مكتبة برج المراقبة الإلكترونية
برج المراقبة
المكتبة الإلكترونية
العربية
  • الكتاب المقدس
  • المطبوعات
  • الاجتماعات
  • التنوع الذي لا ينتهي في الارض —‏ كيف اتى الى الوجود؟‏
    استيقظ!‏ ١٩٩٧ | ايار (‏مايو)‏ ٨
    • التنوع الذي لا ينتهي في الارض —‏ كيف اتى الى الوجود؟‏

      من الاكثر من ٥‏,١ مليون نوع من الحيوانات التي اعطاها العلماء اسماء حتى الآن،‏ هنالك مليون تقريبا هو حشرات.‏ وتلزم ٠٠٠‏,٦ صفحة من صفحات دوائر المعارف لصنع قائمة بكل الحشرات المعروفة!‏ فكيف ابتدأت حياة هذه المخلوقات؟‏ ولماذا هذا التنوع الذي لا ينتهي؟‏ هل هو نتاج صدفة عمياء،‏ «حظ» حالف الطبيعة ملايين المرات؟‏ ام انه نتيجة تصميم؟‏

      دعونا،‏ اولا،‏ نذكر باختصار بعض الانواع الاخرى من الاشياء الحية التي على كوكبنا.‏

      الطيور المدهشة

      ماذا عن الانواع المختلفة التي يزيد عددها على ٠٠٠‏,٩ من الطيور المصمَّمة بشكل رائع؟‏ فبعض طيور الطنان بالغة الصغر في حجم النحل الكبير،‏ لكنها تطير ببراعة ورشاقة اكثر من الطائرات المروحية الاكثر تطوُّرا.‏ وتهاجر طيور اخرى آلاف الكيلومترات كل سنة،‏ كالخرشنة القطبية الشمالية التي تطير مسافة ٠٠٠‏,٣٥ كيلومتر (‏٠٠٠‏,٢٢ ميل)‏ في كل رحلة ذهابا وإيابا.‏ وهي لا تملك كمپيوترا،‏ ولا آلات ملاحية،‏ ومع ذلك تصل الى مكانها المقصود دون خطإ.‏ فهل وُجدت هذه المقدرة الفطرية بالصدفة ام بالتصميم؟‏

      التنوع الخلَّاب للنباتات

      فضلا عن ذلك،‏ هنالك التنوع الهائل والجمال الأخَّاذ للحياة النباتية —‏ اكثر من ٠٠٠‏,٣٥٠ نوع من النباتات.‏ يُنتج نحو ٠٠٠،‏ ٢٥٠ منها الازهار!‏ وأكبر الاشياء الحية على الارض —‏ اشجار السَّكويَة العملاقة —‏ هي نباتات.‏

      كم من الازهار المختلفة ينمو في حديقتكم او منطقتكم؟‏ فجمال هذه الازهار،‏ تناسقها،‏ وفي الغالب شذاها —‏ من زهرة الصحراء الصغرى،‏ المَرغريتا الصغرى،‏ او الحَوْذان الى السحلبيات بتنوعها المعقَّد —‏ تجعل المرء يندهش.‏ ومرة اخرى نسأل:‏ كيف اتت الى الوجود؟‏ بالصدفة ام بالتصميم؟‏

      محيطات تعجّ بالحياة

      وماذا عن اشكال الحياة الموجودة في انهر العالم،‏ بحيراته،‏ ومحيطاته؟‏ يقول العلماء ان هنالك نحو ٤٠٠‏,٨ نوع معروف من سمك المياه العذبة ونحو ٣٠٠‏,١٣ نوع من سمك المحيطات.‏ وأصغر هذه هو القوبيون الموجود في المحيط الهندي.‏ ويبلغ طوله نحو سنتيمتر واحد (‏١٠⁄‏٤ من الانش)‏ فقط.‏ والاكبر هو القرش الحوتي الذي يمكن ان يصل طوله الى ١٨ مترا (‏٦٠ قدما)‏.‏ وهذه الارقام هي لأنواع لا تشمل اللافَقاريات (‏التي ليس لها عمود فقري)‏ او الانواع التي لم تُكتشف بعد!‏

      الدماغ العجيب

      وقبل كل شيء،‏ الدماغ البشري عجيب،‏ اذ يحتوي على الاقل على عشرة بلايين عصبون،‏ لدى كل واحد على الارجح اكثر من ٠٠٠‏,١ مشبك،‏ او نقاط اتصال بالخلايا العصبية الاخرى.‏ يقول طبيب الاعصاب ريتشارد رستاك:‏ «ان العدد الاجمالي للتوصيلات داخل الشبكة الواسعة للجهاز العصبوني في الدماغ هو حقا هائل جدا.‏» (‏الدماغ،‏ بالانكليزية)‏ ويضيف:‏ «قد يكون هنالك من عشرة تريليونات الى مئة تريليون مشبك في الدماغ.‏» ثم يطرح سؤالا ملائما:‏ «كيف يمكن لعضو كالدماغ،‏ الذي يحتوي ما بين عشرة بلايين ومئة بليون خلية،‏ ان ينمو من خلية واحدة،‏ البيضة؟‏» هل الدماغ هو نتاج حوادث عَرَضية وحظوظ محالِفة في الطبيعة دون تدخُّل من احد؟‏ ام ان هنالك تصميما يدلّ على ذكاء خلف هذا كله؟‏

      نعم،‏ كيف وُجد التنوع في الحياة والتصميم الذي يبدو بلا نهاية؟‏ هل تعلَّمتم ان هذا مجرد مسألة صدفة،‏ مسألة تجربة وخطإ،‏ مسألة حظّ في يانصيب التطور الاعمى؟‏ اذا كان الامر كذلك فتابعوا القراءة لتروا الاسئلة التي يطرحها بعض العلماء،‏ بكل صدق،‏ عن نظرية التطور التي دُعيت اساس كل العلوم البيولوجية.‏

  • هل اساس التطور مفقود؟‏
    استيقظ!‏ ١٩٩٧ | ايار (‏مايو)‏ ٨
    • هل اساس التطور مفقود؟‏

      ما هو جوهر نظرية التطور لداروين؟‏ «بمفهومه التام والبيولوجي،‏ .‏ .‏ .‏ يعني التطور عملية نشأت بها الحياة من مادة جامدة وتطورت في ما بعد بفعل عوامل طبيعية محض.‏ ويفترض التطور الدارويني ان «الحياة كلها تقريبا،‏ او على الاقل كل خصائصها الابرز،‏ نتجت من تأثير الانتقاء الطبيعي في الانحراف العشوائي.‏» —‏ علبة داروين السوداء —‏ التحدّي الكيميائي الحيوي للتطور (‏بالانكليزية)‏،‏a بقلم مايكل بيهي،‏ پروفسور مشارك في الكيمياء الحيوية في جامعة ليهاي،‏ پنسلڤانيا،‏ الولايات المتحدة الاميركية.‏

      التعقيد غير القابل للتبسيط —‏ عقبة في وجه التطور؟‏

      عندما وضع داروين نظريته،‏ كان لدى العلماء القليل او لا شيء من المعرفة عن التعقيد المذهل للخلية الحية.‏ لكنَّ الكيمياء الحيوية العصرية،‏ وهي دراسة الحياة على مستوى الجُزَيْئات،‏ كشفت البعض من ذلك التعقيد.‏ وأثارت ايضا اعتراضات وشكوكا مهمة بشأن نظرية داروين.‏

      تتألف مكوِّنات الخلايا من جُزَيْئات.‏ والخلايا هي وحدات بناء كل المخلوقات الحية.‏ ان الپروفسور بيهي كاثوليكي روماني وهو يؤمن بالتطور كتفسير لتطور الحيوانات اللاحق.‏ لكنه يثير شكوكا مهمة في قدرة التطور على شرح نشوء الخلية.‏ ويتحدث عن آلات جُزَيْئية (‏آلات مصنوعة من جُزَيْئات)‏ «تنقل الحمولة من مكان في الخلية الى مكان آخر على طول ‹طرق رئيسية› مصنوعة من جُزَيْئات اخرى .‏ .‏ .‏ وتسبح الخلايا مستعملةً الآلات،‏ تنسخ نفسها بمساعدة الآلات،‏ وتتناول الطعام بمساعدة الآلات.‏ وباختصار،‏ تضبط الآلات الجُزَيْئية البالغة التعقيد كل عملية للخلية.‏ وهكذا تكون تفاصيل الحياة مضبوطة بدقة،‏ وآلات الحياة معقَّدة جدا.‏»‏

      والآن،‏ في ايّ نطاق يحدث كل هذا النشاط؟‏ تبلغ المسافة من جانب الى آخر في خلية نموذجية ٠٣‏,٠ مليمتر (‏١٠٠٠⁄‏١ انش)‏ فقط!‏ وفي هذه الفسحة المتناهية الصغر،‏ تحدث الوظائف المعقَّدة الاساسية للحياة.‏ (‏انظروا الرسم البياني،‏ الصفحتين ٨،‏ ٩.‏)‏ فلا عجب ان يُقال:‏ «النقطة الجوهرية هي ان الخلية —‏ اساس الحياة —‏ معقَّدة بشكل مذهل.‏»‏

      يحاجّ بيهي ان الخلية لا يمكن ان تقوم بوظيفتها إلا ككيان كامل.‏ وهكذا،‏ يستحيل ان تتمكن من العيش اثناء تشكُّلها بالتغييرات البطيئة والتدريجية التي يُحدِثها التطور.‏ ويستعمل مثال مصيدة الفئران.‏ فهذه الاداة البسيطة لا يمكن ان تعمل إلا عندما تُجمع كل اجزائها.‏ وكل جزء على حدة —‏ السطح المنبسط،‏ النابض،‏ قضيب الامساك،‏ مطرقة المصيدة،‏ المِمْسَك —‏ ليس مصيدة فئران ولا يمكن ان يعمل عملها.‏ فكل الاجزاء لازمة معا ويجب ان تُجمع لتكون هنالك مصيدة تعمل.‏ وعلى نحو مماثل،‏ لا يمكن للخلية ان تقوم بوظيفتها إلا عندما تُجمع كل مكوِّناتها.‏ وهو يستعمل هذا المثل ليوضح ما يدعوه «التعقيد غير القابل للتبسيط.‏»‏b

      وهذا يشكل مشكلة رئيسية لعملية التطور المزعومة،‏ التي تشمل ظهور المميزات النافعة المكتسَبة تدريجيا.‏ عرف داروين ان نظريته للتطور التدريجي بالانتقاء الطبيعي تواجه تحدِّيا كبيرا عندما قال:‏ «اذا امكن اثبات وجود ايّ عضو معقَّد لا يمكن مطلقا ان يكون قد تشكَّل بواسطة تعديلات عديدة،‏ متعاقبة،‏ وطفيفة،‏ فستنهار نظريتي لا محالة.‏» —‏ اصل الانواع،‏ بالانكليزية.‏

      ان الخلية المعقَّدة بشكل غير قابل للتبسيط هي عقبة رئيسية في وجه تصديق نظرية داروين.‏ ففي المقام الاول،‏ لا يمكن للتطور ان يشرح القفزة من المادة الجامدة الى المادة الحية.‏ ثم تأتي مشكلة الخلية المعقَّدة الاولى،‏ التي يجب ان تنشأ دفعة واحدة كوحدة متكاملة.‏ وبكلمات اخرى،‏ يجب ان تظهر الخلية (‏او مصيدة الفئران)‏ فجأة،‏ مركَّبة وتعمل!‏

      التعقيد غير القابل للتبسيط لتخثُّر الدم

      المثل الآخر عن التعقيد غير القابل للتبسيط هو عملية نعتبرها كلنا مسلما بها عندما نجرح انفسنا —‏ تخثُّر الدم.‏ فعادةً يتسرَّب ايّ سائل على الفور من وعاء مثقوب ويستمر في التسرُّب حتى يفرغ الوعاء.‏ ولكن عندما نثقب او نجرح جلدنا،‏ يُسدُّ الثقب بإحكام بتشكُّل كتلة متخثِّرة من الدم.‏ ولكن،‏ كما يعرف الاطباء،‏ «ان جهاز تخثُّر الدم معقَّد جدا ومحبوك على نحو معقَّد جدا،‏ ويتألف من عدد كبير من اجزاء الپروتينات التي يعتمد واحدها على الآخر.‏» وهذه تنشِّط ما يُدعى سلسلة تفاعلات التخثُّر.‏ ان عملية الشفاء الناعمة هذه «تعتمد بشكل قاطع على التوقيت والسرعة اللذين يحدث بهما مختلف التفاعلات.‏» وإلا يتخثَّر دم الشخص كله ويجمد،‏ او من ناحية اخرى،‏ ينزف حتى الموت.‏ فالتوقيت والسرعة هما العاملان المقرِّران الرئيسيان.‏

      اظهر البحث الكيميائي الحيوي ان تخثُّر الدم يشمل عوامل كثيرة لا يمكن ان ينقص منها ايّ عامل كي تنجح العملية.‏ يسأل بيهي:‏ «حالما تبتدئ عملية التخثُّر،‏ ماذا يمنعها من الاستمرار وتجمُّد .‏ .‏ .‏ الدم كله؟‏» ويوضح ان «تشكُّل كتلة الدم المتخثِّرة،‏ حصرها،‏ تقويتها،‏ وإزالتها» تؤلِّف جهازا بيولوجيا متكاملا.‏ وإذا فشل ايّ جزء فعندئذ يفشل الجهاز.‏

      يسأل رصل دوليتل،‏ وهو مؤيِّد للتطور وپروفسور في الكيمياء الحيوية في جامعة كاليفورنيا:‏ «كيف تطورت هذه العملية المعقَّدة والمتوازنة بدقة؟‏ .‏ .‏ .‏ والمفارقة كانت،‏ اذا كان كل پروتين يعتمد على تنشيط الآخر له،‏ فكيف استطاع هذا الجهاز ان ينشأ؟‏ وما منفعة ايّ جزء من العملية دون المجموعة كلها؟‏» يحاول دوليتل ان يوضح اصل العملية مستخدما حجج التطور.‏ لكنَّ الپروفسور بيهي يشير الى انه «يلزم قدر كبير من الحظ للحصول على اجزاء المورِّثات الصحيحة في الاماكن الصحيحة.‏» ويُظهر ان شرح دوليتل وتعابيره المبسَّطة تُخفي وراءها عقبات هائلة.‏

      لذلك فإن الاعتراضات الرئيسية على النمط التطوري هي العقبة التي لا تُذلَّل للتعقيد غير القابل للتبسيط.‏ يذكر بيهي:‏ «اشدِّد على ان الانتقاء الطبيعي،‏ محرِّك التطور الدارويني،‏ ينجح فقط اذا كان هنالك شيء لانتقائه —‏ شيء مفيد الآن،‏ لا في المستقبل.‏»‏

      ‏‹صمت غريب وتام›‏

      يذكر الپروفسور بيهي ان بعض العلماء درسوا «نماذج رياضية للتطور او مناهج رياضية جديدة لمقارنة المعلومات حول السلاسل المتعاقبة وتفسيرها.‏» لكنه يستنتج:‏ ‏«تفترض الرياضيات ان التطور الفعلي هو عملية تدريجية عشوائية؛‏ وهي لا (‏ولا يمكن ان‏)‏ تثبته.‏»‏ (‏الحروف المائلة للعبارة الاخيرة لنا.‏)‏ وفي وقت ابكر قال:‏ «اذا فتَّشتم في المطبوعات العلمية التي تتناول التطور،‏ وإذا ركَّزتم بحثكم على السؤال كيف تطورت الآلات الجُزَيْئية —‏ اساس الحياة —‏ تجدون صمتا غريبا وتاما.‏ فتعقيد اساس الحياة يشلّ محاولة العِلم لتفسيره؛‏ والآلات الجُزَيْئية تُنشئ حاجزا لا يمكن خرقه حتى الآن في وجه القبول العالمي للداروينية.‏»‏

      يثير ذلك سلسلة من الاسئلة ليتأمل فيها العلماء ذوو الضمير الحيّ:‏ «كيف تطور مركز تفاعلات التخليق الضوئي؟‏ كيف ابتدأ نظام النقل داخل الجُزَيْء؟‏ كيف ابتدأ التخليق الاحيائي للكولسترول؟‏ كيف صارت للرتينال علاقة بالرؤية؟‏ كيف تطورت مسارات الاشارات الفوسفوپروتينية؟‏»‏c ويضيف بيهي:‏ «ان الواقع ان الانتباه لم يُوجَّه الى ايّ من هذه المشاكل،‏ هذا اذا لم نذكر حلّها،‏ هو دليل قوي جدا على ان الداروينية اطار غير وافٍ لفهم اصل الاجهزة الكيميائية الحيوية المعقَّدة.‏»‏

      اذا كانت نظرية داروين لا تستطيع ان تشرح الاساس الجُزَيْئي المعقَّد للخلايا،‏ فعندئذ كيف يمكن ان تكون شرحا وافيا لوجود ملايين الانواع التي تسكن هذه الارض؟‏ وعلى ايّ حال،‏ لا يمكن للتطور ان يُنتج حتى انواع فصائل جديدة بسدّ الفجوات بين نوع فصيلة وآخر.‏ —‏ تكوين ١:‏١١،‏ ٢١،‏ ٢٤‏.‏

      مشاكل بداية الحياة

      مهما بدت نظرية داروين مقبولة في اعين بعض العلماء،‏ ففي النهاية يجب ان يواجهوا السؤال،‏ حتى لو سلَّمنا جدلا ان اشكال الاشياء الحية تطورت بالانتقاء الطبيعي فكيف ابتدأت الحياة؟‏ وبكلمات اخرى،‏ لا تكمن المشكلة في بقاء الاصلح،‏ بل في وصول الاصلح والاول!‏ ولكنَّ داروين لم يكن مهتما بمشكلة كيفية ابتداء الحياة،‏ كما تدلّ على ذلك تعليقاته عن تطور العين.‏ فقد كتب:‏ «كيف يصير العصب حسّاسا للضوء لا يهمّنا كما لا يهمّنا كيف نشأت الحياة نفسها.‏»‏

      كتب الكاتب العلمي الفرنسي فيليپ شامبون:‏ «ان داروين نفسه تساءل كيف انتقت الطبيعة الاشكال التي كانت تظهر قبل ان تصير هذه قادرة على تأدية وظيفتها كاملا.‏ والقائمة بأسرار التطور لا تنتهي.‏ فيلزم ان يعترف علماء الاحياء اليوم بتواضع،‏ مع الپروفسور جان جينيرمون من جامعة پاريس الجنوبية في اورساي،‏ ان ‹نظرية التطور المركَّبة لا يمكنها بسهولة ان تشرح اصل الاعضاء المعقَّدة.‏›»‏

      في ضوء الاحتمالات الهائلة ضد انتاج التطور لهذا التنوع والتعقيد غير المحدودَين لأشكال الحياة،‏ هل تجدونه صعبا ان تصدِّقوا ان كل شيء تطور في الاتجاه الصحيح بالصدفة فقط؟‏ هل تتساءلون كيف استطاع كل مخلوق ان ينجو في معركة بقاء الاصلح فيما كانت عيناه لا تزالان تتطوران؟‏ او فَرَضًا فيما كانت اصابعه البدائية تتشكَّل في جسم شبه بشري؟‏ هل تتساءلون كيف بقيت الخلايا حية اذا وُجدت في حالة ناقصة وغير ملائمة؟‏

      كتب روبرت نِياي،‏ كاتب في مجلة علم الفلك (‏بالانكليزية)‏ ومؤيِّد للتطور،‏ ان الحياة على الارض هي نتيجة «سلسلة طويلة من الحوادث البعيدة الاحتمال [التي] حصلت بالطريقة الصحيحة تماما لتسبِّب وجودنا،‏ كما لو اننا ربحنا يانصيب المليون دولار ملايين المرات على التوالي.‏» وهذا النمط من التفكير يمكن تطبيقه على الارجح على كل مخلوق موجود اليوم.‏ والاحتمالات ضدّ ذلك هي كثيرة.‏ ومع ذلك،‏ يُتوقَّع منا ان نصدِّق ان التطور انتج ايضا بالصدفة وفي الوقت نفسه ذكرا وأنثى لكي تُحفَظ الانواع الجديدة.‏ ولزيادة الاحتمالات المضادة،‏ علينا ايضا ان نصدِّق ان الذكر والانثى لم يتطورا في الوقت نفسه فقط بل ايضا في المكان نفسه!‏ فدون لقاء،‏ لا توالد!‏

      وطبعا،‏ ان المرء الذي يصدِّق ان الحياة بملايين اشكالها الكاملة وُجدت نتيجة ملايين حالات الصُدَف الموفَّقة هو في منتهى السذاجة.‏

      لماذا الغالبية العظمى تصدِّق؟‏

      لماذا التطور شائع الى هذا الحد ومقبول عند كثيرين بأنه التفسير الوحيد للحياة على الارض؟‏ احد الاسباب هو انه وجهة النظر التقليدية التي يجري تعليمها في المدارس والجامعات،‏ وويل لكم اذا تجرَّأتم على التعبير عن اية شكوك.‏ يقول بيهي:‏ «يتعلم تلامذة كثيرون من كتبهم الدراسية كيف ينظرون الى العالم من منظار التطور.‏ لكنهم لا يتعلمون كيف امكن التطور الدارويني ان ينتج ايًّا من الاجهزة الكيميائية الحيوية المعقدة بشكل لافت للنظر التي تصفها تلك الكتب.‏» ويضيف:‏ «لكي نفهم نجاح الداروينية كاعتقاد شائع وفشلها كعِلم على مستوى الجُزَيْئات،‏ يجب ان نتفحَّص الكتب الدراسية التي تُستعمل لتعليم العلماء الطموحين.‏»‏

      اذا أُجري استفتاء لجميع العلماء في العالم،‏ تقول الغالبية العظمى منهم انهم يعتقدون ان الداروينية صحيحة.‏ لكنَّ العلماء،‏ كأيّ شخص آخر،‏ يؤسسون معظم آرائهم على كلام اشخاص آخرين.‏ .‏ .‏ .‏ والمؤسف ايضا ان المجتمع العلمي رفض في احيان كثيرة النقد خوفا من ان يتخذه مؤيِّدو الخلق ذريعة.‏ ومن السخرية انه بغية حماية العِلم،‏ جرى تجاهل النقد العلمي الصريح للانتقاء الطبيعي.‏»‏d

      ايّ بديل قابل للتطبيق وموثوق به هنالك لنظرية داروين،‏ نظرية التطور؟‏ ستعالج مقالتنا الاخيرة في هذه السلسلة هذه المسألة.‏

      ‏[الحواشي]‏

      a سيُشار اليه من هنا فصاعدا بـ‍ علبة داروين السوداء.‏

      b ‏«التعقيد غير القابل للتبسيط» يصف «جهازا واحدا مؤلَّفا من اجزاء متعددة متوافقة ومتفاعلة تشترك في العمل الاساسي،‏ حيث ان ازالة ايّ جزء تسبب ان يتوقف الجهاز فعليا عن العمل.‏» (‏علبة داروين السوداء‏)‏ فيكون ذلك بالتالي ابسط مستوى يمكن عنده ان يعمل الجهاز.‏

      c التخليق الضوئي هو العملية التي بها تصنع خلايا النباتات الكربوهيدرات من ثاني اكسيد الكربون والماء،‏ باستعمال الضوء والكلوروفيل.‏ ويدعوها البعض اهمّ تفاعل كيميائي يحدث في الطبيعة.‏ والتخليق الاحيائي هو العملية التي بها تصنِّع الخلايا الحية المُركَّبات الكيميائية المعقَّدة.‏ والرتينال مشمول في جهاز الرؤية المعقَّد.‏ ومسارات الاشارات الفوسفوپروتينية هي وظائف اساسية للخلية.‏

      d نظرية الخلق هي الاعتقاد ان الارض خُلقت في ستة ايام حرفية او،‏ في بعض الحالات،‏ ان الارض تشكَّلت قبل نحو عشرة آلاف سنة فقط.‏ ان شهود يهوه،‏ فيما يؤمنون بالخلق،‏ ليسوا مؤيِّدين لنظرية الخلق.‏ فهم يؤمنون بأن رواية التكوين في الكتاب المقدس تأخذ في الاعتبار ان عمر الارض ملايين السنين.‏

      ‏[النبذة في الصفحة ٦]‏

      ‏«اذا امكن اثبات وجود ايّ عضو معقَّد لا يمكن مطلقا ان يكون قد تشكَّل بواسطة تعديلات عديدة،‏ متعاقبة،‏ وطفيفة،‏ فستنهار نظريتي لا محالة.‏»‏

      ‏[النبذتان في الصفحة ١٠]‏

      داخل الخلية هنالك «عالم من التكنولوجيا المتفوِّقة والتعقيد المذهل.‏» ‏—‏ التطور:‏ نظرية في ازمة

      التعليمات داخل DNA الخلية،‏ «لو كُتبت لملأت ألف كتاب من ٦٠٠ صفحة.‏» ‏—‏ ناشونال جيوڠرافيك

      ‏[النبذة في الصفحة ١١]‏

      ‏«تفترض الرياضيات ان التطور الفعلي هو عملية تدريجية عشوائية؛‏ وهي لا (‏ولا يمكن ان)‏ تثبته.‏»‏

      ‏[النبذة في الصفحة ١٢]‏

      ‏«من السخرية انه بغية حماية العِلم،‏ جرى تجاهل النقد العلمي الصريح للانتقاء الطبيعي.‏»‏

      ‏[الاطار في الصفحة ٩]‏

      الجُزَيْء والخلية

      الكيمياء الحيوية —‏ «دراسة اساس الحياة:‏ الجُزَيْئات التي تشكِّل الخلايا والانسجة والتي تتوسط التفاعلات الكيميائية لعملية الهضم،‏ التخليق الضوئي،‏ المناعة،‏ وغير ذلك.‏» —‏ علبة داروين السوداء.‏

      الجُزَيْء —‏ «الجُسيم الاصغر الذي اليه يمكن ان ينقسم العنصر او المركَّب دون تغيير خصائصه الكيميائية والفيزيائية؛‏ مجموعة من الذرات المتشابهة او المختلفة التي تربطها معا قوى كيميائية.‏» —‏ قاموس التراث الاميركي للغة الانكليزية.‏

      الخلية —‏ الوحدة الاساسية لكل العضويات الحية.‏ «كل خلية هي بنية منظَّمة الى حد كبير مسؤولة عن شكل العضوية ووظيفتها.‏» وكم خلية تشكِّل الانسان الراشد؟‏ مئة تريليون خلية (‏٠٠٠‏,٠٠٠‏,٠٠٠‏,٠٠٠‏,١٠٠)‏!‏ ولدينا نحو ٠٠٠‏,١٥٥ خلية في كل سنتيمتر مربَّع (‏٠٠٠‏,٠٠٠‏,١ في كل انش مربَّع)‏ من الجلد،‏ والدماغ البشري لديه من ١٠ بلايين الى ١٠٠ بليون عصبون.‏ «الخلية هي الوحدة الاساسية للحياة لأنه في الخلية يكون ان مجموعة من الماء،‏ الاملاح،‏ الجُزَيْئات الكبرى،‏ والاغشية تشكِّل خلية حية حقا.‏» —‏ علم الاحياء،‏ بالانكليزية.‏

      ‏[الاطار في الصفحة ٨]‏

      ‏«التعقيد المنقطع النظير» للخلية

      «لكي نفهم حقيقة الحياة كما يُظهرها علم الاحياء الجُزَيْئي،‏ ينبغي ان نكبِّر خلية ألف مليون مرة حتى يبلغ قطرها عشرين كيلومترا وتشبه منطادا عملاقا كبيرا كفاية ليغطي مدينة كبيرة كلندن او نيويورك.‏ وما نراه بعد ذلك هو شيء من التعقيد المنقطع النظير والتصميم القابل للتكيُّف.‏ وعلى سطح الخلية نرى ملايين الفتحات،‏ كالكُوَى الجانبية لسفينة فضائية ضخمة،‏ تفتح وتغلق لتسمح بتدفُّق الفيض المتواصل من المواد الى الخلية وخارجها.‏ وإذا دخلنا احدى هذه الفتحات نجد انفسنا في عالم من التكنولوجيا المتفوِّقة والتعقيد المذهل.‏ ونرى ممرات وقنوات لا نهاية لها منظَّمة جدا تتفرَّع في كل اتجاه بدءًا من محيط الخلية،‏ البعض منها يؤدي الى مستودع الذاكرة المركزي في النواة والبعض الآخر الى محطات التجميع ووحدات التصنيع.‏ والنواة نفسها تكون حجرة كروية كبيرة يبلغ قطرها اكثر من كيلومتر،‏ وتشبه قُبَّة مثلَّثات نرى داخلها اميالا من السلاسل الملتفَّة لجُزَيْئات الـ‍ DNA،‏ وكلها مجموعة معًا بإتقان في صفوف منظَّمة.‏ وعلى طول كل القنوات المتعدِّدة،‏ تنتقل بطريقة منظَّمة جدا تشكيلة ضخمة من المُنتجات والمواد الخام ذهابا وإيابا من وإلى كل محطات التجميع المتنوِّعة في انحاء الخلية خارج النواة.‏

      «ويدهشنا مستوى التحكُّم الكامن في حركة اشياء كثيرة على طول قنوات كثيرة تبدو بلا نهاية،‏ وكلها تعمل بانسجام تام.‏ ونرى حولنا،‏ في كل اتجاه ننظر اليه،‏ كل انواع الآلات الذكية.‏ ونلاحظ ان ابسط المكوِّنات الوظائفية للخلية،‏ الجُزَيْئات الپروتينية،‏ هي بشكل مذهل اجزاء معقَّدة من آلات جُزَيْئية،‏ يحتوي كل واحد منها على نحو ثلاثة آلاف ذرة مرتَّبة في تشكيلات ثلاثية الابعاد منظَّمة الى حد بعيد.‏ ونندهش اكثر ايضا عندما نشاهد النشاطات الغريبة انما الهادفة لهذه الآلات الجُزَيْئية العجيبة،‏ وخصوصا عندما ندرك انه،‏ رغم كل معرفتنا التي حصَّلناها في الفيزياء والكيمياء،‏ فإن مهمة تصميم آلة جُزَيْئية واحدة كهذه —‏ اي جُزَيْء پروتيني فعَّال واحد —‏ هي كليا فوق نطاق قدرتنا في الوقت الحاضر وعلى الارجح لن تُنجز حتى بداية القرن التالي على الاقل.‏ لكنَّ حياة الخلية تعتمد على النشاطات الموحَّدة لآلاف الجُزَيْئات الپروتينية المختلفة،‏ وبالتأكيد عشرات الآلاف منها،‏ وعلى الارجح مئات الآلاف منها.‏» —‏ التطور:‏ نظرية في ازمة،‏ بالانكليزية.‏

      ‏[الاطار في الصفحة ١٠]‏

      الحقائق والاعتقادات الخاطئة

      «بالنسبة الى شخص لا يشعر بأنه مُجبَر على حصر بحثه في المسبِّبات غير الذكية،‏ فإن الاستنتاج الصريح هو ان الكثير من الاجهزة الكيميائية الحيوية صُمِّم.‏ ولم تصمِّمه قوانين الطبيعة،‏ ولا الصدفة والضرورة؛‏ بل خُطِّط له.‏ .‏ .‏ .‏ فالحياة على الارض في ابسط مستوياتها،‏ وأهم مكوِّناتها،‏ هي نتاج عمل ذكي.‏» —‏ علبة داروين السوداء.‏

      «لا يمكن ان يكون هنالك شك انه بعد قرن من الجهد المكثَّف فشل علماء الاحياء في اثبات [نظرية التطور الداروينية] بأية طريقة ذات معنى.‏ ويبقى الواقع ان الطبيعة لم تكشف انها مؤلفة من السلسلة المتصلة التي يقتضيها النمط الدارويني،‏ ولم يُثبت ان الصدفة يمكن ان تكون الوسيلة التي اوجدت الحياة.‏» —‏ التطور:‏ نظرية في ازمة.‏

      «ان تأثير النظرية التطورية في حقول بعيدة كل البعد عن علم الاحياء هو احد الامثلة الابرز في التاريخ لكيفية تمكُّن فكرة تخمينية جدا ليس لها دليل علمي ثابت حقا ان تصوغ تفكير مجتمع بكامله وتسود وجهة نظر جيل.‏» —‏ التطور:‏ نظرية في ازمة.‏

      «ايُّ عِلم يبحث في الماضي .‏ .‏ .‏ يُبعِد سَلَفًا احتمال التصميم او الخلق لا يعود بحثا عن الحقيقة،‏ ويصير خادما (‏او عبدا)‏ لمعتقد فلسفي تكتنفه المشاكل،‏ أي المذهب الطبيعي.‏» —‏ البحث في البداية‏،‏ بالانكليزية.‏

      «انه اعتقاد خاطئ .‏ .‏ .‏ ان تشارلز داروين حلَّ مشكلة اصل التعقيد البيولوجي.‏ انه اعتقاد خاطئ ان لدينا فهما كافيا او حتى متوسِّطا لأصل الحياة،‏ او ان التفاسير الصحيحة هي التي تشير فقط الى ما يُسمى مسبِّبات طبيعية.‏ وبالفعل،‏ ان هذه وغيرها من اعتقادات المذهب الطبيعي الفلسفي الخاطئة لها اعتبار معين.‏ فالمرء لا يتحدث عنها بنقد لاذع امام الاوساط الراقية.‏ ولكن لا يجب ايضا ان يقبلها المرء دون نقد.‏» —‏ البحث في البداية.‏

      «يعترف ضمنا كثيرون من العلماء ان العِلم لا يملك تفسيرا لبداية الحياة.‏ .‏ .‏ .‏ ولم يتخيَّل داروين قط التعقيد الهائل جدا الذي يوجد حتى في ابسط مستويات الحياة.‏» —‏ علبة داروين السوداء.‏

      «التطور الجُزَيْئي ليس مؤسسا على برهان علمي.‏ .‏ .‏ .‏ هنالك ادعاءات ان تطورا كهذا حدث،‏ ولكن ما من ادِّعاء تدعمه التجارب والتقديرات ذات العلاقة.‏ وبما ان لا احد يعرف التطور الجُزَيْئي بالتجربة المباشرة،‏ وبما انه ليس هنالك برهان تتأسس عليه ادِّعاءات المعرفة،‏ يمكن القول حقا ان .‏ .‏ .‏ ادِّعاءات التطور الجُزَيْئي الدارويني هي مجرد كلام تبجُّح.‏» —‏ علبة داروين السوداء.‏

      ‏[الاطار في الصفحة ١٢]‏

      التطور «لعبة حظ»‏

      نظرية التطور هي بالتأكيد حلم مراهن.‏ ولماذا؟‏ لأنه بحسب مؤيِّد التطور،‏ تربح على الرغم من الاحتمالات الضخمة المضادة لها.‏

      يكتب روبرت نِياي:‏ «لأن التطور هو بشكل رئيسي لعبة حظ،‏ كان يمكن ان يختلف قليلا مسار ايّ حدث ماضٍ بسيط في الظاهر،‏ منهيًا عملية تطورنا قبل ان يتطور البشر.‏» ولكن لا،‏ يُفترض ان نعتقد ان كل رهان ربح ملايين المرات.‏ ويعترف نِياي:‏ «ان السلسلة الطويلة للعوائق تجعل من الواضح ان ظهور الحياة الذكية اصعب بكثير مما اعتقد العلماء في الماضي.‏ وهنالك ربما عوائق اكثر لم يكتشفها العلماء بعد.‏»‏

  • اللّٰه —‏ مراهن ام خالق؟‏
    استيقظ!‏ ١٩٩٧ | ايار (‏مايو)‏ ٨
    • اللّٰه —‏ مراهن ام خالق؟‏

      ‏«لا شك ان هنالك علماء كثيرين يعارضون بطبعهم ايّ نوع من الحجج الماورائية،‏ فضلا عن الحجج الروحية.‏ وهم يزدرون بفكرة امكانية وجود اله،‏ او حتى منشِئ مبدِع غير شخصي .‏ .‏ .‏ انا شخصيا لا اشاركهم في ازدرائهم.‏» هكذا يقول پول دايڤيز،‏ پروفسور في الفيزياء الرياضية في جامعة آديلَيد،‏ اوستراليا الجنوبية،‏ في كتابه عقل اللّٰه،‏ بالانكليزية.‏

      يقول دايڤيز ايضا:‏ «تشير الدراسة الدقيقة الى ان قوانين الكون ملائمة بشكل مدهش لظهور التعقيد والتنوع.‏ وفي ما يتعلق بالعضويات الحية،‏ يبدو ان وجودها يعتمد على عدد من المصادفات المحظوظة التي اعلن بعض العلماء والفلاسفة انها امر مذهل جدا.‏»‏

      ويضيف:‏ «البحث العلمي هو رحلة الى المجهول.‏ .‏ .‏ .‏ ولكن في كل هذا البحث يَظهر الطابع المألوف للمنطق والتنظيم.‏ وسنرى ان هذا التنظيم الكوني تدعمه قوانين رياضية محدَّدة تتمازج لتشكِّل وحدة مُحكمة التنسيق ومنسجمة.‏ والقوانين لها بساطة رائعة.‏»‏

      يختتم دايڤيز بالقول:‏ «أما لماذا يملك الانسان العاقل شرارة المنطق التي تزوِّد المفتاح لادراك الكون فهذا لغز كبير.‏ .‏ .‏ .‏ لا استطيع ان اصدِّق ان وجودنا في هذا الكون هو من غرائب الصدف،‏ مصادفة في التاريخ،‏ شذوذ عَرَضي في المسرحية الكونية العظمى.‏ ان صلتنا وثيقة جدا بالكون.‏ .‏ .‏ .‏ لقد قُصد حقا ان نكون هنا.‏» لكنَّ دايڤيز لم يستنتج ان هنالك مصمِّما،‏ الها.‏ ولكن الى ايّ استنتاج تصلون انتم؟‏ هل قُصد ان يكون البشر هنا؟‏ وإذا كان الامر كذلك،‏ فمَن قصد ان نكون هنا؟‏

      مفاتيح ‹اللغز›‏

      يعرض الرسول بولس في الكتاب المقدس مفتاحا لفهم ما يدعوه دايڤيز ‹لغزا كبيرا.‏› ويُظهر بولس كيف كشف اللّٰه نفسه:‏ «اذ معرفة اللّٰه ظاهرة فيهم [«الناس .‏ .‏ .‏ الذين يحجزون الحق»] لأن اللّٰه اظهرها لهم.‏ لأن اموره غير المنظورة تُرى منذ خلق العالم مُدرَكة بالمصنوعات قدرته السرمدية ولاهوته حتى انهم بلا عذر.‏» (‏رومية ١:‏١٨-‏٢٠‏)‏a نعم،‏ ان التنوع اللامتناهي لأشكال الحياة،‏ تعقيدها الهائل،‏ تصميمها المتقن،‏ يجب ان تقود الشخص المتواضع والمتصف بالتوقير الى الادراك ان هنالك قوة،‏ ذكاء،‏ او عقلا اسمى يفوق كثيرا ايّ شيء عرفه الانسان يوما ما.‏ —‏ مزمور ٨:‏٣،‏ ٤‏.‏

      ويتوقف المرء ويفكر عندما يقرأ كلمات بولس الاضافية المتعلقة بالذين يرفضون اللّٰه:‏ «وبينما هم يزعمون انهم حكماء صاروا جهلاء .‏ .‏ .‏ الذين استبدلوا حق اللّٰه بالكذب واتَّقوا وعبدوا المخلوق دون الخالق الذي هو مبارك الى الابد آمين.‏» (‏رومية ١:‏٢٢،‏ ٢٥‏)‏ فالذين يبجِّلون «الطبيعة» ويرفضون اللّٰه ليسوا بالتأكيد حكماء من وجهة نظر يهوه.‏ وإذ يغرقون في تشويش النظريات التطورية المتضاربة،‏ يفشلون في الاعتراف بالخالق وتعقيد خليقته وتصميمها.‏

      ‏«سلسلة ضخمة من الحوادث العَرَضية»‏

      كتب بولس ايضا:‏ «بدون ايمان لا يمكن ارضاؤه [اللّٰه] لأنه يجب ان الذي يأتي الى اللّٰه يؤمن بأنه موجود وأنه يجازي الذين يطلبونه.‏» (‏عبرانيين ١١:‏٦‏)‏ فالايمان المؤسس على المعرفة الصحيحة لا على التسليم بصحة الامور،‏ يمكن ان يؤدي الى فهم سبب وجودنا.‏ (‏كولوسي ١:‏٩،‏ ١٠‏)‏ فالتسليم بصحة الامور هو ان يحملنا بعض العلماء على الاعتقاد ان الحياة موجودة لأن الامر هو «كما لو اننا ربحنا يانصيب المليون دولار ملايين المرات على التوالي.‏»‏

      وضع العالِم البريطاني فرِد هُويْل نظرية تقول ان التفاعلات النووية التي ادَّت الى تشكُّل عنصرَين اساسيَّين للحياة،‏ الكربون والاكسجين،‏ انتجت كمية نسبية متوازنة من هذين العنصرين فقط بسبب حادث عَرَضي حالفه الحظ.‏

      ويعطي مثلا آخر:‏ «اذا صار فجأة مجموع كتلتَي الپروتون والالكترون اكثر بقليل من كتلة النيوترون بدل ان يكون اقل بقليل منها،‏ يكون التأثير مدمِّرا.‏ .‏ .‏ .‏ ففي كل الكون تتفكك على الفور كل ذرات الهيدروجين لتشكِّل نيوترونات ونيوترينوات.‏ وإذ تُسلب الشمس وقودها النووي،‏ تضعف وتتقوَّض.‏» ويصحّ الامر نفسه في بلايين النجوم الاخرى في الكون.‏

      واستنتج هُويْل:‏ «ان قائمة .‏ .‏ .‏ الحوادث الظاهرية ذات الطبيعة غير الاحيائية والتي بدونها لا يمكن ان توجد الحياة المعتمدة على الكربون،‏ وبالتالي الحياة البشرية،‏ هي طويلة ومذهلة.‏» ويقول:‏ «ان مثل هذه الخصائص [الاساسية للحياة] يبدو انها تسري في بنية العالَم الطبيعي كخيط من الصدف السعيدة.‏ ولكن هنالك الكثير جدا من هذه المصادفات الغريبة والجوهرية بالنسبة الى الحياة بحيث يبدو ان حدوثها يتطلب تفسيرا.‏» —‏ الحروف المائلة لنا.‏

      وذكر ايضا:‏ «المشكلة هي ان نقرِّر هل هذا الضبط المتزامن ظاهريا عَرَضي حقا ام لا،‏ وبالتالي هل الحياة عَرَضية ام لا.‏ ما من عالِم يحب ان يطرح سؤالا كهذا،‏ ولكن يجب ان يُطرح رغم ذلك.‏ فهل يمكن ان يكون هذا الضبط نتيجة عمل عمدي ينمّ عن ذكاء؟‏»‏

      يكتب پول دايڤيز:‏ «كان هُويْل متأثرا جدا بهذه ‹السلسلة الضخمة من الحوادث العَرَضية،‏› بحيث اندفع الى التعليق ان الحالة هي كما لو ان ‹قوانين الفيزياء النووية صُمِّمت عمدا نظرا الى النتائج التي تسبِّبها داخل النجوم.‏›» فمَن او ما هو المسؤول عن هذه «السلسلة الضخمة من الحوادث العَرَضية [المحظوظة]»؟‏ مَن او ماذا انتج هذا الكوكب المتناهي الصغر الزاخر بتنوع لا نهاية له تقريبا من ملايين النباتات والمخلوقات المصنوعة بإتقان؟‏

      جواب الكتاب المقدس

      كتب المرنم الملهم بتوقير قبل نحو ثلاثة آلاف سنة:‏ «ما اعظم اعمالك يا رب.‏ كلها بحكمة صنعتَ.‏ ملآنة الارض من غناك.‏ هذا البحر الكبير الواسع الاطراف.‏ هناك دبَّابات بلا عدد.‏ صغار حيوان مع كبار.‏» —‏ مزمور ١٠٤:‏٢٤،‏ ٢٥‏.‏

      وقال الرسول يوحنا:‏ «انت مستحق ايها الرب ان تأخذ المجد والكرامة والقدرة لأنك انت خلقت كل الاشياء وهي بإرادتك كائنة وخُلقت.‏» (‏رؤيا ٤:‏١١‏)‏ فالحياة ليست نتاج صدفة عمياء،‏ نتاج يانصيب كوني حدث ان ربحت فيه ملايين اشكال الحياة.‏

      والحقيقة البسيطة هي ان اللّٰه ‹خلق كل الاشياء وهي بإرادته كائنة وخُلقت.‏› قال يسوع المسيح نفسه للفريسيين:‏ «أمَا قرأتم ان الذي خلق من البدء خلقهما ذكرا وأنثى.‏» كان يسوع يعرف الخالق!‏ وبصفته صانعا عند يهوه،‏ كان الى جانبه اثناء الخلق.‏ —‏ متى ١٩:‏٤؛‏ امثال ٨:‏٢٢-‏٣١‏.‏

      لكنَّ ادراك هذه الحقيقة الاساسية عن الخالق وقبولها يتطلّبان الايمان والاتِّضاع.‏ وهذا الايمان ليس تسليما اعمى.‏ انه مؤسس على دليل ملموس ومنظور.‏ نعم،‏ «اموره [اللّٰه] غير المنظورة تُرى منذ خلق العالم.‏» —‏ رومية ١:‏٢٠‏.‏

      بمعرفتنا العلمية المحدودة في الوقت الحاضر،‏ لا يمكننا ان نوضح كيف قام اللّٰه بعمل الخلق.‏ لذلك يجب ان نعترف انه في الوقت الحاضر لا يمكننا ان نعرف او نفهم كل شيء عن اصل الحياة.‏ ونتذكر ذلك عندما نقرأ كلمات يهوه:‏ «افكاري ليست افكاركم ولا طرقكم طرقي .‏ .‏ .‏ لأنه كما علت السموات عن الارض هكذا علت طرقي عن طرقكم وأفكاري عن افكاركم.‏» —‏ اشعياء ٥٥:‏٨،‏ ٩‏.‏

      فالخيار هو خياركم:‏ إما ان تصدِّقوا بسذاجة التطور الاعمى والعَرَضي،‏ المراهنات التي لا تُحصى والتي افتُرِض انها ادَّت الى نتيجة رابحة،‏ او ان تؤمنوا بالقاصِد-‏الخالق-‏المصمِّم،‏ يهوه اللّٰه.‏ قال بالصواب النبي الملهم:‏ «اله الدهر الرب خالق اطراف الارض لا يَكِلّ ولا يعيا.‏ ليس عن فهمه فحص.‏» —‏ اشعياء ٤٠:‏٢٨‏.‏

      فبماذا ستؤمنون؟‏ ان قراركم سيؤثر تأثيرا كبيرا في آمالكم المستقبلية في الحياة.‏ فإذا كان التطور صحيحا،‏ فالموت عندئذ سيعني نسيانا كليا،‏ على الرغم من الحجج الخداعة للّاهوت الكاثوليكي المعقَّد،‏ الذي يحاول ان يُدخل «النفس» في التطور.‏b فالانسان ليست له نفس خالدة لتخفِّف من ضربة الموت المحتومة.‏ —‏ تكوين ٢:‏٧؛‏ حزقيال ١٨:‏٤،‏ ٢٠‏.‏

      وإذا وافقنا على ان الكتاب المقدس صحيح وأن الاله الحي هو الخالق،‏ فعندئذ نوافق على الوعد بالقيامة الى حياة ابدية،‏ حياة كاملة،‏ على ارض اعيدت الى حالتها الاصلية من التوازن والانسجام.‏ (‏يوحنا ٥:‏٢٨،‏ ٢٩‏)‏ فبماذا ستؤمنون؟‏ بالرهان الذي لا يُصدَّق لنظرية التطور الداروينية؟‏ ام بالخالق،‏ الذي عمل بقصد ويستمر في ذلك؟‏c

      ‏[الحواشي]‏

      a ‏«إن ما لا يُرى من امور اللّٰه،‏ اي قدرته الازلية وألوهته،‏ ظاهر للعيان منذ خَلْق العالم،‏ اذ تُدركه العقول من خلال المخلوقات.‏» —‏ رومية ١:‏٢٠‏،‏ ترجمة تفسيرية.‏

      b انظروا «مراقبين العالم،‏» الصفحة ٢٨،‏ «البابا يؤكد التطور من جديد.‏»‏

      c من اجل مناقشة مفصَّلة للمسألة،‏ انظروا كتاب الحياة —‏ كيف وصلت الى هنا؟‏ بالتطور ام بالخلق؟‏،‏ اصدار جمعية برج المراقبة للكتاب المقدس والكراريس في نيويورك.‏

      ‏[النبذة في الصفحة ١٤]‏

      يقول بعض مؤيِّدي التطور،‏ في الواقع،‏ ان وجودنا على الارض هو «كما لو اننا ربحنا يانصيب المليون دولار ملايين المرات على التوالي.‏»‏

      ‏[الاطار/‏الصورة في الصفحة ١٥]‏

      التنوع والتصميم اللذان لا ينتهيان

      الحشرات تذكر دائرة معارف الكتاب العالمي (‏بالانكليزية)‏:‏ «يكتشف العلماء من ٠٠٠‏,٧ الى ٠٠٠‏,١٠ نوع جديد من الحشرات كل سنة.‏» ولكن،‏ «قد يكون هنالك من مليون الى ١٠ ملايين نوع لم يُكتشَف بعد.‏» والصحيفة الفرنسية لو موند،‏ كما اقتبست منها ڠارديان ويكلي (‏بالانكليزية)‏،‏ في مقالة بقلم كاثرين ڤنسنت،‏ تتحدث عن الانواع التي توجد عنها معلومات وافية بأنها «عدد صغير يُرثى له بالمقارنة مع العدد الحقيقي .‏ .‏ .‏ الذي يُقدَّر انه بين ٥ ملايين وعلى نحو لا يُصدَّق ٥٠ مليونا.‏»‏

      فكِّروا في عالم الحشرات المدهش —‏ النحل،‏ النمل،‏ الزنابير،‏ الفراشات،‏ الصراصير،‏ الدُّعسوقيات،‏ اليَراع،‏ الأَرَض،‏ العُثّ،‏ ذباب المنازل،‏ اليَعْسوبيّات،‏ البعوض،‏ لاحسات السُّكر،‏ الجنادب،‏ القَمْل،‏ الجداجد،‏ البراغيث —‏ هذا اذا ذكرنا القليل!‏ ويبدو ان القائمة لا تنتهي.‏

      الطيور ماذا يمكن ان نقول عن طير يزن نحو ١٤ غراما (‏اقل من اونصة)‏؟‏ «تصوَّروه يطير اثناء هجرته اكثر من ٠٠٠‏,١٦ كيلومتر (‏٠٠٠‏,١٠ ميل)‏ في السنة من النطاق الشجري في ألاسكا الى الغابات المطيرة في اميركا الجنوبية ويعود،‏ مارًّا فوق قمم الجبال المشجَّرة،‏ متجنِّبا ناطحات السحاب في المدن،‏ وعابرا مساحات شاسعة في عرض المحيط الاطلسي وخليج المكسيك.‏» ايُّ طائر عجيب هو هذا؟‏ «الدُّخَّلة التي لها سواد في اعلى الرأس Dendroica striata،‏ الطائر الديناميّ الذي لا مثيل فعلا لبراعته في السفر بين طيور اميركا الشمالية التي تعيش على اليابسة.‏» (‏كتاب طيور اميركا الشمالية،‏ بالانكليزية)‏ ومرة اخرى نسأل:‏ هل هذا هو نتاج حوادث عَرَضية لا تُحصى للطبيعة حدث انها كانت مؤاتية؟‏ ام انه اعجوبة تصميم ذكي؟‏

      أضيفوا الى هذه الامثلة الطيور التي يبدو ان لديها مجموعة لا تنتهي من الاغاريد:‏ العندليب،‏ المعروف في كل اوروپا وأنحاء من افريقيا وآسيا بتغريده المبهج؛‏ الهَنْبَر الشمالي لاميركيا الشمالية،‏ طائر هو «مقلِّد ماهر ويدمج مقاطع موسيقية مستظهَرة كجزء من اغرودته»؛‏ طائر القيثارة الانيق لأوستراليا،‏ «بأغرودته المعقَّدة،‏ التي تحتوي اجزاء من التقليد الماهر المدهش.‏» —‏ طيور العالم،‏ بالانكليزية.‏

      وبالاضافة الى ذلك،‏ فإن الكمال في ألوان الكثير من الطيور وفي تصميم اجنحتها وريشها يخطف الانفاس من الدهشة.‏ أضيفوا الى ذلك مهاراتها في حياكة وصنع اعشاشها،‏ سواء كانت الاعشاش على الارض،‏ في جوانب الجروف،‏ او في الاشجار.‏ ان هذا الذكاء الفطري لا بد ان يؤثر في الشخص المتواضع.‏ فكيف اتت الى الوجود؟‏ بالصدفة ام بالتصميم؟‏

      الدماغ البشري «ربما يوجد بين عشرة تريليونات ومئة تريليون مشبك في الدماغ،‏ وكل واحد يعمل كحاسب صغير يسجِّل الاشارات التي تصل كدفعات كهربائية.‏» (‏الدماغ‏)‏ نحن عادة نعتبر الدماغ شيئا مسلَّما به،‏ لكنه عالم معقَّد يحويه ويحميه القحف.‏ فكيف حدث ان صار لدينا هذا العضو الذي يجعلنا نفكر،‏ نحلل منطقيا،‏ ونتكلم آلاف اللغات؟‏ من خلال ملايين الصدف المحظوظة؟‏ ام بالتصميم الذكي؟‏

      ‏[الرسم في الصفحتين ١٦ و ١٧]‏

      رسم بياني مبسَّط للجزء الخارجي من الدماغ

      القشرة الحسِّية

      تحلِّل الدفعات الحسِّية من كامل الجسم

      الفصّ القَذاليّ

      يعالج الاشارات البصرية

      المُخَيْخ

      يضبط التوازن والتنسيق

      القشرة المحرِّكة الامامية

      تضبط التنسيق العَضَلي

      القشرة المحرِّكة

      تساعد على ضبط الحركة الارادية

      الفصّ الجَبْهيّ

      يساعد على ضبط التفكير والانفعالات والنُطق والحركة

      الفصّ الصُدغي

      يعالج الصوت؛‏ يضبط بعض اوجه التعلم والذاكرة واللغة والانفعالات

      ‏[الرسم في الصفحة ١٧]‏

      نهاية محور عصبي

      مرسِلات عصبية

      غُصَيْن

      مشبك

      ‏[الرسم في الصفحتين ١٦،‏ ١٧]‏

      غُصَيْنات

      مشبك

      عصبون

      محور عصبي

      عصبون

      غُصَيْنات

      محور عصبي

      ‏«ربما يوجد بين عشرة تريليونات ومئة تريليون مشبك في الدماغ،‏ وكل واحد يعمل كحاسب صغير يسجِّل الاشارات التي تصل كدفعات كهربائية.‏» —‏ الدماغ

المطبوعات باللغة العربية (‏١٩٧٩-‏٢٠٢٥)‏
الخروج
الدخول
  • العربية
  • مشاركة
  • التفضيلات
  • Copyright © 2025 Watch Tower Bible and Tract Society of Pennsylvania
  • شروط الاستخدام
  • سياسة الخصوصية
  • إعدادات الخصوصية
  • JW.ORG
  • الدخول
مشاركة