الداء السكري —‏ «القاتل الصامت»‏

عندما كان كِن في الـ‍ ٢١ من العمر،‏ بدأ يشعر بعطش محيّر لا يُروى.‏ وصار يبوّل مرارا،‏ حتى وصل به الامر الى مرة كل ٢٠ دقيقة تقريبا.‏ وسرعان ما صار يشعر بثقل في اطرافه.‏ وبدأ يعاني تعبا مزمنا وأصبحت رؤيته غبشاء.‏

أتت نقطة التحوّل في حياة كِن حين التقط ڤيروسا.‏ فعندما زار الطبيب اكّد له هذا الاخير ان الامر يتعدى الانفلوَنزا —‏ لقد كان مصابا ايضا بالداء السكري من النمط ١.‏ وهذه المشكلة تجعل الجسم عاجزا عن استخدام بعض المواد المغذّية،‏ وبشكل رئيسي سكر الدم المدعو الڠلوكوز.‏ فقضى كِن ستة اسابيع في المستشفى حتى استقر مستوى السكر في دمه.‏

مضى على ذلك اكثر من ٥٠ سنة،‏ أُحرز اثناءها تقدُّم كبير في طرائق العلاج.‏ لكنّ كِن لا يزال يعاني الداء السكري،‏ وهو ليس الوحيد.‏ فحول العالم،‏ يُقدَّر ان اكثر من ١٤٠ مليون شخص مصابون به.‏ وبحسب منظمة الصحة العالمية،‏ يمكن ان يتضاعف هذا العدد بحلول سنة ٢٠٢٥.‏ فمن البديهي ان يقلق الخبراء بشأن انتشار الداء السكري.‏ تقول الطبيبة روبِن س.‏ ڠولند،‏ مديرة في احد مراكز المعالجة في الولايات المتحدة:‏ «ان الاعداد التي نراها تنذر ببداية وباء».‏

تأمل في هذه التقارير المختصرة من حول العالم:‏

اوستراليا:‏ بحسب المعهد الدولي للداء السكري،‏ «يُعتبر هذا المرض احدى اصعب المشاكل الصحية في القرن الـ‍ ٢١».‏

سنڠافورة:‏ ثلث السكان تقريبا ممن تتراوح اعمارهم بين ٣٠ و ٦٩ سنة مصابون بالداء السكري.‏ كما ان عددا كبيرا من الاولاد —‏ بعضهم في العاشرة من عمرهم فقط —‏ مصاب به.‏

الهند:‏ ٣٠ مليون شخص على الاقل مصابون بالداء السكري.‏ يقول احد الاطباء:‏ «منذ حوالي ١٥ سنة،‏ لم يكن لدينا مرضى بالداء السكري دون الـ‍ ٤٠ من العمر.‏ اما اليوم،‏ فخمسون في المئة ينتمون الى فئة العمر هذه».‏

الولايات المتحدة:‏ هنالك حوالي ١٦ مليون نسمة مصابين بالداء السكري.‏ وكل سنة تشخص نحو ٠٠٠‏,٨٠٠ حالة جديدة.‏ كما ان ملايين هم مصابون بالداء السكري لكنهم على غير علم بذلك بعد.‏

ما يزيد من صعوبة معالجة الداء السكري هو ان الشخص يمكن ان يُصاب به ولا يُكتشَف ذلك إلا بعد وقت طويل.‏ تذكر مجلة اسبوع آسيا (‏بالانكليزية)‏:‏ «اذ تكون الاعراض الباكرة للداء السكري غير واضحة تماما،‏ لا يُشخّص المرض بشكل صحيح».‏ لذلك،‏ دُعي الداء السكري القاتل الصامت.‏

نظرا الى انتشار هذا المرض وخطورته،‏ ستناقش المقالتان التاليتان هذين السؤالَين:‏

‏• ماذا يسبب الداء السكري؟‏

‏• كيف يمكن للمصابين بهذا الداء ان يتدبروا امرهم؟‏

‏[الاطار/‏الصورة في الصفحة ٤]‏

من اين اتى الاسم

يأتي الاسم الطبي «الزَّرَب السكري»،‏ اي الداء السكري،‏ من كلمة يونانية تعني «زرِبَ» ومن كلمة لاتينية تعني «حلو مثل العسل».‏ ويصف هذا التعبير المرض وصفا مناسبا،‏ لأن الماء يمر بسرعة في جسم المصاب بالداء السكري وكأنه دُفع من الفم الى المجاري البولية ومنها الى خارج الجسم.‏ بالاضافة الى ذلك،‏ يكون البول حلوا بسبب السكر الموجود فيه.‏ وفي الواقع،‏ قبل اكتشاف التقنيات المتقدمة،‏ شمل احد فحوص الداء السكري سكب بول المريض قرب وكر للنمل،‏ حتى اذا انجذبت هذه الحشرات اليه كان ذلك دليلا على وجود السكر.‏

صعوبة العلاج

‏«كل انواع الداء السكري خطرة،‏ ما من نوع سهل».‏—‏ آن دالي،‏ الجمعية الاميركية للداء السكري.‏

‏«تشير نتائج فحص الدم الى وجود مشكلة.‏ انتِ بحاجة الى علاج طبي على الفور».‏ نزلت كلمات الطبيبة على ديبورا كالصاعقة.‏ تقول:‏ «لم اتوقف تلك الليلة عن التفكير انه لا بد من وجود خطإ في فحوص المختبر.‏ وقلت لنفسي انه يستحيل ان اكون مريضة».‏

مثل اشخاص كثيرين،‏ اعتقدت ديبورا انها بصحة جيدة نسبيا،‏ فتجاهلت الاعراض المستمرة.‏ واعتبرت مضادات الهِستامين التي تتناولها مسؤولة عن العطش المستمر التي تشعر به.‏ وعزت التبول المتكرر الى شرب الماء بإفراط.‏ اما بالنسبة الى التعب،‏ فأية ام عاملة لا تكون منهكة القوى؟‏

لكنّ فحص الدم اكّد ان الداء السكري هو السبب.‏ فصعب على ديبورا ان تتقبل التشخيص.‏ تقول:‏ لم اخبر احدا عن مرضي.‏ في الليل،‏ عندما ينام اعضاء العائلة،‏ كنت احدق في الظلام وأبكي».‏ مثل ديبورا،‏ ينتاب بعض الذين يعلمون انهم مصابون بالداء السكري فيض من المشاعر بما فيها الكآ‌بة والغضب.‏ تقول كارين:‏ «مررت بفترة بكاء وعدم تقبُّل الواقع».‏

هذا الامر هو رد فعل طبيعي لما يبدو مصيبة جائرة.‏ لكن بنيل الدعم،‏ يمكن لهؤلاء المصابين ان يتخطوا المشكلة.‏ تقول كارين:‏ «ساعدتني ممرضتي على قبول حالتي.‏ وأكدت لي انه لا بأس اذا بكيت.‏ وقد ساعدني اطلاق العنان لمشاعري على تخطي المشكلة».‏

سبب الخطورة

دُعي الداء السكري لسبب وجيه «اعتلال القوة المحركة للحياة».‏ فعندما لا يستطيع الجسم استقلاب الڠلوكوز،‏ يمكن ان تتوقف عدة عمليات حيوية عن العمل،‏ وأحيانا بنتائج تهدد الحياة.‏ يقول الطبيب هارڤي كاتسِف:‏ «لا يموت الناس مباشرة من الداء السكري،‏ بل من المضاعفات.‏ ونحن مهرة في الحؤول دون حصول المضاعفات،‏ لكننا لسنا بارعين في معالجتها اذا حدثت».‏a

فهل من امل للمصابين بالداء السكري؟‏ نعم —‏ اذا ادركوا خطورة الاضطراب وخضعوا لبرنامج علاجي.‏b

النظام الغذائي والتمارين

رغم ان الداء السكري من النمط ١ لا يمكن الوقاية منه،‏ يدرس العلماء عوامل الخطر الوراثية ويحاولون ايجاد طرائق لقمع الهجوم الذي يشنه الجهاز المناعي.‏ (‏انظر الاطار «دور الڠلوكوز» في الصفحة ٨.‏)‏ يقول كتاب الداء السكري —‏ الاهتمام بمشاعركم وبصحتكم (‏بالانكليزية)‏:‏ «بالنسبة الى الداء السكري من النمط ٢،‏ الوضع افضل كثيرا».‏ ويضيف:‏ «كثيرون ممن قد يكونون معرضين وراثيا يتجنبون الاصابة بالمرض بمجرد تناول نظام غذائي متوازن والقيام قانونيا بالتمارين الرياضية،‏ فيبقون اصحاء ويحافظون على وزنهم ضمن الحدود السوية».‏c

في معرض التشديد على اهمية القيام بالتمارين الرياضية،‏ اخبرت مجلة الجمعية الطبية الاميركية عن دراسة شاملة تناولت النساء.‏ وجدت الدراسة ان «فترة قصيرة من النشاطات الجسدية تزيد امتصاص الڠلوكوز بمساعدة الإنسولين [من قِبل خلايا الجسم] على مدى اكثر من ٢٤ ساعة».‏ بالتالي،‏ يختتم التقرير ان «المشي والنشاط القوي على السواء يرتبطان بتراجع مهم لخطر التعرض للداء السكري من النمط ٢ عند النساء».‏ وينصح الباحثون بنشاط جسدي يستغرق على الاقل ٣٠ دقيقة في معظم ايام الاسبوع،‏ ان لم يكن فيها كلها.‏ ويمكن ان يشمل ذلك المشي،‏ وهو «افضل التمارين الرياضية،‏ اكثرها امانا،‏ وأقلها كلفة»،‏ كما يذكر كتاب الجمعية الاميركية للداء السكري —‏ الدليل الكامل للداء السكري (‏بالانكليزية)‏.‏

لكنّ التمارين الرياضية التي يقوم بها المصابون بالداء السكري ينبغي ان تكون تحت اشراف اختصاصيين.‏ احد الاسباب هو ان الداء السكري يمكن ان يؤذي الاوعية الدموية والاعصاب،‏ مؤثرا بذلك في الدورة الدموية والاحساس في الجسم.‏ فقد يُغفل عن جرح طفيف في القدم،‏ فيلتهب،‏ ويتحول الى قرح —‏ حالة خطرة قد تؤدي الى البتر اذا لم تُعالج فورا.‏d

رغم ذلك،‏ فإن وضع برنامج للتمارين يساعد المرء على ضبط الداء السكري.‏ يقول الدليل الكامل للداء السكري المذكور آنفا:‏ «كلما درس الباحثون فوائد التمارين القانونية،‏ زادت الثقة بفائدتها».‏

العلاج بالإنسولين

بالاضافة الى اتباع نظام غذائي خاص وبرنامج للتمارين الرياضية،‏ ينبغي ان يقوم كثيرون من المصابين بالداء السكري يوميا بفحص مستوى الڠلوكوز في الدم وبحقن انفسهم بالإنسولين عدة مرات.‏ وقد تمكن بعض المصابين بالداء السكري من النمط ٢ من ايقاف العلاج بالإنسولين،‏ بعض الوقت على الاقل،‏ نتيجة تحسن صحتهم اثر اتباعهم نظاما غذائيا خاصا وقيامهم بالتمارين الرياضية قانونيا.‏e كما وجدت كارين المصابة بالداء السكري من النمط ١ ان التمارين الرياضية تعزز فعالية الإنسولين الذي تحقن نفسها به.‏ نتيجة ذلك،‏ تمكنت من تخفيض كمية الإنسولين التي تستعملها يوميا بنسبة ٢٠ في المئة.‏

لكن اذا اضطر المريض ان يتعالج بالإنسولين،‏ فلا يجب ان يشعر بالتثبط.‏ تقول ماري آن،‏ ممرضة مجازة تعتني بعدد من المرضى المصابين بالداء السكري:‏ «لا يعني العلاج بالإنسولين إخفاقا من جهتك.‏ ومهما كان نوع الداء السكري الذي تعانيه،‏ فإنك تقلل خطر اصابتك بمشاكل صحية اخرى لاحقا اذا راقبت بحذر مستوى السكر في دمك».‏ وفي الواقع،‏ اظهرت دراسة جرت مؤخرا ان الناس المصابين بالداء السكري من النمط ١ الذين راقبوا جيدا مستوى السكر في دمهم «انخفضت بشكل هائل نسبة اصابتهم بأمراض العين،‏ الكلى،‏ والاعصاب الناجمة عن الداء السكري».‏ مثلا،‏ انخفض خطر الاصابة بأحد امراض العين (‏اعتلال الشبكية)‏ بنسبة ٧٦ في المئة!‏ والمصابون بالداء السكري من النمط ٢ الذين يراقبون جيدا مستوى السكر في دمهم يتمتعون بفوائد مماثلة.‏

ولجعل العلاج بالإنسولين اسهل وأقل ايلاما،‏ تزوَّد المحاقن وأقلام الإنسولين —‏ اكثر الوسائل المستعملة شيوعا —‏ بإبر رفيعة جدا لكي تخفف ألم المريض الى ادنى حد.‏ تقول ماري آن:‏ «الحقنة الاولى هي عادة الاسوأ.‏ بعد ذلك،‏ معظم المرضى يقولون انهم لا يشعرون بشيء تقريبا».‏ ومن الوسائل الاخرى المستعملة محاقن اوتوماتيكية تغرز الابرة في الجلد دون ألم،‏ محاقن نفاثة jet injectors تطلق الإنسولين بحد ذاته فيخترق الجلد مثل الابرة،‏ او ادوات لإدخال الإنسولين تستخدم انبوبا رفيعا يبقى في الجسم يومين او ثلاثة.‏ وفي السنوات الاخيرة،‏ راجت مضخة الإنسولين،‏ وهي اداة بحجم جهاز النداء الالكتروني القابل للحمل.‏ وهذه الاداة التي يمكن برمجتها تطلق الإنسولين بكمية ثابتة وفق حاجات الجسم اليومية وذلك عبر انبوب رفيع مثبت في الجسم،‏ مما يجعل عملية تزويد الإنسولين دقيقة وملائمة اكثر.‏

استمر في التعلّم

في النهاية،‏ لا يوجد علاج شامل للداء السكري.‏ فعندما يفكّر المرء في اختيار علاج ما،‏ ينبغي ان يأخذ بعين الاعتبار عددا من العوامل قبل اتخاذه قرارا.‏ تقول ماري آن:‏ «حتى لو كنتَ تحت رعاية فريق طبي،‏ فعليك ان تقرر انت طريقة سير العلاج».‏ وفي الواقع،‏ تقول مجلة العناية بمرضى الداء السكري (‏بالانكليزية)‏:‏ «ان معالجة المصاب بالداء السكري دون اطلاعه قانونيا على معلومات للاعتناء بنفسه يمكن ان تُعتبر عناية دون المستوى المطلوب ومنافية للمبادئ الاخلاقية الطبية».‏

وكلما تعلم المصابون بالداء السكري عن مرضهم،‏ تجهزوا بطريقة افضل للاهتمام بصحتهم وزيادة آمال عيشهم حياة اطول وبصحة افضل.‏ لكن التثقيف الفعال يدعو الى الصبر.‏ يوضح كتاب الداء السكري —‏ الاهتمام بمشاعركم وبصحتكم:‏ «اذا حاولت ان تتعلم كل شيء في آن واحد،‏ فمن المرجح ان يتشوش ذهنك وألا تستعمل المعلومات بشكل فعال.‏ بالاضافة الى ذلك،‏ معظم المعلومات المهمة التي تحتاج اليها ليست موجودة في الكتب او الكراسات.‏ فهي تتعلق .‏ .‏ .‏ بتأثير التغييرات في روتين حياتك على مستوى السكر في دمك.‏ وهذا لا يجري تعلمه إلّا مع مرور الوقت،‏ ومن خلال التجربة».‏

مثلا،‏ عندما تراقب نفسك جيدا تعرف كيف يتجاوب جسمك مع الاجهاد الذي يمكن ان يؤدي الى ارتفاع سريع في مستوى السكر في الدم.‏ يقول كِن:‏ «اعيش مع هذا الجسم المصاب بالداء السكري منذ ٥٠ سنة،‏ وأعرف ما يخبرني به!‏».‏ ان «اصغاء» كِن لجسمه افاده،‏ فهو لا يزال قادرا على العمل كامل الوقت —‏ رغم انه تعدى الـ‍ ٧٠ من عمره!‏

اهمية دعم العائلة

لا يجب الاستخفاف بالدعم الذي يمكن ان تقدمه العائلة للمصابين بالداء السكري.‏ وفي الواقع،‏ يذكر احد المراجع ان «الحياة العائلية ربما تكون اهم عامل» في التحكم في الداء السكري عند الاولاد والشباب.‏

ومن المفيد ان يتعلم اعضاء العائلة عن الداء السكري،‏ وأن يتناوبوا ايضا على مرافقة المريض ليكونوا معه وقت المعاينة الطبية.‏ فالمعرفة تساعدهم ليكونوا داعمين،‏ يدركوا الاعراض المهمة،‏ ويعرفوا كيف يتصرفون.‏ يقول تيد الذي أُصيبت زوجته بالداء السكري من النمط ١ مذ كانت في الرابعة من عمرها:‏ «استطيع تمييز متى يهبط السكر في دم باربارا بشدة.‏ فهي تصمت في منتصف المحادثة.‏ تعرق كثيرا وتغضب لأسباب تافهة.‏ كما تصير ردود فعلها بطيئة».‏

بشكل مماثل،‏ عندما ترى كاثرين زوجها كِن يشحب ويرشح جسمه عرقا وتلاحظ تغييرا في مزاجه،‏ تطرح عليه مسألة حسابية بسيطة.‏ فإذا بدا كِن مشوشا،‏ تعلم كاثرين ان عليها ان تتخذ هي القرار بدلا منه وتتصرف بسرعة لتعالج الوضع.‏ ان كِن وباربارا كليهما يقدّران جدا وجود رفيقَي زواج مطلعَين بقربهما،‏ وهما يحبانهما ويثقان بهما كثيرا.‏f

يجب ان يبذل اعضاء العائلة المحبون جهدهم ليكونوا داعمين،‏ لطفاء،‏ وصبورين —‏ صفات يمكن ان تساعد شخصا مريضا على مواجهة تحديات الحياة ويمكن ان تحسن حالته.‏ نايجل،‏ زوج كارين،‏ اكد حبه لها،‏ مما ادّى الى تأثير ايجابي هائل.‏ تخبر كارين:‏ «قال لي نايجل:‏ ‹يحتاج الناس الى تناول الطعام والماء ليبقوا على قيد الحياة،‏ تماما مثلما تحتاجين انت الى الطعام والماء —‏ وجرعة صغيرة من الإنسولين›.‏ وهذه الكلمات اللطيفة،‏ لكن العملية،‏ كانت تماما كل ما احتاج اليه».‏

يلزم ان تفهم العائلة والاصدقاء ايضا ان الداء السكري يمكن ان يعكر مزاج المريض عندما يتقلب مستوى السكر في الدم.‏ تقول احدى النساء:‏ «عندما اكتئب بسبب تقلب مستوى السكر في الدم،‏ اغرق في صمت مطبق،‏ اصير متقلبة المزاج،‏ استاء بسرعة،‏ وأشعر بالتثبط.‏ ثم اشعر بالاستياء لأني اتصرف بطريقة صبيانية.‏ لكن ما يساعدني كثيرا هو معرفتي ان الآخرين يفهمون سبب هذه المشاعر —‏ التي احاول ان اسيطر عليها».‏

يمكن التحكم في الداء السكري بنجاح،‏ وخصوصا اذا حظي المريض بتعاون اصدقائه وأعضاء عائلته.‏ ومبادئ الكتاب المقدس يمكن ان تساعد ايضا.‏ كيف؟‏

‏[الحواشي]‏

‏[الاطار/‏الصورة في الصفحة ٦]‏

هل يؤثر الداء في الصغار ايضا؟‏

بحسب الطبيب آرثر روبنستين،‏ اختصاصي بارز في الغدد الصماء وعميد كلية جبل سيناء الطبية في نيويورك،‏ يصير الداء السكري «مرض الصغار».‏ فعلا،‏ ان معدل العمر الذي يبدأ فيه الداء السكري ينخفض.‏ وتقول الاختصاصية في الداء السكري الطبيبة روبِن س.‏ ڠولند،‏ متحدثة عن النمط ٢:‏ «منذ عشر سنوات،‏ كنا نعلّم تلامذة الطب ان هذا المرض لا يُصيب مَن هم دون الـ‍ ٤٠.‏ لكننا نرى الآن اشخاصا دون الـ‍ ١٠ مصابين به».‏

فلمَ يزداد الداء السكري بين الصغار؟‏ يعود السبب احيانا الى الاستعداد الوراثي.‏ لكن الوزن والبيئة قد يلعبان ايضا دورا.‏ وقد تضاعف عدد الاولاد السِّمان في العقدَين الماضيَين.‏ والسبب؟‏ يقول الطبيب وليَم ديتس من مراكز مكافحة الامراض والوقاية منها في الولايات المتحدة الاميركية:‏ «حدثت تغييرات عديدة في عادات الاكل وفي النشاطات الجسدية خلال السنوات الـ‍ ٢٠ الماضية.‏ ويشمل ذلك ازدياد تناول الطعام خارج البيت،‏ ازدياد عدم تناول الفطور،‏ الاستهلاك المتزايد للمشروبات الغازيّة والوجبات السريعة،‏ تقصير فترة [التربية البدنية] في المدارس،‏ وإلغاء فترات الاستراحة في المدارس».‏

لا يمكن الشفاء من الداء السكري.‏ لذلك من الحكمة اتباع النصيحة التي يسديها مراهق مصاب بالمرض:‏ «تجنب الطعام غير المغذي وحافظ على صحتك».‏

‏[الاطار/‏الصورة في الصفحتين ٨،‏ ٩]‏

دور الڠلوكوز

يمد الڠلوكوز تريليونات خلايا الجسم بالطاقة.‏ لكنه يحتاج الى «مفتاح» ليدخل الخلايا.‏ وهذا «المفتاح» هو الإنسولين،‏ مادة كيميائية يفرزها الپنكرياس.‏ في الداء السكري من النمط ١،‏ يفتقر الجسم كليا الى الإنسولين.‏ اما في الداء السكري من النمط ٢،‏ فالجسم ينتج الإنسولين لكن ليس بكمية كافية عادة.‏g كذلك لا تمتص الخلايا الإنسولين،‏ وتدعى هذه الحالة مقاومة الإنسولين.‏ وفي كلتا الحالتين،‏ اي في الداء السكري بنمطيه على السواء،‏ النتيجة نفسها:‏ خلايا جائعة ومستوى خطر من السكر في الدم.‏

في الداء السكري من النمط ١،‏ يهاجم جهاز الشخص المناعي الخلايا البائية في الپنكرياس المنتِجة للإنسولين.‏ فالنمط ١ هو مرض ذاتي المناعة.‏ والعوامل التي قد تسبب رد الفعل هذا للجهاز المناعي تشمل الڤيروسات،‏ المواد الكيميائية السامة،‏ وبعض العقاقير.‏ كما يلعب التركيب الوراثي دورا.‏ فالداء السكري من النمط ١ يُتناقل عموما في بعض العائلات،‏ ويشيع كثيرا بين العرق الابيض.‏

اما في الداء السكري من النمط ٢،‏ فيلعب العامل الوراثي دورا اكبر لكنه يشيع اكثر بين العروق الاخرى.‏ فالسكان الاصليون في اوستراليا وأميركا يُصابون به اكثر من غيرهم،‏ كما ان نسبة اصابة سكان اميركا الاصليين بالداء السكري من النمط ٢ هي العليا في العالم.‏ ويدرس الباحثون الرابط بين التركيب الوراثي والسمنة،‏ بالاضافة الى الطريقة التي تقوي بها الدهون الزائدة المقاومة للإنسولين عند الاشخاص المعرضين للمرض وراثيا.‏h وبخلاف النمط ١،‏ في الغالب يُصاب بالنمط ٢ من يتعدى عمرهم الـ‍ ٤٠ سنة.‏

‏[الحاشيتان]‏

‏[الصورة]‏

جُزَيء الڠلوكوز

‏[مصدر الصورة]‏

Courtesy: Pacific Northwest National Laboratory

‏[الاطار في الصفحة ٩]‏

دور الپنكرياس

يقع الپنكرياس،‏ الذي بحجم الموزة تقريبا،‏ وراء المعدة تماما.‏ وبحسب كتاب الدليل غير المتخصص للعيش مع الداء السكري (‏بالانكليزية)‏،‏ «يحافظ الپنكرياس السليم على توازن مستمر ورائع،‏ اذ يجعل مستوى السكر في الدم ثابتا بإطلاق الكمية اللازمة من الإنسولين فيما ترتفع وتنخفض كمية الڠلوكوز خلال اليوم».‏ والخلايا البائية في الپنكرياس هي مصدر هرمون الإنسولين.‏

عندما لا تُنتِج الخلايا البائية ما يكفي من الإنسولين،‏ يرتفع معدل الڠلوكوز في الدم.‏ من ناحية ثانية،‏ يختبر الجسم ايضا نقص سكر الدم.‏ ويعمل الكبد باتحاد مع الپنكرياس،‏ فيساعد في الحفاظ على مستوى سكر الدم بخزن فائض الڠلوكوز في شكل يُدعى الڠليكوجن.‏ وعندما يأمر الپنكرياس الكبد،‏ يحوّل هذا الاخير الڠليكوجن الى ڠلوكوز ثانية ليستعمله الجسم.‏

‏[الاطار/‏الصورة في الصفحة ٩]‏

دور السكر

ثمة اعتقاد خاطئ شائع مفاده ان تناول الكثير من السكر يؤدي الى الاصابة بالداء السكري.‏ لكن الدلائل الطبية تظهر ان السمنة —‏ بغض النظر عن كمية السكر المتناولة —‏ تزيد خطر الاصابة بالداء السكري بين الاشخاص المعرضين وراثيا لهذا المرض.‏ لا يعني ذلك ان تناول الكثير من السكر هو امر صحي،‏ اذ انه يفتقر الى المواد المغذّية ويساهم في السمنة.‏

ثمة اعتقاد خاطئ آخر مفاده ان الاشخاص المصابين بالداء السكري لديهم نهم غير طبيعي في أكل السكر.‏ لكنّ الحقيقة هي ان رغبتهم في أكل الحلويات تشبه رغبة الناس الآخرين.‏ ان عدم ضبط الداء السكري يمكن ان يؤدي الى الجوع —‏ لكن ليس بالضرورة جوع الى السكر.‏ والمصابون بالداء السكري يمكنهم أكل الحلوى،‏ لكن عليهم ان يأخذوا بعين الاعتبار كمية السكر التي يتناولونها عندما يضعون برنامج نظامهم الغذائي.‏

تظهر دراسات حديثة ان النظام الغذائي الغني بالفروكتوز —‏ السكر المشتق من الفواكه والخضر —‏ يمكن ان يساهم في مقاومة الإنسولين،‏ حتى في الاصابة بالداء السكري عند الحيوانات،‏ بغض النظر عن وزنها.‏

‏[الرسوم/‏الصور في الصفحتين ٨،‏ ٩]‏

الداء السكري بشكل مبسط

الپنكرياس

الشخص السليم

بعد وجبة الطعام،‏ يتجاوب الپنكرياس مع زيادة السكر في الدم،‏ فيفرز كمية الإنسولين المناسبة

تتعلق جُزَيئات الإنسولين بمستقبِلات موجودة في خلايا العضلات وفي خلايا اخرى.‏ فيؤدي ذلك الى حث فتحات في الخلايا لتُدخل جُزَيئات الڠلوكوز

تمتص خلايا العضلات الڠلوكوز وتحرقه.‏ فيعود السكر في مجرى الدم الى مستواه الطبيعي

الداء السكري من النمط ١

يهاجم الجهاز المناعي الخلايا البائية في الپنكرياس التي تنتج الإنسولين.‏ فيحول ذلك دون انتاج الإنسولين

دون مساعدة الإنسولين،‏ لا يمكن ان تدخل جُزَيئات الڠلوكوز الى الخلايا

الداء السكري من النمط ٢

في معظم الحالات،‏ ينتج الپنكرياس كمية محدودة من الإنسولين

اذا لم تستجب المستقبِلات بفعالية للإنسولين،‏ لا تنشط الفتحات اللازمة لامتصاص الڠلوكوز الموجود في الدم

يكثر الڠلوكوز في مجرى الدم،‏ حائلا دون حدوث العمليات الحيوية في الجسم وملحقا الضرر بجدران الاوعية الدموية

‏[الرسم]‏

‏(‏اطلب النص في شكله المنسَّق في المطبوعة)‏

الخلية

مستقبِل

فتحة

إنسولين

النواة

ڠلوكوز

‏[الرسم]‏

‏(‏اطلب النص في شكله المنسَّق في المطبوعة)‏

خلايا الدم الحمراء

وعاء دموي

ڠلوكوز

‏[مصدر الصورة]‏

J.‎ G.‎ Heck‏/The Complete Encyclopedia of Illustration :Man

‏[الصورة في الصفحة ٧]‏

النظام الغذائي الملائم ضروري للمصابين بالداء السكري

‏[الصور في الصفحة ١٠]‏

يمكن ان يتمتع المصابون بالداء السكري بنشاطات طبيعية

كيف يساعد الكتاب المقدس المصابين بالداء السكري

ان ضبط النفس والنظرة الايجابية امران مهمان لصحة وعافية المصابين بالداء السكري على نحو خصوصي.‏ لكن لتنمية هاتين الصفتين،‏ يحتاج المرضى الى دعم مستمر.‏ لذلك لا ينبغي ان يحاول اعضاء العائلة والاصدقاء اغراء الشخص المصاب بالداء السكري بتناول طعام مؤذٍ،‏ بقولهم مثلا:‏ ‹هذه المرة فقط لن تضر›.‏ يقول هاري،‏ المصاب بمرض في القلب وبالداء السكري من النمط ٢:‏ «انال دعما قويا من زوجتي.‏ فهي لا تضع امامي الطعام الذي ينبغي ان اتجنبه.‏ لكن البعض لا يقدّرون الوضع،‏ ولا يعرفون كم يكون من الصعب احيانا رؤية طعام يضرنا والامتناع عن تناوله».‏

اذا كنت تعاشر قانونيا شخصا مصابا بالداء السكري،‏ فتذكر هذين المبدأين الرائعين الموجودين في الكتاب المقدس:‏ «لا يعكف احد على طلب منفعة نفسه،‏ بل منفعة غيره»،‏ و «المحبة .‏ .‏ .‏ لا تطلب مصلحتها الخاصة».‏ —‏ ١ كورنثوس ١٠:‏٢٤؛‏ ١٣:‏٤،‏ ٥‏.‏

ان كل من تهمهم صحتهم —‏ سواء أكانوا مصابين بالداء السكري ام لا —‏ يحتاجون الى ممارسة ضبط النفس في ما يتعلق بالاكل.‏ والكتاب المقدس يساعد في هذا المضمار،‏ اذ يشير الى ان الجميع بحاجة الى تطوير ضبط النفس.‏ فهل انت عازم ان تنمي هذه الصفة في حياتك؟‏ (‏غلاطية ٥:‏٢٢،‏ ٢٣‏)‏ ثمة مساعدة اضافية موجودة في امثلة الكتاب المقدس،‏ كمثال الرسول المسيحي بولس.‏ يقول احد المصابين بالداء السكري:‏ «لقد كانت لديه شوكة دائمة في الجسد،‏ رغم ذلك بقي يخدم اللّٰه بأمانة وبكل طاقته.‏ فيمكنني ان افعل ذلك انا ايضا!‏».‏

نعم،‏ قبِل بولس ما لم يستطع تغييره وتمتع بنجاح كبير كمرسل.‏ (‏٢ كورنثوس ١٢:‏٧-‏٩‏)‏ داستين،‏ البالغ من العمر ١٨ سنة،‏ وُلد اعمى وأُصيب بالداء السكري منذ كان في الـ‍ ١٢ من عمره.‏ يكتب:‏ «اعرف انه لا احد في هذه الحياة يتمتع بالكمال.‏ وأنا اتطلع بشوق الى عالم اللّٰه الجديد حين لن اكون مصابا بالداء السكري.‏ بالنسبة اليّ هذا المرض هو وقتي.‏ قد يطول اكثر من الزكام او الانفلوَنزا،‏ لكنه سيولّي في النهاية».‏

عندما تفوه داستين بهذه العبارة،‏ كان يفكّر في الرجاء المؤسس على الكتاب المقدس،‏ رجاء الصحة الكاملة في ارض فردوسية في ظل ملكوت اللّٰه.‏ (‏كشف ٢١:‏٣،‏ ٤‏)‏ فكلمة اللّٰه تعد انه تحت هذا الحكم الالهي،‏ «لا يقول ساكن انا مرضت».‏ (‏اشعياء ٣٣:‏٢٤؛‏ متى ٦:‏٩،‏ ١٠‏)‏ فهل ترغب في التعلم اكثر عن هذا الوعد المؤسس على الكتاب المقدس؟‏ اتصل بشهود يهوه محليا،‏ او اكتب الى ناشري هذه المجلة على العنوان الملائم المدرج في الصفحة ٥.‏

‏[الصورة في الصفحة ١٢]‏

ضبط النفس ووجهة النظر الايجابية امران مهمان