-
الصفحة ٢استيقظ! ١٩٩٠ | آذار (مارس) ٢٢
-
-
الانسان يتلف غابات الارض المَطِيرة.
ولكنّ هذه الغابات مهمة جدا للحياة على هذا الكوكب. انها مصانع صامتة جميلة — منتجة الاكسجين، الطعام، وكائنات حية لا تُحصى. وإذا دُمِّرت كل الغابات تتضرَّر الحياة على الارض ضررا لا حدّ له. وهي تتلاشى بسرعة! «اللّٰه وحده يستطيع ان يصنع شجرة،» كتب شاعر. صحيح. ولكنْ لا احد يدمِّرها كالانسان.
-
-
اختفت في ثانية واحدة!استيقظ! ١٩٩٠ | آذار (مارس) ٢٢
-
-
اختفت في ثانية واحدة!
انتم تجولون في حيِّز من الغَبَش الاخضر بين الاعمدة المتكاتفة لأشجار تشمخ الى ارتفاع ١٥ طبقة فوق رؤوسكم. وفوقكم تشابُك حياة هائل، أكثف وأغنى غلاف بيئي على الارض. الاشجار تتدلّى بينها على شكل حبالِ الزينةِ نباتاتٌ معترشة يبلغ طولها مئات او حتى ألوف الاقدام وتلتف حولها نباتات تثبِّت نفسها في كل جوانب الجذوع والاغصان. والازهار المدارية الوافرة تعطِّر هواء الدفيئة الساكن.
هذه هي الغابة المَطِيرة المدارية. ولكنها اكثر من بقعة جمال، اكثر من دهاليز مقنطرة لغابة غبشاء تخترقها اشعة النور. انها آلية ذات تعقيد لا يُصدَّق تعمل اجزاؤها معا بدقة تعجّ بالنشاط.
الحياة غزيرة هنا، تنوُّع لا نظير له في ايّ مكان آخر على سطح يابسة كوكبنا. فالغابات المَطِيرة تحتلّ ٦ في المئة فقط من مساحة الارض اليابسة ولكنها تملك ما يعادل نصف جميع انواع النباتات والحيوانات. وهي تنتج حوالي ثلث كل المواد الحية على اليابسة. وعاليا فوقكم تكون ظُلَّة الغابة موطنا لغريب الحشرات والطيور، للقرود والثدييّات الاخرى. ومعظمها لا ينزل الى الارض ابدا. فالاشجار تغذِّيها وتأويها، وهي بدورها تلقِّح الاشجار او تأكل ثمرها، ناثرة البزور بزِبْلها.
تهطل الامطار بغزارة يوميا، جاعلة الغابات تنتقع وداعمة دورتها المتقنة للحياة. والمطر يغسل عن الجذوع الورق والفضلات وبحساء غني بالمواد المغذِّية يغذِّي النباتات المدعوة النباتات التسلُّقية التي تنمو على الاشجار. والنباتات التسلُّقية بدورها تساعد الشجرة على سحب غذائها الرئيسي، النتروجين، من الهواء. وللكثير من النباتات التسلُّقية «خزَّانات» ورقية تحتجز ڠالونات من الماء، مشكِّلة بركا صغيرة عاليا في الهواء هي مساكِن للضفادع الشجرية، السمادل، والطيور.
وأيًّا كان الغذاء الذي يصل الى ارض الغابة فإنه يُلتهم بسرعة. فالثدييّات، جحافل الحشرات، والبكتيريا تعمل معا جميعا لتحوِّل البندق، جثث الحيوانات، والاوراق الى مستوى مواد الفضلات. وحينئذ تتلقَّفها الارض نفسها بشوق. وإذا ازحتم الانقاض عند اقدامكم تجدون حصيرا سميكا اسفنجيا من أليافٍ بِيض، شبكة من الجذور والفطريات. هذه الفطريات تساعد الجذور على امتصاص المواد المغذِّية بسرعة قبل ان تجرفها الامطار.
ولكن لنفترض الآن ان جولانكم في الغابة المَطِيرة اقتصر على قسم صغير، مساحة بكبر ملعب كرة القدم الاميركية تقريبا. وفجأة يتلاشى ذلك القسم كله من الغابة. ويُدمَّر كليا — في ثانية واحدة! وفيما تراقبون مرتعبين، فإن القسم المجاور لقسمكم، بالكبر نفسه، يُمحى في الثانية التالية، وآخر في التالية، وهكذا دواليك. وأخيرا تقفون وحدكم في سهل خالٍ، على ارض ملفوحة بشدة تحت الشمس المدارية المتوهِّجة.
واستنادا الى بعض التقديرات، تلك هي السرعة التي تُدمَّر بها الغابات المَطِيرة المدارية للعالم. ويقدِّر البعض ان السرعة اعلى ايضا. واستنادا الى مجلة نيوزويك تُمحى كليا مساحة بنصف كبر كاليفورنيا كل سنة. والمجلة الاميركية العلمية لأيلول ١٩٨٩ تقول عنها انها مساحة بكبر سويسرا والنَّذَرلند (هولندا) مجتمعتين.
ولكن مهما كان المدى، فإن الضرر مروِّع. وقد اثارت ازالة الأحراج ضجَّة عالمية، وهي مركَّزة الى حدّ كبير على بلد واحد.
حالة في صدد الموضوع: البرازيل
في سنة ١٩٨٧ اظهرت صور الاقمار الاصطناعية الفوتوغرافيةُ لحوض الامازون ان سرعة ازالة الأحراج في هذه المنطقة الواحدة هي اعلى ممّا كانت عليه بعض التقديرات لإزالة أحراج الكوكب كله! وإذ احرق الناس الغابة لإزالتها انارت اللياليَ حرائقُ بأعداد كبيرة. وكانت سحابة الدخان بكبر الهند ومن الكثافة بمكان بحيث اضطرت بعض المطارات ان تغلق ابوابها. وبحسب احد التقديرات، يخسر حوض الامازون كل سنة مساحة من الغابة المَطِيرة بكبر بلجيكا.
وعالِم البيئة البرازيلي خوسيه لوتزنبرڠر دعا ذلك «اكبر محرقة في تاريخ الحياة.» وعلماء البيئة حول العالم ثائرون. وهم يسلِّطون الاضواء العامة على ورطة الغابات المَطِيرة. وحتى القمصان وحفلات الروك الموسيقية اعلنت «أنقذوا الغابة المَطِيرة.» ثم جاء الضغط المالي.
ان البرازيل مديونة بأكثر من مئة ألف مليون دولار دينا خارجيا ويجب ان تنفق حوالي ٤٠ في المئة من ايرادات صادراتها لدفع الفائدة فقط. وهي تعتمد كثيرا على المساعدة والقروض الخارجية. لذلك بدأت المصارف الدولية تمنع القروض التي يمكن ان تُستعمل لإتلاف الغابات. وعرضت الدول المتطورة مقايضة بعض دين البرازيل بوقاية محسَّنة لبيئتها. حتى ان رئيس الولايات المتحدة بوش طلب من اليابان ان لا تُقرِض البرازيل اموالا لبناء طريق رئيسي عبر الغابات المَطِيرة العذراء.
مأزق عالمي
بالنسبة الى برازيليين كثيرين يفوح الرياء من كل هذا الضغط. فالبلدان المتطورة افنت منذ زمن طويل القسم الاعظم من غاباتها وما كانت لتسمح لأية قوة اجنبية بمنعها من ذلك. والولايات المتحدة تستأصل حاليا آخر غاباتها المَطِيرة. وهي بالتأكيد ليست مدارية؛ انها الغابات المَطِيرة المعتدلة للپاسيفيكي في الشمال الغربي. فالانواع ستتلاشى هناك ايضا.
وهكذا فإن ازالة الأحراج مشكلة عالمية لا مجرد برازيلية. وخسائر الغابات المَطِيرة المدارية هي الاكثر خطورة الآن. أكثر من نصف هذه الخسائر يحدث خارج البرازيل. وافريقيا الوسطى وجنوب شرق آسيا هما المنطقتان الاخريان من مناطق غابات العالم المَطِيرة الكبيرة، وهناك ايضا تتلاشى الغابات بسرعة.
ولإزالة الأحراج تأثيرات عالمية على نحو مساوٍ. فهي تعني الجوع، العطش، والموت بين الملايين. انها مشكلة تؤثِّر مباشرة في حياتكم. فهي تمسّ الطعام الذي تأكلونه، الادوية التي تستعملونها، الطقس حيث تعيشون — وربَّما ايضا مستقبل الجنس البشري.
ولكنكم قد تتساءلون بحق: ‹كيف يمكن ان تكون لهذه الغابات المَطِيرة مثل هذه التأثيرات البعيدة المدى؟ ماذا اذا تلاشت فعلا في عقود قليلة، كما يقول بعض الخبراء؟ هل يكون ذلك حقا مأساة كبيرة الى هذا الحدّ؟›
قبل ان نتمكَّن من الاجابة عن هذه الاسئلة لا بدّ ان يأتي سؤال آخر اولا: ماذا يسبِّب ابادة الغابات المَطِيرة في المقام الاول؟
[الرسم/الخريطة في الصفحة ٥]
الغابات المَطِيرة المتلاشية (اطلب النص في شكله المنسَّق في المطبوعة)
قبل ازالة الأحراج
المدى الحالي
السنة ٢٠٠٠ وفق سرعة ازالة الأحراج الحاضرة
-
-
مَن يقضي على الغابات المَطِيرة؟استيقظ! ١٩٩٠ | آذار (مارس) ٢٢
-
-
مَن يقضي على الغابات المَطِيرة؟
غالبا ما تجري الاجابة عن هذا السؤال بلوم فقراء العالم. فطوال قرون يزرع الفلاحون الارض في البلدان المدارية وفقا لزراعة هشِّمْ وأحرِقْ. فهم يقطعون بُقعة من الغابة ويحرقونها، وإمّا قبل الحرق او بعده مباشرة يزرعون الغلال. ورماد الغابة يزوِّد المواد المغذِّية للغلال.
هذا النوع من الزراعة منذ زمن طويل كشف حقيقة مدهشة عن الغابات المَطِيرة المدارية. فحوالي ٩٥ في المئة منها ينمو في تربة فقيرة جدا. والغابة تُعيد دوران المواد المغذِّية بسرعة كبيرة بحيث يجري ابقاؤها في معظمها في الشجر والنبات فوق الارض بكثير، في مأمن من الامطار التي تغسلها عن التربة. لذلك تكون الغابة المَطِيرة ملائمة تماما لبيئتها. والخبر ليس جيدا بالمقدار نفسه للمزارع.
ورطة الفقراء
بأسرع من المتوقَّع تجرف الامطار المواد المغذِّية التي يتركها الرماد من الغابة المحترقة. وببطء تصير الزراعة كابوسا. وقد عبَّر مزارع بوليڤي فقير عن ذلك بهذه الطريقة: «في السنة الاولى قطعت الاشجار وأحرقتها. ونمت الذرة طويلة وحلوة في الرماد، وظننّا جميعا اننا نجحنا اخيرا. . . . ولكن منذ ذلك الحين تسوء الامور. فالتربة تصير جافة اكثر فأكثر، ولم تعد تُنمي شيئا سوى الاعشاب الضارة. . . . والحشرات المؤذية؟ لم أرَ قط اجناسا بمثل هذه الكثرة. . . . يكاد يقضى علينا.»
في الماضي كان المزارِع ببساطة يقطع بُقعا جديدة من الغابة ويترك قطعة الارض القديمة بورا. وحالما تعود الغابة الى ما كانت عليه من قِطَع ارض يكون بالإمكان قطعها ثانية. ولكن لكي تنجح هذه العملية لا بدّ ان تحيط الغابة الاصلية بالبُقع المزالة لكي تتمكَّن الحشرات والطيور والحيوانات من نثر البزور وتلقيح الشجيرات الجديدة. وذلك يستغرق وقتا.
والانفجار السكاني غيَّر الامور ايضا. فبازدحام المزارعين معا تقصر فترات البوار اكثر فأكثر. وفي اغلب الاحيان يستنفد المزارعون المهاجرون ببساطة ارضهم في سنوات قليلة وينتقلون الى داخل الغابة، محرقينها على طول جبهة عريضة.
وثمة عامل آخر يزيد الطين بِلّة. فحوالي ثلثي الناس في البلدان الاقل تطورا يعتمدون على الحطب كوقود للطبخ والتدفئة. وأكثر من ألف مليون نسمة لا يمكنهم سدّ حاجاتهم من الوقود إلاّ بالاحتطاب بأسرع ممّا يجري التعويض عنه حاليا.
مسبِّبات اعمق
من السهل لوم الفقراء. ولكنّ ذلك، كما يعبِّر عنه عالِما البيئة جيمس د. نيشنز ودانيال ا. كومر، هو مثل «لوم الجنود على تسبيب الحروب.» وأضافا: «انهم مجرد بيادق شطرنج في لعبة الجنرال. ولفهم دور المستعمرين في ازالة الأحراج لا بدّ ان يسأل المرء عن سبب دخول هذه العائلات الغابة المَطِيرة في المقام الاول. والجواب بسيط: لأن لا ارض لهم في ايّ مكان آخر.»
وفي احد البلدان المدارية، ان حوالي ٧٢ في المئة من الارض يملكه مجرد ٢ في المئة من مالكي الاراضي. وفي الوقت نفسه، ان حوالي ٨٣ في المئة من عائلات المزارعين إمّا انهم يملكون ارضا غير كافية للبقاء احياء عليها او انهم لا يملكون شيئا على الاطلاق. ويتكرَّر هذا النموذج بدرجات متفاوتة حول الكرة الارضية. وتُستعمل مساحات واسعة من الارض ذات الملكية الخاصة، ليس لإنتاج الطعام للشعب المحلي، بل لتنمية غلال تصديرية لبيعها للدول الغنية في المناطق المعتدلة.
وصناعة الاستثمار الحراجي هي متَّهم شهير آخر. فبالاضافة الى الضرر المباشر الذي يُلحِقه بالغابة فإن الاستثمار الحراجي ايضا يجعل الغابة المَطِيرة اكثر تعرُّضا للحرائق — وللبشر. وطُرق الاستثمار الحراجي التي تشقُّها الجرَّافة في الغابة العذراء تمهِّد الطريق للجموع المتقدِّمة من المزارعين المهاجرين.
وعندما تفشل المزارع، وما اكثر فشلها، يشتري اصحاب مزارع تربية الماشية ما يمكنهم من الارض ويحوِّلونها الى مراعٍ لرعي الماشية. والامر هو خصوصا كذلك في اميركا الجنوبية والوسطى. ومعظم البقر التي يربّونها يُصدَّر الى الدول الاغنى. والقط المنزلي العادي في الولايات المتحدة يأكل من لحم البقر في السنة اكثر ممّا يأكل مواطن اميركا الوسطى العادي.
وفي آخر الامر، ان الدول المتطورة هي من يموِّل زوال الغابات المَطِيرة المدارية — لإشباع قابليتهم الشرهة. فالاخشاب المدارية المستوردة، المحاصيل، لحم البقر، التي يشترونها بشوق من الدول المدارية تتطلَّب كلها استبدال الغابة او تجريدها. وشهوة الاميركيين والاوروپيين الشديدة للكوكائين عنت ازالة مئات آلاف الأكرات من الغابة المَطِيرة في الپيرو لإخلاء السبيل لغلال الكوكا المربحة.
الارباح التي تَفسُد
تروِّج حكومات كثيرة عمليا ازالة الأحراج. فهي تزوِّد تخفيضات في الضرائب لأصحاب مزارع تربية المواشي، شركات الخشب، والزراعة التصديرية. وبعض الدول تعطي قطعة من الارض للمُزارع اذا «حسَّنها» بإزالة الغابة منها. وأحد بلدان جنوب شرق آسيا نقل المزارعين المهاجرين بالملايين الى غاباته المَطِيرة النائية.
ويجري الدفاع عن سياسات كهذه بأنها تستغل الغابات لفائدة الفقراء او لرفع الاقتصاديات الهابطة. ولكن، كما يرى النقّاد ذلك، حتى هذه الارباح القصيرة الاجل وهميّة. مثلا، ان الارض التي لم تكن ملائمة لغلال المزارع ربَّما لا تكون اكثر ملاءمة لماشية اصحاب المزارع. ومزارع تربية الماشية تُهجر عموما بعد عشر سنوات.
وفي اكثر الاحيان لا تكون الحال افضل مع صناعة الخشب. فعندما يُستخرج الخشب الصلب المداري من الغابة دون التفكير في المستقبل تتضاءل الغابات بسرعة. ويقدِّر البنك العالمي ان ما يزيد على الـ ٢٠ من البلدان الـ ٣٣ المصدِّرة حاليا للخشب المداري ستستنفده خلال عشر سنوات. وقد أُزيلت أحراج تايلند على نحو متطرِّف بحيث اضطرت الى حظر كل استثمار حراجي. ويقدَّر ان الفيليپين ستكون قد استُثمرت حراجيا كليا بحلول اواسط تسعينات الـ ١٩٠٠.
ولكنّ السخرية الأمَرّ هي هذه: لقد اظهرت الدراسات انه بإمكان قطعة من الغابة المَطِيرة ان تنتج دخلا اكثر عندما تترك بكْرًا وتُحصد منتوجاتها — الثمر والمطّاط مثلا. نعم، مالٌ اكثر من زرع الارض عينها، تربية الماشية فيها، او استثمارها حراجيا. ومع ذلك يستمر التدمير.
لا تستطيع الكرة الارضية ان تحتمل هذه المعاملة الى الابد. وكما يعبِّر عن ذلك كتاب انقاذ الغابات المدارية: «اذا واصلنا التدمير الحاضر فالسؤال هو ليس ما اذا كانت الغابة المَطِيرة ستختفي بل متى.» ولكن هل يتأذّى العالم حقا اذا دُمِّرت كل الغابات المَطِيرة؟
[الصورة في الصفحة ٧]
عوامل ازالة الأحراج
فيضان تسبِّبه السدود
زراعة هَشِّمْ وأحرِقْ
عمليات الاستثمار الحراجي
تربية الماشية
-
-
لماذا انقاذ الغابات المَطِيرة؟استيقظ! ١٩٩٠ | آذار (مارس) ٢٢
-
-
لماذا انقاذ الغابات المَطِيرة؟
الجمع يشاهد مباراة في كرة القدم ويهتف متحمِّسا. وهم يتمنَّون ان تدوم اللعبة الى الابد. ولكنهم يستمرون في اطلاق النار على اللاعبين. ويُحمل الموتى واحدا واحدا من الملعب. فيستشيط الجمع غضبا عندما تبطُؤ اللعبة.
ان ازالة الأحراج هي تقريبا الامر نفسه. فالبشر يتمتَّعون بالغابات ويعتمدون عليها في الواقع. ولكنهم يستمرون في القضاء على ما يقابل اللاعبين: الانواع الفردية من النباتات والحيوانات، التي يكون تفاعلها المعقَّد ما يبقي الغابةَ حية. ولكنّ ذلك اكثر من لعبة. فإزالة الأحراج تؤثِّر فيكم. وهي تمسّ نوعية حياتكم حتى لو كنتم لم تروا قط غابة مَطِيرة.
ان التنوُّع الهائل للاشياء الحية، ما يدعوه العلماء التنوُّع الحيوي، هو ما يحاجّ البعض انه المقتنى الاعظم للغابات المَطِيرة. ان خُمس الميل المربَّع من الغابة المَطِيرة الماليزية يمكن ان يُنبت نحو ٨٥٣ نوعا من الاشجار، اكثر ممّا في الولايات المتحدة وكندا مجتمعتين.
ولكنّ هذا التعقيد الوافر من الحياة إنَّما هو هشّ. وأحد العلماء قارن الانواع الفردية بالبراشم rivets التي على الطائرة. فكلما انحلّ نافرا الى الخارج عددٌ اكبر من البراشم بدأ عدد اكبر آخر بالانهيار تحت وطأة الاجهاد المتزايد. وإذا كانت هذه المقارنة صحيحة يكون كوكبنا «طائرة» تواجه المتاعب. وإذ تتقلَّص الغابات المَطِيرة يقدِّر البعض ان عشرة آلاف نوع من النباتات والحيوانات يُفقد كل سنة، وأن سرعة الانقراض هي الآن نحو ٤٠٠ مرة اسرع منه في ايّ وقت في تاريخ الكوكب.
وينوح العلماء على الخسارة الصِّرف للمعرفة، التي تأتي من هذا الانخفاض في التنوُّع الحيوي. وهم يقولون انه كإحراق مكتبة قبل قراءة كتبها. ولكنْ هنالك خسائر ملموسة اكثر ايضا. مثلا، ان نحو ٢٥ في المئة من الادوية الموصوفة في الولايات المتحدة يرتكز على نباتات الغابات المدارية. وأحد هذه الادوية زاد معدَّل هَدْأة remission ابيضاض دم (لوكيميا) الاطفال من ٢٠ في المئة في ستينات الـ ١٩٠٠ الى ٨٠ في المئة في سنة ١٩٨٥. ولذلك، استنادا الى «صندوق الحياة البرية العالمي،» فإن الغابات المَطِيرة «تمثِّل صيدلية واسعة.» وثمة عدد لا يُحصى من النباتات لم يجرِ اكتشافه بعد، فضلا عن فحصه من اجل استعمالات طبية ممكنة.
وإضافة الى ذلك، قليلون منا يدركون كم من محاصيلنا الغذائية مأخوذ من نباتات وُجدت اصلا في الغابات المَطِيرة. (انظروا الاطار في الصفحة ١١.) وإلى هذا اليوم يجمع العلماء المورِّثات من اصناف هذه النباتات الشديدة التحمُّل التي تعيش في الغابات ويستعملونها لدعم مقاومة المرض في ذريتها الاكثر هشاشة، المحاصيل البستانية. ويوفِّر العلماء مئات الملايين من الدولارات في خسائر المحاصيل بهذه الطريقة.
وإضافة الى ذلك، فإننا لا نعرف ما يمكن ان يبرز بعدُ من اطعمة الغابات المَطِيرة كأطعمة مفضَّلة عالميا. ومعظم الاميركيين الشماليين لا يعرفون ان اسلافهم، قبل مئة سنة فقط، نظروا الى الموز كثمرة غريبة دخيلة ودفعوا دولارين لقاء موزة واحدة مغلَّفة على انفراد.
الصورة العالمية
ان الانسان نفسه هو الضحية النهائية لإزالة الأحراج. فالتأثيرات في البيئة العالمية تتَّسع الى الخارج حتى انها تطوِّق العالم. كيف؟ لنلقِ نظرة اخرى على الغابة المَطِيرة المدارية. وكما يدلّ الاسم، المطر هو وجهها البارز. فيمكن ان يهطل اكثر من ٨ إنشات في اليوم، اكثر من ٣٠ قدما في السنة! والغابة المَطِيرة مصمَّمة على نحو كامل لمواجهة هذا الانهمار الغزير.
ان الظُلّة تُضعف قوة القطرات بحيث لا تتمكَّن من جرف التربة بعيدا. فالكثير من الاوراق مجهَّز بأطراف طويلة، او نهايات مُستدقّة مقطِّرة، تحطِّم القطرات الضخمة. وهكذا يتحوَّل المطر الوابل الى وَكْف ثابت يسقط الى الارض في الاسفل بوقع انعم. والنهايات المُستدقّة ايضا تتيح للاوراق إراقة الماء بسرعة بحيث تتمكَّن من العودة الى العَرَق transpiration، معيدة الرطوبة الى الجو. وتتشرَّب اجهزة الجذور ٩٥ في المئة من الماء الذي يصل الى ارض الغابة. وككل تمتصّ الغابة المطرَ الهاطل كإسفنجة ضخمة وبعدئذ تطلقه ببطء.
ولكن باختفاء الغابة يهطل المطر مباشرة وبقسوة على التربة المكشوفة ويجرفها بالاطنان. مثلا، في ساحل العاج، افريقيا الغربية، ان اكرين ونصف الاكر من الغابة المَطِيرة المدارية القليلة الانحدار تخسر فقط نحو ثلاثة اجزاء من مئة من الطن من التربة سنويا. والاكران ونصف الاكر عينهما، كقطعة ارض أُزيلت أحراجها وزُرعت، تخسر ٩٠ طنا من التربة سنويا؛ وكأرض جرداء ١٣٨ طنا.
ان هذا النوع من خسارة التربة يفعل اكثر من تخريب الارض للزرع او الرعي. وما يبعث على السخرية هو ان السدود، التي تسبِّب مقادير ضخمة من ازالة الأحراج، هي نفسها تخرب من جرّائها. فإذ يغمرها الطمي الذي تحمله الانهار من المناطق التي أُزيلت أحراجها تنسدّ بسرعة وتصير غير نافعة. والاقاليم الساحلية وأماكن التسرئة (وضع البيوض للحيوانات المائية) يوسِّخها ايضا الطمي المفرط.
والتأثيرات في انماط المطر والطقس وخيمة اكثر ايضا. فالانهار الخارجة من الغابات المَطِيرة المدارية هي عموما ملآنة على مدار السنة. أمّا بدون الغابة لتنظِّم تدفُّق الماء الى الانهار فإنها تفيض مع الامطار الفجائية ثم تجفّ. فتنشأ دورة من الفيضانات والجفاف. وأنماط المطر يمكن ان تتأثَّر في محيط آلاف الاميال لأن الغابة المَطِيرة تساهم بواسطة العَرَق في ما يعادل نصف الرطوبة في الجو المحلي. وهكذا فإن ازالة الأحراج ربما ساهمت في فيضانات بنڠلادِش وجفاف اثيوپيا على السواء التي قتلت كثيرين جدا في هذا العقد الماضي.
ولكنّ ازالة الأحراج يمكن ان تؤثِّر ايضا في طقس الكوكب كله. لقد دُعيت الغابات المَطِيرة رئةَ الارضِ الخضراءَ لأنها تسحب ثاني اكسيد الكربون من الهواء وتستعمل الكربون لبناء الجذوع والأفنان والقِلْف. وعندما تُحرَق الغابة يجري تفريغ كل هذا الكربون في الجو. والمشكلة هي ان الانسان يفرِّغ الكثير جدا من ثاني اكسيد الكربون في الجو (بحرق الوقود الأُحفوري وبإزالة الأحراج على السواء) بحيث يمكن ان يكون قد احدث اتجاه دفء عالمي يُدعى مفعول الجُنَّة greenhouse effect، الذي يهدِّد بإذابة قلانس الكوكب الجليدية القطبية ورفع مستويات البحار، فتنغمر الاقاليم الساحلية.a
فلا عجب، اذًا، ان يصير الناس في كل انحاء العالم مهتمين بالازمة. فهل يساعدون؟ هل يجري تقديم ايّ حل؟ وأي رجاء هنالك في هذا الوضع الكئيب؟
[الحاشية]
a انظروا استيقظ! ٨ ايلول ١٩٨٩ بالانكليزية.
[الاطار في الصفحة ١١]
غلال من الغابات المَطِيرة
هل هنالك رقعة من الغابة المَطِيرة المدارية قربكم الآن؟ تأملوا في بعض الاطعمة التي وُجدت اصلا في الغابات المَطِيرة حول العالم: الرز، الذرة، البطاطا الحلوة، المنيهوت (الكسَّافة، او التبيوكا)، قصب السكر، الموز، البرتقال، البن، البندورة، الشوكولاته، الاناناس، الاڤوكادو، الڤانيليا، الكريب فروت، تنوُّع من البندق، التوابل، والشاي. ونصف محاصيل العالم الغذائية على الاقل يرتكز على نباتات اتت من الغابات المَطِيرة! وما هذه إلاّ بعض الاطعمة.
وتأملوا في الادوية: فالقلوانيات alkaloids من النباتات المعْتَرِشة تُستعمل كمُرْخيات عضلية قبل الجراحة؛ ومكوِّنات الهيدروكورتيزون الفعّالة لمحاربة الالتهاب، الكينين لمحاربة الملاريا، الديجيتاليس لمعالجة قصور القلب، الدَيوسْجِنِن diosgenin في حبوب تحديد النسل، وعِرق الذهب ipecac لتسبيب التقيُّؤ كلها تأتي من نباتات الغابة المَطِيرة. وتَعِدُ نباتات اخرى بالنجاح في محاربة الأيدز والسرطان، اضافة الى الاسهال، الحمَّى، لدغ الحيات، والتهاب المُلتحِمة واضطرابات العين الاخرى. أمّا اية علاجات اخرى قد تكون مخفية بعدُ فغير معروف. فأقل من ١ في المئة من انواع نباتات الغابة المَطِيرة قد فحصه العلماء. وأحد علماء النبات ناح: «نحن ندمِّر اشياء لا نعرف حتى بوجودها.»
ولكنّ المزيد من المنتوجات يأتي من الغابات المتلاشية: اللثى latex، الراتنجات، الشموع، الحموض، الكحولات، الأفاوِيه، المُحلِّيات، الاصبغة، الالياف كتلك المستعملة في صُدَر النجاة، الصمغ المستعمل لصنع العِلك، الخيزران، وأسل الهند rattan — وهي بحدّ ذاتها الاساس لصناعة عالمية واسعة.
[الرسم/الصورة في الصفحة ٩]
(اطلب النص في شكله المنسَّق في المطبوعة)
دور الغابة
الظُلَّة تحمي التربة من الامطار الوابلة
الغابات تضيف الرطوبة والاكسجين الى الجو
النبات يمتصّ الكربون ويخزنه
اجهزة الجذور تساعد على تنظيم تدفُّق الرطوبة الى الانهار
[الصورة في الصفحة ١٠]
تأثيرات ازالة الأحراج
الانخفاض في الرطوبة المضافة الى الجو يعني المزيد من الجفاف
المطر يحتّ التربة غير المحميّة. الفيضانات تزداد
إحراق الشجر يُطلق الكربون ويزيد في مفعول الجُنَّة
-
-
هل للغابات مستقبل؟استيقظ! ١٩٩٠ | آذار (مارس) ٢٢
-
-
هل للغابات مستقبل؟
في جزيرة الفصح في جنوب المحيط الپاسيفيكي تلوح رؤوس حجرية ضخمة فوق منحدرات التلال المعشِبة، تحملق شاخصة الى البحر. والشعب الذي اقامها تضاءل كثيرا لقرون خَلَتْ. وخرائب المباني القديمة في القفار الموحِشة في غربي الولايات المتحدة إنَّما هي بقايا لشعب اختفى قبل وقت طويل من مغامرة البِيض بالدخول الى هناك. وبعض اراضي الكتاب المقدس حيث ازدهرت الحضارة والتجارة ذات مرة هي الآن صحارٍ تذرّيها الريح. ولماذا؟
في الحالات الثلاث جميعها قد تكون ازالة الأحراج جزءا من الجواب. ويشعر بعض الخبراء ان الناس اضطروا الى هجر تلك المناطق لأنهم استأصلوا الغابات هناك. وبدون الاشجار صارت الارض ماحلا، فانتقل الانسان الى مكان آخر. أمّا اليوم فيهدِّد الانسانُ بفعل الامر عينه كامل الكوكب. فهل يفعل ذلك؟ ألا يستطيع شيء ايقاف العملية؟
كثيرون يحاولون. ففي جبال الهملايا يُقال ان النساء عانقن الاشجار في محاولات يائسة لمنع مستثمري الأحراج من قطعها. وفي ماليزيا شكَّل سكان الغابة القبليّون سلاسل بشرية لاعتراض سبيل مستثمري الأحراج القادمين وآلاتهم الثقيلة.
والمئتا مليون نسمة الذين يحصِّلون معيشتهم من الغابات المَطِيرة لديهم اهتمام شخصي جدا بالازمة. فإذ تتقدَّم الحضارة تتراجع قبائل السكان الوطنيين متوغِّلة اكثر في الغابات، الى ان تلتقي احيانا المستعمرين المتقدِّمين من الجانب الآخر. وثمة قبائل كثيرة تمحوها امراض الدخلاء. وأخرى، اذ تضطر الى التكيُّف مع العالم الخارجي، ينتهي بها الامر بين الفقراء الحضَر — منبوذة وفاسقة. ولكنّ العالم يتنبَّه لورطتهم. وقد بدأ شعور بالاهتمام بالمحافظة على البيئة يكتسح الكرة الارضية.
هل يمكن لدعاة المحافظة على البيئة ان يصنعوا الفرق؟
«ان المعرفة والتقنية كلتيهما موجودتان لإنقاذ غابات العالم المدارية،» يبدأ كتاب انقاذ الغابات المدارية. وقد جرى البرهان على هذه النقطة في المتنزَّهات حول العالم. ومتنزَّه ڠواناكاستا القومي في كوستا ريكا مخصَّص لإعادة غرس مساحات واسعة من الغابة. وقد غُرست الاشجار بالملايين في بلدان مثل كينيا، الهند، هايتي، والصين. ولكنّ غرس الاشجار ليس الشيء عينه تماما كردّ الغابات.
وأحيانا تكون «اعادة التحريج» في الواقع غرسا تجاريا لنوع واحد من الشجر، لكي يُحصد لاحقا. وليس هذا بالشيء عينه كالنظام البيئي المعقَّد للغابة المَطِيرة. وإضافة الى ذلك، يقول البعض انه لا يمكن ابدا ردّ الغابة المَطِيرة المدارية الرطبة بتعقيدها الاصلي. فلا عجب ان كثيرين من دعاة المحافظة على البيئة يصرّون على ان الوقاية هي افضل من الردّ.
ولكنّ الوقاية ليست بالسهولة التي تبدو بها. وإذا كانت المساحة من الغابة صغيرة جدا فلن تنجو. ويقترح بعض دعاة المحافظة على البيئة انه يجب فرز من ١٠ الى ٢٠ في المئة على الاقل من غابات العالم المَطِيرة في مَحْمِيَّات اذا كانت ستحتفظ بغنى تنوُّعها. ولكن في الوقت الحاضر ٣ في المئة فقط من غابات افريقيا المَطِيرة مَحْمِيَّة. وفي جنوب شرق آسيا الرقم هو ٢ في المئة؛ وفي اميركا الجنوبية ١ في المئة.
وبعض هذه المناطق مَحْمِيَّة على الورق فقط. فالمتنزَّهات والمَحْمِيَّات تفشل عندما يجري التخطيط لها او ادارتها على نحو رديء او عندما يفرِّغ الرسميون الفاسدون الاموال المخصَّصة للمتنزَّهات في جيوبهم الخاصة. حتى ان البعض يجنون المال بمنح امتيازات الاستثمار الحراجي بالسر. والقوة البشرية نادرة ايضا. ففي الامازون جرى تعيين حارس واحد لحماية مساحة من الغابة المَطِيرة بكبر فرنسا.
ان دعاة المحافظة على البيئة يحثون ايضا على تعليم المزارعين كيفية الزرع دون استنزاف التربة لكي لا يضطروا الى الانتقال وقطع المزيد من الغابة. ويحاول البعض زرع تنوُّع واسع من المنتوجات مختلطة في حقل واحد، مما يثبِّط الحشرات التي تتغذّى بنوع واحد. والاشجار المثمرة تستطيع ان تقي التربة من الامطار المدارية. وأحيا آخرون تقنية قديمة. فهم يحفرون قنوات حول البقاع الجنائنية الصغيرة ويجرفون الوحل والطحالب من القنوات الى البقاع كمواد مغذِّية للمحاصيل. ويمكن تربية السمك في القنوات كمصدر غذاء اضافي. وقد لاقت اساليب كهذه نجاحا عظيما في الاختبارات.
ولكنّ تعليم الناس «كيف» انما يكلِّف الوقت والمال ويتطلَّب المهارة. وغالبا ما تكون للدول المدارية مشاكل اقتصادية ملحّة اكثر من ان تقوم بهذا النوع من الاستثمار الطويل الامد. ولكن حتى لو كانت معرفة الكيف التقنية واسعة الانتشار فلن تحلّ المشكلة. وكما يكتب مايكل ه. روبنسون في انقاذ الغابات المدارية: «ان الغابات المَطِيرة تُدمَّر ليس بسبب الجهل او الغباء بل الى حدّ كبير بسبب الفقر والجشع.»
اصل المشكلة
الفقر والجشع. يبدو ان ازمة ازالة الأحراج تمدّ جذورها عميقا في بنية المجتمع البشري، الى اعمق بكثير ممّا تمدّ اشجار الغابة المَطِيرة جذورها في التربة المدارية الضعيفة. فهل الجنس البشري قادر على استئصال المشكلة؟
ان اجتماع قمة لـ ٢٤ دولة في لاهاي، النَّذَرلند، في السنة الماضية اقترح انشاء سلطة جديدة داخل الامم المتحدة، تدعى ڠلوب Globe. وبحسب فايننشل تايمز اللندنية سيكون لڠلوب «مدى صلاحيات لم يسبق له مثيل لتثبيت وتنفيذ المقاييس البيئية.» ومع ان الامم سيكون عليها ان تتخلّى عن بعض سيادتها القومية العزيزة لكي يكون لڠلوب شيء من القوة الحقيقية، يقول البعض انه لا بدّ ان تبرز منظَّمة كهذه يوما ما. فالوكالة الموحَّدة العالمية وحدها يمكنها ان تنكبّ على المشاكل العالمية.
ان ذلك بديهيّ. ولكن اية حكومة او وكالة بشرية يمكنها اقتلاع الجشع والفقر؟ وأية حكومة سبقت وفعلت ذلك؟ ففي الاغلب تكون مؤسَّسة على الجشع، لذلك فهي تديم الفقر. لا، فإذا كنا سننتظر وكالة بشرية ما لحلّ ازمة ازالة الأحراج فعندئذ لا يكون للغابات مستقبل؛ ولا للبشر في الواقع.
ولكن تأملوا في هذا. ألا تعطي الغابات دليلا على ان مصمِّمها كائن ذكي الى ابعد الحدود؟ بلى، انها تفعل ذلك! فمن جذورها الى اوراقها تعلن الغابات المَطِيرة انها عمل يدي مهندس بارع.
فهل سيسمح هذا المهندس العظيم للانسان بأن يمحو كل الغابات المَطِيرة ويهلك ارضنا؟ تجيب نبوة بارزة في الكتاب المقدس عن هذا السؤال مباشرة. انها تقول: «وغضبت الامم فأتى غضبك [اللّٰه] و (الزمان المعيَّن) . . . ليُهلَك الذين كانوا يهلكون الارض.» — رؤيا ١١:١٨.
هنالك شيئان لافتان للنظر بشأن هذه النبوة. اولا، انها تشير الى الزمان الذي فيه يكون الانسان قادرا فعلا على اهلاك كامل الارض. فعندما كُتبت هذه الكلمات قبل حوالي ألفي سنة لم يكن الانسان بأكثر قدرة على اهلاك الارض ممّا على الطيران الى القمر. ولكنه الآن يفعلهما كليهما. ثانيا، تجيب النبوة عن السؤال عمّا اذا كان الانسان سيهلك الارض كليا — بـ لا مدوِّية!
لقد صنع اللّٰه الانسان ليعتني بالارض ويزرعها، لا ليجرِّدها ويعرِّيها. وفي اسرائيل القديمة وضع حدودا لإزالة الأحراج التي قام بها شعبه عندما فتحوا ارض الموعد. (تثنية ٢٠:١٩، ٢٠) وهو يعد بأن يعيش كل الجنس البشري في انسجام مع البيئة في المستقبل القريب. — ١ يوحنا ٢:١٧؛ ارميا ١٠:١٠-١٢.
ان الكتاب المقدس يقدِّم الرجاء، الرجاء بوقت فيه سيزرع الانسان الارض فردوسا عوضا عن جرفها محوِّلا اياها الى صحراء، يستصلحها عوضا عن معاملتها بخشونة، يعتني بها ببعد نظر عوضا عن حلبها بجشع حتى النضوب من اجل كسب وقتي. ان للغابات مستقبلا. أمّا نظام الاشياء الفاسد الذي يهلكها هي وكل الارض فلا شيء له.
[الصورة في الصفحة ١٣]
ازالة الأحراج هنا في جزيرة الفصح ربَّما تسبَّبت بأن تتلاشى حضارة
[مصدر الصورة]
H. Armstrong Roberts
-