مكتبة برج المراقبة الإلكترونية
برج المراقبة
المكتبة الإلكترونية
العربية
  • الكتاب المقدس
  • المطبوعات
  • الاجتماعات
  • العمل بكدّ —‏ ما هي العواقب؟‏
    استيقظ!‏ ١٩٩٣ | حزيران (‏يونيو)‏ ٢٢
    • العمل بكدّ —‏ ما هي العواقب؟‏

      بواسطة مراسل استيقظ!‏ في اليابان

      ‏«لقد صارت ‹المشروبات التي تزوِّد طاقة متزايدة› شعبية الى ابعد حد،‏ بأكثر من ٢٠٠ صنف متوافر ومبيعات اجمالية من ٩٠٠ مليون ين [٠٠٠‏,٠٠٠‏,٧ دولار اميركي] في السنة،‏» تخبر ماينيتشي دايلي نيوز،‏ صحيفة اليابان الرئيسية.‏ وشعبية هذه المنتوجات،‏ التي يقال انها تزوِّد تعزيزات فورية للطاقة للعمال المتعبين،‏ «تشهد على الحافز الياباني الى الانجاز في العمل على الرغم من الضغط،‏ قلة النوم وطقس الصيف الخانق،‏» يتابع التقرير.‏

      وفي الجهة الاخرى من الپاسيفيكي،‏ «أَخبر اميركي واحد من ثمانية تقريبا انه يعمل ٦٠ ساعة او اكثر في الاسبوع،‏» استنادا الى احصاءات مكتب العمال الاميركي.‏ واولئك الذين يتولَّون مناصب ادارية وسطى يجدون انه من الضروري تخصيص الكثير جدا من وقتهم وطاقتهم للعمل بحيث تصير وظيفتهم احيانا العامل المسيطر في حياتهم.‏

      في كل مجتمع تقريبا،‏ يُعظَّم الافراد المجتهدون،‏ ذوو الضمير الحي،‏ والعاملون بكدّ بصفتهم اصحاب فضيلة.‏ وقد قال ايضا كاتب قديم للكتاب المقدس:‏ «ليس للانسان خير من ان يأكل ويشرب ويُري نفسه خيرا في تعبه.‏ رأيت هذا ايضا انه من يد اللّٰه.‏» (‏جامعة ٢:‏٢٤‏)‏ عموما،‏ لا يزال الناس في كل مكان يؤيدون مثل هذه القيم.‏ وسواء اعتبروا ذلك فضيلة ام لا،‏ يعمل معظم الناس من الصباح حتى المساء،‏ خمسة،‏ ستة،‏ او حتى سبعة ايام في الاسبوع.‏

      ومع ذلك،‏ ماذا انجز كل هذا العمل بكدّ؟‏ في بلدان مثل اليابان والمانيا،‏ صارت «العجائب» الاقتصادية التي صُنعت منذ نهاية الحرب العالمية الثانية موضع حسد الامم النامية.‏ فكلتا الامتين نهضتا من هزيمة لتصيرا قوتين اقتصاديتين يجب على باقي العالم ان يحسب لهما حسابا.‏ ولكن،‏ ماذا صنع التفاني في العمل لأفراد كثيرين؟‏

      على الرغم من ان مستوى المعيشة في اليابان ارتفع الى حد بعيد،‏ تخبر ماينيتشي دايلي نيوز،‏ فإن معظم اليابانيين «لا يزالون يجدون من الصعب الشعور بأي احساس حقيقي بالرفاهية في حياتهم اليومية.‏» والاسوأ ايضا انه في سعيهم الذي لا ينثني وراء ما يُدعى العيش الرغيد،‏ يمرض كثيرون او حتى يموتون من العمل المفرط والضغط‍.‏ وعلى نحو مماثل،‏ في دراسة في الولايات المتحدة،‏ شعر ثلث الثلاثة آلاف مدير الذين جرى استطلاعهم بأنهم يعملون بكدّ اكثر مما ينبغي،‏ بأنهم مجهَدون،‏ ولا يستطيعون ان يجدوا اية حماسة لعملهم.‏

      والنساء العاملات يبدين ايضا علامات ضيق.‏ وقد كشف استطلاع ايطالي ان النساء العاملات في ذلك البلد يكدحن ما معدله ٣٠ ساعة اكثر من رفقاء زواجهن كل اسبوع.‏ وبالاضافة الى صرف ساعات طويلة في المكتب او المصنع،‏ عليهن ان يعتنين بالاعمال اليومية المنزلية عندما يعدن الى البيت.‏ واعترفت احدى العاملات لمجلة يوروپِ‍يو:‏ «حياتي الاجتماعية معدومة تقريبا.‏ لا يوجد لديَّ وقت لنفسي.‏ لم اعد استطيع ان اتحمَّل ذلك.‏»‏

      وماذا عن الحياة العائلية؟‏ «في ملاحقة الحلم الاميركي للمساواة والازدهار المادي،‏ نحن نضحِّي بالذات والعائلة من اجل المال والسلطة،‏» يقول هربرت فرويدِنْبرڠر،‏ اختصاصي نيويوركي في معالجة الاجهاد في العمل.‏ ونتيجة لاستغراق ازواجهن في العمل،‏ تشعر بعض زوجات رجال الاعمال البريطانيين الذين يعملون خارج البلد،‏ وفقا للتقارير،‏ بأنهن معزولات وكئيبات.‏ ولكنهن في ما يتعلق بهذا الامر لسن وحدهن على الاطلاق.‏

      تأملوا في العواقب بالنسبة الى الحياة العائلية في اليابان،‏ حيث اقل من نصف جميع الموظفين المتوسطي الاعمار يعودون الى البيت قبل الثامنة مساء.‏ فبعض الزوجات لم يعدن يعتبرن ازواجهن رفقاء زواج حقيقيين؛‏ ولم يعدن يردنهم في البيت اكثر من وقت وجودهم هناك.‏ وثمة اعلان تلفزيوني يلخِّص خيبة امل الزوجات،‏ اذ يقول:‏ «افضل شيء في الازواج هو ان يكونوا اصحاء وبعيدين عن البيت.‏»‏

      مما سبق ذكره يتَّضح ان للعمل بكدّ جانبا ايجابيا وجانبا سلبيا على السواء.‏ وعندما يجري التطرُّف فيه،‏ يمكن ان يصير مضرَّة.‏ فكيف يمكن ان يكون العمل بكدّ،‏ لا عبئا،‏ بل فضيلة حقيقية ومصدرا للسعادة؟‏

      ومن جهة اخرى،‏ كم يكون خطيرا عندما يضع الافراد العمل قبل كل شيء آخر او يستمرون في العمل بكدّ مهما كلَّف الامر؟‏ دعونا نلقي نظرة عن كثب الى هذه الاوجه للعمل بكدّ.‏

  • العمل بكدّ —‏ خطِر على صحتكم؟‏
    استيقظ!‏ ١٩٩٣ | حزيران (‏يونيو)‏ ٢٢
    • العمل بكدّ —‏ خطِر على صحتكم؟‏

      إذ وقع على سيارته،‏ تقيَّأ وكيل التأمين المتوسط العمر وانهار.‏ وكان لا يزال ممسِكا بمحفظته،‏ رمز عمله.‏ وإذ كان يكدح بحسب شعار شركته،‏ «الآن هي النقطة الحاسمة.‏ استعملوا قوتكم حتى ١٥٠ في المئة من قدرتها،‏» اجتاز نحو ٠٠٠‏,٢ ميل (‏٠٠٠‏,٣ كلم)‏ في سيارته خلال الشهر الذي انهار فيه.‏ وبعد اربعة ايام،‏ مات.‏

      ليست هذه حالة فريدة.‏ فـ‍ «جنود الشركات،‏» كما يُسمَّون في اليابان،‏ يلازمهم كابوس كاروشي،‏ او الموت من الافراط في العمل.‏ ويقدِّر احد المحامين المتخصصين في مثل هذه الحالات ان هنالك «على الاقل ٠٠٠‏,٣٠ ضحية لكاروشي في اليابان كل سنة.‏» فلا عجب ان اكثر من ٤٠ في المئة من عمال المكاتب اليابانيين الذين جرى استطلاعهم مؤخرا يخافون من الموت المحتمل من الافراط في العمل.‏

      وعلى الرغم من انه قد يكون صعبا اثبات الصلة بين الافراط في العمل والمشاكل الصحية،‏ فإن عائلات الضحايا قلما تشكّ في ذلك.‏ وفي الواقع،‏ صيغت العبارة «الموت من الافراط في العمل» في دعاوى التعويض التي رفعتها العائلات المفجوعة.‏ «من وجهة نظر طبية،‏» يقول تِتْسُنودجو يووِهاتا من معهد الصحة العامة في اليابان،‏ «انها تشير الى موت او عجز من سكتة دماغية،‏ احتشاء عضلي قلبي myocardial infarction،‏ او قصور قلبي حاد نتيجة لعمل مرهق يزيد خطورة فرط ضغط الدم او تصلُّب الشرايين.‏» وثمة تقرير حديث بواسطة وزارة الصحة والخدمات الاجتماعية في اليابان يحذِّر من ان العمل الاضافي المتواصل يسلب المرء نومه ويقود اخيرا الى صحة رديئة ومرض.‏

      ومع ذلك،‏ تماما كما يكره المدخِّنون ان يعترفوا بالاخطار في التدخين،‏ ومدمنو الكحول بالاخطار في اساءة استعمال الكحول،‏ لا يرغب مدمنو العمل في الاعتراف بمخاطر ساعات العمل الطويلة على نحو يتجاوز الحد المعقول.‏ والموت ليس الخطر الوحيد.‏

      الاجهاد والكآ‌بة

      في حين يقع بعض مدمني العمل ضحية العجز والموت،‏ يرزح آخرون تحت وطأة الاجهاد.‏ «ليس للاجهاد تعريف طبي محدَّد،‏» تشرح مجلة فُرتْشِن،‏ «ولكنَّ الاعراض المتعارف عليها عموما تتضمن الاعياء،‏ المعنويات المنحطة،‏ التغيُّب المزمن عن العمل،‏ المشاكل الصحية المتزايدة،‏ واساءة استعمال المخدِّرات او الكحول.‏» ويصير بعض الضحايا عدائيين،‏ في حين يبتدئ آخرون باقتراف اخطاء طيش.‏ ولكن كيف يصير الناس ضحايا الاجهاد في العمل؟‏

      عموما،‏ ليس الاشخاص العاجزون عن التكيُّف مع بيئتهم او المشوَّشون عاطفيا هم الذين يصيرون ضحايا.‏ فغالبا ما يكونون الاشخاص الذين يهتمون بعمق بوظيفتهم.‏ فربما كانوا يجاهدون للصمود في وجه منافسة عنيفة او يكدُّون لتسلق سلَّم الوظائف.‏ انهم يعملون طويلا وبكدّ،‏ محاولين ان يكونوا مسؤولين كاملا عن عملهم.‏ ولكن عندما لا يُنتج الاخلاص غير المتزعزع والعمل المتواصل الاكتفاءَ والمكافأةَ المتوقَّعَين،‏ يخيب املهم،‏ يشعرون بأنهم مرهقون،‏ ويصيرون ضحايا الاجهاد في العمل.‏

      وما هي العواقب؟‏ في طوكيو،‏ ثمة خدمة هاتفية تُدعى «خط الحياة،‏» معدَّة لمساعدة ذوي الاستعداد ليصيروا ضحايا الانتحار،‏ تتلقى اتصالات اكثر فأكثر من عمال مكاتب يائسين متوسطي الاعمار وأكبر سنا.‏ ومن ضحايا الانتحار الاكثر من ٠٠٠‏,٢٥ في اليابان في سنة ١٩٨٦،‏ كانت نسبة مذهلة من ٤٠ في المئة في اربعيناتهم وخمسيناتهم،‏ و ٧٠ في المئة من هؤلاء كانوا ذكورا.‏ «ذلك لأن الكآ‌بة بين كاسبي الاجر المتوسطي الاعمار هي في ازدياد،‏» يرثي هيروشي إينَمورا،‏ پروفسور في الطب النفسي.‏

      ثم هنالك ما يُسمَّى عُصاب يوم العطلة.‏ والاعراض؟‏ انزعاج في ايام العطلة من عدم القيام بأيّ شيء.‏ وإذ يحثه دافع لا يقاوم الى العمل،‏ فإن ضمير المتعلق تعلقا شديدا بالعمل يزعجه في ايام الفرص.‏ وإذ لا يكون قادرا على ايجاد سلام العقل،‏ يذرع غرفته الصغيرة جيئة وذهابا تماما كحيوان في قفص.‏ وعندما يأتي يوم الاثنين،‏ يذهب الى المكتب،‏ مرتاحا.‏

      والنوع الفريد من الكآ‌بة الذي يرسل الآن العمال المتوسطي الاعمار الى الطبيب هو ما يُدعى متلازمة رُهَاب البيت.‏ فالعمال المرهقون يتسكَّعون حول المقاهي والحانات بعد العمل.‏ وأخيرا،‏ يتوقفون عن الذهاب الى البيت كليا.‏ ولماذا يخافون من العودة الى البيت؟‏ على الرغم من ان الزوجات غير المتعاطفات يمكن ان يكنّ احد العوامل،‏ «فكثيرون كانوا يعملون بكدّ اكثر مما ينبغي وقد فقدوا القدرة على التكيُّف مع العالم الخارجي،‏ وحتى في حالات عديدة مع عائلتهم الخاصة،‏» يقول الدكتور تورو سِكيِيا،‏ الذي يزوِّد «نظام مستشفى ليليًّا» لمثل هؤلاء المرضى.‏

      خنق الحياة العائلية

      قد لا يكون مدمن العمل الشخص الذي يتألم اكثر.‏ فإدمان العمل «هو في اغلب الاحيان مشكلة اكبر للاشخاص الذين يشاركون مدمن العمل حياتهم،‏» تلاحظ مجلة انْترُپْرُنور.‏ ويمكن ان تتحوَّل حياة رفيق الزواج الى كابوس.‏ فمدمن العمل «قد وجد حب حياته او حياتها،‏» تقول مجلة النشرة في سيدني،‏ اوستراليا،‏ «وقبول مركز ثانوي ليس سهلا دائما.‏» فماذا يحدث في زواج كهذا؟‏

      تأملوا في حالة لاري،‏ اميركي مستخدَم لدى شركة يابانية في الولايات المتحدة.‏ لقد اشتغل ساعات طويلة من العمل الاضافي دون ان يُدفع له مقابل ذلك،‏ زائدا انتاجية المصنع بنسبة ٢٣٤ في المئة.‏ النجاح والسعادة؟‏ «مجنون!‏» صاحت زوجته في المحكمة وهي تطلِّقه.‏

      والأسوأ من ذلك ايضا مدير مؤسسة ياباني كان ينطلق الى العمل عند الخامسة كل صباح ولا يعود الى البيت قبل التاسعة مساء.‏ فبدأت زوجته تشرب بافراط.‏ وذات يوم،‏ اذ كانا يتشاجران بشأن شربها،‏ خنق الرجل زوجته.‏ فحكم القاضي بأنه مذنب بالقتل وقال:‏ «اذ كرَّست نفسك كاملا للعمل،‏ لم تدرك وحدة زوجتك ولم تبذل جهدا كافيا لتعطيها اسبابا للتمتع بالحياة.‏»‏

      ان خنق المرء رفيق زواجه نتيجة متطرفة،‏ ولكنَّ الافراط في العمل يمكن ان يقضي كاملا على الحياة العائلية بطرائق اخرى.‏ فعندما يكون الزوج في البيت ايام الآحاد،‏ قد يسترخي امام التلفزيون المضبوط على برنامجه المفضَّل للألعاب الرياضية ويقضي كامل بعد الظهر نعسان.‏ ان هؤلاء الازواج لا يدركون الى ايّ حد صاروا منقطعي الاتصال بأوجه الحياة الاخرى.‏ وإذ يغمرهم عملهم،‏ يهملون امرا قيِّما الى ابعد حد في الحياة،‏ عائلتهم.‏ وإذ يتجاهلون الحاجة الى الاتصال العائلي،‏ يمهِّدون سبيلا محقَّقا لتقاعد متوحِّد.‏

      مسنّون ولكن غير مكتفين

      اطلق الكتاب في العمل تحذيرا في مقدمته:‏ «في مجتمعنا،‏ .‏ .‏ .‏ الصلة بين العمل،‏ احترام الذات والمركز الاجتماعي قوية جدا بحيث انه،‏ عند التقاعد،‏ يجد البعض انه من الصعب جدا ان يتكيَّفوا مع حياة خالية من ادوار عملهم السابق.‏» واولئك الذين يركِّزون حياتهم على العمل يجب ان يسألوا انفسهم هذا السؤال:‏ ‹ماذا سيبقى لي اذا أُخذ عملي؟‏› تذكَّروا انه عندما يتقاعد الشخص،‏ قد تدور حياته حول عائلته ومجتمعه.‏

      واولئك الذين تجاهلوا الحاجة الى الاتصال بعائلتهم وجيرانهم هم في حيرة من امرهم بعد التقاعد لا يعرفون عن ايّ شيء يتحدثون معهم.‏ «انهم يدفعون الثمن لرفضهم النظر الى ايّ شيء سوى العمل،‏ أليس كذلك؟‏» تقول مشيرة متمرِّسة لرفقاء الزواج المتوسطي الاعمار في اليابان.‏ «لقد افتقرت حياتهم الى الوجه الانساني،‏ وافترضوا انه لديهم علاقة جيدة بعائلتهم فقط لأنهم المعيلون.‏ ولكن عندما يتقاعدون تنقلب الظروف.‏»‏

      فيمكن ان يكون لتلك السنوات الـ‍ ٣٠ او الـ‍ ٤٠ من العمل بكدّ،‏ على ما يُظن من اجل العائلة،‏ عكس النتائج المرجوة.‏ وكم يكون محزنا اذا اعتُبر المعيلون السابقون،‏ بعد سنوات من العمل بكدّ،‏ «نفاية صناعية» ونورِيوتشيبا (‏اوراقا ساقطة مبتلَّة)‏ من قِبل عائلاتهم.‏ ويُستعمل التعبير الاخير في اليابان لوصف الازواج المتقاعدين الذين ليس لديهم شيء يقومون به سوى اضاعة الوقت مع زوجاتهم كل اليوم.‏ وهكذا يُشبَّهون بأوراق ساقطة مبتلَّة تلتصق بمكنسة ولا يمكن نفضها عنها،‏ لا شيء سوى مصدر ازعاج.‏

      اذ يجري التأمل في كل المخاطر ذات العلاقة،‏ من الطبيعي ان نسأل،‏ كيف يمكن ان يكون العمل بكدّ فضيلة حقا؟‏ هل يوجد عمل يجلب اكتفاء حقيقيا؟‏ ان مقالتنا التالية في هذه السلسلة ستعالج هذين السؤالين.‏

      ‏[الاطار في الصفحة ٦]‏

      تحذير في حينه

      «اذا كان زوجك يخسر شهيته،‏ يعاني الارق،‏ يرفض ان يتكلم،‏ فهو يبدي علامات تحذير.‏ قولي له ان يجد متعة في شيء غير العمل وأن يحاول مقابلة اشخاص من خارج الشركة.‏» —‏ الدكتور تورو سِكيِيا،‏ عيادة سِكيِيا لطب الجهاز العصبي،‏ طوكيو،‏ اليابان.‏

      «احب ان اعمل ساعات طويلة،‏ ولكن اذا كان عليكِ ان تخسري زوجك او عائلتك في هذا الامر،‏ فإنك تقومين بالامور بالطريقة الخاطئة.‏ ومن المحزن ان لا يكون هنالك احد تشاركينه في ثروتك.‏» —‏ ماري كاي آش،‏ رئيسة مجلس شركة مستحضرات التجميل ماري كاي.‏

      ‏[الصورة في الصفحة ٥]‏

      الاجهاد في العمل يقود احيانا الى مشاكل خطيرة

      ‏[الصورتان في الصفحة ٧]‏

      رؤوس العائلات المدمنون العمل غالبا ما يخربون حياة اولئك الذين يجب ان يكونوا الاقرب اليهم

  • العمل بكدّ —‏ متى يكون فضيلة
    استيقظ!‏ ١٩٩٣ | حزيران (‏يونيو)‏ ٢٢
    • العمل بكدّ —‏ متى يكون فضيلة

      في كل انحاء جنوب شرق آسيا،‏ تضع جانبا خادمات شابات كثيرات عملهن في المطبخ ويجلسن مشدودات الى اجهزتهن التلفزيونية عندما يُعرض المسلسل التلفزيوني الياباني الصنع أوشين.‏ انه قصة غنى بعد فقر لامرأة تنجح بعد تحمُّل سنوات عديدة من العناء والمشقة.‏ وبدموع في اعينهن،‏ تسوِّي الفتيات بين حالتهن وحالة أوشين،‏ البطلة.‏ ويبدو ان احداث المسلسل هي تماما ما يحتجن اليه لمساعدتهن على مواجهة يوم آخر من العمل بكدّ.‏

      وفي الواقع،‏ عندما يكدح الناس يوما بعد يوم الى حد تعريض صحتهم وحياتهم للخطر،‏ لا بد ان تكون لديهم اسباب لذلك.‏ فلماذا يفعلون ذلك؟‏ كما هي الحال مع الخادمات الآسيويات،‏ فإن الرغبة في تحسين المرء مستوى معيشته هي بالتأكيد حافز مشترك وقوي الى العمل بكدّ.‏ ولكن،‏ كما يظهر،‏ ليست المكافأة المادية كل ما في الامر.‏

      ‏«المكافأة المالية هي حافز مرغوب فيه،‏ ولكنه ثانوي تقريبا،‏» يكتب ستيڤن د.‏ كوهِن في ما يتعلق بمبادئ العمل الاخلاقية اليابانية.‏ اذًا،‏ ماذا يدفع اليابانيين الى العمل بكدّ الى هذا الحد؟‏ «ان نجاح مبيعات الشركة بالنسبة الى منافِساتها هو مصدر فخر ورضا ذاتي عظيمين.‏ والعمل بكدّ الذي يؤدي الى هذه النتيجة هو بحد ذاته مكافأة،‏» يوضح كوهِن.‏ والولاء لشركتهم يصير سببا لكي يعمل الموظفون بكدّ،‏ ويصير العمل الطريقة الوحيدة ليظهروا جدارتهم.‏ وما لا يجب التغاضي عنه ايضا هو الدافع الى تسلق سلَّم الوظائف.‏ فإمكانية الوصول يوما ما الى القمة تبقى حافزا قويا الى العمل بكدّ.‏

      اسباب لتعريض المرء صحته للخطر؟‏

      هل هذه هي اسباب لائقة لجعل المرء صحته وحياته في خطر شديد؟‏ عن الشخص الذي يعمل بكدّ من اجل الغنى المادي،‏ يُظهر الكتاب المقدس،‏ «لا تشبع عينه من الغنى.‏» وأخيرا قد يصل الحال بمثل هذا الشخص الى التساؤل:‏ «لمن اتعب انا وأُحرِّم نفسي الخير.‏» (‏جامعة ٤:‏٨‏)‏ وأولئك الذين يعملون بكدّ ليصيروا اغنياء لا يبدو انهم يعرفون متى او اين يتوقفون.‏ فيوقعون انفسهم في شرك حلقة مفرغة من العمل،‏ العمل،‏ ومزيد من العمل.‏ والكتاب المقدس يحذِّر:‏ «لا تتعب لكي تصير غنيا.‏» —‏ امثال ٢٣:‏٤‏.‏

      وماذا عن الولاء للشركة؟‏ في حين ان ذلك يمكن ان يكون فضيلة،‏ يجب التأمل في التأثير المحتمل للعمل بافراط.‏ «اذا كان الشخص يُجهد نفسه،‏» قال مسؤول تنفيذي اول في شركة اميركية،‏ «فأنا لا اريده في فريق عملي على ايّ حال.‏» وكتبت زوجة «جندي شركة» الى احدى الصحف بعد ان مات زوجها من الافراط في العمل قبل بلوغ سن الـ‍ ٤٠:‏ «اية تعزية من المفترض ان نجدها في ادِّعائهم،‏ ‹نحن متأسفون على فقدان مثل هذا الشخص القيِّم›؟‏ ان شهداء الشركات هؤلاء،‏ عندما يموتون،‏ يُعاملون كما لو انهم مجرد ‹سلع مرمية.‏›»‏

      وحتى اذا افلت الشخص من الاجهاد في العمل او الموت من الافراط في العمل،‏ فماذا يحدث عندما يصل الى التقاعد؟‏ «على الرغم من انهم يعملون بكدّ من اجل شركاتهم،‏» تقول موتويو ياماني،‏ مذيعة يابانية،‏ «يُجعلون على علم بالواقع ان الشركة لم تعد بحاجة اليهم وأنهم عديمو النفع.‏» وبالنسبة الى الشركة التي لا تتأثر بالشعور الشخصي،‏ فإن المستخدَمين العاملين بكدّ ليسوا سوى اسنان في دواليب آلية شركتهم،‏ يجب ان يُستبدلوا عندما يتلفون.‏ فلا عجب ان يخسر يابانيون كثيرون الايمان بشركاتهم!‏ ويبتدئون بالادراك ان اخلاصهم للشركة هو حب غير متبادل.‏

      وماذا يمكن ان يقال عن صعود سلَّم الوظائف؟‏ ان اولئك الذين يصلون الى درجة الادارة الوسطى يدركون سريعا انه لن يصل كل شخص الى القمة.‏ فماذا يحدث عندئذ؟‏ إذ يُسلبون آمال الترقية،‏ يبتدئون بالتنقل من وظيفة الى اخرى.‏ فكفى ولاء وفضيلة!‏

      نظرة متَّزنة الى العمل بكدّ

      على الرغم من ان العمل بكدّ الذي تحث عليه محبة المال،‏ الولاء لشركة،‏ او روح تنافسية يثبِّط العزم اخيرا ويخيِّب الامل،‏ فإن الكتاب المقدس لا يتجاهل قيمة العمل بكدّ.‏ «ان يأكل كل انسان ويشرب ويرى خيرا من كل تعبه فهو عطية اللّٰه.‏» (‏جامعة ٣:‏١٣‏)‏ والكتاب المقدس يوصي بأن يتمتع الشخص بثمر تعبه.‏ وهذا يعطينا تلميحا الى ما يمكن ان تكون عليه النظرة اللائقة الى العمل بكدّ.‏

      نصحت مؤخرا وزارة الصحة والخدمات الاجتماعية في اليابان العمال بأن «ينسوا الوظيفة بعد ساعات العمل (‏و)‏ يتعشَّوا مع عائلاتهم.‏» وكما يظهر،‏ يقدِّر بعض قادة الاعمال حكمة هذه النصيحة.‏ على سبيل المثال،‏ اعلن رئيس شركة تكنولوجيا حيوية متطورة:‏ «اريد ان يعتني جميع مستخدَمينا جيدا بعائلاتهم قبل ايّ شيء آخر.‏ فعملهم في شركتنا ليس اكثر من وسيلة لبلوغ غاية.‏»‏

      فعلا،‏ ان العلاقة العائلية الجيدة هي حتما هدف جدير بالاهتمام للعمل بكدّ من اجله.‏ فإذا كان الجو العائلي الحميم معرَّضا للخطر او كانت صحتكم تتضرَّر بسبب عملكم،‏ فأنتم لا ترون خيرا من كل تعبكم.‏

      ولكن،‏ في المجتمع الياباني،‏ حيث يسيطر نظام الاقدمية،‏ طوَّر البعض الموقف:‏ «لا تكن غائبا،‏ ولا متأخرا،‏ ولا تعمل.‏» ويتظاهرون بأنهم مجتهدون بالبقاء الى وقت متأخر في مكان العمل ولكنهم انما ينتظرون ان يذهب المشرف الى البيت.‏ كِنْجي،‏ بائع لاحدى شركات فن الزخرفة الداخلية في هيروشيما،‏ كانت له هذه العقلية.‏ فكان يضيِّع وقت العمل،‏ قاضيا الوقت في مقهى او احد اماكن التسلية.‏

      فهل يؤدي مثل هذا الموقف الى السعادة؟‏ «اليد الوانية تخدم تحت السُّخرة،‏» يقول مثل في الكتاب المقدس.‏ واليوم،‏ ربما لا يقع الشخص تحت سُخرة حرفية بسبب كسله.‏ ومع ذلك،‏ يمكن ان يصير العمل كدحا،‏ سُخرة من الناحية العقلية.‏ ومن جهة اخرى،‏ يشير المثل نفسه الى فائدة الاجتهاد:‏ «ايدي المُجدِّين تسود.‏» (‏امثال ١٢:‏٢٤‏،‏ الترجمة اليسوعية الجديدة‏)‏ وحتى ان لم تتوصلوا الى ان تسودوا بلدا او شركة،‏ فعلى الاقل ستكونون محترمين من عائلتكم وستكونون أسياد نفسكم.‏ وبالاضافة الى ذلك يمكن ان تربحوا ثقة مستخدِمكم،‏ وأيضا ان تنالوا ضميرا طاهرا.‏

      وجد كِنْجي ان ذلك صحيح.‏ وقرَّر ان يدرس الكتاب المقدس،‏ وتغيَّرت حياته بشكل مذهل.‏ «بتطبيق مبدإ الاستقامة في مكان العمل،‏» يقول،‏ «بدأت اعمل بضمير حي سواء كان المسؤول موجودا او لا.‏ وقد جعلني ذلك اربح ثقته بي.‏»‏

      عندما يصير العمل بكدّ فضيلة

      الحقيقة هي انه،‏ لكي يكون العمل ذا معنى،‏ يجب ان يفيد الآخرين.‏ ‹العمل الذي يجلب الاكتفاء،‏› عرَّف كاتب اقتصادي،‏ ‹هو العمل الذي يجلب الراحة،‏ المتعة او السرور لحياة اشخاص كثيرين.‏› فعمل كهذا يجلب اكتفاء عميقا للعامل.‏ والامر هو كما قال يسوع المسيح:‏ «مغبوط هو العطاء اكثر من الاخذ.‏» —‏ اعمال ٢٠:‏٣٥‏.‏

      وعلى الرغم من ان العمل من اجل مصلحة الآخرين هو امر جدير بالمدح،‏ هنالك ايضا عنصر رئيسي آخر لايجاد الاكتفاء في العمل وفي الحياة.‏ فالملك سليمان،‏ بعد ان اختبر كل وسائل الترف والغنى التي يمكن ان تقدمها الحياة،‏ وصل الى هذا الاستنتاج العظيم:‏ «اتَّقِ اللّٰه واحفظ وصاياه لأن هذا هو الانسان كله.‏» —‏ جامعة ١٢:‏١٣‏.‏

      فمن الواضح انه يجب ان نأخذ مشيئة اللّٰه بعين الاعتبار في ايّ امر نشرع فيه.‏ فهل نحن عاملون انسجاما مع مشيئته ام عاملون ضدها؟‏ هل نسعى الى ارضائه ام الى مجرد ارضاء انفسنا؟‏ اذا اهملنا فعل مشيئة اللّٰه،‏ فلن نصير سوى اشخاص ماديين او منغمسين في الملذات وسنعاني اخيرا ألم الوحدة،‏ الفراغ،‏ واليأس.‏

      لذلك تذكَّروا ان خدمة يهوه اللّٰه —‏ القيام بالعمل الذي يرضي خالقنا —‏ لن تتركنا ابدا مستائين.‏ ويهوه نفسه هو عامل بكدّ،‏ وهو يدعونا الى الانضمام اليه والصيرورة ‹عاملين معه.‏› (‏١ كورنثوس ٣:‏٩؛‏ يوحنا ٥:‏١٧‏)‏ ولكن هل يجلب حقا مثل هذا العمل بكدّ السعادة الحقيقية؟‏

      زار ذات مرة عضو مجلس ادارة في شركة طباعة مبانيَ برج المراقبة للطباعة في اليابان لدرس تصميمها.‏ فلفت انتباهه امر اكثر من الآلات.‏ لقد شاهد شبانا يتمتعون بعملهم،‏ وفاجأه ان يسمع انهم جميعا متطوِّعون وأن عددا اكبر لا يُحصى قدَّم بشوق طلبا للانضمام اليهم.‏ ولماذا فوجئ؟‏ «في شركتنا،‏» اوضح،‏ «عندما نستخدم عشرة اشخاص،‏ يجب ان نعتبره جيدا الى حد ما اذا بقي اربعة منهم معنا بعد سنة واحدة.‏ فأنتم يا اناس برج المراقبة لديكم كنز في هؤلاء العمال الشبان!‏»‏

      فماذا يجعل هؤلاء الشبان سعداء جدا وعاملين بكدّ الى هذا الحد؟‏ كمتطوِّعين،‏ من الواضح انهم لا يعملون من اجل المال.‏ فماذا يدفعهم اذًا؟‏ انتذارهم وتقديرهم ليهوه،‏ خالقهم،‏ ومحبتهم لجارهم.‏ ويدلّ موقفهم على انهم لا يعملون «كمن يرضي الناس بل كعبيد المسيح عاملين مشيئة اللّٰه من القلب.‏» —‏ افسس ٦:‏٦‏.‏

      كل ذلك ليس سوى عرض مسبق لما سيأتي.‏ فأولئك الذين يعملون الآن بكدّ ليخدموا يهوه يمكنهم ان يتطلَّعوا الى الوقت حين يُردّ قريبا الفردوس وتمتلئ الارض بكاملها من اعمال تستأهل التعب.‏ وقد انبأ مسبقا اشعياء،‏ نبي قديم للّٰه،‏ في ما يتعلق بالحياة في ذلك الحين:‏ «يبنون بيوتا ويسكنون فيها ويغرسون كروما ويأكلون اثمارها.‏ لا يبنون وآخر يسكن ولا يغرسون وآخر يأكل.‏ .‏ .‏ .‏ يستعمل مختاريَّ عمل ايديهم.‏» —‏ اشعياء ٦٥:‏٢١،‏ ٢٢‏.‏

      كم سيكون العمل بركة في ذلك الحين!‏ فبالتعلُّم ما هي مشيئة اللّٰه لاجلكم والعمل انسجاما معها،‏ كونوا بين مبارَكي يهوه وتمتعوا دائما ‹برؤية الخير من كل تعبكم.‏› —‏ جامعة ٣:‏١٣‏.‏

      ‏[الاطار في الصفحة ٩]‏

      النظرة المتزنة الى العمل تنقذ زواجا

      بالنسبة الى ياسويو،‏ الذي يعيش في هوكايدو،‏ اليابان،‏ كان العمل التسلية الوحيدة حتى قبل سنوات قليلة.‏ فكان يتولَّى منصبا في الادارة الوسطى،‏ وكان هاجسه زيادة المبيعات.‏ ويوما بعد يوم كان يعمل حتى وقت متأخر كالساعة ١١ ليلا دون ان يأخذ ايام عطلة.‏ ثم يتذكر:‏ «ادركت انني،‏ مهما اجهدت نفسي،‏ لم اكن احصل على ايّ فرح من عملي.‏» وبدأت حالة ياسويو الجسدية تتدهور.‏ وإذ تكلم مع زوجته،‏ ادرك انه يوجد امر اهمّ من عمله —‏ عائلته.‏ فغيَّر نمط حياته وانضم الى زوجته في درس الكتاب المقدس.‏ وهو الآن الرأس المحبوب والمحترَم لعائلة سعيدة.‏

      ‏[الصورة في الصفحة ٩]‏

      لا يجب ان يعرِّض عملكم العلاقات العائلية للخطر

      ‏[الصورة في الصفحة ١٠]‏

      قريبا سيتمتع الجميع بالعمل لجعل الارض فردوسا

المطبوعات باللغة العربية (‏١٩٧٩-‏٢٠٢٥)‏
الخروج
الدخول
  • العربية
  • مشاركة
  • التفضيلات
  • Copyright © 2025 Watch Tower Bible and Tract Society of Pennsylvania
  • شروط الاستخدام
  • سياسة الخصوصية
  • إعدادات الخصوصية
  • JW.ORG
  • الدخول
مشاركة