-
الغابات المطيرة — هل يمكن انقاذها؟استيقظ! ٢٠٠٣ | حزيران (يونيو) ٢٢
-
-
الغابات المطيرة — هل يمكن انقاذها؟
من مراسل استيقظ! في بوليڤيا
يملك راميرو واديا تكسوه غابة مطيرة معتدلة مدارية.a يقع هذا الوادي عند التلال الرابضة في سفح جبال الأنديز في اميركا الجنوبية، وهو احد الاودية القليلة التي لا تزال تضم اشجارا عتيقة. فالناظر الى التلال المحيطة يجدها معرَّاة من الغابات. وغابة راميرو المطيرة يقصدها العلماء من كل حدب وصوب ليدرسوا الحياة البرية فيها، وقد اكتشفوا هناك انواعا عديدة لم تُصنّف من قبل. يهتم راميرو كثيرا بالحفاظ على الطبيعة، ويقول: «لن اسمح بقطع الاشجار في غابتي».
من جهة اخرى، يتولى روبيرتو الاشراف على غابة مطيرة مدارية مساحتها ٦٠٠,٥ كيلومتر مربع في منخفضات حوض الامازون. انه حراجيّ يقطع اشجارا مدارية ويبيعها للسوق العالمية. لكنّ روبيرتو هو ايضا مهتم جدا بحماية الغابات المدارية وحياتها البرية. وهو يؤكد قائلا: «يمكن قطع اشجار من الغابات المدارية دون إلحاق ضرر دائم بالتنوُّع الأحيائي فيها».
رغم اختلاف الحالتَين المذكورتَين آنفا، راميرو وروبيرتو كلاهما قلقان جدا بشأن مصير الغابات المدارية. وهما ليسا الوحيدين على الاطلاق. ففي العقود الاخيرة، ازداد التدمير المتهور للغابات المطيرة المدارية بشكل ينذر بالخطر.
وهل هذا القلق مبالغ فيه؟ ألَم يحوّل الناس في المناطق ذات المناخ المعتدل غابات كثيرة الى مناطق زراعية بقطع اشجارها في القرون المنصرمة؟ فلمَ القلق اذا حذا الناس حذوهم في المناطق المدارية؟ يكمن السبب في وجود اختلافات رئيسية. فالغابات المطيرة المدارية، مثلا، غالبا ما تنمو على تربة غير خصبة حيث تكون الزراعة خيارا بديلا غير ملائم. كما ان التنوُّع الأحيائي في الغابات المطيرة هو اكبر بكثير، وخسارته تؤثر على كل الجنس البشري.
ثمن ازالة الاحراج
اكثر من نصف انواع الكائنات الحية في العالم موجود في الغابات المدارية. من السعادين العنكبوتية وحيوانات البَبر الى نبات الحَزاز والسَّحْلبيَّات، من الافاعي والضفادع الى الفراشات النادرة والببَّغاوات، وغيرها من الكائنات التي لا يمكن ادراجها كلها لكثرة انواعها.
تنمو شتّى الكائنات الحية وتتكاثر في انواع كثيرة من الغابات المدارية. فهنالك الغابات المطيرة المعتدلة التي تنمو ببطء في الاماكن الجبلية، الغابات المطيرة المظلمة بظلّاتها الكثيفة، الغابات المُعبلة المدارية، والاحراج ذات الظلّات غير الكثيفة. ومعظم الناس لم يزوروا قط غابة مدارية، وربما انت احدهم. فلماذا ينبغي ان يهمك امر هذه الاماكن؟
ان الحفاظ على الغابات المطيرة المدارية حيوي لك، لأن الكثير من النباتات التجارية والبستانية التي تحتاج اليها تعتمد، من بعض النواحي، على سلالاتها البرية التي لا تزال تنمو في هذه الغابات. فهذه السلالات البرية تُستعمل احيانا لإنتاج سلالات جديدة مقاومة اكثر للامراض والآفات. لذلك فإن التنوُّع الوراثي في الانواع البرية ضروري.
بالاضافة الى ذلك، يستخرج الباحثون باستمرار منتجات مفيدة من الغابات المدارية. فجزء كبير من العقاقير المستعملة اليوم، مثلا، يُصنع من النباتات المدارية. ولذلك يُشبّه التنوُّع الأحيائي في الغابات المطيرة المدارية في اغلب الاحيان بمكتبة حية، لكن معظم «الكتب» في هذه المكتبة لم يُفتح بعد.
شبكة حياة يسهل ايذاؤها
يسهل جدا إلحاق الضرر بالبيئة الرطبة المعقدة جدا في الغابة المدارية. فأشكال الحياة العديدة فيها يعتمد بعضها على بعض. مثلا، يعتمد معظم النباتات على انواع خصوصية من الطيور، الحشرات، او الحيوانات من اجل التلقيح ونشر البذار. وفي دورة الحياة المعقدة، تعيد الغابة بشكل فعال تدوير كل المواد الحية فيها من نباتات، حيوانات، حشرات، وعُضويات مجهرية. والمذهل ان هذا النظام البيئي بكامله موجود على تربة رديئة النوعية. فإذا دُمر، يصير صعبا او مستحيلا ان تعود الغابة الى سابق عهدها.
ويعتمد كثيرون على الغابات المدارية من اجل كسب لقمة العيش. فبالاضافة الى كون الغابات المدارية حقلا للابحاث العلمية وجاذبا سياحيا، فهي مهمة على الصعيد التجاري ايضا لأنها تزوّد منتجات مثل الخشب، الثمار الجوزية، العسل، الپالميتو، المطاط، والراتنج. لكنّ الغابات المطيرة المدارية تختفي بشكل ينذر بالخطر. ورغم ان الارقام هي محط جدل، ثمة واقع واضح: الغابات تتقلص بسرعة.
وما يجعل هذه الخسارة البيئية امرا مؤسفا بشكل خصوصي هو ان الغابات المطيرة المدارية غالبا ما تُدمَّر من اجل مكاسب وقتية. فمعظم هذه الغابات تحوَّل الى مراعٍ للماشية. لكن سرعان ما تعجز الارض في اغلب الاحيان عن تزويد مراعٍ كافية فتُهجر. وقد أُخبر ان مساحة ٠٠٠,١٦٥ كيلومتر مربع من الاراضي هُجرت لهذا السبب في حوض الأمازون البرازيلي.
فأي امل ينتظر الغابات المطيرة وحياتها البرية بأنواعها العديدة؟ ان راميرو، روبيرتو، وكثيرين غيرهم يكافحون لحماية الغابات المطيرة المدارية من متطلبات التجارة الدولية، اكتظاظ السكان، مقتنصي الحيوانات لبيعها حية، وكذلك الصيادين وقاطعي الاشجار غير الشرعيين. لكن ما هي الاسباب الحقيقية الضمنية لإزالة الاحراج؟ وهل من طريقة للاستفادة من موارد الغابات المطيرة الوفيرة دون تدميرها؟
[الحاشية]
a الغابة المطيرة المعتدلة هي غابة مطيرة تنمو في الجبال على ارتفاع يتعدى الـ ٠٠٠,١ متر.
[النبذة في الصفحة ٣]
معظم انواع الحيوانات في العالم موجود في الغابات المدارية، مع تنوُّع هائل من النباتات
[الصور في الصفحتين ٤، ٥]
قاطعو الاشجار، والطرقات التي يشقونها، يمكن ان يدمروا الغابة المطيرة
-
-
الغابات المطيرة — هل يمكن ان نستفيد منها دون تدميرها؟استيقظ! ٢٠٠٣ | حزيران (يونيو) ٢٢
-
-
الغابات المطيرة — هل يمكن ان نستفيد منها دون تدميرها؟
هل تشعر بأنه يحق لصناعة قَطْع وبيع الاشجار القضاء على الغابات المطيرة المدارية في العالم؟ من المرجح ان يكون جوابك: لا! لكن قد يصرّ بعض علماء البيئة على ان كثيرين ممن يقولون «لا» سبق لهم في الواقع ان قالوا «نعم»، اذ اشتروا اثاثا صُنع من خشب مداري رائج وجميل مصدره الغابات المطيرة عوض مغارس الاشجار.
نادرا ما يفرِّق الناس بين قطع الاشجار لبيعها وإزالة الاحراج. فغابات كثيرة تدمّر حين تُقطع اشجار فيها. لكن يُقال ان غابات اخرى تُقطع فيها اشجار دون إحداث اضرار تُذكَر. فهل يمكن قطع الاشجار دون القضاء على الغابات المطيرة المدارية وحياتها البرية؟ لنفحص اولا كيف يدمِّر قطع الاشجار الغابة.
كيف يقضي قطع الاشجار على الغابة والحياة البرية
إليك هذا المشهد: تبدأ القصة حين تشق الجرافات الطرقات في قلب الغابة. وسرعان ما يباشر قاطعو الاشجار عملهم مستخدمين مناشير بسلسلة. لقد نالت الشركة التي يعملون فيها رخصة قصيرة الامد بقطع الاشجار. لذلك تصلهم تعليمات بقطع كل شجرة ذات قيمة. وفيما تقع الاشجار الصالحة للبيع تؤذي او تدمر الاشجار المجاورة المتصلة بها بنبات معترِش. بعد ذلك، تشق ناقلات مجنزرة ثقيلة طريقها عبر النبات الكثيف لسحب الاشجار المقطوعة، فتُرصّ التربة الرقيقة حتى تصبح عديمة النفع تقريبا.
وموظفو شركة قطع الاشجار يأكلون عموما كمية لحم اكثر من القرويين المحليين. فيطوفون في الغابة بحثا عن الطرائد، ويقتلون في اغلب الاحيان اعدادا من الحيوانات تفوق حاجتهم. وهم يخلّفون وراءهم ايضا طرقات تفسح المجال لبلوغ منطقة تعذَّر بلوغها سابقا. فيدخل الصيادون بعرباتهم وأسلحتهم ليقضوا على ما بقي من حياة برية. ويمسك واضعو الفخوخ الطيور والحيوانات الصغرى للاتّجار بها حية، كونها تجارة مربحة. ثم يتوافد المستوطنون، آلاف الاشخاص الذين لا يملكون ارضا، مستغلين الفرصة ليحصلوا على ضروريات الحياة في الارض التي بات من الممكن بلوغها الآن. وتقضي طريقة الزراعة التي يتبعونها «هشِّم وأحرق» على ما بقي من اشجار، فتجرف الامطار الغزيرة التربة الرقيقة.
وهكذا تُترك الغابة بلا حياة. وليس قطع الاشجار سوى الخطوة الاولى. لكن هل من الضروري ان يكون قطع الاشجار في الغابات المطيرة المدارية مدمِّرا الى هذا الحدّ؟
قطع الاشجار دون اضرار تُذكَر
في السنوات الاخيرة، برز مجددا الاهتمام بقطع الاشجار دون اضرار تُذكَر وبالادارة المستدامة للغابات. والهدف هو قطع الاشجار وتجنب الى اقصى حد ممكن إلحاق الضرر بالغابة وحياتها البرية. فتستعيد الغابة تدريجيا عافيتها، لتفسح المجال امام قطع الاشجار مجددا بعد عقود قليلة. وبسبب الضغط الذي يمارسه انصار المحافظة على الطبيعة، يسوّق بعض التجار الآن خشبهم بصفته مقطوعا من غابات نالت شهادة انها ذات ادارة مستدامة. فلنلقِ نظرة على كيفية قطع الاشجار دون اضرار تُذكَر.
يشق الحراجيّ طريقه عبر النبات مع مجموعة من المعاونين. انهم احدى المجموعات العديدة التي ستقضي ربما ستة اشهر في الدغل، لجمع بيانات بموجودات الغابة. لقد نالت شركة قطع الاشجار هنا رخصة طويلة الامد، لذلك يجد العمال متسعا من الوقت لجمع بياناتهم بغية حماية الغابة والاستفادة منها في المستقبل.
يعطي الحراجيّ كل شجرة رقم تسجيل ويحدّد نوعها. وبسبب وجود مئات من الضروب، ينبغي ان تكون خبرته واسعة في هذا المضمار. اما الخطوة التالية فتتطلب التقنية الحديثة.
باستخدام اداة تمسَك باليد وتتصل بالاقمار الاصطناعية التابعة لـ «نظام تحديد المواقع العالمي»، يُدخِل الحراجيّ معلومات عن حجم الشجرة، نوعها، ورقم تسجيلها. وعندما ينهي ادخال المعلومات، تكون كل التفاصيل، بما في ذلك موقعها بالتحديد، قد أُرسلت من الغابة الى كمپيوتر في مدينة ناشطة بعيدة.
لاحقا، يحصل الحراجيّ بواسطة الكمپيوتر على خريطة تفصيلية تشمل كل الاشجار القيّمة في الغابة. فيختار بدقة الاشجار التي يمكن ان تُقطع وفقا للقوانين الرسمية. بالنسبة الى انواع كثيرة، يُسمح بقطع ٥٠ في المئة فقط من الاشجار التي يتعدى قطرها القياس المحدّد في الرخصة المعطاة. وينبغي المحافظة على الاشجار الاعتق والاسلم كحاملة للبذار.
لكن كيف يمكن إسقاط الاشجار دون إلحاق ضرر بالغابة؟ طرحت استيقظ! هذا السؤال على روبيرتو، الحراجيّ المذكور في المقالة السابقة. اوضح: «الخريطة هي المفتاح. فبواسطتها يمكن ان نخطط لإسقاط الاشجار دون إلحاق اضرار تُذكَر بالغابة. حتى الاتجاه الذي تسقط فيه الشجرة يمكن ان يُخطّط له لتقليل الاذى الجانبي الى اقصى حد.
«يمكن ان نخطط ايضا لإخراج الاشجار المقطوعة بالرافعات، عوض استعمال الجرافات وشق الطرقات لبلوغ كل شجرة مقطوعة. وقبل إسقاط الاشجار، يقطع العمال النبات المعترِش الذي يربطها بالاشجار المجاورة، وذلك ايضا من اجل تقليل الضرر الجانبي. ونعمل بشكل دوري في الغابة المرخّص لنا القطع فيها، بوضع كل سنة خريطة لجزء من الغابة وقطع اشجار فيها، ولا نعود الى هذا الجزء إلّا بعد مرور ٢٠ سنة على الاقل. وقد تصل المدة الى ٣٠ سنة في بعض اجزاء من الغابة».
لكنّ روبيرتو موظف في شركة لقطع الاشجار. فسألته استيقظ!: «الى اي مدى يهتم قاطعو الاشجار حقا بحماية الحياة البرية؟».
حماية الحيوانات
يعلّق روبيرتو: «لا يمكن ان تكون الغابة نامية دون حيوانات. فهي ضرورية لتلقيح النباتات ونشر البذار. ونحن نبذل جهودا دؤوبة كي لا نزعج الحيوانات البرية. مثلا، نخطط بعناية لتكون الطرقات التي نشقها قليلة وبعيدة بعضها عن بعض. وحيثما امكن، نجعل الطرقات ضيقة بحيث تغطيها ظلَّة الشجر. فيسمح ذلك للحيوانات مثل حيوانات الكسلان والسعادين ان تجتاز الطريق دون ان تنزل من الاشجار».
ويشير روبيرتو الى اجزاء ملوّنة على الخريطة لا ينبغي ان تمسها يد. فعلى ضفاف كل مجرى ماء، مثلا، تُحفَظ قطعة ضيقة من الارض على حالها لتتمكن الحيوانات من الانتقال من منطقة الى اخرى في دغل لا فُرج فيه.
ويوضح: «بالاضافة الى المَواطن الحيوية الموجودة على جانبي مجاري المياه، نحمي ايضا الكهوف، النتوءات الصخرية، الاشجار العتيقة ذات التجاويف، الاشجار التي تحمل ثمارا لبّية، وفي الواقع اي جزء حيوي لبقاء نوع معيّن من الحيوانات على قيد الحياة. ولمنع الصيد غير المشروع، نمنع موظفينا في مخيّم قطع الاشجار من حيازة اسلحة نارية، وننقل اليهم جوا لحم بقر ودجاج كي لا يحتاجوا الى لحم الحيوانات البرية. ثم عندما ننتهي من العمل في جزء معيّن من الغابة، نقطع الطرقات لنمنع الصيادين او قاطعي الشجر من دخولها.
«شخصيا، انا سعيد ان اقوم بكل ذلك لأنني اومن بالمحافظة على خليقة اللّٰه. لكن كل الاجراءات التي وصفتها تقريبا مطلوبة بحسب الانظمة الدولية لتنال الغابة شهادة انها ذات ادارة مستدامة. ولنيل الشهادة، ينبغي ان تحظى شركة قطع الاشجار بموافقة المفتشين التابعين للمنظمات الدولية».
وهل الغابات ذات الادارة المستدامة مربحة؟ باستثناء بعض الاشخاص المتحمسين مثل روبيرتو، لا يرحب قاطعو الاشجار عموما بخطط الحفاظ على الحياة البرية بمثل هذا الحماس. فغالبا ما تُعتبر هذه القيود بالنسبة اليهم تهديدا للربح.
لكن بحسب الدراسات التي أُجريت في حوض الأمازون الشرقي في اواخر تسعينات الـ ١٩٠٠، تبيّن ان كلفة وضع خريطة لمواقع الاشجار، قطع النبات المعترِش، وإخراج الاشجار المقطوعة حسبما خُطط له، تُغطّى كاملا بفضل تزايد الانتاجية. مثلا، يضيع عدد اقل من الاشجار المقطوعة. فدون خرائط، غالبا ما يقطع العمال شجرة، ولا يتمكن الفريق المسؤول عن اخراجها من ايجادها بسبب كثافة الدغل.
ايضا، قد يكون اسهل على الشركة ان تبيع الخشب اذا كان مصدره غابة ذات ادارة مستدامة نالت شهادة بذلك من مفتشين مستقلين غير تابعين لها. لكن هل طريقة قطع الاشجار دون اضرار تُذكَر تحمي حقا التنوُّع الأحيائي؟ وكم ينجو من الحياة البرية بعد قطع اشجار الغابة المطيرة بهذه الطريقة؟
هل تنجو الحياة البرية في الغابة بعد قطع الاشجار؟
صحيح ان الانظمة البيئية في الغابات المطيرة المدارية معقدة وتتضرر بسرعة، لكنها تتكيّف بشكل مذهل في بعض الظروف. مثلا، اذا بقيت ناحية لم تُقطع اشجارها في الغابة بالقرب من ناحية قُطعت فيها بعض الاشجار، تنمو تدريجيا فروخ الانواع المقطوعة لتملأ الفجوات في الظلّة. لكن ماذا عن الحيوانات، الطيور، والحشرات؟
بعض الانواع تتأثر كثيرا. فمعظم عمليات قطع الاشجار يقلل ضروب الطيور والحيوانات في المنطقة. لكن الطريقة المتبعة لقطع الاشجار دون اضرار تُذكَر تكاد لا تؤذي في اغلب الاحيان معظم الانواع. وفي الواقع، قد يعزز خلق فجوات في الظلّة وجود بعض الانواع. وتذكر ابحاث حديثة ان وجود البشر — حتى عندما يأتي بعضهم لقطع الاشجار بطريقة انتقائية — قد يزيد التنوُّع الأحيائي في الغابات المطيرة.
اذًا، تشير براهين كثيرة الى امكانية قطع الاشجار في الغابات المطيرة المدارية بوعي، دون إلحاق ضرر دائم بتنوُّع الحياة. قالت مجلة إيكونوميست اللندنية: «١٠ في المئة فقط من الغابات المتبقية، اذا قُطعت اشجارها بطريقة الادارة المستدامة، يمكن ان تفي بحاجة الناس الى الخشب المداري. وبالتالي يمكن ان يُمنع قطع الاشجار في باقي اجزاء الغابة منعا باتا».
وأحد الامثلة عن الحماية الشاملة هو الغابة المشار اليها في المقالة الافتتاحية. فراميرو يحميها لأن العلماء حدَّدوا فيها انواعا عديدة معرضة للخطر. ان مثل هذه الغابات المطيرة المعتدلة نادرة وتضم تنوّعا احيائيا كبيرا جدا. يوضح راميرو: «سر المحافظة عليها هو تثقيف الناس. فبعدما علم القرويون المحليون ان مورد مياههم يعتمد على الغابة، اصبحوا مهتمين بالحفاظ عليها».
يضيف راميرو: «السياحة البيئية ايضا مهمة، لأن الزائرين يتعلمون لماذا تستحق شتى الاشجار والنباتات التي يرونها الحماية. فيغادرون بتقدير اكبر للغابة وحياتها البرية».
يوضح مثالَا راميرو وروبيرتو انه بإمكان الانسان الاستفادة من الغابة المطيرة المدارية دون تدميرها او تدمير الحياة البرية فيها. لكن هذه الامكانية لا تعني ان ذلك سيحدث. صحيح ان بعض الناس اليوم يمكن ان يتأكدوا ان الخشب المداري الذي يشترونه مقطوع من غابة نالت شهادة انها ذات ادارة مستدامة، لكن هذه المعلومات غير متوفرة للبعض الآخر. فهل ستحمي الجهود التي تُبذل للحفاظ على الطبيعة التنوُّع الأحيائي المذهل الموجود في الغابات؟
[الخريطة في الصفحة ٧]
(اطلب النص في شكله المنسَّق في المطبوعة)
بوليڤيا
الخريطة الى اليمين تعطي تفاصيل عن كل شجرة؛ وكما يظهر في الاعلى، تمثل الخريطة منطقة صغيرة فقط من بوليڤيا
[مصدر الصورة]
All maps except top left: Aserradero San Martin S.R.L., Bolivia
[الصور في الصفحة ٧]
كل شجرة ترقّم، ويحدد نوعها. ثم بمساعدة جهاز «نظام تحديد المواقع العالمي» (في الاعلى)، يُسجَّل موقعها بدقة
[الصورة في الصفحة ٧]
‹وضع خريطة بموجودات الغابة هو المفتاح لتخطيط قطع الاشجار دون إلحاق اضرار دائمة بالغابة وحياتها البرية›. — روبيرتو
[الصورة في الصفحتين ٨، ٩]
‹سر المحافظة على الغابة هو تثقيف الناس›. — راميرو
[مصدر الصورة في الصفحة ٩]
Foto: Zoo de Baños
-
-
الغابات المطيرة — من سينقذها؟استيقظ! ٢٠٠٣ | حزيران (يونيو) ٢٢
-
-
الغابات المطيرة — من سينقذها؟
كل من يرغب في حل مشاكل الغابات المدارية عليه اولا ان يعالج اسبابها. فما هي هذه الاسباب؟ ان الضغط الناجم عن فيض السكان ليس المتهم الوحيد. فالمناطق الخصبة في الارض تؤمن بسهولة حاجات الناس حول العالم، لا بل ما يفيض عنهم ايضا.
وفي الواقع، يساور القلق حكومات بعض البلدان بشأن الانتاج الزائد في المزارع لأنه يؤدي الى انخفاض اسعار الطعام. لذلك يشجِّع بعضها المزارعين على تحويل ارضهم الى اماكن ترفيهية، كمواقع للتخييم، ملاعب ڠولف، او حدائق خاصة بالحيوانات البرية.
لماذا تتقلص اذًا غابات العالم؟ ينبغي ان نلقي نظرة الى اسباب اعمق من تلك المذكورة حتى الآن.
الاسباب الجوهرية لإزالة الاحراج
قبل الانفجار السكاني الحالي بزمن بعيد، خرّبت حكومات كثيرة الغابات سعيا وراء السلطة والثروة. مثلا، حين احتاجت الامبراطورية البريطانية الى الخشب من اجل بناء السفن، لجأت الى تدمير احراج السنديان المحلية ثم غابات السّاج في بورما في تايلند. كما انها عرّت الغابات في الهند لتزوِّد معامل الحديد بالوقود. وقطعت غابات اخرى لتُقام مكانها مزارع المطاط، البن، والكاكاو.
وبعد الحرب العالمية الثانية، صار قطع الاشجار ممكنا على صعيد اوسع باستخدام المناشير بسلسلة والجرافات. وصارت الغابات السريعة التضرر تُستثمر اكثر فأكثر كمصدر للربح.
كما اشترت الشركات الكبرى قطعا كبيرة من الاراضي الخصبة استخدمت فيها المعدات الآلية لزراعة المنتوجات ذات المكسب السريع. وطردت آلاف العمال الريفيين من العمل، فانتقلوا الى المدن. اما البعض الآخر فانتقل الى الغابات المطيرة، اذ كان يُقال احيانا عن هذه الغابات انها «ارض بدون شعب لشعب بدون ارض». لكن الناس لم يدركوا مدى صعوبة تحويل هذه الاماكن الى اراضٍ زراعية حتى كان قد سبق السيف العذل، وأُزيل جزء كبير من الغابة عن وجه الارض.
اما فساد المسؤولين الحكوميين فقد سبّب ايضا القضاء على غابات كثيرة. فالحصول على اذن بقطع الاشجار يكلف مالا كثيرا. والمعروف ان بعض المسؤولين الحكوميين غير النزهاء يُرتَشون، فيعطون رُخصا قصيرة الامد لشركات تغزو الغابات دون اي اعتبار لفكرة الحفاظ على الطبيعة.
لكنّ الخطر الاكبر الذي يهدّد الحياة البرية في الغابات لا يكمن في قطع الاشجار لبيعها، بل في تحويل الغابات الى اراضٍ زراعية. عندما تكون الارض خصبة، يمكن تبرير مثل هذا التحويل في بعض الحالات. لكن غالبا ما يوقِّع مسؤولون فاسدون او غير مؤهلين على اذن بقطع اشجار في غابة لا يمكن ان تعود مطلقا الى سابق عهدها.
وهنالك ايضا مَن يخربون الغابات. فقاطعو الاشجار غير الشرعيين يقطعون سرّا الاشجار القيمة، حتى تلك الموجودة في الحدائق الوطنية. وهم احيانا يحوّلون على الفور الاشجار الى ألواح خشبية في الغابة، عمل غير شرعي ويؤدي الى هدر الكثير من الخشب. بعد ذلك يُدفع المال لبعض السكان المحليين فيُخرجون الاخشاب من الغابة على الدراجات او على ظهورهم. ولتجنّب حواجز التفتيش، تنقلها الشاحنات بعدما يحلّ الظلام على طرقات جبلية لا تُسلَك كثيرا.
اذًا، ليست ازالة الاحراج وخسارة الحياة البرية نتيجتَين حتميتَين لعدد السكان المتزايد. فغالبا ما تكونان من نتائج سوء الادارة، التجارة الجشعة، قطع الاشجار غير الشرعي، والحكومة الفاسدة. فأي امل هنالك للمحافظة على التنوُّع الأحيائي الهائل الموجود في الغابات المطيرة المدارية؟
اي امل للغابات المطيرة؟
يقول كتاب الحدّ القاطع: حفظ الحياة البرية في الغابات المدارية التي تُقطع (بالانكليزية): «جزء صغير من الغابات المدارية في العالم يُدار بطريقة جيدة». ويضيف: «حاليا، يوجد القليل من الغابات (هذا اذا وجد) حيث تُتَّبع الادارة المستدامة بطريقة ناجحة». فلا شك ان الادارة المستدامة ممكنة، لكن ما يجري حول العالم في الواقع هو الازالة السريعة للاحراج.
وفي هذا المجال يُقال ان بوليڤيا مختلفة بشكل بارز، اذ ان ٢٥ في المئة من غابتها المطيرة المدارية نالت شهادة بأنها ذات ادارة مستدامة. بينما قد تبلغ النسبة حول العالم اقل من واحد في المئة، رقم صغير مثبط. فمعظم الغابات المدارية تُستثمر بإفراط. والانانية والجشع هما القوتان الدافعتان الحقيقيتان وراء هذا التدمير. فإلى اي حد هو منطقي التوقع ان يتصدّى تجار العالم والسياسيون لموجة التخريب ويبدأوا عوض ذلك بحماية ميراث الجنس البشري الذي لا يعوّض؟
يُختَتم كتاب غابات الامل (بالانكليزية) بوضع هذا الهدف امام الجنس البشري: «اكتشاف واتباع نمط حياة يلائم الناس في كل انحاء العالم، ولا يدمّر الارض ومواردها». هدف جميل، ولكن هل هو واقعي؟
ماذا كان قصد خالقنا للارض والجنس البشري؟ لقد اوصى الزوجين البشريين الاولين: «أثمروا واكثروا واملأوا الارض وأخضعوها وتسلطوا على سمك البحر وعلى طير السماء وعلى كل حيوان يدب على الارض». (تكوين ١:٢٨) فاللّٰه يسمح اذًا للجنس البشري بالاستفادة من الخليقة. لكنّ عملية ‹الاخضاع› هذه ليست اذنا بالتخريب.
لذلك يُطرح السؤال التالي: هل يستطيع الجنس البشري ان يغير نمط حياته، على صعيد عالمي، الى نمط «لا يدمّر الارض ومواردها؟». تعكس هذه الكلمات قدرا من المحبة للقريب والاحترام لخليقة اللّٰه النادرَين في عالم اليوم. وتعليل النفس بأمل تبنّي القادة البشر مثل هذا النمط من الحياة وترويجهم له هو بمثابة الامل بأمور وهمية.
لكن كلمة اللّٰه تنبئ بوقت تمتلئ فيه الارض بأناس يحبون رفقاءهم البشر وخالقهم. يقول الكتاب المقدس: «لا يسوؤون ولا يفسدون في كل جبل قدسي لأن الارض تمتلئ من معرفة الرب كما تغطي المياه البحر». (اشعياء ١١:٩؛ مزمور ٣٧:٢٩؛ متى ٥:٥) لاحظْ ان شعب اللّٰه يحجمون عن فعل ‹السوء› او تسبيب ‹الفساد› لأنهم صاروا يعرفون ويحبون يهوه، الخالق العظيم. وما من شك ان هذا الشعب سيتجنب تخريب الارض.
وهذا الامر ليس مجرد حلم. فيهوه، منذ الآن، يجمع الناس المخلصين ويعلّمهم. وبدرس كلمة اللّٰه، يتعلم ملايين حول العالم عن نمط حياة مؤسس على محبة الآخرين المتسمة بالتضحية بالذات. (يوحنا ١٣:٣٤؛ ١ يوحنا ٤:٢١) وهذه المجلة، مع رفيقتها برج المراقبة، تُنشر بهدف مساعدة الناس على التعلم اكثر عن نمط الحياة هذا وطريقة تبنيه. ونحن ندعوك الى الاستمرار في التعلم. فما من موضوع يمكن ان يكون مكافئا اكثر.
[الصورتان في الصفحة ١٠]
سيُعنى الانسان بالارض الجميلة عوض تدميرها
-