مكتبة برج المراقبة الإلكترونية
برج المراقبة
المكتبة الإلكترونية
العربية
  • الكتاب المقدس
  • المطبوعات
  • الاجتماعات
  • غياب الآباء مشكلة متفاقمة
    استيقظ!‏ ٢٠٠٤ | آب (‏اغسطس)‏ ٢٢
    • غياب الآباء مشكلة متفاقمة

      ان عدد الآباء الذين يهجرون عائلاتهم يتزايد اكثر فأكثر.‏ وفي اواخر تسعنيات الـ‍ ١٩٠٠،‏ قالت صحيفة الولايات المتحدة الاميركية اليوم ان الولايات المتحدة هي «في طليعة البلدان في العالم التي تعاني مشكلة العائلات المحرومة من الآباء».‏ لكنّ مشكلة غياب الآباء لا تبتلي فقط الولايات المتحدة بل العالم كله.‏

      ففي البرازيل اظهر احصاء أُجري سنة ٢٠٠٠ ان ٢‏,١١ مليون عائلة من اصل ٧‏,٤٤ مليون عائلة ترعاها نساء.‏ وفي نيكاراڠوا،‏ يعيش ٢٥ في المئة من الاولاد مع امهم فقط.‏ اما في كوستاريكا فقد ارتفعت نسبة الاولاد الذين لم يعترف بهم اباؤهم من ١‏,٢١ في المئة الى ٤‏,٣٠ في المئة خلال تسعينات الـ‍ ١٩٠٠.‏

      وليست هذه الاحصاءات المأخوذة من البلدان الثلاثة سوى امثلة قليلة عما يجري في العالم بأسره.‏ دعونا نتأمل الآن في وجه آخر لمشكلة غياب الآباء.‏

      حاضرون غائبون

      انظر من فضلك الاطار:‏ «بابا،‏ متى ستعود؟‏».‏ تعترف ناو التي تبلغ اليوم ٢٣ سنة من عمرها:‏ «نادرا ما كنت ارى ابي قبل دخولي الى المدرسة الابتدائية.‏ وقد توسلت اليه مرة فيما كان يغادر:‏ ‹ارجوك عُد!‏ ستعود أليس كذلك؟‏›».‏

      ان العلاقات العائلية المشابهة لعلاقة ناو بوالدها دفعت الكاتب الپولندي پْيوتِر شتشكِڤيتش الى القول:‏ «يبدو ان الوالد هو احد العناصر المهمة المفقودة في العائلة».‏ صحيح ان آباء كثيرين يعيشون مع عائلاتهم ويمنحونهم الدعم المادي ولكن،‏ كما تقول المجلة الفرنسية كاپيتال،‏ «يكتفي آباء كثيرون بتأمين الطعام لأولادهم،‏ ويفشلون في تأدية دورهم كمربين».‏

      ففي اغلب الاحيان،‏ يعيش الوالد مع عائلته ولكنه لا يهتم بشؤون اولاده.‏ فاهتمامه يكون منصبا على امر آخر.‏ تذكر مجلة العائلة المسيحية (‏بالفرنسية)‏:‏ «حتى لو كان [الأب] حاضرا جسديا،‏ يمكن ان يكون غائبا من الناحية الفكرية والعاطفية».‏ فلماذا يعيش آباء كثيرون اليوم هذه الحالة؟‏

      توضح المجلة ان احد الاسباب الرئيسية هو ان الأب ‏«لا يفهم ما يشمله دور الأب او الزوج».‏ فآ‌باء كثيرون يعتبرون ان دور الأب الصالح يقتصر على كسب راتب جيد.‏ وكما ذكر الكاتب الپولندي يوزف اوغسطين «يظن آباء كثيرون انهم والدون صالحون لأنهم يؤمِّنون المال للعائلة».‏ لكنّ ذلك ليس سوى جزء من مسؤولية الوالد.‏

      والحقيقة هي ان الاولاد لا يقدّرون اهمية آبائهم فقط بسبب ما يكسبونه من مال او ما يقدمونه لهم من هدايا نفيسة.‏ فما يريده الاولاد حقا هو اكثر بكثير من الهدايا المادية.‏ انهم يحتاجون الى حب آبائهم،‏ وقتهم،‏ واهتمامهم.‏ فهذا ما يهمهم فعلا.‏

      الحاجة الى اعادة النظر

      يقول تقرير اصدره المجلس المركزي الياباني للتعليم انه «ينبغي للآباء ان يعيدوا النظر في حياتهم التي يكرّسونها كاملا للعمل».‏ والسؤال الذي يُطرح:‏ هل الوالد مستعد للقيام بتعديلات لمصلحة اولاده؟‏ اوردت الصحيفة الالمانية ڠيسّنِر ألڠِماينه دراسة تبيَّن من خلالها ان معظم الآباء الذين جرت مقابلتهم رفضوا وضع اولادهم قبل مهنتهم.‏

      قد يتألم الصغير كثيرا حين يشعر ان اباه لا يهتم به.‏ فليديا التي تبلغ اليوم ٢١ سنة تتذكر جيدا كيف كانت علاقتها بوالدها عندما كانت فتاة صغيرة تعيش في پولندا.‏ توضح:‏ «لم يكن يتحدث إلينا قط.‏ لقد عاش في عالم مختلف عن عالمنا.‏ ولم يعلم انني كنت اقضي اوقات فراغي في صالات الديسكو».‏ وتتذكر ايضا ماكارينا،‏ شابة اسپانية في الـ‍ ٢١ من عمرها،‏ تصرفات والدها ايام طفولتها.‏ تقول:‏ «كان يذهب في نهايات الاسابيع مع اصدقائه ليتمتع بوقت طيب.‏ وكان غيابه يطول احيانا بضعة ايام».‏

      وضع الاولويات المناسبة

      يدرك معظم الآباء على الارجح انهم يصرفون وقتا قليلا جدا مع اولادهم ولا يولونهم سوى اهتمام ضئيل.‏ قال اب ياباني لديه ولد مراهق:‏ «آمل ان يفهم ولدي وضعي.‏ انا افكر فيه دائما حتى حين اكون مشغولا».‏ ولكن هل تنحل المشكلة بمجرد التمني ان يفهم الولد سبب غياب والده؟‏

      لا شك ان بذل الجهود الدؤوبة والقيام بالتضحيات هو امر ضروري لتلبية حاجات الولد.‏ صحيح ان منح الاولاد اكثر ما يحتاجون اليه،‏ اي الحب والوقت والاهتمام،‏ ليس بالامر السهل،‏ لكنّ يسوع المسيح قال:‏ «لا يحيَ الإنسان بالخبز [اي الطعام] وحده».‏ (‏متى ٤:‏٤‏)‏ فالاولاد لا يربون بالشكل الصحيح بتزويدهم الامور المادية فقط.‏ فيا ايها الوالد،‏ هل انت مستعد ان تضحي بما تعتبره ثمينا —‏ وقتك او الترقية في عملك —‏ كي تكون مع اولادك؟‏

      اخبر عدد ١٠ شباط (‏فبراير)‏ ١٩٨٦ من صحيفة ماينيتشي دايلي نيوز (‏بالانكليزية)‏ عن اب ادرك مدى اهمية اولاده.‏ ذكرت الصحيفة:‏ «المدير الاعلى للسكك الحديدية الوطنية اليابانية اختار الاستقالة بدلا من الانفصال عن عائلته».‏ ثم اقتبست الصحيفة قول المدير:‏ «وظيفة المدير العام يمكن ان يأخذها ايّ كان.‏ ولكنني الاب الوحيد لأولادي».‏

      والخطوة الاولى ليكون الاب صالحا هي ان يدرك اي نوع من الآباء يحتاج اليه الاولاد.‏ فلنتأمل في ما يشمله ذلك.‏

      ‏[الاطار في الصفحة ٣]‏

      ‏«بابا،‏ متى ستعود؟‏»‏

      هذا السؤال طرحته الفتاة اليابانية ناو البالغة من العمر خمس سنوات على والدها حين كان يغادر البيت في احد الايام متوجها الى عمله.‏ فرغم انه كان يعيش في البيت،‏ نادرا ما كانت تراه.‏ فقد كان يرجع من عمله عادة بعد ان تأوي ناو الى الفراش ويغادر البيت قبل ان تستيقظ.‏

  • اي اب يحتاج اليه الاولاد؟‏
    استيقظ!‏ ٢٠٠٤ | آب (‏اغسطس)‏ ٢٢
    • اي اب يحتاج اليه الاولاد؟‏

      يحتاج الاولاد الى اب محب مستعد دائما لدعمهم،‏ أب يبذل ما في وسعه حتى يصبحوا راشدين مسؤولين يُعتمد عليهم.‏ لكنّ هذه المسألة لا تُمنح الاهتمام الملائم.‏

      صحيح ان الامهات هن من ينجبن الاطفال واننا لا نبالغ مهما شددنا على دور الام المحبة والحنونة،‏ لكنَّ دور الاب يضاهي دور الام اهمية،‏ حسبما يرد في مجلة ذا ويلسون كوارترلي (‏بالانكليزية)‏.‏ تقول المجلة:‏ «ان الانحلال التدريجي لرابطة الابوة هو سبب رئيسي للكثير من اصعب المشاكل التي تبتلي المجتمع الاميركي»،‏ وربما مجتمعات العالم بأسره.‏

      وبحسب الصحيفة البرازيلية جورنال دا تاردِه (‏بالپرتغالية)‏،‏ تظهر احدى الدراسات ان مشاكل سلوكية كثيرة يعانيها الاحداث —‏ مثل العدائية،‏ التمرد،‏ الانجاز الضعيف في المدرسة،‏ واللامبالاة —‏ غالبا ما تكون «نتيجة غياب الوالد».‏ كما يشدّد المؤلف مارتشلّو برناردي في كتابه الوالدون غير الكاملين (‏بالايطالية)‏ ان الاولاد يحتاجون عموما الى الترعرع في ظل كلا الوالدَين لينموا بالشكل الصحيح.‏

      يمكن تحسين الحياة العائلية

      حتى لو ساهم الاب الذي يهمل مسؤولياته في خلق مشاكل عائلية او كان المسبب الرئيسي لها،‏ فذلك لا يعني انه من المستحيل ايجاد الحلول وتحسين الحياة العائلية.‏ لكن كيف يتم ذلك؟‏ وماذا ينبغي ان يفعل الاب؟‏

      من الواضح ان الاولاد يحتاجون الى البنية النموذجية للعائلة التي تجعلهم يشعرون ان هنالك مَن يهتم بخيرهم.‏ وحين لا تُشبع هذه الحاجة،‏ كما يحدث في اغلب الاحيان اليوم،‏ تتأثر حياة الاولاد سلبا.‏ لكنَّ الوضع ليس ميؤوسا منه،‏ سواء وُجد الاب ام لا.‏ يقول الكتاب المقدس في المزمور ٦٨:‏٥‏:‏ «ابو اليتامى .‏ .‏ .‏ [هو] اللّٰه في مسكن قدسه».‏a

      كيف يمكن نيل المساعدة

      تبرهن قصة ليديا،‏ الفتاة الپولندية التي ذُكرت في المقالة السابقة،‏ ان مساعدة اللّٰه ضرورية لنجاح الحياة العائلية وأنه يمكن الحصول على هذه المساعدة.‏ فكيف كانت الحياة العائلية في منزلها؟‏ وكيف نالت العائلة مساعدة اللّٰه؟‏

      يوافق فرانتشيشِك والد ليديا على كلام ابنته ويعترف انه اهمل اولاده تماما عندما كانوا صغارا.‏ يقول:‏ «لم اكن اهتم بما يفعله اولادي.‏ لم اعرب لهم عن اية عاطفة،‏ ولم تجمعنا اية علاقة».‏ لذلك لم يكن يعلم ان ليديا،‏ في الرابعة عشرة من عمرها،‏ كانت هي وأخوها وأختها الاصغر يشتركون في الحفلات الصاخبة،‏ يدخنون،‏ يتناولون المشروبات الكحولية،‏ ويتورطون في المشاجرات.‏

      اخيرا،‏ ادرك فرانتشيشِك المشكلة التي وقع فيها اولاده،‏ وتأثر جدا بحيث قرّر ان يفعل شيئا بشأنها.‏ يقول:‏ «صليت الى اللّٰه طلبا للمساعدة».‏ وبعد فترة قصيرة قرع شهود يهوه بابه،‏ فوافق هو وزوجته على درس الكتاب المقدس.‏ وبدأا بمرور الوقت يطبقان تعاليمه في حياتهما.‏ فماذا كان التأثير في الاولاد؟‏

      يوضح فرانتشيشِك:‏ «بدأ الاولاد يلاحظون انني توقفت عن تناول المشروبات الكحولية وأنني بدأت أصبح ابا افضل.‏ فأرادوا ان يتعرفوا على شهود يهوه اكثر.‏ وبدأوا ايضا بدرس الكتاب المقدس وتركوا معاشراتهم الرديئة».‏ يقول الابن رافول عن ابيه:‏ «صرت احبه كصديق».‏ ويضيف:‏ «فجأة،‏ لم تعد زمرة المشاغبين مهمة.‏ فقد انشغلنا بالنشاطات الروحية».‏

      فرانتشيشِك هو اليوم شيخ مسيحي في جماعة شهود يهوه،‏ ولا يزال يهتم بعائلته وبالنمو الروحي لكل فرد فيها.‏ كما صارت زوجته وابنته ليديا فاتحتَين،‏ اي مبشرتَين كامل الوقت.‏ اما رافول وأخته الصغرى سيلڤيا فيشاركان من كل قلبهما في درس الكتاب المقدس،‏ التعليق في الاجتماعات المسيحية،‏ والكرازة للآخرين.‏

      مارسَ ما علّمه

      تأمل ايضا في ما حصل للويس والد ماكارينا،‏ الشابة الاسپانية البالغة ٢١ سنة من العمر التي ذُكرت في المقالة الافتتاحية.‏ فعلى غرار والده،‏ صار لويس يسرف في تناول المشروبات الكحولية.‏ وكما قالت ماكارينا،‏ كان يختفي مع اصدقائه طوال ايام كل مرة.‏ بالاضافة الى ذلك،‏ عامل زوجته كخادمة عوض ان يقدّرها كشريكة حياته.‏ فوصل زواجهما الى شفير الانهيار،‏ وكانت ماكارينا وأخوتها الاصغر منسحقين عاطفيا.‏

      لكن مع الوقت،‏ وافق لويس ان يدرس الكتاب المقدس مع شهود يهوه.‏ يوضح:‏ «بدأت اقضي الوقت مع زوجتي وأولادي.‏ صرنا نتحادث،‏ نتناول الوجبات معا وندرس الكتاب المقدس كعائلة.‏ كما اشتركنا معا في القيام بالواجبات المنزلية وفي الاستجمام».‏ وتقول ماكارينا:‏ «بدأت اشعر بوجود اب لطيف يظهر اهتماما اصيلا بعائلته».‏

      والجدير بالملاحظة ان لويس لم يشجع عائلته على خدمة اللّٰه فحسب،‏ بل مارسَ ايضا ما علّمه.‏ فتخلى عن «مشروع تجاري مربح»،‏ كما توضح ماكارينا،‏ «لأنه كان يستهلك الكثير من الوقت الذي اراد ان يخصصه للاهتمام اكثر بالمسائل العائلية».‏ وكانت النتائج مذهلة!‏ تقول ماكارينا:‏ «علّمني مثاله كيف أُبقي عيني بسيطة وكيف اضع الامور الروحية اولا في حياتي».‏ وماكارينا الآن فاتحة.‏ اما امها وأخوتها الاصغر فهم اعضاء نشاطى في الجماعة المسيحية.‏

      قرار مدير السكك الحديدية

      من الواضح ان الاب الذي يحتاج اليه الاولاد هو الاب الذي يتخذ القرارات،‏ آخذا خير اولاده بعين الاعتبار.‏ كان الابن المراهق لتاكِشي تامورا،‏ المدير الياباني المذكور في المقالة السابقة،‏ قد تورط في معاشرات رديئة وأوشك ان يقع في مشاكل خطيرة.‏ وقد حصل ذلك سنة ١٩٨٦،‏ السنة التي قرر فيها تاكِشي التخلي عن مركزه في السكك الحديدية الوطنية اليابانية.‏ فهل ندم تاكِشي على القرار الذي اتخذه منذ اكثر من ١٨ سنة؟‏

      يقول:‏ «ربما كان افضل قرار اتخذته في حياتي.‏ فقضاء المزيد من الوقت مع ابني والقيام بالامور معا،‏ بما فيها درس الكتاب المقدس،‏ أدّى الى نتائج رائعة.‏ فقد اصبحنا صديقين،‏ وتخلى عن عشرائه السيئين وعن سلوكه الرديء».‏

      كانت زوجة تاكِشي قد صارت من شهود يهوه منذ سنوات قليلة،‏ وسلوكها الجيد هو الذي جعل زوجها يتفحص الكتاب المقدس ويصبح مهتما اكثر بشؤون عائلته.‏ وفي النهاية،‏ صار هو وابنه وابنته جميعا شهودا ليهوه.‏ ويخدم تاكِشي وابنه اليوم شيخَين،‏ كلٌّ في جماعته.‏ اما الزوجة والابنة فانخرطتا في عمل الفتح.‏

      الوالدون يحتاجون الى المساعدة

      يجهل والدون كثيرون ما يجب ان يفعلوه من اجل اولادهم رغم ادراكهم انهم يهملونهم.‏ ذكر العنوان الرئيسي في الصحيفة الاسپانية لا بانڠوارديا:‏ «يعترف ٤٢ في المئة من الوالدين [الاسپانيين] انهم لا يعلمون كيف يربون اولادهم المراهقين».‏ لكنّ الامر نفسه ينطبق على الآباء الذين لا يزال اولادهم اطفالا او لم يبلغوا بعد سن المراهقة.‏ فبعكس تفكير الكثيرين يحتاج هؤلاء الصغار ايضا الى وجود اب مخلص يهتم بهم.‏

      وماذا يمكن التعلّم ايضا عن كيفية الصيرورة ابا صالحا؟‏ من هم افضل امثلة للآباء؟‏ وماذا يمكن التعلّم منهم؟‏ ستتناول مقالتنا الختامية هذه الاسئلة.‏

      ‏[الحاشية]‏

      a من فضلك انظر الفصل بعنوان «‏العائلات ذات الوالد الواحد يمكن ان تنجح!‏‏»،‏ في كتاب سرّ السعادة العائلية،‏ اصدار شهود يهوه.‏

      ‏[الصور في الصفحة ٧]‏

      آباء اعطوا اولادهم ما يحتاجون اليه

      فرانتشيشِك وعائلته

      لويس وعائلته

      تاكِشي وعائلته

  • كيف تكون ابا صالحا؟‏
    استيقظ!‏ ٢٠٠٤ | آب (‏اغسطس)‏ ٢٢
    • كيف تكون ابا صالحا؟‏

      ثمة مقالة في مجلة ذي إيكونوميست عن تدهور الحياة العائلية تبدأ بالعبارة التالية اللافتة للنظر:‏ ‏«من السهل جدا ان تنجب الاولاد،‏ اما ان تصبح ابا صالحا فليس بهذه السهولة».‏

      توجد امور كثيرة في الحياة يصعب انجازها،‏ لكنَّ اصعبها وأهمها هو ان تكون ابا صالحا.‏ وعلى كل اب ان يبذل جهده ليكون صالحا،‏ وإلا فإن خير وسعادة عائلته سيتعرضان للخطر.‏

      لماذا الامر ليس سهلا

      ليس من السهل ان يكون المرء ابا صالحا لأولاده.‏ والسبب الرئيسي هو النقص الذي ورثه الوالدون والاولاد على السواء.‏ يقول الكتاب المقدس:‏ «تصوُّر قلب الانسان شرير منذ حداثته».‏ (‏تكوين ٨:‏٢١‏)‏ لذلك اعترف احد كتبة الاسفار المقدسة:‏ «بالخطية حبلت بي امي».‏ (‏مزمور ٥١:‏٥؛‏ روما ٥:‏١٢‏)‏ وميل المرء الى ارتكاب الخطإ بسبب الخطية الموروثة هو واحد فقط من العوائق التي تصعِّب عليه ان يكون ابا صالحا.‏

      فهذا العالم،‏ او نظام الاشياء هذا،‏ هو ايضا عائق كبير.‏ لماذا؟‏ لأن «العالم كله .‏ .‏ .‏ تحت سلطة الشرير» الذي يدعوه الكتاب المقدس «إبليس والشيطان».‏ ويدعو الكتاب المقدس الشيطان ايضا «إله نظام الأشياء هذا».‏ فلا عجب ان يقول يسوع ان اتباعه هم مثله «ليسوا جزءا من العالم»!‏ —‏ ١ يوحنا ٥:‏١٩؛‏ كشف ١٢:‏٩؛‏ ٢ كورنثوس ٤:‏٤؛‏ يوحنا ١٧:‏١٦‏.‏

      فلكي يكون المرء ابا صالحا من المهم ان يبقي في ذهنه دائما النقص الموروث،‏ وجود الشيطان ابليس والعالم الواقع في قبضته.‏ فهذه العوائق ليست وهمية.‏ انها حقيقية!‏ ولكن الى اين يمكن ان يلجأ المرء ليتعلم كيف يتخطى هذه العوائق ويصبح ابا صالحا؟‏

      اللّٰه ويسوع يرسمان لنا المثال

      يمكن ان يلجأ الاب الى الكتاب المقدس لنيل المساعدة على تخطي العوائق المذكورة آنفا.‏ فالكتاب المقدس يزود امثلة رائعة يُقتدى بها.‏ وقد اشار يسوع الى افضل مثال عندما علّم اتباعه ان يصلّوا:‏ «‏ابانا الذي في السموات».‏ ويصف الكتاب المقدس ابانا السماوي قائلا:‏ «اللّٰه محبة».‏ فكيف ينبغي ان يؤثر مثال اللّٰه المحب في الآباء؟‏ حث الرسول بولس:‏ ‹كونوا مقتدين باللّٰه،‏ وواصلوا السير في المحبة›.‏ —‏ متى ٦:‏٩،‏ ١٠؛‏ ١ يوحنا ٤:‏٨؛‏ افسس ٥:‏ ١،‏ ٢‏.‏

      اذا كنت ابا،‏ فتأمل في ما يمكنك تعلّمه من مجرد حادثة واحدة تعامل فيها اللّٰه مع ابنه يسوع.‏ تخبرنا متى ٣:‏١٧ انه عند معمودية يسوع بالماء،‏ سُمع صوت اللّٰه من السماء وهو يقول:‏ ‏«هذا هو ابني الحبيب الذي عنه رضيت».‏ فماذا يمكنك ان تتعلّم من ذلك؟‏

      اولا،‏ فكر في شعور الولد حين يسمع اباه يقول لأحد بفخر:‏ ‏‹هذا ابني›‏ او ‏‹هذه ابنتي›.‏ ان الاولاد الصغار ينجحون ويفلحون عندما يحظون باهتمام والديهم،‏ وخصوصا عندما يسمعون منهم عبارات المدح والتشجيع.‏ وسيبذل الولد على الارجح كل ما في وسعه ليبرهن انه يستحق هذا المدح.‏

      ثانيا،‏ عبّر اللّٰه عن شعوره تجاه يسوع بدعوته ‏«الحبيب».‏ ولا بدّ ان يسوع فرح كثيرا بعبارة التحبُّب هذه التي سمعها من ابيه.‏ وأولادكم ايضا يتشجعون كثيرا اذا اظهرتم لهم بالكلام —‏ وكذلك بقضاء الوقت معهم،‏ الاعتناء بهم،‏ والاهتمام بمصالحهم —‏ انكم تحبونهم كثيرا.‏

      ثالثا،‏ قال اللّٰه لابنه:‏ ‏«عنك رضيت».‏ (‏مرقس ١:‏١١‏)‏ فمن المهم ايضا ان يخبر الوالد اولاده انه راض عنهم.‏ صحيح ان الولد غالبا ما يرتكب الهفوات،‏ لكننا نحن ايضا نخطئ.‏ فهل تتحين ايها الوالد الفرص لتعرب عن رضاك عما يقوله ولدك او يقوم به؟‏

      تعلّم يسوع الكثير من ابيه السماوي.‏ وفيما كان على الارض،‏ عكس بالكلام والمثال مشاعر ابيه نحو اولاده الارضيين.‏ (‏يوحنا ١٤:‏٩‏)‏ حتى عندما كان يسوع منشغلا ومجهدا،‏ صرف وقتا ليجلس ويتحدث الى الاولاد.‏ قال لتلاميذه:‏ «دعوا الاولاد الصغار يأتون إلي؛‏ لا تحاولوا منعهم».‏ (‏مرقس ١٠:‏١٤‏)‏ فهل يمكنكم ايها الآباء اتباع مثال يهوه اللّٰه وابنه بشكل اكمل؟‏

      رسم المثال الحسن امر مهم

      من المهم جدا رسم المثال الحسن لأولادك.‏ فالجهود التي تبذلها ‹للمداومة على تربيتهم في تأديب يهوه وتوجيهه الفكري› لن يكون لها على الارجح تأثير اذا لم تذعن انت بنفسك لتأديب اللّٰه وتسمح له ان يضبط حياتك.‏ (‏افسس ٦:‏٤‏)‏ لكن بمساعدة اللّٰه يمكنك تخطي اية عقبة تمنعك من اطاعة وصيته بشأن الاهتمام بأولادك.‏

      تأمل في مثال ڤيكتور ڠوتشميت،‏ احد شهود يهوه في الاتحاد السوڤياتي السابق.‏ ففي تشرين الاول (‏اكتوبر)‏ ١٩٥٧،‏ حُكم عليه بالسجن مدة عشر سنوات لأنه تحدث مع الآخرين عن معتقداته الدينية.‏ فترك وراءه ابنتين صغيرتين وزوجته پولينا.‏ وقد سُمح له وهو بين جدران السجن بكتابة رسائل لعائلته ولكنه مُنع ان يذكر فيها اي شيء يتعلق باللّٰه او بأي موضوع ديني.‏ رغم كل هذه المصاعب،‏ صمّم ڤيكتور ان يكون ابا صالحا،‏ وأدرك ان تعليم اولاده عن اللّٰه امر بالغ الاهمية.‏ فماذا فعل؟‏

      يخبر ڤيكتور:‏ «كنت استعين بمواد من المجلة السوڤياتية عالِم الطبيعة الشاب والطبيعة.‏ فأرسم على بطاقات بريدية صور حيوانات وأشخاص وأضمِّنها قصة تتعلق بالطبيعة».‏

      تقول پولينا:‏ «عند تسلّمنا هذه البطاقات البريدية،‏ كنا نربطها فورا بمواضيع الكتاب المقدس.‏ مثلا،‏ عندما تناولت مواضيع عن جمال الطبيعة،‏ الغابات،‏ او الانهار،‏ كنت اقرأ اشعياء الاصحاح ٦٥‏» الذي يخبر عن وعود اللّٰه بتحويل الارض الى فردوس.‏

      وتخبر يوليا،‏ ابنة ڤيكتور:‏ «كانت امي بعد ذلك تصلي معنا،‏ ونبدأ بالبكاء.‏ لقد لعبت هذه البطاقات البريدية دورا كبيرا في نشأتنا».‏ ونتيجة لذلك،‏ كما تقول پولينا،‏ «احبت الفتاتان اللّٰه كثيرا منذ الطفولة».‏ وما هو وضع العائلة اليوم؟‏

      يوضح ڤيكتور:‏ «ابنتاي هما اليوم متزوجتان بشيخين مسيحيين،‏ ولديهما عائلتان قويتان روحيا،‏ اذ يخدم اولادهما يهوه بأمانة».‏

      لا يتطلب رسم المثال الحسن في اغلب الاحيان الابتكار فحسب بل بذل الجهود الدؤوبة ايضا.‏ فقلوب الاولاد ستتأثر على الارجح حين يرون مدى الجهد الذي يبذله الوالدان.‏ عبّر شخص قضى سنوات عديدة في الخدمة كامل الوقت عن تقديره لأبيه قائلا:‏ «كان ابي يعود من العمل احيانا منهك القوى وشاعرا بنعاس شديد.‏ لكنَّ ذلك لم يحل ابدا دون عقده درس الكتاب المقدس معنا.‏ وقد ساعدنا ذلك على تقدير مدى اهمية الدرس العائلي».‏

      اذًا،‏ الاب الصالح هو مَن يرسم المثال الحسن بالكلام وبالاعمال على السواء‏.‏ وعليك ان تفعل ذلك اذا اردت اختبار صحة المثل الموجود في الكتاب المقدس:‏ «ربِّ الولد في طريقه فمتى شاخ ايضا لا يحيد عنه».‏ —‏ امثال ٢٢:‏٦‏.‏

      لذا تذكر انه ليس ما تقوله فقط هو المهم،‏ بل بالاحرى ما تفعله،‏ اي المثال الذي ترسمه.‏ كتب شخص كنديّ،‏ اختصاصي في تعليم الاولاد المبكر:‏ «افضل طريقة لجعل اولادنا يتصرفون [كما نريد] هي ان نريهم بتصرفاتنا السلوك الذي نرغب ان يتبعوه».‏ فعلا،‏ اذا اردت ان يقدّر اولادك المسائل الروحية،‏ فمن الضروري ان تقدِّرها انت ايضا.‏

      جد الوقت لهم

      ينبغي ان يرى اولادك مثالك الجيد.‏ لذا من الضروري ان تقضي وقتا طويلا معهم،‏ لا مجرد فترات وجيزة.‏ كن حكيما واتبع نصيحة الكتاب المقدس ان ‹تشتري الوقت›،‏ اي ان تتخلى عن الامور الاقل اهمية لكي تكون الى جانبهم.‏ (‏افسس ٥:‏١٥،‏ ١٦‏)‏ فكِّر جيدا.‏ ما هو الاهم من اولادك؟‏ تلفزيون بشاشة كبيرة،‏ تسلية مع الاصدقاء،‏ بيت جميل،‏ وظيفة؟‏

      اذا اهملت اولادك،‏ فسوف تدفع الثمن عاجلا ام آجلا.‏ فالآباء الذين اتبع اولادهم مسلكا فاسدا ادبيا او نمط حياة خاليا من الامور الروحية غالبا ما يشعرون بالندم الشديد.‏ وهم يقولون متأسفين انهم لم يولوا اولادهم الصغار الاهتمام الكافي عندما كانوا بأمس الحاجة اليهم.‏

      تذكّر ان الوقت لتفكر في نتائج خياراتك هو عندما يكون اولادك صغارا.‏ والاولاد هم،‏ بحسب الكتاب المقدس «ميراث من عند الرب»،‏ امانة اودعها اللّٰه نفسه بين يديك.‏ (‏مزمور ١٢٧:‏٣‏)‏ لذلك لا تنسَ ابدا انك مسؤول عنهم امام اللّٰه!‏

      المساعدة متوفرة

      يتوق الاب الصالح الى نيل المساعدة التي تفيد اولاده.‏ فبعدما اخبر ملاكٌ زوجة منوحَ انها ستنجب طفلا،‏ صلَّى منوح ليهوه:‏ «اسألك يا سيدي ان يأتي ايضا إلينا رجل اللّٰه الذي ارسلته ويعلّمنا ماذا نعمل للصبي الذي يولد».‏ (‏قضاة ١٣:‏٨،‏ ٩‏)‏ لقد احتاج منوح الى نفس المساعدة التي يحتاج اليها الوالدون اليوم.‏ فما هي؟‏ لنرَ ذلك.‏

      قال برنت بورڠويْن،‏ استاذ في جامعة كَيپ تاون بجنوب افريقيا:‏ «احدى اهم الهدايا التي يمكن ان تقدمها للولد هي تعليمه مجموعة من القيم والمبادئ».‏ ويُبرز تقرير ورد في الصحيفة اليابانية دايلي يوميوري (‏بالانكليزية)‏ اهمية تعليم الاولاد هذه القيم والمبادئ.‏ يذكر هذا التقرير:‏ «يُظهر استطلاع ان ٧١ في المئة من الاولاد اليابانيين لم يخبرهم آباؤهم قط بأنهم لا ينبغي ان يكذبوا».‏ أفليس هذا الامر مؤسفا؟‏

      ومن يستطيع تزويد مجموعة من القيم والمبادئ الموثوق بها؟‏ انه الشخصية ذاتها التي نال منها منوح المساعدة:‏ اللّٰه نفسه!‏ ولتزويد المساعدة،‏ ارسل اللّٰه ابنه الحبيب يسوع كمعلّم،‏ اللقب الذي عُرف به عموما.‏ وقد أُصدر حديثا كتاب يستقي الدروس من تعاليم يسوع عنوانه استمع الى المعلّم الكبير.‏ وهو متوفر بلغات عديدة ليساعدك في تعليم الصغار.‏

      وكتاب استمع الى المعلّم الكبير لا يوضح فقط القيم المؤسسة على كلمة اللّٰه،‏ بل يوضح ايضا النص المكتوب بأكثر من ١٦٠ صورة ترد بجانبها اسئلة متعلقة بها.‏ مثلا،‏ ان الفصل ٢٢ تحت عنوان «لماذا لا يجب ان نكذب؟‏» يحتوي على الصورة الظاهرة في الصفحة ٣٢ من هذه المجلة.‏ ويقول النص في صفحة الكتاب التي تظهر فيها الصورة:‏ «ربما يقول صبي لأبيه:‏ ‹انا لم ألعب بالطابة في البيت›.‏ ولكن اذا كان في الحقيقة قد لعب بها في البيت،‏ فهل هو امر خاطئ ان يقول انه لم يلعب؟‏».‏

      ويجري تعليم دروس مهمة ايضا في الفصول التي تحمل العناوين التالية:‏ «الطاعة تحميك»،‏ «يجب ان نقاوم التجارب»،‏ «درس عن اللطف»،‏ «لا تكن ابدا سارقا!‏»،‏ «هل يرضى اللّٰه عن كل الحفلات؟‏»،‏ «كيف تفرِّح اللّٰه؟‏»،‏ و «لماذا يلزم ان نعمل».‏ وهذه ليست سوى فصول قليلة من الفصول الـ‍ ٤٨ الموجودة في الكتاب.‏

      تختتم مقدمة الكتاب بقولها:‏ «يلزم بشكل خصوصي توجيه الاولاد الى مصدر كل حكمة،‏ ابينا السماوي يهوه اللّٰه.‏ فهذا ما كان يفعله دائما المعلّم الكبير يسوع.‏ ونأمل من كل قلبنا ان يساعدكم هذا الكتاب انتم وعائلاتكم على تكييف حياتكم لكي ترضوا يهوه.‏ فهذا يجلب لكم بركات ابدية».‏a

      من الواضح اذًا انه اذا اردت ان تكون ابا صالحا عليك رسم المثال الحسن لأولادك،‏ قضاء الكثير من الوقت معهم،‏ ومساعدتهم على العيش وفق مبادئ اللّٰه التي اظهرها في الكتاب المقدس.‏

      ‏[الحاشية]‏

      a كتابي لقصص الكتاب المقدس؛‏ اسئلة يطرحها الاحداث —‏ اجوبة تنجح؛‏ سرّ السعادة العائلية هي ايضا بعض الكتب التي اصدرها شهود يهوه لمساعدة العائلات.‏

      ‏[الصورة في الصفحة ٨]‏

      استطاع ڤيكتور ڠوتشميت ان يكون ابا صالحا رغم وجوده في السجن

      ‏[الصور في الصفحتين ٨،‏ ٩]‏

      عندما كان ڤيكتور في السجن بسبب معتقداته الدينية رسم هذه الصور ليعلّم اولاده

      ‏[الصورة في الصفحة ٩]‏

      ابنتا ڤيكتور سنة ١٩٦٥

      ‏[الصورة في الصفحة ١٠]‏

      ينبغي ان يلعب الوالدون دورا فعّالا في تعليم اولادهم

المطبوعات باللغة العربية (‏١٩٧٩-‏٢٠٢٥)‏
الخروج
الدخول
  • العربية
  • مشاركة
  • التفضيلات
  • Copyright © 2025 Watch Tower Bible and Tract Society of Pennsylvania
  • شروط الاستخدام
  • سياسة الخصوصية
  • إعدادات الخصوصية
  • JW.ORG
  • الدخول
مشاركة