-
هل الكوارث الطبيعية في ازدياد؟استيقظ! ٢٠٠٥ | تموز (يوليو) ٢٢
-
-
هل الكوارث الطبيعية في ازدياد؟
«يُخشى ان تسبب الاحوال غير العادية الناجمة عن تغيُّر المناخ كوارث خطيرة في المستقبل. وهذا يعني ان امامنا اخطارا مناخية من نوع جديد وإمكانية حدوث خسائر اكبر في الممتلكات والارواح . . . ووفق ما يمليه مبدأ الحيطة والحذر، من المستحسن ان نستعد لمواجهة هذه التغييرات الجذرية». — «توپيكس ڠيو — أحداث سنة ٢٠٠٣: الكوارث الطبيعية».
التهبت بعض انحاء اوروبا في صيف سنة ٢٠٠٣ بسبب الحر الشديد. وساهم ارتفاع درجات الحرارة في وفاة نحو ٠٠٠,٣٠ شخص في اسبانيا، ايطاليا، البرتغال، بريطانيا، بلجيكا، فرنسا، وهولندا. امّا في باكستان وبنغلادش والهند، فقد تسبَّبت موجة حر سبقت فصل الامطار الموسمية بوفاة ٥٠٠,١ شخص، في حين أدى الجفاف ودرجات الحرارة المرتفعة التي لم يسبق لها مثيل في اوستراليا الى حرائق في الاحراج أتت على اكثر من ثلاثة ملايين هكتار من الاراضي.
وبحسب المنظمة العالمية للارصاد الجوية، «شهد فصل الاعاصير في منطقة الاطلسي سنة ٢٠٠٣ تشكُّل ١٦ عاصفة قوية صُنِّفت على انها اعاصير. وهذا الرقم يفوق كثيرا معدَّل الاعاصير خلال السنوات ١٩٤٤ الى ١٩٩٦ الذي بلغ ٨,٩ اعاصير في السنة؛ ولكنّه ليس مستغربا بالنظر الى الازدياد الملحوظ لعدد العواصف والاعاصير المدارية السنوي منذ اواسط تسعينات القرن العشرين». وقد استمرّت هذه الزيادة الى سنة ٢٠٠٤ التي شهدت اجتياح اعاصير مخرّبة لمنطقتَي الكاريبي وخليج المكسيك، موقعة نحو ٠٠٠,٢ قتيل ومخلّفة وراءها خرابا لا يوصف.
عام ٢٠٠٣ ضرب سري لانكا اعصار سبَّب فيضانات كبيرة، مما اودى بحياة ٢٥٠ شخصا على الاقل. وعام ٢٠٠٤ بلغ عدد الاعاصير التي نشأت في غرب المحيط الهادئ رقما قياسيا هو ٢٣ اعصارا على الاقل. وقد ضربت ١٠ منها اليابان مخلِّفة اضرارا بالغة وموقعة اكثر من ١٧٠ قتيلا. كما تأثر نحو ٣٠ مليون شخص في جنوب آسيا، وخصوصا في بنغلادش، بالفيضانات الناتجة من امطار الرياح الموسمية الغزيرة. فخسر الملايين بيوتهم، وأُجبر نحو ثلاثة ملايين شخص على اخلاء منازلهم، كما مات اكثر من ٣٠٠,١.
شهدت سنة ٢٠٠٣ ايضا عددا من الزلازل العنيفة. ففي ٢١ ايار (مايو)، ضرب زلزال العاصمة الجزائرية مخلّفا ٠٠٠,١٠ جريح و ٠٠٠,٢٠٠ مشرّد. وفي الساعة ٢٦:٥ صباح السادس والعشرين من كانون الاول (ديسمبر)، تزلزلت الارض على بعد ثمانية كيلومترات جنوب مدينة بام الايرانية عندما ضرب المنطقة زلزال بلغت قوته ٥,٦ درجات. فدمَّر هذا الزلزال ٧٠ في المئة من المدينة وقتل ٠٠٠,٤٠ شخص، كما تشرَّد من جرائه اكثر من ٠٠٠,١٠٠ شخص. وكان هذا الزلزال اكثر كارثة طبيعية فتكا في تلك السنة. كما انه حوّل الى انقاض معظم القلعة التاريخية القديمة في بام التي يبلغ عمرها ٠٠٠,٢ سنة، مما حرم المدينة الواردات الاقتصادية المهمة التي كانت تجنيها من هذا المعلم السياحي.
وبعد سنة واحدة بالتمام والكمال، حدث زلزال بقوة ٠,٩ درجات قبالة السواحل الغربية لشمال جزيرة سومطرة الاندونيسية، فنشأت عنه موجات التسونامي الاشد فتكا في التاريخ المسجّل. وقد حصدت هذه الموجات المريعة أكثر من ٠٠٠,٢٠٠ قتيل وخلَّفت اضعاف ذلك ممن عانوا الاصابات او التشرّد او الاثنين معا. حتى شواطئ افريقيا الشرقية لم تَسْلم من هذه الموجات المدمِّرة، رغم انها تبعد ما لا يقل عن ٥٠٠,٤ كيلومتر غربي المركز السطحي للزلزال.
هل يلوح في الافق المزيد من الغيوم السوداء؟
هل هذه الكوارث التي سبق ذكرها لمحة مسبقة الى ما ينتظرنا في المستقبل؟ يعتقد علماء كثيرون ان التغييرات التي يحدِثها الانسان في غلاف الارض الجوي تغيِّر مناخ العالم وتساهم في حدوث المزيد من الكوارث المناخية الكبيرة. وإذا صحّ اعتقادهم، فستكون توقعاتهم نذير شؤم للمستقبل. وما يزيد الطين بلة هو ان اعدادا متزايدة من الناس اليوم يختارون العيش في مناطق معرَّضة للكوارث، او أنهم مجبَرون على ذلك إذ لا خيار آخر امامهم.
وتشير الاحصاءات الى ان ٩٥ في المئة من الوفيات الناجمة عن الكوارث تحدث في البلدان النامية. اما البلدان الغنية فتشهد نسبة وفيات اقل، لكنها تعاني ٧٥ في المئة من الخسائر المادية. حتى ان بعض اصحاب شركات التأمين بدأوا يشكون في قدرة شركاتهم على الوفاء بالتزاماتها المالية تحت وطأة الخسائر المتزايدة.
وفي المقالة التالية سنتعرَّف اكثر ببعض الظواهر الطبيعية التي تؤدي الى الكوارث، وسنلاحظ كيف ان الانسان ربما يساهم في تعاظم خطورتها. كما اننا سنرى هل لدى الانسان القدرة والرغبة اللازمتان لإحداث التغييرات الضرورية لجعل الارض آمنة اكثر للاجيال التالية.
[الصورة في الصفحة ٣]
فرنسا ٢٠٠٣ — ادّت موجة الحر التي اجتاحت اوروبا في صيف تلك السنة الى وفاة ٠٠٠,٣٠ شخص، في حين كادت درجة الحرارة في اسبانيا تصل الى ٤٥ درجة مئوية.
[مصدر الصورة]
Alfred/EPA/Sipa Press
[الصور في الصفحة ٤]
ايران ٢٠٠٣ — اودى الزلزال الذي ضرب بام بحياة ٠٠٠,٤٠ شخص؛ نساء ينُحن عند مقبرة جماعية على وفاة اقربائهن
[مصدر الصورة]
Background and women: © Tim Dirven/Panos Pictures
-
-
الكوارث الطبيعية دور الانسان فيهااستيقظ! ٢٠٠٥ | تموز (يوليو) ٢٢
-
-
الكوارث الطبيعية دور الانسان فيها
عندما تُصان السيارة جيدا، تكون وسيلة نقل آمنة. أما إذا أُهملت وأُسيء استخدامها، فستشكل خطرا على الحياة. ويمكن تطبيق المبدإ نفسه على كوكب الارض.
فالعديد من العلماء يعتقدون ان التغييرات التي سبَّبها الانسان في محيطات الارض وغلافها الجوي تجعل كوكبنا مكانا خطرا، لأنها تساهم في حدوث كوارث طبيعية اشد فتكا وأكثر تكرارا. والمستقبل لا يبشر بالخير. تقول افتتاحية تتناول تغيُّر المناخ وردت في مجلة العِلم (بالانكليزية): «نحن في خضمّ اختبار ضخم غير مضبوط على كوكب الارض الذي لا مكان لنا سواه».
ولكي نفهم بشكل افضل تأثير النشاط البشري في عدد الكوارث الطبيعية وخطورتها، ينبغي ان نفهم اولا بعض الامور عن الظواهر الطبيعية الاساسية التي تلعب دورا فيها. مثلا ماذا يساهم في نشوء العواصف القوية، كالاعاصير المدارية؟
مبادِلات حرارية تلطف مناخ كوكبنا
يُشبَّه النظام المناخي في الارض بآلة تحوِّل طاقة الشمس من شكل الى آخر وتوزعها. وبما ان المناطق المدارية تنال حصة الاسد من حرارة الشمس، فإن التفاوت الحراري الناجم عن ذلك يجعل الهواء في جو الارض يتحرك.a وبسبب دوران الارض اليومي يشكّل هذا الهواء المتحرك والرطب دوّامات هوائية، يصير بعضها منخفضات جوية، اي مناطق من الضغط الجوي المنخفض. بعد ذلك تتطور هذه المنخفضات الجوية لتصير عواصف.
اذا راقبت حركة العواصف المدارية، فستلاحظ انها غالبا ما تتجه بعيدا عن خط الاستواء نحو المناطق الابرد، إمّا شمالا او جنوبا. وبحركتها هذه، تعمل العواصف عمل مبادِلات حرارية كبيرة تساهم في تلطيف المناخ. ولكن عندما تتجاوز الحرارة ٢٧ درجة مئوية او نحو ذلك في الطبقة العليا في المحيط — الذي يمكن تشبيهه بغلّاية هائلة الحجم في النظام المناخي — تكتسب العواصف المدارية زخما كافيا لتتحول الى اعاصير. وتختلف اسماء الاعاصير وفقا للمناطق التي تضربها، ومن هذه الاسماء: السَّيكلون، الهوريكان، والتَّيفون.
حدثت اسوأ كارثة طبيعية في تاريخ الولايات المتحدة من حيث عدد الضحايا في الثامن من ايلول (سبتمبر) سنة ١٩٠٠ عندما ضرب اعصار مدينة ڠالڤستون التي تقع في جزيرة قبالة شواطئ تكساس. فقد سبَّبت الموجات الإعصارية وفاة عدد يتراوح بين ٠٠٠,٦ و ٠٠٠,٨ شخص في المدينة، بالاضافة الى ٠٠٠,٤ قتيل في المناطق المجاورة. كما انها دمَّرت نحو ٦٠٠,٣ بيت. وفي الواقع، لم يسلم من الاذى اي بناء من صنع الانسان في ڠالڤستون.
كما ذكرت المقالة السابقة، شهدت السنوات الاخيرة عددا من العواصف العنيفة. ولا يزال العلماء يبحثون في علاقة ذلك بالدفء العالمي الذي ربما يساهم في جعل العواصف اعنف وأقوى. غير ان الدفء العالمي لا يؤدي الى تغيُّر المناخ فحسب، بل هنالك نتيجة اخرى من نتائجه المدمّرة ربما نشهد حدوثها الآن.
ارتفاع مستوى البحار وإزالة الاحراج
افادت احدى الافتتاحيات في مجلة العِلم ان «مستوى البحار ارتفع ما بين ١٠ الى ٢٠ سنتيمترا خلال القرن الماضي، والآتي اعظم». وما علاقة ذلك بالدفء العالمي؟ يشير العلماء الى تفسيرَين محتملَين لهذه الظاهرة. اولا، يُحتمل ان ذوبان الانهار الجليدية والجليد الذي يغطي اليابسة في المناطق القطبية يؤدي الى زيادة كمية الماء الموجودة في المحيطات. والتفسير الآخر هو التمدُّد الحراري. فعندما تسخن المحيطات يزداد حجمها.
وعلى الارجح تعاني جزر توڤالو الصغيرة في المحيط الهادئ منذ الآن تأثيرات ارتفاع مستوى البحار. فبحسب مجلة سميثسونيان (بالانكليزية)، تُظهر المعلومات التي جُمعت في فونافوتي عاصمة توڤالو ان مستوى البحر يرتفع «كمعدل ٦,٥ مليمترات كل سنة منذ العقد الماضي».
كما ان النمو السكاني في انحاء كثيرة من العالم يسبِّب توسع المدن الى المناطق الريفية، ازدياد مدن الاكواخ، وتفاقم التدهور البيئي. فتعمل هذه الامور على تضخيم تأثيرات الكوارث الطبيعية. وإليك بعض الامثلة:
تتخبّط جزيرة هايتي في مشكلة النمو السكاني السريع وتستمر إزالة الاحراج فيها منذ امد بعيد. وكما يشير احد التقارير الاخبارية الحديثة، رغم ان مشاكل هايتي الاقتصادية والسياسية والاجتماعية سيئة جدا، فما من شيء يهدد البلد اكثر من إزالة الاحراج. وقد تجلَّى هذا التهديد بكل بشاعته سنة ٢٠٠٤ عندما سبَّبت الامطار الغزيرة سيولا طينية ذهب ضحيتها آلاف القتلى.
وتشير نسخة آسيا من مجلة تايم الى ان «الدفء العالمي، بناء السدود، ازالة الاحراج، وزراعة القطع والحرق» هي عوامل زادت من حدة الكوارث الطبيعية التي ضربت جنوب آسيا. من جهة اخرى، تؤدي إزالة الاحراج الى تفاقم مشكلة الجفاف، إذ ان التربة في المناطق المنزوعة الاحراج تجف بسرعة اكثر. وفي السنوات الاخيرة، ساهم الجفاف في إندونيسيا والبرازيل في اشتعال حرائق لم يسبق لها مثيل في غابات لا تشبّ فيها الحرائق عادة بسبب تربتها الرطبة. لكنّ الاحوال الجوية غير الطبيعية ليست السبب الوحيد للكوارث الطبيعية. فهناك بلدان كثيرة معرَّضة لكوارث من نوع آخر تنشأ في اعماق الارض.
الارض حين تتزلزل
تتألف قشرة الارض الخارجية من ألواح من مختلف الاحجام في حركة مستمرة واحدها بالنسبة الى الآخر. وهذه الحركة في قشرة الارض ناشطة جدا بحيث انها تسبب ملايين الزلازل كل سنة. ولكننا طبعا لا نشعر بمعظمها.
يُقال ان نحو ٩٠ في المئة من الزلازل يحدث على طول الصدوع في طرف الالواح. لكن في حالات نادرة، تحدث الزلازل ايضا داخل الالواح. وفي هذه الحالة تكون الزلازل مدمرة جدا. وبحسب التقديرات كان الزلزال الاشد فتكا في التاريخ المسجَّل زلزالا ضرب ثلاث مقاطعات في الصين سنة ١٥٥٦. ويُرجَّح ان عدد القتلى قارب الـ ٠٠٠,٨٣٠ قتيل.
كما يمكن ان تكون للزلازل نتائج لاحقة خطيرة. مثلا، في ١ تشرين الثاني (نوفمبر) عام ١٧٥٥، ضرب زلزال مدينة لشبونة البرتغالية وسوّاها بالارض على رؤوس سكانها البالغ عددهم ٠٠٠,٢٧٥ نسمة. لكنّ المأساة لم تنتهِ عند هذا الحد. فقد سبَّب الزلزال حرائق بالاضافة الى موجات تسونامي قُدِّر ارتفاعها بـ ١٥ مترا انقضَّت على المدينة من المحيط الاطلسي. وفاق عدد القتلى الاجمالي نتيجة هذه الكارثة الـ ٠٠٠,٦٠.
وكما هي الحال في الكوارث الاخرى، يلعب الانسان الى حد ما دورا مهما في تضخيم حجم الكوارث التي تحدثها الزلازل. وأحد هذه العوامل هو كثافة السكان في المناطق المعرَّضة للخطر. يقول الكاتب اندرو روبنسون: «تقع نصف مدن العالم الكبيرة تقريبا في مناطق معرَّضة للزلازل». كما ان الابنية نفسها، اي مواد البناء المستعملة ومتانة بنائها، هي عامل آخر. فغالبا ما تتبرهن صحة المثل القائل: «لا يموت الناس بسبب الزلازل بل بسبب الابنية». لكن ماذا يفعل الناس اذا كان فقرهم لا يسمح لهم ببناء ابنية مقاومة للزلازل؟
البراكين تبني وتهدم
يذكر تقرير من معهد سميثسونيان بالولايات المتحدة: «أثناء قراءتك لهذه الكلمات، من المحتمل ان يكون ٢٠ بركانا على الاقل ثائرا حول العالم». وكما تفيد نظرية تكتونية الالواح، توجد البراكين اجمالا في المناطق نفسها التي تضربها الزلازل. وهذه المناطق هي الصدوع، وخصوصا الصدوع في قاع المحيطات؛ وقشرة الارض حيث ترتفع الصهارة من وشاح الارض عبر الشقوق؛ وكذلك مناطق الاندساس حيث يغوص احد الالواح تحت لوح آخر.
تشكل البراكين في مناطق الاندساس اكبر خطر على البشر، إن من حيث عدد الثورانات او من حيث قربها من المناطق الآهلة بالسكان. وتنتشر مئات البراكين من هذا النوع حول حافة المحيط الهادئ، ولذلك اكتسبت هذه المنطقة الاسم: حلقة النار. ولكن توجد بعض البراكين في البقع الساخنة البعيدة عن حدود الالواح. ويبدو ان جزر هاواي، آزور، ڠالاپاڠوس، وسوسايتي نشأت جميعها نتيجة النشاط البركاني في البقع الساخنة.
وفي الواقع، لعبت البراكين دورا كبيرا وبنّاء في تاريخ الارض. فوفقا لما يقوله موقع على الانترنت تابع لإحدى الجامعات، «تَشكَّل ٩٠ في المئة من جميع القارات والأحواض المحيطية نتيجة النشاط البركاني». لكن ما الذي يجعل بعض الثورانات البركانية عنيفة جدا؟
يبدأ ثوران البركان بتصاعد الصُّهارة من جوف الارض الساخن. وفي بعض البراكين تسيل الحمم ببطء، لذلك نادرا ما تباغت الناس. لكنّ براكين اخرى تنفجر بطاقة تفوق طاقة القنبلة النووية! وما يحدد نوع الثوران هو تكوين ولزوجة المواد الذائبة التي تخرج من البركان، بالاضافة الى كمية الغازات والماء المفرط التسخين الممتزجة بتلك المواد. وفيما تقترب الصُّهارة من سطح الارض، يتمدَّد الماء والغازات الممتزجة بها بسرعة. وإذا كانت الصُّهارة بالتركيب المناسب، فهي تفور كما تفور المياه الغازية من قنينة مرطبات.
لكن من حسن التوفيق ان البراكين غالبا ما تعطي انذارا مسبقا قبل ثورانها. وهذا ما حدث سنة ١٩٠٢ قبل ثوران جبل پيليه في جزيرة مارتينيك الكاريبية. غير ان قرب موعد الانتخابات في مدينة سان پيير القريبة من البركان دفع بالسياسيين الى تشجيع السكان على عدم ترك المدينة رغم الرماد، والخوف، والضرر الصحي الذي بدأ يتفشّى فيها. حتى ان المحلات التجارية كانت مغلقة لعدد من الايام.
صادف عيد الصعود يوم الثامن من ايار (مايو)، وذهب اناس كثيرون الى الكاتدرائية الكاثوليكية لكي يصلّوا طالبين حماية اللّٰه من البركان. لكن جبل پيليه ثار قُبيل الساعة الثامنة من ذلك الصباح عينه مطلقا كمية هائلة من الفتات البركاني الحارق (المؤلف من رماد، جمر بركاني، زجاج بركاني اسود، خفّان، وغازات مفرطة التسخين) الذي تراوحت حرارته بين ٢٠٠ و ٥٠٠ درجة مئوية. واندفقت من الجبل سحابة سوداء قاتلة على مستوى ملاصق لسطح الارض وأرخت بثقلها على المدينة. فقضى نحو ٠٠٠،٣٠ نسمة، وذاب جرس الكنيسة، واشتعلت النيران في السفن الراسية في المرفإ. وكان ثوران البركان هذا الاشد فتكا في القرن العشرين. لكن لو تجاوب الناس مع التحذيرات، لما حلّت بهم هذه الكارثة العظيمة.
هل تزداد الكوارث الطبيعية؟
يذكر الاتحاد الدولي لجمعيات الصليب الاحمر والهلال الاحمر في التقرير العالمي للكوارث ٢٠٠٤ الذي اصدره انه خلال العقد الماضي ازدادت الكوارث المناخية والجيوفيزيائية اكثر من ٦٠ في المئة. ويقول التقرير، الذي نُشر قبل حدوث كارثة التسونامي في المحيط الهندي في ٢٦ كانون الاول (ديسمبر)، ان «هذا اشارة الى ما ستكون عليه الاحوال لوقت طويل في المستقبل». ولا شك انه اذا استمر نمو السكان في المناطق الاكثر عرضة للخطر واستمر في الوقت نفسه اختفاء الغابات، فما من سبب يدعو الى التفاؤل.
بالاضافة الى ذلك، تستمر بلدان صناعية عديدة في اطلاق المزيد من غازات الدفيئة الى غلاف الارض الجوي. وبحسب افتتاحية في مجلة العِلم، فإن تأجيل الحد من إطلاق الغازات «يشبه رفض تناول الدواء لمعالجة مرض يتطور. فذلك سيؤدي لا محالة الى خسائر اكثر فداحة في المستقبل». وفي معرض الحديث عن هذه الخسائر، ذكر تقرير كندي حول الحد من أضرار الكوارث: «هنالك براهين كثيرة يمكن إعطاؤها للقول ان تغيُّر المناخ هو المشكلة البيئية الاوسع انتشارا والابعد تأثيرا بين المشاكل التي يواجهها المجتمع الدولي».
لكن اذا كان المجتمع الدولي في الوقت الحاضر عاجزا حتى عن الاتفاق حول ما اذا كان النشاط البشري يساهم في مشكلة الدفء العالمي، فكيف له ان يحد من هذه المشكلة؟ تذكِّرنا هذه الحالة بما يقوله الكتاب المقدس: ‹ليس للبشر ان يوجهوا خطواتهم›. (ارميا ١٠:٢٣) لكن كما سنرى في المقالة التالية، ليست الحالة ميؤوسا منها. وفي الواقع ان المصائب التي نراها اليوم، بما فيها الاحوال العصيبة التي تعصف بالمجتمع البشري، تزيد ثقتنا ان الفرج قريب.
[الحاشية]
a بسبب التوزع غير السوي لحرارة الشمس، تتشكل ايضا التيارات المائية في المحيطات، وهي تنقل الحرارة الى المناطق الابرد.
[الاطار/الصورة في الصفحة ٦]
حقل ذرة يُنبِت اكثر من عرانيس!
عام ١٩٤٣ لاحظ مزارع في المكسيك ان الذرة ليست الامر الوحيد الذي ينمو في مزرعته. فبينما كان في حقله، رأى صدوعا او شقوقا تتفتّح في الارض. وفي اليوم الثاني كانت هذه الشقوق قد تحولت بركانا صغيرا. وخلال الاسبوع التالي كبر البركان وصار علوه ١٥٠ مترا، واستمر ينمو حتى بلغ ٣٦٠ مترا بعد سنة. وفي النهاية وصل علو هذا البركان، الذي يقع على ارتفاع ٧٧٥,٢ مترا عن سطح البحر، الى ٤٣٠ مترا. وهذا البركان الذي سُمِّي پاريكوتين توقف فجأة عن الثوران عام ١٩٥٢، ولا يزال خامدا الى اليوم.
[مصدر الصورة]
U. S. Geological Survey/Photo by R. E. Wilcox
[الاطار/الصورة في الصفحة ٨]
عندما أنقذ اللّٰه امما من الكارثة
المجاعة هي شكل من اشكال الكوارث الطبيعية. وإحدى اولى المجاعات المذكورة في التاريخ حدثت في مصر القديمة خلال زمن يوسف بن يعقوب. استمرت هذه المجاعة سبع سنين في مصر، كنعان، ومناطق اخرى. إلّا انها لم تؤدِّ الى موت اعداد كبيرة من الناس، لأن يهوه سبق فأنبأ بحدوثها قبل سبع سنوات. كما كشف ان تلك السنوات التي تسبق المجاعة ستكون سنوات وفرة في مصر. لذلك، تحت إشراف يوسف الخائف اللّٰه الذي كان قد عُيِّن بعناية الهية رئيس وزراء ومسؤولا عن الاغذية، خزَّن المصريون كميات كبيرة جدا من القمح حتى انهم «تركوا إحصاءه». وهكذا صار الغذاء مؤمَّنا ليس فقط للمصريين بل ايضا ‹لأهل الارض بأسرها›، بمَن فيهم عائلة يوسف. — تكوين ٤١:٤٩، ٥٧؛ ٤٧:١١، ١٢.
[الصورتان في الصفحة ٧]
هايتي ٢٠٠٤ — اولاد يحملون ماء الشرب في الشوارع المغمورة بالمياه. وقد ساهمت إزالة الاحراج على نطاق واسع في انزلاقات الوحل الكبيرة التي شهدها البلد.
[مصدر الصورة]
Background: Sophia Pris/EPA/Sipa Press; inset: Carl Juste/Miami Herald/Sipa Press
[الصورة في الصفحة ٩]
تستمر بلدان عديدة في اطلاق غازات الدفيئة الى الغلاف الجوي
[مصدر الصورة]
Mark Henley/Panos Pictures ©
-
-
نهاية كل الكوارث باتت وشيكةاستيقظ! ٢٠٠٥ | تموز (يوليو) ٢٢
-
-
نهاية كل الكوارث باتت وشيكة
«اسمعوا ايها الاولاد والاحفاد! . . . عاجلا ام آجلا سيتَّقد هذا الجبل. ولكن سيسبق ذلك هدير ودوي وهزات. فيُنفَث الدخان واللهب وتسطع البروق، ويعلو عزف الرياح ودمدمتها وصفيرها. فاهربوا قبل فوات الاوان . . . اما اذا آثرتم البقاء، وكانت اغراضكم وأملاككم أعز عليكم من الحياة، فسيعاقبكم الجبل على اهمالكم وجشعكم. لا تهتموا لبيوتكم ولا لدفء منازلكم، بل اهربوا ولا تترددوا».
هذا التحذير الذي نقرأه في كتاب حول الكوارث الطبيعية (Earth Shock، بالانكليزية) بقلم اندرو روبنسون نُقش على لوحة تذكارية في بلدة پورتيتشي الايطالية الواقعة عند سفح جبل ڤيزوڤ، بعد ثوران هذا البركان سنة ١٦٣١. فقد أودى هذا الثوران بحياة اكثر من ٠٠٠,٤ شخص. وكما يقول روبنسون، «من محاسن الصدف ان هذا الثوران الذي حدث سنة ١٦٣١ . . . هو الذي جعل جبل ڤيزوڤ معروفا الى هذا الحد». لماذا؟ لأن إعادة إعمار پورتيتشي أدت الى اكتشاف مدينتَي هرقولانيوم وپومپيي اللتين طُمِستا عندما ثار هذا البركان نفسه سنة ٧٩ بم.
وصف پلينيوس الاصغر، وهو روماني نجا من تلك الكارثة وصار بعد ذلك حاكما، الهزّات الخفيفة غير العادية التي أنذرت بقرب وقوع الكارثة. وبسبب الانتباه الى هذه التحذيرات، تمكّن هو وأمه وغيرهما من النجاة من هذه الكارثة.
علامة تحذيرية لأيامنا
نقترب اليوم بسرعة من نهاية الانظمة الاقتصادية والاجتماعية والسياسية في هذا العالم. وكيف نعرف ذلك؟ لقد انبأ يسوع المسيح بسلسلة من التطورات العالمية ستكون بمثابة علامة تحذيرية تنذرنا باقتراب يوم الحساب الذي سيقيمه اللّٰه. وكما ان البركان يصدر هديرا، وينفث دخانا، ويُطلق الرماد قبل انفجاره، تشمل هذه العلامة المركَّبة حروبا عظيمة وزلازل ومجاعات وأوبئة تبتلي جميعها الارض على نحو لم يسبق له مثيل منذ سنة ١٩١٤. — متى ٢٤:٣-٨؛ لوقا ٢١:١٠، ١١؛ رؤيا ٦:١-٨.
غير ان العلامة التحذيرية التي اعطاها يسوع شملت ايضا رسالة رجاء. فقد قال: «يُكرز ببشارة الملكوت هذه في كل المسكونة شهادة لجميع الامم، ثم تأتي النهاية». (متى ٢٤:١٤) لاحِظ ان يسوع دعا رسالة الملكوت «بشارة». وهي بشارة بحق لأن ملكوت اللّٰه، وهو حكومة سماوية برئاسة المسيح يسوع، سيصلح كل الضرر الذي سببه البشر. كما انه سيحول دون حدوث الكوارث الطبيعية في المستقبل. — لوقا ٤:٤٣؛ رؤيا ٢١:٣، ٤.
فعندما كان يسوع على الارض، أظهر ان بإمكانه السيطرة على العوامل الطبيعية عندما هدّأ عاصفة عنيفة. فقال تلاميذه الخائفون، والرهبة تملأهم: «من هو هذا حقا، فإنه يأمر حتى الرياح والماء فتطيعه؟». (لوقا ٨:٢٢-٢٥) والمسيح لم يعد اليوم مجرد انسان، بل صار كائنا روحانيا قديرا. ولذلك لن تصعب عليه السيطرة على العوامل الطبيعية بحيث لا تؤذي رعاياه! — مزمور ٢:٦-٩؛ رؤيا ١١:١٥.
يظن البعض ان كل ذلك مجرد وهم. لكن تذكّر ان نبوات الكتاب المقدس، بما فيها النبوات التي تتم منذ سنة ١٩١٤، لم تخطئ ولا مرة، على عكس تنبؤات البشر ووعودهم. (اشعيا ٤٦:١٠؛ ٥٥:١٠، ١١) فما من شك ان ارضنا ستنعم بمستقبل آمن. وإذا تجاوبنا مع كلمة اللّٰه وتنبَّهنا لتحذيرها الحبي حول الاحداث البالغة الاهمية التي ستهزُّ الارض عما قريب، فسننعم نحن ايضا بمستقبل آمن. — متى ٢٤:٤٢، ٤٤؛ يوحنا ١٧:٣.
[الاطار/الصورة في الصفحة ١١]
ما هو رجاء احبائنا الموتى؟
عندما يسلبنا الموت احد احبائنا، قد يسحقنا الحزن. والكتاب المقدس يخبرنا ان يسوع ايضا بكى عندما مات صديقه العزيز لعازر. غير انه بعد دقائق قليلة صنع عجيبة بارزة بإعادة لعازر الى الحياة! (يوحنا ١١:٣٢-٤٤) وبفعله ذلك اعطى جميع البشر اساسا راسخا للايمان بالوعد الرائع الذي تلفّظ به سابقا خلال خدمته عندما قال: «تأتي الساعة التي يسمع فيها جميع الذين في القبور التذكارية صوت [يسوع] فيخرجون». (يوحنا ٥:٢٨، ٢٩) ونأمل ان يتعزى جميع الذين سلبهم الموت احبّاء لهم بهذا الرجاء الثمين، رجاء إقامة الموتى الى الحياة على ارض فردوسية. — اعمال ٢٤:١٥.
[الصور في الصفحة ١٠]
هل تنتبه الى التحذيرات ان العالم الحاضر صار في ايامه الاخيرة؟
[مصدر الصورة في الصفحة ١٠]
USGS, David A. Johnston, Cascades Volcano Observatory
-