مكتبة برج المراقبة الإلكترونية
برج المراقبة
المكتبة الإلكترونية
العربية
  • الكتاب المقدس
  • المطبوعات
  • الاجتماعات
  • اللاهارات —‏ مخلَّفات ثوران جبل پيناتوبو
    استيقظ!‏ ١٩٩٦ | ايار (‏مايو)‏ ٢٢
    • اللاهارات —‏ مخلَّفات ثوران جبل پيناتوبو

      بواسطة مراسل استيقظ!‏ في الفيليپين

      انغمرت البيوت،‏ وتعطَّلت الاشغال،‏ وانجرفت السيارات،‏ وطُمرت الابنية.‏ وأُجبر آلاف الاشخاص على الهرب.‏ وعلِق آخرون،‏ فلم يجدوا سبيلا الى الفرار.‏ وماذا كان سبب ذلك؟‏ أهو زِلزال؟‏ هيار ثلجي؟‏ لا.‏ انه مسلسل الاحداث الذي تسبِّبه اللاهارات.‏ وما هو اللاهار؟‏ انه سيل مكوَّن من ماء ورواسب بركانية تشمل الرماد غير الثابت والخفّان والحُطام الناتجة من الثوران الحالي وكذلك من ثورانات سابقة.‏

      من المحتمل انكم لم تسمعوا قبل عشر سنين بجبل پيناتوبو في الفيليپين.‏ ولكن بعد الثوران الشديد في ١٥ حزيران ١٩٩١،‏ صارت كلمة «پيناتوبو» شائعة في انحاء كثيرة من العالم.‏ فبعد ان كان جبل پيناتوبو نائما طوال ٥٠٠ سنة تقريبا،‏ قذف محتوياته البركانية في سحابة فُطرية الشكل تُعتبر من اضخم السُّحُب الفُطرية التي شهدها هذا القرن.‏ وخرج الرماد والرمل والصخور من البركان وانهمرت على الارض بكميات نادرا ما رآها البشر.‏a

      قذف البركان كمية هائلة من المواد في غلاف الارض الجوي حتى مسافة اكثر من ٢٠ كيلومترا (‏١٢ ميلا)‏.‏ ومع ان بعضها عاد الى الارض،‏ بقيت كميات كبيرة من الغبار في السماء —‏ وليس الغبار فقط بل كميات ضخمة ايضا من ثاني اكسيد الكبريت قُدِّرت بـ‍ ٢٠ مليون طن!‏

      وربما تتذكرون بعض تأثيراته العالمية:‏ لوحات جميلة جدا لغروب الشمس شوهدت لفترة من الوقت؛‏ كسوف كلّي للشمس ساطع بشكل غير عادي في المكسيك والمناطق المجاورة سنة ١٩٩١؛‏ تغيُّر في انماط الطقس،‏ بما في ذلك البرودة التي شهدتها بعض انحاء نصف الكرة الشمالي؛‏ وتلف متزايد لطبقة الأوزون حول الارض.‏ وربما سمعتم بتفاقم المجاعة والامراض التي اصابت الناس الذين دفعهم ثوران البركان الى النزوح.‏

      المخلَّفات الطويلة الامد

      ان احد اخطر مخلَّفات ثوران پيناتوبو،‏ وربما احد الامور التي لا يعلم بها جزء كبير من الناس،‏ هو الظاهرة المعروفة باسم لاهار.‏ وكما ذُكر في الفقرة الاولى من هذه المقالة،‏ سبَّبت اللاهارات آلاما كثيرة لعشرات الآلاف من الاشخاص.‏ وبسبب اللاهارات،‏ لا يمكن القول ان نتائج ثوران جبل پيناتوبو هي امور من الماضي.‏ فآ‌ثارها لا تزال موجودة حتى الوقت الحاضر.‏ وربما لم تتأثروا بها شخصيا،‏ ولكن في جوار جبل پيناتوبو لا تزال المؤسسات التجارية والوظائف والبيوت وأنفس الناس وحتى بلدات بكاملها تدفع الثمن.‏ والمسؤولية تقع على لاهارات پيناتوبو.‏

      مع ان الكثير من اللاهارات يماثل انهارا وحِلة انما بكميات غير عادية من الرواسب،‏ فعندما تزيد الرواسب التي تحتويها على ٦٠ في المئة،‏ تصير اللاهارات كالاسمنت المتدفق.‏ والخراب الناتج منها هائل جدا.‏ يذكر الكتيِّب التقني التمهيدي للاهارات پيناتوبو (‏بالانكليزية)‏:‏ «ان هذه السيول الطينية كثيفة جدا (‏اكثر من ضعف كثافة الماء)‏ بحيث تحمل الجلاميد الضخمة وسلال الحجارة المستخدمة في الانشاءات والسيارات والابنية الاسمنتية وحتى الجسور وتجرفها معها.‏»‏

      وكيف تبدأ اللاهارات؟‏ انتم تذكرون ان جبل پيناتوبو قذف كميات هائلة من المواد البركانية عندما ثار.‏ وارتفع بعضها الى الغلاف الجوي،‏ ولكنَّ الكثير منها بقي على الجبل وفي جواره في شكل رواسب لانسيابات فُتاتية بركانية (‏ناتجة من النشاط البركاني)‏.‏ وكم تبلغ كميتها؟‏ ٦٥‏,٦ بلايين متر مكعب (‏٢٣٥ بليون قدم مكعبة)‏،‏ حسب تقرير وضعه المعهد الفيليپيني لعلمَي البراكين والزلازل.‏ ويقول عالم البراكين الاميركي سي.‏ جي.‏ نيوهول ان الحطام المقذوف كافٍ «لتعبيد طريق رئيسية من اربعة مسارب تجتاز الولايات المتحدة ذهابا وإيابا ١٠ مرات على الاقل.‏» وكان ٤٥‏,٣ بلايين متر مكعب (‏١٢٢ بليون قدم مكعبة)‏ منه في شكل قابل للتحات —‏ منتظرا هطول الامطار لتجرفه الى الارتفاعات الادنى،‏ فتتشكل اللاهارات.‏ وفي الفيليپين تزيد العواصف والاعاصير المدارية الطين بلة.‏ فيمكن ان تتساقط كميات كبيرة من المطر خلال فترة زمنية قصيرة،‏ مما يسبِّب لاهارات ضخمة.‏

      وهذا ما يحدث لسنوات عديدة.‏ فمرة بعد اخرى تُغرق العواصفُ الحطامَ البركاني بالماء،‏ فتحرِّكه.‏ وقد حوَّلت اللاهارات الاراضي الزراعية الخصبة الى بُور والبلدات الى سطوح بيوت ناتئة فوق سطح الارض.‏ وفي بعض الحالات كان ذلك يحدث خلال الليل.‏ ودُمِّرت آلاف البيوت،‏ وهُجِّر الناس من مسقط رأسهم،‏ وأُجبروا على الابتداء بحياة جديدة في منطقة اخرى.‏ وحتى بداية سنة ١٩٩٥،‏ كانت اللاهارات قد دفعت ٦٣ في المئة من المواد الفُتاتية البركانية الى المنخفضات،‏ ولكن لا تزال هنالك ٣٧ في المئة على الجبل تنتظر الفرصة لتسبِّب الدمار في المستقبل.‏ والكثير من الـ‍ ٦٣ في المئة التي سبقت وانجرفت لا يزال يشكِّل خطرا.‏ فمياه الامطار الغزيرة تحفر قنوات في المواد التي استقرَّت قبلا في المناطق العليا.‏ وهذا ما يجعل اللاهار يتحرك من جديد،‏ مما يشكِّل خطرا على الحياة والاملاك في المناطق السفلى.‏ وفي تموز ١٩٩٥ ذكرت نشرة مانيلا (‏بالانكليزية)‏:‏ «لقد امَّحت احدى وتسعون قرية .‏ .‏ .‏ عن خريطة لوزون الوسطى،‏ اذ طُمرت تحت اطنان من الحطام البركاني.‏»‏

      الكارثة تحلّ من جديد

      يوم السبت مساءً في ٣٠ ايلول ١٩٩٥ ضربت لوزون العاصفةُ المدارية القوية مامَنْڠ (‏المعروفة عالميا باسم سيبيل)‏.‏ وانهمرت كميات هائلة من المطر على منطقة جبل پيناتوبو.‏ وعنى ذلك ان كارثة ستقع.‏ فقد تحرَّكت اللاهارات من جديد،‏ وابتلعت كل ما يعترض سبيلها.‏ وفي احدى المناطق انهار سدّ دفاعي،‏ مما عرَّض مناطق كانت قبلا بمنأى عن الخطر للاهاراتٍ يصل عمقها الى ٦ امتار (‏٢٠ قدما)‏.‏ وانغمرت كليًّا البيوت المؤلفة من اقل من طابقين.‏ وهرع الناس الى السطوح لإنقاذ حياتهم.‏ وفي الاماكن التي كان فيها اللاهار سميكا جدا،‏ كان يحمل معه الجلاميد الصخرية والسيارات وحتى البيوت.‏

      وما الفيضانات الّا نتيجة اخرى للاهارات،‏ لأنها تغيِّر مجرى مياه الانهار وصرف الماء.‏ فغطى الماء آلاف البيوت،‏ بما فيها بيوت كثيرة تملكها عائلات من شهود يهوه،‏ بالاضافة الى عدد من قاعات الملكوت.‏

      وكانت معاناة آخرين اسوأ ايضا.‏ فالشخص يغوص في لاهار متحرِّك او في الطين المترسِّب حديثا من لاهار ما،‏ مما يجعل الانفلات صعبا جدا.‏ وهذه المواد لا تصير جامدة الى حد يكفي للسير عليها الّا بعد عدة ساعات او ايام.‏ فكيف هرب الناس؟‏ بقي البعض على السطوح او في الاشجار فوق اللاهار الى ان صار المشي عليه ممكنا.‏ وتعلَّق آخرون بأسلاك الهاتف او ساروا عليها،‏ لأن علو اللاهار بلغ هذا الحد.‏ وزحف البعض على الطين الذي خلَّفه اللاهار بعد ان صار شبه جامد.‏ والبعض لم ينجوا.‏ وقد ارسلت الحكومة طائرات مروحية الى المناطق الاكثر تضررا لأخذ الناس من السطوح.‏ —‏ انظروا المقالة المرافقة «أُنقذنا من لاهار!‏» من اجل المزيد من التفاصيل.‏

      المحبة تدفع الآخرين الى تقديم العون

      فرح شهود يهوه عندما عرفوا ان احدا من اخوتهم وأخواتهم المسيحيين لم يمت،‏ مع ان بيوتا كثيرة وبعض قاعات الملكوت جُرفت او تضرَّرت بشكل بالغ.‏ ولكن كان من الواضح ان الذين تأثروا باللاهارات او الفيضانات كانوا في عوز شديد.‏ فبعض الشهود هربوا بالثياب التي كانوا يرتدونها فقط،‏ والتي كانت متسخة بطين اللاهار.‏ فكيف تجاوب الرفقاء المسيحيون مع الحاجة؟‏

      حاول شيوخ الجماعات في المنطقة المجاورة ان يعرفوا ما اذا كان اخوتهم المسيحيون في امان او بحاجة الى المساعدة ليغادروا منطقتهم.‏ وكان ذلك صعبا جدا،‏ لأن رواسب اللاهارات كانت لا تزال طرية في مناطق كثيرة.‏ قال ڠيلييرمو تونْڠول،‏ شيخ في جماعة باكولور:‏ «ذهبنا لتقديم العون.‏ وسرنا على اسلاك الهاتف لنصل الى اخوتنا.‏» وأضاف ويلسون أُوِي،‏ خادم كامل الوقت في الجماعة نفسها:‏ «كنا عاجزين تقريبا عن الوصول الى هناك لأنه كان علينا ان نخوض ماء سريع الجريان يرتفع حتى مستوى الصدر.‏» ولكن بتوخّيهم الحذر نجحوا في الوصول وتمكنوا من معرفة حالة اعضاء الجماعة وتقديم المساعدة حيثما امكن.‏

      بحلول صباح يوم الاثنين في ٢ تشرين الاول،‏ كان مكتب فرع جمعية برج المراقبة متنبِّها جدا للحاجة.‏ فهل كان الـ‍ ٣٤٥ عاملا متطوعا في الفرع سيتمكنون من تقديم العون؟‏ نعم!‏ وكان تجاوبهم سريعا.‏ فبحلول الساعة العاشرة صباحا،‏ كان هؤلاء العاملون وحدهم قد تبرَّعوا بِطنّ تقريبا من الملابس لاخوتهم المسيحيين المتألمين.‏ وأُرسلت اليهم هذه الملابس مع بعض الطعام والاموال بواسطة شاحنة سلّمت الحوائج في اليوم نفسه.‏

      وفي غضون ايام أُعلمت الجماعات في منطقة مانيلا المتروپوليتية بأن هنالك حاجة للمساعدة.‏ فأُرسلت في وقت قصير خمسة اطنان اضافية من الملابس مع مؤن ضرورية اخرى.‏ وكانت شاهدة من اليابان في زيارة للفيليپين عندما وقعت الكارثة.‏ وكانت آتية من هونڠ كونڠ،‏ حيث اشترت لنفسها بعض الملابس.‏ وعندما علمت ببلية رفقائها المسيحيين قرب جبل پيناتوبو،‏ وهبتهم كل الملابس التي اشترتها وعادت الى اليابان بدونها.‏ فكم هي منعشة رؤية المسيحيين الحقيقيين وهم يعربون عن المحبة للمعوزين —‏ ليس فقط بتمنّي الخير لهم بل ‹بإعطاء حاجات الجسد.‏› —‏ يعقوب ٢:‏١٦‏.‏

      ويُمدح شهود يهوه هؤلاء لأنهم لم يسمحوا لهذه الامور بأن تضعف غيرتهم للامور الروحية.‏ فقد استمرت الاجتماعات المسيحية —‏ حتى عندما وصل الماء ذات مرة الى مستوى الكاحل في قاعة الملكوت نفسها.‏ وأدرك هؤلاء المسيحيون اهمية ايصال رسالة الكتاب المقدس الى الآخرين،‏ فاستمروا في الكرازة من بيت الى بيت.‏ وكان على البعض ان يخوضوا الماء ليصلوا الى المنطقة حيث كانوا سيشهدون —‏ منطقة لم تكن مغمورة كثيرا بالماء.‏ وكانوا يحملون ملابس معهم ويغيِّرون ثيابهم في مكان اكثر جفافا.‏ وهكذا،‏ مع ان هؤلاء المسيحيين عانوا هول الكارثة،‏ لم يدعوا ذلك يمنعهم من اظهار الاهتمام بالآخرين.‏

      نعم،‏ ان مخلَّفات ثوران پيناتوبو افظع مما تخيَّله كثيرون.‏ انها قصة ستتوالى فصولها لسنين اضافية في المستقبل.‏ لقد بُذلت جهود للتحكم في اللاهارات،‏ ولكنَّ ذلك يفوق احيانا قدرة الانسان.‏ وكم يُسَرُّ المرء عندما يرى ان المسيحيين الحقيقيين يستخدمون حالات كهذه،‏ عندما تنشأ،‏ كفرصة للاعراب عن محبتهم للّٰه وللقريب!‏

      ‏[الحاشية]‏

      a من اجل المزيد من المعلومات،‏ انظروا التقرير الاصلي الذي وضعته استيقظ!‏ حول هذا الثوران،‏ كما ظهر في مقالة «يومَ امطرت رملا» في عدد ٨ شباط ١٩٩٢،‏ الصفحات ١٥-‏١٧.‏

      ‏[الاطار/‏الصورة في الصفحة ٢١]‏

      كيف اثَّر جبل پيناتوبو في العالم

      عندما يهدأ تدريجيا او يسكن ثوران بركاني بقوة ثوران جبل پيناتوبو،‏ تنتهي تأثيراته ايضا.‏ صح؟‏ كلا!‏ لاحظوا بعض التأثيرات العالمية التي خلّفها.‏

      ◼ ربما شاهدتم لوحات جميلة جدا لغروب الشمس لفترة من الوقت بعد الثوران.‏

      ◼ فوجئ العلماء في المكسيك عندما رأوا كسوف الشمس الكلي الساطع بشكل غير عادي في ١١ تموز ١٩٩١.‏ وماذا كان السبب؟‏ ثوران جبل پيناتوبو.‏ فقد بعثرت جزيئاتُ غباره ضوءَ الاكليل الشمسي اكثر من المعتاد.‏

      ◼ وتأثر الطقس ايضا.‏ فبعد ثلاثة اشهر تقريبا من الثوران،‏ اوردت التقارير ان ضوء الشمس المباشر الذي يصل طوكيو في اليابان هو اقل من المعتاد بنسبة ١٠ في المئة.‏ فقد حجب الرماد البركاني جزءا من ضوء الشمس.‏ وأشارت اخبار العلم (‏بالانكليزية)‏ الى انخفاض يبلغ درجة مئوية واحدة تقريبا (‏٢° ف)‏ في معدل درجات الحرارة في بعض انحاء نصف الكرة الشمالي.‏

      ◼ والتأثير الآخر هو تزايد تلف طبقة الاوزون الارضية.‏ فحمض الكبريت الذي كان في الجو نتيجةً للثوران اتَّحد بمركّبات الكلور البشرية الصنع،‏ مما ادى الى انخفاض في الاوزون.‏ وطبقة الاوزون هي عادةً درع واقٍ في الغلاف الجوي يحمي الناس من الاصابة بالسرطان.‏ وبُعيد الثوران انخفضت مستويات الاوزون في القارة القطبية الجنوبية الى الصفر تقريبا،‏ وانخفض المستوى عند خط الاستواء بنسبة ٢٠ في المئة.‏

      ◼ وكانت المجاعة والامراض من التأثيرات السلبية ايضا.‏ فالناس الذين نزحوا بسبب البركان أُجبروا على العيش وقتيا في مراكز إجلاء حيث تفشى المرض بسرعة.‏ وكان شعب الأيتا اكثر الناس تأثُّرا بالثوران.‏ فقد اجبر الثوران هذا الشعب القبائلي على مغادرة ارضهم والعيش في محيط غير معتادين له.‏

  • أُنقذنا من لاهار!‏
    استيقظ!‏ ١٩٩٦ | ايار (‏مايو)‏ ٢٢
    • أُنقذنا من لاهار!‏

      كان ١ تشرين الاول ١٩٩٥ يوما مختلفا جدا عن سائر الايام بالنسبة الى عائلة ڠارسيا.‏ تتألف عائلة ڠارسيا من افراد هم شهود نشاطى ليهوه،‏ وكانوا يسكنون قطاعا في كابالنْتيان،‏ باكولور،‏ في مقاطعة پامپانڠا الفيليپينية.‏ ومع ان بيتهم كان يقع قرب مناطق تعرَّضت للاهارات جبل پيناتوبو،‏ فإنه لم يتأثر بها مباشرة.‏ فقد كانت تحمي كابالنْتيان سدودٌ بنتها الحكومة لوقف اللاهار.‏ ولكنَّ الامور كانت ستأخذ منحى مختلفا بسرعة.‏

      كانت عاصفة مدارية قوية قد القت ٢١٦ مليمترا (‏٥‏,٨ انشات)‏ من المطر على جبل پيناتوبو.‏ وفي ساعات الصباح الاولى رنَّ الهاتف في منزل عائلة ڠارسيا.‏ وكان المتكلم شخصا طلب رقما خاطئا،‏ لكنه قال ان احد السدود انهار وإنه يجب ان تستعد العائلة لحدوث فيضان.‏

      المحنة تبدأ

      يروي نوناتو ڠارسيا،‏ رب العائلة والناظر المشرف في جماعة ڤيليا روزماري:‏ «في صباح يوم الاحد قبل الساعة الخامسة،‏ بدأ الماء يرتفع حول بيتنا.‏

      ‏«ظننتُ انه سيحدث فيضان ماء فقط،‏ لذلك بدأنا ننقل ممتلكاتنا الى الطابق العلوي.‏ ولكن بعد الساعة العاشرة صباحا رأيت طين اللاهار يختلط بالماء.‏ واستمر السيل يرتفع ويندفع بقوة اكبر الى ان صار لزجا يحمل معه الجلاميد الصخرية.‏ فصعدنا الى السطح.‏

      ‏«وفي ما بعد اخذ السيل يجرف معه السيارات وحتى البيوت.‏ وكان جلمود كبير قد ضرب احد البيوت،‏ فانهار وانزاح من مكانه.‏ وبسبب اللاهار صار سطحه قرب منزلنا.‏ وكان هنالك اشخاص على السطح.‏ فناديتُهم وشجعتهم على الانتقال الى سطح منزلنا.‏ وليستطيعوا المجيء الينا،‏ رمينا اليهم سلكا لكي يتمسكوا به.‏ وكان هذا السلك مربوطا بجسمي،‏ فسحبتُهم الينا واحدا فواحدا.‏ وجاء اناس آخرون من سطوح اخرى غطاها الطين.‏ وطوال كل ذلك كان المطر يتساقط باستمرار.‏

      ‏«بعد الظهر بدأت الطائرات المروحية تحلّق فوقنا.‏ لكنَّ واحدة منها لم تهبط لإنقاذنا،‏ مع اننا كنا نلوِّح بأيدينا بقوة.‏ فقلنا انه لا بد ان هنالك اشخاصا آخرين في وضع اسوأ،‏ وسيساعدونهم اولا.‏ لم اظن انه سيجري انقاذنا بسرعة،‏ لأنه كان كثيرون عالقين على سطوح البيوت.‏

      ‏«ان الصلاة مهمة في وضع مثل كهذا.‏ فحتى عندما يكون المرء في خطر كبير،‏ ينجلي عنه الشعور بالخوف بعد الصلاة.‏ لم نصلِّ الى يهوه طالبين منه ان يقوم بعجيبة،‏ لكننا سألناه ان يُجري مشيئته مهما تكن،‏ مدركين ان كل شخص معرَّض للكوارث.‏ لكنني طلبت منه ان يمنحني القوة والشجاعة والحكمة.‏ وساعدَنا كل ذلك على مواجهة الحالة التي كنا نمرّ بها.‏»‏

      وثنَّت كارمن،‏ زوجة نوناتو،‏ على رأيه بقولها:‏ «ما يقوله زوجي عن الصلاة صحيح فعلا.‏ فأنا اشعر بتوتر شديد عندما اجد نفسي في وضع تكون فيه حياة احبائي في خطر.‏ وعندما رأيت السطح يمتلئ بطين اللاهار والجلاميد ترتطم به،‏ قلت لزوجي:‏ ‹يبدو انه لم يبقَ لدينا ايّ امل.‏› لكنه شجعني قائلا:‏ ‹لنصلِّ.‏›»‏

      وتابع نوناتو قائلا:‏ «في الساعة الرابعة من بعد الظهر،‏ كان سيل اللاهار لا يزال قويا جدا.‏ وكانت صخور كبيرة ترتطم بالبيت.‏ وكان حطام اللاهار يغطي نحو نصف السطح.‏ وصرت افكر في ان الظلام سيحلّ عما قريب وأن الانتقال الى مكان آخر سيكون صعبا جدا آنذاك.‏ لذلك قررنا التوجه الى مكان آخر ما دام نهار.‏

      ‏«ألقيت كرسيّا في طين اللاهار لأرى ما اذا كان سيغرق،‏ حتى انني وقفت عليه،‏ لكنه لم يغرق.‏ فتناولت قطعة طويلة من الخشب لأغرزها في الطين.‏ وهكذا كان بإمكاني ان احدد الاماكن الصلبة كفاية للسير عليها.‏ وبهذه الطريقة تمكنّا مع عدد من جيراننا من شقّ طريقنا عبر الطين.‏ وكان مجموعنا ٢٦ شخصا.‏

      ‏«توجَّهنا نحو سطح بعيد اكثر ارتفاعا.‏ وبقينا نغرز القطعة الخشبية في الطين لنعرف اين يمكننا ان نمشي.‏ أما في الاماكن التي كانت لا تزال طرية جدا،‏ فكنا نزحف.‏»‏

      وتوضح كارمن والدموع تملأ عينيها:‏ «في بعض الاماكن كنا عند حافة سيل اللاهار ومضطرين الى السير جانبيا على ارض ضيقة جدا.‏ وفي احد الاماكن غمرني السيل حتى صدري فقلت لزوجي:‏ ‹لا استطيع الاستمرار.‏ سأموت.‏› ولكنه قال:‏ ‹كلا،‏ بل يمكنك ذلك.‏ قومي.‏› وبمساعدة يهوه،‏ واصلنا التقدم.‏»‏

      وتضيف نورا منڠولو،‏ وهي من انسباء العائلة:‏ «في الاماكن التي كانت طرية جدا بحيث لا يكون الزحف ممكنا،‏ استلقينا على ظهورنا ودفعنا انفسنا بأقدامنا.‏ وفي بعض الاحيان كنا نغرق كثيرا،‏ لكننا تعاونّا على سحب واحدنا الآخر،‏ وخصوصا الاولاد.‏»‏

      الانقاذ —‏ اخيرا

      ويمضي نوناتو قائلا:‏ «فيما كنا نشق طريقنا بصعوبة بالغة على طول حافة اللاهار،‏ حلّقت طائرة مروحية فوقنا ورأت وضعنا الخطر —‏ لاننا لم نكن على سطح بل في وسط حطام اللاهار.‏ فرفعت احدى النساء معنا ولدها البالغ من العمر ثمانية اشهر،‏ آملة ان يرى المنقِذون المحنة التي نحن فيها.‏ فهبطوا لأخذنا.‏ وصعد الاولاد والنساء اولا لأنه لم يكن هنالك متسع من المكان للجميع.‏

      ‏«وأخيرا رفعتنا طائرة مروحية نحن ايضا وأخذتنا الى مركز إجلاء.‏ لم يكن المسؤولون هناك قادرين على اعطائنا ثيابا لنرتديها،‏ مع ان كل ملابسنا كانت مليئة بالطين من اللاهار.‏ وقلت لهم ان عائلتي لن تذهب مع الآخرين الى منطقة الإجلاء،‏ لأننا اردنا الذهاب الى قاعة ملكوت.‏ وفور وصولنا الى هناك،‏ أُعطينا ثيابا بسرعة،‏ وتناولنا الطعام،‏ وقُدمت لنا مساعدات اضافية.‏ ووصل اخوة آخرون من الجماعة،‏ وقدَّموا لنا هم ايضا يد المساعدة.‏»‏

      وتضيف كارمن:‏ «في حين لم يكن ممكنا ان نأمل نيل المساعدة من مصادر اخرى،‏ شعرنا ببركة اخوّتنا المسيحية.‏»‏

      مع ان بيتهم غطاه اللاهار كليا،‏ فمن المبهج ان يتمكن الوالدان وأولادهما الثلاثة،‏ لاڤْلي وتشارْمي وتشارلي،‏ من النجاة من هذه المحنة مع غيرهم من الشهود في المنطقة.‏

المطبوعات باللغة العربية (‏١٩٧٩-‏٢٠٢٥)‏
الخروج
الدخول
  • العربية
  • مشاركة
  • التفضيلات
  • Copyright © 2025 Watch Tower Bible and Tract Society of Pennsylvania
  • شروط الاستخدام
  • سياسة الخصوصية
  • إعدادات الخصوصية
  • JW.ORG
  • الدخول
مشاركة