مكتبة برج المراقبة الإلكترونية
برج المراقبة
المكتبة الإلكترونية
العربية
  • الكتاب المقدس
  • المطبوعات
  • الاجتماعات
  • الصفحة ٢
    استيقظ!‏ ١٩٨٨ | نيسان (‏ابريل)‏ ٨
    • وبغض النظر عن عمر الولد فإن الالم موجود دائما.‏ فكيف يمكن احتمال الفاجعة؟‏ وكيف يمكن ان تستمر الحياة؟‏ وهل يكون تصويرنا على هذه الصفحة لعائلة ترحب بعودة ولدها من الموت مجرد خيال،‏ ام انه سيصير حقيقة قريبا؟‏

      ان القصص الحقيقية التالية المتعلقة بأشخاص عبروا الفاجعة المريعة التي يسبِّبها فقدان ولد ستجيب عن بعض هذه الاسئلة.‏ ومن اجل النتيجة في كل حالة نرجو ان تقرأوا هذه المقالات عن التفجّع.‏ ونعتقد انكم ستستمدون منها التعزية والرجاء.‏

  • ‏«لا يمكن ان يكون ذلك صحيحا!‏»‏
    استيقظ!‏ ١٩٨٨ | نيسان (‏ابريل)‏ ٨
    • ‏«كان ٣١ ايار ١٩٨٢ يوما جميلا.‏ كانت الشمس مشرقة والسماء زرقاء،‏ ففكّرت انها ستكون فرصة مثالية لأنظف الفِناء.‏ كنا قد شذبنا مؤخرا شجرة الدردار الصينية القديمة،‏ وكان بعض العيدان والاغصان لا يزال متروكا على الارض المكتسية بالعشب.‏ ثم تذكرت ان صديقنا جورج يملك آلة تجعل العمل اسهل،‏ ولذلك اتصلت به هاتفيا.‏

      ‏«كان جورج طيارا متمرسا،‏ وكان يحب الطيران.‏ ولذلك لم تكن مفاجأة حين اخبرني انه سيطير مع بعض الاصدقاء وسأل عمّا اذا كنا نرغب في الذهاب برحلة.‏ جزمنا زوجتي ديان وأنا ان ذلك سيخلق تغييرا بهيجا بعد ترتيب الفِناء.‏ واخذنا معنا ابنتنا البالغة ثلاث سنوات.‏ وكانت ماريا،‏ الطفلة الجميلة الذكية التي شعرها وعيناها بلون بنِّي غامق،‏ مثارة تماما.‏

      ‏«وعندما وصلنا الى المطار كان صديق آخر ينتظر دوره لرحلة،‏ وهكذا حشرنا انفسنا جميعا في الطائرة ذات المقاعد الاربعة.‏ وحلَّقنا فوق البحيرة وتوجّهنا الى الجبال.‏ كان ذلك جميلا.‏ اطللنا من النافذة ورأينا معالم الارض المألوفة.‏ كان بعض الناس يتمتعون بالنزهة على تلة.‏ وكانت ماريا تهتزّ طربا.‏ وبعدئذ،‏ فيما كنا نحلِّق فوق قمة التلة،‏ امسك بالطائرة تيار هوائي هابط قوي مفاجئ.‏ فتوقف المحرك فجأة وهمد،‏ وهوت الطائرة من السماء!‏

      ‏«كل ما استطعت ان افكر فيه كان محاولة الوصول الى ما بين زوجتي،‏ التي كانت تحتضن ماريا،‏ والمقعد في المقدمة.‏ ولم انجح على الاطلاق —‏ فقد صدمت الطائرة جانب الجبل.‏

      ‏«حاولت ان انهض ولكنني لم استطع الحراك.‏ استطعت ان اسمع ديان تصرخ طلبا للنجدة،‏ لكنني لم استطع ان افعل شيئا.‏ وكل ما استطعت فعله كان ان اصيح مستنجدا.‏

      ‏«واخيرا اتت فرق الطوارئ الطبية لتُنزلنا من على الجبل.‏ ومع اننا هبطنا هبوطا اضطراريا وفقا للاصول كان جورج والصديق ميتين.‏ وكان الباقون منا يعانون اضرارا بالغة.‏ واصيبت ماريا بأضرار رأسية وداخلية.‏ تولّى حموي المهمة المؤلمة ان يأتي الى سريري في المستشفى ليخبرني انها ماتت —‏ وكان ذلك طعنة لقلبي.‏ وفكرت:‏ ‹لماذا هي؟‏ لِمَ لم اكن انا؟‏ ليس عدلا ان تموت طفلة مثلها.‏› ليتني لم اقبل تلك الرحلة .‏ .‏ .‏

      ‏«كانت ديان في حالة رديئة جدا بظهر مكسور.‏ وبعد حادثة التحطُّم بثلاثة اسابيع ماتت هي ايضا.‏ لقد فقدت طفلتي وزوجتي في انقضاض مهلك واحد.‏ وفكرت انني خسرت كل شيء.‏ فكيف كنت سأعيش بعد وفاتهما؟‏» —‏ كما رواها جس روميرو،‏ نيو مكسيكو،‏ الولايات المتحدة الاميركية.‏

      ‏«كان ابني يوناثان خارج البيت يزور اصدقاء في لونغ آيلند.‏ ولم ترغب زوجتي فلنتينا في ذهابه الى هناك.‏ فقد كانت دائما مضطربة الاعصاب بشأن حركة السير.‏ ولكنه كان يحب الالكترونيات،‏ وكان اصدقاؤه يملكون مشغلا حيث يستطيع ان ينال خبرة عملية.‏ كنت في البيت في مانهاتن الغربية.‏ وكانت زوجتي غائبة تزور عائلتها في بورتو ريكو.‏

      ‏«كان النعاس يغلبني امام التلفزيون.‏ وفكرت:‏ ‹سيعود يوناثان قريبا.‏› وبعدئذ قرع جرس الباب.‏ ‹سيكون هو حتما.‏› ولم يكن هو.‏ فقد كانت الشرطة والمسعفون الطبيون.‏

      ‏«‹هل تعرف رخصة السائق هذا؟‏› سأل ضابط الشرطة.‏ ‹نعم،‏ انها لابني يوناثان.‏› ‹لدينا اخبار سيئة لك.‏ لقد حصل حادث،‏ و .‏ .‏ .‏ ابنك،‏ .‏ .‏ .‏ ابنك قد مات.‏› وكان رد فعلي الاول،‏ ‹لا يمكن ان يكون ذلك صحيحا!‏ لا يمكن ان يكون ذلك صحيحا!‏›‏

      ‏«لقد فتحت تلك المفاجأة المذهلة جرحا في قلوبنا لم يلتئم حتى الآن،‏ بعد سنتين تقريبا.‏» —‏ كما رواها أغسطين كرابلّوزو،‏ نيويورك،‏ الولايات المتحدة الاميركية.‏

      ‏«قديما في اسبانيا ستينات الالف والتسعمئة كنا عائلة سعيدة —‏ رغم الاضطهاد الديني بسبب كوننا شهودا.‏ كان هنالك زوجتي ماريا واولادنا الثلاثة،‏ دافيد،‏ باكيتو،‏ وايزابيل،‏ واعمارهم على التوالي ١٣؛‏ ١١،‏ و ٩ سنوات.‏

      ‏«وذات يوم في آذار ١٩٦٣ اتى باكيتو الى البيت من المدرسة يشكو آلاما حادة في الرأس.‏ وارتبكنا ازاء ما يمكن ان يكون السبب —‏ ولكن ليس لامد طويل.‏ فبعد ثلاث ساعات كان ميتا.‏ لقد قضى نزف مُخِّي على حياته.‏

      ‏«حدث موت باكيتو منذ ٢٤ سنة.‏ ومع ذلك يلازمنا الالم العميق لتلك الخسارة حتى هذا اليوم.‏ وما من طريقة يمكن بها لوالدين ان يفقدوا ولدا دون ان يشعروا بانهم فقدوا شيئا من انفسهم —‏ بغض النظر عن مقدار الوقت الذي يمضي او كم من الاولاد الآخرين ربما لديهم.‏» —‏ كما رواها رامون سيرّانو،‏ برشلونه،‏ اسبانيا.‏

      هذه مجرد القليل من ملايين المآ‌سي التي تنزل بالعائلات حول العالم.‏ وكما يشهد معظم الوالدين المفجوعين فعندما يأخذ الموت ولدكم يكون عدوا حقا.‏ —‏ ١ كورنثوس ١٥:‏٢٥،‏ ٢٦‏.‏

      ولكن كيف دبّر هؤلاء الاشخاص الثواكل امرهم في الحالات المقتبسة آنفا؟‏ تُرى هل تكون الحياة العادية ممكنة في حال من الاحوال بعد خسارة كهذه؟‏ وهل هنالك اي رجاء باننا قد نرى ثانية احباءنا المفقودين؟‏ واذا كان الامر كذلك فاين وكيف؟‏ سيجري التأمل في هذه الاسئلة واخرى متعلقة بها في المقالات التالية.‏

  • ‏«كيف استطيع ان اعايش تفجُّعي؟‏»‏
    استيقظ!‏ ١٩٨٨ | نيسان (‏ابريل)‏ ٨
    • ‏«كيف استطيع ان اعايش تفجُّعي؟‏»‏

      حلّت المأساة ببوب وديان كريش منذ ١٨ سنة.‏ فقد عانى ابنهما دافيد،‏ البالغ ست سنوات،‏ مشكلة خِلقية في القلب.‏ تروي ديان القصة:‏

      ‏«كان احد الاطباء قد اشار علينا ان نجري فحصا في خلال سنة او نحوها،‏ فوافقنا عليه.‏ كان دافيد مفعما بالحياة،‏ ناشطا على نحو مفرط تقريبا.‏ اذكر انه كان ٢٥ كانون الثاني،‏ وكان دافيد يزعج اخته ويقلب غرفتها رأسا على عقب.‏ وعندما سأل ان كان ممكنا ان يخرج ليلعب سمحت له بالذهاب.‏

      ‏«وبعد وقت قليل سمعت سيارة الاسعاف،‏ ثم اتت جارة راكضة في الممر وهي تصرخ:‏ ‹ديان،‏ انه دافيد،‏ ينبغي ان تأتي!‏› خرجت واذا به حيث مددوه فوق غطاء محرك سيارة واقفة.‏ لم استطع الحراك.‏ وشعرت وكأنني شُلِلت.‏ اخذوه بسيارة الاسعاف.‏ ولكن ذلك كله كان عبثا.‏ فقد انهار قلبه الصغير ومات.‏»‏

      ‏«استيقظ!‏»:‏ «كيف اثرت فيك هذه الخسارة المريعة؟‏»‏

      ديان:‏ «اختبرت سلسلة من ردود الفعل —‏ فقدان الحس،‏ عدم التصديق،‏ الذنب،‏ والغضب على زوجي والطبيب لعدم ادراكهما مدى خطورة حالته.‏ لقد كنت منزعجة جدا من دافيد في ذلك النهار.‏ كان لدي زوار مدعوون الى الطعام وطفل في الاسبوع العاشر من العمر لاعتني به.‏ وكان ذلك اكثر مما يُحتمل.‏ وبعدئذ فإن الشيء التالي الذي عرفته هو انهم كانوا يأخذون ولدي دافيد الى المستشفى.‏

      ‏«ما كنت لاصدق انه ميت.‏ وما كنت لاقبل كلمتَيْ ‹ميت› و ‹موت.‏› وبقدر ما كان الامر يتعلق بي فقد مضى في رحلة.‏ وفكرت:‏ ‹انه حي في ذاكرة اللّٰه وسيعود.‏› ولذلك شرعت اكتب اليه رسائل بعد نحو سبعة اسابيع من موته.‏ وكتبت هذه الرسائل طوال ١٣ سنة!‏»‏

      كم يدوم التفجُّع؟‏

      ان مجرى تفجّع ديان الطويل الامد يدعم ما يذكره الدكتور آرثر فريز في كتابه «عون لتفجّعكم»:‏ «يشعر معظم الخبراء بان فقدان ولد ينتج ثكلا دائما لدى الوالدين،‏ وخصوصا الام.‏»‏

      ‏«ويعود التفجّع بدوران السنة» كان رأي الشاعر شلي.‏ فالمُذكِّرات السنوية بالفقيد الحبيب تجدِّد الغُصَص.‏ ويستطيع ملايين من الناس اليوم ان يؤكدوا ذلك،‏ وفي الحقيقة يسألون:‏ ‹كيف استطيع ان اعايش تفجّعي؟‏› ولكن التفجّع عملية شفاء،‏ مع انها ربما لا تكتمل ابدا.‏ والتفجّع المبرّح ينقص،‏ مع ان الاحساس بالخسارة يبقى.‏

      ويؤكد هذا الرأي هارولد ومارجوري بيرد من بريطانيا اللذان فقدا ابنهما ستيفن البالغ ١٩ عاما عندما غرق قبل عشر سنوات.‏ وما جعل الامور اسوأ انه كان ولدهما الوحيد،‏ ولم يُعثر على جثته قط.‏ يقول هارولد عن عملية التفجّع:‏ «يُقال ان الوقت يشفي،‏ لكنه في الواقع يجعل ذكرى العزيز تبلد.‏ سيأتي الشفاء الوحيد عندما نلتقي به ثانية في القيامة.‏»‏

      واوضحت دراسة علمية في الثُّكل عملية التفجّع كما يلي:‏ «قد يترجّح الثاكل على نحو مثير ومفاجئ من حالة شعور الى اخرى،‏ وتجنُّب ما يذكِّر بالراحل قد يتناوب والتنمية المتعمدة للذكريات لفترة معينة من الزمن.‏ والناس عموما ينتقلون من حالة عدم التصديق الى قبول تدريجي لواقع الخسارة.‏»‏

      ويطرح الدكتور فريز شعاعا من النور على هذا الموضوع المعتم.‏ «ينبغي للمرء ان يحتفظ دائما بالقدرة على رؤية الاشياء من الزاوية الصحيحة —‏ ان يُدرك ان الغالبية العظمى من اولئك الذين يعانون التفجّع ويختبرون الثُّكل .‏ .‏ .‏ يخرجون من الجانب الآخر سالمين،‏ يتعافون ويتابعون تقريبا في الحالة الجسدية ذاتها التي بدأ بها ألم التفجّع وكربه.‏»‏

      وفي الواقع قد يخرج الشخص في حالات كثيرة اقوى.‏ ولماذا الامر هكذا؟‏ لان اختبار التفجّع يعلّم التقمص العاطفي —‏ فهما افضل للثواكل واندماجا متعاطفا فيهم.‏ وبما ان التقمص العاطفي يتجاوز التعاطف بكثير،‏ فإن الذي يتخطى التفجّع يصير مصدر قوة ومشيرا ومعزيا للآخرين الذين يتألمون بفقدان حبيب.‏ وعلى سبيل المثال،‏ قال بوب الذي مات ابنه دافيد بسبب ضعف القلب:‏ «نجد ان مساعدة الآخرين على حمل عبئهم من التفجّع قد هدّأت تفجّعنا ايضا.‏»‏

      لمَ الذنب،‏ الغضب،‏ وتبادل التهم؟‏

      يعترف الخبراء في حقل التفجّع ان ردود فعل الذنب والغضب وتبادل التهم المقترنة غالبا بالثُّكل هي طبيعية لهذه الحالة.‏ فالذين عبروا المحنة يحاولون ايجاد اسباب حينما يتعذر في اغلب الاحيان وجود اسباب صحيحة او منطقية.‏ ‹لمَ وجب ان يصيبني ذلك؟‏ ماذا فعلت لاستحقه؟‏ ليتني .‏ .‏ .‏› هي بعض ردود الفعل الشائعة.‏ وينقلب آخرون على اللّٰه بافكار مثل:‏ ‹كيف سمح اللّٰه بحدوث هذا؟‏ لمَ يفعل اللّٰه ذلك بي؟‏›‏

      وهنا يخطر بالبال جواب الكتاب المقدس:‏ «الوقت والعرض يلاقيانهم كافة.‏» فالحوادث يمكن ان تقع في اي مكان وزمان،‏ والموت غير متحيز.‏ ومن المؤكد ان اله المحبة لا يضايق احدا بإعدامه ولده.‏ —‏ جامعة ٩:‏١١؛‏ ١ يوحنا ٤:‏٨‏.‏

      وأغسطين وفلنتينا،‏ المذكوران في المقالة الافتتاحية،‏ استسلما بعدُ لذرف الدموع عندما ناقشا وفاة يوناثان مع «استيقظ!‏» فهل كان لديهما اي تبادل للتهم؟‏ اجابت فلنتينا:‏ «لم اوافق قط على ذهابه الى لونغ آيلند في سيارة امرئ آخر.‏ وينبغي ان اكون صادقة.‏ فقد القيت اللوم على أغسطين.‏ وانا ادرك الآن انه كان رد فعل يفتقر الى التفكير السليم،‏ ولكن في ذلك الوقت ظللت افكر:‏ ‹لو ان البابا لم يسمح له بالذهاب لبقي حيا.‏› وظللت ألومه.‏ لقد كان عليَّ ان ابوح بالامر لان كبته آذاني.‏»‏

      وغضَب ديان كريش لموت دافيد المبكر عبّر عن نفسه بالامتعاض من الحيوانات.‏ فقد اخبرت «استيقظ!‏»:‏ «اذا رأيت كلبا او قطة يمشي في الطريق كان ينتابني الشعور:‏ ‹لذلك الحيوان قلب سليم يخفق في داخله.‏ لماذا لم يستطع ابني ان يحظى بقلب سليم؟‏ لماذا ينبغي ان يتمشى حيوان وليس ابني دافيد؟‏›»‏

      ويؤكد لنا الخبراء ان كل ردود الفعل هذه هي طبيعية مع انها تفتقر في اغلب الاحيان الى التفكير السليم.‏ وطرح الاسئلة هو شكل من التبرير،‏ جزء من عملية ترويض الذات لقبول الواقع.‏ واخيرا يجري بلوغ وجهة نظر مستقرة،‏ ويسود الادراك السليم.‏ وكما يعبّر عن ذلك الدكتور فريز:‏ «ان محك التفجّعِ الجيد —‏ العملِ على نحو ملائم خلال المشاكل العاطفية للنوح والتفجّع،‏ تقبُّلِ الموت والنظر بصدق الى كل المشاعر التي ترافقه —‏ هو ان يتحمل النائح اخيرا هذه الاوقات العصيبة بألم عابر او بمجرد افكار طفيفة فاترة حزينة.‏»‏

      ويؤدي هذا الى استواء الامر.‏ ويتابع الدكتور فريز:‏ «المبتغى الاسمى هو ان يحتل اخيرا الحنين الى الماضي والافكار السارة،‏ القدرة على التحدث عن الراحل بصدق وعاطفة،‏ مكان الالم الموجع والتفجّع والضيق.‏» وفي هذه المرحلة فإن الذكريات تنمي العاطفة اكثر مما تنمي التفجّع.‏

      مواجهة فقدان طفل جهيض

      رغم حيازة منى اولادا آخرين فقد كانت تتطلع باعتزاز الى ولادة ولدها التالي.‏ وحتى قبل الولادة كانت «طفلة لعبت معها،‏ تحدثت اليها،‏ وحلمت بها.‏»‏

      كانت عملية الترابط بين الام والطفلة غير المولودة قوية.‏ وتتابع:‏ «كانت راشيل آن طفلة ترفس الكتب عن بطني،‏ وتبقيني مستيقظة في الليل.‏ استطيع حتى الآن ان اتذكر رفساتها الضعيفة الاولى،‏ مثل وكزات لطيفة مُحِبّة.‏ وكلما تحركَت كنت امتلئ من محبة كهذه.‏ عرفتها جيدا الى حد انني كنت اعرف متى تتألم ومتى تكون مريضة.‏»‏

      وتتابع منى روايتها:‏ «لم يصدقني الطبيب الا بعد فوات الاوان.‏ وطلب مني ان اكف عن القلق.‏ اعتقد انني احسست بها تموت.‏ فقد انقلبت فجأة بعنف.‏ وفي اليوم التالي كانت ميتة.‏»‏

      ليس اختبار منى حدثا منفردا.‏ واستنادا الى المؤلفين فريدمن وغرادشتين،‏ في كتابهما «العيش بعد فقدان الحمل،‏» فإن نحو مليون امرأة سنويا في الولايات المتحدة وحدها يكابدن حملا غير ناجح.‏ وغالبا ما يفشل الناس في الادراك ان الاجهاض او ولادة جنين ميت مأساة للمرأة،‏ وهي تتفجّع —‏ ربما كل حياتها.‏ مثلا،‏ تتذكر فيرونيكا من مدينة نيويورك،‏ وهي الآن في الخمسينات من عمرها،‏ اجهاضاتها وتتذكر خصوصا الطفل الجهيض الذي عاش حتى الشهر التاسع ووُلد بزنة ١٣ باوندا (‏٦ كلغ)‏.‏ لقد حملته ميتا في احشائها طوال الاسبوعين الاخيرين.‏ وكما قالت:‏ «ان ولادة طفل ميت هي شيء مريع للام.‏»‏

      وردود فعل هؤلاء الامهات المتثبطات لا تُفهم دائما،‏ حتى من قبل النساء الاخريات.‏ كتبت طبيبة نفسانية فقدت ولدها بالاجهاض:‏ «ما تعلمته بأوجع طريقة هو انني،‏ قبلما اصابني هذا،‏ لم اكن حقا املك اية فكرة عمَّا تضطر صديقاتي الى احتماله.‏ وكنت عديمة الاحساس وجاهلة تجاههم بقدر ما اشعر الآن بان الناس هم تجاهي.‏»‏

      ان مشكلة اخرى للام المتفجّعة هي الانطباع بان زوجها ربما لا يشعر بالخسارة كما تشعر هي بها.‏ عبّرت زوجة عن ذلك بهذه الطريقة:‏ «خاب املي كليا في زوجي آنذاك.‏ فبقدر ما تعلق الامر به لم يكن هنالك حبل حقا.‏ ولم يستطع اختبار التفجّع الذي كنت اكابده.‏ كان متعاطفا جدا مع مخاوفي ولكن ليس مع تفجّعي.‏»‏

      قد يكون رد الفعل هذا طبيعيا عند الزوج —‏ فهو لا يختبر الترابط الجسدي والعاطفي ذاته الذي تختبره زوجته الحامل.‏ ولكنه يكابد خسارة.‏ ومن الحيوي ان يدرك الزوج والزوجة انهما يتألمان معا،‏ وان كان ذلك بطريقتين مختلفتين.‏ وينبغي ان يشتركا في تفجّعهما.‏ فاذا كتم الزوج ذلك قد تظن زوجته انه عديم الاحساس.‏ (‏انظروا الصفحة ١٢.‏)‏ ولذلك اشتركا معا في الدموع والافكار والمعانقات.‏ اظهرا انكما تحتاجان احدكما الى الآخر اكثر من اي وقت سابق.‏

      سر الموت المفاجئ وفاجعته

      تعيش ملايين الامهات بخوف يومي سري.‏ وكما عبرت عن ذلك احدى الامهات:‏ «اصلي كل ليلة طالبة ان اجد طفلي حيا في الصباح.‏» وما يخفنه هو الموت المفاجئ،‏ او SIDS (‏الاعراض المتزامنة لموت الرضَّع المباغت)‏.‏ وتذكر الطبيبة ماري فالدز —‏ دابينا،‏ استاذة علم الامراض (‏الباثولوجيا)‏ في جامعة ميامي،‏ فلوريدا،‏ ان هنالك ما بين الـ‍ ٠٠٠‏,٦ والـ‍ ٠٠٠‏,٧ حالة SIDS سنويا في الولايات المتحدة وحدها.‏ وتضيف:‏ «لا يمكن ان يكون هنالك ادنى شك في انها مشكلة صحية عامة حقيقية جدا.‏»‏

      ويباغت الموت المفاجئ الاطفال ليلا،‏ وفي اغلب الاحيان بين الشهر الثاني والرابع من العمر.‏ ولم يزوِّد العلم بعدُ تفسيرا وافيا،‏ وحتى تشريح الجثث يخفق في تزويد سبب للموت المباغت.‏ ويبقى سرا.‏

      وغالبا ما تكون نتيجة الموت المفاجئ شعورا مريعا بالذنب.‏ فما الذي يساعد الوالدين في حالات الموت المفاجئ؟‏ اولا،‏ يجب ان يدركوا انه ما كان بمقدورهم تجنب المأساة.‏ فالـ‍ SIDS لا يمكن التنبؤ عنه ولا سبيل الى تجنبه عادة.‏ ولذلك لا مبرر لاية مشاعر بالذنب.‏ ثانيا،‏ ان دعم الوالدين المتبادل وثقتهما وتفهُّمهما سيساعدهما كليهما في التغلب على تفجّعهما.‏ فتحدثا عن طفلكما مع الآخرين.‏ واشتركا في مشاعركما.‏

      والجدود ايضا يتفجّعون

      يتألم الجدود كذلك،‏ بطريقة خصوصية.‏ وكما عبر أب ثاكل عن ذلك:‏ «لا يتأثرون بموت الحفيد وحسب بل بتفجّع ولدهم ايضا.‏»‏

      ومع ذلك ثمة طرائق لجعل خسارة الجدود اسهل.‏ اولا،‏ خذوهم بعين الاعتبار.‏ فقد كان حفيدهم امتدادا لهم ايضا.‏ ولذلك يجب قبول الجدود في مجرى التفجّع بطريقتهم الخاصة.‏ وطبعا لا يعني ذلك وجوب توليهم الامر دون موافقة الوالدين.‏ اما اذا ارادوا ان يجري شملهم،‏ وعادة يرغبون في ذلك،‏ فيجب الترحيب بهم.‏

  • تعابير لا تعزِّي دائما
    استيقظ!‏ ١٩٨٨ | نيسان (‏ابريل)‏ ٨
    • اذا سبق وشعرتم مرة بتفجّع عميق هل شعرتم احيانا بان تعليقات الآخرين قد آذتكم؟‏ فبينما يبدو ان معظم الناس يعرفون ما ينبغي قوله لمنح التعزية يستطيع الكثيرون من الاشخاص الثواكل ان يتذكروا تعليقات لم تساعد.‏ واذ كتبت اورسولا مومسن —‏ هنبرجر في «كيلر ناخريختن» الالمانية ذكرت ان بعض الوالدين «يتأذّون بعمق عندما يقول الغرباء:‏ ‹ولكن لا يزال لديكم الاولاد الآخرون،‏ أليس كذلك؟‏›» وتجيب:‏ «قد يكون الآخرون تعزية ولكنهم ليسوا بديلا.‏»‏

      واخبرت المشيرة في الثُّكل كاثلين كابيتولو «استيقظ!‏»:‏ «عبارة اخرى ينبغي تجنبها هي:‏ ‹اعرف ما تشعرون به.‏› فحقيقة الامر هي ان لا احد يعرف حقا ما يعانيه شخص آخر.‏ ولكنكم تستطيعون تأييد ما يشعرون به.‏ ويمكنكم ان تؤكدوا لهم ان مشاعرهم طبيعية.‏»‏

      وايب ملاوسكي،‏ كما هو مذكور في كتاب «التعافي من فقدان ولد،‏» «يشعر بقوة بان الامر يتطلب امرأ فقد ولدا كي يعرف ما هو فقدان الولد.‏» وقال:‏ «يمكن ان يكون لديكم خمسة عشر ولدا،‏ ولن يصنع ذلك فرقا.‏ فلن تستطيعوا ابدا التعويض عن ولد.‏»‏

      وفي حالة الاجهاض او ولادة جنين ميت فان التعابير الاخرى التي لا تبني،‏ مع انها مخلصة،‏ هي:‏ «ستحبلين ثانية عما قريب وتنسين كل شيء عن ذلك.‏» «هكذا افضل.‏ فعلى اي حال كان الطفل سيولد مشوَّها.‏» «انها نعمة في ثوب نقمة.‏» ففي لحظة الفقدان القاسية لا تستطيع هذه الافكار المبتذلة ان تُسكّن الالم المبرح مهما كانت حسنة النية.‏

      والملاحظات التافهة المتصلّبة التي يبديها بعض رجال الدين هي مهيِّج آخر للثواكل.‏ فالقول ان ‹اللّٰه اراد ملاكا آخر› يصوِّر اللّٰه بوصفه قاسيا وانانيا ويعادل التجديف.‏ واضافة الى ذلك لا دعم له في المنطق او في الكتاب المقدس.‏

      هل يجب ان ينوح المسيحي؟‏

      وما القول في المسيحيين الذين يفقدون ولدا في الموت؟‏ احيانا يقتبس البعض كلمات بولس الى التسالونيكيين:‏ «لا تحزنوا كالباقين الذين لا رجاء لهم.‏» (‏١ تسالونيكي ٤:‏١٣‏)‏ فهل منع بولس التفجّع والنوح؟‏ لا،‏ فهو انما قال ان المسيحي الذي له رجاء لا يتفجَّع بالطريقة ذاتها كالذين لا رجاء لهم.‏ —‏ يوحنا ٥:‏٢٨،‏ ٢٩‏.‏

      ولايضاح هذه النقطة كيف تجاوب يسوع عندما اخبرته مريم ان لعازر ميت؟‏ تخبرنا الرواية:‏ «فلما [رأى يسوع مريم] تبكي واليهود الذين جاءوا معها يبكون انزعج بالروح واضطرب.‏» وبعدئذ،‏ عندما أُخذ الى حيث كان الميت موضوعا،‏ «بكى يسوع.‏» فهل من الخطإ التفجّع؟‏ وهل يُظهر عدم ايمان بوعد اللّٰه بالقيامة؟‏ لا،‏ فهو يشير بالاحرى الى محبة عميقة للشخص الميت.‏ —‏ يوحنا ١١:‏٣٠-‏٣٥‏،‏ قارنوا يوحنا ٢٠:‏١١-‏١٨‏.‏

      ان اقترابا آخر يمكن ان يكون مزعجا هو الاقتراب المتفضِّل الذي يؤكد للثاكل:‏ ‹الوقت هو الشافي العظيم.‏› ايضا،‏ تجنبوا السؤال،‏ «ألم تتعافوا من ذلك بعد؟‏» وكما قالت ام بريطانية:‏ «ان الذين يسألون:‏ ‹ألم تتعافوا من ذلك بعد؟‏› لا يفهمون حقا ما يعنيه فقدان امرئ قريبٍ كالولد.‏ فلن نتعافى من ذلك الا بعد ان نستعيده في القيامة.‏» وقد تكون عبارة شكسبير ملائمة:‏ «يستطيع كل امرئ ان يتغلب على التفجّع الا الذي يكابده.‏»‏

      واحيانا يغدو الاب ضحية موقف عديم المراعاة.‏ فقد كان اب ثاكل يغضب عندما يسأل الناس:‏ «كيف حال زوجتك؟‏» وذكر:‏ «لا يسألون ابدا عن حال الزوج.‏ .‏ .‏ .‏ انها الغاية في الخطإ والظلم.‏ فالزوج يشعر بذلك تماما بقدر ما تشعر به الزوجة.‏ وهو يتفجّع ايضا.‏»‏

      ‏‹حافظوا على الجَلَد›؟‏

      في حضارات كثيرة يجري تعليم الفكرة بان الرجال خصوصا لا يجب ان يظهروا عواطفهم وتفجّعهم بل يجب ان ‹يحافظوا على الجَلَد.‏› وقد تحدث المؤلف الانكليزي للقرن الـ‍ ١٨ اوليفر غولدسميث عن «الرجولة الصامتة للتفجّع.‏» ولكن هل تكون تلك الرجولة الصامتة بالضرورة الطريقة الفضلى لحل تفجّع المرء؟‏

      في كتابها «الوالد الثاكل» تستشهد هارييت سرنوف شيف بحالة زوجها قائلة:‏ «اليكم رجلا،‏ ابا،‏ شاهد ولده يُدفن،‏ وحسب التقليد طلب منه المجتمع ان ‹يحافظ على الجَلَد.‏›» وتضيف:‏ «لقد دفع كثيرا للحفاظ على الجَلَد.‏ وبمرور الزمن،‏ عوض الخروج من حالة تفجّعه،‏ غاص اكثر فاكثر في الاسى.‏»‏

      ووصف الزوج مشاعره ولربما يستطيع آخرون ان يندمجوا فيها.‏ «اشعر وكأنني اقطع ماشيا قمم القطب الشمالي المكللة بالثلج.‏ انا تعب جدا.‏ اعرف انني اذا استلقيت لارتاح سأنام.‏ واعرف انني اذا نمت سأجمد حتى الموت.‏ لست أبالي.‏ فلم اعد استطيع ان اقاوم تعبي.‏»‏

      اذاً ما هي نصيحة هارييت شيف؟‏ «نسيان كل ما يتعلق بذلك المبدإ الاخلاقي الانكلوسكسوني العتيق للمذهب الرواقي،‏ والبكاء.‏ دعوا الدموع تنساب.‏ .‏ .‏ .‏ فهي تساعد على محو الاسى.‏» ويقدم كاتبا «العيش بعد فقدان الحمل» مشورة تنطبق على النساء والرجال كليهما:‏ «قد يُعجب البعض كثيرا بالمذهب الرواقي،‏ ولكن لا يستطيع المرء ان يتحرر اخيرا من التفجّع الا بمصارعته‏.‏» وفي ما عدا ذلك يكمن خطر الانحدار تدريجيا الى ما يُسمى «التفجّع غير الملائم،‏» الذي قد تكون له عواقب وخيمة طوال سنوات تالية.‏

      والتفجّع غير الملائم هو تفجّع غير تام،‏ حين يوقف الشخص مجرى النوح عوض تركه يتدفق حتى تقبُّل الفراق.‏ ويستطيع الاعراب عن نفسه بثلاث طرائق على الاقل —‏ كنوح مكبوت،‏ متأخر،‏ ومزمن.‏ فماذا يمكن فعله للمساعدة؟‏

      قد تلزم المشورة الاختصاصية.‏ وقد يكون الجواب طبيب العائلة الداعم او مشيرا روحيا.‏ واعضاء العائلة المتفهمون يمكن ايضا ان يساعدوا.‏ فالشخص يحتاج الى العون ليواصل التقدم عبر مجرى التفجّع.‏

      وهكذا يعترف جس روميرو بانه بكى علنا على فقدان ابنته وزوجته في تحطم الطائرة.‏ وأخبر «استيقظ!‏»:‏ «بعد بضعة اسابيع اخذتني اخواتي من المستشفى الى البيت،‏ وعندما دخلت رأيت صورة ابنتي على الحائط.‏ ورأى صهري انني تأثرت بها وقال:‏ ‹امضِ قُدُما وابكِ.‏› وهكذا فعلت.‏ واستطعت ان احرر نفسي من بعض تفجّعي الحبيس.‏»‏

      وفيما يستطيع مجرى التفجّع ان يشفي بعض الاذى،‏ هنالك حل دائم واحد فقط لمعظم الاشخاص الثواكل —‏ ان يروا حبيبهم ثانية.‏

  • رجاء للموتى،‏ تعزية للمتفجّعين
    استيقظ!‏ ١٩٨٨ | نيسان (‏ابريل)‏ ٨
    • رجاء للموتى،‏ تعزية للمتفجّعين

      جس روميو،‏ المذكور في مقالتنا الافتتاحية،‏ تزوج ثانية اخيرا.‏ اما بالنسبة الى أغسطين وفلنتينا كرابلّوزو فما زال موت يوناثان يؤلمهما،‏ ولكن هدوءا ما قد خيّم.‏ ولا يزال رامون وماريا سيرّانو من اسبانيا ينفجران بالبكاء بعد ٢٤ سنة من موت باكيتو.‏ ولكن،‏ في جميع هذه الحالات،‏ ما الذي ابقاهم مستمرين؟‏ يجيبون:‏ «الرجاء بالقيامة!‏»‏

      ولكن ماذا نعني بالضبط «بالقيامة»؟‏ من سيُقامون؟‏ متى؟‏ وكيف يمكننا ان نتأكد؟‏

      رجاء للموتى —‏ كما علّم يسوع

      في اثناء خدمته على الارض اقام يسوع اشخاصا عديدين.‏ (‏مرقس ٥:‏٣٥-‏٤٢‏)‏ وخدم ذلك كنموذج للقيامة العظيمة التي ستحدث عندما تكون الارض مرة ثانية تحت حكم اللّٰه كليا،‏ كما يطلب الملايين عندما يصلّون:‏ «ليأتِ ملكوتك.‏ لتكن مشيئتك كما في السماء كذلك على الارض.‏» —‏ متى ٦:‏٩،‏ ١٠‏.‏

      واحد الامثلة لقوة اللّٰه في هذا الخصوص كان عندما اقام يسوع صديقه لعازر.‏ وفي الوقت ذاته توضح الرواية حالة الموتى.‏ قال يسوع لتلاميذه:‏ «لعازر حبيبنا قد نام.‏ لكني اذهب لأوقظه.‏» واذ لم يفهم التلاميذ المعنى قالوا:‏ «يا سيد ان كان قد نام فهو يُشفى.‏» لقد تصوروا انه كان يقول ان لعازر نائم وحسب بينما كان في الواقع ميتا.‏ ولذلك لم يترك يسوع مجالا للشك:‏ «لعازر مات.‏»‏

      لاحظوا ان يسوع لم يُشر الى اية نفس خالدة تنتقل الى حالة او حيز آخر.‏ فلم يكن متأثرا بالفلسفة اليونانية بل بتعليم الكتاب المقدس الواضح في الاسفار العبرانية.‏ لقد كان لعازر نائما في الموت وعندما اتى يسوع كان قد صار له اربعة ايام في القبر التذكاري.‏ وهكذا اي رجاء كان له؟‏

      عندما تحدث يسوع مع مرثا اخت لعازر قال لها:‏ «سيقوم اخوك.‏» فكيف اجابت؟‏ هل قالت ان نفسه قد صارت في السماء او مكان آخر؟‏ كان ردّها:‏ «انا اعلم انه سيقوم في القيامة في اليوم الاخير.‏» لقد تمسّكت هي ايضا بتعليم الكتاب المقدس عن قيامة الى الحياة على الارض.‏ واعطاها يسوع ايضا سببا اعظم للايمان بالقول:‏ «انا هو القيامة والحياة.‏ من آمن بي ولو مات فسيحيا.‏» وبعدئذ،‏ لكي يثبت فكرته،‏ ذهب الى قبر لعازر وصرخ بصوت عظيم:‏ «لعازر هلمّ خارجا.‏» فماذا حدث؟‏

      تذكر الرواية التاريخية:‏ «فخرج الميت ويداه ورجلاه مربوطات بأقمطة ووجهه ملفوف بمنديل.‏ فقال لهم يسوع حلّوه ودعوه يذهب.‏» —‏ يوحنا ١١:‏١-‏٤٤‏.‏

      هنا يكمن الرجاء الذي ساعد كثيرين من الاشخاص الثواكل الذين قابلتهم «استيقظ!‏» وهذا الرجاء عينه يقويهم ليتطلّعوا بشوق الى المستقبل القريب حين تصير الارض فردوسا متجددا وتتم كلمات يسوع التي توحي بالرجاء:‏ «لا تتعجبوا من هذا.‏ فانه تأتي ساعة فيها يسمع جميع الذين في القبور (‏التذكارية)‏ صوته.‏ فيخرج الذين فعلوا الصالحات الى قيامة الحياة والذين عملوا السيآ‌ت الى قيامة الدينونة.‏» —‏ يوحنا ٥:‏٢٨،‏ ٢٩‏.‏

      ‏«آيتي المفضلة هي .‏ .‏ .‏»‏

      قابلت «استيقظ!‏» والدين وصغارا بخصوص موت ولد في العائلة.‏ ومرة بعد اخرى،‏ في معرض تفسيرهم كيف تغلّبوا على تفجّعهم،‏ قالوا:‏ «دعني اقول لك آيتي المفضلة.‏» فاذا كنتم تتفجّعون لربما تساعدكم ايضا هذه الآيات.‏

      ماتت يونهي،‏ من سيول،‏ جمهورية كوريا،‏ التي تبلغ الرابعة عشرة من العمر،‏ بسبب ابيضاض الدم (‏اللوكيميا)‏ في ١٩٨٥.‏ وقد اوضح ابوها شون كوانغ-‏كوك لـ‍ «استيقظ!‏» كيف واسى يونهي في الاسابيع الاخيرة من حياتها:‏ «اخبرتها عن لعازر.‏ قال يسوع ان لعازر كان نائما،‏ وكما كانت الحال معه،‏ فعندما ينادي يسوع ‹يونهي!‏ استيقظي!‏› ستنهض من النوم ايضا.‏»‏

      كانت جانيت هركوك،‏ من انكلترا،‏ في الثالثة عشرة عندما ماتت بسبب السرطان في ١٩٦٦.‏ وبقي والداها واخواها دافيد وتيموثاوس احياء بعد وفاتها.‏ واخبر دافيد «استيقظ!‏» أية آية كانت الاكثر عونا له:‏ «لقد كانت الاعمال ١٧:‏٣١ التي تذكر:‏ ‹لان [اللّٰه] اقام يوما هو فيه مزمع ان يدين المسكونة بالعدل برجل قد عيّنه مقدّما للجميع (‏ضمانا)‏ اذ أقامه من الاموات.‏› وفي المأتم شدد الخطيب على ان قيامة يسوع هي الضمان لنا بقيامة مقبلة.‏ وكان ذلك مصدر قوة عظيما لي.‏»‏

      وفي كانون الاول ١٩٧٥ اخذ جورج الصغير،‏ البالغ ١٤ عاما فقط،‏ بندقية ابيه واطلق النار على نفسه.‏ فكيف تحمل رصل،‏ والد جورج،‏ خسارة ابنه هذه بالانتحار؟‏

      ‏«صارت آيات معينة مرساة لي.‏ مثلا،‏ الكلمات في الامثال ٣:‏٥‏:‏ ‹توكَّل على الرب بكل قلبك وعلى فهمك لا تعتمد.‏› فإلى حد ما كنت اعتمد على فهمي الخاص في محاولة حمل نفسي على قبول ما حدث.‏»‏

      وكانت عائلة مورغان،‏ من انكلترا،‏ في السويد عندما مرض ابنهم دارَل فجأة.‏ وأُجريت له عملية جراحية طارئة في استكهولم.‏ واخيرا أُعيد جوّا الى انكلترا،‏ حيث مات قبل وقت قليل من ميلاده الـ‍ ٢٤.‏ تقول امه نِل:‏ «احدى الآيات التي تبرز في ذهني هي متى ٢٢:‏٣٢‏،‏ حيث استشهد يسوع باللّٰه القائل:‏ ‹انا اله ابرهيم واله اسحق واله يعقوب.‏› ثم تابع:‏ ‹ليس اللّٰه اله اموات بل اله احياء.‏› وانا اعرف ان هذه الكلمات تعني ان دارَل محفوظ في ذاكرة اللّٰه وسيعود في القيامة.‏»‏

      رجاء للموتى —‏ حقيقة قريبا

      تشير نبوة الكتاب المقدس الى اننا قريبون من الوقت حينما يتخذ اللّٰه الاجراء لإعادة السلام والحياة الابدية الى الجنس البشري الطائع.‏ يعد اللّٰه:‏ «أُحوّل نوحهم الى طرب وأُعزيهم وأُفرحهم من حزنهم.‏» «امنعي صوتك عن البكاء وعينيك عن الدموع لانه يوجد جزاء لعملك يقول الرب.‏ فيرجعون من ارض العدو [الموت].‏» —‏ ارميا ٣١:‏١٣-‏١٧‏.‏

      وفي ذلك الوقت فإن يهوه سيعيد تدريجيا الى الحياة بواسطة القيامة اولئك الذين ماتوا في كل تاريخ الانسان.‏ ففي ظل الحكومة السماوية لنظام اللّٰه الجديد ستكون لديهم فرصة اختيار الحياة الابدية بإطاعة وصايا اللّٰه للحياة في ذلك الوقت.‏ وهكذا،‏ اذا التفتنا الى الكتاب المقدس،‏ سنجد ان هنالك رجاء حقيقيا للموتى وتعزية للاحياء.‏ —‏ اعمال ٢٤:‏١٥،‏ رؤيا ٢٠:‏١٢-‏١٤؛‏ ٢١:‏١-‏٤‏.‏

المطبوعات باللغة العربية (‏١٩٧٩-‏٢٠٢٥)‏
الخروج
الدخول
  • العربية
  • مشاركة
  • التفضيلات
  • Copyright © 2025 Watch Tower Bible and Tract Society of Pennsylvania
  • شروط الاستخدام
  • سياسة الخصوصية
  • إعدادات الخصوصية
  • JW.ORG
  • الدخول
مشاركة