-
الصفحة ٢استيقظ! ١٩٨٩ | ايلول (سبتمبر) ٨
-
-
الصفحة ٢
«يحذِّر الآن رسميو اميركا اللاتينية من انه في بلد بعد بلد تسبِّب مستويات المعيشة المنخفضة يأسا يبتدئ بالتحوُّل الى انحطاط سياسي مشؤوم.»— النيويورك تايمز، ٢٩ تشرين الثاني ١٩٨٨.
خلال ثمانينات الـ ١٩٠٠ لاحظ ملايين الناس — الذين هم فقراء على نحو شديد — ان التضخم يقلِّل مكاسبهم الضئيلة اكثر ايضا. وبالنسبة اليهم ليس ذلك مسألة معالجة نفقة المعيشة فحسب بل، بالاحرى، قضية صراع لمواجهة نفقة البقاء. فهل لاحظتم ارتفاع اسعار مواد الغذاء الاساسية في بلدكم؟ وهل يبدو ذلك كما لو ان كيس حاجاتكم يصبح اصغر وأصغر بالنسبة الى كمية المال الذي تنفقونه؟ اذًا، ككثيرين من الناس الآخرين، تعرفون من الاختبار ان نفقة المعيشة تتزايد.
هل هنالك حل؟
-
-
الاسعار المرتفعة — النفقة البشريةاستيقظ! ١٩٨٩ | ايلول (سبتمبر) ٨
-
-
الاسعار المرتفعة — النفقة البشرية
بواسطة مراسل استيقظ! في اسبانيا
«لقد توقفنا تماما عن اكل البندورة لانها غالية الثمن جدا. وبالنسبة الى الفاكهة لا استطيع ان اتذكَّر آخر مرة اشتريت فيها بعضا منها،» تنهَّدت ربة منزل في الهند.
«لا يمكننا ان نشتري احذية او ثيابا،» يرثي عامل نسيج مكسيكي، محاولا اعالة عائلة من خمسة افراد. «منذ اربع سنوات كان لدينا مال اقل، ولكنّ كل شيء كان ارخص. فالمال الآن لا يصلح لأيّ شيء.» ففي بلده انخفضت القوة الشرائية للبيزو ما بين سنة ١٩٨٢، ١٩٨٦ الى ٤,٣٥ في المئة.
محمد الغاني حارس ليلي في القاهرة، مصر، حيث تضاعفت اسعار بعض الضروريات في فترة ١٢ شهرا فقط. «اننا نعيش كل يوم بيومه،» يوضِّح، «وهنالك ايام لا نستطيع فيها شراء شيء لنأكل.»
وفي البرازيل كان على ضحية مسكينة لحادث في سكة حديدية ان ينتظر ٢٠ سنة قبل ان تبتّ المحاكم مطالبته بالتعويض. فأُعطي اخيرا تعويضا شهريا يساوي نصف الحد الادنى القومي للأجور في وقت الحادث. إلا انه، بسبب التضخم، لم يغطِّ هذا المبلغ على الارجح اجرة الباص عندما ذهب لقبضه.
بالا من نيجيريا، اب لثلاثة اولاد، أُغمي عليه عندما سمع الاخبار بأن زوجته قد ولدت توائم ثلاثة. وبالرغم من انه كان يقوم بعملين، لم يكد دَخْل العائلة يكفي الحاجات الاساسية، وأسعار الطعام تستمر في الارتفاع. وهو يعرف انه سيكون من المستحيل ان يزوِّد اولاده حتى ولو بالضروريات الاساسية. وكان على استعداد ليُسلم اولاده للتبنِّي.
وقد تختلف التفاصيل، ولكنّ القصة هي نفسها في العالم بأسْره. فنفقة المعيشة ترتفع على نحو قاسٍ. وللعديد صار الخبز والحليب تَرَفا، ☜
ثلاث وجَبَات في اليوم صارت شيئا نادرا. يذكر تقرير من نيجيريا: «الخبز، الطعام الاساسي لمعظم النيجيريين حتى اليوم، يستهلكه الاغنياء فقط. والرز يؤكل في مناسبات الاعياد فقط.»
ويخفِّف البعض المشكلة بالعمل ساعات اطول، ولكن يجد الآخرون ان العمل من الصعب او حتى من المستحيل الحصول عليه. انهم مجبرون على تخصيص كل يوم للمهمة التي لا نهاية لها وغير المثمرة غالبا للبحث عن الطعام. وبالنسبة اليهم ليس ذلك مسألة معالجة نفقة المعيشة فحسب بل، بالاحرى، قضية صراع لمواجهة نفقة البقاء.
والشيء البغيض في معظم الحالات هو التضخم، او ارتفاع الاسعار. وقد ترتفع الاجور ايضا، ولكنها نادرا ما تُجاري الارتفاع في الاسعار. وبشكل خاص فإن مصيبة اصحاب الدخل الثابت شديدة، كالمتقاعدين او العاطلين عن العمل. وفي كثير من دول العالم الاقل تطورا كان هنالك هبوط بارز في مستوى المعيشة في السنوات الاخيرة. وعلى نطاق عالمي يمكن القول حقا انه بالرغم من ان الاغنياء قد يصيرون اغنى فان الفقراء بلا ريب يصيرون افقر. فهل هذه هي الحالة في بلدكم؟
الضيق الاقتصادي يسبِّب الاضطراب
ليس مدهشا ان يرفع كثيرون اصواتهم احتجاجا. مثلا، ان المعلِّمين المعدِمين من ولايتي تشيياپاس وأهاكا نصبوا خياما في الساحة الرئيسية لمدينة مكسيكو بأمل ان يجلب سهرهم العدالة الاقتصادية. «الناس يجري استغلالهم،» قال احدهم جازما. وفي بلدان اخرى نشبت المشاغبات عندما ارتفعت الاسعار بحدة.
والجريمة، التي وصفها البعض بأنها ثورة صامتة ولكن خطرة للفقراء ضد الاغنياء، تنمو ايضا بسرعة. وقد نسب مؤتمر للشرطة موجة الجُناح الدولية الى الورطة الاقتصادية الميؤوس منها لكثير من المواطنين. وأحيانا تأخذ الخيبات الاقتصادية اتجاها شنيعا. ففي سنة ١٩٨٧ في قريتين هنديتين قُتل اكثر من ٥٠ شخصا من الطبقة الاجتماعية الاعلى على يد مئات الفلاحين المتضوِّرين جوعا الذين شعروا بأنه يجري استغلالهم من قبل اصحاب الارض من الطبقة الاجتماعية الاقطاعية الاسمى.
مَن يجب ان يُلام؟
وُجد في القرن الـ ٢٠ غنى اكثر من ايّ وقت مضى. ولكن، على نحو يَظهر متناقضا، فيما يقترب هذا القرن من النهاية تقع ملايين متزايدة في فقر دائم. فالوعود بغدٍ افضل، تحسُّنٍ في الاقتصاد، وأجرٍ كافٍ للجميع، غالبا ما تكون كلها خططا سياسية وهمية.
فمَن او ماذا يجب ان يُلام؟ كثيرون يلومون حكوماتهم. والحكومات من جهتها قد تلوم السياسات الاقتصادية للبلدان الاخرى. ونظام العالم الاقتصادي جرى انتقاده ايضا بقوة. فبشكل واضح، ان المشاكل معقَّدة والحلول محيِّرة. وفي المقالة التالية سنبحث في بعض الاسباب الجوهرية لأزمة نفقة المعيشة ولماذا هي صعبة المعالجة.
-
-
لماذا ازمة — نفقة المعيشة؟استيقظ! ١٩٨٩ | ايلول (سبتمبر) ٨
-
-
لماذا ازمة — نفقة المعيشة؟
من بلغراد الى بونس إيريس، من لاغوس الى ليما، من مانيلا الى مدينة مكسيكو، ومن واشنطن دي. سي. الى ولينغتون، تكافح الحكومات التضخم.
والحكومات نفسها في بعض الاحيان هي في ضيقة مالية شديدة. ويذكر احد التقارير ان «الولايات المتحدة قد اوجدت دَيْنا في السنوات الخمس الاخيرة اكثر من التاريخ [الذي لها] السابق بكامله.» وكان على حكومة افريقية ان تسحب مؤخرا زيادة الاجور المنتظرة لزمن طويل. فقد اكتشفت، لارتباكها، ان الخزينة العامة ليس لديها مال كافٍ لدفع المجموع الكلي الجديد للأجور. وعلى نحو مماثل، في بلد كبير في اميركا اللاتينية، كان معدل التضخم كبيرا حتى ان الحكومة خشيت من ان تكون في نهاية سنة ١٩٨٨ عاجزة عن دفع الرواتب لاكثر من مليون موظف حكومي مدني.
وقد جرى الترحيب بخطط الخمس سنوات، تخفيض قيمة العملة، تجميد الاجور، مراقبة الاسعار، ومعالجات اقتصادية اخرى. ولكنّ المشاكل معقَّدة والحلول محيِّرة. ولتوضيح الصعوبات توجز استيقظ! هنا بعض الاسباب الاساسية فقط لأزمة نفقة المعيشة.
النظام الاقتصادي الدولي الهشّ
الارتباط الشامل. كما شرح احد الخبراء الماليين الدوليين: «العالم هو واحد. اقتصادنا هو شامل. . . . والفكرة ان الحل يمكن ان يكون من جانب واحد في الاقتصاد الشامل هي سخيفة.» مثلا، ينتقل سريعا هبوط النشاط الاقتصادي في البلدان الغربية الى البلدان الافقر، التي تجد انه لم يعد هنالك طلب لمنتجاتها. وكذلك فان الارتفاع في معدلات الفوائد في الولايات المتحدة يعني انه سيكون لدى الدول الاميركية اللاتينية والافريقية مشاكل اكثر لدفع اعباء فوائد ديونها. وعلى العموم، كلما كان البلد افقر كان له تأثير اقل في المناخ الاقتصادي ككل، ولكنه يكون عُرضة اكثر للرياح الاقتصادية غير المؤاتية.
والتقلُّبات في اسعار بورصة الاوراق المالية تلقي ضوءا قويا على طبيعة اقتصاد العالم المتزعزعة، بالاضافة الى ارتباطه. والمستثمرون كانوا قلقين جدا بشأن التقديرات الاقتصادية المحتملة، حتى ان الارقام التجارية المشؤومة للولايات المتحدة لآب ١٩٨٧، وربما التعليق غير المتحفظ لأحد رسميّي الخزينة العامة، قيل انها كانت كافية لاحداث انهيار عالمي النطاق في السوق في تشرين الاول ١٩٨٧.
ومشكلة الدَيْن الخطيرة للولايات المتحدة، مع عجز او احجام الدول الرئيسية ذات النفوذ الاقتصادي القوي عن تنسيق السياسة الاقتصادية، يجعلان استرداد الثقة بسرعة بعيد الاحتمال. واذ اشار الى هذه الحالة حذَّر العالم الاقتصادي ستيفن ماريس: «نحن في ورطة. وليست هنالك طريقة سهلة للخروج.»
تقلبات الاسعار. في السنوات الاخيرة كانت هنالك تقلُّبات مثيرة في اسعار النفط، المعادن، وسِلع اساسية اخرى. وسبَّب ارتفاع اسعار النفط المفاجئ في سبعينات الـ ١٩٠٠ تضخما واسع الانتشار وأحدث هبوطا للنشاط الاقتصادي العالمي. وقد تضرَّرت على نحو خصوصي دول العالم الثالث غير المنتجة للنفط.
وفي ثمانينات الـ ١٩٠٠ كان هنالك سقوط في سعر معظم السلع. وهذا اعاق بشكل خطير اقتصاديات البلدان الافقر التي تتألف صادراتها في الدرجة الاولى من منتجات كهذه. والبلدان كالمكسيك ونيجيريا، التي تعتمد بشدة على صادرات النفط، قد اختبرت ايضا هبوطا شديدا في مستويات المعيشة نتيجة انخفاض اسعار النفط. ويمكن لتقلبات الاسعار هذه ان تُضعف امتن تخطيط اقتصادي.
انفاق الحكومة القصير النظر
الانفاق العسكري. يقدَّر مجموع الانفاق العسكري العالمي لسنة ١٩٨٧ بحوالي تريليون دولار. وهذا يساوي حوالي ٨,١ مليون دولار في الدقيقة! والبلدان الغنية ليست وحدها التي تسرف في انفاق المال على الاسلحة الحربية؛ فقد خطَّطت بعض بلدان العالم الافقر لزيادة ١٠ في المئة سنويا في الانفاق على الدفاع.
والعالِم الاقتصادي جون ك. غالبريث، اذ اوضح الأثر الاجتماعي والاقتصادي للانفاق العسكري للعالم الثالث، قال: «اولئك الذين يدفعون من اجل تلك الاسلحة الحربية هم افقر الفقراء. ويجري شراؤها على حساب الاستثمار غير العسكري المقرَّر لتحسين نفقة المعيشة، وعلى حساب الخبز نفسه.»
مشاريع «الفيل الابيض.» يقال ان ملك سيام كان يعطي رجال الحاشية الملكية الذين يكرههم فيلا ابيض. وبما ان الحيوان كان يُعتبر مقدَّسا، لم يكن ممكنا استخدامه للعمل. وهكذا فإن اعالته تجلب ضررا ماليا لمتسلِّم الهدية التعيس. وفي السنوات الاخيرة قامت الدول الغربية بدون قصد بدور ملك سيام. فبرامجها المساعِدة قد موَّلت المشاريع التكنولوجية الضخمة التي تعجز الدول المتسلِّمة عن ابقائها في حالة صالحة.
ان هذه «الفِيَلة البيضاء» غير العملية والغالية تشوِّش التنظيم الاقتصادي للدول الافقر: مطارات فاخرة نادرا ما تنطلق منها الطائرات، فرن ذو تقنية عالية لا يستطيع انتاج الخبز لقلة الطحين، مصنع هائل للاسمنت يتعطل باستمرار لعدم وجود الصيانة.
وأحيانا تُرهق حكومات العالم الثالث نفسها بديون هائلة ناتجة عن الانفاق المسرف على المشاريع المتطرفة كالمشاريع الكهرمائية، ومحطات الطاقة النووية، او حتى عواصم جديدة.
النمو السكاني
في كثير من بلدان العالم يساهم النمو السكاني السريع في انخفاض مستوى المعيشة. والاسكان، الاعمال، المدارس، وحتى الانتاج الغذائي لا يمكنها مجاراة الطلب المتزايد دائما. فالمكسيك، مثلا، بسبب الانتشار السكاني السريع، تحتاج الى ايجاد مليون عمل في السنة لمجرد منع معدل البطالة لديها من الارتفاع. والنمو السكاني السريع في كثير من البلدان الافريقية — الذي جعله النزوح الى المدن اسوأ — أدَّى الى تضاعف واردات الطعام ثلاث مرات وساهم في هبوط مستويات المعيشة خلال العقد الاخير. وبعض الآباء اليائسين، العاجزين عن ايجاد اعمال وإعالة عائلاتهم الكبيرة، قد تخلّوا عنهم او حتى انتحروا.
ضعفات متأصِّلة في النظام
قوى السوق التي لا يمكن التنبؤ بها. ان التنبؤات الاقتصادية علم غير دقيق على نحو مشهور. والمشكلة هي انه يصعب على الخبراء حتى في الاقتصاديات المتقدمة ان يعرفوا على نحو دقيق ماذا يحدث، في حين انه في اقتصاديات العالم الثالث — حيث المعطيات المحدَّدة غير متوافرة — يكون ذلك مستحيلا تقريبا. وحتى اذا استطاع علماء الاقتصاد ان يوافقوا على الطبيعة الدقيقة للمشاكل سيعرضون حلولا مختلفة دون شك حسب وجهات نظرهم السياسية او الاجتماعية الخاصة. ولتعقيد الامور اكثر يميل السياسيون، الذين يتخذون القرارات الاخيرة، الى الالتفات فقط الى النصيحة الاقتصادية التي يجدون انه متَّفق عليها.
وفي ما يتعلق بالولايات المتحدة اوضح وزير التجارة السابق للولايات المتحدة پيتر پيترسون: «في الاساس، ليست مشاكلنا اقتصادية. وبالاحرى فان افتقارنا الى الاجماع السياسي قد وضعنا في موقف حرج. فنحن لا نوافق حتى على طبيعة صعوباتنا الاقتصادية.»
انانية غير منوَّرة. يميل كل بلد الى السعي لتحقيق مصالحه الخاصة بصرف النظر عن الاثر في الآخرين. فالمساعدة الاقتصادية، مثلا، ربما تكون بشكل معدّات عسكرية متطورة يجري ارسالها الى بلد لا يمكنه حتى ان يُطعم كل مواطنيه. وبشكل واضح فان دوافع البلد المعطي هي اقتصادية او سياسية اكثر منها انسانية. والحواجز الجمركية التي تضعها البلدان الصناعية الغنية لحماية منتجيها تعوق جهود البلدان الافقر لبيع حتى السِلع الاساسية.
وتنتقد البلدان المتخلفة المؤسسات المصرفية الدولية لكونها مهتمة فقط بتسديد الفوائد بسرعة. وبعض المشاريع يجب التخلي عنها بسبب الافتقار الى الضمان الاحتياطي المالي، لانها لن تنتج عائدات سريعة للمُقرِض. ومعدلات الفوائد المرتفعة التي يجب ان تدفعها الآن تلك الدول المديونة هي في الدرجة الاولى ناتجة عن الانفاق المسرف من قبل الدول الاخرى الاكثر غنى منها. وأشار رئيس الأرجنتين ألفونسين الى انه في خمس سنوات ارسلت اميركا اللاتينية الى الولايات المتحدة واوروبا مالا معادلا لبرنامجَي مارشال.a ومع ذلك فإن المنطقة غارقة في دين اكثر من ايّ وقت مضى.
الفساد والجشع. لقد اتُّهم رؤساء بعض البلدان الافريقية والآسيوية باختلاس بلايين الدولارات. ورؤساء الشرطة ورسميّو الاعمال البارزون في اميركا اللاتينية قد تورطوا ايضا في عمليات غش تشمل ملايين الدولارات. وهذه الكميات الهائلة من المال تُسحب عادة من البرامج المعدَّة لتحسين نصيب الناس العاديين. والفساد المستوطن في كل المستويات يُضعف على نحو خطير اقتصاديات امم لا تُحصى، واضعا عبءا ماليا اضافيا على الاكثرية التي تعاني فقرا مدقعا والتي يجب ان تزوِّده.
ويساهم الجشع التجاري الساخر ايضا في ازمة نفقة المعيشة. فتقنيات التسويق العدوانية لشركات التبغ المتعددة القوميات، مثلا، قد نجحت في اقناع ملايين الناس الفقراء جدا بأن ينفقوا على لفائف التبغ ما لديهم من النقود القليلة. وفي بعض البلدان النامية تكون السجائر ذات النسبة العالية من القطران والتي تهدِّد الصحة منتشرة على نحو واسع، ومعظم المشترين يجهلون الخطر على الصحة. وقد جرى تحويل الارض الزراعية الغنية الى زراعة التبغ بسبب اغراء التبادل الاجنبي الحيوي الذي لا يتحقق في اغلب الاحيان. وفي الوقت نفسه تتزايد الامراض المتعلقة بالتدخين بمعدل ارتفاع نفقة المعيشة.
ان هذه المراجعة المختصرة للاسباب التي هي وراء ازمة نفقة المعيشة تكفي لتُظهر التحدي المثبط للهمَّة الذي يواجه الحكومات التي تبذل جهدها لتحسِّن الحالة الاقتصادية السيئة لمواطنيها. فرئيس فرنسا ميتران، اذ تكلم في ندوة اقتصادية، تشكَّى من «عالم يحرك البساط باستمرار تحت ارجلكم، ساحبا اياه ومهددا بإيقاعكم.» ورجال الدولة وعلماء الاقتصاد في العالم الثالث يعرفون من الاختبار القاسي ما يعنيه تماما.
فهل يعني ذلك انه لا رجاء للانتعاش الاقتصادي؟ وهل اقتصاد العالم عاجز عن تزويد معيشة لائقة لكل الجنس البشري؟ المقالة التالية ستجيب عن هذين السؤالين.
[الحاشية]
a كان برنامج مارشال برنامجا ترعاه الولايات المتحدة مصمَّما لمساعدة الانتعاش الاقتصادي لاوروبا التي مزقتها الحرب. ومن سنة ١٩٤٨ الى ١٩٥٢ وُزعت مساعدة بقيمة حوالي ١٢ بليون دولار.
[الاطار في الصفحة ٨]
مشكلة الدَيْن
الدَيْن القومي
في بلدان عديدة يفوق مصروف الحكومة الدخل كثيرا. والاقتراض الواسع الذي تقتضيه هذه السياسة يؤدي على مرّ السنين الى تراكم عجز هائل في الميزانية، يُدعى احيانا الدَيْن القومي. وتسديد هذا الدَيْن، مع الفائدة، يجبر الحكومة على مواصلة الاقتراض، الذي يرفع معدلات الفوائد ويثير التضخم. وعلاوة على ذلك، كما اوضحت مجلة التايم، فإن الحكومات لا ترغب في تخفيض الانفاق لأن «المقترعين، لكونهم بشرا، يريدون خدمات اكثر وضرائب اقل، ورجال السياسة، لكونهم رجال سياسة، يستجيبون لـ [رغبات المقترعين].» وهكذا يؤجَّل يوم الحساب، وفي الوقت نفسه تزداد نفقة المعيشة.
الدَيْن الدولي
لاسباب مختلفة تستورد بعض البلدان سِلعا وخدمات اكثر من ان تصدِّر، منتجة عجزا في ميزان التجارة. والنقص يجب ان يُدفع بعملة مقبولة لدى الامم الاخرى، وعادة بالدولارات او العملات الصعبة الاخرى. وهذا المال يجب إما ان يُسحب من المال الاحتياطي او يُقترض من بلدان اخرى. واذا انخفض كثيرا المال الاحتياطي للبلد على نحو خطير وكانت القروض غير متوافرة بسهولة قد يلزم ادخال قيود على الاستيراد او تخفيض قيمة العملة. وهذان الإجراءان كلاهما يسبِّبان ارتفاعا شديدا في اسعار السِلع المستوردة، والكثير منها قد يكون من ضروريات الصناعة والمستهلك على السواء.
ولدى بلدان العالم الثالث بشكل خاص مشاكل في الميزان التجاري لانه، في كل حالة تقريبا، هبطت قيمة السِلع التي تصدِّرها على نحو مفاجئ. مثلا، في سنة ١٩٦٠ كان يمكن لطن من البُنّ ان يشتري ٣٧ طنا من السماد، في حين انه في سنة ١٩٨٢ كان يمكن ان يشتري ١٦ طنا فقط. وأرقام مماثلة يمكن ان تُعطى بالنسبة الى الكاكاو، الشاي، القطن، النحاس، القصدير، ومنتوجات رئيسية اخرى هي الصادرات الأساسية للبلدان الاقل نموا. وبشكل عام نتيجة لمعدلات التبادل التجارية غير المؤاتية هذه، التي ليست لها سيطرة عليها، كانت البلدان النامية بحلول سنة ١٩٨٧ مدينة بمبلغ مذهل من ٠٠٠,١ بليون دولار. وحجر الرحى هذا حول اعناقهم يعوق على نحو خطير الانتعاش الاقتصادي وحتى يهدِّد استقرار بعض الحكومات.
علَّقت مؤخرا النيويورك تايمز: «القضية الوحيدة التي توحِّد اميركا اللاتينية هي الدَيْن . . . وقد حمَّلت الحكومات هذه المشكلة مسؤولية شعبيتها المفتَّتة وتبدو وكأنها السياسة الرئيسية المتغيِّرة التي تؤثر في مستقبلها القريب.»
[الخريطة في الصفحة ٧]
(اطلب النص في شكله المنسَّق في المطبوعة)
معدلات التضخم العالمية ١٩٨٠-١٩٨٥
(مؤسسة على «إِل موندو إِن سيفراس،» اصدار «الإيكونوميست»)
◼ . الى ١٥ ٪
◼ ١٥ الى ٣٠ ٪
◼ ٣٠ الى ١٠٠ ٪
◼ اكثر من ١٠٠ ٪
◼ الارقام ليست متوافرة
-
-
ايّ رجاء للانتعاش الاقتصادي؟استيقظ! ١٩٨٩ | ايلول (سبتمبر) ٨
-
-
ايّ رجاء للانتعاش الاقتصادي؟
في اثناء حكم ملك فرنسا لويس السادس عشر سألتْ ذات مرة كما يقال ملكته، ماري انطوانيت، وزير المالية الملكي: «ماذا ستفعلون بشأن العجز المالي، يا حضرة الوزير؟» فكانت إجابته: «لا شيء، يا سيدتي. فذلك خطير جدا.»
رغم ان الازمنة قد تغيَّرت فإن هذه الفلسفة الخاصة لا تزال تظهر شائعة. فرجال الدولة وعلماء الاقتصاد على السواء يرْثون الدَيْن الدولي الهائل، عدم التوازن الاقتصادي الخطير بين البلدان الغنية والفقيرة، والفقر المدقع في بلدان كثيرة جدا. ولكنّ القليل قد أُنجز، هذا اذا أُنجز شيء — والمشاكل خطيرة جدا. فهل لذلك معنى اقتصادي؟
تأتي الكلمة الانكليزية التي تقابل «علم الاقتصاد» من الكلمة اليونانية ايكونوموس، التي تعني وكيلَ او مديرَ منزل. وعلم الاقتصاد العالمي هو من حيث الاساس دراسة لكيفية ادارة «منزل» العالم. فكيف تجري ادارته؟
للإيضاح، دعونا نتخيل الارض وكأنها محلَّة، والامم الفردية وكأنها الجيران. وأحد الجيران الاكثر ثراء هو مبذِّر ذو دافع لا يُقاوَم ومدين بالمال لكل واحد تقريبا، ولكن بما انه زبونهم الافضل يتردد دائنوه في الإلحاح بالدفع. وبعض العائلات الافقر كثيرة الدَيْن حتى انها مضطرة ان تقترض المال لتدفع فقط المعدلات المرتفعة لفوائد قروضها. وفي الوقت نفسه فإن أبا العائلة الاكثر إعوازا في المنطقة دعا نفسه واصدقاءه الى وجبة احتفال سخية، رغم ان كثيرين من اولاده جائعون.
والعائلات الاغنى تأكل جيدا وتنتهي الى رمي كمية من الطعام في علبة النفايات. انها تنفق على حيواناتها المدلَّلة اكثر مما في وسع العائلات الافقر ان تنفق على اولادها. ومن وقت الى وقت لديها اجتماعات في الجوار للتكلم بشأن كل المشاكل في المنطقة، ولكن يبدو انه لا يُنجز شيء. فينمو التوتر بين العائلات الغنية والفقيرة. وعلى نحو واضح، هنالك بصورة رئيسية شيء خاطئ في الطريقة التي تُدار فيها هذه المحلَّة.
شخص لادارة الاقتصاد العالمي
ان الادارة الجيدة لا يمكن فصلها عن مبادئ الاخلاق. وكما رأينا فان الانانية والجشع على مستوى الامة، الشركة، والفرد يساهمان على نحو مهم في ازمة نفقة المعيشة، وخاصة في البلدان الافقر. والظلم الاقتصادي هو حقا مجرد انعكاس واحد لنظام الاشياء الجائر.
من المعترف به انه ليست هنالك حلول سهلة. فالمشاكل اضخم من ان يعالجها بلد واحد، ولا توجد هيئة دولية بالقوة الضرورية لمعالجتها. وبالاضافة الى ذلك، يجري انتقاد قواد العالم لسبب افتقارهم الى الارادة السياسية لمكافحتها.
ورغم ذلك، يصف التاريخ حاكما واحدا كان مهتما بشكل خصوصي بورطة المضطهَدين اقتصاديا. وقد سنَّ شرائع محدَّدة لحمايتهم وإعالتهم.
هذا الحاكم هو ذاك الذي حرَّر الاسرائيليين من مصر منذ ٥٠٠,٣ سنة تقريبا والذي اطعمهم المن على نحو عجائبي في اثناء رحلتهم في البرية ٤٠ سنة. وتأكَّد هذا الملك غير المنظور من ان كل واحد لديه ما يكفي. — خروج ١٦:١٨؛ قارنوا ٢ كورنثوس ٨:١٥.
وفي ما بعد، عندما وصل الاسرائيليون الى ارض الموعد، حمت الشرائع المعطاة من اللّٰه المحتاجين. والقروض بدون ربا جرى تزويدها لاولئك الذين وقعوا في ازمنة صعبة. واستطاع الفقراء الالتقاط في الحقول، والبساتين، والكروم. وكان على اصحابها ان يتركوا بعض الشيء للاّقطين. وعلاوة على ذلك، اوصى اللّٰه الاسرائيليين الاثرياء بأن ‹يفتحوا ايديهم للمسكين في الارض.› — تثنية ١٥:٧-١١.
لقد ادار اللّٰه بيت اسرائيل بطريقة مكَّنت الامة من الازدهار شرط ان يطيعوا ارشاداته. وممثلوه، كالملك سليمان، كان مطلوبا منهم ان يقتدوا بمثال اللّٰه. وفي ما يتعلق بسليمان يكتب صاحب المزمور: «يقضي لمساكين الشعب. يخلِّص بني البائسين . . . ينجِّي الفقير المستغيث والمسكين اذ لا معين له. يشفق على المسكين والبائس . . . ويكرم دمهم في عينيه.» — مزمور ٧٢:٤، ١٢-١٤.
وبالرغم من ذلك، انبأ اللّٰه لاحقا في كلمته بأنه ستنشأ ازمة نفقة معيشة شديدة. واذ وصف الوقائع الاقتصادية المؤلمة التي ستصيب الجنس البشري في النهاية انبأ الكتاب المقدس: «اجرة يوم بكامله لقاء رغيف خبز.» (رؤيا ٦:٦، ويماوث، الطبعة الخامسة) واليوم هذه هي الحالة لكثيرين من فقراء العالم. فدَخْل يوم بكامله لا يغطي كلفة وجبة واحدة.
انتعاش اقتصادي حقيقي امام الأعين
ويلي برانت الحائز جائزة نوبل ألقى ضوءا على الحل الوحيد لهذه الاحوال التي يُرثى لها. قال: «يجب ان يكون هنالك فهم متزايد ان البلدان الفقيرة والغنية . . . مترابطة معا باهتمامها المشترك بالبقاء، وان الحلول ستتحقق فقط باتخاذ اجراء تمهيدي بعيد النظر وعالمي.»
وهذا تماما ما هو في فكر اللّٰه نفسه، اجراء تمهيدي بعيد النظر وعالمي. وبخلاف الحكام البشر فان اللّٰه لديه الارادة والطريقة كلاهما لجلب انتعاش اقتصادي عالمي.
وفي تلك النبوة نفسها التي تتعلق بالضيق الاقتصادي اشار الى الحاكم الذي عيَّنه، الحاكم القادر على معالجة الوضع. انه موصوف كشخص جالس على فرس «ابيض» وأيضا كشخص ‹سيخرج غالبا.› وهذا ليس سوى يسوع المسيح، الذي ‹سيغلب› قريبا لكي ينشر حكم ملكوت اللّٰه بصفته الحكومة الوحيدة على الجنس البشري. وهذا الملكوت، تحت رعاية يسوع المسيح، هو طريقة اللّٰه ليحل، بين امور اخرى، ازمة نفقة المعيشة. — رؤيا ٦:٢؛ قارنوا دانيال ٢:٤٤.
وفي ظل حكم هذا الملكوت، المشار اليه في نبوة اشعياء بصفته «سموات جديدة،» يعد اللّٰه: «لا يتعبون باطلا ولا يلدون للرعب.» «عبيدي يأكلون . . . عبيدي يشربون . . . عبيدي يفرحون.» — اشعياء ٦٥:١٣، ١٤، ١٧، ٢٣.
والملايين اليوم الذين يتعبون باطلا يمكن ان يتشددوا بهذه الكلمات. ففي عالم اللّٰه الجديد لن يكون اولادهم محرومين من الضروريات الاساسية بسبب نكبة الضيق الاقتصادي. والبهجة بفرح العيش ستحل محل القلق بشأن نفقة المعيشة.
-