عندما لا تكون الحياة سهلة
كنت صغيرة جدا عندما اضطررت الى مواجهة الوقائع القاسية للحياة. وقد توافقونني ان الحياة في العالم اليوم ظالمة حقا. انها كذلك بالنسبة الينا جميعا — في النهاية. فجميعنا نمرض. صحيح ان قليلين يكبرون دون ان يصابوا بمرض خطير، ولكن في ما بعد سنواجه جميعنا الموت.
انني افكر على الارجح في الموت اكثر مما ينبغي. ولكن دعوني اوضح لكم لماذا، ولماذا ايضا استفدت، الى حد ما، مما حدث لي.
عندما كنت في التاسعة من عمري
ولدت في ايلول ١٩٦٨ في بروكلين نيويورك، وأنا الصغرى بين الاولاد الخمسة. كان ابي مقعدا، وكانت امي تعمل كأمينة صندوق لاعالتنا. وعندما بلغت التاسعة من عمري، لاحظت امي بروزا في جهة واحدة من بطني. فأخذتني الى المركز الطبي المحلي. وجسَّت الطبيبة كتلة كبيرة، وبعد ايام قليلة، أُدخلت الى مستشفى كينڠز كاونتي.
وبعد ان غادرت امي، بكيت لانني كنت مرتعبة. وفي اليوم التالي ساقني رجلان لابسان ثيابا زرقاء فاتحة اللون الى غرفة العمليات. وأتذكَّر ان آخر شيء رأيته قبل ان استيقظ في غرفة الٕافاقة هو رؤية نور باهر فوق رأسي وشيء وُضع على فمي. وأزال الاطباء بنجاح ما يُدعى ورم ويلمز (نوع من السرطان)، احدى كليتيَّ، وجزءًا من كبدي.
وقضيت خمسة اسابيع في وحدة العناية الفائقة. وكل يوم كان الاطباء يغيِّرون الضمادة. وكنت اصرخ عندما ينزعون الشريط اللاصق. ولكي يخفِّف الاطباء من ألَمي، كانوا يأتون بشخص يحاول ان يلهيني. وأتذكَّر ان الشخص كلَّمني كثيرا عن الضفادع.
وبعد خروجي من العناية الفائقة، قضيت اربعة اسابيع اضافية في المستشفى. وفي اثناء ذلك الوقت، ابتُدئ بالمعالجة الاشعاعية. وكانت هذه المعالجة مؤلمة — ليس بسبب الاشعاع — بل لانه كان يجب ان استلقي على بطني، الذي ما زال مُمِضًّا بسبب العملية. وكانت المعالجة الاشعاعية تُجرى كل يوم اثنين حتى يوم الجمعة.
وعندما سُمح لي بمغادرة المستشفى في اواخر تشرين الثاني ١٩٧٧، تابعت نيل المعالجة الاشعاعية كمريضة خارجية. وعندما انتهت هذه المعالجة، ابتدأت بنيل المعالجة الكيميائية. وكل يوم اثنين حتى يوم الجمعة، كان يجب ان استيقظ باكرا في الصباح وأذهب الى المستشفى لأُحقن بعقاقير قوية. وكان الطبيب يُدخل ابرة في وريد ويدفع الدواء مباشرة فيه. كنت اخاف من الابر وأبكي، لكنَّ امي كانت تقول لي انه يجب ان اختبر ذلك كي اتحسَّن.
كانت للمعالجة الكيميائية تأثيرات جانبية رهيبة. فقد جعلتني اشعر بالغثيان، وكثيرا ما كنت اتقيَّأ. وانخفض تعداد دمي، وفقدت كل شعري.
مقيَّدة بالمرض
وفي الربيع التالي، في احد عيد الفصح، كنا نستعد للذهاب الى الكنيسة عندما ابتدأ الدم يسيل من انفي بسبب تعداد دمي المنخفض. وجرَّب والداي كل الوسائل، لكنَّ النزف استمر. وأوقف الاطباء النزف بملء انفي بالشَّاش، لكنَّ الدم ابتدأ بعد ذلك يسيل من فمي. وصرت ضعيفة جدا بسبب فقدان الدم وأُدخلت الى المستشفى. وكان على زائريَّ ان يلبسوا قفافيز، قناعا للوجه، ورداء فوق ثيابهم، لئلا ينقلوا اليَّ ايّ خمج. وفي غضون اسبوع ارتفع تعداد دمي الى حد يكفي للسماح لي بمغادرة المستشفى.
واستُؤنفت المعالجة الكيميائية فورا. لم اتمكن من الذهاب الى المدرسة، وافتقدتها حقا. افتقدت اصدقائي واللَّعب معهم خارج البيت. تلقيت دروسا خصوصية في البيت، لان اطبائي شعروا بأنه لا يجب ان اذهب الى المدرسة وأنا قيد المعالجة الكيمائية او بعد انتهائها بوقت قصير.
وفي ذلك الصيف اردت زيارة جدَّيَّ في جورجيا كما كنت افعل عادة، ولكن لم يُسمَح لي بالذهاب. إلا ان المستشفى رتَّب ان يذهب مرضى السرطان الى مدينة الملاهي في نيو جيرزي. وعلى الرغم من انني شعرت بالانهاك بعد ذلك، فإنني تمتعت.
انهيت المعالجة الكيميائية في وقت متأخر من السنة ١٩٧٨ لكنني استمررت في تلقي دروس خصوصية في البيت — لفترة طولها جملة اكثر من ثلاث سنوات. وعندما عدت الى المدرسة في كانون الثاني ١٩٨١، لم يكن التكيُّف سهلا بعد التعلُّم في البيت مدة طويلة. وأحيانا كنت اتيه وأنا احاول ان اجد صفي. لكنني احببت فعلا المدرسة. وأحببت خصوصا الموسيقى، الطبع على الآلة الكاتبة، وصف التربية البدنية. وكان بعض الاولاد ودِّيين، لكنَّ آخرين كانوا يهزأون بي.
نكسة
«هل انتِ حامل؟» ابتدأ الاولاد يسألونني. كان ذلك بسبب انتفاخ بطني. قال لي الطبيب ان لا اقلق وإن السبب هو ان كبدي كان يستعيد حجمه الطبيعي. ولكن عندما أُجري لي فحص في آذار، وضعني الطبيب في المستشفى. فابتدأت ابكي — اذ تمكنت من الذهاب الى المدرسة مدة شهرين ونصف الشهر فقط.
وأُجريت خِزْعة فيها أُخذ نسيج من ورم موجود في كبدي. وعندما استيقظت بعد العملية، كانت امي اول شخص اراه. وكانت تبكي. وقالت لي انه لديَّ سرطان من جديد وان الورم اكبر من ان يُستأصل وانه يجب ان اخضع للمعالجة الكيميائية لتقليصه. وكنت لا ازال بعمر ١٢ سنة فقط.
كانت المعالجة الكيميائية تُجرى في المستشفى، مما عنى ان ادخل المستشفى مرة كل عدة اسابيع لمدة يومين او ثلاثة. وكالعادة، عانيت من الغثيان والتقيّؤ. وكان الطعام عديم النكهة، وفقدت كل شعري. واستمرت المعالجة الكيميائية طوال السنة ١٩٨١. وفي غضون ذلك، في نيسان، ابتدأت بالتعليم البيتي من جديد.
وباكرا في سنة ١٩٨٢، عندما أُدخلت الى المستشفى من اجل عملية جراحية، كنت ضعيفة جدا بحيث كان على الممرضات ان يساعدنني كي اصعد على الميزان وأنزل عنه. وقلَّصت المعالجة الكيميائية الورم، بحيث تمكَّن الجراحون من ازالته مع جزء آخر من كبدي. ومن جديد بقيت في المستشفى مدة شهرين. ونحو منتصف السنة ١٩٨٢، استأنفت المعالجة الكيميائية، التي استمرت حتى اوائل السنة ١٩٨٣.
وفي اثناء هذا الوقت كنت حزينة لانني لم اتمكن من الذهاب الى المدرسة. ثم ابتدأ شعري بالنمو من جديد، وابتدأت تعود اليَّ عافيتي من جديد. وكنت سعيدة لانني على قيد الحياة.
اخيرا، العودة الى المدرسة
رتَّبت مدرِّستي الخصوصية ان اتخرَّج في مدرسة الاحداث العالية مع الصف الذي كنت فيه فترة وجيزة في السنة ١٩٨١. وكنت مبتهجة جدا بسبب ذلك؛ وكان مبهجا ان ارى اصدقائي وأن اصنع اصدقاء جددا. وعندما حان يوم التخرُّج في حزيران ١٩٨٤، اخذت صورا للاصدقاء والمعلِّمين، وأخذت عائلتي صورا لي لحفظ هذا الحدث الخصوصي.
وفي صيف تلك السنة ذهبت لزيارة جدَّيَّ في جورجيا وقضيت هناك معظم الصيف. وعندما عدت في اواخر آب، حان الوقت لاستعد للمدرسة. نعم، كنت عائدة اخيرا الى المدرسة. وكنت مبتهجة جدا!
فضولية بشأن الدين
كان داون وكريڠ مختلفين عن التلاميذ الآخرين، وقد انجذبت اليهما. ولكن عندما قدَّمت لهما هدايا عيد الميلاد، قالا انهما لا يحتفلان بالعيد. فسألت: «هل انتما يهوديان؟» اوضح كريڠ انهما من شهود يهوه وأن عيد الميلاد ليس حقا عيدا مسيحيا. وأَعطاني بعض النسخ من مجلتي برج المراقبة واستيقظ! لقراءتها حول هذا الموضوع.
وصرت فضولية بشأن دينهما الذي بدا مختلفا جدا. فعندما كنت اذهب الى الكنيسة، كنا نسمع الامر نفسه مرارا وتكرارا: ‹آمنوا بيسوع المسيح، اعتمدوا، فتذهبوا الى السماء.› لكنَّ ذلك بدا سهلا جدا. وصرت اعتقد انه عندما تكون الامور سهلة جدا، فإما ان تكون عبقريا، او ان هنالك خطأ ما. وعرفت انني لست عبقرية، لذلك استنتجت انه لا بد من وجود خطإ ما في ما كانت الكنيسة تعلِّمه.
وأخيرا ابتدأ كريڠ يدرس معي الكتاب المقدس خلال فترة غدائنا. ودعاني ذات يوم الى محفل لشهود يهوه، فذهبت. ووجدت كريڠ وجلست معه ومع عائلته. تأثَّرت بما رأيته — اناس من عروق مختلفة يقدمون العبادة معا بوحدة — وتأثَّرت ايضا بما سمعته.
عندما ابتدأنا كريڠ وأنا بفصل مدرسي جديد، لم نعد نتمكن من درس الكتاب المقدس معا لاننا لا نشترك في فترة الغداء نفسها. فاتصلت والدة كريڠ بأمي لترى ما اذا كان بإمكانها الدرس معي، لكنَّ امي قالت لا. وفي ما بعد سمحت لي بالذهاب الى الاجتماعات المسيحية. لذلك اتصلت بقاعة ملكوت أُدرج رقم هاتفها في دليل الهاتف وعلمت ان الاجتماع يبدأ في الساعة ٠٠:٩ صباحا يوم الاحد. وقبل يوم سرت مسافة ٣٠ مبنى تقريبا الى قاعة الملكوت لأتأكَّد انني اعرف الطريق.
وعندما وصلت في الصباح التالي، سألني رجل عما اذا كنت قد اتيت من قاعة ملكوت اخرى. فقلت له ان هذه هي زيارتي الاولى لكنني درست لفترة قصيرة من الوقت. فدعاني بلطف الى الجلوس معه ومع زوجته. كانت الاجتماعات مختلفة جدا عن الكنيسة. وأدهشني كيف كان كثيرون متحمسين للتعليق خلال فترة الاسئلة والاجوبة. وحتى الاولاد الصغار قدموا تعليقات. فرفعت يدي وأجبت عن سؤال ايضا. ومن ذلك الحين فصاعدا، استمررت في حضور الاجتماعات وابتدأت اتقدم في فهم حقائق الكتاب المقدس.
نكسة اخرى
في كانون الاول ١٩٨٦، خلال سنتي الاخيرة في المدرسة الثانوية، ذهبت لاجراء فحص روتيني. وما رآه الطبيب في رئتي اليمنى جعله يشك، لذلك طُلب مني ان اعود لاجراء المزيد من الصور بالاشعة السينية. وعندما عرفت ان هذه الصور كشفت ان هنالك حتما علّة ما، ابتدأت ابكي.
وأُجريَت خِزْعة؛ واستخدم الطبيب ابرة لاخذ قطعة من الورم الموجود في رئتي. وتبيَّن ان الورم سرطاني. وفي الواقع، كانت هنالك ثلاثة اورام، بما فيها ورم كبير قرب شرايين قلبي. وبعد مناقشة مع الطبيب، قررنا ان آخذ عقَّارَين للمعالجة الكيميائية هما في طور الاختبار لتقليص الاورام قبل العملية. والتأثيرات الجانبية كانت التأثيرات العادية — فقدانا تاما للشعر، غثيانا، تقيؤا، وتعداد دم منخفضا.
في البداية كنت مكتئبة، لكنني ابتدأت عندئذ اصلي كثيرا الى يهوه، فقوّاني ذلك. وكان التخرج سيجري بعد اقل من ستة اشهر. وكان معلِّميَّ متفهمين ولطفاء؛ لقد طلبوا ان اقدِّم تقريرا من الطبيب وأن احاول مجاراة فروضي المدرسية.
لم تكن المدرسة سهلة
بالاضافة الى تحدي القيام بفرضي الذي يُنجَز في الصف عندما كنت مريضة جدا، ابتدأ شعري يتساقط. وعندما اشتريت شعرا مستعارا، قال رفقاء صفي ان شعري يبدو رائعا — لم يعرفوا انه شعر مستعار. لكنَّ احد الصبيان عرف. وكلما كنت ادخل الصف، كان يكتب على اللوح العبارة «شعر مستعار،» وكان هو وأصدقاؤه يضحكون ويسخرون. وقد جعلتني كل مضايقتهم اكتئب.
ثم ذات يوم في الرواق المزدحم، انتزع احدهم الشعر المستعار عن رأسي من الخلف. فالتفت بسرعة والتقطته. لكنَّ عشرات الاولاد رأوا انني قرعاء فشعرت بأذية كبيرة. ذهبت الى الدرج وبكيت. وفي اليوم التالي استطعت ان ارى من وجوه بعض التلامذة انهم شعروا بالاسف تجاه ما حدث. وأخبرني رفقاء الصف ان احدى الفتيات دفعت مالا لصبي لكي ينزع شعري المستعار.
موقف غير سهل يتعلق بالدم
وبالمعالجة الكيميائية، انخفض تعداد دمي كثيرا. وما جعل الامور اسوأ هو ان الدم كان يسيل من انفي مرتين او ثلاث مرات في اليوم احيانا. لم اكن معتمدة، لكنني اتخذت موقفا ثابتا وقلت انني كواحدة من شهود يهوه لن اقبل دما. (اعمال ١٥:٢٨، ٢٩) وشجَّعت اختي الكبرى احدى بناتها الصغيرات ان تقول لي انها لا تريد ان اموت. كان ابي منزعجا، وطلب ان آخذ دما، واستمرَّت امي تقول لي ان اللّٰه سيسامحني اذا قبلت نقل الدم.
وفي الوقت نفسه، حذَّرني الاطباء انه بتعداد دم منخفض كهذا، يمكن ان أُصاب بنوبة قلبية او سكتة دماغية. ولانني صمَّمت على اخذ موقف ثابت، ارادوا ان اوقِّع استمارة اعفاء تنصّ انه اذا مت، فلن يكونوا مسؤولين. وسرعان ما شفيت على نحو يكفي لاعود الى البيت والمدرسة. ولكن بسبب تعداد دمي المنخفض، قرَّر الاطباء انه يجب ان اخضع الآن للمعالجة الاشعاعية عوض المعالجة الكيميائية. ونلت هذه المعالجة كل يوم بعد دوام المدرسة من اواخر نيسان حتى اوائل حزيران ١٩٨٧.
التخرُّج، ثم المعمودية
كان التخرُّج مناسبة خصوصية. وكانت اختي قد ساعدتني على شراء ثوب، وكنت قد اشتريت شعرا مستعارا جديدا. كانت امي وأختاي هناك، وبعد ذلك خرجنا معا من اجل وجبة تذكارية.
في ذلك الحين لم اكن اتلقّى معالجة كيميائية او اشعاعية. ولكن بعد اسابيع قليلة اتصل الطبيب وقال ان آتي الى المستشفى من اجل دورة اخرى من المعالجة الكيميائية. لم اشأ ان اذهب لانني كنت سأحضر بعد اسبوع المحفل الكوري لشهود يهوه في يانكي ستاديوم في مدينة نيويورك. لكنَّ امي قالت ان اذهب اولا وأُنهي المعالجة. فذهبت.
كنت مبتهجة جدا خلال المحفل لانني كنت سأعتمد يوم السبت في ٢٥ تموز ١٩٨٧. وقد واكبتنا الشرطة الى اورتشارد بيتش، موقع المعمودية. وبعد ان اعتمدت عدت الى الملعب من اجل ما تبقَّى من برنامج اليوم. وشعرت بالكثير من التعب بحلول المساء، لكنني كنت صباح يوم الاحد مستعدة وحضرت آخر يوم من المحفل.
مواجهة قضية الدم من جديد
بعد ظهر اليوم التالي أُدخلت الى المستشفى ولديَّ حرارة تبلغ ١٠٣ درجات فهرنهايت (٣٩° م)، خمج في الكلية، وتعداد دم منخفض للغاية. وهدَّد الطبيب بأنه إن لم اوقِّع استمارة موافقة على نقل الدم، فسيأخذ امرا من المحكمة ويعطيني دما بالقوة. كنت مرتعبة جدا. وكانت عائلتي تضغط عليَّ؛ وعرضت اختي ايضا ان تعطيني من دمها، لكنني قلت لها لا.
صلَّيت كثيرا الى يهوه لكي يساعدني على الوقوف بثبات. وأشكر اللّٰه لان تعداد دمي ابتدأ يرتفع، وتوقف الضغط لاخذ الدم. وعلى الرغم من انني احتجت الى متابعة المعالجة الكيميائية، لم تبقَ لي اوردة ملائمة. لذلك اجرى جرّاح فتحة صغيرة تحت تَرْقُوتي لادخال اداة يُعطى الدواء من خلالها.
وعندما شرح عن ازالة الاورام في رئتي، قال الجرّاح انه لن ينقل دما إلا في حالة طارئة. وقالت امي لي ان اوافق، فوافقت. ولكن بعد ذلك شعرت بالندم لان ذلك عنى في الواقع الموافقة على قبول الدم. وفورا ابتدأت ابحث عن جرّاح يضمن عدم استعمال الدم. وبدا البحث عقيما، لكنني وجدت اخيرا جرَّاحا، وعُيِّن موعد الجراحة في كانون الثاني ١٩٨٨.
لم يضمن الطبيب انني سأعيش. وفي الواقع، اتى الى غرفتي في الليلة التي سبقت العملية وقال: «سأحاول ان أُجري العملية.» كنت مرتعبة؛ كنت بعمر ١٩ سنة فقط ولم ارد ان اموت. لكنَّ الاورام الثلاثة أُزيلت بنجاح، بالاضافة الى ثلثي رئتي. والجدير بالملاحظة انني اقمت في المستشفى اسبوعا واحدا فقط. وبعد ان قضيت فترة نقاهة بلغت نحو شهرين ونصف شهر في المنزل، ابتدأت من جديد بالمعالجة الكيميائية، مع التأثيرات الجانبية المعتادة.
وبحلول ذلك الوقت مرض ابي ايضا بالسرطان، وذات ليلة بعد اشهر قليلة، وجدته امي ميتا في غرفة النوم. وبعد موته، ابتدأت بالذهاب الى مدرسة مهنية حيث استأنفت التدريب كسكرتيرة. وكنت انجح جسديا، اكاديميا، وروحيا، حتى انني كنت اشارك في الفتح الاضافي (خادمة كامل الوقت على اساس وقتي).
نكسة اخرى ايضا
في نيسان ١٩٩٠، حضرت حفلة زفاف اخي الاكبر في اوڠوستا، جورجيا. وفيما كنت هناك قال اخي: «ساقك منتفخة.»
وسألت: «ما هذا يا تُرى؟»
أجاب: «لا اعرف.»
فقلت: «انه على الارجح ورم.»
وبعد العودة الى مدينة نيويورك، ذهبت الى الطبيب. وكشفت خِزْعة أُجريت تحت تبنيج موضعي ورما آخر من اورام ويلمز في ربلة ساقي اليسرى. وأظهرت الفحوص ان العظم غير مصاب، لكنَّ الورم اكبر من ان يُستأصل. فتلَت ذلك المعالجة الكيميائية المعتادة.
وبعد فترة لم اتمكن من التوقف عن التقيّؤ؛ لقد عانيت انسدادا معويا. فوضعت عملية طارئة حدا له. لكنَّ امعائي صارت مفتولة، ولزمت عملية اخرى. وانخفض مقدار الهيموڠلوبين الى ما يقارب الاربعة، واستمر الطبيب يقول: «يجب ان تأخذي دما. سوف تموتين. ولن تري الشمس غدا.» وعانيت كوابيس عن المدافن والموت.
عادت اليَّ عافيتي بحلول تشرين الاول على نحو يكفي لازالة الورم. وانتزعوا نحو ٧٠ في المئة من ربلة ساقي ايضا. وكان هنالك شك في ما اذا كنت سأمشي من جديد. ولكن لزم ان امشي لكي اتنقَّل في مدينة نيويورك، وهكذا، بالمعالجة والتصميم، ابتدأت امشي — اولا بمِمْشاة، ثم بعُكَّازتين، بعد ذلك بعصا، وأخيرا بدعامة رِجل، مما سمح لي باستخدام يديَّ في استعمال الكتاب المقدس في الخدمة من بيت الى بيت. وخلال المعالجة الكيميائية، خفَّ وزني حتى ٥٩ پاوندا (٢٧ كلڠ)؛ طولي خمس اقدام وانش واحد (١٥٥ سم) ووزني الطبيعي نحو ١١٨ پاوندا (٥٤ كلڠ). واذ زاد وزني ونَمَت ساقي، استمر الاطباء في توسيع دعامة رِجلي. وأخيرا عندما بلغت الوزن الطبيعي، صنعوا لي دعامة جديدة.
لا تزال الحياة غير سهلة
بحلول صيف ١٩٩٢، بدا انني في حالتي الطبيعية وكنت اتطلع الى امكانية الانخراط في الفتح الاضافي ايضا. وفي تشرين الثاني، تسلَّمت رسالة ابهجتني كثيرا. وتقول ان اختبارات حياتي يمكن ان تكون مشجِّعة للآخرين، ودُعيت الى سردها لهم من اجل النشر في استيقظ! وتحول جذَلي الى قنوط في الاسبوع التالي.
لقد كشف تصوير روتيني للصدر بالاشعة السينية اوراما في رئتي السليمة. فبكيت ثم بكيت اكثر. كنت قد واجهت خسارة كلية، جزء من كبدي، معظم رئتي اليسرى، جزء من ساقي، ولكن لا يمكن للشخص ان يبقى على قيد الحياة بخسارة الرئتين كلتيهما. ومن جديد كانت عائلتي وأصدقائي متوافرين لدعمي، وصمَّمت ان احارب المرض من جديد.
ابتُدئ بالمعالجة الكيميائية لتقليص الاورام. واعتقد احد الاطباء انه يمكن ازالتها وانقاذ الرئة. وفي آذار ١٩٩٣، دخلت غرفة العمليات. وعلمت في ما بعد انهم القوا نظرة وخاطوا الجرح فقط. فلم يكن بإمكانهم ازالة الاورام دون استئصال الرئة. ومنذ ذلك الحين اخضع لمعالجة كيميائية قوية في محاولة للقضاء على الاورام.
هل عرفتم لماذا يغزو الموت افكاري؟ لو كانت حياتي سهلة هل كنت اتساءل بعمق لماذا نموت وأيّ رجاء هنالك للمستقبل؟ لست متأكدة. ولكنني متأكدة ان المهم حقا ليس ما اذا كنا سنحيا او سنموت الآن، بل ما اذا كنا سننال بركة يهوه اللّٰه الذي يمكنه ان يعطينا الحياة الابدية. وما ساعد في دعمي هو التأمل في رجاء الحياة في عالمه الجديد، القاء همومي عليه، والبقاء قريبة من الاصدقاء الذين يشاطرونني رجائي. — مزمور ٥٥:٢٢؛ رؤيا ٢١:٣، ٤.
انا سعيدة بأن الاحداث الآخرين يتمتعون بصحتهم. وأرجو ان يدفع ما سردته كثيرين منهم الى استخدامها، لا في مساعٍ باطلة، بل بحكمة في خدمة يهوه. ويا لروعة التمتع بالصحة الجيدة الى الابد في عالم اللّٰه الجديد! ففيه لن نحتاج الى اطباء، مستشفيات، ابر، انابيب — لا، لن يذكِّرنا شيء بهذا العالم القديم المريض والزائل. — كما روتها كاثي روبرسِن.
[الصورة في الصفحة ٢١]
عندما تخرَّجت في مدرسة الاحداث العالية
[الصورة في الصفحة ٢٣]
اساعد في تقديم الطعام في محفل دائري في نيويورك