-
المتكبرون والمتواضعونبرج المراقبة ١٩٨٧ | ١٥ آب (اغسطس)
-
-
حياة يسوع وخدمته
المتكبرون والمتواضعون
بعد ذكر فضائل يوحنا المعمدان يلفت يسوع الانتباه الى الناس المتكبرين المتقلبين حوله. «هذا الجيل،» يصرّح، «يشبه اولادا جالسين في الاسواق يُنادون الى اصحابهم ويقولون زمَّرنا لكم فلم ترقصوا. نُحنا لكم فلم تلطموا.»
فماذا يعني يسوع؟ يوضح قائلا: «جاء يوحنا لا يأكل ولا يشرب. فيقولون فيه شيطان. جاء ابن الانسان يأكل ويشرب. فيقولون هوذا انسان أكول وشرّيب خمر. محب للعشارين والخطاة.»
من المستحيل ارضاء الناس. فلا شيء يسرهم. لقد عاش يوحنا حياة تقشف لانكار الذات كنذير، انسجاما مع اعلان الملاك انه «خمرا ومسكرا لا يشرب.» ومع ذلك يقول الناس ان به شيطانا. ومن ناحية اخرى، يعيش يسوع كالناس الآخرين، غير ممارس ايّ تقشف، فيُتَّهم بالافراط.
كم هو صعب ارضاء الناس! انهم كرفقاء اللعب، الذين بعضهم يرفضون التجاوب بالرقص عندما يزمّر الاولاد الآخرون او بالحزن عندما ينوح رفقاؤهم. ولكنّ يسوع يقول: «الحكمة (تتبرَّر بأعمالها).» نعم، ان الدليل — الاعمال — يوضح ان الاتهامات ضد يوحنا ويسوع كليهما هي باطلة.
ويتابع يسوع خاصّا بالتوبيخ مدن كورزين وبيت صيدا وكفرناحوم، حيث انجز معظم قواته. فلو قام بها في مدينتي صور وصيداء الفينيقيتين، يقول يسوع، لتابت هاتان المدينتان في المسوح والرماد. واذ يدين كفرناحوم، التي كانت كما يتضح مقره الرئيسي في اثناء خدمته، يصرّح يسوع: «ان ارض سدوم تكون لها حالة اكثر احتمالا يوم الدين ممَّا لكِ.»
فماذا يعني يسوع بهذا؟ بشكل واضح يُظهر انه، خلال يوم الدينونة حين يُقام المتكبرون في كفرناحوم، سيكون صعبا عليهم ان يعترفوا بأخطائهم ويقبلوا المسيح اكثر مما سيكون صعبا على اهل سدوم القدامى المقامين ان يتوبوا بتواضع ويتعلموا البر.
ثم يحمد يسوع علنا اباه السماوي. ويندفع الى فعل ذلك لان اللّٰه يُخفي حقائق روحية ثمينة عن الحكماء والفهماء ولكنه يعلن هذه الامور الرائعة للمتواضعين، للاطفال، اذا جاز التعبير.
وأخيرا، يقدم يسوع الدعوة الجذابة: «تعالوا اليَّ يا جميع المتعبين والثقيلي الاحمال وانا اريحكم. احملوا نيري عليكم وتعلَّموا مني. لاني وديع ومتواضع القلب. فتجدوا راحة لنفوسكم. لان نيري هيِّن وحملي خفيف.»
وكيف يمنح يسوع الراحة؟ يفعل ذلك بتزويد الحرية من التقاليد المستعبِدة التي بها وضع القادة الدينيون عبءا على الناس، بما في ذلك، مثلا، فرائض حفظ السبت المقيِّدة. وأيضا يُظهر الطريق الى الراحة لاولئك الذين يشعرون بثقل السيطرة الساحق من قبل السلطات السياسية ولاولئك الذين يشعرون بثقل خطاياهم من خلال ضمير متألم. فيعلن لاولئك المتألمين كيف يمكن غفران خطاياهم وكيف يمكنهم ان يتمتعوا بعلاقة ثمينة مع اللّٰه.
ان النير الهيِّن الذي يقدمه يسوع هو ذاك الذي للانتذار الكامل للّٰه، متمكنين من خدمة ابينا السماوي الرؤوف والرحوم. والحمل الخفيف الذي يقدمه يسوع لاولئك الذين يأتون اليه هو ذاك الذي لاطاعة مطالب اللّٰه من اجل الحياة، وصاياه، التي هي ليست ثقيلة ابدا. متى ١١:١٦-٣٠، لوقا ١:١٥؛ ٧:٣١-٣٥؛ ١ يوحنا ٥:٣.
-
-
درس في الرحمةبرج المراقبة ١٩٨٧ | ١٥ آب (اغسطس)
-
-
حياة يسوع وخدمته
درس في الرحمة
ربما كان يسوع لا يزال في نايين، حيث اقام مؤخرا ابن ارملة، او ربما كان يزور مدينة مجاورة. والفريسي الذي يُدعى سمعان يرغب في النظر عن كثب الى الشخص الذي ينجز اعمالا جديرة بالملاحظة كهذه. ولذلك يدعو يسوع الى تناول الطعام معه.
واذ ينظر يسوع الى المناسبة كفرصة لمساعدة اولئك الحاضرين يقبل الدعوة، تماما كما قبل دعوات ليأكل مع جباة الضرائب والخطاة. ومع ذلك، عندما يدخل بيت سمعان، لا يلقى يسوع الاهتمام الودّي الذي يُمنح عادة للضيوف.
فالارجل اللابسة نعالا تصير حارة ووسخة بسبب السير في طرقات الجليل المغبرة، وهو عمل ضيافة عادي ان تُغسل اقدام الضيوف بالماء البارد. ولكنّ قدمي يسوع لا يجري غسلهما عندما يصل. ولا ينال قبلة ترحيب، قاعدة من قواعد السلوك الشائعة. وطيب الضيافة العادي لا يجري تزويده لاجل شعره.
وفي اثناء الطعام، فيما الضيوف متكئون على المائدة، تدخل الغرفة بهدوء امرأة غير مدعوة. فهي معروفة في المدينة بأنها تحيا حياة فاسدة ادبيا. وعلى الارجح سمعت بتعاليم يسوع، بما فيها دعوته ‹جميع الثقيلي الاحمال ان يأتوا اليه من اجل الراحة.› واذ تأثرت بعمق بما رأته وسمعته فتشت الآن عن يسوع.
تقف المرأة وراء يسوع عند المائدة وتركع عند قدميه. واذ تسقط دموعها على قدميه تمسحهما بشعرها. وتأخذ ايضا طيبا من قارورتها، وفيما تقبِّل قدميه بحنان تسكب الطيب عليهما. ويراقب سمعان بعدم رضى. «لو كان هذا نبيا،» يفكر، «لعلم مَن هذه الامرأة التي تلمسه وما هي. انها خاطئة.»
واذ يدرك يسوع تفكيره يقول: «يا سمعان عندي شيء اقوله لك.»
«قل يا معلم،» يجيب.
«كان لمداين مديونان،» يبدأ يسوع. «على الواحد خمسمئة دينار وعلى الآخر خمسون. واذ لم يكن لهما ما يوفيان سامحهما جميعا. فقل. ايهما يكون اكثر حبا له.»
«اظن،» يقول سمعان، ربما بمظهر اللامبالاة تجاه السؤال الذي يبدو غير متعلق بالامر، «الذي سامحه بالاكثر.»
«بالصواب حكمت،» يقول يسوع. وبعدئذ اذ يلتفت الى المرأة يقول لسمعان: «أتنظر هذه المرأة. اني دخلت بيتك وماء لاجل رجليَّ لم تُعطِ. وأما هي فقد غسلت رجليَّ بالدموع ومسحتهما بشعر رأسها. قبلة لم تقبّلني. وأما هي فمنذ دخلتُ لم تكفَّ عن تقبيل رجليَّ. بزيت لم تدهن رأسي. وأما هي فقد دهنت بالطيب رجليَّ.»
اعطت المرأة بذلك دليلا على التوبة القلبية عن ماضيها الفاسد ادبيا. وهكذا يختتم يسوع: «من اجل ذلك اقول لك قد غُفرت خطاياها الكثيرة لانها احبَّت كثيرا. والذي يُغفر له قليل يُحب قليلا.»
ان يسوع لا يعذر ولا يتغاضى بطريقة ما عن الفساد الادبي. وبالاحرى، يكشف هذا الحادث عن تفهمه الرؤوف للناس الذين يرتكبون الاخطاء في الحياة ولكنهم بعدئذ يُظهرون اسفهم عليها وهكذا يأتون الى المسيح من اجل الراحة. واذ يزوِّد المرأة راحة حقيقية يقول يسوع: «مغفورة لك خطاياك.. . . ايمانك قد خلَّصك. اذهبي بسلام.» لوقا ٧:٣٦-٥٠، متى ١١:٢٨-٣٠.
-