مكتبة برج المراقبة الإلكترونية
برج المراقبة
المكتبة الإلكترونية
العربية
  • الكتاب المقدس
  • المطبوعات
  • الاجتماعات
  • أستونيا
    الكتاب السنوي لشهود يهوه لعام ٢٠١١
    • من أستونيا الى سيبيريا

      بعدما أَوقف الـ‍ KGB مَن اعتبروهم ابرز الاعضاء بين الشهود،‏ صمّموا ان يستأصلوا باقي شعب يهوه.‏ فبدأ الهجوم في الصباح الباكر من ١ نيسان (‏ابريل)‏ ١٩٥١.‏ وقد نسقوا العملية ببراعة كبيرة بحيث استُهدفت في وقت واحد كل اجزاء البلاد (‏وكذلك غربي اوكرانيا ولاتفيا وليتوانيا)‏.‏

      فسحبوا معظم الشهود من بيوتهم،‏ اضافة الى العديد من اقربائهم والكثير من المهتمين،‏ وجمعوهم معا في عدة محطات للقطار ووضعوهم في المقطورات.‏ وفي حين سُمح لهم بأخذ بعض الطعام والاغراض الشخصية،‏ صودرت سائر ممتلكاتهم.‏ وفي ذلك اليوم،‏ دون اية محاكمة او تفسير،‏ رحِّل حوالي ٣٠٠ شخص من أستونيا الى سيبيريا بالقطار،‏ وغالبيتهم الى منطقة تومْسْك التي تبعد حوالي ٠٠٠‏,٥ كيلومتر.‏

      فتاتان شجاعتان

      عادت كورينا اينيكا (‏١٧ عاما)‏ وأختها إيني (‏١٣ عاما)‏ الى منزلهما بعد زيارة الاقرباء،‏ فصُدمتا حين وجدتا البيت مقفلا وأن لا اثر لوالدتهما!‏ ولكنهما شعرتا بشيء من الراحة حين علمتا انها أُوقفت.‏ ولماذا؟‏

      تقول كورينا:‏ «كانت على الاقل لا تزال حية.‏ وحين ادركنا انه جرى على الارجح توقيف غيرها من الاخوة،‏ اطمأن قلبنا قليلا لعلمنا انها لا بد ان تكون بين شعب يهوه.‏ وقد لمسنا فعليا دعم يهوه القوي وأحسسنا بالسلام الذي امدّنا به.‏ فأنا وإيني لم نذرف الدموع،‏ رغم ان اختي كانت حساسة وضعيفة نوعا ما.‏ ويوم الاثنين،‏ ذهبنا الى المدرسة كالمعتاد ولم نخبر احدا عن اعتقال امي».‏

      حافظت كورينا وإيني على هدوئهما حتى وقتما اتى الرسميون لأخذهما.‏ تتابع كورينا:‏ «في عربة القطار التي استقللناها،‏ حافظ الجميع على هدوئهم.‏ وقد شجعتنا احدى الاخوات بقولها ان يهوه لن يدعنا نُمتحن فوق طاقتنا وإن علينا الوثوق بأنه سيساعدنا كما وعد».‏ وبقيت الفتاتان بعيدتين عن والدتهما اكثر من ست سنوات.‏

      فضلا عن ذلك،‏ اكتُشفت وثيقة تضمنت قرارا بنفي طفل عمره ستة اشهر بتهمة كونه «عدوا للدولة»،‏ ما عكس بوضوح الحقد الاعمى الذي اكنّه المضطهدون للشهود.‏

      كان الترحيل تجربة قاسية جدا تعرض خلالها المنفيون للذل والهوان بشتى الطرق.‏ فقد أُجبروا جميعا على مغادرة القطار صباحا ومساء للذهاب الى المرحاض،‏ علما انه لم تكن هنالك اية مراحيض.‏ تخبر احدى الاخوات:‏ «عوملنا بطريقة هي ابعد ما تكون عن اصول اللياقة والانسانية.‏ فقد استحال فصل الرجال عن النساء،‏ وكنا على مرأى من العابرين وكذلك من جميع الحراس الذين وقفوا حولنا يراقبوننا».‏

      الحياة في سيبيريا

      بعد رحلة شاقة ومرهقة استغرقت اسبوعين،‏ أُنزل المنفيون اخيرا من المقطورات مع اغراضهم الشحيحة ليواجهوا ثلج سيبيريا وبردها القارس.‏ وفي اليوم التالي،‏ اتى اصحاب مزرعة جماعية قريبة كي يختاروا منهم افضل الفعلة لمزارعهم،‏ تماما مثلما يشتري الاسياد العبيد في سوق الرقيق.‏

      وبما ان كثيرين من سكان سيبيريا كانوا هم ايضا منفيين،‏ تعاطفوا مع القادمين الجدد ومدوا لهم يد المساعدة.‏ وهكذا سرعان ما تمكن الاخوة المبعدون من الاستقرار بفضل دعم السكان المحليين الودودين والرفقاء المؤمنين.‏ واستطاع البعض تأسيس حياة شبه طبيعية.‏ حتى ان عددا منهم استفادوا صحيا على نحو غير متوقع.‏ فقد ساهم مناخ سيبيريا الجاف مثلا في شفاء اختين أستونيتين مصابتين بالسّل.‏

      لكنّ التوفيق لم يحالف الجميع.‏ فقد مات طفل واحد على الاقل في القطار،‏ وتوفي شاهد مسن نتيجة الظروف الصعبة او الجراح النفسية والعاطفية.‏ وأصبح بعض الاخوة معوّقين بسبب النقص في الادوية او العمل المجهد.‏ كما تأذى آخرون من جراء الظروف المعيشية الصعبة،‏ سوء التغذية،‏ المرض،‏ الحوادث،‏ والبرد القارس.‏ بالاضافة الى ذلك،‏ عانى العديد منهم الالم العاطفي لابتعادهم القسري عن عائلاتهم طوال سنوات ولعدم استلامهم الرسائل التي كتبها احباؤهم.‏

      وتخبر تايينا كروس:‏ «لم تضم عائلتنا سوى صبيين وثلاث فتيات،‏ لذلك أُخذنا الى مزرعة جماعية فقيرة.‏ كان الطعام بالكاد يكفي القاطنين فيها اصلا.‏ فراح القادمون الجدد يمضغون لحاء الصنوبر ويتناولون جذوره الصالحة للاكل وفي اغلب الاحيان حساء القرّاص».‏

      وبما ان فصل الشتاء في سيبيريا طويل وقارس،‏ فقد عانى الأستونيون المنفيون من هذا المناخ القاسي الذي لم يعتادوه من قبل.‏ لذا شق عليهم انجاز حتى الاعمال الاعتيادية مثل زراعة البطاطا.‏ فكانت السنة الاولى في النفي بالنسبة الى معظمهم مضنية جدا تسمها فترات مستمرة من الجوع.‏

      تتذكر هاييسي لامبر:‏ «كانت درجة الحرارة خمسين تحت الصفر.‏ فأبقينا قفص الدجاج تحت سريرنا كي لا يموت من البرد.‏ حتى ان البعض ابقوا عجلا في بيتهم اذا صدف ان وُلد في الشتاء».‏

      الذهاب الى مقاطعات جديدة انما على نفقة الدولة!‏

      كان وليَم داي قد ذكر منذ سنوات ان مقاطعات شاسعة ستنفتح امام الاخوة في حال احتل الاتحاد السوفياتي دول البلطيق.‏ وكم صحت كلماته هذه!‏ فحين نفت الحكومة السوفياتية شهود يهوه ساعدتهم في الواقع على ايصال البشارة الى سيبيريا وغيرها من الاماكن البعيدة.‏ صحيح ان يهوه سمح بأن يُمتحن شهوده،‏ لكنّ كثيرين ممن لم يسمعوا قط بالاسم الالهي أُتيح لهم بذلك ان يعرفوا الحق.‏

      على سبيل المثال،‏ كان لمبت ترال قد اعتُقل بسبب نشاطاته المعادية للدولة.‏ فتعرّف بالحق عام ١٩٤٨ في زنزانة في تارتيو،‏ حيث التقى بين السجناء ضابطا في الجيش الروسي اخبره عن الشهود الذين صادفهم في سجن آخر وأعطاه ملخصا عن تعاليمهم.‏ وأوضح له ان حكومة اللّٰه هي الحل الوحيد وأن اللّٰه سيحكم الارض قريبا.‏ فأثارت هذه المعلومات اهتمام لمبت.‏

      وفي النهاية،‏ أُرسل لمبت الى معسكر للسجناء في ڤوركوتا الواقعة اقصى شمال سيبيريا،‏ قرب المحيط القطبي الشمالي.‏ وهناك سمع مجموعة من الشهود يتحدثون عن الكتاب المقدس.‏ فاقترب منهم ولاحظ انهم يناقشون المواضيع نفسها التي سمعها من الضابط.‏ فما كان منه الا ان انضم اليهم وشاركهم الحديث.‏

      سأله الاخوة:‏ «ما سبب سجنك؟‏».‏

      فأجاب:‏ «كنت احارب من اجل العدل».‏

      فسأله احد الشهود:‏ «وهل نجحت؟‏».‏

      فقال لمبت:‏ «كلا».‏

      فقال له احد الاخوة:‏ «بما انك خضت الحرب الى جانب الفريق الخاسر،‏ أفلا تفضِّل ان تنضم الى الفريق الرابح؟‏».‏ ثم بدأوا يوضحون له ما يقوله الكتاب المقدس عن الحرب الروحية.‏ فكان كلما سمع المزيد يقتنع اكثر فأكثر بأنه وجد الحق ويرى الحاجة الى اتخاذ موقفه الى جانب يهوه في الحرب الروحية.‏

      بعدما أُطلق سراحه،‏ عاد الى أستونيا وبدأ حربه الروحية.‏ وهو اليوم يخدم كفاتح عادي.‏ وقد وجدت زوجته مايمو الحق بالطريقة نفسها،‏ اذ اثارت اهتمامها هي ايضا امرأة من غير الشهود فيما كانت وراء قضبان السجن.‏

      صعب على الاخوة الذين لم يتقنوا الروسية الكرازة للآخرين.‏ ولكن رغم مفرداتهم المحدودة سهل عليهم دائما افتتاح محادثة مع الآخرين بإخبارهم عن سبب نفيهم الى سيبيريا.‏ وهذا ما ساهم في جعلهم يبرعون في الخدمة غير الرسمية.‏ بالاضافة الى ذلك،‏ أُتيحت لهم فرصة كبيرة كي يشهدوا للمنفيين الأستونيين بلغتهم الام.‏ وتقدِّر احدى الاخوات الباقيات على قيد الحياة ان ما بين ١٥ و ٢٠ أستونيا تعلموا الحق في المعسكرات،‏ فضلا عن بعض الروس والليتوانيين.‏

      تأمين الطعام الروحي

      استُخدمت طرق كثيرة لتهريب الكتب المقدسة والطعام الروحي الى السجون والشهود المنفيين في المناطق النائية.‏ يوضح احد الاخوة:‏ «وصلتنا صفحات المطبوعات في جرار من شحم الخنزير او غيره من الحيوانات.‏ فلأن الشحم كان يبيض في البرد،‏ لم يكن بالامكان رؤية الورق بسهولة.‏ ورغم ان الرسميين عمدوا الى فحص الجرار بإدخال سكين في محتواها،‏ لم يتمكنوا من اكتشاف الورق الرقيق المضغوط على جوانب الجرة».‏ فنادرا ما اكتشف الرسميون الطعام الروحي الثمين الموجود في الطعام الحرفي.‏

      كذلك استطاع الاخوة تمرير مطبوعات صغيرة الحجم بخياطتها داخل حقيبة اليد او الملابس،‏ إخفائها في صندوق الصابون،‏ او ضغطها داخل لوح صابون مجوف.‏ تقول إيلا توم:‏ «تمكنت من وضع اربع نسخ من برج المراقبة في الصابون داخل صندوق الصابون».‏

      كما تعلّم الشهود،‏ رغم الرقابة على الرسائل،‏ كيف يضمّنون اخبارهم اليومية حق الكتاب المقدس واللغة الثيوقراطية بطريقة مموهة.‏ مثلا،‏ كتبت احدى الاخوات:‏ «ان الآب يهتم جيدا بنا،‏ ولدينا حبل يصلنا بالبئر».‏ وعنت بكلماتها ان «الآب» يهوه يزودهم بالطعام الروحي وأن باستطاعتهم الاتصال «بالبئر»،‏ اي بهيئة يهوه والحصول منها على مياه الحق المانحة للحياة —‏ مطبوعات الكتاب المقدس.‏

      وفي حين نُسخ الكثير من المطبوعات باليد،‏ أُنتج بعضها باستخدام وسائل الطباعة البدائية.‏ وكان الشهود يسرون عندما يُلقَون في السجن الانفرادي عقابا على كرازتهم،‏ اذ اتاح لهم ذلك نسخ المطبوعات.‏ تقول احدى الاخوات:‏ «كان وجودي في الحبس الانفرادي ملائما،‏ لانني تمكنت من ترجمة برج المراقبة دون ان يقاطعني احد».‏ وليست هذه سوى طريقة من طرائق كثيرة استخدمها المضطهدون ساهمت في تقدم عمل الملكوت بدل اعاقته.‏ —‏ اش ٥٤:‏١٧‏.‏

      اهمية الاجتماعات

      قدّر الاخوة اعمق التقدير الفرص النادرة التي اتاحت لهم التلاقي معا لعقد الاجتماعات.‏ تصف كورينا اينيكا كيف استجمعت هي وأخت اخرى الشجاعة وتركتا عملهما بضعة ايام دون اذن كي تحضرا اجتماعا.‏ توضح كورينا:‏ «تركنا مكان عملنا في المساء،‏ وقطعنا ٢٥ كيلومترا سيرا على الاقدام لنصل الى محطة القطار.‏ انطلق القطار في الساعة الثانية فجرا في رحلة استغرقت ست ساعات قبل ان ننزل منه ونسير مسافة ١٠ كيلومترات للوصول الى مكان الاجتماع.‏ فوجدنا المنزل،‏ وفيما كنا نحاول ان نقرر من منا سيقول كلمة السر،‏ خرج احد الاخوة وتعرَّف الينا وقال بفرح:‏ ‹انتما في المكان الصحيح.‏ هيا ادخلا!‏›.‏ وهناك درسنا برج المراقبة ورنمنا ترانيم الملكوت،‏ فتشجعنا كثيرا وتقوّى ايماننا».‏ وحين عادتا الى العمل بعد ثلاثة ايام،‏ شعرتا براحة كبيرة بعدما علمتا ان مدير المزرعة لم يلحظ حتى غيابهما.‏ فلا شك ان حضور الاجتماعات السرية لعب دورا مهما في ترسيخ ايمان خدام يهوه الامناء وتشجيعهم.‏

      في مناسبة اخرى،‏ كان فريق من الاخوة مجتمعين في السجن حين وصل الحراس بغتة وطفقوا يبحثون عن المطبوعات.‏ فأسرع الاخ الذي كان يمسك بيديه صفحات احدى المطبوعات الى تناول مكنسة وراح يكنس الارض.‏ وهكذا غادر الحراس بعدما ذهبت جهودهم هباء.‏ اما اوراق المطبوعة فكانت ملتفة حول قبضة المكنسة ومحفوظة بأمان في يد الاخ الذي انكب على كنس الارض.‏

      قوة المحبة المسيحية الحقيقية

      يتذكر أدولف كوزي:‏ «عملت طوال خمس سنوات في مناجم للفحم شمال الدائرة القطبية الشمالية حيث يغيب ضوء النهار في فصل الشتاء.‏ فكنا حين ننتهي من عملنا نخرج الى الهواء الطلق لنجد الظلام بانتظارنا.‏ وهكذا لم نرَ الضوء طوال اشهر.‏ كما اننا لم نحصل على حصص كافية من الطعام.‏ فأثّر كل ذلك في ذاكرتي وإحساسي بالوقت.‏ وبسبب العمل المضني،‏ قلة الطعام،‏ والاجهاد الشديد،‏ خارت قوانا واقتصرت احاديثنا عموما على كلمات معدودة.‏ لكن متى تعلقت المناقشات بحقائق الملكوت كنا نطرد التعب ونتبادل اطراف الحديث طوال ساعات».‏

      وفي خضم كل تلك المشقات،‏ تعلّم شعب يهوه ان يعرب واحدهم للآخر عن المحبة المتسمة بالتضحية بالذات.‏ يوضح الاخ كوزي:‏ «اعتدنا ان نتقاسم بالتساوي كل ما امتلكنا او ما حصل عليه اي واحد منا.‏ فبعدما اختبرنا جميعنا العوز،‏ تعلمنا ان نتشارك في كل ما لدينا».‏ —‏ ١ يو ٤:‏٢١‏.‏

      حتى الحراس باتوا يعرفون ان الشهود يساعدون دائما واحدهم الآخر.‏ فحين نُقلت آينو إتما من معسكر الى آخر لم يكن لديها ملعقة او طاس،‏ امران يعتبران من ضروريات الحياة في المعسكر.‏

      فقال لها المسؤول:‏ «لا خوف عليك.‏ فأخواتك سيعطينك ما تحتاجين اليه».‏ وصدقت توقعاته.‏ وقد جلب مثل هذا الاعراب عن المحبة المسيحية مرة بعد اخرى التمجيد لاسم يهوه.‏

      لكن امتحانات الولاء لم تتوقف قط.‏ مثلا،‏ حتى بعد ان مضى على سجن الاخت إتما فترة من الوقت،‏ استمر الحراس يسألونها:‏ «هل ما زلت ترفضين التعاون معنا؟‏».‏ وطبعا،‏ كان المقصود بكلمة «تعاون» اعطاءهم معلومات سرية عن شهود يهوه.‏

      فكانت إتما تجيب دائما:‏ «كيف تطلبون مني ان اتعاون معكم وأنتم تحتجزونني في المعسكرات؟‏ ولا تنسوا ايضا انكم السبب وراء موت ابي وأمي».‏

      وقد بقي الشهود المنفيون،‏ حتى وهم ‹مقيدون في السجن›،‏ يعربون عن المحبة المسيحية بنقل بشارة الملكوت كلّما استطاعوا.‏ ولكن الى مَن كانوا يكرزون؟‏ في الواقع،‏ ‹فُتح امامهم باب للكلام› بفضل سياسة السوفيات التي قضت بترحيل نخبة من المواطنين غير الشيوعيين بعيدا عن منازلهم.‏ فتمتع العديد من الاخوة والاخوات بالمحادثات المثمرة مع هؤلاء المنفيين المثقفين،‏ الذين ما كانوا ليسمعوا على الارجح رسالة الملكوت او يتجاوبوا معها في ظروف اخرى.‏ —‏ كو ٤:‏٢-‏٤‏.‏

      يوضح الاخ كوزي:‏ «أُخذنا لاحقا الى معسكرات مختلفة.‏ فقُدِّمت شهادة عظيمة في كل زنزانة.‏ وتمكنت في تلك الفترة ان انجز في عمل البشارة ما لم انجزه طيلة حياتي».‏

      لقد اضطُهد شهود يهوه دون هوادة طوال سنوات نفيهم.‏ فسُلبت ممتلكاتهم وحريتهم،‏ وأُذلوا بشتى الطرق والوسائل.‏ لكنهم رغم ذلك لم يسقطوا قط ادبيا او روحيا امام مضطهديهم.‏

      العودة الى أستونيا

      مات جوزيف ستالين عام ١٩٥٣،‏ فطغى حزن كبير على مناصريه الاولياء.‏ وكانت إيلا توم آنذاك في السجن برفقة ست اخوات.‏ فأتى الحارس باكيا وأمرهن بالوقوف تحية لستالين.‏ فرفضن بكل شجاعة.‏

      وأدّى موت ستالين الى تغيير عام في الجو السياسي.‏ فانهالت على الحكومة السوفياتية بين عامي ١٩٥٦ و ١٩٥٧ مئات العرائض التي ارسلها الشهود من كافة اقطار العالم تأييدا لإخوتهم المنفيين.‏ فمُنح هؤلاء العفو العام الواحد تلو الآخر.‏ وهكذا،‏ أُطلق سراح المسجونين وسُمح للمنفيين بالعودة الى ديارهم.‏ وقد أُخلي سبيل العديد من الاخوة بعد موت ستالين مباشرة،‏ فيما اضطر آخرون الى الانتظار بعض الوقت مثل عائلة تويمان.‏ فهذه الاسرة أُقصيت عن موطنها عام ١٩٥١ ولم يؤذن لها بالرجوع ثانية حتى عام ١٩٦٥.‏ غير ان عودة اخوتنا الى أستونيا لم تخلُ من المصاعب.‏ فقد لزم ان يؤمنوا لأنفسهم مكانا يسكنون فيه بعدما صودرت كل ممتلكاتهم وقت نفيهم.‏

      نظرة الى الماضي

      كيف تأثر الشهود بالترهيب،‏ الوحشية،‏ الاشغال الشاقة،‏ وظروف السجن المرعبة؟‏ لقد حافظ غالبيتهم على ولائهم وقوتهم الروحية،‏ حتى في وجه الموت.‏ فقد لقي ٢٧ شاهدا أستونيًّا مصرعهم في السجن او في المنفى،‏ بمن فيهم أرتور إيندس،‏ الذي خدم في لجنة الخدمة في أستونيا قبل ترحيله.‏ وقضى فريدريخ آلتپير نحبه بُعيد اطلاق سراحه،‏ على الارجح نتيجة الاشغال الشاقة التي استنزفت طاقته.‏ لا شك ان التجارب القاسية التي خضع لها خدام يهوه امتحنت ايمانهم،‏ لكنهم تعلموا دروسا قيمة ساعدتهم ان يحافظوا على استقامة لا تنثلم.‏ فقد نجوا من الهجوم الضاري الذي شُنّ عليهم متسلحين بإيمان اقوى وقدرة اكبر على احتمال المشقات.‏ —‏ يع ١:‏٢-‏٤‏.‏

      يوضح ڤليارد كارنا:‏ «كان الاخوة المسؤولون جميعهم في معسكرات السجن،‏ فبقينا على اتصال بهم.‏ نتيجة ذلك،‏ حصلنا دائما على المطبوعات في سيبيريا،‏ ما ساعدنا ان نحافظ على علاقة قوية بيهوه.‏ ففي أستونيا،‏ كان من الصعب جدا الحصول على الطعام الروحي بانتظام.‏ وأغلب الظن اننا لم نكن لنحمي روحياتنا لو بقينا هناك».‏

      وفي حين انتاب عديدين من غير الشهود شعور بالمرارة بسبب المعاناة التي قاسوها،‏ رأى الشهود في نفيهم اختبارا مقويا روحيا.‏

      تقول كورينا اينيكا:‏ «تعلمنا الطاعة من تجاربنا المريرة.‏ كما وضعنا املنا في يهوه ولم نندم قط.‏ فقد لمسنا من اختبارنا الخاص اننا لا نحتاج الى امور مادية كثيرة كي نبقى على قيد الحياة.‏ فلم يكن لدينا انا وأختي إيني سوى حقيبة صغيرة وعلبة وضعناهما تحت السرير.‏ واليوم كلما شعرنا اننا بحاجة الى المزيد تذكرنا تلك التجربة.‏ لقد امضينا افضل سنوات شبابنا —‏ من عمر ١٧ الى ٢٣ —‏ في سيبيريا.‏ وغالبا ما تساءلت هل كنا سنمتلك القوة الروحية عينها لو لم نُنفَ الى تلك البلاد.‏ اشعر انها كانت افضل مكان لنا آنذاك».‏

      توضح اخت اخرى:‏ «سرعان ما نسينا تلك السنوات الخمس التي قضيناها في سيبيريا.‏ كان الامر اشبه بمشاهدة فيلم مدته ساعتان».‏

      وتتذكر آينو إتما:‏ «لا تفارق مخيلتي رقصة الاضواء الشمالية البهيجة وأيام الصقيع عندما تتكوَّن السُّحب الغنية بالالوان من مياه البحر او الانهار.‏ ولن انسى ما حييت وقتما كانت الشمس لا تغرب مدة اسبوعين،‏ وأيضا حين كانت تتوارى عن الانظار طوال اسبوعين.‏ وما زلت اتذكر الفريز الذي ينضج خلال الصيف القصير والطيور وهي تقتات بالاغصان الرقيقة للاشجار النحيلة.‏ نعم،‏ رغم كل المشقات،‏ شعرت انني ازور سيبيريا في جولة سياحية.‏ وأدركت اننا ما دمنا مع يهوه يمكننا ان نحظى بالسعادة حتى في تلك البقعة النائية من الارض».‏

  • أستونيا
    الكتاب السنوي لشهود يهوه لعام ٢٠١١
    • ‏[الاطار/‏الصورتان في الصفحة ٢٠٢]‏

      كتب مصنوعة باليد

      هِلمي ليك

      تاريخ الولادة:‏ ١٩٠٨

      تاريخ المعمودية:‏ ١٩٤٥

      تاريخ الوفاة:‏ ١٩٩٨

      لمحة عن حياتها:‏ اعتُقلت ونُفيت الى سيبيريا.‏

      ◼ اعتُقلت هِلمي لأنها من شهود يهوه ونُفيت الى سيبيريا.‏ وهناك صنعت محفظة صغيرة لمفكِّرتها وخاطت عليها آية معزية هي روما ٨:‏٣٥‏:‏ «من يفصلنا عن محبة المسيح؟‏ أضيق ام شدة ام اضطهاد ام جوع ام عري ام خطر ام سيف؟‏».‏

      وقد وجدت هِلمي قطعا من الورق الاسمر فاستخدمتها لتصنع كتابا ضمّنته بعض الافكار المشجعة من الكتاب المقدس.‏ وكان كثيرون من الاخوة معتادين على نسخ كتب كاملة باليد بسبب النقص في المواد المطبوعة.‏

      بعدما عادت هِلمي من سيبيريا،‏ قالت للرسميين:‏ «انا اشكركم لأنكم ارسلتموني لأشاهد جبال سيبيريا الرائعة.‏ فمن رابع المستحيلات ان احصل على مالٍ كاف يتيح لي السفر الى تلك المنطقة البعيدة!‏».‏

المطبوعات باللغة العربية (‏١٩٧٩-‏٢٠٢٥)‏
الخروج
الدخول
  • العربية
  • مشاركة
  • التفضيلات
  • Copyright © 2025 Watch Tower Bible and Tract Society of Pennsylvania
  • شروط الاستخدام
  • سياسة الخصوصية
  • إعدادات الخصوصية
  • JW.ORG
  • الدخول
مشاركة