-
العيش في مجتمع واقع في شرك الرمياستيقظ! ٢٠٠٢ | آب (اغسطس) ٢٢
-
-
العيش في مجتمع واقع في شرك الرمي
يرمي الناس في البلدان المتقدمة اكداسا من النفايات. خذ على سبيل المثال كمية النفايات التي تُرمى سنويا في الولايات المتحدة. يُقال ان «وزنا من الماء معادلا لها يمكن ان يملأ ٠٠٠,٦٨ بركة سباحة اولمپية». ومنذ حوالي عشر سنوات، قُدِّر ان سكان مدينة نيويورك وحدها يرمون سنويا كميات من الاقذار يمكن ان تغرق السنترال پارك الهائل في المدينة تحت ٤ امتار من النفايات!a
فلا عجب ان تُدعى الولايات المتحدة «مثالا تحذيريا لباقي العالم» في ما يتعلق بمسألة كونها «مجتمعا استهلاكيا تعوّد الرمي». لكن هذا البلد ليس الوحيد. ففي المانيا، يقدَّر ان كمية النفايات التي يخلّفها السكان سنويا يمكن ان تملأ بسهولة قطار شحن يمتد من العاصمة برلين الى ساحل افريقيا، على بعد نحو ٨٠٠,١ كيلومتر. وفي بريطانيا قُدّر مرة ان العائلة المتوسطة المؤلفة من اربعة اشخاص ترمي في السنة كمية من الورق لزمت ست اشجار لصنعها.
والبلدان النامية ليست محصنة ضد فيض النفايات. تذكر صحيفة مشهورة: «الاخبار السيئة فعلا هي ان معظم سكان الكوكب الستة بلايين بدأوا يحذون حذو الولايات المتحدة وباقي البلدان المتقدمة في انتاج فيض من النفايات». نعم، سواء شئنا ام أبَينا، معظمنا اليوم جزء من مجتمع واقع في شرك الرمي.
طبعا، كان لدى الناس دائما شيء يرمونه. لكنّ السلع والاطعمة المعلّبة والموضَّبة هي اليوم متوفرة اكثر بكثير مما كانت منذ سنوات، لذلك نجد الاوعية ومواد التوضيب التي تُطرح بعد الاستعمال في كل مكان. وازدادت ايضا كمية الصحف، المجلات، نشرات الاعلانات، وغيرها من المواد المطبوعة.
وقد انتج ايضا عالمنا الصناعي والعلمي انواعا جديدة من النفايات. تقول الصحيفة الالمانية دي ڤيلت ان «حوالي تسعة ملايين سيارة تُرمى في الاتحاد الاوروپي سنويا». والتخلص منها ليس بالمهمة السهلة. والمشكلة الكبرى ايضا هي كيف ينبغي التخلص بشكل آمن من النفايات الكيميائية والنووية. ففي سنة ١٩٩١، أُخبر ان الولايات المتحدة لديها «كميات هائلة من النفايات المشعّة وليس لديها موقع دائم لحفظها». وقيل ان مليون برميل من المواد المميتة محفوظ في مخزن مؤقت مع خطر موجود على الدوام، «خطر التسرّب، السرقة، والضرر البيئي من جراء اساءة الاستعمال». وفي سنة ١٩٩٩ فقط، خلّفت نحو ٠٠٠,٢٠ مؤسسة في الولايات المتحدة اكثر من ٤٠ مليون طن من النفايات الخطرة.
وهنالك ايضا عامل آخر هو عدد السكان في العالم الذي تزايد بسرعة رهيبة في القرن المنصرم. فمزيد من الناس يعني مزيدا من النفايات! ومعظم الناس لديهم نزعة استهلاكية. استنتج معهد وورلد واتش مؤخرا: «لقد استخدمنا سلعا وخدمات تقدمها المرافق العامة منذ سنة ١٩٥٠ اكثر مما استخدمنا في كل تاريخ الجنس البشري».
من المسلّم به ان قليلين ممّن يعيشون في البلدان المتقدمة يرغبون في الاستغناء عن كل هذه ‹السلع والخدمات›. مثلا، فكر فقط كم من المريح الذهاب الى المتجر وابتياع المأكولات الموضّبة مسبقا وجلبها الى البيت في اكياس من الپلاستيك او الورق يزوّدها المتجر. اذا حُرم الناس فجأة من التوضيب العصري هذا، فسرعان ما قد يدركون كم صاروا يعتمدون عليه. ومن الناحية الصحية، لا شك ان هذا التوضيب يساهم، على الاقل بطريقة غير مباشرة، في صحة افضل.
لكن رغم هذه الحسنات، هل يلزم التخوّف من ان يكون مجتمع الرمي اليوم قد تخطى الحدود؟ من الواضح ان التخوّف ضروري، اذ ان الحلول المختلفة التي ابتُكرت لمعالجة موضوع فيض النفايات لم تؤثر البتة في اكداس النفايات. والاسوأ هو ان المواقف التي يعتمدها مجتمع الرمي اليوم لديها مضامين مقلقة اكثر.
[الحاشية]
a يغطي السنترال پارك مساحة ٣٤١ هكتارا، او حوالي ٦ في المئة من مساحة مانهاتن.
[الصورة في الصفحة ٤]
التخلص بطريقة آمنة من النفايات الخطرة يشكل تحديات كبيرة
-
-
هل من حل؟استيقظ! ٢٠٠٢ | آب (اغسطس) ٢٢
-
-
هل من حل؟
ماذا ينبغي ان تفعل اذا لم تعد تحتاج الى امر ما؟ «ارمه وحسب» يبدو جوابا واضحا وبسيطا. لكن رمي النفايات ليس دائما بهذه البساطة. فأين ينبغي رميه؟ ثمة جمعية ايطالية تعنى بالبيئة تقدّر ان قنينة زجاجية مرمية في البحر يستغرق انحلالها ٠٠٠,١ سنة. بالمقابل، لا يستغرق انحلال المحارم الورقية سوى ثلاثة اشهر. وكل عقب سيجارة يُطرح في البحر يلوثه مدة تصل الى ٥ سنوات؛ الاكياس الپلاستيكية
من ١٠ الى ٢٠ سنة؛ المواد المصنوعة من النيلون، من ٣٠ الى ٤٠ سنة؛ الاوعية المعدنية، ٥٠٠ سنة؛ والمواد المصنوعة من متعدِّد الستيرين، ٠٠٠,١ سنة.
وكمية هذه النفايات تزداد بشكل هائل. فاليوم، يقدم السوق فيضا من البضاعة للبيع، وعالم الاعلانات يريد ان نعتقد اننا نحتاج اليها جميعها. تقول الصحيفة البريطانية ذا ڠارديان باختصار: «يساعدنا اصحاب الاعلانات على تلبية حاجات لم نشعر بها قط». فعلا، نحن نُغرى بشراء آخر منتجات السوق، خشية خسارة فرصة تجربة شيء جديد. طبعا، يعني «الجديد» في لغة الاعلانات «افضل وأجود»، في حين يعني «القديم» «اردأ وعتيق الطراز».
لذلك غالبا ما يجري حثنا على شراء شيء جديد عوض تصليح القديم. والحجة المعطاة هي ان تبديل الاشياء القديمة عملي اكثر وأوفر من تصليحها. يصح ذلك بعض الاحيان، لكن رمي القديم وتبديله بالجديد يكون في معظم الاحيان مكلفا وغير ضروري.
واليوم، تُصمَّم منتجات كثيرة لتُرمى في جميع الاحوال. وقد يكون اصلاحها صعبا — امر ينبغي الانتباه اليه عندما نتسوق. ذكرت احدى مجلات المستهلك الالمانية: «تقصر مدة استعمال الاغراض الشخصية اكثر فأكثر. فما كان البارحة ‹على الموضة› هو اليوم ‹عتيق الطراز› وغالبا ما ينتهي به المطاف الى برميل النفايات. وهكذا، تصير يوميا المواد الاولية الثمينة نفايات لا قيمة لها!».
وهل يستفيد المستهلك حقا من كل هذه المشتريات؟ في الواقع، ان المستفيدين هم اصحاب المصالح المصمِّمون على ملء جيوبهم. ولكن الصحيفة الاسبوعية السويسرية دي ڤِلتْووكي (بالالمانية) تحاج: «اذا كان كل فرد سيستعمل اثاثه وسيارته مدى العمر او حتى ضعف المدة التي يستعملهما فيها اليوم فسيؤدي ذلك حتما الى الانهيار الاقتصادي». طبعا لا يُقصد ان يكون الانهيار الاقتصادي هو الحل، بما انه سيجعل المستهلكين ايضا عاطلين عن العمل. اذًا، ما هي بعض الحلول لمعالجة مسألة فيض النفايات؟
الرمي، اعادة التصنيع، او عدم التبديد؟
تتبنى بعض البلدان الصناعية الحل السهل، فترمي بكل بساطة نفاياتها في البلدان النامية. يشير احد التقارير، مثلا، انه «في موقع معروف في نيجيريا، وُجد ان ٥٠٠,٣ طن من المواد الكيميائية السامة تتسرب من اكثر من ٠٠٠,٨ برميل صدئ ومتآكل، مسمِّمة التربة والمياه الجوفية على السواء». ولكنّ هذه الطريقة للتخلص من النفايات لا تبدو حلّا فعّالا او طريقة مثالية لمعاملة الآخرين.
وماذا عن اعادة تصنيع اشياء غير مرغوب فيها ليُعاد استعمالها عوض رميها ببساطة؟ لا شك ان مثل هذه البرامج تتطلب ان يقسم المستهلكون نفاياتهم الى عدة فئات، وهو امر يتطلبه القانون في بعض البلدان. فقد يطلب المسؤولون ان تُفرز النفايات وتُقسم الى فئات مثل الورق، الكرتون، المعدن، الزجاج، والنفايات العضوية. والزجاج، بدوره، يمكن ان يُفرز بحسب ألوانه.
ولإعادة التصنيع حسناتها. يذكر كتاب ٥٠٠٠ يوم لإنقاذ الكوكب (بالانكليزية) ان اعادة تصنيع الألمنيوم «توفّر كميات كبيرة من الطاقة» ويمكن ان «تقلّل الضرر البيئي الذي يسببه التعدين المكشوف للبوكسيت». ويتوسع الكتاب في الموضوع ذاكرا: «ان اعادة تصنيع نفس كمية الورق المنتجة تحتاج الى نصف الطاقة وعُشر كمية المياه التي استخدمت لإنتاجها. . . . والكثير من النفايات يمكن ان يُسترد، يُعاد تصنيعه ويُستعمل مجددا. . . . حتى حين لا تستطيع المؤسسات الصناعية اعادة استعمال نفاياتها الخاصة، يمكنها احيانا ان تعيد تصنيعها ليستعملها الآخرون . . . وفي هولندا، تعمل شبكة لتبادل النفايات بنجاح منذ اوائل سبعينات الـ ١٩٠٠».
وتشدد بعض السلطات على منع وجود النفايات من البداية، عوض التفتيش عن طرائق للتخلص منها. والكتاب المذكور آنفا يحذّر ان «اتخاذ الاجراءات امر ملح» اذا كان على الجنس البشري ان «يتحول من مجتمع يتبع نظاما اقتصاديا يعتمد رمي الاشياء . . . الى مجتمع مقتصد يخفّف من النفايات ويخفض تبديد موارده».
لكن الذين يرغبون في الابتعاد عن «مجتمع يتبع نظاما اقتصاديا يعتمد رمي الاشياء» ينبغي ان يرغبوا في استعمال السلع التي يشترونها اطول مدة ممكنة، ولا يرموها إلّا حين يتعذر اصلاحها. والاشياء غير المرغوب فيها والتي لا تزال صالحة للاستعمال ينبغي اعطاؤها لآخرين يستعملونها. يحسب مكتب دارمشتات التابع للمعهد الالماني لعلم البيئة التطبيقي، ان نسبة النفايات التي تخلّفها اسرة تلتصق باستمرار بالمبدإ: «استعمل عوض ان تبدد»، هي اقل بـ ٧٥ في المئة من النفايات التي تخلّفها الاسرة العادية.
لكن هل سيلتصق عدد كافٍ من الأُسر بمثل هذه المبادئ؟ يبدو ذلك غير مرجح، اذ ان لمشكلة نفايات الجنس البشري ابعاد اكبر بكثير. ففي مجتمع اليوم الذي يعتمد الرمي، يتبنى عدد متزايد من الناس ما يمكن ان نسميه عقلية الرمي. فلنفحص هذا الموقف — وبعض الامور المتطرفة التي يمكن ان يقود اليها.
مخاطر عقلية الرمي
لا تحبذ عقلية الرمي فكرة التبديد فحسب، بل قد تجعل الناس ايضا غير مقدِّرين وغير مبالين، فيبددون عادة كميات كبيرة من الطعام وغيره من الموارد. والاشخاص الانانيون والذين تتحكم فيهم الموضة والرغبات التافهة قد يشعرون باستمرار بميل قوي الى تبديل ما هو بحالة جيدة من ثياب، اثاث، وسلع اخرى بأشياء جديدة.
وتذهب عقلية الرمي الى ابعد من ذلك ايضا. ذكر مؤخرا مشروع الماني يهتم باستعمال السلع المنزلية المرمية: «ان ما نفعله بأثاث غرفة الجلوس الذي لا يعود يعجبنا فنرميه بعد خمس سنوات لنبدله بآخر جديد، يُحتذى ويطبّق الآن على الطريقة التي نعامل بها الانسان. والسؤال الذي يُطرح هو: الى متى يمكن ان يسمح مجتمعنا بذلك». ويوضح التقرير: «ما ان يصبح المرء عاجزا عن اداء مهماته بفعالية تامة حتى يُستبدل بآخر. فالعمال موجودون اينما كان!».
سأل نائب الرئيس السابق في الولايات المتحدة آل ڠور في كتابه الارض في الميزان (بالانكليزية): «اذا بتنا نعتبر الامور التي نستعملها امورا يمكن التخلص منها، فهل غيَّرنا بشكل مماثل طريقة تفكيرنا في ما يتعلق برفيقنا الانسان؟ . . . هل خسرنا، في إطار هذا التحول، تقدير الصفات التي يتميز بها كل منا؟».
ان مَن يفقدون تقديرهم واحترامهم للآخرين سيجدون دون شك من الاسهل التخلص من الاصدقاء ورفقاء الزواج واعتبار الامر لا يستحق اللوم. وتعليقا على طريقة التفكير هذه، تحاج الصحيفة الالمانية زوتدُيتشِه تسايتونڠ: «نبتاع ثيابا جديدة مرتين في السنة، سيارة جديدة كل اربع سنوات، وأثاثا لغرفة الجلوس كل عشر سنوات؛ كل سنة نبحث عن مكان جديد نقضي فيه عطلتنا؛ كما اننا نغير بيوتنا، مهننا وأشغالنا — فلمَ لا نغيِّر رفيق زواجنا؟».
وبعض الناس اليوم يبدون راغبين في رمي اي شيء حالما يصير عبئا عليهم. في احد البلدان الاوروپية، مثلا، جرى التخلي عما يُقدّر بـ ٠٠٠,١٠٠ هرّ و ٠٠٠,٩٦ كلب خلال سنة ١٩٩٩. تقول احدى انصار الرفق بالحيوان هناك ان المواطنين في بلدها «لا يفكرون في امتلاك حيوان مدلل مدة طويلة. فهم يشترون جروا في ايلول (سبتمبر)، ويتخلون عنه [بعد سنة عندما يذهبون في عطلة] في آب (اغسطس)». والأسوأ ايضا ان عقلية الرمي تشمل حياة الانسان نفسها.
نقص في احترام الحياة
يبدو ان كثيرين اليوم يفكرون ان لا قيمة لحياتهم. وكيف ذلك؟ ذكرت مجلة اوروپية مؤخرا، على سبيل المثال، ان استعداد الشباب للمجازفة ازداد في السنوات الاخيرة. ويمكن ان يُرى ذلك من خلال رغبتهم المتزايدة في الاشتراك في الالعاب الرياضية الخطرة. فهم مستعدون للتخلص حتى من حياتهم مقابل لحظات قليلة من الاثارة! ورجال الاعمال المولعون بالربح يستغلون بتوق هذه النزعة. ذكر سياسي الماني ان مروّجي الالعاب الرياضية الخطرة «غالبا ما يعتبرون ان جني المال اهم من صحة الانسان وحياته».
وماذا عن التخلص من الحياة البشرية قبل ان ترى النور؟ تقدِّر منظمة الصحة العالمية انه «كل سنة هنالك نحو ٧٥ مليون جنين حول العالم غير مرغوب فيهم. فتختار نساء كثيرات الاجهاض كحل». حتى بعد الولادة يكون الاطفال في خطر. فبحسب الصحيفة البرازيلية او إستادو دي سان پاولو (بالپرتغالية)، «تزداد الحالات التي يجري فيها رمي الاطفال في الشوارع». فهل يحدث الامر عينه حيث تسكن؟
في عالم اليوم، حيثما تطلعنا حولنا نرى دليلا على ان الحياة البشرية تُعتبر رخيصة، بلا قيمة، شيئا يجري التخلص منه دونما اكتراث. ونرى هذه النزعة في العنف الذي يسم التسلية العامة، حيث يقتل «الابطال» اعدادا من «الاشرار» في مجرد فيلم او برنامج تلفزيوني واحد. ونراها في موجات جرائم العنف المستمرة التي تكتسح الارض، حين يقتل اللصوص ضحاياهم لمجرد الحصول على حفنة من المال — او من غير سبب على الاطلاق. كما نراها في التقارير الاخبارية المحزنة التي تخبر عن الاعمال الارهابية، التطهير العرقي، الابادة الجماعية، وتشمل كلها قتلا جماعيا عديم الرحمة للبشر — حياة ثمينة يجري التخلص منها مثل النفايات.
قد لا نتمكن من تجنب العيش في مجتمع يعتمد الرمي، لكن يمكن ان نتجنب تبني عقلية الرمي. والمقالة التالية ستناقش ماذا يمكن ان يساعدنا على مواجهة مشاكل مجتمع اليوم الذي يعتمد الرمي مع ما يرافقها من مواقف غير مرغوب فيها.
[الصورة في الصفحة ٦]
في امكنة كثيرة اعادة التصنيع إلزامية
[الصورتان في الصفحة ٧]
هل تدفعك الموضة المتغيرة الى رمي الثياب الجيدة وشراء غيرها؟
[الصورة في الصفحة ٨]
ينبغي ان يُعَز الجنين، لا ان يُتخلَّص منه
[مصدر الصورة]
Index Stock Photography Inc./BSIP Agency
[الصورة في الصفحة ٨]
الحياة اثمن بكثير من ان نعرضها لخطر التخلص منها من اجل الاثارة
-
-
كيف يمكنك مواجهة المشاكل في مجتمع واقع في شرك الرمياستيقظ! ٢٠٠٢ | آب (اغسطس) ٢٢
-
-
كيف يمكنك مواجهة المشاكل في مجتمع واقع في شرك الرمي
«في الطبيعة . . . لا يوجد ما يُعتبر نفاية». هذا هو رأي احد الخبراء المحترمين في اعادة التصنيع، كما نقلته مجلة تايم. لقد كان يشير الى الطريقة الرائعة التي تُستعمل بها المواد الميتة او المرمية في جزء من النظام البيئي لتفيد دائما الاجزاء الاخرى. ويشعر الخبير نفسه كما أُخبر ان «الجنس البشري يمكن ان يقلّد الطريقة التي تتخلص بها الطبيعة من النفايات، لكن ذلك يتطلب تكنولوجيا مبتكرة وتغييرا كبيرا في المواقف».
غالبيتنا لا نستطيع على الارجح ابتكار تكنولوجيا جديدة. لكننا نستطيع التحكم في مواقفنا! والمواقف الصائبة التي نتخذها من بعض المبادئ الاساسية للسلوك الجيد ستساعدنا بشكل افضل على مواجهة مشاكل العيش في مجتمع واقع في شرك الرمي.
تجنَّب التبديد
خُمس الناس في الارض يأوون الى فراشهم جائعين. ومعرفة ذلك ينبغي ان تزرع فينا ضرورة تقدير الطعام وتفادي تبديده. قال زوجان عادا من افريقيا بعد ٢٨ سنة في العمل الارسالي ان احد اكبر التحديات التي واجهاها للاعتياد من جديد على بلدهم الام كان «رمي الناس للطعام وتبديده».
ان الوالدين الحكماء يعلّمون اولادهم الّا يضعوا في طبقهم سوى الكمية التي يستطيعون اكلها. وذلك يخفض النفايات والتبديد. فمن الافضل ان يأخذ الشخص حصصا صغيرة في البداية وبعد ذلك بإمكانه طلب المزيد. طبعا، ينبغي للوالدين ان يرسموا المثال. ويسوع كان قدوة لجميعنا بإظهار تقدير حقيقي للتدابير الالهية الجسدية والروحية على السواء. فالكتاب المقدس يشير ان يسوع اهتم الّا يبدد الطعام — مع انه زُوّد عجائبيا بوفرة! — يوحنا ٦:١١-١٣.
قد ينطبق مبدأ تجنب التبديد ايضا على الثياب، الاثاث، والآلات. فإبقاء الاشياء بحالة جيدة بتصليحها واستعمالها قدر المستطاع يُظهر اننا نقدّر ما لدينا. ولا ينبغي ان نقع ضحية الاعلانات التي تهدف الى جعلنا نشعر اننا غير مكتفين بما لدينا بتقديمها لنا شيئا اكبر، افضل، اسرع، وأقوى. طبعا، لدينا كل الحق لنستبدل ممتلكات لا تزال سليمة. لكن قبل فعل ذلك، قد نرغب في تقييم مواقفنا ودوافعنا.
تجنَّب الجشع
فيما كان الاسرائيليون مرتحلين في البرّية في طريقهم الى ارض الموعد، أُعطوا المن طعاما. وحسبما يخبر الكتاب المقدس، زُوّد المن بكميات كافية. لكن الاسرائليين حُذروا لئلا يصبحوا جشعين؛ فكان عليهم ان يأخذوا ما يحتاجون اليه فقط. والذين عصوا اكتشفوا ان الجشع لم يفدهم، فقد تولَّد الدود في ما بقي من المن وأنتن. (خروج ١٦:١٦-٢٠) ومن الواضح ان الكتاب المقدس يدين الجشع بشدة ويذكر الامر مرارا وتكرارا. — افسس ٥:٣.
والكتاب المقدس ليس الوحيد الذي يشير الى ذلك. على سبيل المثال ادرك سَنيكا، فيلسوف وكاتب مسرحي روماني من القرن الاول، ان الانسان الجشع لا يكتفي ابدا. ذكر: «الجشَع لا تكفيه الطبيعة جمعاء». وتوصل ايريك فروم، فيلسوف من القرن العشرين، الى استنتاج مماثل: «الجشَع حفرة لا قعر لها تنهك الانسان في سعيه المستمر الى اشباع رغباته دون بلوغ الاكتفاء». بالاضافة الى تجنب الجشع والتبديد، هنالك بعض الخطوات المحددة التي اختار كثيرون اتباعها.
تعلَّم المشاركة
قبل التخلص من سلع لا تزال في حالة جيدة، فكِّر في مَن يسعده الحصول عليها. مثلا، اذا لم تعد الملابس تلائم الاولاد الذين يكبرون فهل يمكن ان يستفيد منها اولاد آخرون؟ هل يمكنك فعل الامر عينه بممتلكات اخرى لا يزال لها قيمة ولكنك لا تستعملها بقدر ما كنت تستعملها سابقا؟ شارك شخصا آخر في الفرح الذي اختبرته من استعمالك سلعة ما بإعطائه اياها. كتب مرة الكاتب والفكاهي الاميركي مارك توين: «لكي يكون فرحك كاملا ينبغي ان يكون هنالك مَن تشاركه فيه». ربما اختبرت ان الفرح الذي تشارك فيه احدا هو فرح مضاعف. بالاضافة الى ذلك، تساعد مشاركة الآخرين بهذه الطريقة على ابطال التأثيرات السلبية الناجمة عن عقلية الرمي.
ان مشاركة الآخرين فضيلة ينصح بها كثيرا الكتاب المقدس. (لوقا ٣:١١؛ روما ١٢:١٣؛ ٢ كورنثوس ٨:١٤، ١٥؛ ١ تيموثاوس ٦:١٨) فعلا، كم يصبح العالم افضل لو كان كل واحد فيه مستعدا للمشاركة!
اكتفِ بالضروريات
الشخص المكتفي هو شخص سعيد. وهذه حقيقة عالمية. يقول مثل يوناني: «مَن لا يرضى بالقليل فلا شيء يرضيه». ويقول مثل ياباني: «فقيرٌ مَن لا يشعر بالاكتفاء». والكتاب المقدس ايضا يثني على فكرة العيش باكتفاء. نقرأ: «في الحقيقة، ان التعبد للّٰه مع الاكتفاء لوسيلة ربح عظيم. فإننا لم ندخل العالم بشيء، ولا نقدر ان نخرج منه بشيء. فما دام لنا قوت وكسوة، فإننا نقنع بهما». — ١ تيموثاوس ٦:٦-٨؛ فيلبي ٤:١١.
طبعا، ان الاكتفاء بما لدينا قد يتطلب «تغييرا كبيرا في المواقف». ادركت مؤخرا امرأة شابة تدعى سوزان انها كانت تحتاج الى صنع تغيير. قالت: «قررت ان اتعلم ان احب ما لدي بما انني لا استطيع الحصول على كل شيء اريده. وأنا الآن سعيدة ومكتفية».
ان الاكتفاء يؤدي حقا الى السعادة. يقول الپروفسور أرڠير هادجيكْريستِف، وهو خبير بلغاري في مجال التقدم في السن: «اساس المشكلة هو عدم كون المرء مكتفيا بالقليل الذي عنده». وبالاشارة الى الفوائد الصحية الناجمة عن الاكتفاء يضيف: «ان الانسان الذي لا يسعى الى العيش حياة افضل من جاره، والذي لا يحاول دائما الحصول على المزيد والمزيد، يعيش دون منافسة وبالتالي دون اجهاد. وهذا مريح للاعصاب».
نعم، ان مجتمعا واقعا في شرك الرمي لا يجلب ابدا السعادة الحقيقية. فكم بالحري عقلية الرمي! ويبدو ان المزيد من الناس بدأوا يدركون الامر. فهل انت منهم؟
[الصورة في الصفحة ٩]
يحتاج الاولاد ان يتعلموا كيف يتجنبون تبديد الطعام
[الصورة في الصفحة ٩]
يسوع رسم مثالا جيدا في تجنب التبديد
[الصورة في الصفحة ١٠]
لمَ لا تعطي الآخرين ما لا تستعمله عوض رميه؟
-