-
تأثير المخدِّرات غير المشروعة في حياتكماستيقظ! ١٩٩٩ | تشرين الثاني (نوفمبر) ٨
-
-
تأثير المخدِّرات غير المشروعة في حياتكم
كما يتسبب العفن بتفسخ دعائم البيت الخشبية، كذلك يمكن للمخدِّرات ان تقوِّض كامل بنية المجتمع. ولكي يعمل المجتمع البشري كما يجب، ينبغي ان تكون العائلات مستقرة، العمّال في صحة جيدة، الحكومات محط ثقة، الشرطة نزيهة، والمواطنون مطيعين للقانون. لكنَّ المخدِّرات تُفسد كل عنصر من هذه العناصر الاساسية.
-
-
تأثير المخدِّرات غير المشروعة في حياتكماستيقظ! ١٩٩٩ | تشرين الثاني (نوفمبر) ٨
-
-
لكنَّ الامر لا يتعلق فقط بصحة المتعاطي. فحوالي ١٠ في المئة من الاطفال الذين يولدون في الولايات المتحدة يتعرَّضون لمخدِّر غير مشروع — الكوكائين في اغلب الحالات — وهم لا يزالون داخل الرحم. وليست اعراض الانقطاع المؤلمة المشكلة الوحيدة التي يواجهها هؤلاء، فالتعرُّض للمخدِّرات في الرحم قد يترك آثارا مضرة اخرى عند المولودين الجدد، آثارا عقلية وجسدية على السواء.
الجاذب الذي لا يقاوَم: المال السهل من المخدِّرات
هل تشعرون بالامان في منطقتكم بعد حلول الظلام؟ اذا كان الجواب كلا، فالسبب على الارجح هو تجار المخدِّرات. فالاعتداء على الافراد والعنف في الشوارع يسيران جنبا الى جنب مع المخدِّرات، لأنه غالبا ما يلجأ متعاطو المخدِّرات الى الجريمة او البغاء لتمويل عادتهم، في حين ان العصابات المتنافسة تحارب وتقتل لتحافظ على هيمنتها على سوق توزيع المخدِّرات. فلا عجب ان تعتبر الشرطة المخدِّرات، في مدن كثيرة، عاملا في اغلبية جرائم القتل التي يحقِّقون فيها.
وفي بعض البلدان يلجأ الخارجون على القانون ايضا الى القوة للاستفادة من تجارة المخدِّرات المربحة. فثمة عصابة كبيرة في اميركا الجنوبية تجني حاليا نصف دخلها من تأمين الحماية لتجار المخدِّرات. ويخبر برنامج الامم المتحدة الدولي لمكافحة المخدِّرات: «ان العائدات من المخدِّرات غير المشروعة تموِّل بعض اعنف الصراعات الدينية والعرقية في العالم».
مآسٍ تحت تأثير المخدِّرات
يجعل متعاطو المخدِّرات الشوارع غير آمنة بطرائق اخرى. يذكر مايكل كروننْويتِر في كتابه المخدِّرات في اميركا (بالانكليزية): «ان قيادة سيارة تحت تأثير الماريجوانا او الـ LSD خطرة تماما كالقيادة تحت تأثير الكحول». ولا عجب ايضا ان متعاطي المخدِّرات معرَّضون لحوادث في العمل اكثر من غيرهم بثلاث او اربع مرات.
لكنَّ البيت هو على الارجح اكثر الاماكن تضرُّرا بسبب المخدِّرات. يذكر تقرير المخدِّرات العالمي (بالانكليزية): «غالبا ما يرتبط تفكك الحياة العائلية ارتباطا وثيقا بتعاطي المخدِّرات». فالوالدون الذين يكون توقهم الى المخدِّرات شغلهم الشاغل نادرا ما يمنحون اولادهم حياة منزلية مستقرة. حتى ان الرباط بين الطفل والوالدين — الضروري جدا خلال الاسابيع الاولى من حياة الولد — يمكن ان ينقطع. وبالاضافة الى ذلك، كثيرا ما يقع الوالدون المدمنون في الدَّين وقد يسرقون من اصدقائهم وعائلتهم او قد يخسرون عملهم. وكثيرون من الاولاد الذين يكبرون في هذا المحيط يهربون الى الشوارع او يتورطون هم انفسهم في المخدِّرات.
تقود اساءة استعمال المخدِّرات ايضا الى الاساءة الجسدية — الى رفيق الزواج او الى الاولاد. فالكوكائين، وخصوصا عندما يؤخذ مع المشروبات الكحولية، يمكن ان يجعل المرء عنيفا حتى لو كان هادئ الطباع. واستنادا الى استطلاع كندي شمل اشخاصا يتعاطون الكوكائين، اعترف ١٧ في المئة انهم يصيرون عدائيين بعد تعاطي المخدِّر. ويقول ايضا تقرير حول الاساءة الى الاولاد في مدينة نيويورك ان ٧٣ في المئة من الاولاد الذين ضُربوا حتى الموت كان والدوهم يسيئون استعمال المخدِّرات.
الفساد والتلوُّث
اذا كانت المخدِّرات تقوِّض البيوت، فالامر نفسه يصحّ في الحكومات. ولكن ليست المخدِّرات نفسها ما يسمّم النظام، بل المال الذي تتيح المخدِّرات الحصول عليه. ذكر سفير من اميركا الجنوبية متأسفا: «افسدت المخدِّرات المسؤولين الحكوميين والشرطة والجيش». ويضيف ان كمية المال المتوفر بسهولة «هي مصدر اغراء كبير» للذين لا يكاد اجرهم يكفيهم ليعيشوا.
يقع القضاة وعُمَد المدن ورجال الشرطة، حتى المسؤولون عن مكافحة المخدِّرات، في شرك الفساد في بلد بعد آخر. والسياسيون الذين موَّل انتخابهم اقطاب المخدِّرات لا يهتمّون عندما تُطلق دعوات الى اتخاذ اجراءات صارمة حيال المتاجرة بالمخدِّرات. وكثيرون من المسؤولين النزهاء الذين قاموا بحملة شجاعة ضد المخدِّرات تعرَّضوا للاغتيال.
حتى تربتنا وغاباتنا والانواع الحيوانية والنباتية الموجودة فيها تتألم بسبب بلية المخدِّرات العالمية. فنسبة كبيرة من إنتاج الافيون والكوكائين تتركز في منطقتين حساستين جدا للضرر البيئي: الغابات المطيرة في غرب الأمازون والغابات المطيرة في جنوب شرق آسيا. فالدمار الذي أُلحق بهذين المكانين كبير جدا. حتى الجهود المحمودة لاستئصال محاصيل المخدِّرات غير المشروعة تسبب اذى كبيرا بسبب استعمال مبيدات سامة للأعشاب.
مَن يدفع الثمن؟
مَن يدفع ثمن كل الضرر الناجم عن المخدِّرات؟ نحن جميعا. نعم، فجميعنا ندفع ثمن خسارة الإنتاجية، تكاليف العلاج الطبي، الاملاك المسروقة او المتضررة، وتكاليف تطبيق القانون. فقد حسب تقرير صادر عن وزارة العمل الاميركية ان «تعاطي المخدِّرات في مكان العمل قد يكلّف الصناعة والتجارة الاميركيتين بين ٧٥ و ١٠٠ بليون دولار سنويا . . . نتيجة التغيُّب عن العمل والحوادث وتكاليف الرعاية الصحية الباهظة وتعويضات العمّال».
كل هذه المبالغ تُحصَّل في النهاية من جيوب دافعي الضرائب والمستهلكين. وقد حسبت دراسة أُجريت في المانيا سنة ١٩٩٥ ان اجمالي الكلفة السنوية لإساءة استعمال المخدِّرات في ذلك البلد تصل الى ١٢٠ دولارا اميركيا لكل مواطن. وأحد التقديرات في الولايات المتحدة يذكر رقما اكبر: ٣٠٠ دولار لكل شخص.
لكنَّ الكلفة الاكبر بكثير هي الضرر الاجتماعي الذي تلحقه المخدِّرات بالناس. ومَن يمكنه ان يحدِّد قيمة نقدية لتفكك عائلات كثيرة، الاساءة الى اولاد كثيرين، الفساد بين مسؤولين عديدين، والموت المبكر لأشخاص كثيرين؟! ولكن ماذا يعني كل ذلك في المفهوم البشري؟ ستتناول المقالة التالية كيفية تأثير المخدِّرات في حياة الذين يتعاطونها.
-