-
ماذا يعاني المصابون بالكآبة؟استيقظ! ٢٠٠٩ | تشرين الاول (اكتوبر)
-
-
ماذا يعاني المصابون بالكآبة؟
«حين كنت في الثانية عشرة من عمري، استيقظت في صبيحة احد الايام وجلست على حافة سريري وتساءلت: ‹هل تنتهي حياتي اليوم؟›». هذا ما قاله جيمسa الذي كان يخوض صراعا مريرا مع الكآبة الحادة. وبعد مضي ٣٠ عاما، ذكر: «لم يمرّ يوم واحد من حياتي لم احارب فيه هذا المرض العقلي والعاطفي». ومن فرط ما شعر جيمس في صغره بأنه عديم القيمة، مزّق صور طفولته. يقول وهو يعود بالذاكرة الى تلك الفترة: «شعرت انني أتفه من ان يتذكرني احد».
بما اننا جميعا نحارب الحزن من حين الى آخر، فقد يغلب علينا الظنّ اننا نفهم معنى الكآبة. ولكن شتّان ما بين مشاعر الحزن العابرة وبين الكآبة السريرية! فلنرَ معا ما يشعر به المصابون بهذا المرض.
متطفل عديم الرحمة
ليست الكآبة السريرية مجرد نوبة عرضية من الكرب والانقباض، بل هي اضطراب خطير غالبا ما يعيق المرء عن ممارسة نشاطاته اليومية.
على سبيل المثال، يعاني ألڤارو منذ اكثر من ٤٠ عاما «الخوف والكرب والتشويش الذهني والاسى العميق». ويوضح قائلا: «بسبب كآبتي، كنت اتأثر الى ابعد الحدود بآراء الآخرين وأحمّل نفسي على الدوام تبعة كل خطإ يحدث». وهو يصف الكآبة بأنها «احساس بألم فظيع لا تعرف موضعه وخوف لا مبرر له، والاسوأ من ذلك كله انعدام اية رغبة في التحدث عن الموضوع». لكن ألڤارو يشعر اليوم بشيء من الراحة لأنه بات يدرك سبب هذه الاعراض. يقول: «تعزّيت حين عرفت انني لست الوحيد الذي يقاسي هذا المرض».
وفي البرازيل، انتابت ماريا البالغة من العمر الآن ٤٩ عاما كآبة سبّبت لها الأرق والالم وحدة الطبع و «اغرقتها في بحر من الاحزان بدا بلا نهاية». وحين شُخصت حالتها، خفّت للوهلة الاولى حدة معاناتها لأنها عرفت مرضها بالتحديد. لكنها صارت لاحقا، كما اوضحت، «اكثر قلقا وتوترا لأن قلة قليلة من الناس يتفهمون الكآبة التي تُعَد في نظر كثيرين وصمة عار على جبين المريض».
حزن شديد دون سبب ظاهر
صحيح ان الكآبة تُعزى احيانا الى سبب واضح، لكنها غالبا ما تقتحم حياة المرء دون سابق انذار. يوضح ريتشارد من جنوب افريقيا: «تخيم على حياتك فجأة سحابة سوداء من الغمّ دون سبب ظاهر. فلا احد من اعزائك قضى نحبه ولا حصل خطب يبعث الاسى في النفس. مع ذلك تشعر بأنك مكمدّ وواهن العزيمة. وما من شيء يبدد هذه السحابة من حياتك. فاليأس يستأثر بنفسك استئثارا وأنت لا تعرف السبب».
ومع ان الكآبة ليست مدعاة للخجل، فقد اعترت آنا من البرازيل هذه المشاعر حين شُخص انها مصابة بالكآبة. تعترف قائلة: «انقضت ثماني سنوات وأنا لا ازال اشعر بالخجل من نفسي». وتستصعب آنا بشكل خصوصي ان تتأقلم مع اضطرابها العاطفي. توضح: «اقاسي احيانا عذابا لا يوصف الى حد انني اشعر بألم في جسدي، فأنا احسّ بوجع في كل عضلة من عضلاتي». وفي اوقات كهذه، تكاد آنا لا تقوى على النهوض من الفراش. كما انها تمرّ احيانا بفترات لا يسعها فيها التوقف عن البكاء. تذكر: «ابكي احرّ بكاء ويضنيني التعب، فأشعر وكأن الدم تجمد في عروقي».
«تخيِّم على حياتك فجأة سحابة سوداء من الغمّ دون سبب ظاهر»
يذكر الكتاب المقدس ان الناس قد تنحطّ معنوياتهم الى حد خطير. مثلا، خاف الرسول بولس على رجل ان «يُبتلع . . . من فرط حزنه». (٢ كورنثوس ٢:٧) فبعض المكتئبين يستبدّ بهم اليأس فيتمنون ان يخطف الموت انفاسهم ويريحهم من عذاباتهم. وهم بذلك يشاطرون النبي يونان مشاعره حين قال: «خير لي ان اموت من ان احيا». — يونان ٤:٣.
فكيف يمكن للمكتئبين ان يعالجوا هذه العلة المضنية ويتعايشوا معها؟
a جرى تغيير الاسماء في سلسلة المقالات هذه.
-
-
سبل لمعالجة الكآبةاستيقظ! ٢٠٠٩ | تشرين الاول (اكتوبر)
-
-
سبل لمعالجة الكآبة
تذكر روث المصابة بالكآبة منذ سنوات عديدة: «بحثنا انا وزوجي عن علاج طبي وصنعنا تغييرات في نمط حياتنا وبذلنا اقصى جهدنا كي نتبع روتينا يسهل عليّ التأقلم معه. ويبدو اننا عثرنا اخيرا على دواء ناجع، وأنا اشعر بتحسن كبير. ولكن حين كنت اتخبط في المشكلة دون منفذ، لم يكفّ زوجي وأصدقائي عن اظهار المحبة لي لئلا استسلم للمرض».
يظهر اختبار روث ان المصابين بالكآبة السريرية يحتاجون كل دعم ممكن، بما في ذلك اي علاج يوصي به الاطباء. فالكآبة قد تهدد الحياة في بعض الاحيان إن هي تُركت دون علاج. فقبل ألفي سنة، اعترف يسوع المسيح ان ذوي الخبرة الطبية يمكن ان يمدّوا الآخرين بالمساعدة حين قال ان ‹السقماء يحتاجون الى طبيب›. (مرقس ٢:١٧) وفي الواقع، باستطاعة الاطباء ان يخففوا الى حد بعيد من معاناة الكثير من المرضى المكتئبين.a
بعض العلاجات المساعِدة
يمكن معالجة الكآبة بوسائل عديدة تختلف باختلاف الاعراض وحدة المرض. (انظر الاطار «لمحة عن انواع الكآبة».) فكثيرون تكفيهم وصفة من طبيب العائلة في حين يحتاج البعض الى طبيب متخصص يصف لهم دواء مضادا للاكتئاب او يوصي بنوع آخر من المساعدة. وقد حصد البعض نتائج جيدة اثر التداوي بالاعشاب، اجراء تعديلات على نظامهم الغذائي، او ممارسة التمارين الرياضية تحت اشراف الطبيب.
حذارِ من:
١- الاصدقاء الحسني النية الذين تعوزهم الخبرة في المسائل الطبية. فقد يحاولون اقناعك بقبول او رفض هذا العلاج او ذاك. وربما يفرضون عليك ايضا آراءهم الجازمة حول جدوى المداواة بالاعشاب او بالادوية الطبية او الامتناع عن تلقّي اي علاج.
فكّر في ما يلي: احرص على اخذ النصيحة من اشخاص جديرين بالثقة. فصنع قرار حكيم بعد الاطلاع على كافة المعطيات هو في النهاية مسؤوليتك انت.
٢- التثبط الذي قد يحدو بالمرضى الى ايقاف العلاج لأنهم لا يشعرون بتحسن او يعانون من تأثيرات جانبية مزعجة.
فكّر في ما يلي: «تبطل المقاصد من غير تشاور، والانجاز بكثرة المشيرين». (امثال ١٥:٢٢) فالعلاج الطبي يحقق النتائج المرجوة على الارجح اذا كانت خطوط الاتصال مفتوحة بين الطبيب والمريض. لذا عبِّر لطبيبك بصراحة عن هواجسك وصِفْ له الاعراض التي تشعر بها. ثم اسأله إن كان عليك ان تغيّر العلاج او تستمر في اتّباعه فترة من الوقت قبل ان تلمس الفائدة منه.
٣- الثقة المفرطة بالنفس التي قد تدفع المرضى الى الكفّ فجأة عن اخذ العلاج بعد بضعة اسابيع لأنهم باتوا في حال افضل. فهم ينسون ربما كم استنزفت الاعراض قواهم قبل البدء بالعلاج.
فكّر في ما يلي: ان التوقف المفاجئ عن اخذ العلاج دون استشارة الطبيب قد يؤدي الى ما لا تُحمد عُقباه، حتى انه قد يعرّض حياتك للخطر.
صحيح ان الكتاب المقدس ليس مرجعا متخصصا في الطب، لكن مؤلفه يهوه اللّٰه هو خالقنا. وستتناول المقالة التالية ما تمنحه كلمة اللّٰه من تعزية وإرشاد للمكتئبين وكذلك للذين يسهرون على الاعتناء بهم.
a لا توصي استيقظ! بنوع معيَّن من العلاج الطبي. فعلى كل فرد ان يقيّم باعتناء الخيارات المتاحة امامه قبل ان يتخذ قراره الشخصي.
-
-
نيل المساعدة من ‹اله التعزية›استيقظ! ٢٠٠٩ | تشرين الاول (اكتوبر)
-
-
نيل المساعدة من ‹اله التعزية›
اكتنف الملك داود كرب شديد وشغلت قلبه «هموم» كثيرة. لكنه لم يشكّ يوما ان الخالق يفهمنا فهما عميقا. كتب: «يا يهوه، قد فحصتني وعرفتني. انت عرفت جلوسي وقيامي. ادركت فكري من بعيد. لأنه ليس كلمة على لساني، الا وأنت يا يهوه قد عرفتها كلها». — مزمور ١٣٩:١، ٢، ٤، ٢٣.
نحن ايضا نثق كل الثقة ان خالقنا يفهمنا ويعي الاثر الموهن الذي تتركه الكآبة في عقولنا وأجسادنا الناقصة. وهو يعرف لمَ نقع فريسة الكآبة وكيف لنا ان نتأقلم معها بأفضل الطرق في ظل الظروف الراهنة. كما انه يوضح كيف سيشفي المكتئبين مرة وإلى الابد. فهل من احد يمدّنا بالمساعدة افضل من إلهنا المتعاطف «الذي يعزّي ويشجع وينعش ويبهج المكتئبين»؟! — ٢ كورنثوس ٧:٦، الكتاب المقدس الموسَّع (بالانكليزية).
ولكن قد يتساءل المكتئبون كيف يمكن للّٰه ان يعضدهم حين يملأ الشجن قلوبهم.
هل يهتم اللّٰه بالمكتئبين؟
اللّٰه قريب جدا من خدامه المكتئبين كما لو انه يقيم معهم. فهو يقول عن نفسه: «أسكن . . . مع المنسحق والمتضع الروح، لأحيي روح المتضعين ولأحيي قلب المنسحقين». (اشعيا ٥٧:١٥) فكم نتعزى حين نعرف ان «يهوه قريب من المنكسري القلب، ويخلّص المنسحقي الروح»! — مزمور ٣٤:١٨.
كيف يستمد المكتئبون التعزية من اللّٰه؟
بإمكان عباد اللّٰه ان يقتربوا ساعة يشاؤون الى «سامع الصلاة» الذي يعينهم على التأقلم مع المشاعر والظروف المؤلمة. (مزمور ٦٥:٢) فالكتاب المقدس يحثّنا ان نفضي اليه بمكنونات قلبنا قائلا: «لا تحملوا همًّا من جهة اي شيء، بل في كل شيء لتُعرف طلباتكم لدى اللّٰه بالصلاة والتضرع مع الشكر. وسلام اللّٰه الذي يفوق كل فكر يحرس قلوبكم وقواكم العقلية بالمسيح يسوع». — فيلبي ٤:٦، ٧.
ماذا لو طغت علينا مشاعر عدم القيمة ودفعتنا الى التفكير ان صلواتنا تذهب ادراج الرياح؟
قد نخال بسبب الكآبة ان محاولاتنا لإرضاء اللّٰه لا تفي بالغرض. غير ان ابانا السماوي يتفهم مشاعرنا الرقيقة و «يذكر اننا تراب». (مزمور ١٠٣:١٤) حتى لو ‹لامتنا قلوبنا›، فبإمكاننا ان «نُطَمئن قلوبنا . . . ان اللّٰه اعظم من قلوبنا ويعلم كل شيء». (١ يوحنا ٣:١٩، ٢٠) فلمَ لا تستخدم في صلواتك تعابير مستقاة من الكتاب المقدس كالتي ترد في المزمور ٩:٩، ١٠؛ ١٠:١٢، ١٤، ١٧؛ و ٢٥:١٧؟
ماذا لو شوّش الحزن تفكيرنا بحيث لم نعد نقوى على التعبير عن مشاعرنا؟
حين تثقل عليك وطأة الحزن فتعجز عن ترجمة مشاعرك الى كلمات واضحة، لا تستسلم وترمِ سلاحك. بل واصل الاقتراب الى ‹ابي المراحم الرقيقة وإله كل تعزية› واثقا انه يتفهم مشاعرك وحاجاتك. (٢ كورنثوس ١:٣) تقول ماريا المذكورة آنفا في هذه السلسلة: «اشعر احيانا ان ذهني مشوش جدا فلا اعرف ماذا اقول في الصلاة. لكنني أعي ان اللّٰه يفهمني ويساندني».
كيف يستجيب اللّٰه صلواتنا؟
لا يشير الكتاب المقدس ان اللّٰه سيمحو كل مشقاتنا في الوقت الحاضر. لكنه يؤكد لنا ان اللّٰه يمنحنا القوة كي نصبر على «كل شيء»، بما في ذلك الكآبة. (فيلبي ٤:١٣) تعترف مارتينا: «حين بدأت الكآبة تتسلل الى حياتي، التمست من يهوه في الصلاة ان يشفيني فورا لأنني ظننت نفسي عاجزة عن احتمال المرض مدة اطول. اما الآن فيكفيني ان اصلي يوميا طلبا للقوة».
وتُعدّ الاسفار المقدسة مصدرا مهما يمدّ المكتئبين بالقوة الروحية للتكيف مع مرضهم. وقد لمست سارة التي تخوض صراعا مع الكآبة منذ ٣٥ عاما القيمة العملية لقراءة الكتاب المقدس يوميا. تذكر: «اقدّر من كل قلبي ما يفعله الاطباء من اجلي. لكن الاهم من ذلك كله هو الفوائد الروحية والعملية من كلمة اللّٰه التي اعتدت قراءتها بانتظام».
حين تولّي الكآبة الى غير رجعة
لمّا كان يسوع المسيح على الارض، استخدم القدرة التي منحه اياها اللّٰه لشفاء الاسقام الموجعة. فقد تاق الى إراحة الذين اثقلهم المرض. علاوة على ذلك، ذاق يسوع بنفسه طعم العذاب جراء اضطرابه وكربه العظيم. ففي الليلة التي سبقت موته ميتة اليمة، «قدّم تضرعات وطلبات ايضا، بصراخ شديد ودموع، للقادر ان يخلّصه من الموت». (عبرانيين ٥:٧) فيا للألم الذي اعتصر فؤاده آنذاك! لكن ذلك يعود علينا بالفائدة اليوم لأنه بات يفهم مشاعرنا و «يقدر ان يأتي لمساعدة الممتحَنين». — عبرانيين ٢:١٨؛ ١ يوحنا ٢:١، ٢.
ويوضح الكتاب المقدس ان اللّٰه يشاء ان يضع حدا لكل ما يسبب الكآبة. فهو يعدنا قائلا: «هأنذا خالق سموات جديدة وأرضا جديدة، فلا تُذكر الامور السابقة ولا تصعد على القلب. فابتهجوا وافرحوا الى الابد بما انا خالق». (اشعيا ٦٥:١٧، ١٨) ‹فالسموات الجديدة›، اي ملكوت اللّٰه، ستردّ ‹الارض الجديدة›، اي المجتمع البار على الارض، الى حالة من الكمال الجسدي والعاطفي والروحي. وآنذاك ستولّي الامراض الى غير رجعة.
«دعوت باسمك يا يهوه، من اعمق الحفر. فاسمع صوتي. لا تحجب اذنك عن راحتي، عن استغاثتي. اقتربتَ يوم دعوتك. قلتَ: ‹لا تخف›». — المراثي ٣:٥٥-٥٧
-