-
الصفحة ٢استيقظ! ١٩٩٠ | ايلول (سبتمبر) ٢٢
-
-
ازمة النفايات كما يراها قادة العالم، علماء البيئة، والمواطنون المهتمون هي مشكلة متزايدة لا بد من اخذها بعين الاعتبار. وقد دُعيت «ازمة التسعينات.» والمجلات تخصص اعمدة لتحذر من هذا المأزق العالمي. «طَمْرنا احياء،» كان عنوان صفحة الغلاف لمجلة نيوزويك. «فيض النفايات: ازمة بيئية تبلغ عتبة بابنا،» اعلنت المجلة. «اطنان وأطنان من القُمام ولا يوجد مكان لوضعها،» كان عنوان مقالة اخبار الولايات المتحدة وأنباء العالم عن النفايات. «نفايات، نفايات، في كل مكان. وأماكن ردم النفايات تفيض، لكنّ البدائل قليلة،» اعلنت مجلة تايم بحرف مطبعي ثخين. «نفايات الغرب — حمل يتزايد على العالم الثالث،» كان عنوان انترناشونال هيرالد تريبيون الپاريسية.
-
-
فيض النفايات — هل سيطمرنا؟استيقظ! ١٩٩٠ | ايلول (سبتمبر) ٢٢
-
-
فيض النفايات — هل سيطمرنا؟
انه حقا تناقض ظاهري غريب. ففي هذا الجيل، سافر الانسان الى القمر وعاد. وآخر الاقمار الاصطناعية الحديثة التطور المجهزة بكاميرات دقيقة الاستبانة جرى نقلها بالصواريخ آلاف الملايين من الاميال في الفضاء، باعثة صورا عن قرب لكواكب بعيدة. لقد نزل الانسان الى اعماق المحيطات وعيَّن مواضع السفن الغارقة للعصور الماضية وأعاد الى السطح مقتنياتها النفيسة لحقبة نُسيت منذ زمن طويل. واستخدم العلماء الذرة المحيِّرة، إما ليفيد الانسان او ليمحو مدنا كاملة بسكانها عن وجه الارض. وفي قليل من شرائح الكمپيوتر السليكونية الصغيرة جدا ليس اكبر من ظفر الانسان، يمكن تسجيل نص الكتاب المقدس كلّه من اجل الاعادة الفورية. ولكن، في الوقت نفسه، لا يستطيع الناس بكنز البراعة والذكاء هذا ان يُخرجوا نفاية منازلهم الخاصة ويتخلصوا منها على نحو لائق، محررين بذلك جيلهم من خوف طمرهم فيها احياء.
اولا، تأملوا في ورطة الولايات المتحدة. يُقال ان الاميركيين يطرحون اكثر من ٠٠٠,٤٠٠ طن من النفايات كل يوم. ودون ان يشمل ذلك الحمأ وفضلات البناء، يجري إلقاء ١٦٠ مليون طن كل سنة — «ما يكفي لبسط ٣٠ طبقة على ٠٠٠,١ ملعب لكرة القدم، ما يكفي لملء قافلة متلاصقة من شاحنات النفايات على طول نصف الطريق الى القمر،» اخبرت مجلة نيوزويك. ان اكثر من ٩٠ في المئة من هذه النفايات يُنقل بالشاحنات الى اماكن ردم النفايات حتى ان كوم القمامة يمكن ان ترتفع مئات الاقدام فوق مستوى الارض.
مثلا، لدى مدينة نيويورك مدخل الى اكبر مُلقى نفايات مدينة في العالم — ٠٠٠,٢ أكر (٨٠٠ هكتار) في جزيرة ستاتن النيويوركية. فكل يوم يجري جمع ٠٠٠,٢٤ طن من النفايات وجلبها على نحو مستمر بواسطة عدد كبير من النقَّالات المائية الى مكان ردم النفايات الضخم هذا. ويقدَّر ان ركام النفايات هذا، بحلول السنة ٢٠٠٠، سوف «يبلغ ارتفاعه ارتفاع تمثال الحرية ونصفا ويملأ من الاقدام المكعبة اكثر من اكبر هرم ضخم في مصر.» ويُتوقع انه عندما يُغلق مكان ردم النفايات، في غضون عقد، سيكون قد بلغ ارتفاعَ ٥٠٠ قدم (١٥٠ م). وعندما تولَّى دايڤيد دنكنز، رئيس بلدية مدينة نيويورك المنتخب حديثا، المنصب، رحَّب به مندوب الصحة العامة بهذه الرسالة: «مرحبا. اهلا بك في بناء البلدية. وللمناسبة، ليس لديك مكان لوضع القمامة.»
«كل مدينة رئيسية في الولايات المتحدة لديها مشكلة ردم النفايات،» قال احد الخبراء. «ان اماكن إلقاء نفايات اميركا تمتلئ، ولا يجري بناء اماكن اخرى جديدة،» صرَّحت اخبار الولايات المتحدة وأنباء العالم. «بحلول السنة ١٩٩٥، سيُغلق نصف اماكن إلقاء النفايات الموجودة. والكثير لا يلائم المقاييس البيئية العصرية،» تابع التقرير.
ويقدَّر ان المواطن العادي في كاليفورنيا يرمي نحو ٥٠٠,٢ پاوند (١٠٠,١ كلغ) من النفايات والقُمام في السنة. «في مقاطعة لوس انجيلوس نُنتج ما يكفي من القُمام لملء مدرَّج دودجر بالنفايات كل تسعة ايام او نحو ذلك،» قال احد خبراء البيئة. ويُتوقع ان تمتلئ اماكن إلقاء النفايات في لوس انجيلوس بحلول السنة ١٩٩٥. وماذا بعد ذلك؟ اسألوا مواطنيها. ولكنّ يوم الحساب قد يأتي ابكر مما يُتوقع، كما يشير احد علماء البيئة في كاليفورنيا: «لدينا في الواقع شاحنات للنفايات تطوف في المدينة كل يوم بدون مكان لالقاء النفايات.»
وتواجه شيكاڠو اغلاق اماكنها الـ ٣٣ لالقاء النفايات بنهاية النصف الاول من هذا العقد. والمدن الرئيسية الاخرى التي تواجه كارثة النفايات تنقل حثالتها بالشاحنات عبر حدود الولايات الى اماكن اخرى لردم النفايات. فأثار ذلك غضبا في الولايات التي تتلقى النفايات غير المرغوب فيها لشعب آخر. وحوالي ٠٠٠,٢٨ طن من النفايات تُنقل في طرق اميركا العامة كل يوم فيما يبحث الشخص عن مكان لالقائها. ويجري الإخبار ان نيويورك، نيو جيرزي، وبنسيلڤانيا تصدِّر ثمانية ملايين طن من النفايات في السنة. عملية تخلُّص مكلِّفة حقا. «والاسوأ ايضا،» تكتب مجلة نيوزويك، «هو ان بعض سائقي الشاحنات الذين ينقلون اللحم والانتاج الى الشرق في عربات مبرَّدة يعيدون الى الغرب نفايات تغزوها الدُوَيْدات في الشاحنات نفسها.» ويفكر الكونڠرس في حظر هذه الممارسة بسبب الاخطار الصحية الواضحة.
ان ازمة النفايات ليست مشكلة للولايات المتحدة وحدها. ففيض النفايات يهدِّد دولا اخرى ايضا. فاليابان، مثلا، تحاول معالجة مشكلتها. ويقدَّر انه بحلول السنة ٢٠٠٥ سيكون لدى طوكيو وثلاث مدن مجاورة ازدياد من ٤٣,٣ ملايين طن من النفايات. وهي ايضا تواجه تصديرها. «النفايات هي من صادرات اليابان التي ليس لها سوق،» قال احد الكتّاب.
وفي حين ان بعض الدول ليست مصابة الآن بمشكلة التخلص من النفايات المنزلية، يواجه الكثير منها مشكلة ما يجب فعله بفضلاتها الصناعية. فالبلدان، مثلا، التي تشغِّل مِحْرقات ضخمة لحرق نفاياتها تواجهها آلاف الاطنان من الرماد، الذي يمكن ان يكون بعضه ساما على نحو خطير. وعبارة «لا في فنائي الخلفي» هي الصرخة المرتفعة من مواطنيها عندما يواجههم رمي النفايات في جوارهم. وماذا يجب فعله بالفضلات يصير سؤالا مربكا بالنسبة الى ذوي العلاقة. وتطوف النقَّالات المائية المحمَّلة بآلاف الاطنان من الفضلات السامة البحارَ باحثة عن «فناء خلفي» على شواطئ اجنبية. فيجري صدّ الكثير منها. ويعارضها التصميم «لا في فنائي الخلفي.»
في السنوات الاخيرة، صارت البلدان النامية ارض إلقاء النفايات لآلاف الاطنان من الفضلات غير المرغوب فيها. وقد جرى إلقاء بعضها في الحقول المكشوفة من قبل اناس عديمي المبادئ. «يكتشف الاوروپيون والاميركيون ان حماية بيئتهم يمكن ان تعني تلويث بلدان شعوب اخرى،» كتبت مجلة وورلد پرِس ريڤيو.
وأخبرت المنبر الالماني عدد تشرين الاول ١٩٨٨ ان زوريخ، سويسرا، تصدِّر نفاياتها الفائضة الى فرنسا وأن كندا، الولايات المتحدة، اليابان، واوستراليا قد وجدت اراضي لالقاء النفايات في «الفناء الخلفي» لاوروبا الشرقية.
هكذا تسير الامور. «ان ازمة النفايات لا تشبه اية ازمة اخرى واجهناها،» قال احد رسميي الولايات المتحدة. «اذا كان هنالك جفاف يقلّل الناس استعمال الماء. ولكننا في هذه الازمة ننتج نفايات اكثر.»
-
-
منتوجات يمكن التخلص منها تصير نفايات لا يمكن التخلص منهااستيقظ! ١٩٩٠ | ايلول (سبتمبر) ٢٢
-
-
منتوجات يمكن التخلص منها تصير نفايات لا يمكن التخلص منها
أن يغفل المرء عن ازمة النفايات وما يساهم فيها هو تجاهل لممارسات هذا المجتمع اللامبالي. مثلا، هل تجدون ان المناشف الورقيّة في المطبخ هي اختيار اكثر جاذبية من المناشف القماشية؟ هل تستبدلون المناديل الورقيّة بمناديل كتانية وقت الطعام؟ اذا كان لديكم اطفال لا يزالون في «الحفاض،» هل تستعملون تلك التي يمكن التخلص منها عوضا عن «الحفاضات» القماشية؟ هل وجدتم انه من الملائم كثيرا شراء آلات الحلاقة والكاميرات التي يمكن التخلص منها؟ وأحداث قليلون اليوم قد كتبوا في وقت ما بقلم حبر سائل؛ فأقلام الحبر الجاف، التي بعضها يرمى هو بعينه والبعض الآخر له خراطيش تُرمى، حلَّت محلها منذ زمن طويل. وتطلب المؤسسات اقلام الحبر الجاف بالآلاف. ويوزعها المعلنون بالملايين.
ان الطلبات الخارجية من الشاي، القهوة، الكولا، الحليب المخفوق مع عصير الفاكهة، وأنواع الهمبرڠر السريعة التحضير لا توضع بعدُ في اكواب وعلى صوانٍ من الورق. فالأوعية من متعدد الستيرين polystyrene جعلتها قديمة الطراز. وهنالك سكاكين، شوك، وملاعق پلاستيكية، كلها ترمى في القمامة بعد استعمال واحد. ان عدد وتنوع وسائل الراحة التي ترمى لا نهاية لهما. «اننا مجتمع لامبالٍ،» قال مدير قسم الفضلات الصلبة لولاية نيويورك. «علينا ان نغيِّر طرائقنا.»
وماذا يمكن القول عن قناني الحليب الپلاستيكية بدلا من الزجاجية؛ الاحذية الپلاستيكية بدلا من الجلدية والمطاطية؛ معاطف المطر الپلاستيكية عوضا عن الالياف الطبيعية التي تمنع نفاذ الماء؟ وقد يتساءل بعض القراء كيف كان العالم قادرا على العمل قبل زمن الپلاستيك. ولاحظوا ايضا صف المنتوجات الواحد تلو الآخر في اوعية كبيرة الحجم، اذ تناديكم من رفوف الاسواق المركزية والاماكن الاخرى التي تباع فيها السلع المعلَّبة. وعصر الكمپيوتر — اذ يقذف آلاف الملايين من الصفحات الورقية — يزيد على الكومة الورقية الكبيرة الآن التي صارت بارتفاع جبل.
فكم من العناء نحن مستعدون ان نحتمل لكي نرى بعض الراحة من مشكلة النفايات المتزايدة هذه؟ على الرغم من ان الاميركيين وحدهم يلقون في علب نفاياتهم ما يقدَّر بـ ٣,٤ ملايين قلم و ٤,٥ ملايين آلة حلاقة يمكن التخلص منها في اليوم العادي، فمن غير المرجح ان يرجع هذا المجتمع نصف قرن الى زمن ما قبل عصر الپلاستيك والمواد التي يمكن التخلص منها ذات التكنولوجيا المتطورة، حتى لو ان الثمن الذي ندفعه لاجل وسائل الراحة هذه قد يكون مذهلا.
ويمكن قول الامر نفسه عن «الحفاضات» التي يمكن التخلص منها. «ان اكثر من ١٦ بليون ‹حفاض،› يحتوي على ما يقدَّر بـ ٨,٢ مليون طن من البراز والبول، يُلقى كل سنة في عدد متضائل من اماكن ردم النفايات في البلد،» اخبرت ذا نيويورك تايمز. واكثر من ٠٠٠,٢٧٥,٤ طن من «الحفاضات» المرمية قد يكون شيئا مثيرا للدهشة. «انها حالة مثالية،» قال خبير في الفضلات الصلبة من واشنطن، «وحيث نستعمل المنتوج الممكن التخلص منه الذي يكلف اكثر من المنتوج المعاد استعماله، يكون بيئيا خطيرا اكثر ويستهلك موارد لا يمكن تجديدها.» فهل الوالدون مستعدون لاحتمال عناء غسل «حفاضات» اطفالهم او الاشتراك في مؤسسة لغسل وتسليم «الحفاضات»؟ بالنسبة الى كثيرين، ان عالما بدون «حفاضات» ممكن التخلص منها لا يمكن التفكير فيه.
صارت «الحفاضات» التي يمكن التخلص منها بالنسبة الى الاختصاصيين في شؤون البيئة رمزا الى مشكلة النفايات بكاملها. «ما هو اسوأ،» تكتب اخبار الولايات المتحدة وأنباء العالم، «ان كل ‹حفاض› پلاستيكي صُنع منذ ان أُدخلت للاستعمال اولا في سنة ١٩٦١ لا يزال هناك؛ ويلزمها حوالي ٥٠٠ سنة لكي تنحل.»
ومع ذلك، يقول خبراء البيئة ورسميو الحكومة، لا بد من تغيير عاداتنا وإلاّ فسنُطمر احياء في نفاياتنا الخاصة. وقد تكون المنتوجات العصرية التي تُرمى نعمة للمستهلكين، لكنها قنبلة لاماكن إلقاء النفايات في الارض. ولا توجد نهاية امام اعيننا لحياة المواد الپلاستيكية المرمية. وخلافا للمعرفة التقليدية، فان الـ ٣٥٠ مليون پاوند من الورق التي يطرحها الاميركيون كل يوم، والمقدار الكبير غير المعروف عالميا، لا تنحلّ وتختفي في اماكن ردم النفايات حتى تحت اطنان من النفايات لسنوات. فالصحف التي أُخرجت في اماكن ردم النفايات بعد ان طُمرت لاكثر من ٣٥ سنة كانت واضحة للقراءة كاليوم الذي نُشرت فيه.
مشكلة تكرير النفايات
كُتب ان هنالك اربع طرائق فقط لمعالجة النفايات: «اطمروها، احرقوها، كرِّروها — او قبل كل شيء لا تصنعوا ذلك المقدار منها.» ان النفايات المطمورة في اماكن ردم النفايات لا تقدِّم فقط منظرا قبيحا ضارا بالصحة لاولئك الذين لا بد ان يعيشوا على مقربة منها بل يمكن ايضا ان تصير مصدر خطر للصحة. فاذ تتفكك الفضلات في اماكن ردم النفايات تنتج غازا لا لون له ولا رائحة، سريع الالتهاب، يدعى مِتان methane. واذا لم يسيطَر عليه يمكن ان ينتقل المِتان تحت سطح الارض بعيدا عن مكان ردم النفايات، يقتل الحياة النباتية، يتغلغل في الابنية القريبة، وينفجر اذا اشتعل. وقد انتج الموت في بعض الحالات. ومستودعات الماء التي تحت سطح الارض، او المكامن المائية، مهدَّدة اذ تتسرَّب المواد الكيميائية الخطرة في الارض وتلوث مخزون الماء الذي للانسان.
والمشكلة في تكرير ورق الصحف هي، على وجه التخصيص، المخزون الزائد الهائل. «بلغ مخزون فضلات الصحف الرقم القياسي،» قال ناطق بلسان المؤسسة الاميركية للورق. «ان المصانع وتجار الورق يملكون في مخازنهم اكثر من مليون طن من الصحف، التي تمثل ثلث الانتاج في السنة. وتأتي مرحلة تكون فيها مساحة المستودع ملآنة كاملا.» ونتيجة لفيض الورق هذا فان المدن الكثيرة التي كانت تُعِدّ ٤٠ دولارا للطن لاجل ورقها منذ سنة تدفع الآن للمتعهدين ٢٥ دولارا للطن لنقله بعيدا — ليُحرق او يُطمر في اماكن ردم النفايات.
وماذا يمكن القول عن المواد الپلاستيكية؟ «ان صناعة المواد الپلاستيكية تسعى الى دعم التكرير، وعلى الاغلب خوفا من ان يجري حظر منتوجاتها الكلية الوجود إن لم يكن الامر كذلك،» قالت اخبار الولايات المتحدة وأنباء العالم. فيمكن، مثلا، تحويل القناني الپلاستيكية الى ألياف لصنع سجادات من الپوليستر، لُحَم (خيوط تُنسج عرضا) لبعض انواع الستَر، ومجموعة من الاشياء الاخرى. ومع ذلك، فان الصناعة تعمل حسنا بأن تكون مهتمة بسوقها. فبعض الاماكن وضعت تشريعا يحظر استعمال وبيع كل منتوجات متعدد الستيرين polystyrene والكلوريد المتعدد الڤينيل PVC في مؤسسات بيع الطعام بالمفرق. ويشمل الحظر اكياس البقول الپلاستيكية، اكواب وصواني الطعام من متعدد الستيرين، والاوعية من متعدد الستيرين التي تحتوي على الهمبرڠر السريع التحضير.
يقدَّر ان اكثر من ٧٥ في المئة من الفضلات الصلبة المحلية في الولايات المتحدة يمكن تكريرها. ولكن بسبب عدم الاكتراث العام، والنقائص في التكنولوجيا، لا يجري تحقيق هذه الامكانية الآن. «تكرير النفايات هو دخول فترة خطرة جدا،» قال احد خبراء تكرير النفايات. «فالكثير من الحكومات ستكابد المتاعب للنجاة من الكساد.»
ويقول بعض الرسميين ان احراق النفايات في مِحْرقات محلية ضخمة هو الجواب. ولكن هنا ايضا توجد المشاكل. فالاختصاصيون في شؤون البيئة يحذرون من ان حرق المواد الپلاستيكية والقمامة الاخرى يطلق مواد كيميائية سامّة، بما فيها الديوكسن، في الهواء. «يمكنكم فقط ان تعتبروا المِحْرقة مصنع ديوكسن،» قال احد الاختصاصيين المشهورين في شؤون البيئة. «وتنتج المِحْرقات ايضا اطنانا من الرماد الملوَّث غالبا بالرصاص والكدميوم،» اخبرت مجلة نيوزويك. ويمكن سماع احتجاج شعبي صاخب من المواطنين الذين يعيشون قرب مواقع المِحْرقات المقترحة. فلا احد يريدها في جواره. ويُنظر اليها كتهديد خطر للصحة والبيئة. وهكذا تستمر ازمة النفايات في التصاعد. فهل يملك احد الجواب؟
-
-
الفضلات النووية — النفايات المهلكةاستيقظ! ١٩٩٠ | ايلول (سبتمبر) ٢٢
-
-
الفضلات النووية — النفايات المهلكة
ان الهَيْل من النفايات المنزلية ليس الخطر الوحيد الذي يهدِّد بقطع الحياة عن هذا العالم. فهو يصير تافها الى جانب مشكلة الفضلات الاعظم جدا والمميتة اكثر. فمنذ تعلَّم الانسان استخدام الذرَّة لصنع الاسلحة النووية وتوليد الكهرباء، وُجد العلماء في مأزق يتعلق بالاساليب الممكنة الاكثر امانا للتخلص من الفضلات النووية المشعة جدا التي تنتجها الاجهزة.
جرى انفاق آلاف الملايين من الدولارات على الجهود لايجاد طرائق لمنع تلوث الناس والبيئة للاجيال القادمة بهذه الفضلات المميتة. مهمة هائلة، فعلا، اذ يمكن للفضلات المشعة ان تبقى مهلكة لكل الاشياء الحية طوال آلاف السنين!
ولعقود جرى إلقاء الكثير من هذه الفضلات في حفر للطمر وأحواض نزَّة في مكان العمل عينه اعتقادا ان المواد الخطرة تُخفَّف وتصير غير مؤذية — افتراض تبرهن انه كارثة في تأثيراته، كما سنرى. وملايين الڠالونات من الفضلات المشعة ذات المستوى العالي جرى خزنها في صهاريج ضخمة تحت سطح الارض؛ وجرى حصر فضلات اخرى في براميل وخزنها فوق سطح الارض، اسلوب آخر للتخلص من النفايات تبرهن انه خطر.
وهذه الفضلات النووية خطرة ومهلكة جدا حتى ان العلماء اخذوا بعين الاعتبار كل شيء من اطلاق الفضلات الى الفضاء الخارجي حتى وضعها تحت طبقات الجليد القطبية. وهنالك الآن تحت الاستقصاء احتمال اسقاط علب صغيرة من الفضلات في المحيط الهادئ الشمالي حيث يُتوقع ان تتغلغل مئة قدم (٣٠ م) في الوحل تحت قعر المحيط. «لدينا مواد على هذا الكوكب يجب ان نعالجها، إما على الارض، في الماء او تحت مياه المحيط. هذا كل ما لدينا،» قال نائب رئيس معهد وودز هول لعلم المحيطات.
في الوقت الحاضر، كحلّ مؤقت حتى يمكن ايجاد اسلوب اكثر امانا واستمرارا للتخلص من الفضلات، يجري خزن معظم هذه المادة المشعة في برك ملآنة بالماء داخل ابنية مقفلة باحكام. فلدى اونتاريو، كندا، مثلا، ١٦ مُفاعِلا نوويا قد انتج اكثر من ٠٠٠,٧ طن من الفضلات المشعة، مخزونة الآن في اوعية كهذه. وبريطانيا ايضا تواجهها المشكلة المحيِّرة حول ما يجب فعله بفضلاتها. وحاليا، تُحفظ الفضلات ذات المستوى الخطير في مواقع فوق سطح الارض، ويُتوقع ان تستمر هذه السياسة حتى يمكن ايجاد واختبار مواقع ضد التسرّب تحت سطح الارض. وتحاول ايضا فرنسا، المانيا، واليابان ان تحارب مشكلة الفضلات النووية التي لها.
«السياسة الرسمية في الولايات المتحدة،» اخبرت ذا نيويورك تايمز، «هي ان الاسلوب الاكثر امانا هو الطمر في ‹خزّان جيولوجي عميق،› مكان ما جاف، مستقر ومهجور. ولكنّ ايجاد الموضع يبرهن انه صعب.» انه صعب فعلا! ووفقا للعلماء، لا بد ان يكون مكانا جافا ومستقرا حتى يتمكن من ايواء المادة بأمان طوال ٠٠٠,١٠ سنة. وعلى الرغم من ان بعض هذه الفضلات الذرية يمكن ان يبقى مهلكا طوال ما يقدَّر بـ ٠٠٠,٢٥٠ سنة، يعتقد الخبراء ان الكثير جدا من التغيير الجيولوجي سيحدث خلال ٠٠٠,١٠ سنة «بحيث يكون من التفاهة ان يحاول المرء التخطيط لمدة اطول.» «لا اعرف ايّ نموذج تخميني على وجه الارض يمكن ايضا ان يتحدث عن احتمالات مستقبلية لـ ٠٠٠,١ سنة،» قال احد خبراء الاشعاع المشهورين. وأضاف انه «صعب التحدث عن مجازفة صحية لـ ٠٠٠,١ سنة في المستقبل.»
كارثة!
عندما كشف العلماء اسرار الذرَّة اطلقوا العنان لظاهرة جديدة غريبة لم يكونوا مستعدين للسيطرة عليها — كابوس التلوث المميت الذي كان سيتبع. وحتى بعد ان جرى تحذيرهم من الخطر المحتمل، تجاهل رسميو الحكومة التحذيرات عمدا. واذ صارت الاسلحة الذرية في المقام الاول بالنسبة الى الدول ذات المقدرة والمواد لصنعها، جرى التخلي عن الاعتبار للصحة وحياة الناس وطبيعة البيئة. وجرى استعمال اساليب غير متقنة في جمع الفضلات المميتة. مثلا: في احد مصانع الاسلحة الذرية «سُكب اكثر من ٢٠٠ بليون ڠالون [٧٥٠ بليون ل] من الفضلات الخطرة، ما يكفي لغمر مانهاتن الى عمق ٤٠ قدما [١٢ م]، في حفر وأهوار غير مبطَّنة،» كتبت اخبار الولايات المتحدة وأنباء العالم عدد آذار ١٩٨٩. «وقد لوَّث التسرّب السام ما لا يقل عن ١٠٠ ميل مربع (٢٦٠ كلم٢) من ماء الارض. وحوالي ٤٥ مليون ڠالون (١٧٠ مليون ل) من النفاية المشعة ذات المستوى الخطير يجري خزنه في صهاريج ضخمة تحت سطح الارض، واكثر من ٥٠ قنبلة بحجم قنبلة ناڠازاكي يمكن بناؤها من الپلوتونيوم الذي تسرَّب من هذه الاوعية،» قالت المجلة. ويقدَّر ان تنظيف هذا الموقع سيكلف ما يعادل ٦٥ ألف مليون دولار.
صارت بعض صهاريج الحفظ المبنية لتحتوي على الفضلات النووية ساخنة جدا من الحرارة المشعة بحيث تصدَّعت. ويقدَّر ان نصف مليون ڠالون (مليوني ل) من الفضلات المشعة تسرَّب في الارض. وتلوثت مياه الشرب بالسترونسيوم-٩٠ المشع ألف مرة اكثر من الحد المسموح به لمياه الشرب كما حددته وكالة حماية البيئة. وفي مصنع آخر للاسلحة الذرية، «تتسرَّب المواد المشعة من حفر الفضلات التي تحتفظ بـ ١١ مليون ڠالون [٤٢ مليون ل] من اليورانيوم . . . الى مكمن مائي وقد لوَّثت الآبار على بعد نصف ميل [٨,٠ كلم] جنوبي المرفق،» اخبرت ذا نيويورك تايمز. وأخبرت الصحيفة ايضا انه في ولاية واشنطن جرى سكب آلاف الملايين من ڠالونات المياه الملوَّثة على الارض، ومجرى ثابت من التريتيوم المشع يجري في نهر كولومبيا.
وفي آيداهو رشحت آثار الپلوتونيوم من الحفر القليلة العمق للفضلات في مجمَّع معالجة الفضلات المشعة، اخبرت ذا نيويورك تايمز. «انها تتحرك عبر طبقات الصخر نحو خزان ماء واسع تحت سطح الارض يزوِّد الآلاف من سكان آيداهو الجنوبية.» لقد تغلغل العنصر المميت الى عمق ٢٤٠ قدما (٧٠ م)، نصف المسافة تقريبا الى المكمن المائي، قالت الصحيفة.
كم مميتة هي فضلات الپلوتونيوم هذه التي سُكبت في الانهر والمجاري المائية وقُذفت في الهواء؟ «يبقى الپلوتونيوم مشعا طوال ٠٠٠,٢٥٠ سنة،» اخبرت ذا نيويورك تايمز، «وحتى الجسيمات المتناهية الصغر يمكن ان تكون مهلكة اذا جرى تنشقها او ابتلاعها.» «ان تنشق مجرد مقدار ضئيل من غبار الپلوتونيوم يمكن ان يسبب السرطان،» قالت مجلة نيوزويك.
ان تأثيرات الفضلات النووية الفورية والطويلة الاجل في الناس ليست معروفة. وربما لن تكون كذلك ابدا. ولكن يكفي القول انه في مصنع ذري واحد أُخبر عن ١٦٢ حالة سرطان بين اولئك الذين يعيشون ضمن حدود عدة اميال من المرفق. الناس خائفون من شرب الماء، والخوف يزداد. «سيكون لديهم في ايّ مكان من ست الى ٢٠٠ حالة سرطان اضافية،» قال دكتور جامعي ومستشار لعمال المصنع. «جميعهم مذعورون. ويشعرون كأنهم فقدوا السيطرة على بيئتهم وحياتهم.»
وهم كذلك. ومنذ قرون كثيرة قال نبي امين ليهوه: «عرفت يا رب انه ليس للانسان طريقه. ليس لانسان يمشي ان يهدي خطواته.» (ارميا ١٠:٢٣) وبالتأكيد برهن التاريخ ان هذه الكلمات صحيحة — وهي كذلك على نحو دراماتيكي في هذه الايام الاخيرة. ان ازمة النفايات المتزايدة هي مجرد واحدة من فشل الانسان الكثير في هداية خطواته بحكمة.
وعلى الرغم من ذلك، لا توجد حاجة الى اليأس. ونبوة الكتاب المقدس تُظهر بوضوح ان نظام الاشياء الحاضر هذا سيزول قريبا وأن عالما جديدا سيُدخله الخالق. فهو لن يحتمل لمدة اطول ما يفعله الانسان للارض ولنفسه لكنه ‹سيهلك الذين كانوا يهلكون الارض.› (رؤيا ١١:١٨) وبعد ذلك، تحت ادارة الخالق، سيتعلم البشر كيفية الاعتناء بالارض على نحو لائق وكيفية استعمال مواردها بحكمة. — مزمور ٣٧:٣٤؛ ٢ بطرس ٣:١٠-١٣.
-