-
مَن يريد ان يكون مليونيرا؟استيقظ! ١٩٩٢ | حزيران (يونيو) ٨
-
-
مَن يريد ان يكون مليونيرا؟
يبدو ان الجواب هو: كل شخص تقريبا. والطريقة الاسهل للصيرورة واحدا — استنادا الى الرأي العام — هي بالثراء الفوري في يانصيب او في رهان على كرة القدم.a
واذ تعمل على ارضاء الميل السائد — وتريد الدخل الاضافي الذي تنتجه ألعاب اليانصيب — ترعى الحكومات من موسكو الى مدريد، من مانيلا الى مدينة مكسيكو، ألعابَ اليانصيب الدَّولي التي تقدِّم جوائز ضخمة تبلغ مئة مليون دولار اميركي.
ان عددا قليلا من الاشخاص يصيرون من اصحاب الملايين. فقد ملأ رجل انكليزي قسائم رهان على كرة القدم طوال ٢٥ سنة قبل ان ربح اخيرا جائزة كبرى قياسية. فمقابل مراهنة من ٥٠ سنتا اميركيا، ربح تقريبا ٥,١ مليون دولار اميركي. والمذهل اكثر ايضا كان دفع الارباح الى امرأة من نيويورك، صارت احدى اكبر الرابحين في العالم عندما ربحت ٥٥ مليون دولار اميركي في اليانصيب الدَّولي لفلوريدا.
لكنَّ حالتيهما استثنائيتان. والنموذجي اكثر هو الموظَّف الاسپاني المتوسط العمر الذي اشترى بطاقات يانصيب كل اسبوع طوال ٣٠ سنة. وعلى الرغم من انه لم يربح قط ايّ شيء ضخم، يبقى غير خائر العزيمة. «اتوقَّع دائما ان اربح،» يقول. وعلى نحو مماثل، ثمة رجل في مونتريال، انفق اجر اسبوع كامل على اليانصيب الكندي، لخَّص وجهةَ نظر كثيرين عندما شرح: «عمليات سحب مثل هذه هي الطريقة الوحيدة التي بها يمكن للشخص العادي ان يحلم بحياة افضل.» ولكنه لم يربح.
على الرغم من الجاذبية العالمية لألعاب اليانصيب، يتمتع شكل آخر من المقامرة بشعبية متزايدة: اللعب بآلات المقامرة الميكانيكية. ومع ان هذه المشبَّهة بـ قطّاع الطرق ذوي الذراع الواحدة لا تقدِّم ثروة بين عشيّة وضحاها، فإنها تمنح اللاعب فرصة فورية لربح جائزة كبرى — قد تكون ضخمة. وهي لم تعد مقصورة على الكازينوات. فالاغاني المقفَّاة الجذابة، الاضواء الساطعة، والقعقعة التي تحدث احيانا لقطع النقد المعدنية المتساقطة تُعلم بوجودها المنتشر في الكثير من المقاهي، النوادي، المطاعم، والفنادق الاوروپية.
فرانسِس هي ارملة مسنَّة تعيش في مدينة نيويورك. ومرتين او ثلاث مرات كل اسبوع، تركب الباص مدة ساعتين ونصف الساعة الى اتلانتيك سيتي، نيو جيرزي. ولدى الوصول تدخل احد كازينوات المدينة، وهناك تلعب بآلات المقامرة الميكانيكية ست ساعات او نحو ذلك قبل العودة الى البيت. «لا ادري ماذا افعل دون اتلانتيك سيتي،» تعلِّق. «هذا هو لهونا، كما تعلمون، هذا هو ما نقوم به.»
وبالنسبة الى الآخرين، المقامرة هي اكثر بكثير من مجرد تسليةٍ، هربٍ من الروتين اليومي، او محاولةٍ تبعث الامل للحصول على ثروة. انها في حالتهم جزء مهم — إنْ لم يكن ضروريا — من الحياة.
«انا مقامر لأنني اتمتع بالمجازفة ذات العلاقة،» يشرح لوسيانو، من قرطبة، اسپانيا. «انني لا ابرِّر نفسي،» يضيف، «ولكنَّ الواقع هو انني كنت اشعر بالكآبة، ولهذا السبب بدأت ألعب بالبنڠو. ثم بحثت عن ألعاب حظ اخرى. انكم تشعرون بسرور عظيم عندما تملكون ملء الجيب اوراقا نقدية وتكونون مستعدين للعب.» وثمة مقامر مدمن آخر، خسر وظيفته كمدير شركة، سُئل عمّا اذا تأمَّل يوما في التخلي عن خصلته الذميمة. «اتخلى عنها؟» اجاب. «لا يمكنني ان افعل ذلك. انها حياتي.»
على الرغم من ان الدوافع قد تختلف، فالمقامرون ليسوا بالتأكيد فريق اقلية. فالى درجة اكبر او اقل، ٣ من ٤ اميركيين راشدين يقامرون؛ والنسبة في اسپانيا، بلد آخر حيث المقامرة منتشرة، هي مماثلة. والمقامرة هي تجارة كبيرة. فعدد قليل فقط من الشركات الصناعية في العالم لديه مبيعات سنوية تتجاوز تلك التي تنتجها ألعاب اليانصيب في ٣٩ بلدا.
من الواضح ان سحر المقامرة قوي. ولكن هل هو افتتان غير مؤذ، ام هل يخفي مخاطر مخبَّأة؟ يحذِّر مثل قديم: «المستعجِل الى الغنى لا يُبرأ.» (امثال ٢٨:٢٠) فهل هذا صحيح في حالة اولئك الذين يصيرون اغنياء بواسطة المقامرة؟
[الحاشية]
a المقامرة على نتائج مباريات كرة القدم.
-
-
ثمن المقامرة الاليماستيقظ! ١٩٩٢ | حزيران (يونيو) ٨
-
-
ثمن المقامرة الاليم
وُجد بوبي ميتا في سيارة واقفة في احد شوارع شمالي لندن. لقد انتحر بعمر ٢٣ سنة فقط.
كان الرجل المسنّ ينام في الشوارع لمدة من الوقت قبل ان يحضر الى مركز للرعاية الاجتماعية. لقد كان ضعيفا جدا، اذ لم يأكل لأربعة ايام، ولم يأخذ دواءه الموصوف من اجل ضعف في القلب.
إميليو، اب لخمسة، كان منسحق القلب. فزوجته وأولاده كانوا قد هجروه. والآن رفضوا حتى التكلم اليه.
منتحر، متشرِّد، وأب منبوذ: ثلاث حالات محزنة، غير مرتبطة ظاهريا ولكنها ليست غير عادية في المجتمع الحاضر. ولكنَّ كل مأساة كان لها عامل مشترك — ادمان المقامرة.
يرفض كثيرون من المقامرين القسريين الاعتراف بأن لديهم مشكلة، وغالبا ما يستر اعضاء العائلة المشكلة لتجنُّب الوصمة الاجتماعية. ولكن كل يوم تواجه ملايين الأُسر في كل العالم الكرب واليأس بسبب هذا الادمان الهدَّام.
لا احد يعرف كم يوجد من المقامرين القسريين. وبالنسبة الى الولايات المتحدة، يُعتبر العدد عشرة ملايين تقديرا معتدلا. فالارقام مرعبة وهي تتصاعد في كل مكان فيما تتضاعف فُرص المقامرة في بلد بعد بلد. ووُصفت المقامرة القسرية بأنها «الادمان الاسرع ازديادا.»
وكثيرون من المدمنين الجدد بدأوا بصفتهم مقامرين متقطِّعين أرادوا فقط ان «يجرِّبوا حظهم.» ثم جُرفوا الى كابوس ادمان المقامرة.
عندما تخرج المقامرة عن السيطرة
وماذا يحوِّل المقامرين المتقطِّعين الى مقامرين قسريين؟ تختلف الاسباب، ولكن بطريقة او بأخرى، يصل المقامرون الى مرحلة في حياتهم يشعرون فيها بأنهم لا يستطيعون العيش بدون مقامرة. (انظروا الاطار في الصفحة ٧.) ويكتشف البعض في المقامرة اثارةً مفقودة في حياتهم. شرحت احدى المقامرات: «لا يهمني حقا إن ربحت او خسرت. فعندما اراهن، وخصوصا اذا راهنت اكثر من اولئك الذين حولي، اشعر بأنني اهم شخص في العالم. والناس يحترمونني. وأشعر بالكثير من الاثارة!»
يتحوَّل آخرون الى المقامرة بسبب الوحدة او الكآبة. إستر، أم لأربعة، تزوَّجت عسكريا يكون في احيان كثيرة بعيدا عن البيت. فشعرت بالوحدة وبدأت تلعب بآلات المقامرة الميكانيكية في مراكز التسلية. وقبل مضي وقت طويل، كانت تلعب عدة ساعات كل يوم. وسريعا فُقد مال التسوُّق، وتضاعفت المشاكل. فحاولت اخفاء ما تخسره على زوجها فيما كانت تحاول بقلق ان تستلف المال من المصارف او الاشخاص الآخرين لمواصلة ادمانها البالغ ٢٠٠ دولار اميركي يوميا.
وهنالك ايضا اولئك الذين اثار ربح كبير هاجسَهم. روبرت كاستر، خبير بالمقامرة القسرية، يشرح: «ان اولئك الذين يربحون باكرا وعلى نحو ثابت في مسلك مقامرتهم هم عموما الذين يصيرون المقامرين القسريين.» وبعد ذلك، فإن الرغبة في مواصلة الربح تصير غالبة.
الفخ الماكر للايمان بالحظ
تسيطر على كثيرين من المقامرين مشاعر حدسية عوضا عن المنطق. فحساب بسيط للاحتمالات يجب ان يردع الراغب في ان يكون مقامرا اذا وجَّهه العقل وحده. وللايضاح، في الولايات المتحدة، ان احتمالات ان يُقتل المرء بواسطة صاعقة هي نحو ١ في الـ ٠٠٠,٧٠٠,١. وربح يانصيب دَولي هو مستبعَد اكثر بمرتين على الاقل.
مَن يتوقَّع ان تصيبه صاعقة؟ فقط المتشائم العنيد. ومع ذلك، فإن كل مَن يشتري بطاقة يانصيب تقريبا يحلم بأن يربح رقمه. صحيح ان الربح في اليانصيب هو توقُّع جذاب اكثر، ولكنَّ السبب الذي من اجله يرجو كثيرون ما يكاد يكون مستحيلا هو الايمان بالحظ. واختيارهم لما يُفضَّل من «الارقام الجالبة للحظ» يقنعهم بأنهم قد يربحون على الرغم من ان الاحتمالات ضئيلة. — انظروا الاطار في الصفحة ٨.
كلوديو ألسينا، عالِم رياضي اسپاني، اشار الى انه اذا كانت الكازينوات وألعاب اليانصيب ستستعمل الاحرف بدلا من الارقام في ألعاب الحظ، فإن امكانيات الربح ستبقى هي نفسها تماما، ولكنَّ السحر — وعلى الارجح نسبة ليست بقليلة من الايرادات — سيختفي. والافتتان الذي تمارسه بعض الارقام هو في غاية الغرابة. فالارقام ٩، ٧، ٦ و . هي المفضَّلة لدى البعض، فيما يختار آخرون ‹رقمهم الجالب للحظ› من امور مثل يوم الميلاد او قراءة خرائط الابراج. وهنالك اولئك الذين توجِّههم حادثة غريبة.
فذات يوم كانت لرجل مفاجأة غير سارة فيما اقترب من كازينو مونتي كارلو. فقد وسَّخت قبعته حمامة طائرة فوق رأسه. وفي ذلك اليوم نفسه ربح ٠٠٠,١٥ دولار اميركي. واذ كان مقتنعا بأن ذرق الحمامة كان فألا ميمونا، لم يعد يدخل الكازينو من دون ان يطوف اولا حول المكان خارجا بأمل نيل «علامة من السماء» اخرى. ولذلك يخدع الايمان بالحظ مقامرين كثيرين ليعتقدوا ان فترة الربح لن تنتهي ابدا. ولكن غالبا ما ترافق ذلك السيطرةُ القاسية لهاجس يتحكَّم فيهم وقد يستحوذ اخيرا على تفكيرهم.
حبًّا للمال
يقامر الناس ليربحوا المال، كمية كبيرة من المال إن كان ممكنا. ولكن في حالة المقامر القسري، يكتسب المال الذي يربحه سحرا خصوصيا. ففي عينيه، كما يشرح روبرت كاستر، «المال هو الاهمية. . . . المال هو الصداقة. . . . المال هو الدواء.» ولماذا يعني له المال الشيء الكثير؟
في اوساط المقامرة، يُعجَب الناس بالرابح الكبير او المبذِّر الكبير. ويريدون ان يكونوا حوله. ولذلك فإن المال الذي يربحه المقامر يخبره انه شخص مهم، انه ذكي. والمال يجعله ايضا ينسى مشاكله، يساعده على الاسترخاء، ويجعله مبتهجا اكثر. وبكلمات الباحث جاي ليڤنڠستون، فإن المقامرين القسريين «يعتمدون على المقامرة لتحقيق كل حاجاتهم العاطفية.» وذلك خطأ مأساوي.
عندما ينتهي الوهم ويخسر مرة بعد مرة، يصير المال مهمّا اكثر ايضا. فهو الآن يريد بيأس ان يسترد ما خسره. وكيف يمكنه ان يجمع بجهد ما يكفي من المال ليدفع الى دائنيه، ليستعيد فترة الربح تلك؟ وقبل مضي وقت طويل تنحطّ حياته لتصير بحثا متواصلا عن النقود.
ان مأزقا رهيبا كهذا هو واقع للحياة بالنسبة الى ملايين المقامرين. وهم يأتون من كلا الجنسين، من كل فئات الاعمار، ومن كل مسالك الحياة. وكل شخص هو معرَّض لذلك، كما يمكن ان يُرى من الموجة الاخيرة لادمان المقامرة بين المراهقين وربَّات البيوت.
مراهقون وربَّات بيوت مدمنون
الاحداث هم ضحية سهلة لآلات المقامرة الميكانيكية الفاتنة او لألعاب الحظ الاخرى التي تمنحهم توقُّع الربح السريع للمال. وقد كشف استطلاع في مدينة انكليزية ان ٤ من ٥ من الذين تبلغ اعمارهم ١٤ سنة يلعبون بآلات المقامرة الميكانيكية قانونيا وأن معظمهم بدأوا بعمر ٩ سنوات. والبعض كانوا يتغيَّبون عن المدرسة بغير اذن لكي يقامروا. وكشف استطلاع لتلاميذ مدرسة ثانوية في الولايات المتحدة ان ٦ في المئة «اظهروا علامات مقامرة مَرَضية محتملة.»
مانْوِل مِلڠارِخو، رئيس فريق للمساعدة الذاتية مؤلف من مقامرين سابقين في مدريد، اسپانيا، شرح لـ استيقظ! ان الحدث السريع التأثر يمكن ان يعلق بربح مجرد جائزة كبرى ضخمة واحدة في آلة المقامرة الميكانيكية. وبين عشية وضحاها، تصير المقامرة سلوى وولعا. وقبل مضي وقت طويل، قد يبيع المدمن الحدث امتعة العائلة الموروثة او يسرق من العائلة، متحولا ايضا الى السرقة الصغرى او العهارة لتمويل ادمانه.
ويلاحظ الخبراء ايضا تزايدا بارزا في عدد ربَّات البيوت اللواتي هن مقامرات قسريات. ففي الولايات المتحدة، مثلا، تمثِّل النساء الآن نحو ٣٠ في المئة من العدد الاجمالي للمقامرين القسريين، ولكن يقدَّر انه بحلول السنة ٢٠٠٠، تكون هذه قد ارتفعت الى ٥٠ في المئة.
ماريا، أم لفتاتين من الطبقة العاملة، هي نموذجية لكثير من ربَّات البيوت اللواتي صرن مقامرات قسريات. فخلال السنوات السبع الاخيرة، انفقت ٠٠٠,٣٥ دولار اميركي — مال الاسرة بصورة رئيسية — على البنڠو وعلى آلات المقامرة الميكانيكية. «لقد ذهب المال الى الابد،» تتنهَّد. «انني اتوق الى اليوم الذي فيه اتمكَّن من دخول مقهى بـ ٥٠ دولارا اميركيا في محفظتي وتكون لديّ القدرة على انفاقه على ولديّ [بدلا من وضعه في آلة المقامرة الميكانيكية].»
الاحلام التي تصير كوابيس
الاحلام هي القِوام الذي تُبنى عليه المقامرة. وبالنسبة الى بعض المقامرين، تكون احلام الغنى عابرة، ولكن بالنسبة الى المقامرين القسريين، تصير هاجس المرء، هاجسا يسعى وراءه بلا هوادة، الى درجة الافلاس، السجن، وحتى الموت.
ان المقامرة تعد بسدّ حاجات مشروعة — سلوى ممتعة، قليل من الاثارة، بعض المال الاضافي، او هرب من الهموم اليومية — ولكن قد يتبيَّن ان الثمن المخبَّأ باهظ، كما اكتشف المقامرون القسريون لحزنهم. فهل يمكن اشباع هذه الحاجات في مكان آخر؟
[الاطار في الصفحة ٧]
وصف لمقامر قسري
يواظب المقامر على المقامرة بصرف النظر عن الكمية التي يخسرها. واذا ربح، فإنه يستعمل المال لمتابعة المقامرة. وفيما قد يدَّعي انه يمكنه التوقُّف متى يشاء، فإن المقامر القسري الذي يملك مالا في جيبه لن يتحمَّل سوى ايام قليلة دون ان يراهن على شيء. فلديه حافز مَرَضي الى المقامرة.
انه يجلب على نفسه الديون باستمرار. وعندما يكون غير قادر ان يدفع الى دائنيه، يستلف بقلق المزيد من المال لتغطية الديون الاكثر إلحاحا وللمواظبة على المقامرة. وعاجلا او آجلا يصير غير مستقيم. فقد يخسر ايضا بالمقامرة مال مستخدِمه. وعادة، ينتهي به الامر الى طرده من عمله.
وكل شيء، حتى زوجته وأولاده، يصير اقل شأنا من مقامرته. ودافعه القسري يقود بصورة محتومة الى الخصام الزوجي وقد يؤدي اخيرا الى الانفصال او الطلاق.
ومشاعر الذنب القوية تجعله منطويا على نفسه اكثر فأكثر. فهو يجد من الصعب ان يكون على صلة ودية بالناس الآخرين. وأخيرا يعاني كآبة شديدة وربما يحاول ايضا الانتحار؛ فهو لا يستطيع ان يرى طريقة اخرى للخروج من ورطته.
[الاطار في الصفحة ٨]
الرجل الذي جعل بنك المقامرة يُفلس في موتتي كارلو
تشارلز ولْز، رجل انكليزي، زار كازينو مونتي كارلو في تموز ١٨٩١. وفي مجرد ايام قليلة، حوَّل بالمقامرة عشرة آلاف فرنك الى مليون، وعلى نحو مدهش كرَّر العمل البارع بعد اربعة اشهر. حاول مقامرون آخرون كثيرون ان يكتشفوا «الطريقة» التي له ولكن دون جدوى. وكان ولْز يصرّ دائما انه ليست لديه طريقة ابدا. وفي الواقع، خسر في السنة التالية كل ماله، ومات معدِما. وعلى نحو ساخر، صار الحادث البارز ضربة دعائية موفَّقة للكازينو. فقد اكتسب شهرة اممية لم يخسرها قط.
مغالطة مونتي كارلو
يعتقد مقامرون كثيرون ان آلات المقامرة الميكانيكية او عجلات الروليت لديها ذاكرة. ولذلك قد يفترض اللاعب بالروليت انه اذا كان تسلسل معيَّن من الارقام قد ربح حتى الآن، فالاحتمالات هي ان تستمر العجلة في اختيار الارقام التي تطابق هذا التسلسل. وعلى نحو مماثل، يسلِّم بعض الذين يلعبون بآلات المقامرة الميكانيكية انه اذا لم تُربَح الجائزة الكبرى لبعض الوقت في آلة معيَّنة، فلا بدّ ان تُربَح سريعا. ان مثل هذه الافتراضات الخاطئة تُدعى مغالطة مونتي كارلو.
ان عجلة الروليت والآلية التي تحدِّد الجائزة الكبرى لآلة المقامرة الميكانيكية كلتيهما تعملان كليا بالمصادفة. ولذلك فما يكون قد حدث باكرا لا علاقة له بالامر. ففي ألعاب الحظ هذه، كما تشير دائرة المعارف البريطانية الجديدة، «لكل دور الأرجحية نفسها مثل كلٍّ من الادوار الاخرى في انتاج نتيجة معيَّنة.» ولذلك فاحتمالات الربح تكون هي نفسها تماما كل مرة. ولكنَّ مغالطة مونتي كارلو قد افقرت مقامرين كثيرين في حين تملأ خزائن الكازينوات.
-
-
شيء افضل من شيء دون مقابلاستيقظ! ١٩٩٢ | حزيران (يونيو) ٨
-
-
شيء افضل من شيء دون مقابل
كل المقامرين تقريبا ينتهي بهم الامر الى ان يكونوا افقر مما كانوا قبلما ابتدأوا بالمقامرة. وغالبا ما يجد حتى القليلون الذين يربحون كميات ضخمة ان ارباحهم ليست سبيلا الى السعادة.
لقد ربح اعزب يبلغ من العمر ٣٦ سنة في اليابان ٠٠٠,٤٥ دولار اميركي في يانصيب. فاعتزم شراء بيت بأرباحه، ولكنه كان عرضة للكثير من الحسد والاغتياب بحيث قرَّر ان الامر لا يستحق العناء. ولدهشة رفقائه في العمل، احرق بطاقته الرابحة امام اعينهم.
واعتقلت الشرطة في فلوريدا امرأة خطَّطت، على الرغم من انها ربحت ٥ ملايين دولار اميركي في يانصيب، لقتل كنَّتها. وقال ابنها انها كانت شديدة الاهتياج بسبب الاستثمارات السيِّئة والانفاق المفرط الذي بدَّد ثروتها.
خاسر صار رابحا
كان دومِنڠو مقامرا قسريا وأبا لخمسة. يشرح: «اذا ربحت، يصير الامر اسوأ. فكنت اعتقد انني عبقري، ولم يكن باستطاعتي الانتظار لاعود الى طاولات المقامرة لأُثبت ان ذلك لم يكن مصادفة.
«عندما استحوذ عليَّ هذا الهاجس، كان ذلك كما لو انني مخدَّر. كنت مستعدا ان اهجر زوجتي وأولادي فقط لاواظب على المقامرة. وعلى الرغم من انني كنت احلف مرارا لزوجتي اني لن اقامر ثانية، كنت اعلم في قلبي ان هذه الوعود باطلة. وأتذكَّر مرة انني كنت اؤكد لزوجتي اني تركت المقامرة نهائيا، في حين كنت اخطِّط في تلك اللحظة نفسها لكيفية الحصول على المال لأراهن.
«خسرت كل مالي، مال زوجتي، وعملي، وغصت عميقا في الدَّين. لم يكن يمرّ يوم بدون مراهنة من نوع ما، الى ان حدث شيء اجبرني على تقييم نفسي. بدأت بدرس الكتاب المقدس مع شهود يهوه. وما تعلَّمته ترك اثرا في نفسي، ولكنني لم اتوقَّف عن المقامرة في الحال. وأنا شاكر ان الشاهد الذي درس معي كان صبورا جدا.
«لكنَّ رسالة الكتاب المقدس بدأت بسرعة تؤثِّر فيَّ. فساعدتني على هجر عالم احلامي ورؤية نفسي كما يراني اللّٰه. لقد كان ذلك صدمة. وشعرت باستحاء شديد، كأولئك الذين كتب اليهم الرسول بولس في القرن الاول: ‹فأيّ ثمر كان لكم حينئذ من الامور التي تستحون بها الآن. لأن نهاية تلك الامور هي الموت.› — رومية ٦:٢١.
«وقد دفعتني معرفة اللّٰه، اسمه، شخصيته، وخصوصا رحمته الى الرغبة في تغيير طرقي، الى التفكير في الآخرين بدلا من نفسي. وأخيرا تخلَّصت من عادة المقامرة كاملا، واعتمدنا زوجتي وأنا.
«قال يسوع ان الحق يحرِّرنا. (يوحنا ٨:٣٢) وكان ذلك صحيحا حتما في حالتي. فحق كلمة اللّٰه هو الذي منحني شيئا جديرا بالاهتمام لأحيا من اجله، اعاد اليَّ احترامي للذات، وجلب لي اكتفاء عظيما. وكنت قادرا ايضا ان اساعد احد رفقائي السابقين في المقامرة على تجديد حياته كما فعلت انا. وعندما اعتمد هو وزوجته، منحني ذلك اثارة اعظم مما منحني ايّ ربح في المقامرة على الاطلاق.
«في السنوات الـ ٢٠ الاخيرة، لم اراهن بأي شيء، حتى ولا بكمية صغيرة. لا استطيع ان اقول ان ذلك كان سهلا، ولكنه لم يكن ايضا صعبا الى حد بعيد. وما منحني اياه اللّٰه فعل اكثر من سدّ تلك الحاجات التي سعيت الى اشباعها بالمقامرة.»a
ان وجهة نظر الاسفار المقدسة هي ذات اهمية رئيسية بالنسبة الى اولئك الذين يرغبون في فعل مشيئة اللّٰه. واولئك الذين يتبعون مشورة اللّٰه لا يتجنَّبون الاسى الذي يمكن ان تجلبه المقامرة فحسب بل يجدون ان ذلك يقدِّم لهم شيئا يفوق الى حد بعيد ايّ ربح في المقامرة.
ثروة ذات قيمة اعظم بكثير
اذ كتب الى تيموثاوس في القرن الاول، قال بولس: «وصِّ[هم] بألَّا . . . يجعلوا رجاءهم في الغنى الزائل، بل في اللّٰه الذي يجود علينا بكل شيء لنتمتع به، وأن يصنعوا الخير . . .، ويُعطوا بسخاء ويُشركوا غيرهم في خيراتهم ليكنزوا لأنفسهم للمستقبل ذخرا ثابتا لينالوا الحياة الحقيقية.» — ١ تيموثاوس ٦:١٧-١٩، الترجمة اليسوعية الجديدة.
وأحد الكنوز لنيله هو صيت حسن لدى اللّٰه. وهذا يقود الى «الحياة الحقيقية» — الحياة الابدية، اعظم جائزة قُدِّمت على الاطلاق. قال يسوع في الصلاة الى اللّٰه: «وهذه هي الحياة الابدية ان يعرفوك انت الاله الحقيقي وحدك ويسوع المسيح الذي ارسلته.» — يوحنا ١٧:٣.
وبخلاف الجوائز المالية الزائلة، فإن الجائزة التي يقدِّمها اللّٰه يمكن ان يربحها ايّ شخص وكل شخص يفعل مشيئة اللّٰه. واضافة الى ذلك، فإن فعل مشيئة اللّٰه يزوِّد كل الاثارة التي يمكن ان يتمنَّاها ايّ شخص، ويمنح المرء احترام الذات وحياة ذات معنى. وفي هذه الاثناء، نظرا الى ثمن المقامرة الاليم، تذكَّروا نصيحة مثل انكليزي قديم: «ان افضل رمية لزهر النَّرد هي رميه بعيدا.»
[الحاشية]
a لقد ساعد شهود يهوه مقامرين قسريين كثيرين في التغلب على ادمانهم. وآخرون اعانتهم فرق للمساعدة الذاتية مثل «المقامرون المجهولون.»
[الصورة في الصفحة ١٠]
الحياة الابدية على ارض فردوسية هي جائزة اعظم بكثير من اية جائزة تُحرَز بالمقامرة
-
-
هل يقامر المسيحيون؟استيقظ! ١٩٩٢ | حزيران (يونيو) ٨
-
-
هل يقامر المسيحيون؟
هل يقامر المسيحي ليحاول الحصول على شيء دون مقابل؟ لا، لأن كلمة اللّٰه تشجِّعه على العمل لاعالة نفسه وعائلته: «إن كان احد لا يريد ان يشتغل فلا يأكل ايضا. . . . أن يشتغلوا بهدوء ويأكلوا خبز انفسهم.» — ٢ تسالونيكي ٣:١٠،١٢.
وقد دعا عالِم اجتماع اليانصيبَ ‹وسيلة يجعل بواسطتها كثيرون من الناس الفقراء اناسا قليلين اغنياء،› وهذا صحيح في المقامرة عموما. فهل يريد المسيحي ان يغتني على حساب اولئك الذين يستطيعون بصعوبة تحمُّل ذلك؟ يجب على المسيحيين ان ‹يحبوا قريبهم كأنفسهم.› (مرقس ١٢:٣١) ولكنَّ المقامرة تخلق الانانية بدلا من المحبة، اللامبالاة بدلا من الشفقة.
والباعث على المقامرة غالبا ما يكون الشهوة — الطمع — روح متنافية مع المسيحية. ففي رومية ٧:٧، قال بولس: «لا تشتهِ.» والكلمة «يشتهي» تعني «ان يتوق الى، ان يرغب رغبة قوية في.» ألا يصف ذلك رغبة المقامر الجامحة في ربح مال قريبه؟ ورغبة كهذه تتعارض مع مَثل المسيحي الاعلى للمشاركة والعطاء.
يقول الكتاب المقدس: «محبة المال اصل لكل الشرور الذي اذ ابتغاه قوم . . . طعنوا انفسهم بأوجاع كثيرة.» (١ تيموثاوس ٦:١٠) ويصف ذلك مأزق المقامر القسري، المستعبَد لعادة تطعنه على نحو مؤلم مرة بعد مرة.
وقال يسوع ان الناس يمكن ان يُعرَفوا من «ثمارهم.» (متى ٧:٢٠) وفضلا عن الشقاء الذي يعانيه المقامرون القسريون وعائلاتهم، لطالما اقترنت المقامرة بعدم الاستقامة والجريمة. تلاحظ دائرة المعارف البريطانية الجديدة: «الكثير من وصمة العار المتعلقة بالمقامرة نتج من عدم استقامة مروِّجيها.» والجريمة المنظَّمة ترتبط بنشاطات المقامرة الشرعية وغير الشرعية على السواء. فهل يريد المسيحي ان يدعم هذه الصناعة، ولو بطريقة غير مباشرة؟
وكما شُرح في المقالة الثانية من هذه السلسلة، تشمل المقامرة في احيان كثيرة بحثا متَّسما بالايمان بالحظ عن ارقام تجلب الحظ، ايام تجلب الحظ، او فترات تجلب الحظ. ولقرون يتودَّد الى السيدة حظ مقامرون شديدو الرغبة في كسب رضاها. وقد دعاها الرومان فورتونا (البخت)، وكان لمدينة روما اخيرا ٢٦ معبدا مشيَّدا اكراما لها.
وقد اشار النبي اشعياء الى معبود مماثل، يُدعى جَذ، عبَده الاسرائيليون المرتدّون. كتب: «انتم الذين تركوا الرب . . . ورتَّبوا (لاله الحظ السعيد) [بالعبرانية، جَذ] مائدة.» (اشعياء ٦٥:١١) ففي اليوم الاخير من السنة، كانت العادة ان تُعَدَّ لاله الحظ السعيد مائدة ملآنة بأنواع شتى من الطعام. وبهذه الطريقة رجا القدماء ان يضمنوا الحظ السعيد خلال السنة القادمة.
لم يرضَ اللّٰه عن اولئك الذين اتَّكلوا بسذاجة على جَذ، او السيدة حظ، لحلّ مشاكلهم. فقد جرت معادلة الاعتماد على الحظ بترك الاله الحقيقي، يهوه. وبدلا من السجود للميل المتقلِّب للبخت، يجب ان يتَّكل المسيحيون على الاله الحقيقي، يهوه، الذي يعدنا بغنى ذي قيمة اعظم بكثير، والذي لن يخذلنا ابدا.
-