع المسيح بين طرفين — من الجهة الاولى، يهوه اللّٰه، ومن الاخرى، ٠٠٠,١٤٤ من المسيحيين المولودين من الروح. وفضلا عن تزويده الغفران للخطايا، يسمح العهد بتشكيل امة سماوية من ملوك كهنة. متى ٢٦:٢١-٢٩؛ مرقس ١٤:١٨-٢٥؛ لوقا ٢٢:١٩-٢٣؛ يوحنا ١٣:١٨-٣٠؛ ١٧:١٢؛ ١ كورنثوس ٥:٧.
▪ اية نبوة للكتاب المقدس يقتبسها يسوع في ما يتعلق بأحد مرافقيه، وأي تطبيق يصنعه لها؟
▪ لماذا يحزن الرسل بعمق، وماذا يسأل كل منهم؟
▪ ماذا يقول يسوع ليهوذا ان يفعل، ولكن كيف يفسِّر الرسل الآخرون هذه التعليمات؟
▪ اي احتفال يقدِّمه يسوع بعد مُضِيّ يهوذا، وأي قصد يخدم؟
▪ من هم طرفا العهد الجديد، وماذا ينجز العهد؟
-
-
مجادلة تنشأاعظم انسان عاش على الاطلاق
-
-
الفصل ١١٥
مجادلة تنشأ
في وقت ابكر في المساء علَّم يسوع درسا ممتعا في الخدمة المتواضعة بغسل ارجل رسله. وبعد ذلك أَسَّس ذكرى موته القريب. والآن، وخصوصا نظرا الى ما حدث منذ قليل، يحصل حادث مدهش. فيتورَّط رسله في مجادلة حادَّة في مَن منهم يُظَنُّ انه يكون اكبر! وعلى ما يظهر، هذا جزء من خلاف مستمر.
تذكَّروا انه بعد ان تجلَّى يسوع على الجبل تحاجَّ الرسل في مَن منهم هو الاعظم. وفضلا عن ذلك، طلب يعقوب ويوحنا مركزين بارزين في الملكوت، ممّا أَدّى الى خصام اضافي بين الرسل. والآن، في ليلته الاخيرة معهم، كم احزن يسوع حتما ان يَراهم يتشاجرون مرة اخرى! فماذا يفعل؟
بدلا من ان يعنِّف الرسل على تصرُّفهم، يباحثهم يسوع ثانية بصبر: «ملوك الامم يسودونهم والمتسلِّطون عليهم يُدعَون محسنين. وأمّا انتم فليس هكذا. . . . لأنْ مَن هو أكبر. أَلَّذي يتَّكئ ام الذي يخدم. أليس الذي يتَّكئ.» ثم، اذ يذكِّرهم بمثاله، يقول: «ولكنّي انا بينكم كالذي يخدم.»
وعلى الرغم من نقائصهم، ثبت الرسل مع يسوع في تجاربه. ولذلك يقول: «انا اجعل لكم كما جعل لي ابي (عهدا لملكوت).» وهذا العهد الشخصي بين يسوع وأتباعه الاولياء يضمُّهم اليه ليشتركوا في حكمه الملكي. وعدد محدود فقط من ٠٠٠,١٤٤ يُدخلون اخيرا في هذا العهد لملكوت.
وعلى الرغم من ان الرسل أُعطوا هذا الرجاء البديع للاشتراك مع المسيح في حكم الملكوت، فهم الآن ضعفاء روحيا. «كلكم تشكُّون فيَّ في هذه الليلة،» يقول يسوع. ولكن، اذ يخبر بطرسَ انه يصلّي لأجله، يحث يسوع: «متى رجعت ثبِّت اخوتك.»
«يا اولادي،» يوضح يسوع، «انا معكم زمانا قليلا بعد. ستطلبونني وكما قلت لليهود حيث اذهب انا لا تقدرون انتم ان تأتوا اقول لكم انتم الآن. وصية جديدة انا اعطيكم ان تحبوا بعضكم بعضا. كما احببتكم انا تحبون انتم ايضا بعضكم بعضا. بهذا يعرف الجميع انكم تلاميذي إنْ كان لكم حب بعضا لبعض.»
«يا سيد الى اين تذهب،» يسأل بطرس.
«حيث اذهب لا تقدر الآن ان تتبعني،» يجيب يسوع، «ولكنك ستتبعني اخيرا.»
«يا سيد لماذا لا اقدر ان اتبعك الآن،» يريد بطرس ان يعرف. «اني اضع نفسي عنك.»
«أَتَضَع نفسك عني،» يسأل يسوع. «الحق اقول لك انك اليوم في هذه الليلة قبل ان يصيح الديك مرتين تنكرني ثلاث مرات.»
«ولو اضطررت ان اموت معك،» يؤكِّد بطرس، «لا انكرك.» وبينما يشترك الرسل الآخرون في قول الامر نفسه يفتخر بطرس: «وإنْ شكَّ فيك الجميع فأنا لا اشكُّ ابدا.»
وإذ يشير الى الوقت حين ارسل الرسل في جولة كرازية في الجليل بلا كيس ولا مزود، يسأل يسوع: «هل اعوزكم شيء»؟
«لا،» يجيبون.
«لكن الآن مَن له كيس فليأخذه ومزود كذلك،» يقول، «ومَن ليس له فليبع ثوبه ويشترِ سيفا. لأني اقول لكم انه ينبغي ان يتمّ فيَّ ايضا هذا المكتوب وأُحصيَ مع اثمة. لأن ما هو من جهتي له انقضاء.»
يشير يسوع الى الوقت الذي فيه سيعلَّق مع فاعلي الشر، او الاثمة. ويدلّ ايضا ان أتباعه سيواجهون بعد ذلك اضطهادا قاسيا. «يا رب هوذا هنا سيفان،» يقولون.
«يكفي،» يجيب. وكما سنرى، فإن حيازتهم السيفين ستتيح ليسوع قريبا ان يعلِّم درسا حيويا آخر. متى ٢٦:٣١-٣٥؛ مرقس ١٤:٢٧-٣١؛ لوقا ٢٢:٢٤-٣٨؛ يوحنا ١٣:٣١-٣٨؛ رؤيا ١٤:١-٣.
▪ لماذا مجادلة الرسل مدهشة الى هذا الحدّ؟
▪ كيف يعالج يسوع المجادلة؟
▪ ماذا ينجز العهدُ الذي يصنعه يسوع مع تلاميذه؟
▪ اية وصية جديدة يعطيها يسوع، وإلى اي حدّ هي مهمة؟
▪ اي افراط في الثقة يعرب عنه بطرس، وماذا يقول يسوع؟
▪ لماذا تكون ارشادات يسوع عن حمل كيس ومزود مختلفة عن تلك التي اعطاها في وقت ابكر؟
-
-
إعداد الرسل لرحيلهاعظم انسان عاش على الاطلاق
-
-
الفصل ١١٦
إعداد الرسل لرحيله
ينتهي العشاء التذكاري، لكنّ يسوع ورسله لا يزالون في العلية. وعلى الرغم من ان يسوع سيمضي قريبا، لديه امور كثيرة ليقولها بعد. «لا تضطرب قلوبكم،» يعزِّيهم. «انتم تؤمنون باللّٰه.» ولكنه يضيف: «فآمنوا بي.»
«في بيت ابي منازل كثيرة،» يتابع يسوع. «انا امضي لاعد لكم مكانا . . . حتى حيث اكون انا تكونون انتم ايضا. وتعلمون حيث انا اذهب وتعلمون الطريق.» لا يفهم الرسل ان يسوع يتكلم عن الذهاب الى السماء، لذلك يسأل توما: «يا سيد لسنا نعلم اين تذهب فكيف نقدر ان نعرف الطريق.»
«انا هو الطريق والحق والحياة،» يجيب يسوع. نعم، فقط بقبوله والتمثل بمسلك حياته يتمكَّن الشخص من دخول البيت السماوي للآب لانه، كما يقول يسوع: «ليس احد يأتي الى الآب إلا بي.»
«يا سيد ارِنا الآب،» يطلب فيلبس، «وكفانا.» يريد فيلبس، كما يبدو، ان يزوِّد يسوع تجلِّيا منظورا للّٰه، كالذي مُنح في الازمنة القديمة في الرؤى لموسى، ايليا، واشعياء. ولكن، في الواقع، لدى الرسل شيء افضل بكثير من رؤى من هذا النوع، كما يعلِّق يسوع: «انا معكم زمانا هذه مدّته ولم تعرفني يا فيلبس. الذي رآني فقد رأى الآب.»
يعكس يسوع شخصية ابيه كاملا بحيث ان العيش معه ومشاهدته يكونان، في الواقع، كرؤية الآب فعليا. ومع ذلك، فان الآب اعظم من الابن، كما يعترف يسوع: «الكلام الذي اكلمكم به لست اتكلم به من نفسي.» فيسوع يعطي على نحو لائق كل الفضل في تعاليمه لابيه السماوي.
وكم يكون مشجعا دون شك ان يسمع الرسل يسوع يقول لهم الآن: «من يؤمن بي فالاعمال التي انا اعملها يعملها هو ايضا ويعمل اعظم منها»! لا يعني يسوع ان أتباعه سيمارسون قوى عجائبية اعظم مما عمل هو. كلا، لكنه يعني انهم سيواصلون الخدمة لوقت اطول بكثير، على نطاق اعظم بكثير، ولاناس اكثر بكثير.
لن يتخلى يسوع عن تلاميذه بعد رحيله. «مهما سألتم باسمي،» يَعد، «فذلك افعله.» ويقول ايضا: «انا اطلب من الآب فيعطيكم (معينا) آخر ليمكث معكم الى الابد. روح الحق.» ولاحقا، بعد صعوده الى السماء، يسكب يسوع على تلاميذه الروح القدس، هذا المعين الآخر.
ان رحيل يسوع قريب، كما يقول: «بعد قليل لا يراني العالم ايضا.» فسيكون يسوع مخلوقا روحانيا لا يمكن ان يراه انسان. ولكنّ يسوع يَعد من جديد رسله الامناء: «انتم . . . ترونني. اني انا حيّ فأنتم ستحيون.» نعم، لن يظهر يسوع لهم بشكل بشري بعد قيامته وحسب بل سيقيمهم في الوقت المناسب الى الحياة معه في السماء كمخلوقات روحانية.
ويذكر يسوع الآن القاعدة البسيطة: «الذي عنده وصاياي ويحفظها فهو الذي يحبني. والذي يحبني يحبه ابي وأنا احبه وأُظهِر له ذاتي.»
عند ذلك يقاطعه الرسول يهوذا، الذي يدعى ايضا تداوس: «يا سيد ماذا حدث حتى انك مزمع ان تظهر ذاتك لنا وليس للعالم.»
«ان احبني احد،» يجيب يسوع، «يحفظ كلامي ويحبه ابي . . . الذي لا يحبني لا يحفظ كلامي.» فبخلاف أتباعه المذعنين، يتجاهل العالم تعاليم المسيح. ولذلك لا يكشف نفسه لهم.
وخلال خدمته الارضية علَّم يسوع رسله امورا كثيرة. فكيف يتذكرونها كلها، وخصوصا لانهم، حتى هذه اللحظة، يفشلون في فهم الكثير منها؟ من المفرح ان يسوع يَعد: «(المعين) الروح القدس الذي سيرسله الآب باسمي . . . هو يعلِّمكم كل شيء ويذكِّركم بكل ما قلته لكم.»
واذ يعزِّيهم ثانية، يقول يسوع: «سلاما اترك لكم. سلامي اعطيكم. . . . لا تضطرب قلوبكم.» صحيح ان يسوع راحل، ولكنه يوضح: «لو كنتم تحبونني لكنتم تفرحون لاني قلت امضي الى الآب. لان ابي اعظم مني.»
ان وقت بقاء يسوع معهم قصير. «لا اتكلم ايضا معكم كثيرا،» يقول، «لان رئيس هذا العالم يأتي وليس له فيَّ شيء.» فالشيطان ابليس، الذي تمكَّن من الدخول في يهوذا والسيطرة عليه، هو رئيس هذا العالم. ولكن ليس هنالك ضعف خطية في يسوع يمكن للشيطان ان يستغله لابعاده عن خدمة اللّٰه.
التمتع بعلاقة حميمة
بعد العشاء التذكاري، كان يسوع يشجع رسله بكلام مبسَّط من القلب الى القلب. ويمكن ان يكون الوقت قد تجاوز منتصف الليل. ولذلك يحثّ يسوع: «قوموا ننطلق من ههنا.» ولكن، قبل ان يرحلوا، اذ تدفعه محبته لهم، يتابع يسوع التكلم مزوِّدا مثلا محرِّكا.
«انا الكرمة الحقيقية وأبي الكرام،» يبدأ. فالكرام العظيم، يهوه اللّٰه، زرع هذه الكرمة الرمزية عندما مسح يسوع بالروح القدس عند معموديته في خريف السنة ٢٩ بم. ولكنّ يسوع يتابع ليظهر ان الكرمة ترمز الى اكثر من مجرد نفسه، اذ يعلِّق قائلا: «كل غصن فيَّ لا يأتي بثمر ينزعه. وكل ما يأتي بثمر ينقّيه ليأتي بثمر اكثر. . . . كما ان الغصن لا يقدر ان يأتي بثمر من ذاته إن لم يثبت في الكرمة كذلك انتم ايضا إن لم تثبتوا فيَّ. انا الكرمة وأنتم الاغصان.»
في يوم الخمسين، بعد ٥١ يوما، يصير الرسل وآخرون اغصان الكرمة عندما يجري سكب الروح القدس عليهم. وأخيرا، يصير ٠٠٠,١٤٤ شخص اغصان الكرمة المجازية. ومع ساق الكرمة، يسوع المسيح، يؤلف هؤلاء كرمة رمزية تنتج ثمار ملكوت اللّٰه.
يوضح يسوع المفتاح لانتاج الثمر: «الذي يثبت فيَّ وأنا فيه هذا يأتي بثمر كثير. لانكم بدوني لا تقدرون ان تفعلوا شيئا.» ولكن اذا فشل الشخص في انتاج الثمر، يقول يسوع، «يُطرح خارجا كالغصن فيجف ويجمعونه ويطرحونه في النار فيحترق.» ومن جهة اخرى، يعِد يسوع: «إن ثبتّم فيَّ وثبت كلامي فيكم تطلبون ما تريدون فيكون لكم.»
واضافة الى ذلك، يقول يسوع لرسله: «بهذا يتمجد ابي ان تأتوا بثمر كثير فتكونون تلاميذي.» ان الثمر الذي يرغب فيه اللّٰه من الاغصان هو اعرابهم عن الصفات الشبيهة بصفات المسيح، وخصوصا المحبة. وفضلا عن ذلك، بما ان المسيح كان مناديا بملكوت اللّٰه، فان الثمر المرغوب فيه يشمل ايضا نشاط تلمذتهم كما فعل هو.
«اثبتوا في محبتي،» يحث يسوع الآن. ولكن، كيف يمكن لرسله ان يفعلوا ذلك؟ «إن حفظتم وصاياي،» يقول، «تثبتون في محبتي.» واذ يتابع، يوضح يسوع: «هذه هي وصيتي ان تحبوا بعضكم بعضا كما احببتكم. ليس لأحد حب اعظم من هذا ان يضع احد نفسه لاجل احبائه.»
في ساعات قليلة يعرب يسوع عن محبته الفائقة بتقديم حياته لاجل رسله، بالاضافة الى جميع الآخرين الذين يمارسون الايمان به. ومثاله يجب ان يدفع أتباعه لتكون لديهم محبة التضحية بالذات عينها بعضهم لبعض. وهذه المحبة ستحدِّد هويتهم، كما ذكر يسوع في وقت ابكر: «بهذا يعرف الجميع انكم تلاميذي إن كان لكم حب بعضا لبعض.»
واذ يحدِّد هوية اصدقائه، يقول يسوع: «انتم (اصدقائي) إن فعلتم ما اوصيكم به. لا اعود اسميكم عبيدا لان العبد لا يعلم ما يعمل سيده. لكني قد سميتكم (اصدقاء) لاني اعلمتكم بكل ما سمعته من ابي.»
فيا للعلاقة الثمينة التي يجري الحصول عليها — ان يكونوا اصدقاء احماء ليسوع! ولكن للاستمرار في التمتع بهذه العلاقة يجب على أتباعه ان ‹يأتوا بثمر.› واذا فعلوا ذلك، يقول يسوع، «يعطيكم الآب كل ما طلبتم باسمي.» بالتأكيد، هذه هي مكافأة عظيمة مقابل الاتيان بثمر الملكوت! وبعد حث رسله من جديد على ‹محبة بعضهم بعضا،› يوضح يسوع ان العالم سيبغضهم. لكنه يعزِّيهم: «إن كان العالم يبغضكم فاعلموا انه قد أبغضني قبلكم.» ثم يكشف يسوع عن سبب بغض العالم لأتباعه، قائلا: «لانكم لستم (جزءا) من العالم بل انا اخترتكم من العالم لذلك يبغضكم العالم.»
واذ يوضح على نحو اضافي سبب بغض العالم، يتابع يسوع: «لكنهم انما يفعلون بكم هذا كله من اجل اسمي لانهم لا يعرفون [يهوه اللّٰه] الذي ارسلني.» وأعمال يسوع العجائبية، في الواقع، تدين اولئك الذين يبغضونه، كما يذكر: «لو لم اكن قد عملت بينهم اعمالا لم يعملها احد غيري لم تكن لهم خطية. وأما الآن فقد رأوا وأبغضوني انا وأبي.» وهكذا، كما يقول يسوع، تتم الآية: «أبغضوني بلا سبب.»
وكما فعل في وقت ابكر، يعزِّيهم يسوع ثانية بوعده اياهم ان يرسل المعين، الروح القدس، الذي هو قوة اللّٰه الفعالة القديرة. «هو يشهد لي. وتشهدون انتم ايضا.»
نصح اضافي قبل الرحيل
يسوع ورسله مستعدون لمغادرة العلية. «قد كلمتكم بهذا لكي لا تعثروا،» يتابع. ثم يعطي التحذير الخطير: «سيخرجونكم من المجامع بل تأتي ساعة فيها يظن كل من يقتلكم انه يقدم خدمة للّٰه.»
من الواضح ان الرسل ينزعجون بعمق من هذا التحذير. ومع ان يسوع كان قد قال في وقت ابكر ان العالم سيبغضهم، فانه لم يكشف مباشرة الى هذا الحد انهم سيُقتلون. «لم أقل لكم [هذا] من البداية،» يوضح يسوع، «لاني كنت معكم.» ولكن، ما أحسن ان يُعِدّهم بهذه المعلومات قبل ان يرحل!
«وأما الآن،» يتابع يسوع، «فأنا ماضٍ الى الذي ارسلني وليس احد منكم يسألني اين تمضي.» وفي وقت ابكر في المساء، كانوا قد استعلَموا عن مكان ذهابه، لكنهم الآن مرتعدون مما اخبرهم به حتى انهم يفشلون ان يسألوا المزيد عن ذلك. وكما يقول يسوع: «لاني قلت لكم هذا قد ملأ الحزن قلوبكم.» يحزن الرسل ليس فقط لانهم علموا انهم سيعانون اضطهادا رهيبا ويُقتلون بل لان سيدهم يتركهم.
لذلك يوضح يسوع: «انه خير لكم ان انطلق. لانه إن لم انطلق لا يأتيكم (المعين). ولكن إن ذهبت ارسله اليكم.» كانسان، يمكن ليسوع ان يكون فقط في مكان واحد كل مرة، ولكن عندما يصير في السماء يمكنه ان يرسل المعين، روح اللّٰه القدوس، الى أتباعه حيثما كانوا على الارض. وهكذا فان مغادرة يسوع ستكون نافعة.
والروح القدس، يقول يسوع، «(يقدم للعالم دليلا مقنعا) على خطية وعلى بر وعلى دينونة.» ان خطية العالم، فشله في ممارسة الايمان بابن اللّٰه، سيجري تشهيرها. وبالاضافة الى ذلك، سيُظهر صعود يسوع الى الآب دليلا مقنعا على برّه. وفشلُ الشيطان وعالمه الشرير في كسر استقامة يسوع هو دليل مقنع على ان رئيس العالم قد دين على نحو مضاد.
«ان لي امورا كثيرة ايضا لاقول لكم،» يتابع يسوع، «ولكن لا تستطيعون ان تحتملوا الآن.» لذلك يعد يسوع انه عندما يَسكب الروح القدس، الذي هو قوة اللّٰه الفعالة، سيرشدهم هذا الى فهم هذه الامور وفقا لمقدرتهم على ادراكها.
يفشل الرسل خصوصا في الفهم ان يسوع سيموت ثم سيظهر لهم بعد ان يُقام. وهكذا يسألون بعضهم بعضا: «ما هو هذا الذي يقوله لنا بعد قليل لا تبصرونني ثم بعد قليل ايضا ترونني ولاني ذاهب الى الآب.»
يدرك يسوع انهم يريدون ان يسألوه، ولذلك يوضح: «الحق الحق اقول لكم انكم ستبكون وتنوحون والعالم يفرح. انتم ستحزنون ولكنّ حزنكم يتحول الى فرح.» ولاحقا في ذلك اليوم، بعد الظهر، عندما يُقتل يسوع، يفرح القادة الدينيون العالميون، ولكنّ التلاميذ يحزنون. إلا ان حزنهم يتحول الى فرح عندما يُقام يسوع! ويستمر فرحهم عندما يمنحهم السلطة في يوم الخمسين ان يكونوا شهوده بسكب روح اللّٰه القدوس عليهم!
واذ يقارن حالة الرسل بتلك التي لامرأة خلال مخاضها، يقول يسوع: «المرأة وهي تلد تحزن لان ساعتها قد جاءت.» ولكن يعلِّق يسوع انها لا تعود تذكر شدتها عندما يولد طفلها، ويشجع رسله، قائلا: «فأنتم كذلك عندكم الآن حزن. ولكني سأراكم ايضا [عندما أُقام] فتفرح قلوبكم ولا ينزع احد فرحكم منكم.»
حتى هذا الوقت لم يقدِّم الرسل قط طلبات باسم يسوع. ولكنه يقول الآن: «إن كل ما طلبتم من الآب باسمي يعطيكم. . . . لان الآب نفسه يحبكم لانكم قد احببتموني وآمنتم اني من عند اللّٰه خرجت. خرجت من عند الآب وقد اتيت الى العالم وأيضا اترك العالم وأذهب الى الآب.»
ان كلمات يسوع هي تشجيع عظيم للرسل. «لهذا نؤمن انك من اللّٰه خرجت،» يقولون. «أَلآن تؤمنون،» يسأل يسوع. «هوذا تأتي ساعة وقد اتت الآن تتفرقون فيها كل واحد الى خاصته وتتركونني وحدي.» وعلى نحو لا يُصدَّق كما يبدو، يحدث ذلك قبل ان ينتهي الليل!
«قد كلمتكم بهذا ليكون لكم فيَّ سلام.» ويختتم يسوع: «في العالم سيكون لكم ضيق. ولكن ثقوا. انا قد غلبت العالم.» غلب يسوع العالم بانجاز مشيئة اللّٰه بأمانة على الرغم من كل ما حاول ابليس وعالمه ان يفعلوه لكسر استقامة يسوع.
الصلاة الختامية في العلية
اذ تدفعه المحبة العميقة لرسله، يعدّهم يسوع لرحيله الوشيك. والآن، بعد نصحهم وتعزيتهم لوقت طويل، يرفع عينيه نحو السماء ويلتمس من ابيه: «مجّد ابنك ليمجدك ابنك ايضا اذ اعطيته سلطانا على كل جسد ليعطي حياة ابدية لكل من اعطيته.»
يا له من محور مثير يقدمه يسوع — الحياة الابدية! واذ أُعطي «سلطانا على كل جسد،» يمكن ليسوع ان يمنح فوائد ذبيحته الفدائية لكل الجنس البشري المائت. ولكنه يعطي «حياة ابدية» فقط لاولئك الذين يرضى الآب عنهم. واذ يؤسس على محور الحياة الابدية هذا، يتابع يسوع صلاته:
«وهذه هي الحياة الابدية ان يعرفوك انت الاله الحقيقي وحدك ويسوع المسيح الذي ارسلته.» نعم، يتوقف الخلاص على اخذنا المعرفة عن اللّٰه وابنه كليهما. ولكن يلزم اكثر من مجرد معرفة في الرأس.
فلا بد ان يأتي الشخص الى معرفتهما على نحو حميم، مطورا صداقة تتسم بالفهم معهما. ولا بد ان يشعر المرء كما يشعران بشأن القضايا ويرى الامور من خلال اعينهما. وقبل كل شيء، لا بد ان يجاهد الشخص ليتمثل بصفاتهما التي لا تُضاهى في التعامل مع الآخرين.
ثم يصلّي يسوع: «انا مجدتك على الارض. العمل الذي اعطيتني لاعمل قد اكملته.» وهكذا، باتمامه تعيينه الى هذا الحد وبكونه واثقا بنجاحه المستقبلي، يلتمس: «مجدني انت ايها الآب عند ذاتك بالمجد الذي كان لي عندك قبل كون العالم.» نعم، يطلب الآن ان يُعاد الى مجده السماوي السابق بواسطة القيامة.
واذ يوجز عمله الرئيسي على الارض، يقول يسوع: «انا اظهرت اسمك للناس الذين اعطيتني من العالم. كانوا لك وأعطيتهم لي وقد حفظوا كلامك.» استعمل يسوع اسم اللّٰه، يهوه، في خدمته وبيَّن لفظه الصحيح، لكنه فعل اكثر من ذلك لجعل اسم اللّٰه ظاهرا لرسله. لقد وسَّع ايضا معرفتهم وتقديرهم ليهوه، لشخصيته، ولمقاصده.
واذ يكرم يهوه بصفته اسمى منه، ذاك الذي يخدم تحت اشرافه، يعترف يسوع بتواضع: «الكلام الذي اعطيتني قد اعطيتهم وهم قبلوا وعلموا يقينا اني خرجت من عندك وآمنوا انك انت ارسلتني.»
واذ يميِّز بين أتباعه وباقي الجنس البشري، يصلّي يسوع بعد ذلك: «من اجلهم انا اسأل. لست اسأل من اجل العالم بل من اجل الذين اعطيتني . . . حين كنت معهم في العالم كنت احفظهم . . . حفظتهم ولم يهلك منهم احد إلا ابن الهلاك،» اي يهوذا الاسخريوطي. وفي هذه اللحظة عينها يكون يهوذا في مهمته الحقيرة لخيانة يسوع. وهكذا، يتمم يهوذا الاسفار المقدسة دون ان يعلم.
«العالم ابغضهم،» يستمر يسوع في الصلاة. «لست اسأل ان تأخذهم من العالم بل ان تحفظهم من الشرير. ليسوا (جزءا) من العالم كما اني انا لست (جزءا) من العالم.» ان أتباع يسوع هم في العالم، هذا المجتمع البشري المنظم الذي يحكمه الشيطان، ولكنهم منفصلون عنه وعن شره ولا بد ان يبقوا كذلك دائما.
«قدسهم في حقك،» يتابع يسوع، «كلامك هو حق.» هنا يدعو يسوع الاسفار المقدسة العبرانية الموحى بها، التي اقتبس منها دائما، ‹الحق.› ولكنّ ما علَّمه لتلاميذه وما كتبوه لاحقا بالوحي بصفته الاسفار المقدسة اليونانية المسيحية هو كذلك ‹الحق.› وهذا الحق يمكن ان يقدس الشخص، يغيِّر حياته كاملا، ويجعله شخصا منفصلا عن العالم.
لا يصلّي يسوع الآن «من اجل هؤلاء فقط بل ايضا من اجل الذين يؤمنون [به] بكلامهم.» وهكذا يصلّي يسوع من اجل الذين سيكونون أتباعه الممسوحين والتلاميذ المقبلين الآخرين الذين سيجري تجميعهم بعدُ في «رعية واحدة.» وماذا يسأل من اجل جميع هؤلاء؟
ان «يكون الجميع واحدا كما انك انت ايها الآب فيَّ وانا فيك . . . يكونوا واحدا كما اننا نحن واحد.» ان يسوع وأباه ليسا حرفيا شخصا واحدا، ولكنهما على اتفاق في كل الامور. ويصلّي يسوع ان يتمتع أتباعه بهذه الوحدة نفسها لكي «يعلم العالم انك ارسلتني وأحببتهم كما احببتني.»
ومن اجل الذين سيكونون أتباعه الممسوحين يسأل يسوع اباه السماوي. ماذا؟ «أنّ هؤلاء . . . يكونون معي حيث اكون انا لينظروا مجدي الذي اعطيتني لانك احببتني قبل انشاء العالم،» اي قبل ان انتج آدم وحواء ذرية. فقبل ذلك بزمن طويل احبّ اللّٰه ابنه الوحيد، الذي صار يسوع المسيح.
واذ يختتم صلاته، يشدِّد يسوع من جديد: «عرَّفتهم اسمك وسأعرّفهم ليكون فيهم الحبّ الذي احببتني به وأكون انا فيهم.» وبالنسبة الى الرسل، شمل تعلُّم اسم اللّٰه الاتيان شخصيا الى معرفة محبة اللّٰه. يوحنا ١٤:١-١٧:٢٦؛ ١٣:٢٧، ٣٥، ٣٦؛ ١٠:١٦؛ لوقا ٢٢:٣، ٤؛ خروج ٢٤:١٠؛ ١ ملوك ١٩:٩-١٣؛ اشعياء ٦:١-٥؛ غلاطية ٦:١٦؛ مزمور ٣٥:١٩؛ ٦٩:٤؛ امثال ٨:٢٢، ٣٠.
▪ الى اين يكون يسوع ذاهبا، وأي جواب يحصل عليه توما في ما يتعلق بالطريق الى هناك؟
▪ بطلبه، ماذا يريد فيلبس، كما يبدو، من يسوع ان يزوِّد؟
▪ لماذا الذي رأى يسوع قد رأى الآب ايضا؟
▪ كيف سيعمل أتباع يسوع اعمالا اعظم مما عمل هو؟
▪ بأي معنى ليس للشيطان شيء في يسوع؟
▪ متى زرع يهوه الكرمة الرمزية، ومتى وكيف يصير آخرون جزءا من الكرمة؟
▪ اخيرا، كم غصنا يكون للكرمة الرمزية؟
▪ اي ثمر يرغب فيه اللّٰه من الاغصان؟
▪ كيف يمكننا ان نكون اصدقاء ليسوع؟
▪ لماذا يبغض العالم أتباع يسوع؟
▪ اي تحذير من قِبَل يسوع يزعج رسله؟
▪ لماذا يفشل الرسل ان يسألوا يسوع عن مكان ذهابه؟
▪ ماذا يفشل الرسل خصوصا في فهمه؟
▪ كيف يوضح يسوع ان حالة الرسل ستتحول من حزن الى فرح؟
▪ ماذا يقول يسوع ان الرسل سيفعلون قريبا؟
▪ كيف يغلب يسوع العالم؟
▪ بأي معنى يُعطى يسوع «سلطانا على كل جسد»؟
▪ ماذا يعني اخذ المعرفة عن اللّٰه وابنه؟
▪ بأية طرائق يجعل يسوع اسم اللّٰه ظاهرا؟
▪ ما هو ‹الحق،› وكيف ‹يقدس› المسيحي؟
▪ كيف يكون اللّٰه، ابنه، وجميع العبّاد الحقيقيين واحدا؟
▪ متى كان «انشاء العالم»؟
-
-
كَرْب في البستاناعظم انسان عاش على الاطلاق
-
-
الفصل ١١٧
كَرْب في البستان
عندما ينتهي يسوع من الصلاة يرنِّم هو ورسله الـ ١١ الامناء ترانيم تسبيح ليهوه. وبعد ذلك ينزلون من العلية، يخرجون في ظلمة الليل الباردة، ويتجهون عائدين عبر وادي قدرون نحو بيت عنيا. ولكن، في الطريق، يتوقفون في بقعة مفضَّلة، بستان جثسيماني. وهذه تقع في جبل الزيتون او قربه. وكثيرا ما اجتمع يسوع مع رسله هنا بين اشجار الزيتون.
واذ يترك ثمانية من الرسل — ربما قرب مدخل البستان — يوصيهم: «اجلسوا ههنا حتى امضي واصلّي هناك.» وبعد ذلك يأخذ الثلاثة الآخرين — بطرس، يعقوب، ويوحنا — ويتقدَّم الى مكان ابعد في البستان. ويشعر يسوع بالحزن والكآبة. «نفسي حزينة جدا حتى الموت،» يقول لهم. «امكثوا ههنا واسهروا معي.»
اذ يتقدَّم يسوع قليلا يقع على الارض واذ يخرّ على وجهه يبتدئ يصلّي بلجاجة: «يا ابتاه ان امكن فلتعبر عني هذه الكأس. ولكن ليس كما اريد انا بل كما تريد انت.» فماذا يعني؟ ولماذا هو ‹حزين جدا حتى الموت›؟ هل يتراجع عن قراره ان يموت ويزوِّد الفدية؟
كلا على الاطلاق! فيسوع لا يلتمس ان يُعفى من الموت. حتى ان فكرة تجنُّب الموت الفدائي، التي اقترحها بطرس ذات مرة، بغيضة لديه. وبالاحرى، انه في كَرْب لانه يخاف ان تجلب الطريقة التي سيموت بها قريبا — كمجرم حقير — العار على اسم ابيه. وهو يشعر الآن بأنه في ساعات قليلة سيجري تعليقه على خشبة كأسوإ انواع الاشخاص — مجدِّف على اللّٰه! هذا ما يجعله يكتئب.
بعد الصلاة باسهاب، يرجع يسوع ويجد الرسل الثلاثة نياما. واذ يخاطب بطرس، يقول: «أهكذا ما قدرتم ان تسهروا معي ساعة واحدة. اسهروا وصلّوا لئلا تدخلوا في تجربة.» ولكن، اذ يعترف بالضغط الذي كانوا تحته وتأخر الساعة، يقول: «أما الروح فنشيط وأما الجسد فضعيف.»
بعد ذلك يمضي يسوع ثانية ويطلب ان يجيز اللّٰه عنه «هذه الكأس،» اي حصة او مشيئة يهوه المعيَّنة له. وعندما يرجع يجد ايضا الثلاثة نياما في حين كان يجب ان يصلّوا لئلا يدخلوا في تجربة. وعندما يكلِّمهم يسوع لا يعرفون بماذا يجيبونه.
وأخيرا، مرة ثالثة، يبتعد يسوع نحو رمية حجر، وعلى ركبتين جاثيتين، وبصراخ شديد ودموع، يصلّي: «يا ابتاه ان شئت ان تجيز عني هذه الكأس.» يشعر يسوع بقوة بآلام شديدة بسبب العار الذي سيجلبه موته كمجرم على اسم ابيه. وأن يُتَّهم كمجدِّف — كشخص يلعن اللّٰه — هو تقريبا اكثر من ان يحتمله!
ومع ذلك، يواصل يسوع الصلاة: «ليكن لا ما اريد انا بل ما تريد انت.» يُخضِع يسوع طوعا مشيئته لتلك التي للّٰه. وعندئذ يظهر ملاك من السماء ويقوّيه ببعض الكلمات المشجِّعة. وعلى الارجح، يخبر الملاك يسوع بأنه يحظى بابتسامة رضى ابيه.
ولكن، يا له من ثقل على كتفي يسوع! فحياته الابدية الخاصة وتلك التي لكامل الجنس البشري تبقى معلَّقة. والضغط العاطفي هائل. لذلك يواصل يسوع الصلاة بأشد لجاجة، ويصير عرقه كقطرات دم اذ تنزل على الارض. «مع ان ذلك ظاهرة نادرة جدا،» تلاحظ مجلة الجمعية الطبية الاميركية، «فان العرق الدامي . . . قد يحدث في حالات عاطفية شديدة.»
بعدئذ يرجع يسوع للمرة الثالثة الى رسله، ومرة اخرى يجدهم نياما. انهم منهوكون من الحزن الشديد. «ناموا الآن واستريحوا،» يهتف. «يكفي. قد اتت الساعة. هوذا ابن الانسان يُسلَّم الى ايدي الخطاة. قوموا لنذهب. هوذا الذي يسلِّمني قد اقترب.»
وفيما هو يتكلم يقترب يهوذا الاسخريوطي يرافقه جمع غفير، حاملين مشاعل ومصابيح وأسلحة. متى ٢٦:٣٠، ٣٦-٤٧؛ ١٦:٢١-٢٣؛ مرقس ١٤:٢٦، ٣٢-٤٣؛ لوقا ٢٢:٣٩-٤٧؛ يوحنا ١٨:١-٣؛ عبرانيين ٥:٧.
▪ بعد مغادرة العلية، الى اين يقود يسوع الرسل، وماذا يفعل هناك؟
▪ فيما يسوع يصلّي، ماذا يفعل الرسل؟
▪ لماذا يسوع في كَرْب، وأي شيء يطلبه من اللّٰه؟
▪ الى ماذا تشير صيرورة عرق يسوع كقطرات دم؟
-
-
التسليم والايقافاعظم انسان عاش على الاطلاق
-
-
الفصل ١١٨
التسليم والايقاف
انها بعد منتصف الليل بكثير حين يقود يهوذا جمعا غفيرا من الجند، رؤساء الكهنة، الفريسيين، وآخرين الى بستان جثسيماني. فقد وافق الكهنة ان يدفعوا ليهوذا ٣٠ قطعة من الفضة ليسلِّم يسوع.
في وقت ابكر، عندما صُرف يهوذا من وجبة الفصح، من الواضح انه ذهب مباشرة الى رؤساء الكهنة. وللوقت جمع هؤلاء خدامهم، بالاضافة الى مجموعة من الجند. وربما قادهم يهوذا اولا الى حيث كان يسوع ورسله قد احتفلوا بالفصح. واذ اكتشفوا انهم غادروا، تبع الجمع الغفير يهوذا حاملين اسلحة ومصابيح ومشاعل الى خارج اورشليم والى عبر وادي قدرون.
واذ يقود يهوذا الموكب صعودا الى جبل الزيتون، يشعر يقينا بأنه يعرف اين يجد يسوع. فخلال الاسبوع الماضي، فيما كان يسوع والرسل يسافرون ذهابا وايابا بين بيت عنيا واورشليم، كثيرا ما توقفوا في بستان جثسيماني ليستريحوا ويتحادثوا. أما الآن، اذ يكون يسوع مخفيا على الارجح في الظلام تحت اشجار الزيتون، فكيف سيحدِّد الجند هويته؟ وربما لم يروه من قبل قط. لذلك يزوِّد يهوذا علامة، قائلا: «الذي اقبِّله هو هو. أمسكوه وامضوا به بحرص.»
يقود يهوذا الجمع الغفير الى البستان، فيرى يسوع مع رسله، ويذهب مباشرة اليه. «السلام يا سيدي،» يقول ويقبِّله برقَّة كبيرة.
«يا صاحب لماذا جئت،» يردّ يسوع بسرعة. ثم، اذ يجيب عن سؤاله الخاص، يقول: «يا يهوذا أبقبلة تسلّم ابن الانسان.» ولكن يكفي ذلك مسلّمه! فيتقدَّم يسوع الى ضوء المشاعل والمصابيح المشتعلة ويسأل: «مَن تطلبون.»
«يسوع الناصري،» يأتي الجواب.
«انا هو،» يجيب يسوع، فيما يقف بشجاعة امامهم جميعا. واذ يندهشون من جرأته ولا يعرفون ماذا يتوقعون، يرجع الرجال الى الوراء ويسقطون على الارض.
«قد قلت لكم اني انا هو،» يتابع يسوع بهدوء. «فإن كنتم تطلبونني فدعوا هؤلاء يذهبون.» وقبل وقت قصير في العلية، كان يسوع قد قال لابيه في الصلاة انه حفظ رسله الامناء ولم يُفقد منهم احد «إلا ابن الهلاك.» ولذلك، لكي تتم كلمته، يطلب أن يدَعوا أتباعه يذهبون.
واذ يستعيد الجند رباطة جأشهم، ويقفون، ويبتدئون يوثقون يسوع، يدرك الرسل ما هو على وشك الحدوث. «يا رب أنضرب بالسيف،» يسألون. وقبل ان يجيب يسوع، يستعمل بطرس واحدا من السيفين اللذين جلبهما الرسل، ويهاجم مَلْخُس، عبد رئيس الكهنة. فتخطئ ضربة بطرس رأس العبد ولكنها تقطع اذنه اليمنى.
«دعوا الى هذا،» يقول يسوع متدخلا. واذ يلمس اذن مَلْخُس، يُبرئ الجرح. ثم يعلِّم درسا مهما، آمرا بطرس: «ردَّ سيفك الى مكانه. لأن كل الذين يأخذون السيف بالسيف يهلكون. أتظن اني لا استطيع الآن ان اطلب الى ابي فيقدّم لي اكثر من اثني عشر جيشا من الملائكة.»
ان يسوع مستعد لان يجري ايقافه، لانه يوضح: «كيف تكمَّل الكتب أنه هكذا ينبغي ان يكون.» ويضيف: «الكأس التي اعطاني الآب ألا اشربها.» فهو على اتفاق تام مع مشيئة اللّٰه لاجله!
ثم يخاطب يسوع الجمع. «كأنه على لص خرجتم بسيوف وعصي لتأخذوني،» يسأل. «كل يوم كنت اجلس معكم أعلِّم في الهيكل ولم تمسكوني. وأما هذا كله فقد كان لكي تكمَّل كتب الانبياء.»
عند ذلك يقبض الجند والقائد وخدام اليهود على يسوع ويوثقونه. واذ يرون ذلك، يترك الرسل يسوع ويهربون. ولكنّ شابا — وربما التلميذ مرقس — يبقى بين الجمع. وربما كان في البيت حيث احتفل يسوع بالفصح وبعد ذلك تبع الجمع من هناك. ولكنه الآن يُعرف، فتُصنع محاولة للقبض عليه. أما هو فيترك وراءه إزاره ويهرب بثياب خفيفة. متى ٢٦:٤٧-٥٦؛ مرقس ١٤:٤٣-٥٢؛ لوقا ٢٢:٤٧-٥٣؛ يوحنا ١٧:١٢؛ ١٨:٣-٢١.
▪ لماذا يشعر يهوذا يقينا بأنه سيجد يسوع في بستان جثسيماني؟
▪ كيف يُظهر يسوع الاهتمام برسله؟
▪ اي اجراء يتخذه بطرس دفاعا عن يسوع، ولكن ماذا يقول يسوع لبطرس عن ذلك؟
▪ كيف يكشف يسوع انه على اتفاق تام مع مشيئة اللّٰه لاجله؟
▪ عندما يترك الرسل يسوع مَن يبقى، وماذا يحدث له؟
-
-
اخذُه الى حنّان، ثم الى قيافااعظم انسان عاش على الاطلاق
-
-
الفصل ١١٩
اخذُه الى حنّان، ثم الى قيافا
يسوع، الموثَق كمجرم رديء، يُساق الى حنّان، رئيس الكهنة السابق ذي السلطة. كان حنّان رئيس الكهنة عندما اذهل يسوع وهو غلام في الـ ١٢ من العمر المعلمين الربانيين في الهيكل. وفي ما بعد خدم بعض ابناء حنّان كرؤساء كهنة، وحاليا يشغل صهره قيافا هذا المركز.
يُساق يسوع اولا على الارجح الى بيت حنّان بسبب بروز رئيس الكهنة هذا لفترة طويلة في الحياة الدينية اليهودية. وهذا التوقّف لرؤية حنّان يتيح الوقت لرئيس الكهنة قيافا لعقد المجمع، المحكمة العليا اليهودية ذات الـ ٧١ عضوا، فضلا عن تجميع شهود زور.
والآن يسأل رئيس الكهنة حنّان يسوع عن تلاميذه وعن تعليمه. لكنّ يسوع يجيب: «انا كلَّمت العالم علانية. انا علَّمت كل حين في المجمع وفي الهيكل حيث يجتمع اليهود دائما. وفي الخفاء لم اتكلَّم بشيء. لماذا تسألني انا. اسأل الذين قد سمعوا ماذا كلَّمتهم. هوذا هؤلاء يعرفون ماذا قلت انا.»
عندئذ يلطم يسوعَ واحد من الخدام واقف قربه، قائلا: «أهكذا تجاوب رئيس الكهنة.»
«ان كنت قد تكلمت رديّا،» يجيب يسوع، «فاشهد على الرديّ وان حسنا فلماذا تضربني.» بعد هذا التبادل، يرسل حنّان يسوعَ موثقا الى قيافا.
والآن يبدأ جميع رؤساء الكهنة والشيوخ والكتبة، نعم، كامل المجمع، بالتجمّع. وكما يتضح فان مكان اجتماعهم هو بيت قيافا. ان اجراء محاكمة كهذه في ليلة الفصح هو بوضوح ضد الشريعة اليهودية. ولكنّ هذا لا يثني القادة الدينيين عن قصدهم الشرير.
قبل اسابيع، عندما اقام يسوع لعازر، كان اعضاء المجمع قد قرروا في ما بينهم انه يجب ان يموت. وقبل يومين فقط، يوم الاربعاء، تشاورت السلطات الدينية لكي يمسكوا يسوع بمكر ويقتلوه. تصوَّروا، لقد حُكم عليه في الواقع قبل محاكمته!
والجهود الآن جارية لايجاد شهود يزوِّدون دليل زور لكي تُقام قضية ضد يسوع. ولكن لا يمكن ايجاد شهود تتفق شهادتهم. وأخيرا، يتقدَّم اثنان ويؤكدان: «نحن سمعناه يقول اني انقض هذا الهيكل المصنوع بالايادي وفي ثلاثة ايام أبني آخر غير مصنوع بأيادٍ.»
«أما تجيب بشيء،» يسأل قيافا. «ماذا يشهد به هؤلاء عليك.» أما يسوع فيبقى ساكتا. وحتى في هذه التهمة الباطلة، ولخزي المجمع، لا يستطيع الشهود ان يجعلوا رواياتهم تتفق. ولذلك يجرِّب رئيس الكهنة وسيلة مختلفة.
يعرف قيافا مقدار حساسية اليهود تجاه ايّ واحد يدّعي انه ابن اللّٰه. ففي مناسبتين سابقتين دعوا يسوع بغير رويَّة مجدِّفا يستحق الموت، اذ تخيَّلوا قبلا على نحو خاطئ انه يدّعي كونه مساويا للّٰه. فيطلب قيافا الآن بمكر: «أستحلفك باللّٰه الحي ان تقول لنا هل انت المسيح ابن اللّٰه.»
بصرف النظر عما يفكِّر فيه اليهود، فان يسوع هو ابن اللّٰه حقا. والبقاء ساكتا يمكن ان يُفسَّر انكارا لكونه المسيح. لذلك يجيب يسوع بشجاعة: «انا هو. وسوف تبصرون ابن الانسان جالسا عن يمين القوة وآتيا في سحاب السماء.»
عند ذلك يمزِّق قيافا ثيابه في عرض مثير ويهتف: «قد جدَّف. ما حاجتنا بعد الى شهود. ها قد سمعتم تجديفه. ماذا ترون.»
«انه مستوجب الموت،» يعلن المجمع. ثم يبدأون بالاستهزاء به، ويقولون اشياء كثيرة عليه مجدِّفين. ويلطمون وجهه ويبصقون فيه. وآخرون يغطّون كامل وجهه ويلكمونه ويقولون بتهكّم: «تنبّأ لنا ايها المسيح من ضربك.» ان هذا التصرف المؤذي وغير القانوني يحدث في اثناء ليلة المحاكمة. متى ٢٦:٥٧-٦٨؛ ٢٦:٣، ٤؛ مرقس ١٤:٥٣-٦٥؛ لوقا ٢٢:٥٤، ٦٣-٦٥؛ يوحنا ١٨:١٣-٢٤؛ ١١:٤٥-٥٣؛ ١٠:٣١-٣٩؛ ٥:١٦-١٨.
▪ الى اين يُساق يسوع اولا، وماذا يحصل له هناك؟
▪ الى اين يؤخذ يسوع ثانيا، ولأي قصد؟
▪ كيف يتمكَّن قيافا من جعل المجمع يعلن ان يسوع يستحق الموت؟
▪ اي تصرف مؤذ وغير قانوني يحدث في اثناء المحاكمة؟
-
-
انكار في الداراعظم انسان عاش على الاطلاق
-
-
الفصل ١٢٠
انكار في الدار
بعد تركهما يسوع في بستان جثسيماني وهربهما خوفا مع باقي الرسل، يتوقف بطرس ويوحنا عن هربهما. وربما يلحقان يسوع حين يؤخذ الى بيت حنّان. وعندما يرسله حنّان الى رئيس الكهنة قيافا يتبعه بطرس ويوحنا من بعيد، ممزَّقَين كما يبدو بين الخوف على حياتهما واهتمامهما العميق بما سيحدث لمعلِّمهما.
واذ يصلان الى مسكن قيافا الفسيح، يتمكن يوحنا من الدخول الى الدار، لانه معروف عند رئيس الكهنة. وأما بطرس فيبقى واقفا عند الباب خارجا. ولكنّ يوحنا يعود بسرعة ويكلِّم البوابة، احدى الجواري، فيُسمح لبطرس بالدخول.
والآن هنالك برد، وكان عبيد وخدام رئيس الكهنة قد اضرموا جمرا. فينضم بطرس اليهم ليستدفئ فيما ينتظر نهاية محاكمة يسوع. وهناك، في ضوء النار، تتفرس فيه البوابة التي ادخلته. «وأنت كنت مع يسوع الجليلي،» تهتف.
واذ يضطرب عند تحديد هويته، ينكر بطرس قدامهم جميعا معرفته يسوع. «لست ادري ولا افهم ما تقولين،» يقول.
عند ذلك يخرج بطرس الى قرب الدهليز. وهناك تراه فتاة اخرى وتقول ايضا لاولئك الواقفين: «وهذا كان مع يسوع الناصري.» فينكره بطرس مرة ثانية بقسم: «اني لست اعرف الرجل.»
يبقى بطرس في الدار، محاولا ألا يلفت النظر قدر المستطاع. وربما في تلك اللحظة يفزعه صياح الديك في ظلمة الصباح الباكر. في هذه الاثناء تكون محاكمة يسوع جارية، ومن الواضح انها تُدار في قسم من البيت اعلى من الدار. ولا شك ان بطرس والآخرين الذين ينتظرون في الاسفل يرون مجيء وذهاب مختلف الشهود الذين يجري ادخالهم للشهادة.
مضى نحو ساعة منذ حُدِّدت مؤخرا هوية بطرس بصفته رفيقا ليسوع. والآن يجيء اليه عدد من القيام ويقولون: «حقا انت ايضا منهم فان لغتك تظهرك.» وواحد من الفريق هو نسيب مَلْخُس، الذي قطع بطرس اذنه. «أما رأيتك انا معه في البستان،» يقول.
«اني لا اعرف الرجل،» يؤكِّد بطرس باحتداد. وبالحقيقة، يحاول ان يقنعهم بأنهم جميعا مخطئون اذ يلعن ويحلف على القضية، مستنزلا في الواقع الشر على نفسه ان لم يكن يقول الحقيقة.
وفيما يقوم بطرس بهذا الانكار الثالث يصيح الديك. وفي هذه اللحظة يلتفت يسوع، الذي خرج كما يبدو الى الشرفة التي تطلّ على الدار، وينظر اليه. وفي الحال يتذكَّر بطرس ما قاله يسوع منذ ساعات قليلة فقط في العلية: «قبل ان يصيح الديك مرتين تنكرني ثلاث مرات.» واذ يسحقه ثقل خطيته، يخرج بطرس الى خارج ويبكي بكاء مرا.
فكيف يمكن ان يحدث ذلك؟ وكيف يمكن لبطرس، بعد ان كان متأكِّدا جدا من قوته الروحية، ان ينكر معلِّمه ثلاث مرات في تعاقب سريع؟ لا شك ان الظروف فاجأت بطرس دون ان يدري. فالحقيقة تُحرَّف، ويسوع يوصف كمجرم حقير. وما هو صواب يبدو خاطئا، والبريء مذنبا. لذلك، بسبب ضغوط المناسبة، يخسر بطرس اتزانه. وفجأة يتشوَّش شعوره اللائق بالولاء؛ ولتعاسته يُشِلّه خوف الانسان. فنرجو ان لا يحدث ذلك لنا ابدا! متى ٢٦:٥٧، ٥٨، ٦٩-٧٥؛ مرقس ١٤:٣٠، ٥٣، ٥٤، ٦٦-٧٢؛ لوقا ٢٢:٥٤-٦٢؛ يوحنا ١٨:١٥-١٨، ٢٥-٢٧.
▪ كيف يدخل بطرس ويوحنا الى دار رئيس الكهنة؟
▪ فيما يكون بطرس ويوحنا في الدار، ماذا يجري في البيت؟
▪ كم مرة يصيح الديك، وكم مرة ينكر بطرس معرفته المسيح؟
▪ ماذا يعني ان يلعن بطرس ويحلف؟
▪ ماذا يجعل بطرس ينكر انه يعرف يسوع؟
-
-
امام المجمع، ثم الى بيلاطساعظم انسان عاش على الاطلاق
-
-
الفصل ١٢١
امام المجمع، ثم الى بيلاطس
يقترب الليل من نهايته. وبطرس قد انكر يسوع للمرة الثالثة، وأعضاء المجمع قد انهوا محاكمتهم الصوريّة وتفرقوا. إلا انهم، حالما يطلع الفجر يوم الجمعة صباحا، يجتمعون ثانية، وهذه المرة في مجمعهم. وقصدهم على الارجح هو اعطاء مظهر من الشرعية للمحاكمة الليلية. وعندما يؤتى بيسوع ليمثل امامهم يقولون، كما قالوا خلال الليل: «إنْ كنت انت المسيح فقل لنا.»
«ان قلت لكم لا تصدقون،» يجيب يسوع. «وان سألت لا تجيبونني.» ولكنّ يسوع يشير بشجاعة الى هويته، قائلا: «منذ الآن يكون ابن الانسان جالسا عن يمين قوة اللّٰه.»
«أفأنت ابن اللّٰه،» يريدون جميعهم ان يعرفوا.
«انتم تقولون اني انا هو،» يجيب يسوع.
وبالنسبة الى هؤلاء الرجال المصممين على القتل، يكون هذا الجواب كافيا. فهم يعتبرونه تجديفا. «ما حاجتنا بعد الى شهادة،» يقولون. «لأننا نحن سمعنا من فمه.» لذلك يوثقون يسوع، ويمضون به، ويدفعونه الى الوالي الروماني بيلاطس البنطي.
كان يهوذا، مسلِّم يسوع، يراقب وقائع الجلسة. وعندما يرى ان يسوع قد دين يندم. ولذلك يذهب الى رؤساء الكهنة والشيوخ ليردّ الـ ٣٠ قطعة من الفضة، موضحا: «قد اخطأت اذ سلَّمت دما بريئا.»
«ماذا علينا. انت أَبصِرْ،» يجيبون بعدم شفقة. فيطرح يهوذا الفضة في الهيكل ويمضي ويحاول ان يخنق نفسه. ولكنّ الغصن الذي يربط به يهوذا الحبلَ ينكسر كما يبدو، فيندفع جسده الى الصخور في الاسفل حيث ينشقّ.
ليس رؤساء الكهنة متأكدين ماذا يفعلون بالفضة. «لا يحل ان نلقيها في الخزانة،» يستنتجون، «لأنها ثمن دم.» ولذلك، بعد ان يتشاوروا، يشترون بالمال حقل الفخاري مقبرةً للغرباء. وهكذا يسمَّى الحقل «حقل الدم.»
لا يزال الوقت باكرا في الصباح عندما يؤخذ يسوع الى دار الولاية. ولكنَّ اليهود الذين رافقوه يرفضون ان يدخلوا لأنهم يعتقدون ان مخالطة كهذه للامم تنجسهم. ولذلك، ليتكيَّف معهم، يخرج بيلاطس. «اية شكاية تقدمون على هذا الانسان،» يسأل.
«لو لم يكن فاعل شر لما كنا قد سلَّمناه اليك،» يجيبون.
وإذ يرغب في تجنب التورط، يجاوب بيلاطس: «خذوه انتم واحكموا عليه حسب ناموسكم.»
واذ يكشفون عن نيتهم المهلكة، يدَّعي اليهود: «لا يجوز لنا ان نقتل احدا.» وفي الواقع، اذا قتلوا يسوع خلال عيد الفصح فسيسبِّب ذلك على الارجح شغبا عاما، لأن كثيرين يُكِنُّون ليسوع اعتبارا ساميا. أمّا اذا تمكنوا من جعل الرومان يعدمونه بتهمة سياسية فسيتخلصون بذلك من المسؤولية امام الشعب.
وهكذا فان القادة الدينيين، غير ذاكرين محاكمتهم الابكر التي دانوا خلالها يسوع بالتجديف، يلفِّقون الآن تهما مختلفة. فيوجِّهون الاتهام المثلَّث الاجزاء: «اننا وجدنا هذا [١] يفسد الامة و [٢] يمنع ان تعطى جزية لقيصر [٣] قائلا انه هو مسيح ملك.»
ان التهمة بادِّعاء يسوع انه ملك هي ما يهم بيلاطس. ولذلك يدخل الى الدار ثانية، يدعو يسوع اليه، ويسأله: «انت ملك اليهود.» وبكلمات اخرى، هل خالفت القانون باعلان نفسك ملكا ضد قيصر؟
يريد يسوع ان يعرف كم كان بيلاطس قد سمع عنه، ولذلك يسأل: «أمِنْ ذاتك تقول هذا ام آخرون قالوا لك عني.»
يعترف بيلاطس بالجهل عنه وبرغبة في معرفة الحقائق. «ألعلّي انا يهودي،» يجاوب. «امتك ورؤساء الكهنة اسلموك اليَّ. ماذا فعلتَ.»
لا يحاول يسوع بأية طريقة ان يراوغ على القضية، تلك التي للملكية. والجواب الذي يعطيه يسوع الآن يفاجئ بيلاطس دون شك. لوقا ٢٢:٦٦-٢٣:٣؛ متى ٢٧:١-١١؛ مرقس ١٥:١؛ يوحنا ١٨:٢٨-٣٥؛ اعمال ١:١٦-٢٠.
▪ لأي قصد يجتمع المجمع ثانية في الصباح؟
▪ كيف يموت يهوذا، وماذا يجري فعله بالـ ٣٠ قطعة من الفضة؟
▪ عوضا عن ان يقتلوه هم انفسهم، لماذا يريد اليهود ان يقتل الرومان يسوع؟
▪ اية تهم يوجِّهها اليهود ضد يسوع؟
-
-
من بيلاطس الى هيرودس والرجوع ثانيةاعظم انسان عاش على الاطلاق
-
-
الفصل ١٢٢
من بيلاطس الى هيرودس والرجوع ثانية
مع ان يسوع لا يحاول ان يخفي عن بيلاطس كونه ملكا، فهو يوضح ان مملكته ليست تهديدا لرومية. «مملكتي ليست من هذا العالم،» يقول يسوع. «لو كانت مملكتي من هذا العالم لكان خدامي يجاهدون لكي لا أُسلَّم الى اليهود. ولكن الآن ليست مملكتي من هنا.» وهكذا يعترف يسوع ثلاث مرات بأن له مملكة، مع انها ليست من مصدر ارضي.
ومع ذلك، يلحّ بيلاطس عليه اكثر: «أفأنت اذًا ملك.» اي، هل انت ملك ولو لم تكن مملكتك جزءا من هذا العالم؟
يدَع يسوع بيلاطس يعرف انه وصل الى الاستنتاج الصائب، اذ يجيب: «انت تقول اني ملك. لهذا قد ولدتُ انا ولهذا قد أتيت الى العالم لاشهد للحق. كل من هو من الحق يسمع صوتي.»
نعم، ان القصد عينه لوجود يسوع على الارض هو ان يشهد «للحق،» وخصوصا الحق عن ملكوته. ويسوع مستعد ان يكون امينا لهذا الحق حتى اذا كلَّفه ذلك حياته. ومع ان بيلاطس يسأل: «ما هو الحق،» فهو لا ينتظر من اجل ايضاح اضافي. فقد سمع ما فيه الكفاية ليصدر حكما.
ويرجع بيلاطس الى الجمع المنتظِر خارج الدار. ومن الواضح انه اذ يكون يسوع الى جانبه يقول لرؤساء الكهنة والذين معهم: «اني لا اجد علّة في هذا الانسان.»
واذ يغضبهم القرار، يشدد الجموع: «انه يهيِّج الشعب وهو يعلّم في كل اليهودية مبتدئا من الجليل الى هنا.»
ان تعصب اليهود غير المعقول لا بد انه يدهش بيلاطس. وهكذا، فيما يستمر رؤساء الكهنة والشيوخ في الصياح، يلتفت بيلاطس الى يسوع ويسأل: «أما تسمع كم يشهدون عليك.» ومع ذلك، لا يحاول يسوع ان يجيب. ان هدوءه في وجه الشكاوى الشديدة الغضب يجعل بيلاطس يتعجب.
واذ يعلم ان يسوع جليلي، يرى بيلاطس مخرجا له من المسؤولية. فحاكم الجليل، هيرودس انتيباس (ابن هيرودس الكبير)، هو في اورشليم من اجل الفصح، ولذلك يرسل بيلاطس يسوعَ اليه. وفي وقت ابكر كان هيرودس انتيباس قد قطع رأس يوحنا المعمدان، ثم صار هيرودس مرتعبا عندما سمع عن الاعمال العجائبية التي كان يسوع يصنعها، خائفا ان يكون يسوع فعلا يوحنا الذي اقيم من الاموات.
والآن، يمتلئ هيرودس ابتهاجا لتوقع رؤية يسوع. وذلك ليس لانه مهتم بخير يسوع او يريد ان يقوم بأية محاولة حقيقية ليعلم ان كانت التهم ضده صحيحة ام لا. وبالاحرى، انه فضولي فقط ويرجو ان يرى يسوع يصنع عجيبة ما.
ولكنّ يسوع يرفض اشباع فضول هيرودس. وفي الواقع، اذ يسأله هيرودس، لا يقول كلمة. واذ يخيب املهم، يستهزئ هيرودس وعسكره بيسوع. فيلبسونه لباسا لامعا ويسخرون منه. ثم يردّونه الى بيلاطس. ونتيجة لذلك، فإن هيرودس وبيلاطس، اللذين كانا سابقا عدوَّين، يصيران صديقين جيدين.
وعندما يرجع يسوع يدعو بيلاطس رؤساء الكهنة، عظماء اليهود، والشعب ويقول: «قد قدّمتم اليَّ هذا الانسان كمن يُفسد الشعب. وها انا قد فحصت قدامكم ولم اجد في هذا الانسان علّة مما تشتكون به عليه. ولا هيرودس ايضا. لاني ارسلتكم اليه. وها لا شيء يستحق الموت صُنع منه. فأنا اؤدّبه وأُطلقه.»
وهكذا اعلن بيلاطس مرتين ان يسوع بريء. وهو يتوق الى تحريره، لانه يدرك ان الكهنة اسلموه بسبب الحسد فقط. واذ يستمر بيلاطس في محاولة اطلاق يسوع، ينال دافعا اقوى ايضا الى ذلك. فبينما هو على كرسي ولايته ترسل زوجته رسالة، محرِّضة اياه: «اياك وذلك البار. لاني تألمت اليوم كثيرا في حلم [من اصل الهي كما يتضح] من اجله.»
ولكن، كيف يمكن لبيلاطس ان يطلق هذا الرجل البريء، اذ يعرف انه يجب اطلاقه؟ يوحنا ١٨:٣٦-٣٨؛ لوقا ٢٣:٤-١٦؛ متى ٢٧:١٢-١٤، ١٨، ١٩؛ ١٤:١، ٢؛ مرقس ١٥:٢-٥.
▪ كيف يجيب يسوع عن السؤال المتعلق بملكيته؟
▪ ما هو «الحق» الذي قضى يسوع حياته الارضية يشهد له؟
▪ ما هو حكم بيلاطس، كيف يتجاوب الشعب، وماذا يفعل بيلاطس بيسوع؟
▪ من هو هيرودس انتيباس، ولماذا يمتلئ ابتهاجا لرؤية يسوع، وماذا يفعل به؟
▪ لماذا يتوق بيلاطس الى تحرير يسوع؟
-
-
«هوذا الانسان»اعظم انسان عاش على الاطلاق
-
-
الفصل ١٢٣
«هوذا الانسان»
اذ يتأثر بسلوك يسوع ويدرك براءته، يتبع بيلاطس طريقة اخرى لكي يطلقه. «لكم عادة،» يقول للجموع، «ان اطلق لكم واحدا في الفصح.»
وباراباس، القاتل المشهور، محتجز ايضا اسيرا، ولذلك يسأل بيلاطس: «مَن تريدون ان اطلق لكم. باراباس أم يسوع الذي يدعى المسيح.»
بتحريض رؤساء الكهنة الذين هيَّجوهم، يطلب الشعب ان يُطلَق باراباس وأما يسوع فليُقتل. ودون استسلام يجيب بيلاطس، سائلا ثانية: «مَن من الاثنين تريدون ان اطلق لكم.»
«باراباس،» يصرخون.
«فماذا افعل بيسوع الذي يدعى المسيح،» يسأل بيلاطس بقلق.
وبصرخة واحدة تُصِمّ الآذان، يجيبون: «ليُصلب.» «اصلبه اصلبه.»
واذ يعرف انهم يطالبون بموت رجل بريء، يدافع بيلاطس: «فأي شر عمل هذا. اني لم اجد فيه علة للموت. فأنا اؤدبه وأطلقه.»
على الرغم من محاولاته، فان الجمع الغضبان، اذ يحثهم قادتهم الدينيون، يواصلون الصياح: «ليُصلب.» واذ يجعلهم الكهنة في هياج، يريد الجمع دما. ولنتذكر انه، قبل خمسة ايام فقط، ربما كان البعض منهم بين اولئك الذين رحَّبوا بيسوع في اورشليم كملك! وكل هذا الوقت، اذا كان تلاميذ يسوع حاضرين، يبقون صامتين وغير لافتين الانتباه.
اذ يرى بيلاطس ان مناشداته لا تنفع شيئا بل بالحري يحدث شغب، يأخذ ماء ويغسل يديه قدام الجمع ويقول: «اني بريء من دم هذا البار. أَبصروا انتم.» وعندئذ يجيب الشعب: «دمه علينا وعلى اولادنا.»
ولذلك، وفقا لمطالبهم — ورغبة في ارضاء الجمع اكثر من فعل ما يعرف انه صواب — يطلق بيلاطس لهم باراباس. ويأخذ يسوع ويعرّيه ثم يجلده. ولم يكن ذلك جلدا عاديا. تصف مجلة الجمعية الطبية الاميركية ممارسة الجلد الرومانية قائلة:
«كانت الاداة المألوفة سوطا قصيرا (كرباجا) ذا سيور جلدية متعددة مفردة او مجدَّلة بأطوال مختلفة، تُربط بها على مسافات كرات حديدية صغيرة او قطع حادة الرأس من عظام الخروف. . . . واذ يضرب الجنود الرومان تكرارا ظهر الضحية بكل قوة، تسبب الكرات الحديدية رضوضا عميقة، وتقطع السيور الجلدية وعظام الخروف الجلد والانسجة التي تحت الجلد. ثم، فيما يستمر الجَلْد، تنفلق التمزقات حتى العضلات الهيكلية التحتية وتُنتِج شُرُطا مرتجفة من اللحم النازف.»
بعد هذا الضرب المبرِّح، يؤخذ يسوع الى دار الولاية وتُجمع كل الكتيبة. وهناك يكوِّم عليه الجنود مزيدا من المعاملة السيئة بضفر اكليل من شوك وكبسه على رأسه. ويضعون قصبة في يمينه، ويلبسونه ثوب ارجوان، الطراز الذي يلبسه الملوك. ثم يقولون له بسخرية: «السلام يا ملك اليهود.» وأيضا، يبصقون عليه ويلطمونه. واذ يأخذون القصبة الصلبة من يده، يستعملونها لضربه على رأسه، غارزين اكثر ايضا الشوك الحاد ‹لإكليله› المذلّ في فروته.
ان وقار وقوة يسوع الرائعين في وجه سوء المعاملة هذا يؤثران جدا في بيلاطس حتى انه يندفع الى صنع محاولة اخرى لتخليصه. «ها انا اخرجه اليكم لتعلموا اني لست اجد فيه علة واحدة،» يقول للجموع. وعلى الارجح يتصور ان رؤية حالة عذاب يسوع ستليِّن قلوبهم. واذ يقف يسوع امام الحشد العديم الشفقة، لابسا الاكليل الشوكي والثوب الارجواني ووجهه الدامي منقوش بالألم، يعلن بيلاطس: «هوذا الانسان.»
ومع انه مرضوض ومضروب بقسوة، يقف هنا ابرز شخص في كل التاريخ، حقا، اعظم انسان عاش على الاطلاق! نعم، يُظهر يسوع وقارا وهدوءا صامتين ينمّان عن عظمة يجب حتى على بيلاطس ان يعترف بها، لأن كلماته هي كما يظهر مزيج من الاحترام والشفقة على السواء. يوحنا ١٨:٣٩-١٩:٥؛ متى ٢٧:١٥-١٧، ٢٠-٣٠؛ مرقس ١٥:٦-١٩؛ لوقا ٢٣:١٨-٢٥.
▪ بأية طريقة يحاول بيلاطس اطلاق يسوع؟
▪ كيف يحاول بيلاطس ان يبرِّئ نفسه من المسؤولية؟
▪ ماذا يشمله الجَلْد؟
▪ كيف استُهزئ بيسوع بعد جلده؟
▪ اية محاولة اضافية يقوم بها بيلاطس لاطلاق يسوع؟
-
-
تسليمه والمضي بهاعظم انسان عاش على الاطلاق
-
-
الفصل ١٢٤
تسليمه والمضي به
عندما يحاول بيلاطس من جديد، متأثرا بالوقار الهادئ ليسوع المعذَّب، ان يطلقه يصير رؤساء الكهنة اكثر غضبا ايضا. فهم مصممون ان لا يدعوا شيئا يعيق قصدهم الشرير. ولذلك يجدِّدون صراخهم: «اصلبه اصلبه.»
«خذوه انتم واصلبوه،» يجاوب بيلاطس. (بخلاف ادعاءاتهم في وقت ابكر، ربما كانت لدى اليهود سلطة تنفيذ الحكم في المجرمين بسبب الاساءات الدينية التي هي ذات خطورة كافية.) ثم، للمرة الخامسة على الاقل، يعلن بيلاطس براءة يسوع، قائلا: «لست اجد فيه علة.»
فيلجأ اليهود، اذ يرون ان تهمهم السياسية قد فشلت في اعطاء النتائج، الى تهمة التجديف الدينية التي استُعملت في ساعات ابكر عند محاكمة يسوع امام السنهدريم. «لنا ناموس،» يقولون، «وحسب ناموسنا يجب ان يموت لانه جعل نفسه ابن اللّٰه.»
هذه التهمة جديدة بالنسبة الى بيلاطس، وتجعله يزداد خوفا. والآن يدرك ان يسوع ليس رجلا عاديا، تماما كما يشير اليه حلم زوجته وقوة شخصية يسوع الجديرة بالملاحظة. ولكن «ابن اللّٰه»؟ يعرف بيلاطس ان يسوع هو من الجليل. ولكن، هل من الممكن ان يكون قد عاش من قبل؟ واذ يعيده الى الدار من جديد، يسأل بيلاطس: «من اين انت.»
يبقى يسوع صامتا. ففي وقت ابكر كان قد اخبر بيلاطس انه ملك، وأن مملكته ليست جزءا من هذا العالم. وما من شرح اضافي سيفي الآن بغرض مفيد. ولكن، يجري جرح كبرياء بيلاطس برفض الاجابة، ويحمى غضبه على يسوع بالكلمات: «أما تكلِّمني. ألست تعلم ان لي سلطانا ان اصلبك وسلطانا ان اطلقك.»
«لم يكن لك عليَّ سلطان البتة لو لم تكن قد أُعطيت من فوق،» يجاوب يسوع باحترام. وهو يشير الى منح اللّٰه السلطان للحكام البشر ليديروا الشؤون الارضية. ويضيف يسوع: «لذلك الذي اسلمني اليك له خطية اعظم.» وفي الواقع، ان رئيس الكهنة قيافا وشركاءه ويهوذا الاسخريوطي جميعا يتحمَّلون مسؤولية اثقل من بيلاطس عن المعاملة غير العادلة ليسوع.
واذ يتأثر اكثر ايضا بيسوع ويخاف من انه ربما يكون من اصل الهي، يجدِّد بيلاطس جهوده لاطلاقه. ولكنّ اليهود يصدّون بيلاطس. ويكررون تهمتهم السياسية، مهدِّدين بمكر: «إن اطلقت هذا فلست محبا لقيصر. كل من يجعل نفسه ملكا يقاوم قيصر.»
وعلى الرغم من التلاميح المريعة، يُخرج بيلاطس يسوع مرة اخرى. «هوذا ملككم،» يناشد مرة اخرى بعدُ.
«خذه خذه اصلبه.»
«أأصلب ملككم،» يسأل بيلاطس بيأس.
يتململ اليهود من حكم الرومان. وفي الواقع، يحتقرون سيطرة رومية! ومع ذلك، برياء، يقول رؤساء الكهنة: «ليس لنا ملك إلا قيصر.»
واذ يخاف على مركزه السياسي وسمعته، يستسلم بيلاطس اخيرا لطلبات اليهود القاسية المهدِّدة. ويُسلِم يسوع. فينزع العسكر عن يسوع الرداء الارجواني ويلبسونه ثيابه. واذ يمضون بيسوع ليُصلب، يجعلونه يحمل خشبة آلامه.
والآن انه منتصف فترة قبل الظهر ليوم الجمعة في ١٤ نيسان قمري؛ وربما يقترب الوقت من الظهر. ويسوع مستيقظ منذ وقت مبكر من صباح يوم الخميس، وقد عانى اختبارا مؤلما تلو الآخر. وعلى نحو مفهوم، تنهار قوته بسرعة تحت ثقل الخشبة. ولذلك يُسخَّر رجل مجتاز، وهو سمعان القيرواني من افريقيا، ليحملها عنه. واذ يسيرون قُدُما، يتبعهم اناس كثيرون، بمن فيهم نساء يَلطمن وينُحن على يسوع.
واذ يلتفت الى النساء، يقول يسوع: «يا بنات اورشليم لا تبكين عليَّ بل ابكين على انفسكن وعلى اولادكن. لانه هوذا ايام تأتي يقولون فيها طوبى للعواقر والبطون التي لم تلد والثدي التي لم تُرضع. . . . لانه ان كانوا (يفعلون هذه الامور عندما تكون الشجرة رطبة، فماذا سيحدث عندما تكون ذابلة؟)»
يشير يسوع الى شجرة الامة اليهودية، التي لا يزال فيها بعض رطوبة الحياة بسبب حضور يسوع ووجود بقية تؤمن به. أما عند اخراج هؤلاء من الامة، فسيبقى مجرد شجرة ميتة روحيا، اجل، هيئة قومية يابسة. وكم يكون هناك سبب للبكاء عندما تخرِّب الجيوش الرومانية، اذ تخدم كمنفِّذة لاحكام اللّٰه، الامة اليهودية! يوحنا ١٩:٦-١٧؛ ١٨:٣١؛ لوقا ٢٣:٢٤-٣١؛ متى ٢٧:٣١، ٣٢؛ مرقس ١٥:٢٠، ٢١.
▪ اية تهمة يوجِّهها القادة الدينيون ضد يسوع عندما تفشل تهمهم السياسية في اعطاء النتائج؟
▪ لماذا يزداد بيلاطس خوفا؟
▪ من يتحمَّلون الخطية الاعظم لما يحدث ليسوع؟
▪ اخيرا، كيف يجعل الكهنة بيلاطس يُسلِم يسوع من اجل تنفيذ الحكم؟
▪ ماذا يقول يسوع للنساء اللواتي يبكين عليه، وماذا يعني بالاشارة الى الشجرة بصفتها «(رطبة)» ثم «(ذابلة)»؟
-
-
كَرْب على الخشبةاعظم انسان عاش على الاطلاق
-
-
الفصل ١٢٥
كَرْب على الخشبة
مع يسوع يؤتى بلصَّين لينفَّذ فيهما الحكم. وليس بعيدا عن المدينة، يتوقف الموكب عن السير في موضع يقال له جلجثة او موضع الجمجمة.
يُجرَّد الأسرى من ثيابهم. ثم تزوَّد خمر ممزوجة بمُرّ. وكما يبدو، فان نساء اورشليم يُعددنها، والرومان لا يحرمون الذين يُعلَّقون من هذا الشراب الذي يسكِّن الالم. ومع ذلك، عندما يذوقها يسوع لا يريد ان يشرب. ولماذا؟ من الواضح انه يريد ان يسيطر كاملا على قواه العقلية خلال هذا الامتحان الاعظم لايمانه.
يسوع متمدِّد الآن على الخشبة ويداه موضوعتان فوق رأسه. ثم يدقّ العسكر مسامير كبيرة في يديه وفي رجليه. فيتلوَّى من الألم فيما تثقب المسامير اللحم والاربطة. وعندما تُرفَع الخشبة منتصبة يكون الالم مبرِّحا، لأن ثقل الجسد يمزِّق مكان جروح المسامير. ومع ذلك، عوضا عن ان يهدد، يصلّي يسوع لأجل العسكر الرومان: «يا ابتاه اغفر لهم لانهم لا يعلمون ماذا يفعلون.»
يضع بيلاطس على الخشبة لافتة تتألف من الكلمات التالية: «يسوع الناصري ملك اليهود.» وكما يبدو، يكتب ذلك ليس فقط لأنه يحترم يسوع بل لأنه يكره الكهنة اليهود لانتزاعهم حكم موت يسوع منه. ولكي يقرأ الجميع اللافتة، جعلها بيلاطس تُكتب بثلاث لغات — بالعبرانية، باللاتينية الرسمية، وباليونانية العامة.
ان رؤساء الكهنة، بمن فيهم قيافا وحنَّان، مرتاعون. فهذا الإعلان القاطع يفسد ساعة انتصارهم. ولذلك يعترضون: «لا تكتب ملك اليهود بل ان ذاك قال انا ملك اليهود.» واذ يغتاظ من ان يخدم كأداة للكهنة، يجيب بيلاطس باحتقار واضح: «ما كتبت قد كتبت.»
يجتمع الكهنة الآن، بالاضافة الى جمع كبير، في موضع تنفيذ الحكم، ويحاول الكهنة ان يدحضوا شهادة اللافتة. فيكرِّرون الشهادة الزائفة التي أُعطيت في وقت ابكر في محاكمات السنهدريم. ولذلك ليس مدهشا ان يجدِّف المجتازون وهم يهزّون رؤوسهم بسخرية، قائلين: «يا ناقض الهيكل وبانيه في ثلاثة ايام خلِّص نفسك. إن كنت ابن اللّٰه فانزل عن الصليب.»
«خلَّص آخرين وأما نفسه فما يقدر ان يخلِّصها،» يتدخَّل رؤساء الكهنة وأصدقاؤهم الدينيون. «إن كان هو ملك اسرائيل فلينزل الآن عن الصليب فنؤمن به. قد اتكل على اللّٰه فلينقذه الآن إن اراده. لأنه قال انا ابن اللّٰه.»
إذ يتأثرون بالموقف العقلي هذا، يستهزئ العسكر ايضا بيسوع. وبسخرية يقدِّمون له خلاًّ، ممسكين بذلك كما يبدو على مسافة من شفتيه الظَمِئتين. «إن كنت انت ملك اليهود،» يُعيِّرون، «فخلِّص نفسك.» وحتى اللصَّان — واحد معلَّق عن يمين يسوع، وآخر عن يساره — يهزأان به. فكِّروا في ذلك! ان اعظم انسان عاش على الإطلاق، نعم، ذاك الذي اشترك مع يهوه اللّٰه في خلق كل الاشياء، يعاني بعزم ثابت كل هذه الاساءة!
يأخذ العسكر ثياب يسوع ويقسمونها الى اربعة اقسام. ويُلقون قرعة ليروا لمن ستكون هذه. أما القميص فهو بغير خياطة، لكونه ذا نوعية ممتازة. ولذلك يقول العسكر بعضهم لبعض: «لا نشقُّه بل نقترع عليه لمن يكون.» وهكذا، دون ان يعلموا، يتمِّمون الكتاب القائل: «اقتسموا ثيابي بينهم وعلى لباسي ألقوا قرعة.»
وفي حينه يقدِّر احد اللصَّين انه لا بد ان يكون يسوع ملكا حقا. ولذلك، اذ ينتهر رفيقه، يقول: «أَوَلا انت تخاف اللّٰه اذ انت تحت هذا الحكم بعينه. أما نحن فبعدل لأننا ننال استحقاق ما فعلنا. وأما هذا فلم يفعل شيئا ليس في محلِّه.» ثم يخاطب يسوع، «اذكرني يا رب متى جئت في ملكوتك.»
«الحق اقول لك اليوم،» يجيب يسوع، «ستكون معي في الفردوس.» وهذا الوعد سيتمّ عندما يحكم يسوع ملكا في السماء ويقيم فاعل الشر التائب هذا الى الحياة على الارض في الفردوس الذي يكون للناجين من هرمجدون ورفقائهم امتياز الاعتناء به. متى ٢٧:٣٣-٤٤؛ مرقس ١٥:٢٢-٣٢؛ لوقا ٢٣:٢٧، ٣٢-٤٣، عج؛ يوحنا ١٩:١٧-٢٤.
▪ لماذا لا يريد يسوع ان يشرب الخمر الممزوجة بمُرّ؟
▪ كما يبدو، لماذا توضع لافتة على خشبة يسوع، وأية منازعة تُبدئها بين بيلاطس ورؤساء الكهنة؟
▪ اية اساءة اضافية ينالها يسوع على الخشبة، وماذا يثيرها كما يتضح؟
▪ كيف تتمّ النبوة في ما يجري فعله بثياب يسوع؟
▪ اي تغيير يصنعه احد اللصَّين، وكيف سيتمِّم يسوع طلبه؟
-
-
«حقا كان هذا ابن اللّٰه»اعظم انسان عاش على الاطلاق
-
-
الفصل ١٢٦
«حقا كان هذا ابن اللّٰه»
لم يكن قد مضى على يسوع وقت طويل على الخشبة حين تقع، عند الظهر، ظلمة غامضة طوال ثلاث ساعات. ان كسوف الشمس ليس السبب، لأنه يحدث وقت الهلال فقط، والقمر هو بدر وقت الفصح. وعلاوة على ذلك، ان كسوف الشمس يدوم بضع دقائق فقط. ولذلك فان الظلمة هي من مصدر الهي! وهي على الارجح تجعل الذين يهزأون بيسوع يتوقفون ويفكرون، حتى انها تسبِّب انقطاع تعييراتهم.
اذا وقعت هذه الظاهرة الغريبة قبل ان يعنِّف احدُ فاعلَي الشر رفيقه ويطلب من يسوع ان يذكره، فقد تكون عاملا في توبته. وربما في اثناء الظلمة تشق اربع نساء طريقهن الى قرب خشبة الآلام، وهن امّ يسوع وأختها سالومة، مريم المجدلية، ومريم امّ الرسول يعقوب الصغير. ويوحنا، رسول يسوع الحبيب، معهن هناك.
كم يُطعَن قلب امّ يسوع فيما تشاهد الابن، الذي ارضعته وربَّته، معلَّقا هناك يقاسي ألما شديدا! وعلى الرغم من ذلك، يفكِّر يسوع، لا في ألمه، بل في خيرها. وبجهد كبير، يومئ برأسه الى يوحنا ويقول لأمه: «يا امرأة هوذا ابنك.» ثم، اذ يومئ برأسه الى مريم، يقول ليوحنا: «هوذا امك.»
بذلك يعهد يسوع في عناية امه، التي كما يتضح هي الآن ارملة، الى رسوله الحبيب على نحو خصوصي. ويفعل ذلك لأن اولاد مريم الآخرين لم يُظهروا حتى الآن ايمانا به. وهكذا يرسم مثالا جيدا في تزويد لا حاجات امه الجسدية فقط بل الروحية ايضا.
ونحو الساعة الثالثة بعد الظهر، يقول يسوع: «انا عطشان.» ويشعر يسوع كما لو ان اباه نزع الحماية عنه لكي تُمتحن استقامته الى اقصى حد. ولذلك يصرخ بصوت عظيم: «الهي الهي لماذا تركتني.» وعندما يسمعون ذلك يقول قوم واقفون بالقرب منه: «هوذا ينادي ايليا.» وللوقت يركض واحد منهم ويسقيه، واضعا إسفنجة ملآنة خلاًّ على طرف زوفا. ولكن يقول آخرون: «اتركوا. لنرَ هل يأتي ايليا ليُنزله.»
وعندما يأخذ يسوع الخلَّ يصرخ: «قد أُكمل.» نعم، لقد انهى كل ما ارسله ابوه الى الارض ليفعله. وأخيرا، يقول: «يا ابتاه في يديك استودع روحي.» وبذلك يسلِّم يسوع قوة حياته الى اللّٰه واثقا بأن اللّٰه سيعيدها اليه من جديد. ثم ينكِّس رأسه ويموت.
حالما يلفظ يسوع نفسَه الاخير تقع زلزلة عنيفة، فتنشق الصخور. والهزة قوية حتى ان القبور التذكارية خارج اورشليم تنفتح عنوة وتُطرح منها الجثث. والمجتازون، الذين يرون الاجساد الميتة التي انكشفت، يدخلون المدينة ويخبرون بذلك.
وعلاوة على ذلك، في اللحظة التي يموت فيها يسوع، ينشق الحجاب الكبير، الذي يفصل القدس عن قدس الاقداس في هيكل اللّٰه، الى اثنين، من فوق الى اسفل. وكما يظهر، فإن هذا الحجاب المزخرف على نحو جميل يبلغ ارتفاعه نحو ٦٠ قدما (١٨ م) وهو ثقيل جدا! والعجيبة المذهلة لا تُظهر فقط غضب اللّٰه على قاتلي ابنه بل تدل ان الطريق الى قدس الاقداس، السماء عينها، يصير الآن ممكنا بموت يسوع.
عندما يشعر الناس بالزلزلة ويرون ما يحدث يخافون جدا. وقائد المئة المشرف على الاعدام يمجِّد اللّٰه. «حقا كان هذا ابن اللّٰه،» يعلن. وعلى الارجح كان حاضرا عندما جرت مناقشة الادِّعاء بالبنوَّة الالهية وقت محاكمة يسوع امام بيلاطس. والآن هو مقتنع بأن يسوع هو ابن اللّٰه، نعم، انه حقا اعظم انسان عاش على الاطلاق.
وثمة آخرون ايضا تبهرهم هذه الحوادث العجائبية، فيبدأون بالرجوع الى بيوتهم قارعين صدورهم، اشارة الى حزنهم وخزيهم الشديدين. وتراقب المنظر من بعيد تلميذات كثيرات ليسوع فتثير مشاعرهن بعمق هذه الحوادث المهمة. والرسول يوحنا ايضا حاضر. متى ٢٧:٤٥-٥٦؛ مرقس ١٥:٣٣-٤١؛ لوقا ٢٣:٤٤-٤٩؛ ٢:٣٤، ٣٥؛ يوحنا ١٩:٢٥-٣٠.
▪ لماذا لا يمكن ان يكون كسوف الشمس السبب لثلاث ساعات من الظلمة؟
▪ قبل موته بمدة وجيزة، اي مثال جيد يزوِّده يسوع لذوي الوالدين المسنين؟
▪ ما هي العبارات الاربع الاخيرة ليسوع قبل ان يموت؟
▪ ماذا تنجز الزلزلة، وما هو مغزى انشقاق حجاب الهيكل الى اثنين؟
▪ كيف يتأثر قائد المئة المشرف على الاعدام بالعجائب؟
-
-
يُدفَن الجمعة — قبر فارغ الاحداعظم انسان عاش على الاطلاق
-
-
الفصل ١٢٧
يُدفَن الجمعة — قبر فارغ الاحد
الآن هو وقت متأخر من يوم الجمعة بعد الظهر، والسبت في ١٥ نيسان قمري سيبتدئ عند الغروب. وجسد يسوع الميت يتدلى مرتخيا على الخشبة، إلا ان اللصَّين الى جانبه لا يزالان على قيد الحياة. وبعد ظهر يوم الجمعة يدعى الاستعداد لأن الناس يعدُّون وجبات الطعام ويتمّمون اي عمل ملحّ آخر لا يمكن تأجيله الى ما بعد السبت.
والسبت الذي يوشك ان يبدأ ليس مجرد سبت عادي (اليوم السابع من الاسبوع) بل ايضا سبت مزدوج او «عظيم.» وهو يدعى هكذا لأن ١٥ نيسان قمري، الذي هو اول يوم من الايام السبعة لعيد الفطير (وهو دائما سبت مهما كان اليوم من الاسبوع الذي يصادفه)، يقع في يوم السبت العادي نفسه.
ووفقا لشريعة اللّٰه، لا يجب ان تُترك الاجساد معلَّقة على خشبة طوال الليل. ولذلك يطلب اليهود من بيلاطس تعجيل موت اللذين حُكم عليهما بكسر سيقانهما. وهكذا يكسر العسكر سيقان اللصَّين. ولكن، اذ يتضح ان يسوع قد مات، لا تُكسر ساقاه. وهذا يتمم الكتاب القائل: «عظم لا يُكسَر منه.»
ولكن، لازالة ايّ شك في ان يسوع قد مات حقا، يطعن واحد من العسكر جنبه بحربة. فتخترق الحربة ناحية قلبه، وللوقت يخرج دم وماء. والرسول يوحنا، الذي هو شاهد عيان، يخبر ان ذلك يتمم كتابا آخر: «سينظرون الى الذي طعنوه.»
ويوسف الذي من الرامة، عضو حسن السمعة في السنهدريم، يكون ايضا حاضرا عند تنفيذ الحكم. وقد رفض الموافقة على اجراء المحكمة العليا غير العادل ضد يسوع. ويوسف هو في الواقع تلميذ ليسوع، مع انه كان يخاف من تحديد هويته بهذه الصفة. ولكنه، الآن، يتجاسر ويذهب الى بيلاطس ليطلب جسد يسوع. فيدعو بيلاطس قائد المئة المسؤول، وبعد ان يؤكِّد قائد المئة ان يسوع ميت، يقوم بيلاطس بتسليم الجثة.
يأخذ يوسف الجسد ويكفّنه بكتان نقي استعدادا للدفن. ويساعده نيقوديموس، عضو آخر في السنهدريم. ونيقوديموس ايضا فشل في الاقرار بايمانه بيسوع بسبب الخوف من ان يخسر منصبه. لكنه الآن يجلب مزيجا يحتوي على نحو مئة مَنًا من المر والعود الباهظ الثمن. فيُلفّ جسد يسوع بأكفان تحتوي على هذين الطيبين، كما لليهود عادة ان يكفّنوا.
ثم يوضع الجسد في القبر التذكاري الجديد ليوسف المنحوت في صخرة في البستان القريب. وأخيرا، يُدحرج حجر كبير امام القبر. ولانجاز الدفن قبل السبت، يجري الاسراع في إعداد الجسد. ولذلك تهرع مريم المجدلية ومريم أُم يعقوب الصغير، اللتان ربما كانتا تساعدان في الإعداد، الى البيت لإعداد مزيد من الحنوط والاطياب. وبعد السبت، تخططان لمعالجة جسد يسوع اكثر لكي تحفظاه لفترة اطول من الوقت.
وفي الغد، الذي هو السبت، يذهب رؤساء الكهنة والفريسيون الى بيلاطس ويقولون: «يا سيد قد تذكَّرنا ان ذلك المضلّ قال وهو حي اني بعد ثلاثة ايام اقوم. فمُرْ بضبط القبر الى اليوم الثالث لئلا يأتي تلاميذه ليلا ويسرقوه ويقولوا للشعب انه قام من الاموات. فتكون الضلالة الاخيرة اشرَّ من الاولى.»
«عندكم حراس،» يجيب بيلاطس. «اذهبوا واضبطوه كما تعلمون.» فيمضون ويضبطون القبر بختم الحجر وبوضع عساكر رومانيين حراسا.
وفي وقت باكر من صباح الاحد تحمل مريم المجدلية، مريم أُم يعقوب، مع سالومة، يوَنَّا، ونساء أخريات، الحنوط الى القبر لمعالجة جسد يسوع. وفي طريقهن يقلن في ما بينهن: «مَن يدحرج لنا الحجر عن باب القبر.» ولكن عندما يصلن يجدن ان زلزلة قد حدثت وملاك يهوه قد دحرج الحجر بعيدا. والحراس قد ذهبوا، والقبر فارغ! متى ٢٧:٥٧-٢٨:٢؛ مرقس ١٥:٤٢-١٦:٤؛ لوقا ٢٣:٥٠-٢٤:٣، ١٠؛ يوحنا ١٩:١٤، ٣١-٢٠:١؛ ١٢:٤٢؛ لاويين ٢٣:٥-٧؛ تثنية ٢١:٢٢، ٢٣؛ مزمور ٣٤:٢٠؛ زكريا ١٢:١٠.
▪ لماذا يدعى يوم الجمعة الاستعداد، وما هو السبت ‹العظيم›؟
▪ اية آيات يجري اتمامها في ما يتعلق بجسد يسوع؟
▪ ما هي علاقة يوسف ونيقوديموس بدفن يسوع، وما هي علاقتهما بيسوع؟
▪ ماذا يطلب الكهنة من بيلاطس، وكيف يتجاوب؟
▪ ماذا يحدث في وقت باكر من صباح الاحد؟
-