مكتبة برج المراقبة الإلكترونية
برج المراقبة
المكتبة الإلكترونية
العربية
  • الكتاب المقدس
  • المطبوعات
  • الاجتماعات
  • الصفحة ٢
    استيقظ!‏ ١٩٩٠ | آذار (‏مارس)‏ ٢٢
    • الانسان يتلف غابات الارض المَطِيرة.‏

      ولكنّ هذه الغابات مهمة جدا للحياة على هذا الكوكب.‏ انها مصانع صامتة جميلة —‏ منتجة الاكسجين،‏ الطعام،‏ وكائنات حية لا تُحصى.‏ وإذا دُمِّرت كل الغابات تتضرَّر الحياة على الارض ضررا لا حدّ له.‏ وهي تتلاشى بسرعة!‏ «اللّٰه وحده يستطيع ان يصنع شجرة،‏» كتب شاعر.‏ صحيح.‏ ولكنْ لا احد يدمِّرها كالانسان.‏

  • اختفت في ثانية واحدة!‏
    استيقظ!‏ ١٩٩٠ | آذار (‏مارس)‏ ٢٢
    • اختفت في ثانية واحدة!‏

      انتم تجولون في حيِّز من الغَبَش الاخضر بين الاعمدة المتكاتفة لأشجار تشمخ الى ارتفاع ١٥ طبقة فوق رؤوسكم.‏ وفوقكم تشابُك حياة هائل،‏ أكثف وأغنى غلاف بيئي على الارض.‏ الاشجار تتدلّى بينها على شكل حبالِ الزينةِ نباتاتٌ معترشة يبلغ طولها مئات او حتى ألوف الاقدام وتلتف حولها نباتات تثبِّت نفسها في كل جوانب الجذوع والاغصان.‏ والازهار المدارية الوافرة تعطِّر هواء الدفيئة الساكن.‏

      هذه هي الغابة المَطِيرة المدارية.‏ ولكنها اكثر من بقعة جمال،‏ اكثر من دهاليز مقنطرة لغابة غبشاء تخترقها اشعة النور.‏ انها آلية ذات تعقيد لا يُصدَّق تعمل اجزاؤها معا بدقة تعجّ بالنشاط.‏

      الحياة غزيرة هنا،‏ تنوُّع لا نظير له في ايّ مكان آخر على سطح يابسة كوكبنا.‏ فالغابات المَطِيرة تحتلّ ٦ في المئة فقط من مساحة الارض اليابسة ولكنها تملك ما يعادل نصف جميع انواع النباتات والحيوانات.‏ وهي تنتج حوالي ثلث كل المواد الحية على اليابسة.‏ وعاليا فوقكم تكون ظُلَّة الغابة موطنا لغريب الحشرات والطيور،‏ للقرود والثدييّات الاخرى.‏ ومعظمها لا ينزل الى الارض ابدا.‏ فالاشجار تغذِّيها وتأويها،‏ وهي بدورها تلقِّح الاشجار او تأكل ثمرها،‏ ناثرة البزور بزِبْلها.‏

      تهطل الامطار بغزارة يوميا،‏ جاعلة الغابات تنتقع وداعمة دورتها المتقنة للحياة.‏ والمطر يغسل عن الجذوع الورق والفضلات وبحساء غني بالمواد المغذِّية يغذِّي النباتات المدعوة النباتات التسلُّقية التي تنمو على الاشجار.‏ والنباتات التسلُّقية بدورها تساعد الشجرة على سحب غذائها الرئيسي،‏ النتروجين،‏ من الهواء.‏ وللكثير من النباتات التسلُّقية «خزَّانات» ورقية تحتجز ڠالونات من الماء،‏ مشكِّلة بركا صغيرة عاليا في الهواء هي مساكِن للضفادع الشجرية،‏ السمادل،‏ والطيور.‏

      وأيًّا كان الغذاء الذي يصل الى ارض الغابة فإنه يُلتهم بسرعة.‏ فالثدييّات،‏ جحافل الحشرات،‏ والبكتيريا تعمل معا جميعا لتحوِّل البندق،‏ جثث الحيوانات،‏ والاوراق الى مستوى مواد الفضلات.‏ وحينئذ تتلقَّفها الارض نفسها بشوق.‏ وإذا ازحتم الانقاض عند اقدامكم تجدون حصيرا سميكا اسفنجيا من أليافٍ بِيض،‏ شبكة من الجذور والفطريات.‏ هذه الفطريات تساعد الجذور على امتصاص المواد المغذِّية بسرعة قبل ان تجرفها الامطار.‏

      ولكن لنفترض الآن ان جولانكم في الغابة المَطِيرة اقتصر على قسم صغير،‏ مساحة بكبر ملعب كرة القدم الاميركية تقريبا.‏ وفجأة يتلاشى ذلك القسم كله من الغابة.‏ ويُدمَّر كليا —‏ في ثانية واحدة!‏ وفيما تراقبون مرتعبين،‏ فإن القسم المجاور لقسمكم،‏ بالكبر نفسه،‏ يُمحى في الثانية التالية،‏ وآخر في التالية،‏ وهكذا دواليك.‏ وأخيرا تقفون وحدكم في سهل خالٍ،‏ على ارض ملفوحة بشدة تحت الشمس المدارية المتوهِّجة.‏

      واستنادا الى بعض التقديرات،‏ تلك هي السرعة التي تُدمَّر بها الغابات المَطِيرة المدارية للعالم.‏ ويقدِّر البعض ان السرعة اعلى ايضا.‏ واستنادا الى مجلة نيوزويك تُمحى كليا مساحة بنصف كبر كاليفورنيا كل سنة.‏ والمجلة الاميركية العلمية لأيلول ١٩٨٩ تقول عنها انها مساحة بكبر سويسرا والنَّذَرلند (‏هولندا)‏ مجتمعتين.‏

      ولكن مهما كان المدى،‏ فإن الضرر مروِّع.‏ وقد اثارت ازالة الأحراج ضجَّة عالمية،‏ وهي مركَّزة الى حدّ كبير على بلد واحد.‏

      حالة في صدد الموضوع:‏ البرازيل

      في سنة ١٩٨٧ اظهرت صور الاقمار الاصطناعية الفوتوغرافيةُ لحوض الامازون ان سرعة ازالة الأحراج في هذه المنطقة الواحدة هي اعلى ممّا كانت عليه بعض التقديرات لإزالة أحراج الكوكب كله!‏ وإذ احرق الناس الغابة لإزالتها انارت اللياليَ حرائقُ بأعداد كبيرة.‏ وكانت سحابة الدخان بكبر الهند ومن الكثافة بمكان بحيث اضطرت بعض المطارات ان تغلق ابوابها.‏ وبحسب احد التقديرات،‏ يخسر حوض الامازون كل سنة مساحة من الغابة المَطِيرة بكبر بلجيكا.‏

      وعالِم البيئة البرازيلي خوسيه لوتزنبرڠر دعا ذلك «اكبر محرقة في تاريخ الحياة.‏» وعلماء البيئة حول العالم ثائرون.‏ وهم يسلِّطون الاضواء العامة على ورطة الغابات المَطِيرة.‏ وحتى القمصان وحفلات الروك الموسيقية اعلنت «أنقذوا الغابة المَطِيرة.‏» ثم جاء الضغط المالي.‏

      ان البرازيل مديونة بأكثر من مئة ألف مليون دولار دينا خارجيا ويجب ان تنفق حوالي ٤٠ في المئة من ايرادات صادراتها لدفع الفائدة فقط.‏ وهي تعتمد كثيرا على المساعدة والقروض الخارجية.‏ لذلك بدأت المصارف الدولية تمنع القروض التي يمكن ان تُستعمل لإتلاف الغابات.‏ وعرضت الدول المتطورة مقايضة بعض دين البرازيل بوقاية محسَّنة لبيئتها.‏ حتى ان رئيس الولايات المتحدة بوش طلب من اليابان ان لا تُقرِض البرازيل اموالا لبناء طريق رئيسي عبر الغابات المَطِيرة العذراء.‏

      مأزق عالمي

      بالنسبة الى برازيليين كثيرين يفوح الرياء من كل هذا الضغط.‏ فالبلدان المتطورة افنت منذ زمن طويل القسم الاعظم من غاباتها وما كانت لتسمح لأية قوة اجنبية بمنعها من ذلك.‏ والولايات المتحدة تستأصل حاليا آخر غاباتها المَطِيرة.‏ وهي بالتأكيد ليست مدارية؛‏ انها الغابات المَطِيرة المعتدلة للپاسيفيكي في الشمال الغربي.‏ فالانواع ستتلاشى هناك ايضا.‏

      وهكذا فإن ازالة الأحراج مشكلة عالمية لا مجرد برازيلية.‏ وخسائر الغابات المَطِيرة المدارية هي الاكثر خطورة الآن.‏ أكثر من نصف هذه الخسائر يحدث خارج البرازيل.‏ وافريقيا الوسطى وجنوب شرق آسيا هما المنطقتان الاخريان من مناطق غابات العالم المَطِيرة الكبيرة،‏ وهناك ايضا تتلاشى الغابات بسرعة.‏

      ولإزالة الأحراج تأثيرات عالمية على نحو مساوٍ.‏ فهي تعني الجوع،‏ العطش،‏ والموت بين الملايين.‏ انها مشكلة تؤثِّر مباشرة في حياتكم.‏ فهي تمسّ الطعام الذي تأكلونه،‏ الادوية التي تستعملونها،‏ الطقس حيث تعيشون —‏ وربَّما ايضا مستقبل الجنس البشري.‏

      ولكنكم قد تتساءلون بحق:‏ ‹كيف يمكن ان تكون لهذه الغابات المَطِيرة مثل هذه التأثيرات البعيدة المدى؟‏ ماذا اذا تلاشت فعلا في عقود قليلة،‏ كما يقول بعض الخبراء؟‏ هل يكون ذلك حقا مأساة كبيرة الى هذا الحدّ؟‏›‏

      قبل ان نتمكَّن من الاجابة عن هذه الاسئلة لا بدّ ان يأتي سؤال آخر اولا:‏ ماذا يسبِّب ابادة الغابات المَطِيرة في المقام الاول؟‏

      ‏[الرسم/‏الخريطة في الصفحة ٥]‏

      الغابات المَطِيرة المتلاشية (‏اطلب النص في شكله المنسَّق في المطبوعة)‏

      قبل ازالة الأحراج

      المدى الحالي

      السنة ٢٠٠٠ وفق سرعة ازالة الأحراج الحاضرة

  • مَن يقضي على الغابات المَطِيرة؟‏
    استيقظ!‏ ١٩٩٠ | آذار (‏مارس)‏ ٢٢
    • مَن يقضي على الغابات المَطِيرة؟‏

      غالبا ما تجري الاجابة عن هذا السؤال بلوم فقراء العالم.‏ فطوال قرون يزرع الفلاحون الارض في البلدان المدارية وفقا لزراعة هشِّمْ وأحرِقْ.‏ فهم يقطعون بُقعة من الغابة ويحرقونها،‏ وإمّا قبل الحرق او بعده مباشرة يزرعون الغلال.‏ ورماد الغابة يزوِّد المواد المغذِّية للغلال.‏

      هذا النوع من الزراعة منذ زمن طويل كشف حقيقة مدهشة عن الغابات المَطِيرة المدارية.‏ فحوالي ٩٥ في المئة منها ينمو في تربة فقيرة جدا.‏ والغابة تُعيد دوران المواد المغذِّية بسرعة كبيرة بحيث يجري ابقاؤها في معظمها في الشجر والنبات فوق الارض بكثير،‏ في مأمن من الامطار التي تغسلها عن التربة.‏ لذلك تكون الغابة المَطِيرة ملائمة تماما لبيئتها.‏ والخبر ليس جيدا بالمقدار نفسه للمزارع.‏

      ورطة الفقراء

      بأسرع من المتوقَّع تجرف الامطار المواد المغذِّية التي يتركها الرماد من الغابة المحترقة.‏ وببطء تصير الزراعة كابوسا.‏ وقد عبَّر مزارع بوليڤي فقير عن ذلك بهذه الطريقة:‏ «في السنة الاولى قطعت الاشجار وأحرقتها.‏ ونمت الذرة طويلة وحلوة في الرماد،‏ وظننّا جميعا اننا نجحنا اخيرا.‏ .‏ .‏ .‏ ولكن منذ ذلك الحين تسوء الامور.‏ فالتربة تصير جافة اكثر فأكثر،‏ ولم تعد تُنمي شيئا سوى الاعشاب الضارة.‏ .‏ .‏ .‏ والحشرات المؤذية؟‏ لم أرَ قط اجناسا بمثل هذه الكثرة.‏ .‏ .‏ .‏ يكاد يقضى علينا.‏»‏

      في الماضي كان المزارِع ببساطة يقطع بُقعا جديدة من الغابة ويترك قطعة الارض القديمة بورا.‏ وحالما تعود الغابة الى ما كانت عليه من قِطَع ارض يكون بالإمكان قطعها ثانية.‏ ولكن لكي تنجح هذه العملية لا بدّ ان تحيط الغابة الاصلية بالبُقع المزالة لكي تتمكَّن الحشرات والطيور والحيوانات من نثر البزور وتلقيح الشجيرات الجديدة.‏ وذلك يستغرق وقتا.‏

      والانفجار السكاني غيَّر الامور ايضا.‏ فبازدحام المزارعين معا تقصر فترات البوار اكثر فأكثر.‏ وفي اغلب الاحيان يستنفد المزارعون المهاجرون ببساطة ارضهم في سنوات قليلة وينتقلون الى داخل الغابة،‏ محرقينها على طول جبهة عريضة.‏

      وثمة عامل آخر يزيد الطين بِلّة.‏ فحوالي ثلثي الناس في البلدان الاقل تطورا يعتمدون على الحطب كوقود للطبخ والتدفئة.‏ وأكثر من ألف مليون نسمة لا يمكنهم سدّ حاجاتهم من الوقود إلاّ بالاحتطاب بأسرع ممّا يجري التعويض عنه حاليا.‏

      مسبِّبات اعمق

      من السهل لوم الفقراء.‏ ولكنّ ذلك،‏ كما يعبِّر عنه عالِما البيئة جيمس د.‏ نيشنز ودانيال ا.‏ كومر،‏ هو مثل «لوم الجنود على تسبيب الحروب.‏» وأضافا:‏ «انهم مجرد بيادق شطرنج في لعبة الجنرال.‏ ولفهم دور المستعمرين في ازالة الأحراج لا بدّ ان يسأل المرء عن سبب دخول هذه العائلات الغابة المَطِيرة في المقام الاول.‏ والجواب بسيط:‏ لأن لا ارض لهم في ايّ مكان آخر.‏»‏

      وفي احد البلدان المدارية،‏ ان حوالي ٧٢ في المئة من الارض يملكه مجرد ٢ في المئة من مالكي الاراضي.‏ وفي الوقت نفسه،‏ ان حوالي ٨٣ في المئة من عائلات المزارعين إمّا انهم يملكون ارضا غير كافية للبقاء احياء عليها او انهم لا يملكون شيئا على الاطلاق.‏ ويتكرَّر هذا النموذج بدرجات متفاوتة حول الكرة الارضية.‏ وتُستعمل مساحات واسعة من الارض ذات الملكية الخاصة،‏ ليس لإنتاج الطعام للشعب المحلي،‏ بل لتنمية غلال تصديرية لبيعها للدول الغنية في المناطق المعتدلة.‏

      وصناعة الاستثمار الحراجي هي متَّهم شهير آخر.‏ فبالاضافة الى الضرر المباشر الذي يُلحِقه بالغابة فإن الاستثمار الحراجي ايضا يجعل الغابة المَطِيرة اكثر تعرُّضا للحرائق —‏ وللبشر.‏ وطُرق الاستثمار الحراجي التي تشقُّها الجرَّافة في الغابة العذراء تمهِّد الطريق للجموع المتقدِّمة من المزارعين المهاجرين.‏

      وعندما تفشل المزارع،‏ وما اكثر فشلها،‏ يشتري اصحاب مزارع تربية الماشية ما يمكنهم من الارض ويحوِّلونها الى مراعٍ لرعي الماشية.‏ والامر هو خصوصا كذلك في اميركا الجنوبية والوسطى.‏ ومعظم البقر التي يربّونها يُصدَّر الى الدول الاغنى.‏ والقط المنزلي العادي في الولايات المتحدة يأكل من لحم البقر في السنة اكثر ممّا يأكل مواطن اميركا الوسطى العادي.‏

      وفي آخر الامر،‏ ان الدول المتطورة هي من يموِّل زوال الغابات المَطِيرة المدارية —‏ لإشباع قابليتهم الشرهة.‏ فالاخشاب المدارية المستوردة،‏ المحاصيل،‏ لحم البقر،‏ التي يشترونها بشوق من الدول المدارية تتطلَّب كلها استبدال الغابة او تجريدها.‏ وشهوة الاميركيين والاوروپيين الشديدة للكوكائين عنت ازالة مئات آلاف الأكرات من الغابة المَطِيرة في الپيرو لإخلاء السبيل لغلال الكوكا المربحة.‏

      الارباح التي تَفسُد

      تروِّج حكومات كثيرة عمليا ازالة الأحراج.‏ فهي تزوِّد تخفيضات في الضرائب لأصحاب مزارع تربية المواشي،‏ شركات الخشب،‏ والزراعة التصديرية.‏ وبعض الدول تعطي قطعة من الارض للمُزارع اذا «حسَّنها» بإزالة الغابة منها.‏ وأحد بلدان جنوب شرق آسيا نقل المزارعين المهاجرين بالملايين الى غاباته المَطِيرة النائية.‏

      ويجري الدفاع عن سياسات كهذه بأنها تستغل الغابات لفائدة الفقراء او لرفع الاقتصاديات الهابطة.‏ ولكن،‏ كما يرى النقّاد ذلك،‏ حتى هذه الارباح القصيرة الاجل وهميّة.‏ مثلا،‏ ان الارض التي لم تكن ملائمة لغلال المزارع ربَّما لا تكون اكثر ملاءمة لماشية اصحاب المزارع.‏ ومزارع تربية الماشية تُهجر عموما بعد عشر سنوات.‏

      وفي اكثر الاحيان لا تكون الحال افضل مع صناعة الخشب.‏ فعندما يُستخرج الخشب الصلب المداري من الغابة دون التفكير في المستقبل تتضاءل الغابات بسرعة.‏ ويقدِّر البنك العالمي ان ما يزيد على الـ‍ ٢٠ من البلدان الـ‍ ٣٣ المصدِّرة حاليا للخشب المداري ستستنفده خلال عشر سنوات.‏ وقد أُزيلت أحراج تايلند على نحو متطرِّف بحيث اضطرت الى حظر كل استثمار حراجي.‏ ويقدَّر ان الفيليپين ستكون قد استُثمرت حراجيا كليا بحلول اواسط تسعينات الـ‍ ١٩٠٠.‏

      ولكنّ السخرية الأمَرّ هي هذه:‏ لقد اظهرت الدراسات انه بإمكان قطعة من الغابة المَطِيرة ان تنتج دخلا اكثر عندما تترك بكْرًا وتُحصد منتوجاتها —‏ الثمر والمطّاط مثلا.‏ نعم،‏ مالٌ اكثر من زرع الارض عينها،‏ تربية الماشية فيها،‏ او استثمارها حراجيا.‏ ومع ذلك يستمر التدمير.‏

      لا تستطيع الكرة الارضية ان تحتمل هذه المعاملة الى الابد.‏ وكما يعبِّر عن ذلك كتاب انقاذ الغابات المدارية:‏ «اذا واصلنا التدمير الحاضر فالسؤال هو ليس ما اذا كانت الغابة المَطِيرة ستختفي بل متى.‏» ولكن هل يتأذّى العالم حقا اذا دُمِّرت كل الغابات المَطِيرة؟‏

      ‏[الصورة في الصفحة ٧]‏

      عوامل ازالة الأحراج

      فيضان تسبِّبه السدود

      زراعة هَشِّمْ وأحرِقْ

      عمليات الاستثمار الحراجي

      تربية الماشية

  • لماذا انقاذ الغابات المَطِيرة؟‏
    استيقظ!‏ ١٩٩٠ | آذار (‏مارس)‏ ٢٢
    • لماذا انقاذ الغابات المَطِيرة؟‏

      الجمع يشاهد مباراة في كرة القدم ويهتف متحمِّسا.‏ وهم يتمنَّون ان تدوم اللعبة الى الابد.‏ ولكنهم يستمرون في اطلاق النار على اللاعبين.‏ ويُحمل الموتى واحدا واحدا من الملعب.‏ فيستشيط الجمع غضبا عندما تبطُؤ اللعبة.‏

      ان ازالة الأحراج هي تقريبا الامر نفسه.‏ فالبشر يتمتَّعون بالغابات ويعتمدون عليها في الواقع.‏ ولكنهم يستمرون في القضاء على ما يقابل اللاعبين:‏ الانواع الفردية من النباتات والحيوانات،‏ التي يكون تفاعلها المعقَّد ما يبقي الغابةَ حية.‏ ولكنّ ذلك اكثر من لعبة.‏ فإزالة الأحراج تؤثِّر فيكم.‏ وهي تمسّ نوعية حياتكم حتى لو كنتم لم تروا قط غابة مَطِيرة.‏

      ان التنوُّع الهائل للاشياء الحية،‏ ما يدعوه العلماء التنوُّع الحيوي،‏ هو ما يحاجّ البعض انه المقتنى الاعظم للغابات المَطِيرة.‏ ان خُمس الميل المربَّع من الغابة المَطِيرة الماليزية يمكن ان يُنبت نحو ٨٥٣ نوعا من الاشجار،‏ اكثر ممّا في الولايات المتحدة وكندا مجتمعتين.‏

      ولكنّ هذا التعقيد الوافر من الحياة إنَّما هو هشّ.‏ وأحد العلماء قارن الانواع الفردية بالبراشم rivets التي على الطائرة.‏ فكلما انحلّ نافرا الى الخارج عددٌ اكبر من البراشم بدأ عدد اكبر آخر بالانهيار تحت وطأة الاجهاد المتزايد.‏ وإذا كانت هذه المقارنة صحيحة يكون كوكبنا «طائرة» تواجه المتاعب.‏ وإذ تتقلَّص الغابات المَطِيرة يقدِّر البعض ان عشرة آلاف نوع من النباتات والحيوانات يُفقد كل سنة،‏ وأن سرعة الانقراض هي الآن نحو ٤٠٠ مرة اسرع منه في ايّ وقت في تاريخ الكوكب.‏

      وينوح العلماء على الخسارة الصِّرف للمعرفة،‏ التي تأتي من هذا الانخفاض في التنوُّع الحيوي.‏ وهم يقولون انه كإحراق مكتبة قبل قراءة كتبها.‏ ولكنْ هنالك خسائر ملموسة اكثر ايضا.‏ مثلا،‏ ان نحو ٢٥ في المئة من الادوية الموصوفة في الولايات المتحدة يرتكز على نباتات الغابات المدارية.‏ وأحد هذه الادوية زاد معدَّل هَدْأة remission ابيضاض دم (‏لوكيميا)‏ الاطفال من ٢٠ في المئة في ستينات الـ‍ ١٩٠٠ الى ٨٠ في المئة في سنة ١٩٨٥.‏ ولذلك،‏ استنادا الى ‏«صندوق الحياة البرية العالمي،‏» فإن الغابات المَطِيرة «تمثِّل صيدلية واسعة.‏» وثمة عدد لا يُحصى من النباتات لم يجرِ اكتشافه بعد،‏ فضلا عن فحصه من اجل استعمالات طبية ممكنة.‏

      وإضافة الى ذلك،‏ قليلون منا يدركون كم من محاصيلنا الغذائية مأخوذ من نباتات وُجدت اصلا في الغابات المَطِيرة.‏ (‏انظروا الاطار في الصفحة ١١.‏)‏ وإلى هذا اليوم يجمع العلماء المورِّثات من اصناف هذه النباتات الشديدة التحمُّل التي تعيش في الغابات ويستعملونها لدعم مقاومة المرض في ذريتها الاكثر هشاشة،‏ المحاصيل البستانية.‏ ويوفِّر العلماء مئات الملايين من الدولارات في خسائر المحاصيل بهذه الطريقة.‏

      وإضافة الى ذلك،‏ فإننا لا نعرف ما يمكن ان يبرز بعدُ من اطعمة الغابات المَطِيرة كأطعمة مفضَّلة عالميا.‏ ومعظم الاميركيين الشماليين لا يعرفون ان اسلافهم،‏ قبل مئة سنة فقط،‏ نظروا الى الموز كثمرة غريبة دخيلة ودفعوا دولارين لقاء موزة واحدة مغلَّفة على انفراد.‏

      الصورة العالمية

      ان الانسان نفسه هو الضحية النهائية لإزالة الأحراج.‏ فالتأثيرات في البيئة العالمية تتَّسع الى الخارج حتى انها تطوِّق العالم.‏ كيف؟‏ لنلقِ نظرة اخرى على الغابة المَطِيرة المدارية.‏ وكما يدلّ الاسم،‏ المطر هو وجهها البارز.‏ فيمكن ان يهطل اكثر من ٨ إنشات في اليوم،‏ اكثر من ٣٠ قدما في السنة!‏ والغابة المَطِيرة مصمَّمة على نحو كامل لمواجهة هذا الانهمار الغزير.‏

      ان الظُلّة تُضعف قوة القطرات بحيث لا تتمكَّن من جرف التربة بعيدا.‏ فالكثير من الاوراق مجهَّز بأطراف طويلة،‏ او نهايات مُستدقّة مقطِّرة،‏ تحطِّم القطرات الضخمة.‏ وهكذا يتحوَّل المطر الوابل الى وَكْف ثابت يسقط الى الارض في الاسفل بوقع انعم.‏ والنهايات المُستدقّة ايضا تتيح للاوراق إراقة الماء بسرعة بحيث تتمكَّن من العودة الى العَرَق transpiration،‏ معيدة الرطوبة الى الجو.‏ وتتشرَّب اجهزة الجذور ٩٥ في المئة من الماء الذي يصل الى ارض الغابة.‏ وككل تمتصّ الغابة المطرَ الهاطل كإسفنجة ضخمة وبعدئذ تطلقه ببطء.‏

      ولكن باختفاء الغابة يهطل المطر مباشرة وبقسوة على التربة المكشوفة ويجرفها بالاطنان.‏ مثلا،‏ في ساحل العاج،‏ افريقيا الغربية،‏ ان اكرين ونصف الاكر من الغابة المَطِيرة المدارية القليلة الانحدار تخسر فقط نحو ثلاثة اجزاء من مئة من الطن من التربة سنويا.‏ والاكران ونصف الاكر عينهما،‏ كقطعة ارض أُزيلت أحراجها وزُرعت،‏ تخسر ٩٠ طنا من التربة سنويا؛‏ وكأرض جرداء ١٣٨ طنا.‏

      ان هذا النوع من خسارة التربة يفعل اكثر من تخريب الارض للزرع او الرعي.‏ وما يبعث على السخرية هو ان السدود،‏ التي تسبِّب مقادير ضخمة من ازالة الأحراج،‏ هي نفسها تخرب من جرّائها.‏ فإذ يغمرها الطمي الذي تحمله الانهار من المناطق التي أُزيلت أحراجها تنسدّ بسرعة وتصير غير نافعة.‏ والاقاليم الساحلية وأماكن التسرئة (‏وضع البيوض للحيوانات المائية)‏ يوسِّخها ايضا الطمي المفرط.‏

      والتأثيرات في انماط المطر والطقس وخيمة اكثر ايضا.‏ فالانهار الخارجة من الغابات المَطِيرة المدارية هي عموما ملآنة على مدار السنة.‏ أمّا بدون الغابة لتنظِّم تدفُّق الماء الى الانهار فإنها تفيض مع الامطار الفجائية ثم تجفّ.‏ فتنشأ دورة من الفيضانات والجفاف.‏ وأنماط المطر يمكن ان تتأثَّر في محيط آلاف الاميال لأن الغابة المَطِيرة تساهم بواسطة العَرَق في ما يعادل نصف الرطوبة في الجو المحلي.‏ وهكذا فإن ازالة الأحراج ربما ساهمت في فيضانات بنڠلادِش وجفاف اثيوپيا على السواء التي قتلت كثيرين جدا في هذا العقد الماضي.‏

      ولكنّ ازالة الأحراج يمكن ان تؤثِّر ايضا في طقس الكوكب كله.‏ لقد دُعيت الغابات المَطِيرة رئةَ الارضِ الخضراءَ لأنها تسحب ثاني اكسيد الكربون من الهواء وتستعمل الكربون لبناء الجذوع والأفنان والقِلْف.‏ وعندما تُحرَق الغابة يجري تفريغ كل هذا الكربون في الجو.‏ والمشكلة هي ان الانسان يفرِّغ الكثير جدا من ثاني اكسيد الكربون في الجو (‏بحرق الوقود الأُحفوري وبإزالة الأحراج على السواء)‏ بحيث يمكن ان يكون قد احدث اتجاه دفء عالمي يُدعى مفعول الجُنَّة greenhouse effect،‏ الذي يهدِّد بإذابة قلانس الكوكب الجليدية القطبية ورفع مستويات البحار،‏ فتنغمر الاقاليم الساحلية.‏a

      فلا عجب،‏ اذًا،‏ ان يصير الناس في كل انحاء العالم مهتمين بالازمة.‏ فهل يساعدون؟‏ هل يجري تقديم ايّ حل؟‏ وأي رجاء هنالك في هذا الوضع الكئيب؟‏

      ‏[الحاشية]‏

      a انظروا استيقظ!‏ ٨ ايلول ١٩٨٩ بالانكليزية.‏

      ‏[الاطار في الصفحة ١١]‏

      غلال من الغابات المَطِيرة

      هل هنالك رقعة من الغابة المَطِيرة المدارية قربكم الآن؟‏ تأملوا في بعض الاطعمة التي وُجدت اصلا في الغابات المَطِيرة حول العالم:‏ الرز،‏ الذرة،‏ البطاطا الحلوة،‏ المنيهوت (‏الكسَّافة،‏ او التبيوكا)‏،‏ قصب السكر،‏ الموز،‏ البرتقال،‏ البن،‏ البندورة،‏ الشوكولاته،‏ الاناناس،‏ الاڤوكادو،‏ الڤانيليا،‏ الكريب فروت،‏ تنوُّع من البندق،‏ التوابل،‏ والشاي.‏ ونصف محاصيل العالم الغذائية على الاقل يرتكز على نباتات اتت من الغابات المَطِيرة!‏ وما هذه إلاّ بعض الاطعمة.‏

      وتأملوا في الادوية:‏ فالقلوانيات alkaloids من النباتات المعْتَرِشة تُستعمل كمُرْخيات عضلية قبل الجراحة؛‏ ومكوِّنات الهيدروكورتيزون الفعّالة لمحاربة الالتهاب،‏ الكينين لمحاربة الملاريا،‏ الديجيتاليس لمعالجة قصور القلب،‏ الدَيوسْجِنِن diosgenin في حبوب تحديد النسل،‏ وعِرق الذهب ipecac لتسبيب التقيُّؤ كلها تأتي من نباتات الغابة المَطِيرة.‏ وتَعِدُ نباتات اخرى بالنجاح في محاربة الأيدز والسرطان،‏ اضافة الى الاسهال،‏ الحمَّى،‏ لدغ الحيات،‏ والتهاب المُلتحِمة واضطرابات العين الاخرى.‏ أمّا اية علاجات اخرى قد تكون مخفية بعدُ فغير معروف.‏ فأقل من ١ في المئة من انواع نباتات الغابة المَطِيرة قد فحصه العلماء.‏ وأحد علماء النبات ناح:‏ «نحن ندمِّر اشياء لا نعرف حتى بوجودها.‏»‏

      ولكنّ المزيد من المنتوجات يأتي من الغابات المتلاشية:‏ اللثى latex،‏ الراتنجات،‏ الشموع،‏ الحموض،‏ الكحولات،‏ الأفاوِيه،‏ المُحلِّيات،‏ الاصبغة،‏ الالياف كتلك المستعملة في صُدَر النجاة،‏ الصمغ المستعمل لصنع العِلك،‏ الخيزران،‏ وأسل الهند rattan —‏ وهي بحدّ ذاتها الاساس لصناعة عالمية واسعة.‏

      ‏[الرسم/‏الصورة في الصفحة ٩]‏

      ‏(‏اطلب النص في شكله المنسَّق في المطبوعة)‏

      دور الغابة

      الظُلَّة تحمي التربة من الامطار الوابلة

      الغابات تضيف الرطوبة والاكسجين الى الجو

      النبات يمتصّ الكربون ويخزنه

      اجهزة الجذور تساعد على تنظيم تدفُّق الرطوبة الى الانهار

      ‏[الصورة في الصفحة ١٠]‏

      تأثيرات ازالة الأحراج

      الانخفاض في الرطوبة المضافة الى الجو يعني المزيد من الجفاف

      المطر يحتّ التربة غير المحميّة.‏ الفيضانات تزداد

      إحراق الشجر يُطلق الكربون ويزيد في مفعول الجُنَّة

  • هل للغابات مستقبل؟‏
    استيقظ!‏ ١٩٩٠ | آذار (‏مارس)‏ ٢٢
    • هل للغابات مستقبل؟‏

      في جزيرة الفصح في جنوب المحيط الپاسيفيكي تلوح رؤوس حجرية ضخمة فوق منحدرات التلال المعشِبة،‏ تحملق شاخصة الى البحر.‏ والشعب الذي اقامها تضاءل كثيرا لقرون خَلَتْ.‏ وخرائب المباني القديمة في القفار الموحِشة في غربي الولايات المتحدة إنَّما هي بقايا لشعب اختفى قبل وقت طويل من مغامرة البِيض بالدخول الى هناك.‏ وبعض اراضي الكتاب المقدس حيث ازدهرت الحضارة والتجارة ذات مرة هي الآن صحارٍ تذرّيها الريح.‏ ولماذا؟‏

      في الحالات الثلاث جميعها قد تكون ازالة الأحراج جزءا من الجواب.‏ ويشعر بعض الخبراء ان الناس اضطروا الى هجر تلك المناطق لأنهم استأصلوا الغابات هناك.‏ وبدون الاشجار صارت الارض ماحلا،‏ فانتقل الانسان الى مكان آخر.‏ أمّا اليوم فيهدِّد الانسانُ بفعل الامر عينه كامل الكوكب.‏ فهل يفعل ذلك؟‏ ألا يستطيع شيء ايقاف العملية؟‏

      كثيرون يحاولون.‏ ففي جبال الهملايا يُقال ان النساء عانقن الاشجار في محاولات يائسة لمنع مستثمري الأحراج من قطعها.‏ وفي ماليزيا شكَّل سكان الغابة القبليّون سلاسل بشرية لاعتراض سبيل مستثمري الأحراج القادمين وآلاتهم الثقيلة.‏

      والمئتا مليون نسمة الذين يحصِّلون معيشتهم من الغابات المَطِيرة لديهم اهتمام شخصي جدا بالازمة.‏ فإذ تتقدَّم الحضارة تتراجع قبائل السكان الوطنيين متوغِّلة اكثر في الغابات،‏ الى ان تلتقي احيانا المستعمرين المتقدِّمين من الجانب الآخر.‏ وثمة قبائل كثيرة تمحوها امراض الدخلاء.‏ وأخرى،‏ اذ تضطر الى التكيُّف مع العالم الخارجي،‏ ينتهي بها الامر بين الفقراء الحضَر —‏ منبوذة وفاسقة.‏ ولكنّ العالم يتنبَّه لورطتهم.‏ وقد بدأ شعور بالاهتمام بالمحافظة على البيئة يكتسح الكرة الارضية.‏

      هل يمكن لدعاة المحافظة على البيئة ان يصنعوا الفرق؟‏

      ‏«ان المعرفة والتقنية كلتيهما موجودتان لإنقاذ غابات العالم المدارية،‏» يبدأ كتاب انقاذ الغابات المدارية.‏ وقد جرى البرهان على هذه النقطة في المتنزَّهات حول العالم.‏ ومتنزَّه ڠواناكاستا القومي في كوستا ريكا مخصَّص لإعادة غرس مساحات واسعة من الغابة.‏ وقد غُرست الاشجار بالملايين في بلدان مثل كينيا،‏ الهند،‏ هايتي،‏ والصين.‏ ولكنّ غرس الاشجار ليس الشيء عينه تماما كردّ الغابات.‏

      وأحيانا تكون «اعادة التحريج» في الواقع غرسا تجاريا لنوع واحد من الشجر،‏ لكي يُحصد لاحقا.‏ وليس هذا بالشيء عينه كالنظام البيئي المعقَّد للغابة المَطِيرة.‏ وإضافة الى ذلك،‏ يقول البعض انه لا يمكن ابدا ردّ الغابة المَطِيرة المدارية الرطبة بتعقيدها الاصلي.‏ فلا عجب ان كثيرين من دعاة المحافظة على البيئة يصرّون على ان الوقاية هي افضل من الردّ.‏

      ولكنّ الوقاية ليست بالسهولة التي تبدو بها.‏ وإذا كانت المساحة من الغابة صغيرة جدا فلن تنجو.‏ ويقترح بعض دعاة المحافظة على البيئة انه يجب فرز من ١٠ الى ٢٠ في المئة على الاقل من غابات العالم المَطِيرة في مَحْمِيَّات اذا كانت ستحتفظ بغنى تنوُّعها.‏ ولكن في الوقت الحاضر ٣ في المئة فقط من غابات افريقيا المَطِيرة مَحْمِيَّة.‏ وفي جنوب شرق آسيا الرقم هو ٢ في المئة؛‏ وفي اميركا الجنوبية ١ في المئة.‏

      وبعض هذه المناطق مَحْمِيَّة على الورق فقط.‏ فالمتنزَّهات والمَحْمِيَّات تفشل عندما يجري التخطيط لها او ادارتها على نحو رديء او عندما يفرِّغ الرسميون الفاسدون الاموال المخصَّصة للمتنزَّهات في جيوبهم الخاصة.‏ حتى ان البعض يجنون المال بمنح امتيازات الاستثمار الحراجي بالسر.‏ والقوة البشرية نادرة ايضا.‏ ففي الامازون جرى تعيين حارس واحد لحماية مساحة من الغابة المَطِيرة بكبر فرنسا.‏

      ان دعاة المحافظة على البيئة يحثون ايضا على تعليم المزارعين كيفية الزرع دون استنزاف التربة لكي لا يضطروا الى الانتقال وقطع المزيد من الغابة.‏ ويحاول البعض زرع تنوُّع واسع من المنتوجات مختلطة في حقل واحد،‏ مما يثبِّط الحشرات التي تتغذّى بنوع واحد.‏ والاشجار المثمرة تستطيع ان تقي التربة من الامطار المدارية.‏ وأحيا آخرون تقنية قديمة.‏ فهم يحفرون قنوات حول البقاع الجنائنية الصغيرة ويجرفون الوحل والطحالب من القنوات الى البقاع كمواد مغذِّية للمحاصيل.‏ ويمكن تربية السمك في القنوات كمصدر غذاء اضافي.‏ وقد لاقت اساليب كهذه نجاحا عظيما في الاختبارات.‏

      ولكنّ تعليم الناس «كيف» انما يكلِّف الوقت والمال ويتطلَّب المهارة.‏ وغالبا ما تكون للدول المدارية مشاكل اقتصادية ملحّة اكثر من ان تقوم بهذا النوع من الاستثمار الطويل الامد.‏ ولكن حتى لو كانت معرفة الكيف التقنية واسعة الانتشار فلن تحلّ المشكلة.‏ وكما يكتب مايكل ه‍.‏ روبنسون في انقاذ الغابات المدارية:‏ «ان الغابات المَطِيرة تُدمَّر ليس بسبب الجهل او الغباء بل الى حدّ كبير بسبب الفقر والجشع.‏»‏

      اصل المشكلة

      الفقر والجشع.‏ يبدو ان ازمة ازالة الأحراج تمدّ جذورها عميقا في بنية المجتمع البشري،‏ الى اعمق بكثير ممّا تمدّ اشجار الغابة المَطِيرة جذورها في التربة المدارية الضعيفة.‏ فهل الجنس البشري قادر على استئصال المشكلة؟‏

      ان اجتماع قمة لـ‍ ٢٤ دولة في لاهاي،‏ النَّذَرلند،‏ في السنة الماضية اقترح انشاء سلطة جديدة داخل الامم المتحدة،‏ تدعى ڠلوب Globe.‏ وبحسب فايننشل تايمز اللندنية سيكون لڠلوب «مدى صلاحيات لم يسبق له مثيل لتثبيت وتنفيذ المقاييس البيئية.‏» ومع ان الامم سيكون عليها ان تتخلّى عن بعض سيادتها القومية العزيزة لكي يكون لڠلوب شيء من القوة الحقيقية،‏ يقول البعض انه لا بدّ ان تبرز منظَّمة كهذه يوما ما.‏ فالوكالة الموحَّدة العالمية وحدها يمكنها ان تنكبّ على المشاكل العالمية.‏

      ان ذلك بديهيّ.‏ ولكن اية حكومة او وكالة بشرية يمكنها اقتلاع الجشع والفقر؟‏ وأية حكومة سبقت وفعلت ذلك؟‏ ففي الاغلب تكون مؤسَّسة على الجشع،‏ لذلك فهي تديم الفقر.‏ لا،‏ فإذا كنا سننتظر وكالة بشرية ما لحلّ ازمة ازالة الأحراج فعندئذ لا يكون للغابات مستقبل؛‏ ولا للبشر في الواقع.‏

      ولكن تأملوا في هذا.‏ ألا تعطي الغابات دليلا على ان مصمِّمها كائن ذكي الى ابعد الحدود؟‏ بلى،‏ انها تفعل ذلك!‏ فمن جذورها الى اوراقها تعلن الغابات المَطِيرة انها عمل يدي مهندس بارع.‏

      فهل سيسمح هذا المهندس العظيم للانسان بأن يمحو كل الغابات المَطِيرة ويهلك ارضنا؟‏ تجيب نبوة بارزة في الكتاب المقدس عن هذا السؤال مباشرة.‏ انها تقول:‏ «وغضبت الامم فأتى غضبك [اللّٰه] و (‏الزمان المعيَّن)‏ .‏ .‏ .‏ ليُهلَك الذين كانوا يهلكون الارض.‏» —‏ رؤيا ١١:‏١٨‏.‏

      هنالك شيئان لافتان للنظر بشأن هذه النبوة.‏ اولا،‏ انها تشير الى الزمان الذي فيه يكون الانسان قادرا فعلا على اهلاك كامل الارض.‏ فعندما كُتبت هذه الكلمات قبل حوالي ألفي سنة لم يكن الانسان بأكثر قدرة على اهلاك الارض ممّا على الطيران الى القمر.‏ ولكنه الآن يفعلهما كليهما.‏ ثانيا،‏ تجيب النبوة عن السؤال عمّا اذا كان الانسان سيهلك الارض كليا —‏ بـ‍ لا مدوِّية!‏

      لقد صنع اللّٰه الانسان ليعتني بالارض ويزرعها،‏ لا ليجرِّدها ويعرِّيها.‏ وفي اسرائيل القديمة وضع حدودا لإزالة الأحراج التي قام بها شعبه عندما فتحوا ارض الموعد.‏ (‏تثنية ٢٠:‏١٩،‏ ٢٠‏)‏ وهو يعد بأن يعيش كل الجنس البشري في انسجام مع البيئة في المستقبل القريب.‏ —‏ ١ يوحنا ٢:‏١٧؛‏ ارميا ١٠:‏١٠-‏١٢‏.‏

      ان الكتاب المقدس يقدِّم الرجاء،‏ الرجاء بوقت فيه سيزرع الانسان الارض فردوسا عوضا عن جرفها محوِّلا اياها الى صحراء،‏ يستصلحها عوضا عن معاملتها بخشونة،‏ يعتني بها ببعد نظر عوضا عن حلبها بجشع حتى النضوب من اجل كسب وقتي.‏ ان للغابات مستقبلا.‏ أمّا نظام الاشياء الفاسد الذي يهلكها هي وكل الارض فلا شيء له.‏

      ‏[الصورة في الصفحة ١٣]‏

      ازالة الأحراج هنا في جزيرة الفصح ربَّما تسبَّبت بأن تتلاشى حضارة

      ‏[مصدر الصورة]‏

      H.‎ Armstrong Roberts

المطبوعات باللغة العربية (‏١٩٧٩-‏٢٠٢٥)‏
الخروج
الدخول
  • العربية
  • مشاركة
  • التفضيلات
  • Copyright © 2025 Watch Tower Bible and Tract Society of Pennsylvania
  • شروط الاستخدام
  • سياسة الخصوصية
  • إعدادات الخصوصية
  • JW.ORG
  • الدخول
مشاركة